تفسير سورة النصر

تفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة
تفسير سورة سورة النصر من كتاب تفسير ابن عرفة المعروف بـتفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة .
لمؤلفه ابن عرفة . المتوفي سنة 803 هـ

سُورَةُ النَّصْرِ
قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)﴾
قال الزمخشري: إذا منصوبة بـ (سبح*]، وهو لما يستقبل، والإعلام بذلك قبل كونه من إعلام النبوة، قال ابن عرفة: أما قوله إنها منصوبة فرده عليه أبو حيان لأجل الفاصل بالفاء، وهي مانعة من عمل ما بعدها فيما قبلها، ونص ابن السيد في شرح آداب الكتاب على [... ]، واحتج بقول الشاعر:
إذا مات من بني تميم [... ] أن يعني مجيء مراد
قال ابن عرفة: والمعنى يدل على [عمل*] سبِّح فيها؛ لأنه إما أمر بالتسبيح وقت النصر، قلت: وكذا قوله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ)، قال: وقوله الإعلام بذلك قبل كونه، إن قلت: قبل كونه كان يحتمل الوقوع هلا عبر عنه بـ إن، قلت: لما كان محقق الوقوع عبر عنه بـ إذا، قال: وهي المجيء حقيقة، فيكون مجازا في الإسناد وبمعنى الحصول فيكون مجازا في الأفراد، وهو [الأصوب*]، لأن الأول مختلف فيه عند الأصوليين.
قال ابن عطية: وقرأ ابن عباس (إذا جاء النصر والفتح).
قال الزمخشري وقرأ ابن عباس: إذا جاء فتح الله والنصر، قال ابن عرفة: المشهور أصوب؛ لأن النصر سبب في الفتح، والأصل تقديمه عليه.
قال الزمخشري: في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "أجد [نفير*] ربكم من قبل اليمن" يريد رحمة ربكم.
وعن الحسن لما فتح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكة أقبل العرب بعضهم على بعض، قالوا: أما [إذ*] ظفر [بأهل الحرم*] فليس له يدان، أي فليس بالحرم يدان، قيل لابن عرفة: نصر ربك هذا سبب لاقتضائه الرحمة، فقال: اسم الجلالة هو الأصل، وما ورد على الأصل فلا سؤال فيه.
قوله تعالى: ﴿فِي دِينِ اللَّهِ... (٢)﴾
هو الإسلام، قال تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)، وقال (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ) والمبتدأ
عندهم لَا يكون إلا أعم من الخبر أو [مساويا*]، فلا يسمى غير الإسلام دينا، ولا إسلاما بعد نزول هذه الآية، قال تعالى (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا) مسلما فقال: المراد الإسلام اللغوي، وهو [مجرد*] الانقياد، وليس المراد الشرعي بوجه، أو يقال: إن السؤال غير ما قيل؛ لأنه إنما سماه مسلما على مقتضى شريعته، وقد كان دينه إذ ذاك يسمى إسلاما، ولذلك قال (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ... (٣).. أي من ذلك إما [بلفظ*] التسبيح، أو يجعل على التعزية، والفاء للمصاحبةَ أو للسبب، ابن عرفة: فإِن قلت: الشكر لَا يكون إلا في مقابلة النعمة، والحمد إما قسيمه أو أعم منه، والنصر والفتح المنصوص [عليهما*] نعم عظيمة، فهلا قيل: فسبح بشكر ربك؟ فالجواب أن الحمد صفة من صفات الذات الراجعة لها، وحمد الله لذاته أولى من حمده لفعله، كما أن عبادة الله تعالى لذاته أولى من عبادته لإنعامه، فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأشرف الأمور، وهو أن [يكون*] تسبيحه مصاحبا لحمده المتعلق بذاته؛ لأنه أهل لأن يحمد، والمراد بالتسبيح خاص بالنبي صلى - الله عليه وعلى آله وسلم من جعل النصر والفتح خاصين له، وأما من جعلهما تامين في كل أمر؛ فالخطاب أيضا بذلك لكل من انتصر وافتتح البلاد.
وقوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْهُ) إن أريد به كل إنسان فهو على حقيقته، وإن أريد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو على معنى يليق به، باعتبار الانتقال من مقام إلى مقام أعلى منه.
قوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).
ولم [يزل*] والتواب: إما صفة فعل أو صفة معنى؛ لأنه إن أريد به الذي يخلق التوبة لعباده، فهو صفة فعل، وإن أريد به القبول والصفح عن الجرائم المتقدمة فهو حكم شرعي، والحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل الاقتضاء والتخيير، وخطاب القديم الأزلي، فيرجع إلى صفة المعنى، فهو فعلي أو قولي معنوي، يصح الأمران، وقال الزمخشري: إن كان في الأزمنة الماضية مثل خلق المكلفين (توابا) عليهم إذا استغفروه
قال ابن عرفة: وهذا جار على مذهبه؛ لأنه ينفي ما قلنا ولا يثبته، وقال الإمام فخر الدين [ابن*] الخطيب في شرح الأسماء الحسنى: توبة العبد عبارة عن عوده إلى الإحسان اللائق بالربوبية، قال: وقال الخطابي: التوبة تكون لازمة ومتعدية، يقال: تاب الله على العبد أي وفقه للتوبة، كما قال تعالى (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا)، ويقال: تاب الله عليه، أي قبل توبته، وهي من تسمية الشيء باسم [ملائم يلائمه*].
* * *
Icon