وتسمى أيضا سورة الحواريين وسورة عيسى عليه السلام وهي مدنية في قول الجمهور وروي ذلك عن ابن الزبير وابن عباس والحسن وقتادة وعكرمة ومجاهد وقال ابن يسار : مكية وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد أيضا والمختار الأول ويدل له ما أخرجه الحاكم وغيره عن عبد الله بن سلام قال : قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناه فأنزل الله سبحانه ( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) قال عبد الله فقرأها علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى ختمها وروي هذا الحديث مسلسلا يقرأها علينا وهو حديث صحيح على شرط الشيخين أخرجه الإمام أحمد والترمذي وخلق كثير حتى قال الحافظ ابن حجر : إنه أصح مسلسل يروى في الدنيا إن وقع في المسلسل تمثله في مزيد علوه وكذا ما روي في سبب النزول عن الضحاك من أنه قول شباب من المسلمين : فعلنا في الغزو كذا ولم يفعلوا وما روي عن ابن زيد من أنه قول المنافقين المؤمنين : نحن منكم ومعكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك وآيها أربع عشرة آية بلا خلاف ومناسبتها لما قبلها اشتمالها على الحث على الجهاد والترغيب فيه وفي ذلك من تأكيد النهي عن اتخاذ الكفار أولياء الذي تضمنه ما قبل ما فيه
ﰡ
وتسمى أيضا سورة الحواريين وسورة عيسى عليه السلام، وهي مدنية في قول الجمهور، وروي ذلك عن ابن الزبير وابن عباس والحسن وقتادة وعكرمة ومجاهد، وقال ابن يسار: مكية، وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد أيضا، والمختار الأول، ويدل له ما أخرجه الحاكم وغيره عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نقرأ من أصحاب رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناه فأنزل الله سبحانه سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ
[الصف: ١، ٢] قال عبد الله فقرأها علينا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم حتى ختمها، وروي هذا الحديث مسلسلا يقرأها علينا، وهو حديث صحيح على شرط الشيخين أخرجه الإمام أحمد والترمذي وخلق كثير حتى قال الحافظ ابن حجر: إنه أصح مسلسل يروي في الدنيا إن وقع في المسلسلات مثله في مزيد علوه، وكذا ما روي في سبب النزول عن الضحاك من أنه قول شباب من المسلمين: فعلنا في الغزو كذا ولم يفعلوا، وما روي عن ابن زيد من أنه قول المنافقين للمؤمنين:
نحن منكم ومعكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك.
وآيها أربع عشرة آية بلا خلاف، ومناسبتها لما قبلها اشتمالها على الحث على الجهاد والترغيب فيه، وفي ذلك من تأكيد النهي عن اتخاذ الكفار أولياء الذي تضمنه ما قبل ما فيه.
وجارة جساس أبأنا بنابها | كليبا غلت ناب كليب بواؤها |
وما تأمرونني أن أقول ما لا أفعل؟ فاستعجل مقت الله عز وجل، وقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ بيان لما هو مرضي عنده سبحانه وتعالى بعد بيان ما هو ممقوت عنده جل شأنه، وظاهره يرجح أن ما قالوه عبارة عن الوعد بالقتال دون ما يقتضيه ما روي عن الضحاك أو عن ابن زيد في سبب النزول، ويقتضي أن مناط التوبيخ هو إخلافهم لا وعدهم وصف مصدر وقع موقع اسم الفاعل، أو اسم المفعول، ونصبه على الحال من ضمير يُقاتِلُونَ أي صافين أنفسهم أو مصفوفين، وكَأَنَّهُمْ إلخ حال من المستكن في الحال الأولى أي مشبهين في تلاصقهم ببنيان إلخ، وهذا ما عناه الزمخشري بقوله: هما أي صَفًّا وكَأَنَّهُمْ إلخ حالان متداخلان، وقول ابن المنير: إن معنى التداخل أن الحال الأولى مشتملة على الحال الثانية فإن هيئة الاتصاف هي هيئة الارتصاص خلاف المعروف من التداخل في اصطلاح النحاة، وجوز أن يكون حالا ثانية من الضمير.
وقال الحوفي: هو في موضع النعت- لصفا- وهو كما ترى، والمرصوص على ما قال الفراء ومنذر بن سعيد هو المعقود بالرصاص، ويراد به المحكم، وقال المبرد: رصصت البناء لاءمت بين أجزائه وقاربته حتى يصير كقطعة
وذهب بعضهم إلى أن إيذاءهم إياه عليه السلام بما كان من انتقاصه وعيبه في نفسه وجحود آياته وعصيانه فيما تعود إليهم منافعه وعبادتهم البقر وطلبهم رؤية الله سبحانه جهرة والتكذيب الذي هو حق الله تعالى وحقه عليه السلام،
إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ أي مرسل منه تعالى إليكم حال كوني مصدقا، فنصب مُصَدِّقاً على الحال من الضمير المستتر في رَسُولُ وهو العامل فيه، وإِلَيْكُمْ متعلق به، وهو ظرف لغو لا ضمير فيه ليكون صاحب حال، وذكر هذا الحال لأنه من أقوى الدواعي إلى تصديقهم إياه عليه السلام، وقوله تعالى: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي معطوف على مُصَدِّقاً، وهو داع أيضا إلى تصديقه عليه السلام من حيث إن البشارة بهذا الرسول صلّى الله عليه وسلم واقعة في التوراة كقوله تعالى في الفصل العشرين من السفر الخامس منها: أقبل الله من سينا وتجلى من ساعير وظهر من جبال فاران معه الربوات الأطهار عن يمينه، وقوله سبحانه في الفصل الحادي عشر من هذا السفر: يا موسى إني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك أجعل كلامي في فيه، ويقول لهم ما آمره فيه، والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمي أنا أنتقم منه ومن سبطه إلى غير ذلك، ويتضمن كلامه عليه السلام أن دينه التصديق بكتب الله تعالى وأنبيائه عليهم السلام جميعا من تقدم ومن تأخر، وجملة يَأْتِي إلخ في موضع الصفة- لرسول- وكذا جملة قوله تعالى: اسْمُهُ أَحْمَدُ وهذا الاسم الجليل علم لنبينا محمد صلّى الله عليه وسلم، وعليه قول حسان:
صلى الإله ومن يحف بعرشه | والطيبون على المبارك أحمد |
والعاقب الذي ليس بعده نبي وهو منقول من المضارع للمتكلم أو من أفعل التفضيل من الحامدية، وجوز أن يكون من المحمودية بناء على أنه قد سمع أحمد اسم تفضيل منها نحو العود أحمد، وإلا فأفعل من المبني للمفعول ليس بقياسي، وقرىء «من بعدي» بفتح الياء، هذا وبشارته عليه السلام بنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم مما نطق به القرآن المعجز، فإنكار النصارى ذلك ضرب من الهذيان، وقولهم: ولو وقعت لذكرت في الإنجيل الملازمة فيه ممنوعة، وإذا سلمت قلنا: بوقوعها في الإنجيل إلا أن جامعيه بعد رفع عيسى عليه السلام أهملوها اكتفاء بما في التوراة ومزامير داود عليه السلام وكتب شعياء وحبقوق وأرمياء وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام.
ويجوز أن يكونوا قد ذكروها إلا أن علماء النصارى بعد- حبا لدينهم أو لأمر ما غير ذلك- أسقطوها كذا قيل، وأنا أقول: الأناجيل التي عند النصارى أربعة: إنجيل متى من الاثني عشر الحواريين جمعه باللغة السريانية بأرض فلسطين بعد رفع عيسى عليه السلام بثماني سنين وعدة إصحاحاته ثمانية وستون إصحاحا، وإنجيل مرقص وهو من السبعين جمعه باللغة الفرنجية بمدينة رومية بعد الرفع باثنتي عشرة سنة وعدة إصحاحاته ثمانية وأربعون إصحاحا، وإنجيل لوقا وهو من السبعين أيضا جمعه بالإسكندرية باللغة اليونانية وعدة إصحاحاته ثلاثة وثمانون إصحاحا، وإنجيل
قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ مشيرين إلى ما جاء به عليه السلام، فالتذكير بهذا الاعتبار، وقيل: مشيرين إليه عليه السلام وتسميته سحرا للمبالغة، ويؤيده قراءة عبد الله وطلحة والأعمش وابن وثاب- هذا ساحر- وكون فاعل جاءَهُمْ ضمير عيسى عليه السلام هو الظاهر لأنه المحدث عنه، وقيل: هو ضمير أَحْمَدُ عليه الصلاة والسلام لما فرغ من كلام عيسى تطرق إلى الإخبار عن أحمد صلّى الله تعالى عليه وسلم أي فلما جاء أحمد هؤلاء الكفار بالبينات قالُوا إلخ.
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم لسوء استعدادهم وعدم توجههم إليه يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ تمثيل لحالهم في اجتهادهم في إبطال الحق بحالة من ينفخ الشمس بفيه ليطفئها تهكما وسخرية بهم كما تقول الناس: هو يطفىء عين الشمس، وذهب بعض الأجلة إلى أن المراد بنور الله دينه تعالى الحق كما روي عن السدي على سبيل الاستعارة التصريحية، وكذا في قوله سبحانه: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ومُتِمُّ تجريد، وفي قوله تعالى: بِأَفْواهِهِمْ تورية، وعن ابن عباس وابن زيد يريدون إبطال القرآن وتكذيبه بالقول، وقال ابن بحر: يريدون إبطال حجج الله تعالى بتكذيبهم، وقال الضحاك: يريدون هلاك الرسول صلّى الله تعالى عليه وسلم بالأراجيف، وقيل: يريدون إبطال شأن النبي صلّى الله عليه وسلم وإخفاء ظهوره بكلامهم وأكاذيبهم،
فقد روي عن ابن عباس أن الوحي أبطأ أربعين يوما فقال كعب بن الأشرف:
يا معشر يهود أبشروا أطفأ الله تعالى نور محمد فيما كان ينزل عليه، وما كان ليتم نوره فحزن الرسول صلّى الله عليه وسلم فنزلت يُرِيدُونَ إلى آخره
، وفي يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا مذاهب: أحدها أن اللام زائدة والفعل منصوب بأن مقدرة بعدها، وزيدت لتأكيد معنى الإرادة لما في لام العلة من الإشعار بالإرادة والقصد كما زيدت اللام في:
لا أبا لك لتأكيد معنى الإضافة ثانيها أنها غير زائدة للتعليل، ومفعول يُرِيدُونَ محذوف أي يريدون الافتراء لأن يطفئوا ثالثها أن الفعل أعني يُرِيدُونَ حال محل المصدر مبتدأ واللام للتعليل والمجرور بها خبر أي إرادتهم كائنة للإطفاء والكلام نظير- تسمع بالمعيدي خير من أن تراه- من وجه، ورابعها أن اللام مصدرية بمعنى أن غير تقدير والمصدر مفعول به ويكثر ذلك بعد فعل الإرادة والأمر، خامسها أن يُرِيدُونَ منزل منزلة اللازم
وقرأ العربيان ونافع وأبو بكر والحسن وطلحة والأعرج وابن محيصن «متمّ» بالتنوين «نوره» بالنصب على المفعولية لمتم وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ حال من المستكن في مُتِمُّ وفيه إشارة إلى أنه عز وجل متم ذلك إرغاما لهم هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ محمدا صلّى الله عليه وسلم بِالْهُدى بالقرآن، أو بالمعجزة بجعل ذلك نفس الهدى مبالغة وَدِينِ الْحَقِّ والملة الحنيفية لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ليعليه على جميع الأديان المخالفة له، ولقد أنجز الله عز وجل وعده حيث جعله بحيث لم يبق دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام.
وعن مجاهد إذا نزل عيسى عليه السلام لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام، ولا يضر في ذلك ما روي أنه يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه من الإسلام إلا اسمه إذ لا دلالة في الآية على الاستمرار، وقيل: المراد بالإظهار الإعلاء من حيث وضوح الأدلة وسطوع البراهين وذلك أمر مستمر أبدا وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ذلك لما فيه من محض التوحيد وإبطال الشرك، وقرىء هو الذي أرسل نبيه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ جليلة الشأن تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ يوم القيامة، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق والأعرج وابن عامر «تنجّيكم» بالتشديد، وقوله تعالى: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ استئناف بياني كأنه قيل: ما هذه التجارة؟ دلنا عليه: فقيل: تُؤْمِنُونَ إلخ، والمضارع في الموضوعين كما قال المبرد وجماعة خبر بمعنى الأمر أي آمنوا وجاهدوا، ويؤيده قراءة عبد الله كذلك، والتعبير به للإيذان بوجوب الامتثال كأن الإيمان والجهاد قد وقعا فأخبر بوقوعهما، والخطاب إذا كان للمؤمنين الخلّص فالمراد تثبتون وتدومون على الإيمان أو تجمعون بين الإيمان والجهاد أي بين تكميل النفس وتكميل الغير وإن كان للمؤمنين ظاهرا فالمراد تخلصون الإيمان، وأيا ما كان فلا إشكال في الأمر، وقال الأخفش: تُؤْمِنُونَ إلخ عطف بيان على تِجارَةٍ، وتعقب بأنه لا يتخيل إلا على تقدير أن يكون الأصل أن تؤمنوا حتى يتقدر بمصدر، ثم حذف أن فارتفع الفعل كما في قوله:
ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى يريد أن احضر فلما حذف أن ارتفع الفعل وهو قليل، وقال ابن عطية: تُؤْمِنُونَ فعل مرفوع بتقدير ذلك أنه تؤمنون، وفيه حذف المبتدأ وأن واسمها وإبقاء خبرها، وذلك على ما قال أبو حيان: لا يجوز، وقرأ زيد بن علي- تؤمنوا وتجاهدوا- بحذف نون الرفع فيهما على إضمار لام الأمر أي لتؤمنوا وتجاهدوا، أو ولتجاهدوا كما في قوله:
قلت لبواب على بابها | تأذن لنا إني من أحمائها |
محمد تفد نفسك كل نفس | إذا ما خفت من أمر تبالا |
ونقري ما شئت أن تنقري | قد رفع الفخ فماذا تحذري |
أبيت أسري وتبيتي تدلكي | وجهك بالعنبر والمسك الذكي |
من أن الجملة مستأنفة لبيان أن ذلك خير لهم، ويَغْفِرْ مرفوع سكن آخره كما سكن آخر «أشرب» في قوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب | إثما من الله ولا واغل |
وقيل: أُخْرى مبتدأ خبره نَصْرٌ وقال قوم: هي في موضع نصب بإضمار فعل أي ويعطكم أخرى، وجعل ذلك من باب:
علفتها تبنا وماء باردا ومنهم من قدر تحبون أخرى على أنه من باب الاشتغال، ونَصْرٌ على التقديرين خبر مبتدأ محذوف أي ذلك أو هو نَصْرٌ، أو مبتدأ خبره محذوف أي نصر وفتح قريب عنده، وقال الأخفش: هي في موضع جر بالعطف على تِجارَةٍ وهو كما ترى.
وقرأ ابن أبي عبلة نصرا وفتحا قريبا بالنصب بأعني مقدرا، أو على المصدر أي تنصرون نصرا ويفتح لكم فتحا، أو على البدلية من أُخْرى على تقدير نصبها وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ عطف على قل مقدرا قبل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، وقيل: على أبشر مقدرا أيضا، والتقدير فأبشر يا محمد وبشر.
آمنوا يكن لكم كذا وبشرهم يا محمد بثبوته لهم، وفيه من إقامة الظاهر مقام المضمر وتنويع الخطاب ما لا يخفى نبل موقعه، واختاره صاحب الكشف فقال: إن هذا الوجه من وجه العطف على قل ووجه العطف على فابشر لخلوهما عن الفوائد المذكورة يعني ما تضمنه الجواب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ أي نصرة دينه سبحانه وعونة رسوله عليه الصلاة والسلام، وقرأ الأعرج وعيسى وأبو عمرو والحرميان «أنصارا لله» بالتنوين وهو للتبعيض فالمعنى كونوا بعض أنصاره عز وجل.
وقرأ ابن مسعود- على ما في الكشاف- كونوا أنتم أنصار الله، وفي موضح الأهوازي والكواشي- أنتم- دون كُونُوا كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ أن من جندي متوجها إلى نصرة الله تعالى ليطابق قوله سبحانه: قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ وقيل: إِلَى بمعنى مع ونَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ بتقدير نحن أنصار نبي الله فيحصل التطابق، والأول أولى، والإضافة في أَنْصارِي إضافة أحد المتشاركين إلى الآخر لأنهما لما اشتركا في نصرة الله عز وجل كان بينهما ملابسة تصحح إضافة أحدهما للآخر والإضافة في أَنْصارَ اللَّهِ إضافة الفاعل إلى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى إذ المراد قل لهم ذلك كما قال عيسى، وقال أبو حيان: هو على معنى قلنا لكم كما قال عيسى.
وقال الزمخشري: هو على معنى كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ وخلاصته على ما قيل: إن ما مصدرية وهي مع صلتها ظرف أي كونوا أنصار الله وقت قولي لكم ككون الحواريين أنصاره وقت قول عيسى، ثم قيل: كونوا أنصاره كوقت قول عيسى هذه المقالة، وجيء بحديث سؤاله عن الناصر وجوابهم فهو نظير كاليوم في قولهم: كاليوم رجل أي كرجل رأيته اليوم فحذف الموصوف مع صفته، واكتفى بالظرف عنهما لدلالته على الفعل الدال على موصوفه، وهذا من توسعاتهم في الظروف، وقد جعلت الآية من الاحتباك، والأصل كونوا أنصار الله حين قال لكم النبي صلّى الله عليه وسلم: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ كما كان الحواريون أنصار الله حين قال لهم عيسى عليه السلام مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ فحذف من كل منهما ما دل عليه المذكور في الآخر، وهو لا يخلو عن حسن، والْحَوارِيُّونَ أصفياؤه عليه السلام، والعدول عن ضميرهم إلى الظاهر الاعتناء بشأنهم، وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا فرقهم- على ما في البحر- عيسى عليه السلام في البلاد، فمنهم من أرسله إلى رومية، ومنهم من أرسله إلى بابل، ومنهم من أرسله إلى إفريقية، ومنهم من أرسله إلى أفسس، ومنهم من أرسله إلى بيت المقدس، ومنهم من أرسله إلى الحجاز، ومنهم من أرسله إلى أرض البربر وما حولها وتعيين المرسل إلى كل فيه، ولست على ثقة من صحة ذلك ولا من ضبط أسمائهم، وقد ذكرها السيوطي أيضا في الإتقان فليلتمس ضبط ذلك في مظانه، واشتقاق الحواريين من الحور- وهو البياض- وسموا بذلك لأنهم كانوا قصارين، وقيل:
وقيل: الحواريون المجاهدون،
وفي الحديث «لكم نبي حواري وحواريي الزبير»
وفسر بالخاصة من الأصحاب والناصر، وقال الأزهري: الذي أخلص ونقي من كل عيب، وعن قتادة إطلاق الحواري على غيره رضي الله تعالى عنه أيضا، فقد قال: إن الحواريين كلهم من قريش أبو بكر وعمر وعلي وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبي وقاص وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ أي بعيسى عليه السلام وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ أخرى فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ وهم الذي كفروا فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ فصاروا غالبين قال زيد بن علي وقتادة: بالحجة والبرهان، وقيل: إن عيسى عليه السلام حين رفع إلى السماء قالت طائفة من قومه: إنه الله سبحانه، وقالت أخرى: إنه ابن الله- تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- رفعه الله عز وجل إليه، وقالت طائفة: إنه عبد الله ورسوله فاقتتلوا فظهرت الفرقتان الكافرتان على الفرقة المؤمنة حتى بعث النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فظهرت المؤمنة على الكافرتين، وروي ذلك عن ابن عباس، وقيل: اقتتل المؤمنون والكفرة بعد رفعه عليه السلام فظهر المؤمنون على الكفرة بالسيف، والمشهور أن القتال ليس من شريعته عليه السلام، وقيل: المراد فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ بمحمد عليه الصلاة والسلام وكفرت أخرى به صلّى الله تعالى عليه وسلم فأيدنا المؤمنين على الكفرة فصاروا غالبين وهو خلاف الظاهر والله تعالى أعلم.