تفسير سورة قريش

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة قريش من كتاب لطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ
قوله جل ذكره :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾.
" بسم " : الباء في " بسم " تشير إلى براءة سر الموحدين عن حسبان الحدثان، وعن كل شيء مما لم يكن فكان، وتشير إلى الانقطاع إلى الله في السراء والضراء، والشدة والرخاء.
والسين تشير إلى سكونهم في جميع أحوالهم تحت جريان ما يبدو من الغيب بشرط مراعاة الأدب.
والميم تشير إلى منة الله عليهم بالتوفيق لما تحققوا به من معرفته، وتخلقوا به من طاعته.

قوله جلّ ذكره :﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ﴾.
" الإيلاف " : مصدر آلَفَ، إذا جَعَلْتَهُ يَأْلَف. . . وهو أَلِفَ إِلْفاً.
والمعنى : جعلهم كعصفٍ مأكولٍ لإيلافِ قريْشْ، أي لِيَأْلَفوا رحلتهم في الشتاء والصيف.
وكانت لهم رحلتان للامتيار : رحلةٌ إلى الشام في القيظ، ورحلة إلى اليمن في الشتاءِ، والمعنى : أنعم اللَّهُ عليهم بإهلاكِ عدوِّهم ليؤلَّفَهم رحلتيهم.
وقيل :﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ﴾ ﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾ كأنه أَعْظَمَ المِنَّةَ عليهم. وأَمرَهم بالعبادة :
﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ ﴾.
فليعبدوه لِمَا أنعم به عليهم.
وقيل :﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ ﴾ بعد ما أصابهم من القحط حينما دعا عليهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفِ ﴾.
حين جعَلَ الحرَمَ آمِناً، وأجارَهم من عدوِّهم.
ويقال : أنعم عليهم بأن كفاهم الرحلتين بجلْبِ الناسِ الميرةَ إليهم من الشام ومن اليمن.
وَوجْهِ المِنَّةِ في الإطعام والأمان هو أن يتفرَّغوا إلى عبادة الله ؛ فإِنَّ مَنْ لم يكن مكْفِي الأمور لا يتفرَّغُ إلى الطاعة، ولا تساعده القوة ولا القلبُ إلاَّ عند السلامة بكلِّ وجهٍ، وقد قال تعالى :
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ﴾ [ البقرة : ١٥٥ ] فقدَّم الخوف على جميع أنواع البلاءِ.
Icon