تفسير سورة التين

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة التين من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة التين (١)

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾ وقال ابن عباس (٢) (في رواية الكلبي) (٣): يعني تينكم وزيتونكم، وهو قول الحسن (٤)، ومجاهد (٥)،
(١) مكية في قول الأكثرين، ومدنية في قول ابن عباس، وقتادة "النكت والعيون" ٦/ ٣٠٠، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٠.
(٢) ورد قوله في "معاني القرآن" للفرء: ٣/ ٢٧٦، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٧/ ب من غير ذكر طريق الكلبي، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٩١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٤، وعزاه إلى ابن عباس، والكلبي، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٩، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٤ ولم يذكر طريق الكلبي، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٨ من غير ذكر الكلبي، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٠ ونسبه إلى ابن عباس والكلبي، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٩٠ من غير ذكر الكلبي.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) ورد بنحو من قوله في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٨، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٧ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٠٠، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٩، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٥٧ وعزاه إلى عبد بن حميد، و"التحرير والتنوير" ٣٠، ٤٢٠، و"تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤٢٩.
(٥) المراجع السابقة عدا "جامع البيان"، و"النكت والعيون"، و"تفسير الحسن البصري"، وانظر أيضًا "تفسير الإمام مجاهد" ص ٧٣٧.
143
(وعكرمة (١)، وإبراهيم (٢)) (٣)، ومقاتل (٤)، قالوا: هو تينكم الذي تأكلون، وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت.
وعلى هذا إنما ذكر الله تعالى هذا القسم بالتين؛ لأنه فاكهة مخلصة من [شوائب] (٥) التنغيص (٦)، وفيه أعظم العبرة لدلالته على (٧) من هيأها على تلك الصفة، وخلصها لتكامل اللذة على مقدار اللقمة، فالله عز وجل المنعم به على عباده، والمنة على مَا فيه ليعتبروا ويشكروا.
وقد روى أبو ذر رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في التين: "لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة، قلت هذه، لأن فاكهة الجنة بلا عجم (٨)، فكلوها، فإنها تقطع البواسير (٩)، وتنفع من النقرس (١٠) ".
(١) ورد معنى قوله في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٨، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٧ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٠٠، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٠، و"التحرير والتنوير" ٣٠/ ٤٢٠.
(٢) المراجع السابقة، وانظر: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٩.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) "تفسير مقاتل" ٢٤٤ أ، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٧ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٤ "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٠.
(٥) (شايب) هكذا وردت في النسختين، وأثبت ما جاء في "الوسيط" ٤/ ٥٢٣ لسلامة السياق به.
(٦) (التنغيص): أي كَدَّره. "مختار الصحاح" ص ٦٧٠ (نغص).
(٧) في (ع): (عن).
(٨) العَجَمُ: النَّوى، نوى التمر والنبق، و"لسان العرب" ١٢/ ٣٩١ (عجم).
(٩) "البواسير" مفرده الباسور، وهي عِلَّة تحدث في المقعدة، وفي داخل الأنف أيضًا. "الصحاح" ٢/ ٥٨٩ (بسر)، وانظر: "لسان العرب" ٤/ ٥٩ (بسر).
(١٠) النقرس: مرض مزمن يؤدي إلى أورام شديدة في المفاصل، ويأتي نتيجة فشل =
144
وأما الزيتون فإنه يعتصر منه الزيت الذي يدور في أكثر الأطعمة مع [الاصطباغ] (١) به، والأدهان، واتخاذ الصابون، ثم ما في شجره من أنه مال يبقى على مرور الزمَان، ثم ما فيه من الطيب، وإصلاح الغذاء؛ إذا تُنوِلَ على الحالة الأولى قبل العصر.
وقال قتادة: التين الجبل الذي عليه دمشق (٢)، والزيتون الجبل الذي
= الجسم في أداء مهمته الطبيعية لتحليل أنواع معينة من البروتين مما ينتج عنه زيادة كبيرة في حمض اليوريك تتجمع في الدم، وداء المفاصل، ويعتبر الاستعداد للإصابة بالنقرس وراثيًا، وليس للنقرس علاج حتى الآن، إلا أن السيطرة عليه ممكنة باتباع التعليمات بشكل دائم مستمر، و"الموسوعة العربية العالمية" ٢٥/ ٣٥٦.
ووردت الرواية في "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٨ أ، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٩، و"الكثساف" ٤/ ٢٢٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٠، قال ابن حجر في "الكافي" ٤/ ١٨٦، الحديث أخرجه أبو نعيم في الطب، والثعلبي من حديث أبي ذر، وفي إسناده من لا يعرف.
(١) في: (أ)، (ع) (الاصطباح)، هكذا وردت في النسختين، ولم أتوصل لمعرفة معناه، فأثبت ما جاء في النسخة المطبوعة "للوسيط" ٤/ ٥٢٣.
(٢) دمشق: عاصمة الجمهورية العربية السورية، وأكبر مدينة في البلاد السورية على الإطلاق، وهي أكثر المدن السورية سكانًا بسبب الهجرة الكثيفة إليها من المناطق المجاورة، والمدن الأخرى، يخترقها نهر بردى، وتحيط بها بساتين الغوطة، وتشتهر دمشق القديمة بأسواقها المسقوفة، وأهمها سوق الحميدية، وسوق مدحت باشا، وسوق الحرير، أشهر مساجدها الجامع الأموي، ومسجد السنانية، ومن المساجد الحديثة: الجامع الأكرمي في حي المزة، وتعتبر الغوطة برمها منتزهاً لأهالي دمشق بالإضافة إلى حدائق وادي بردى. وقد قيل لقد سميت دمشق لأنهم دَمشَقوا في بنائها أي أسرعوا. انظر: "للموسوعة العربية العالمية" ١٠/ ٣٦٨ - ٣٧٢، وانظر: "معجم البلدان" ٢/ ٤٦٣.
145
عليه بيت المقدس (١) (٢).
ونحو هذا قال ابن زيد؛ إلا أنه خص المسجدين فقال: التين مسجد دمشق، والزيتون (مسجد) (٣) بيت المقدس (٤).
وروى (أبو مكين (٥)) (٦) عن عكرمة قال: هما جبلان (٧).
(١) بيت المقدس: هي مدينة مرتفعة على جبال يُصعد إليها من كل مكان يقصدها المقاصد من فلسطين، وبها المسجد الأقصى، وليس في بيت المقدس ماء جار سوى عيون لا ينتفع المزروع بها، وهي من أخصب بلاد فلسطين على مر الأوقات، وفي سورها موضع يعرف بمحراب داود النبي عليه السلام، وهو بنية مرتفعة ارتفاعها نحو خمسين ذراعاً من الحجارة، وبأعلى بناء كالحجرة، وهو المحراب. انظر: "المسالك والممالك" للأصطخري ص ٥٦، و"صورة الأرض" لابن حوقل ص ١٥٨.
(٢) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٨٢، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٩، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٩١، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٨ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٤، و "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١١، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٨٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤٥ ونسبه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن عساكر، و"فتح القدير" ٥/ ٤٦٤.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٩، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٠٠، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٩، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٦٣، و"فتح القدير" ٥/ ٥٦٤.
(٥) أبو مكين: نوح بن ربيعة الأنصاري؛ مولاهم، روى عن عكرمة مولى ابن عباس، وعنه الحكم بن أبان. صدوق.
انظر: "التاريخ الكبير" ٨/ ١١١: ت ٢٣٨٣، و"تهذيب الكمال" ٣/ ٥٠ ت ٦٤٩٢، و"تقريب التهذيب" ٢/ ٣٠٨: ت ١٦٦.
(٦) ساقط من (أ).
(٧) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٩ من طريق أبي بكر عن عكرمة، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٨/ أ، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٥.
146
وحكى الفراء قال: سمعت رجلاً (١) كان صَاحب تفسير قال: "التين" جبال ما بين [حلوان (٢)] (٣) إلى همذان (٤)،
و"الزيتون" جبال الشام (٥) (٦).
وعلى هذا سميت هذه الأمكنة بالزيتون والتين، لأنها تنبتهما، وهي
(١) رجل من أهل الشام هكذا جاء في المعاني.
(٢) حُلوان: لعله يراد به حلوان العراق، وهي بلدة تاريخية، تقع في شمال الجزيرة، قيل: كانت كبرى مدن العراق بعد بغداد، والكوفة، والبصرة، وواسط، وسامراء، استولى عليها جرير بن عبد الله عام ١٩ هـ، فهرب منها يزدجرد إلى أصبهان، أكثر ثمارها التين، وهي بقرب الجبل، وليس للعراق مدينة بقرب الجبل غيرها. "القاموس الإسلامي" أحمد عطية: ٢/ ١١٤. وانظر: "معجم البلدان" ٢/ ٢٩٠.
(٣) ما بين المعقوفين غير مقروء في: (ع)، وفي (أ): (حوالي)، والمثبت من مصدر القول من معاني الفراء.
(٤) هَمَذَان: من مدن فارس، وتعد أكبر المدن الجبلية فيها، عذب ماؤها، طيب هواؤها، فتحها المغيرة بن شعبة (في سنة ٢٤ هـ. انظر: "معجم البلدان" ٥/ ٤١٠ وما بعدها، و"مراصد الاطلاع" للبغدادي ٣/ ١٤٦٤.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٦ بيسير من التصرف.
(٦) الشام: بفتح أوله، وسكون همزته أو فتحها، ولغة ثالثة بغير همز، وفي تسميتها بالشام أوجه منها: أنها مأخوذة من اليد الشؤمى، وهي اليسرى؛ لأنها عن يسار الكعبة، وقيل: الشام جمع شامة؛ سميت بذلك لكثرة قراها، وتداني بعضها من بعض، فشبهت بالشامات، وقيل غير ذلك، وبها من أمهات المدن: منبج، وحلب، وحماة، وحمص، ودمشق، وبيت المقدس.
ومن سواحلها: عكا، وصور، وعسقلان، وغير ذلك، وكانت تتكون فيما سبق من سوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن، ولكن منذ العرب العالمية الأولى انقسم هذا الإقليم إلى وحدات سياسية هي: سوريا، ولبنان، وفلسطين، وشرق الأردن.
انظر: "معجم البلدان" ٣/ ٣١١، و"مراصد الاطلاع" ٣/ ٧٧٥، و"صورة الأرض" لابن حوقل ١٥٣، و"مسالك الممالك" للأصطخري ٥٥، و"القاموس الإسلامي" ٤/ ٢٢.
147
منابت لها (١).
فيجوز أن يكونْ على حذف المضاف، بتقدير: ومنابت التين والزيتون (٢).
ويجوز أن يكون قد أطلق عليها اسم ما تنبته.
٢ - قوله تعالى: ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ قال المفسرون: أراد الجبل الذي كُلم عليه موسى (٣).
فاختلفوا في "سنين" فقال عكرمة هو: الحسن بلغه الحبشة (٤).
(١) انظر ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ص ٥٣٢.
(٢) قال القرطبي: وأصح هذه الأقوال: الأول، ويعني به من قال: تينكم وزيتونكم، ثم قال: لأنها الحقيقة، ولا يُعْدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل، ثم بين أن من قال بخلاف ظاهر القرآن أنه قول لا دليل عليه. "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١١، وإلى هذا ذهب أيضًا الشوكاني في "فتح القدير" ٥/ ٤٦٥.
(٣) قال ابن عطية: لم يختلف أنه جبل بالشام كلم الله عليه موسى، ومنه نودي، وفيه مسجد موسى، فهو الطور. "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٩، وعزاه إلى كعب الأحبار والأكثرية كل من الخازن في "لباب التأويل" ٤/ ٣٩١، وابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٦٣.
كما قال به أيضًا: الحسن، وعكرمة. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٢.
وبه قال الثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٨ ب.
وقال آخرون: إن الطور هو الجبل من غير تخصيص بأنه الذي كلم عليه موسى. من هؤلاء: عكرمة، وعمر، ومجاهد، والكلبي، وقتادة، ومقاتل، وابن عباس. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٠ - ٢٤١، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٨ ب.
وقال به اليزيدي في "غريب القرآن" ص ٤٣٤، والسجستاني في "نزهة القلوب" ص ٣١٥.
(٤) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٠، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٨ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٠١، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٩.
148
ورواه (عن) (١) ابن عباس قال: "الطور" الجبل، "وسينين" الحسن (٢). (ونحو ذلك روى عطاء عنه (٣)) (٤).
وقال مجاهد: "سينين" المبارك (٥).
وقال قتادة: "طور سينين": جبل بالشام، مبارك، حسن (٦).
وقال الكلبي: هو الجبل المشجر ذو الشجر (٧)، وهو قول مقاتل، قال: كل جبل فيه شجر مثمر فهو سينين (٨).
وسيناء بلغة النبط (٩).
(١) ساقط من (أ).
(٢) "التفسير الكبير" ٣٢/ ١٠ برواية عكرمة عن ابن عباس، وكذلك في "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٥٥ وعزاه إلى ابن أبي حاتم، و"المستدرك" ٢/ ٥٢٨: في تفسير سورة والتين. وقال صحيح ووافقه الذهبي.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) "تفسير الإمام مجاهد" ٧٣٧، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٤١، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٨ ب، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٩، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ١٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٢، و"فتح القدير" ٥/ ٤٦٥.
(٦) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٨٢، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٨ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٠١ مختصرًا، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٢ مختصرًا، و"فتح القدير" ٥/ ٤٦٥.
(٧) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤١، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٨ ب، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ١٠، وبمعناه في "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٢، و"فتح القدير" ٥/ ٤٦٥.
(٨) "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٨ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٥، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ١٠، وبمعناه في "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٢، و"فتح القدير" ٥/ ٤٦٥.
(٩) النَبط، والنَبِيط: قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين والجمع أنباط. "الصحاح" ٣/ ١٩٣ (نبط)، و"لسان العرب" ٧/ ٤١١ (نبط).
149
(هذا قول المفسرين) (١) وسينين مثل سيناء، وقد مضى الكلام فيه (٢).
والأولى عند النحويين (٣)، أن يكون سينين وسيناء اسمًا للمكان الذي به الجبل، أضيف إلى ذلك المكان سمي: "سينين" و"سيناء" على مَا ذكره المفسرون لحسنه أو لبركته أو لنباته.
ولا يجوز أن يكون "سينين" نعتًا للطور لإضَافته إليه.
قال أبو علي الفارسي: "سينين" فِعْليل كرِّرت اللام التي هي نون في زحليل (٤)، وكرديد (٥)، وخنذيذ (٦) (٧)، وإنما لم ينصرف "سينين كما لم ينصرف سيناء لأنه جعل اسمًا للبقعة، أو أرض كما جعل سيناء كذلك، ولو جعل اسمًا للمكَان أو المنزل ونحو ذلك من الأسماء المذكورة لا نصرف؛ لأنك كنت سميت مذكرًا بمذكر (٨).
(١) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٢) عند تفسير الآية: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٠]، وقد فسرت بنحو مما جاء هنا: انظر: "البسيط" ٤/ ٢٥ ب.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" ١٣/ ٧٩: (سان).
(٤) الزَّحليل: السريع، وأيضًا المكان الضيق الزَّلِق من الصفاء وغيره."لسان العرب" ١١/ ٣٠٣ (زحل).
(٥) كرديد: الكِرْديِدة: القطعة العظيمة من التمر، وهي أيضًا جُلَّةْ التمر. "لسان العرب" ٣/ ٣٧٩ (كرد).
وفي "الصحاح" ما يبقى في أسفل الجُلَّة من جانبيها من التمر: ٢/ ٥٣١ (كرد).
(٦) الخنذيذ: الشاعر المجيد الْمُنَقّح المُفْلِقُ، وأيضًا: الشجاع البُهْمَة، وأيضًا: السخي التام السخاء: وأيضًا: الخطيب المُصقِع، وأيضًا: السيد الحليم. "لسان العرب" ٣/ ٢٨٩: (خنذ)، وانظر: "تاج العروس" ٢٠/ ٦١ (خنذ).
(٧) في: (أ): (نزيد).
(٨) نقلاً عن "الحجة" ٥/ ٢٩٠ باختصار شديد.
150
٣ - قوله ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ قال المفسرون "يعني البلد الحرام مكة (١). يأمن فيه الخائف في الجاهلية والإسلام.
قال الفراء: الأمين: الآمن، تقول: للآمن الأمين، وأنشد (٢):
أَلَمْ تعلمى يَا اَسْمَ وَيْحَكِ أَنَّنى.... حَلَفْتُ يَمينًا لا أخونُ أميني (٣)
قال: يريد آمنى (٤).
وقال أبو علي: وصفه بالأمين فجرى الوصف على البلد في اللفظ
(١) حكى الإجماع على ذلك: ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٩، وابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٣.
وممن قال بذلك ابن عباس، وكعب، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وإبراهيم، وابن زيد إلا أنه خصصه بالمسجد الحرام. انظر: "جامع البيان" ٣/ ٢٤٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٦٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٥٤ - ٥٥٦. وإلى هذا القول ذهب ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ص ٥٣٢، والزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٣، والسمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٩١، والثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٨ ب، والماوردي في "النكت والعيون" ٦/ ٣٠١.
وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٤، "الكشاف" ٤/ ٢٢٢، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٦، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ١٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٣، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٩١، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٩٠، و"فتح القدير" ٥/ ٤٦٥.
(٢) غير منسوب لأحد.
(٣) ورد البيت أيضًا في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤١، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٨ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٣، و"لسان العرب" ١٣/ ٢١: (آمن)، و"الأضداد" للأصمعي ص ٥١، "الأضداد" لابن السكيت ٢٠٤.
موضع الشاهد "أميني" والعرب تقول للآمِنِ: الأمين، والمعنى: كأنه أراد لا أخوان آمني. انظر: "شرح أبيات معاني القران" للفراء ٣٧١.
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٦.
151
والمعنى على من فيه من طارئ، وقاطن (١)، وهذا أمن في حكم الشرع لا يهاج فيه، ولا يفعل به مَا يكون غير آمن، وهذه كلها أقسام (٢).
ثم ذكر المقسم عليه فقال: قوله ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ يعني آدم، وذريته.
﴿فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ معني التقويم: تصيير الشيء على مَا ينبغي أن يكون في التأليف، والتعديل يقال: قومته تقويمًا فاستقام وتقوم (٣).
ولهذا قال المفسرون (في قوله: ﴿فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾: في أحسن صورة (٤)، والمعني في أحسن تصوير، والتصوير: تقويم الصورة على ما ينبغي أن تكون في التأليف) (٥).
(١) قاطن: قطَن بالمكان أقام به، وتوطنه فهو قاطِن. "مختار الصحاح" ص ٥٤٤ (قطن)، وانظر: "المصباح المنير" ٢/ ٦١٥ (قطن).
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) جاء عن ابن فارس: قوم: أصلان صحيحان يدل أحدهما: على جماعة ناس، وربما أستعير في غيرهم، والآخر: على انتصاب أو عزم.
فقولهم: قام قياماً، والقَوْمة المرَّة الواحدة إذا انتصب، ويكون قام بمعنى العزيمة، كما يقال: قام بهذا الأمر إذا اعتنقه.
ومن الباب: قوَّمْتُ الشي تقويماً، وأصل القِيمة: الواو، وأصلُه أنك تُقيم هذا مكان ذاك، قال: بلغنا أن أهل مكة يقولون: استقمت المتاع أي قَوَّمْتُه.
"مقاييس اللغة" ٥/ ٤٣ (قوم)، وانظر:"لسان العرب" ١٢/ ٤٩٨ (قوم).
(٤) قال بذلك: قتادة، والكلبي، وابن عباس بمعناه، وإبراهيم، وأبو العالية، ومجاهد. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٥٧.
ورجحه الطبري أيضًا، وقال به الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٣، والسمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٩١، وانظر: "لباب التأويل" ٤/ ٣٩١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٦٣.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ).
152
(قال المفسرون) (١): إن الله (تعالى) (٢) خلق كل ذي روح مُكبًا على وجهه إلا الإنسان خلقه مديد القامة؛ يتناول ما يأكله بيده (٣).
وقال الكلبي: أقسم الله بما ذكر لقد أنعم على الإنسان بتقويم الخلق (٤).
وقال الفراء: يقول إنا لنبلغ بالآدمي أحسن تقويمه، وهو اعتداله، واستواء شبابه، وهو أحسن مَا يكون، ثم رده إلى أرذل العمر (٥)، (وذلك
٥ - قوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾) (٦)
(قال ابن عباس في رواية عطاء، والكلبي: يريد أرذل العمر (٧)) (٨)،
(١) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٢) ساقط من (أ).
(٣) قال بذلك ابن عباس في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٥٧، وبه قال السمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٩١، والثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٩ أ، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٤، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٩١.
(٤) "الوسيط" ٤/ ٥٢٤.
(٥) " معاني القرآن" ٣/ ٢٧٦.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٧) ورد قوله من غير ذكر طريق عطاء، أو الكلبي في:
"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٩ أ، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ١١، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٥٤ وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
كما ورد قوله في "تفسير الإمام مجاهد" ص ٧٣٧ من طريق أبي رزين عنه، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٦ بروإية العوفي عنه، وورد بمثل بروايته لكن عن الكلبي في "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٨٣، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٠٢.
(٨) ما بين القوسين ساقط من (أ).
153
وهو قول: إبراهيم (١)، وعكرمة (٢)، (ومقاتل (٣)) (٤)، وقتاده (٥)، قالوا: إلى الهرم.
قال ابن قتيبة: السَّافلون هم الضعفاء، والزَّمنى (٦) (٧)، والأطفال، ومن لا يستطيع حيلة، ولا يجد سبيلاً، يقال: سَفَل يَسْفُل فهو سَافِل، وهم سَافِلون، كما يقول: عَلا يعْلو، فهو عالٍ، وهم عَالون، وهو مثل قوله، ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ (٨)﴾ (٩)، وأراد أن (الخرف) (١٠) الهرم يَخْرَفُ ويُهْترُ وينقص خلْقه، ويضعف بصره وسمعه، وتقل حيلته، ويعجز عن عمل الصَالحات، فيكون أسفل هؤلاء جميعًا (١١).
وقال الفراء: ولو كانت أسفل سَافل لكَان صوابًا؛ لأن لفظ الإنسان
(١) ورد معنى قوله في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٤، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٦.
(٢) ورد معنى قوله في المرجعين السابقين، وأيضًا: "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٩ أ، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٠٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٥٨ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم.
(٣) بمعناه في "تفسيره" ٢٤٤ أ.
(٤) ساقط من (أ).
(٥) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٨٣، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٥٠، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٦.
(٦) (الزمنا) كلا النسختين.
(٧) الزَّمني: واحدها زَّمانة وهي العاهة، ورجل زَمِن أي مُبتلىً بين الزَّمانة. "لسان العرب" ١٣/ ١٩٩ (زمن)، و"الصحاح" ٥/ ٢١٣١ (زمن).
(٨) (ثم رددناه إلى أرذل العمر) هكذا جاء في النسختين، وهو تصحيف.
(٩) سورة النحل: ١٦، وسورة الحج: ٥.
(١٠) ساقط من (أ).
(١١) "تأويل مشكل القرآن" ص ٣٤٢ بنصه.
154
واحد فقيل: سَافلين عى الجمع؛ لأن الإنسان في معنى الجمع، وأنت يقول: هذا (أفضل) (١) قائم، ولا تقول: هذا (أفضل) (٢) قائمين؛ لأنك تضمر لواحد، فإذا كان الواحد غير (مقصود) (٣) له رجع اسمهُ بالتوحيد، وبالجمع. كقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [الزمر: ٣٣]، وقال: ﴿وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [الشورى: ٤٨]، [فرد الإنسان على جمع، ورد تصبهم على الإنسان] (٤) للذي أنبأتك به (٥) (٦).
وفي الآية قول آخر، قال مجاهد: ثم رددناه إلى النار (٧)، وهو قول الحسن (٨)، وأبي العالية (٩).
(١) فضل: هكذا جاء في النسختين، وأثبت ما جاء في "المعاني".
(٢) فضل: هكذا وردت في النسختين، وأثبت ما جاء في "المعاني".
(٣) جاء في النسختين (مصمود)، وأثبت ما جاء في المعاني لاستقامة المعنى به. وقد ذكر محقق "معاني القرآن" في الحاشية أنه في الأصل مكتوب: مصمود، وذكر أنه خطأ، وأثبت على ذلك ما جاء عند الطبري. انظر "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٦.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من النسختين، وأثبته من "معاني القرآن" لانتظام الكلام به.
(٥) بياض في (ع).
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٧.
(٧) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٥، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٩ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٠٢، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٠٠، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٧، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ١١، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٥، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٩٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٦٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٥٥، وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
(٨) المراجع السابقة عدا: "النكت"، وانظر أيضًا: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٨٣، و"تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤٣٠.
(٩) المراجع السابقة عدا "التفسير الكبير"، و"تفسير عبد الرزاق"، والحسن، وانظر: "تفسير أبي العالية" تح: نورة الورثان ٢/ ٦٥٧.
155
قال علي رضي الله عنه: أبواب جهنم بعضها أسفل بعض، فيبتدأ بالأسفل فيملأ، وهي أسفل سَافلين (١).
وعلى هذا يكون التقدير: ثم رددناه إلى أسفل، أي في أسفل سَافلين، ويدل على هذا القول استثناؤه المؤمنين بقوله:
٦ - ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي إلا هؤلاء، فإنهم لا يردون إلى النار (٢).
ومن قال بالقول الأول قال: إن المؤمن لا يرد إلى أرذل العمر، (وإن عُمّر وامتد (٣) وطال عمره) (٤) لا يصير من الخرف إلى أرذل العمر (٥). وقد ذكرنا هذا في ابتداء سورة الحج (٦).
قال إبراهيم: المؤمنون إذا بلغوا ذلك كتب لهم من الأجر ما كانوا يعملون في الصحة (٧).
(١) "التفسير الكبير" ٣١/ ١١.
(٢) قال بذلك الإمام الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٦.
(٣) غير مقروءة في (ع).
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) قال بذلك الإمام الطبري: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٦.
(٦) سورة الحج: ٥ قال تعالى: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾، ومما جاء في تفسيرها: أي أخسه وأدونه، وهو الخرف، يخرف حتى لا يعقل، وبين ذلك بقوله ﴿لِكَيْ لَا يَعْلَمَ من بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾، قال ابن عباس: يريد يبلغ من السن ما يتغير عقله حتى لا يعقل شيئاً، قال: وليس ذلك إلا في أهل الشرك. وقال عكرمة: من قرأ القرآن لم يصير في هذه الحالة، واحتج بقوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ قال: إلا الذين قرؤوا القرآن.
(٧) ورد بنحو قوله في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٧، و"زاد الميسر" ٨/ ٢٧٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٥٧ عزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وهو الذي رجحه الطبري.
156
ونحو هذا قال قتادة (١)، والكلبي (٢): من أدركه الهرم وكان يعمل عملًا صالحًا كان له مثل أجره [إذا] (٣) كان يعمل.
قال عكرمة: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر، فقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ يريد إلا الذي قرأ القرآن (٤).
وقال ابن عباس: يقول العبد إذا كان في شبابه كثير الطاعة، ثم كبر وضعف عما كَان يعمل أجرى (٥) الله له مثل ما كان يعمل في شبابه (٦).
قوله تعالى: ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ ذكر المفسرون فيه قولين أحدهما: غير منقوص ولا مقطوع (٧). والآخر غير ممنون أي لا يمن به عليهم (٨)، وهو قول عكرمة (٩)، ومقاتل (١٠)، قال يجرى الله لعبده محاسنه التي كان
(١) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٧.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) (إذ) في كلا النسختين، وأثبت ما جاء عن قتادة في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٧.
(٤) ورد معنى قوله في "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٦، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٦٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٥٨ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وورد مثل قوله عن عكرمة عن ابن عباس في "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٥، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٣٩.
(٥) في (أ): (اجرا).
(٦) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٦، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٥٨ وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٧) قال بذلك ابن عباس في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٨، وبه قال ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ص ٥٣٣، والسجستاني في "نزهة القلوب" ٤١٤، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٥ وعزاه ابن عطية في "المحرر" ٥/ ٥٠٠ إلى كثير من المفسرين.
(٨) قال بذلك أيضًا: الحسن كما في "النكت والعيون" ٦/ ٣٠٢، وبه قال أيضًا أبو عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٣٠٣، واليزيدي في "غريب القرآن وتفسيره" ص ٣٣٤.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٠) "تفسير مقاتل" ٢٤٤ ب بمعناه.
157
يعلمها في شبابه وصحته لا يمن به عليه.
قال الضحاك: وهو أجر بغير عمل (١). وذكرنا هذا في أوائل سورة حم السجدة (٢).
واختار ابن قتيبة القول الأول، وقال: إلا الذين آمنوا وعملوا الصَالحات في وقت القُوَّة والقدرة، فإنهم في حال الكِبَر غير منقوصين، لانا نعلم لو لم نسلبهم القوة لم يكونوا ينقطعون عن عمل الصالحات، فنحن نجري لهم أجر ذلك ولا نَمُنّهُ، أي ولا نقطعه، ولا ننقصه (٣).
٧ - ثم قال ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ﴾ أيها الإنسان. ﴿بَعْدُ بِالدِّينِ﴾.
أي مجازاتي إياك بعملك، وأنا أحكم الحاكمين (٤).
قال مقاتل: يقول: فما يكذبك أيها الإنسان بعد بيان (٥) الصورة الحسنة، والشباب، ثم الهرم بعد ذلك بالحسَاب (٦) (٧).
(١) "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٩ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٠٣، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٦، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٩١.
(٢) سورة فصلت: ٨، وتسمى أيضًا: السجدة، والمصابيح. انظر: "الإتقان" للسيوطي ١/ ١٥٧، ومما جاء في تفسيرها: قال ابن عباس: غير مقطوع. وقال مقاتل: غير منقوص. وقال مجاهد: غير محسوب قال المبرد: فيه قولان: أحدهما: غير مقطوع من قولك: مننت الحبل أي قطعته، ومنه قولهم: قد منّه السفر أي قطعه، ويكون غير ممنون: أي لا يمن به عليهم، وهذا معنى قول مجاهد. "البسيط" ٤/ ٢٣٨ ب.
(٣) "تأويل مشكل القرآن" ٣٤٢.
(٤) بياض في: (ع).
(٥) بياض في: (ع).
(٦) قوله: (الهرم بعد ذلك بالحساب) بياض في (ع).
(٧) ورد قوله في "تفسير مقاتل" ٢٤٤ ب، و"الوسيط" ٤/ ٥٢٦.
158
والمعنى: ألا يتفكر في صورته، وشبابه، وهرمه، فيعتبر، ويقول: إن الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني (١).
ومعنى ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ﴾ مَا يجعلك تكذب بالمجازاة بعد هذه الحجج؟.
قال الكسَائي: يقول مَا صدقك بكذا، أو ما كذبك بكذا أي: مَا حملك على تكذيبه وتصديقه (٢) (٣).
وعامة المفسرين على أن هذا خطاب للإنسان المكذب (٤) بالدين (٥).
قال منصور: قلت لمجاهد: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ عني به محمد؟ فقال: معَاذ الله! إنما عني به الإنسان (٦) (٧).
وقال قتادة: فمن يكذبك أيها الإنسان بعدها بالدين (٨) (٩). واختاره
(١) بياض في (ع).
(٢) بياض في (ع).
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) بياض في (ع).
(٥) قال بذلك الكلبي. انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٨٣، ومقاتل ٢٤٤/ ب، وعكرمة، وغيره قاله ابن كثير "تفسيره" ٤/ ٥٦٣، كما قال به: الطبري ٣٠/ ٢٤٩، والسمرقندي ٣/ ٤٩٢، والثعلبي ١٣/ ١١٩/ ب، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٥، وعزاه ابن عطية إلى جمهور المفسرين، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٠٠، وبه قال أيضًا الأخفش في "معاني القرآن" ٢/ ٧٤٠.
وذهب آخرون إلى إنما عني بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاله قتادة، ورجحه الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٩، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٥/ ٥٠٠، والشوكاني في "فتح القدير" ٥/ ٤٦٦.
(٦) قوله: (إنما عني به الإنسان) بياض في (ع).
(٧) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٤٩، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٠٠، و"ابن كثير" ٤/ ٥٦٣.
(٨) بياض في (ع).
(٩) قلت: ولعل العبارة عن قتادة: فمن يكذبك أيها الرسول بعد هذا البيان بالدين؟ فقد =
159
الفراء، وقال: كأنه يقول: فمن يقدر على تكذيبك (١) بالثواب والعقاب بعد ما تبين له من خلقنا الإنسان على مَا وصفناه (٢)؟!. والخطاب على هذا القول للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
٨ - قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ قال ابن عباس: بأعدل العَادلين (٣) (٤).
وقال الكلبي: بأفضل الحاكمين (٥) (٦).
وقال مقاتل: بأقضى القاضيين (٧). وهذا يحتمل تأويلين:
أحدهما: أن هذا تحقيق لما ذكر من خلق الإنسان؛ ثم رددناه (٨) إلى أرذل العمر.
يقول: أليس الله بأحكم الحاكمين الذي فعل ذلك صنعًا وتدبيرًا (٩).
= جاء عنه ذلك في "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٦، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٩٠، ويؤيد ذلك اختيار الفراء بأن الخطاب للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وذلك أن الإمام الواحدي ذكر قول قتادة، ثم أعقبه بقوله: واختاره الفراء، والفراء اختار أنه خطاب للرسول كما دل عليه كلامه. والله أعلم. ولم أعثر على مصدر لقول قتادة الوارد في المتن.
(١) بياض في (ع).
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٧.
(٣) بياض في (ع).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) في (ع): (بأفضل القاضين).
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) بمعناه في "تفسيره" ٢٤٤ ب بأفصل الفاصلين، وقد ورد بمثله من غير عزو في "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٥، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٧.
(٨) في (ع): (رده).
(٩) قال بمعنى ذلك: ابن عيسى كما في "النكت والعيون" ٦/ ٣٠٣، وانظر: "التفسير الكبير" ٣٢/ ١٢ من غير عزو.
160
وهذا معنى قول ابن عباس (في رواية عطاء) (١).
الثاني: إن هذا تنبيِه على حكمه بين نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وبين من كذبه (٢)، وهو قول مقاتل، قال: يحكم بينك وبين أهل التكذيب يا محمد (٣). (والله أعلم) (٤).
(١) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٢) انظر: "التفسير الكبير" ٣٢/ ١٢.
(٣) "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٥، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٧.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (ع).
161
سورة العلق
163
Icon