تفسير سورة البينة

روح البيان
تفسير سورة سورة البينة من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

او لأنها لا تطلع فى هذه الليلة بين قرنى الشيطان فانها على ما جاء بعض الأحاديث تطلع كل يوم بين قرنى الشيطان ويزيد الشيطان فى بث شعاعها وتزيين طلوعها ليزيد فى غرور الكافرين ويحسن فى أعين الساجدين وقد سبق أنه يعذب الماء الملح تلك الليلة واما النور الذي يرى ليلة القدر فهو نور اجنحة الملائكة او نور جنة عدن تفتح ابوابها ليلة القدر او نور لواء الحمد او نور اسرار العارفين رفع الله الحجب عن أسرارهم حتى يرى الخلق ضياءها وشعاعها وهو المناسب لحقيقة ليلة القدر فان حقيقتها عبارة عن انكشاف الملكوت لقلب العارف فاذا تنور الباطن بنور الملكوت انعكس منه الى الظاهر وفى الحديث من قرأ سورة القدر اعطى ثواب من صام رمضان واحيى ليلة القدر تمست سورة القدر بعون من له الخلق والأمر فى الثاني والعشرين من ثانى الربيعين من سنة سبع عشرة ومائة وألف
تفسير سورة القيامة
والبينة والبرية ثمان او تسع آيات مكية بسم الله الرحمن الرحيم
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ اى اليهود والنصارى وإيراد الصلة فعلا لما أن كفرهم حادث بعد أنبيائهم وَالْمُشْرِكِينَ اى عبدة الأصنام ومن للتبيين لا للتبعيض حتى لا يلزم ان لا يكون بعض المشركين كافرين وذلك أن الكفار كانوا جنسين اهل الكتاب كفرق اليهود والنصارى والمشركين وهم الذين كانوا لا ينسبون الى كتاب فذكر الله الجنسين بقوله الذين كفروا على الإجمال ثم اردف ذلك الإجمال بالتفصيل والتبيين وهو قوله من اهل الكتاب والمشركين وهو حال من الواو فى كفروا اى كائنين منهم مُنْفَكِّينَ خبر كان اى عما كانوا عليه من الوعيد باتباع الحق والايمان بالرسول المبعوث فى آخر الزمان والعزم على إنجازه وهذا الوعد من اهل الكتاب مما لا ريب فيه حتى أنهم كانوا يستفتحون ويقولون اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المبعوث فى آخر الزمان ويقولون لاعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبى يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وارم واما من المشركين فلعله قد وقع من متأخريهم بعد ما شاع ذلك من اهل الكتاب واعتقدوا صحته بما شاهدوا من نصرتهم على أسلافهم كما يشهد به أنهم كانوا يسألونهم عن رسول الله هل هو المذكور فى كتبهم وكانوا يغرونهم بتغيير نعوته وانفكاك الشيء من الشيء أن يزايله بعد التحامه كالعظم إذا انفك من مفصله وفيه اشارة الى كمال وكادة وعدهم اى لم يكونوا مفارقين للوعد المذكور بل كانوا مجمعين عليه عازمين على إنجازه حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ التي كانوا قد جعلوا إتيانها ميقاتا لاجتماع الكلمة والاتفاق على الحق فجعلوه ميقاتا للانفكاك والافتراق واخلاق الوعد والتعبير عن إتيانها بالمضارع باعتبار حال المحكي لا الحكاية والبينة الحجة الواضحة رَسُولٌ بدل من البينة عبر عنه عليه السلام بها للايذان بغاية ظهور امره وكونه ذلك الموعود فى الكتابين مِنَ اللَّهِ متعلق بمضمر هو صفة لرسول مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية
اضافة الدين الى الملة باعتبار التغاير الاعتباري بينهما فان الشريعة المبلغة الى الامة بتبليغ الرسول إياها من قبل الله تسمى ملة باعتبار أنها تكتب وتملى ودينا باعتبار أنها تطاع فان الدين الطاعة يقال دان له اى أطاعه وقال بعضهم اضافة الدين الى القيمة اضافة العام الى الخاص كشجر الأراك ولا حاجة الى تقدير الملة فان القيمة عبارة عن الملة كما يشهد له قراءة ابى رضى الله عنه وذلك الدين القيم انتهى (وقال الكاشفى) دين القيمة يعنى دين وملت درست است و پاينده. يعنى أضاف الدين الى القيمة وهى نعته لاختلاف اللفظين والعرب تضعيف الشيء الى نعته كثيرا ونجد هذا فى القرآن فى مواضع منها قوله ولدار الآخرة وقال فى موضع وللدار الآخرة لأن الدار هى الآخرة وقال عذاب الحريق اى المحرق كالاليم بمعنى المؤلم وتقول دخلت مسجد الجامع ومسجد الحرام وأدخلك الله جنة الفردوس هذا وأمثاله وانث القيمة لأن الآيات هائية فرد الدين الى الملة كما فى كشف الاسرار والقيمة بمعنى المستقيمة التي لا عوج فيها وقال الراغب القيمة هنا اسم الامة القائمة بالقسط المشار إليهم بقوله كنتم خير امة قال ابن الشيخ بعض اهل الأديان لما بالغوا فى باب الأعمال من غير احكام الأصول وهم اليهود والنصارى والمجوس فانهم ربما اتعبوا أنفسهم فى الطاعات ولكنهم ما حصلوا الدين الحق بتحصيل الاعتقاد المطابق وبعضهم حصلوا الأصول وأهملوا الفروع وهم المرجئة الذين يقولون لا تضر المعصية مع الايمان فالله تعالى خطأ الفريقين فى هذه الآية وبين أنه لا بد من العلم والإخلاص فى قوله مخلصين ومن العمل فى قوله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ثم قال وذلك المجموع كله هو دين الملة المستقيمة المعتدلة فكما أن مجموع الأعضاء بدن واحد كذلك هذا المجموع دين واحد إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ بيان لحالهم الأخروي بعد بيان حالهم الدنيوي وذكر المشركين لئلا يتوهم اختصاص الحكم بأهل الكتاب حسب اختصاص مشاهدة شواهد النبوة فى الكتاب بهم ومعنى كونهم فيها انهم يصيرون إليها يوم القيامة وإيراد الجملة الاسمية للايذان بتحقق مضمونها لا محالة أو أنهم فيها الآن اما على تنزيل ملابستهم لما يوجبها منزلة ملابستهم لها واما على أن ما هم فيه من الكفر والمعاصي عين النار الا أنها ظهرت فى هذه النشاة بصورة عرضية وستخلعها فى النشأة الآخرة وتظهر بصورتها الحقيقية خالِدِينَ فِيها حال من المستكن فى الخبر واشتراك الفريقين فى دخول دار العذاب بطريق الخلود لاجل كفرهم لا ينافى تفاوت عذابهم فى الكيفية فان جهنم دركات وعذابها ألوان فالمشركون كانوا ينكرون الصانع والنبوة والقيامة واهل الكتاب نبوة محمد عليه السلام فقط فكان كفرهم أخف من كفر المشركين لكنهم اشتركوا فى أعظم الجنايات التي هى الكفر فاستحقوا أعظم العقوبات وهو الخلود ولما كفروا طلبا للرفعة صاروا الى سفل السافلين فان جهنم نار فى موضع عميق مظلم هائر يقال بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر واشتراكهم فى هذا الجنس من العذاب لا يوجب اشتراكهم فى نوعه أُولئِكَ البعداء المذكورون هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ البرية جميع الخلق لأن الله برأهم اى أوجدهم بعد العدم
Icon