تفسير سورة الإخلاص

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
تفسير سورة الإخلاص
أهداف سورة الإخلاص
( سورة الإخلاص مكية، وآياتها ٤ آيات، نزلت بعد سورة الناس )
وتشتمل هذه السورة على أهم أركان الإسلام التي قامت عليها رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الأركان ثلاثة :
الأول : توحيد الله وتنزيهه.
والثاني : بيان الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات.
والثالث : أحوال النفس بعد الموت وملاقاة الجزاء من ثواب وعقاب، وصفة اليوم الآخر وما فيه من بعث وحشر، وحساب وجزاء، وصراط وميزان، وجنة ونار.
وأول هذه الأركان هو التوحيد والتنزيه لإخراج العرب وغيرهم من الشرك والتشبيه، ولهذا ورد في ربه أن هذه السورة تعدل ثلث القرآن، لاشتمالها على التوحيد وهو أصل أصول الإسلام.
وفي كتب التفسير :
أن هذه السورة نزلت جوابا للمشركين حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم ربه ويبين لهم نسبه، فوصفه لهم ونزهه عن النسب، إذ نفى عنه أن يكون والدا أو مولودا أو أن يكون له شبيه ومثيل.
هو. ضمير تفسره الجملة التالية. الله أحد. وهو يدل على فخامة ما يليه بإبهامه ثم تفسيره، مما يزيده تقريرا.
الله أحد.
الله. علم دال على الذات العلية دلالة مطلقة تجمع كل معاني أسمائه الحسنى، وما تصوره من التقديس والتمجيد والتعظيم والربوبية والجلال والكمال.
أحد. صفة تقرر وحدانية الله من كل الوجوه، فهو واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله وفي عبادته، أما أحديته أو وحدانيته في ذاته فمعناها أنه يستقل بوجوده عن وجود الكائنات والمخلوقات، فوجدوها حادث بعد عدم، وهي محتاجة إلى علة توجدها وتظل قائمة عليها حافظة وجودها طوال ما كتب لها من بقاء. أما وجود الله فوجود أزلي، وجود ذاته، ومنه انبثق كل الوجود، إنه واجب الوجود الذي لا أول لوجوده ولا آخر، والفرد الذي لا تركيب في ذاته.
الله أحد. فلا إله سواه ولا شريك معه، وكانوا قد عبدوا آهلة متعددة مثل الشمس والقمر، واللاّت والعزّى، ومناة ونسر.
وكان منهم من اتخذ إلهين : إلها للنور، وإلها للظلمة، ومنهم من قال : إن الله ثالث ثلاثة من الآلهة وقد أعلن القرآن الكريم النكير على من اتخذ إلها غير الله تعالى، وقرّر القرآن أنه لا شريك له ولا مثيل.
قال تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالا بعيدا. ( النساء : ١١٦ ).
ووحدانية الصفات تعني تنزيه الله عن صفات المخلوقين من البشر وغير البشر، فهو متفرد بصفاته تفرده بذاته : ليس كمثله شيء... ( الشورى : ١١ ). لا في الذات ولا في الصفات.
وقد تعددت صفات الله في القرآن، ولأنها ذاتية دعاها أسماء إذ يقول : ولله الأسماء الحسنى... ( الأعراف : ١٨٠ ). ويقول تعالى : هو الله الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنى... ( الحشر : ٢٤ ).
وهذه الصفات منها ما يصور عظمة الله وجلاله، مثل : العظيم، المتعال، الحميد، المجيد، القدوس، ذي الجلال والإكرام. ومنها ما يصور خلق الكون وصنع الوجود، مثل : البارئ، المصور، الخالق، البديع ومنها ما يصور القدرة الإلهية، مثل : القوي، القادر، القهّار، المهيمن. ومنها ما يصور العلم الربّاني، مثل : العليم، الحكيم، الخبير. ومنها ما يصور رحمة الله بعباده، مثل : الرؤوف، الرحمان، الرحيم... إلى غير ذلك من صفات قد تلتقي بصفات البشر، ولكنها تختلف عنها في الجنس والنوع، هي وكل ما يتصل بالذات الإلهية.
ووحدانية الله وأفعاله : هي التفرد في خلق الكون والقيام عليه وتدبير نظامه المحكم بقوانين ماثلة في جميع الأشياء.
يقول الحق سبحانه : أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيّناها وما لها من فروج* والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج* تبصرة وذكرى لكل عبد منيب* ونزّلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنت وحبّ الحصيد* والنخل باسقات لها طلع نضيد* رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج. ( ق : ٦-١١ ).
وهذا الكون العظيم بنظامه البديع وناموسه الرائع يدل دلالة واضحة على وحدانية الله وتفرده بالألوهية.
قال تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا... ( الأنبياء : ٢٢ ).
وقال سبحانه : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عمّا يصفون. ( المؤمنون : ٩١ ).
ومضمون هذه الآيات أنه لو تعددت الآهلة في الكون لفسد نظام السماوات والأرض، ولاختل تماسكها القائم على وحدة نظام، ووحدة تسيير، وبما أن الكون لم يفقد نظامه ولا تماسكه فدلّ ذلك على نفي الآلهة وثبتت وحدانية الحق سبحانه. قل هو الله أحد.
الله الصّمد.
الصّمد. هو المقصود في الحوائج وحده، فهو الملاذ وهو الملجأ، وهو المستعان وهو المستغاث، ولا حول ولا طول لسواه، إنه الخالق الصانع الحافظ الوهاب النافع الضار، كل شيء بيده وفي قبضته، يعطي ويمنع، ويبسط ويقبض، ويثيب ويعاقب، وكل شيء في الكون متجه إليه يتلقى منه الوجود، إنه المحيي المميت، الذي يهب كل حيّ حياته، وكل حيّ بل كل كائن ينقاد إليه شاعرا بضعفه وعجزه، وأنه محتاج إلى بره وتفقده له، فهو الكالئ الحافظ بالليل والنهار وعلى مر الزمان، وهو الراعي المربّي الذي يفتقر إليه كل شيء في الوجود وينقاد بأزمته، وفي ذلك يقول جلّ ذكره : ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابّة والملائكة وهم لا يستكبرون* يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون. ( النحل : ٤٩، ٥٠ ).
قال الإمام محمد عبده :
وقوله : الصّمد. يشعر بأنه الذي ينتهي إليه الطلب مباشرة بدون واسطة ولا شفيع، وهو في ذلك يخالف عقيدة مشركي العرب الذين يعتقدون بالوسائط والشفعاء، وكثير من أهل الأديان الأخرى يعتقدون بأن لرؤسائهم منزلة عند الله ينالون بها التوسط لغيرهم في نيل مبتغاهم فيلجأون إليهم أحياء وأمواتا، ويقومون بين أيديهم أو عند قبورهم خاشعين خاضعين، كما يخشعون لله بل أشد خشيةi.
وقد نفى القرآن كل وساطة بين العبد وربه، وبيّن أن باب الله مفتوح على مصراعيه، للضارعين والتائبين والسائلين، فهو قريب من عباده لا يحتاج إلى وساطة أو شفاهة.
قال تعالى : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون. ( البقرة : ١٨٦ ).
وبذلك نرى أن اله يرفع كل حجاب بينه وبين عباده ليتجهوا إليه بالمسألة حين تنزل بهم بعض الخطوب، أو حين تصيبهم بعض الفواجع، أو حين يلتمسون أي مقصد من مقاصد الدنيا أو مقاصد الآخرة.
قال تعالى : ادعوني أستجب لكم... ( غافر : ٦٠ ).
وقال سبحانه : ادعوا ربكم تضرّعا وخفية إنه لا يحب المعتدين. ( الأعراف : ٥٥ ).
وعلى ذلك فالإسلام ينكر بيع صكوك الغفران، لأن المغفرة بيد الله وحده، وينكر الإسلام الاعتراف بالذنب لرجل الدين حتى تصح التوبة ويمحى الذنب، إذ أساس الإسلام أن الله وحده هو المقصود في كل شيء : وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون* ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله... ( الشورى : ٢٥، ٢٦ ).
وقد جعل الدين الدعاء مخ العبادة، لان الدعاء اعتراف ضمني بقدرة الله وعظمته وأنه الخالق البارئ الرازق الفعال لما يريد، وأن بيده الخير والأمر والنفع وأنه مسبب الأسباب. وللدعاء آداب منها :
التوبة النصوح، وأكل الحلال، وأداء الفرائض، واجتناب المحرمات، والتزام التضرع والخضوع في مناجاة الله ودعائه، واليقين الكامل بأن الله تعالى هو النافع الضار، لا راد لقضائه ولا معقب لأمره : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيقول. ( يس : ٨٢ ).
وتمكينا لهذه العقيدة الإسلامية في النفوس، علّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمه عبد الله بن عباس وهو غلام صغير وقد كان راكبا خلفه.
فعن عبد الله بن عباس قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته فقال لي :( يا غلام، هل أعلمك كلمات ينفعك الله بهن في الدنيا والآخرة ) ؟ قلت : بلى يا رسول الله علمني. فقال لي :( يا غلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ما نفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء ما ضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف )ii. رواه أحمد، والترمذي، وهو حديث صحيح.
وحيث يعلم المؤمن هذه الحقيقة، ويحيى في فكره وقلبه صمدية الله تعالى، فإنه لا يرجع في أمر من أموره إلا إليه سبحانه، ولا يتقرب بأي قربى إلا قربى تدنيه من طاعة ربه ومرضاته، وتثبيتا لحقيقة صمدية الخالق من حقائق صفات الألوهية، قال سبحانه : الله الصّمد. أي : الله هو الغني في ذاته وفي صفاته غنى تاما، وهو الذي يصمد إليه، يرجع إليه في كل أمر صغر أو كبر.
قال أبو هريرة في تفسير كلمة الصمد : هو المستغني عن كل أحد، المحتاج إليه كل أحد.
لم يلد ولم يولد.
لم يلد. لم يتخذ ولدا. ولم يولد. ليس له والد يكنّى به. والقرآن بهذا ينزه الله العلي العظيم عن الشبه بالآدميين الفانين الذي يوجدون بعد عدم، ويعيشون وينجبون الولد والأولاد، ثم تشتعل رؤوسهم شيبا ويبلغون من الكبر عتيا ثم يموتون، وبذلك يكون الإنسان والدا ومولودا في آن واحد، أما الله سبحانه فتعالى علوّا كبيرا عن أن يلد أو يولد، فهو منزّه عن مجانسة الآدميين في اتخاذ الصاحبة أو الزوجة واتخاذ الأولاد.
قال تعالى : بديع السماوات والأرض أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم* ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل* لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. ( الأنعام : ١٠١ -١٠٣ ).
ولم يكن له كفوا أحد.
الكفء معناه المكافئ والمماثل في العمل والقدرة، وهو نفي لما يعتقده بعض المبطلين من أن لله ندا في أفعاله ويعاكسه في أعماله، على نحو ما يعتدقه بعض الوثنيين في الشيطان مثلا، فقد نفى بهذه السورة جميع أنواع الشرك، وقرر جميع أصول التوحيد والتنزيه.
( وقد جعل الله الآية الأخيرة خاتمة للآيات قبلها، فبعد أن قرّر وحدانيته وعظيم سلطانه، وأنه ملاذ الكون ومخلوقاته، وأنه منزه عن مشابهة الإنسان ومماثلته لتفرده بقدمه وأزليته، قال في صيغة عامة إنه ليس له مثيل ولا نظير من الخلق في أي صفة ولا في أي فعل ولا في أي شيء من الأشياء )iii.
وقد سفّه القرآن في مواطن كثيرة من جعلوا لله أندادا من المخلوقات، وبين أنه سبحانه الصانع الأعظم، وما من كائن إلا ويفتقر إليه في وجوده.
وفي معنى سورة الإخلاص يقول الله سبحانه : وقالوا اتخذ الرحمان ولدا* لقد جئتم شيئا إدّا* تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا* أن دعوا الرحمان ولدا* وما ينبغي للرحمان أن يتّخذ ولدا* إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا* لقد أحصاهم وعدّهم عدّا* وكلهم آتيه يوم القيامة فردا. ( مريم : ٨٨ -٩٥ ).
وقال سبحانه : وقالوا اتخذ الرحمان ولدا سبحانه بل عباد مكرمون* لا يسبقونه بالقول وه

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ قل هو الله أحد ١ الله الصّمد ٢ لم يلد ولم يولد ٣ ولم يكن له كفوا أحد ٤ ﴾
التفسير :
١- قل هو اله أحد.
قل لهم يا محمد : هو الله أحد.
هو الله أحد، أي : واحد في ذاته، ليس له شريك ولا مثيل، وهو واحد في صفاته، لأنه كامل القدرة، كامل الإرادة، كامل الرحمة، كامل القهر، كامل الصفات الكاملة التي يتصف بها وحده.
وهو واحد في أفعاله، بمعنى أنه خالق الكون، وغيره لا يقدر على أن يفعل مثل أفعاله.
قل تعالى : أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكّرون. ( النحل : ١٧ ).
وهذه الجملة تكفي المؤمن حين ينطق بها، ويتمثّل معناها ومبناها، ويتأكد أن الكون له إله واحد، هو المقصود، هو المعبود، وهو خالق الوجود، لذلك قالوا : من وجد الله وجد كل شيء، ومن فقد الله فقد كل شيء.
٢- الله الصّمد.
هو المقصود في الحوائج، والصمد بمعنى المصمود، أي المقصود مباشرة بدون وسيط أو شفيع، فهو غني عن الوسائط، يفتح بابه لكل سائل.
وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فينادي : يا عبادي، هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه هل من طالب حاجة فأقضيها، حتى يطلع الفجر ). iv.
إن الله في الإسلام ليس بعيدا عن خلقه، ولم يخلقهم ويتركهم، إنه يسمع ويرى، وهو قائم على كل نفس بما كسبت، وهو الرقيب والحسيب والمحصى.
قال تعالى : أحصاه الله ونسوه.. ( المجادلة : ٦ ).
وقال سبحانه وتعالى : ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا. ( الكهف : ٤٩ ).
قال أهل اللغة : الصّمد. هو السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليها الناس في حوائجهم وفي أمورهم، وعن أبي هريرة : هو المستغني عن كل أحد، المحتاج إليه كل أحد.
إن الله أقرب إلينا من حبل الوريد، وكان من دعاء الإمام زين العابدين : يا من ليس له بوّاب يرجى، ولا حاجب يرشى، صل على محمد وآله، واغفر ذنوبي، واستر عيوبي، وتقبّل رجائي. اللهم آمين.
٣- لم يلد ولم يولد.
لم يلد ولدا، ولم يولد من أب، فهذا شأن المخلوق، أن يكون مولودا ثم شابا، ثم يتزوج ويولد له، ويصبح أبا، وهذا شأن البشر، أما الإله فهو منزّه عن ذلك.
قال تعالى : أنّى يكون له ولد ولم يكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم. ( الأنعام : ١٠١ ).
أخرج البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ودا وهو يرزقهم ويعافيهم )v.
وأخرج البخاري أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يقول الله عز وجل : كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني، وليس أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، لم أولد ولم يكن لي كفوا أحد ). vi.
٤- ولم يكن له كفوا أحد.
وكفوا : أصلها كفؤا.
الكفء : هو المكافئ والمماثل والمشابه لغيره في العمل أو القدرة.
أي : ولم يكن أحد من خلقه مكافئا ولا مشاكلا ولا مناظرا له تعالى، في ذاته أو صفاته أو أفعاله.
قال تعالى : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. ( الشورى : ١١ ).
وقد ورد في السّنة الصحيحة أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، لاشتمالها على التوحيد، وتأكيد وحدانية الخالق، ونفي التعدد بقوله سبحانه : قل هو الله أحد.
ونفى عن ذاته النقص والاحتياج، وأثبت حاجة الخلق إليه بقوله : الله الصّمد.
ونفى عن ذاته أن يكون والدا أو مولودا بقوله عز شأنه : لم يلد ولم يولد.
ونفى عن نفسه الأنداد والأشباه والنظراء بقوله تعالى : ولم يكن له كفوا أحد.
فالسورة الكريمة إثبات لصفات الجلال والكمال، وتنزيه للرب بأسمى صور التنزيه عن النقائص.
ومن أصول عقيدتنا ان الله تعالى يتصف إجمالا بكل كمال، ويتنزه إجمالا عن كل نقص، ويتصف تفصيلا بصفاته الكاملة، مثل : القدرة، والإرادة، والوحدانية، والقيام بالنفس.
وفي الحديث الصحيح :( إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، والله تعالى وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة ). vii.
قال العلماء : من حفظها دخل الجنة.
وقال المحققون : الإحصاء : هو الإحاطة بمعانيها علما وعملا، فإذا أيقنت أنه الرزاق أخذت بالأسباب، وعلمت يقينا أن المسبب الحقيقي هو الله تعالى.
***
تم بحمد الله تعالى وتوفيقه تفسير سورة ( الإخلاص ) مساء الأربعاء ٢١ من ربيع الأول ١٤٢٢ ه، الموافق ١٣/٦/٢٠٠١.
i تفسير جزء عم، للأستاذ محمد عبده، ص١٢٥، مطابع الشعب.
ii يا غلام إني أعلمك :
رواه الترمذي في صفة القيامة ( ٢٥١٦ ) وأحمد في مسنده ( ٢٦٦٤ ) من حديث ابن عباس قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال :( يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ). وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. قال العجلوني في كشف الخفاء : رواه أبو القاسم بن بشران في أماليه، وكذا القضاعي عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس بلفظ : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إليّ، فقال :( يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله... ) –الحديث، وفيه : قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، أو أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله عليه لم يقدروا عليه، وفيه واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا. وأورده الضياء في المختارة وهو حسن، وله شاهد رواه عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه بلفظ :( يا ابن عباس، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة.. ) وذكره مطولا بسند ضعيف، ورواه أحمد والطبراني وغيرهما بسند أصح رجالا وأقوى، قال في المقاصد : وقد بسطت الكلام عليه في تخريج الأربعين.
iii دكتور شوقي ضيف، سورة الرحمان وسر قصار ص ٣٨٠، مطابع دار المعارف.
iv ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة :
روى البخاري في الجمعة ( ١١٤٥ )، وفي الدعوات ( ٦٣٢١ )، وفي التوحيد ( ٧٤٩٤ )، ومسلم في صلاة المسافرين ( ٧٥٨ )، ومالك في الموطأ كتاب النداء إلى الصلاة ( ٤٩٦ )، وأبو داود في الصلاة ( ١٣١٥ ) وفي السنة ( ٤٧٣٣ )، والترمذي في الصلاة ( ٤٤٦ )، وفي الدعوات ( ٣٤٩٨ )، والدارمي في الصلاة ( ١٤٧٨، ١٤٧٩، ١٤٨٤ )، وابن ماجة في إقامة الصلاة ( ١٣٦٦ )، وأحمد ( ٧٤٥٧، ٧٥٣٨، ٧٥٦٧، ٣٧٣٣، ٨٧٥١، ٩٩٤٠، ١٠١٦٦، ١٠٣٧٧، ١٠٩٠٢، ١١٤٨٢، ٢٧٦٢٠ ) من حديث أبي هريرة. ورواه الدارمي في الصلاة ( ١٤٨٠ )، وأحمد ( ١٦٣٠٣، ١٦٣٠٥ ) من حديث جبير بن مطعم. ورواه أحمد ( ١٥٧٨٢، ١٥٧٨٥ ) من حديث رفاعة الجهني. ورواه أحمد ( ٣٦٦٤، ٣٨١١، ٤٢٥٦ ) من حديث ابن مسعود. ورواه الدارمي في الصلاة ( ١٤٨٣ ) من حديث علي.
v لا أحد أصبر على أذى :
رواه البخاري في الأدب ( ٦٠٩٩ )، وفي التوحيد ( ٧٣٧٨ )، ومسلم في صفة القيامة ( ٢٨٠٤ )، وأحمد ( ١٩٠٩٢، ١٩١٣٦ ). من حديث أبي موسى مرفوعا :( ليس أحد أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله... ) الحديث.
vi كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك :
روى البخاري في تفسير القرآن ( ٤٩٧٤، ٤٩٧٥ ) والنسائي في الجنائز ( ٢٠٧٨ ) وأحمد في مسنده ( ٨٣٩٨ ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( قال الله : كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن عيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفؤا أحدا ).
روى البخاري في تفسير القرآن ( ٤٤٨٢ ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( قال الله : كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله : لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة او ولدا ).
vii إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها :
رواه البخاري في الشروط ( ٢٧٣٦ ) وفي التوحيد ( ٧٣٩٢ ) ومسلم في الذكر ( ٢٦٧٧ ) والترمذي في الدعوات ( ٣٥٠٦، ٣٥٠٨ ) وابن ماجة في الدعاء ( ٣٨٦٠ ) وأحمد في مسنده ( ٧٤٥٠ ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن لله تسعة تسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ). ورواه الترمذي في الدعوات ( ٣٥٠٧ ) وابن ماجة في الدعاء ( ٣٨٦١ ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمان الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار... ) الحديث. وقال أبو عيسى : هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح وهو ثقة عند أهل حديث وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم في كبير شيء من الروايات له بإسناد صحيح ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه الأسماء وليس له إسناد صحيح.
Icon