ﰡ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمَا التِّينُ وَالزَّيْتُونَ الثَّمَرَانِ المَعْرُوفَانِ، فَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ بَعْضَ الثَّمَارِ كَالعِنَبِ وَالنَّخْلِ وَالفَاكِهَةِ وَالطَّلْحِ وَالسِّدْرِ.
- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ التِّينَ إِشَارَةٌ إِلَى عَهْدِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَمَا كَانَ الإِنْسَانُ يَسْتُرُ نَفْسَهُ بِوَرَقِ التِّينِ (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ).
أَمَّا الزَّيْتُونُ فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلى عَهْدِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَبَعْدَ أَنِ انْتَهَى الطُّوفَانُ أَرْسَلَ نُوحٌ طَيراً فَعَادَ إِلَيهِ يَحْمِلُ وَرَقَةَ زَيْتُونٍ، فَعَلِمَ أَنَّ الطُّوفَانَ قَدِ انْتَهَى، وَأَنَّ الأَرْضَ عَادَتْ تُنْبِتُ.
- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ التِّينَ وَالزَّيْتُونَ إِشَارَةٌ إِلَى القُدْسِ وَهِيَ مَبْعَثُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، لأَنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ أَشَارَ إِلَى طُورِ سِينَاءَ وَمَكَّةَ. وَطُورُ سِينَاءَ هِيَ المَكَانُ الذِي كَلَّمَ اللهُ فِيهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَعَهِدَ إِلَيْهِ بِأَنْ يَذْهَبَ إِلى فِرْعَوْنَ، وَإِنَّ مَكَّةَ مَبْعَثُ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَيَكُونُ تَعَالَى قَدْ أَقْسَمَ بِثَلاَثَةِ مَوَاقِعَ مُشَرَّفَةٍ بِبَعْثِهِ فِيهَا ثَلاَثَةِ مِنَ الرُّسُلِ الكِرَامِ أُوِلِي العَزْمِ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التِّينُ والزَّيْتُونُ إِشَارَةً إِلَى أَمَاكِنَ وَذِكْرَيَاتٍ ذَاتِ عِلاَقَةٍ بِالدِّينِ وَالإِيْمَانِ، أَوْ ذَاتِ عِلاَقَةٍ بِنَشْأَةِ الإِنْسَانِ.
طُورِ سِينِينَ - جَبَلِ الطُّورِ.
البَلَدِ الأَمِينِ - مَكَّةِ.
(٤) - لَقَدْ أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى فِي الآيَاتِ الثَّلاَثِ السَّابِقَةِ بِعُهُودِ أَرْبَعَةٍ.
أَرْسَلَ فِيهَا رُسُلاً كَانَ لَهُمْ أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي تَارِيخِ البَشَرِيةِ وَالإِيْمَانِ هُمْ: آدَمُ وَنُوحٌ وَمُوسَى وَمُحَمَّد، عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ صَورَةٍ، وَأَكْمَلِ هَيْئَةٍ، مُنْتَصِبَ القَامَةِ، يَسْتَعْمِلُ أَطْرَافَهُ فِيمَا يُريدُ، وَلَهُ عَقْلٌ يُمَيِّزُ بِهِ بِيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالصَّحِيحِ مِنَ الخَطَإِ فَمَيَّزَهُ اللهُ تَعَالَى بِذَلِكَ عَلَى المَخْلُوقَاتِ الأُخْرَى فِي الأَرْضِ.
أَحْسَنِ تَقْوِيمِ - أَكْمَلِ تَعْدِيلٍ وَأَحْسَنِ صُورَةٍ.
(٥) - وَلَكِنَّ هَذَا الإِنْسَانَ الذِي خُلِقَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَأَكْمَلِ عَقْلٍ، غَفَلَ عَمَّا مَيَّزَهُ اللهُ بِهِ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ عَقْلَهُ فِيمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِيهِ، فَانْحَطَّ بِنَفْسِهِ إِلَى مُسْتَوى الحَيَوَانَاتِ - أَسْفَلَ سَافِلِينَ -، وَأَصْبَحَ هَمُّهُ الإِقْبَالَ عَلَى الدُّنْيَا وَمَلَذَّاتِهَا، وَالاسْتِمْتَاع بِشَهَوَاتِهَا، إِلاَّ مَنْ رَحمَ اللهُ.
رَدَدْنَاهُ - أَيْ الكَافِرَ أَوْ جِنْسَ الإِنْسَانِ.
أَسْفَلَ سَافِلِينَ - إِلَى أَرْذَلِ العُمْرِ إِلَى النَّارِ أَوْ إِلَى مُسْتَوى البَهَائِمِ فِي الأَعْمَالِ.
(٦) - وَلَمْ يَنْجُ مِنْ هَذَا الانْحِطَاطِ إِلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ إِلاَّ الذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهمْ، وَعَرَفُوا أَنَّ لِهَذَا الكَوْنِ مُوجِداً وَمُدَبِّراً، وَأَنَّهُ أَرْسَلَ الرُّسُلَ بِالشَّرَائِعِ لِهِدَايَةِ النَّاسِ، وَأَنَّ هُنَاكَ بَعْثاً ثُمَّ حِسَاباً وَجَزَاءً عَلَى الأَعْمَالِ، فَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي الدُّنْيَا، وَهُؤُلاَءِ سَيَجْزِيهِمْ رَبُّهُمْ فِي الآخِرَةِ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَسَيُعْطِيهِمْ رَبُّهُمْ عَطَاءً جَزِيلاً لاَ يَنْقَطِعُ.
الدِّينَ - الحِسَابُ وَالجَزَاءُ.
(٨) - أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْدَلِ العَادِلِينَ حِينَ يَحْكُمُ فِي الخَلْقِ، وَيَجْزِيهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ بِمَ يَسْتَحِقُّونَ، بَعْدَ أَنْ أَقَامَ لَهُمُ الأَدِلَّةَ وَالبَرَاهِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي الآفَاقِ عَلَى وُجُودِهِ، وَعَظَمَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَعَدْلِهِ، وَعَلَى عِنَايَتِهِ بِالإِنْسَانِ وَتَفْضِيلِهِ إِيَّاهُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ.