ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل القرآن، وجعله حجة، وأوضح به للمؤمنين المحجَّة، وأظهر لهم بآياته نوراً، وكانوا من ظُلم الباطل في لُجَّة، أحمده حمد من اتبع نهجه، واتبع طريقة وهديه، وأصلي وأسلم على نبيه، المبعوث بالآيات البينات والمعجزات الواضحات، وعلى آله وصحبه الذين شادوا الدين ورفعوا لواءه في العالمين. وبعد:فإن من أنفع ما ينتفع به المرء في دينه ودنياه، وفي رمسه ومثواه، الاشتغال بكلام الله، تلاوة وتجويداً، وحفظاً وتفسيراً وعملاً وتدبُّراً: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا
الأَلْبَابِ) (١).
وأحسن طرق التفسير وأصحها، تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة النبوية، ثم بكلام الصحابة، ثم بكلام التابعين، ثم الاجتهاد وبذل الوسع في معرفة المراد من كلام الله سبحانه، مع التدين الصادق، وسلامة الوِجهة، وإخلاص القصد لله رب العالمين.
وقد روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال:
التفاسير على أربعة أوجه:
- تفسير تعرفه العرب من كلامها.
- وتفسير لا يعذر أحد بجهله.
- وتفسير يعلمه العلماء.
- وتفسير لا يعلمه إلا الله، فمن ادَّعى علمه فقد كذب.
وقد سلك الإمام ابن المنذر النيسابوري- رحمه الله- في تأليف كتابه (كتاب تفسير القرآن) منهج السلف في تفسير القرآن بالقرآن وبالأحاديث النبوية وبالآثار الثابتة المسندة من أقوال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، ومن ثم فقد اكتسب تفسيره أهمية خاصة عند العلماء، فقد قال الحافظ
وقال الداودي: (لم يُصَّنف مثله).
وللتفسير بالمأثور منزلة خاصة عند العلماء، ومن أشهر المفسرين للقرآن بالمأثور الإمام العلامة الثْبت: محمد بن جرير الطبري (المتوفى سنة ٣١٠هـ).
قال أبو حامد الإسفراييني إمام الشافعية: (لو سافر رجل إلى الصين حتى يُحصِّل تفسير ابن جرير لم يكن كثيراً).
وقال النووي: أجمعت الأمة على أنه لم يُصنف مثل تفسير الطبري.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها تفسير ابن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين.
إن كتاب التفسير الذي ألَّفه الإمام محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري لبنة من لبنات التفسير بالمأثور الذي يقدّره ويجلّه علماء التفسير جميعاً، لأنه أفضل طرق التفسير، والإمام النيسابوري ذو مؤلفات جمة تدُّل على مبلغ علم الرجل وجودة فهومه؟ فهو ممن يستفاد منهم في الحلال والحرام، مع الورَع والتقوى والدين.
ذكر العلماء أن له كتباً معتبرة عند أهل الإسلام لم يُولف مثلُها في الفقه وغيره، منها كتاب (المبسوط)، وكتاب التفسير، الذي لم يُصنف مثله، وكان مجتهداً لا يُقَلِّد أحداً.
لقد أحسن الأخ الدكتور سعد بن محمد السَّعد صُنعاً حين هُدِيَ إلى هذه القطعة المخطوطة من (كتاب التفسير) لابن المنذر، فعكفَ على تحقيقها والتعليق على ما يحتاج إلى تعليق منها مع التوجيه والترجيح، لقد نسب كل أثر إلى مصدره، وعزا كل قراءة إلى من قرأ بها، وميزَّ المتواتر من الشاذ وذلك بالرجوع إلى مصادرهما، وعلَّق على كل منهما. بما يحتاجه من تعليق، ووثّق الباحث نقول ابن المنذر عن الفرَّاء في (معاني القرآن) له، وعن أبي عبيدة معمر بن المثنى في كتابه (مجاز القرآن)، ووثَّق النصوص الشعرية -وإن كانت قليلة- توثيقاً حسناً، كما أنه ضبطها بالشكل، وبهذا يكون (كتاب التفسير) لأبن المنذر قد خرج من غياهب المكتبات إلى النور
والضياء، لينتفع به طلاب العلم وراغبوه مما يبشر المحق بثبوت الأجر له إن شاء الله.
والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد المحسن التركي
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمةُ التّحقيق:الحمدُ لله ربّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أمّا بعد:
فإنّه يسرّني أن أقدِّم إلى أهلِ العلمِ وطُلابِهِ جزءاً من تفسير إمامٍ، جليل القدر عظيم المكانة، ألا وهو الإمامُ ابنُ المنذر المتوفّى سنة ٣١٨ هـ رحمه الله وغفر له.
وهذا الجزءُ الذي تشرّفتُ بتحقيقه وخدمته هو الذي ذكره بروكلمان في "تاريخ الأدب العربيّ" ٣/٣٠١، والأستاذُ الدّكتور فؤاد سزكين في كتابه "تاريخ التّراث العربيّ" ٢/١٨٥. والأمل أن ييسّر الله تعالى العثورَ على بقيّه الأجزاء المفقودة من تفسير هذا الإمام الجليل الذي فسَّر كتابَ الله كاملاً، كما تدلُّ على ذلك النّصوصُ التي ستردُ في الحديث عن الكتاب.
ولخروج هذا الجزء قصّةٌ من الوفاء إيرادها.
فقد أشار عليَّ محدِّثُ المدينة النبوية فضيلةُ الشّيخ حمّاد بن محمّد الأنصاريّ -رحمه الله- أثناء إقامتي في المدينة النّبويّة أن أجمع في كتابٍ مستقلِّ ما انتُخب
مكتبة جوتا بألمانيا لصعوبة ذلك، ولكن تحقق لي بعد مدّة -بفضل الله تعالى- تصوير نسخة من تلك القطعة، وحينذاك شرعتُ-على الفور- في تحقيقها، وتوقّفتُ عمّا مضيتُ فيه من خدمة "المنتخب"، بعد أن نسختُه كاملاً.
وبهذه المناسبة أرى من الواجب عليّ أن أشيد بفضل شيخنا العلاّمة حمّاد ابن محمّد الأنصاريّ، فقد كان -رحمه الله- دائمَ السُّؤال عن هذا الجزء وعن غيره من بقيّة أجزاء الكتاب وعن الكتب الأخرى النِّفيسة التي يتردّدُ أنّها كانت موجودةً في مكتبة " كارل ماركس " في برلين الشّرقيّة قبل توحيد شطري ألمانيا، ثمّ نُقلت إلى مكتبة " برلين " بعد توحيدهما.
وكانت أسماءُ تلك الكتب -بما فيها "تفسيرُ ابن المنذر" كاملاً- موجودةً لدى الشّيخ في ثَبَتٍ كان يُسمِّيه رحمه الله: " مُسيلُ اللّعاب " - على سبيل الدعابة- لنفاسة الكتب التي يحتوي عليها ذلك الَّثَبتُ.
وقد أدركَت الشيخَ المنيةُ وهو لم يقطع الأمل في خروج هذه الكتب في يوم من الأيام. وكانت همّةُ الشّيخ -رحمه الله- كما يعلمُ الكثيرون، تقصر دونها الهممُ في
ثم إنني أتوجّه بوافر الشّكر والتّقدير والعرفان إلى والدي وأستاذي الكريم معالي الشّيخ الجليل الدّكتور/ عبد الله بن عبد المحسن التّركي، عضو هيئة كبار العلماء، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، فقد كان له الفضل بعد الله تعالى في سرعة خروج هذا الكتاب إلى عالم المطبوعات، حيث كان معاليه -بما حباه الله من قوة العزيمة وعلو الهمّةِ- يحثّني على سرعة إخراج هذا الكتاب باستمرار منذ أن عرف أنني بدأت العمل فيه، ويتعاهدني -مع كثرة مشاغله- بتوجيهاته وإرشاداته القيّمة، ثم تفضل معاليه -مشكوراً- بالتقديم لهذا التفسير القيم، فجزاه الله عنّي وعن طلاّب العلم خير الجزاء، وأعظم المولى مثوبته.
كَما أشكرُ الأخ الكريم الدّكتور/ أحمد بن محمّد الدّبيان على جهوده التي أثمرت في الحصول على مصوّرةٍ من هذا الكتاب النّفيس.
ولا أنسى جهودَ الإخوة الكرام الذين أفدتُّ كثيراً من تنبيهاتهم وإشاراتهم، فجزاهم الله عنى جميعاً كل خير وأخص بالشكر منهم: فضيلة الشيخ/ عبد الباري بن حماد الأنصاري.
وبعد.. فأحسب أنني قد بذلت في هذا الكتاب غاية جهدي، حتّى خرج بهذه الصّورة التي أرجُو أن تكون لائقةً بهذا التفسير القيّم، وبالمكانة الكبيرة لصاحبه رحمه الله.
وإنني لعلى ثقة أن هذا العمل -مع ما بذلته فيه من جهد كبير- لا يخلو من نقص وقصور، فإنَّ البضاعة قليلة والصوارف جدّ كثيرة ولذلك فإنني أرجو ممن له ملحوظة أو رأي معين أن يتفضل مشكوراً مأجوراً إن شاء الله بالكتابة إليَّ على العنوان الموضح أدناه.
وأجدها مناسبة طيبة أن أشكر دار المآثر بالمدينة النبوية ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم، فقد تولت الدار مشكورة صف هذا الكتاب وتولت نشره فللقائمين عليها جزيل الشكر والتقدير على ذلك.
وفي الختام فإنّني أسألُ الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً له سبحانه، وأن ينفعني به وينفع به، ويغفر لي ولوالدي ولمشايخي ولمؤلِّفه الجليل ولجميع المسلمين، إنّه قريبٌ مجيبٌ. وصلّى الله وسلّم على نبينا محمّد
وعلى آله وصحبه أجمعين.
عنوان المحقق:
ص. ب ٨٩٢٢٨- الرياض ١١٦٨٢
هاتف ٢٢٥٤٠١٩- فاكس ٢٢٥٣٩٨١
المحقق
سعد بن محمّد السّعد
المدينة النبوية في ١٧/٧/٤٢١ هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ابنُ المُنْذِر النيْسابُورِيُّ (١)هو الإمامُ الحافظُ العلاّمةُ، شيخُ الإسلام، أبوبكر محمّد بن إبراهيم بن المنذر بن الجارود الّنيسابورىُّ الفقيه نزيل مكة.
ولادتُه:
لم أقف على تاريخ ولادة ابن المنذر على التّحديد إلاّ ما قاله الحافظُ الذّهبيُّ من أنّه: وُلد في حدود موت أحمد بن حنبل (٢) والإمام أحمد -كما هو معروف- توفي سنة ٢٤١هـ فمولد الإمام ابن المنذر قريب من هذا التاريخ، ولذلك أشار الزرِكْلِىُّ أنه ولد سنة ٢٤٢هـ على سبيل الاحتياط (٣).
طبقات العبادي ٦٧، طبقات الشيرازي ١٠٨، تهذيب الأسماء واللّغات ٢/١٩٦ ١٩٧، وفيات الأعيان ٤/٢٠٧، تذكرة الحفاظ ٣/٧٨٢ ٧٨٣، ميزان الاعتدال ٣/٤٥٠، سير أعلام النبلاء ١٤/٤٩٠، الوافي بالوفيات ١/٣٣٦، مرآة الجنان ٢/٢٦١، طبقات الشافعية للسبكي ٣/١٠٢، العقد الثمين ١/٤٠٧، لسان الميزان ٥/٢٧، طبقات المفسرين للسيوطى ٢٨، طبقات الحفاظ ٣٢٨، طبقات المفسرين للداودي ٢/٥٠، شذرات الذهب ٢/٢٨٠، طبقات الأصوليين ١/١٦٨، الأعلام ٥/٢٩٢، معجم المؤلفين ٨/٢٢٠.
(٢) سير أعلام النبلاء١٤/٤٩٠.
(٣) الأعلام ٥/٢٩٤.
روى عن الإمام: البخاريِّ، والترمذيِّ، واٍسحاق الدَّبَرِيِّ، وأبي حاتم الرّازيِّ، والرّبيع بن سليمان، ومحمّد بن عبد الله بن عبد الحكم، ومحمّد بن إسماعيل الصّائغ، وعليّ بن عبد العزيز البغويِّ.
وممن يكثر من الرواية عنهم في تفسيره هذا: زكريا بن داود، وموسى بن هارون، وعلي بن المبارك، وعلي بن عبد العزيز، وعلاَّن علي بن عبد الرحمن بن المغيرة، ومحمد بن علي النجّار، وعلي بن الحسن، ويحيى بن محمد بن يحيى، وعلي بن عبد الله.
تلاميذُه:
من أشهرهم: ابن حبّان البستي، ومحمّد بن أحمد البلخيُّ، وأبو بكر الخلاّل الحنبليُّ، ومحمّد بن عبد الله بن يحيى اللَّيْثِيُّ، وأبو بكر ابن المقرئ وسعيد بن عثمان الأندلسيُّ، ومحمّد بن يحيى بن عَمّار الدِّمياطيُّ، وعبد البرِّ ابن عبد العزيز بن مُخارق، والحسين والحسن ابنا علىّ بن شعبان.
رحلاُته:
ولد الإمامُ ابن المنذر وعاش في نيسابور، وذُكِرَ في ترجمته أنّه نزل. بمكّة واستقرّ بها، وذَكَر في كتابه " الأوسط" أنّه سَمِعَ. بمصرَ من بكّار بن قتيبة (١)، وهذا يدلُّ على أنّه رحل إليها.
ومن الغريب عدمُ ذكر من ترجم له دخولَه بغداد أو غيرها من مدن العراق، وهي على طريق السّالك إلى مكّة المكرّمة. وربّما أنّ عدم إقامته في بغداد هي السّبب في عدم الإشارة إليه.
مكانتُه العلميّة وثناءُ العلماءِ عليه:
كان الإمام ابن المنذر- على نحو ما سيأتي- إماماً في التّفسير، ومحدّثاً ثقةً، إلى جانب كونه فقيهاً مجتهداً بلغ درجة الاجتهاد الطلق، وهو وإن كان معدوداً من فقهاء الشّافعيّة إلاّ أنّه كان لا يتعصّب لقول أَحدٍ، بل يدور مع الدّليل حيث كان (٢).
وللعلماء كلام كثير في الثّناء على هذا الإمام الجليل:
فقد قال تلميذه الإمام أبو بكر الخلاّل الحنبليّ: حدّثنا الأكابرُ بخراسان منهم: محمّد بن المنذر (٣).
وقال الإمام محيي الدِّين النّوويُّ: الإمام المشهور أحد أئمّة الإسلام... المجمع على إمامته وجلالته ووفور علمه، وجمعه بين التّمكّن في علمي الحديث والفقه، وله المصنّفات المهمّة النّافعة في الإجماع والخلاف وبيان مذاهب العلماء... ، واعتماد علماء الطّوائف كلّها في نقل المذاهب
(٢) تنظر مقدّمة تحقيق الإقناع.
(٣) طبقات الحنابلة ١/٣٨.
وقال ابن القَطَّانِ: كان ابنُ المنذر فقيهاً، محدِّثاً، ثقةً (٢).
وقال السُّبكيُّ: اًحدُ أعلام هذه الأمة وأحبارها، كان إماماً مجتهداً، حافظاً ورعاً (٣).
وقال الإمام قطب الدّين البهنسيّ: الإمام أبو بكر النّيسابوريّ أحد أئمّة الإسلام، المجمع على إمامته وجلالته ووفور علمه، وزهادته وعظيم ورعه وأدبه، وحفظه لكتاب ربّه، ومعرفته لواجبه وندبه (٤).
وقال ابن ناصر الدّين: هو شيخ الحرم وفقيهه، حافظٌ فقيهٌ مجتهدٌ علاّمةٌ، ثقةٌ فيما يرويه، له مصنّفات عظم بها الانتفاع (٥).
وقال الإمام الذّهبيّ- كما سيأتي في الكلام عن تفسير ابن المنذر-: ولابن المنذر تفسير كبير في بضعة عشر مجلّداً يقضي له بالإمامة في علم التّأويل أيضاً (٦).
(٢) ينظر بيان الوهم والإيهام ٥/٦٤٠
(٣) طبقات الشافعية ٢/١٢٦.
(٤) مقدّمة الأوسط ١/١٨.
(٥) التّبيان لبديعة البيان ل ١٩٦ نقلاً عن مقدمة تحقيق الأوسط ١/١٣.
(٦) سر أعلام النّبلاء ١٤/٤٩٢.
وقال الدّاووديّ: أحد الأعلام، وممّن يُقتدى بنقله في الحلال والحرام، كان إماما مجتهداً حافظاً ورعاً (٢).
مؤلفاتُه:
ألّف الإمام ابن المنذر- رحمه الله- عدّة كتب معتبرة عند أهل الإسلام في التّفسير والفقه وأصوله وغيرها من علوم الشّريعة، ومن مصنّفاته:
١- إثبات القياس: ذَكَرَهُ ابن النّديم (٣).
٢- اختلاف العلماء: يوجد بعضه مخطوطاً (٤).
٣- الإجماع: وهو مطبوع.
٤- الإشراف على مذاهب أهل العلم العلم: وقد طبع بعضه، وبعضه مفقود. وهو مختصر من "الأوسط". وكتاب "الإشراف" ذَكَره الصّفديّ والذّهبيّ والسّبكيّ وغيرهم، كما ذكره ابن خلّكان وقال: "هو كتاب كبير يدلّ على كثرة وقوفه على مذاهب الأئمّة، وهو من أحسن الكتب وأنفعها وأمتعها" (٥).
(٢) طبقات المفسّرين ٢/٥٥.
(٣) الفهرست ص ٣٠٢.
(٤) تنظر مقدمة تحقيق الأوسط ١/٢٤.
(٥) تنظر مقدمة الإقناع ص ٢٦.
٦- الإقناع: وهو مطبوع.
٧- الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف: وقد طبع بعضه، وما زال غالبُه مخطوطاً. وهو مختصر من مختصر آخر هو "المبسوط" فيما يظهر (١).
٨- المبسوط: وهو في عداد المفقود. ويظهر أنّه مختصر من كتاب "السّنن والإجماع والاختلاف".
٩- تشريف الغنيّ على الفقير: ذَكَره الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" ٥/٢٨.
١٠- جزء في حديث جابر في صفة حجّة النّبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَكَره النّوويُّ في "شرح مسلم" (٢).
١١ - رحلة الإمام الشافعي إلى المدينة المنورة: وهو مطبوع بالقاهرة سنة ١٣٥٠هـ كما ذَكَر سزكين (٣).
١٢- كتاب أحكام تارك الصلاة: وهو في عداد المفقود. وقد ذَكَره الإمام ابن المنذر في كتابه "الإقناع" ٢/٦٩٣.
١٣- كتاب مختصر الصلاة: ولم يُعثر عليه، وقد ذَكَره ابن المنذر في "الإقناع" كذلك ١/١٢٢.
(٢) شرح مسلم ٨/١٧٠، وينظر الأوسط ١/٢٤.
(٣) تاريخ التّراث العربيّ- المجلّد الأوّل، الجزء الثّالت ص ١٨١، ١٨٢، ٢٠٢.
١٥- كتاب الأذكار: ذَكَرَهُ حاجي خليفة في "كشف الظّنون" ١/٥٣٤، والبغداديّ في "هديّة العارفين" ٢ /٣١، وأشار إليه الغزاليّ في "الإحياء" ١/٢٨٠.
١٦- كتاب الأشربة: ذَكَره المؤلّف في "الإقناع" ٢/٦٦٧ ولم يُعثر عليه.
١٧- كتاب التّفسير: وهوكتابنا هذا، وسيأتي الكلام عليه مفصّلاً.
١٨- كتاب السّياسة: ويوجد له مخطوط في مكتبة المخطوطات الشرقية في مدينة جوتا بألمانيا. كما ذَكَر الشّيخ عبد الحميد السّائح، وقال: فيه بحوث فقهيّة عظيمة من مختلف الفروع والفرائض (١).
١٩- كتاب العُمْرَى والرُّقْبَى: ذَكَره المؤلّف في الإقناع ٢/٤٢٢.
٢٠- كتاب المسائل في الفقه: ذَكَره ابن النّديم في "الفهرست" ص٣٠٢.
٢١- مختصر كتاب الجهاد: ذَكَره المؤلف في "الإقناع" ٢/٤٤١.
٢٢- كتاب السّنن والإجماع والاختلاف: ذَكَره المؤلّف في " الأوسط" وسمّاه: "كتاب السّنن".
٢٣- مختصر كتاب السّنن والإجماع والاختلاف: ذَكَره في " الإشراف" كما في مقدّمة "الإقناع".
ص ٥١، سنة ١٣٩٨هـ، نقلا عن مقدّمة محقّق الأوسط.
اختلف المؤرِّخُون في تاريخ رفاته، إلا أن أكثرَهم (١)، ذهبوا إلى أنه توفي سنة ٣١٨ هـ رحمه الله رحمةً واسعةً، وأسكنه فسيحَ جنّاته، آمين.
الميزان ٥/٢٨، شذرات الذهب ٢/٢٨٠.
١- اسم الكتاب:
صرّح ابنُ المنذر أنّ له "تفسيراً للقرآن".
قال في باب ذكر إثبات التيمّم للجُنُب المسافر الذي لا يجد الماء في كتابه "الأوسط" (١).
" رُوِّينا معنى هذا القول عن عليٍّ وابن عبّاس ومجاهد وسعيد بن جبير والحكم والحسن بن مسلم وقتادة، وقد ذكرتُ أسانيدَها في "كتاب التّفسير".
وقال في باب ذكر شديد الضَّرْب على الأعضاء، في "الأوسط" (٢) :
"وقد ذَكَرْتُ اختلافَهم في ذلك في كتاب التّفسير".
ولكن لم أقف علي تسميةٍ خاصّةٍ أطلقها ابنُ المنذر على "تفسيره" هذا، إلاّ ما سبق من أنّه "كتاب التّفسير" أو"تفسير القرآن" كما هو مُثَبتٌ على النّسخة المعتمدة في التّحقيق.
(٢) ق ١٦٤/٥ ب- النّسخة المحمودية.
ليس هناك أدنى شكّ في صحّة نسبة هذا الكتاب لابن المنذر لأمور منها:
أ- الشيوخ الذين يُحدِّث عنهم ابن المنذر في كتابه هذا، فهم شيوخه الذين روى عنهم في سائر مؤلفاته كـ "الأوسط" وغيره.
ب- كثير من نصوص الكتاب عزاها إليه السّيوطيّ في كتابه "الدّر المنثور" كما يظهر من حواشي التّحقيق.
ج- إنّ الكتاب جاء منسوباً إلى ابن المنذر في النّسخة الخطيّة.
٣- المنهج العام للمؤلّف في هذا الكتاب:
سلك الإمامُ ابن المنذر النّيسابوريُّ في تأليف كتابه هذا منهج السّلف الصّالحين في تفسير القرآن، فسّر القرآن بالقرآن، وبالأحاديث النّبوية، وبالآثار الثابتة المسندة، من أقوال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، وأتباعهم رحمهم الله تعالى، وهذه هي طريقةُ السّلف الصّالحين في تفسير القرآن- كما قلت-، وعلى هذا الطراز تفسيرُ الإمام الطّبري وتفسيرُ ابن أبي حاتم وغيرهما.
لقد أثنى على كتاب ابن المنذر هذا عددٌ من أهل العلم:
فقال الحافظُ الذّهبيُّ: و"لابن المنذر تفسير كبير في بضعة عشر مجلداً، يقضي له بالإمامة في علم التأويل أيضاً" (١).
ونقل الحافظ ابن حجر منه في كتابه "العُجَاب في أسباب النّزول"، وعدّه ابن حجر في مقدّمة "العُجَاب" أحد الكتب الأربعة التي يدور عليها التّفسيرُ بالمأثور (٢). كما نَقَل منهُ السّيوطيُّ في كتابيه "الدّرّ المنثور"، و"اللّباب"، ويتبيّنُ من خلال نقولهم أنّ "تفسير ابن المنذر" كان كاملاً لديهما من أوّل سورة الفاتحة إلى سورة النّاس.
وذَكَره السّبكيُّ في "طبقاته" (٣)، والسّيوطيُّ والدّاووديُّ (٤) في "طبقاتهما". وقال الدّاووديّ: " لم يصنّف مثله " (٥).
(٢) العُجَاب ١/٢٠٣.
(٣) طبقات الشافعية الكبرى ٣/١٠٢.
(٤) طبقات المفسرين للسيوطي ٩١، والدّاوودي ٢/١٥١.
(٥) طبقات المفسّرين ٢/٥٦.
اعتمدتُّ في تحقيق هذه القطعة من "التّفسير"على نسخة مكتبة "جوتا" في برلين بألمانيا برقم: ٥٢١، ولم أقف في فهارس المخطوطات، ولا الكتب التي تعتني بأماكن وجود المخطوطات، كـ: "تاريخ الأدب العربي" لبروكلمان، و"تاريخ التراث العربي" لفؤاد سزكين (١) على غير هذه النّسخة، والقطعة الموجودة من المنتخب منه، وهذا وصفُ النّسخة المعتمدة:
١-نوعُ الخطّ:
خطُّها نسخ واضح في الغالب، وإن كان الناسخُ قد لا ينقّط بعضَ الحروف، ويكتب قبل بداية الآية:"قوله جلّ وعزّ" بخطٍّ ثخينٍ واضحٍ، ليُشير إلى بدء تفسير آيةٍ جديدةٍ.
وقد قام النّاسخُ مقابلة النّسخة، ويدلُّ على ذلك وضعُه لدائرةٍ منقوطةٍ للدّلالة على المقابلة هكذا O وكتابة كلمة "بلغ" في مواضع من الخطوط، وكذا الإلحاقاتُ الموجودةُ في حاشية النّسخة، والضّرب على الكلام المُقْحَم خطأً، مما يدلُّ على عناية النّاسخ ودقّته في تحريره للنّسخة.
٢- تاريخُ النّسخ:
لا يوجد على النّسخة تاريخٌ لنسخها، ونكن كما قال فؤاد سزكين:
"إنّها مخطوطة قديمة جداً" (٢). ويظهرُ من قِدَمِ خطِّها أنّها نُسخت في القرن
(٢) تاريخ التراث العربى ٢/١٨.
٣- عددُ أجزاء النّسخة وأوراقها:
يبلغ عددُ أجزاء النّسخة عشرة أجزاء، في كلِّ جزءٍ عشرون ورقة تقريباً، أمّا عددُ أوراق النّسخة فيبلغ: ١٩٨ ورقةً، ذات وجهين.
٤- عددُ أسطر الصّفحة والكلمات في كلِّ سطرٍ:
يبلغُ عدد الأسطر ما بين ١٩- ٢١ سطراً في الصّفحة الواحدة، وفي السطر نحو: أربع عشرة كلمةً تقريباً.
٥- محتوى النّسخة:
تبدأ النّسخةُ بتفسير قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) وهي الآيةُ: ٢٧٢ من سورة البقرة، وتنتهي النّسخة عند تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً….) الآيةُ: ٩٢ من سورة النّساء.
ولكنْ ذَكَرَ بروكلمان أن النسخة تنتهي عند تفسير الآية ٩٤ من سورة النساء. وقد استفسرتُ من المكتبة التي يوجد بها أصلُ المخطوطة فأفادوا كتابيّاً أنّ ما عندهم مطابقٌ للنّسخة المصوّرة التي وصلت إلينا، وتبين لي. بمراجعة الفهرس الأصلي "جوتا" ص ٤٠٧، أًنّ الخطأَ خطأٌ مطبعيٌّ، حيث نصَّ واضعوا الفهرس على أنّ آخر آية هي قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ
مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً)، وهذه الآيةُ رقمُها في المصحف الشّريف: ٩٢، ولكنْ وَرَدَ في الفهرس المذكور أنّها الآية رقم: ٩٤، فنقل منه بروكلمان رقمَ الآية كما ورد في الفهرس، ولم يتفطّن لوقوع الخطأ فيه، وتبعه سزكين كعادته.
اعتنى بعضُ أهل العلم بسماع هذا التّفسير على هذه النّسخة، ودوّنُوا سماعَهم لها، كما في: ق ٤٠/ب، ففي ذيل الورقة سماعٌ صورتُه:
"سمعه عيسى بن منصور المقدسيُّ من أوّله إلى آخره في المسجد الحرام وصلى الله على محمّد وآله وصحبه وسلم، وكذلك في: ق ٧٨/ب".
وفي: ق ١١٨/ب: "سمع محمّدُ بن نظيفٍ جميعَه، وعيسى بن منصور جميعَه، وعبدُ الرّحمن بن محمّد الطُّيوريُّ أو الطّبريّ ".
وفي: ق ٥٨/ب: "بلغُت ومحمّد بن نظيفٍ، وعبد الرّحمن بن محمّد الطّيوريّ أو الطبريّ ".
ومحمّدُ بن نظيفٍ المذكورُ هو: أبو عبد الله محمّد بن الفضل بن نظيف المصريُّ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ، تُوفي سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة (١).
٧- وصفُ القطعة الموجودة من المنتخب منه:
قام أحدُ نَسّاخ " كتاب الّتفسير " لابن أبي حاتم باقتطاف بعض النُّقول من تفسير ابن المنذر، وألحقها بهامش الجزء الثاني، مضيفاً إليه بعض المقتطفات من " تفسير عبد بن حُمَيْدٍ ".
وقد وقفت على المجلّد الّثاني من " تفسير ابن حاتمٍ " وأصلُه يوجد في مكتبة " أيا صوفيا " برقم: ١٧٥، ويقع في ٢٠٥ ورقة ونسخ عام ٧٨٤ هـ.
وكنتُ قد قمتُ بنسخ هذا " المنتخب " (مفرداً) ؛ للشّروع في تحقيقه قبل وقوفي على النّسخة الأصليّة السابق ذكرها.
٨- منهجُ العمل:
١- قمتُ بنسخ النّصِّ من الُّنسخة الأصليّة، مراعياً في ذلك استعمال علامات الترقيم، وقواعد الإملاء الحديثة المقررة.
٢- قابلتُ النّصَّ على القطعة الموجودة من المنتخب من التّفسير، وأثبتُّ الزّيادات، وجعلتها بين معقوفتين [].
٣- رقّمتُ الأحاديث والآثار ترقيماً تسلسلياً.
٤- عزوتُ الأحاديثَ والآثار إلى المصادر الأخرى التي اشْتَرَكَتْ مع ابن المنذر في إخراجها، وسَلَكْتُ في ذلك منهج الاختصار، خشيةَ إثقال هوامش الكتاب، ولأنّ هذا الكتابَ هو أصلُّ من الأصول المعتمدة من كتب التّفسير في حدِّ ذاته. وحين لا يكون المصدر الذي اشترك مع ابن المنذر في إخراج الأحاديث والآثار كاملاً مثل تفسير عَبْد بن حميد فإنّني أعزو إلى المرجع الذي أشار إلى تفسير عَبْد كـ " الدّرّ المنثور " مثلاً، وإن كان الحديثُ في القدر الموجود من " تفسير عَبْد " بيّنتُ ذلك من القدر الذي تمّ جمعُه من " تفسيره " -رحمه الله- على هامش " تفسير ابن أبي حاتم الرّازي " والموجود نسخة منه مخطوطة مصورة في مكتبة
الشّيخ حمّاد بن محمّد الأنصاريّ -رحمه الله- بالمدينة النبوية.
٥- لم أُترجم لرواة الأسانيد لتيسّر الوصول إلى تراجمهم لأهل التخصّص، وخشيةً من إثقال هوامش الكتاب، ممّا يضخِّمُ حجمَه، كما تقدم.
٧- وثّقتُ الأشعار والشّواهد من دواوين قائليها ما أمكن، أو من كتب المجاميع الشِّعرية إنْ لم يكن للشاعر ديوانٌ، بحَسْبِ الطّاقة.
٨- علّقتُ على الَّنصّ بحَسْبِ الحاجة، لبيانِ مُهْمَلٍ من الأسماء، أو تفسير كلمةٍ غريبةٍ، أو التّعريف ببلدٍ أو قبيلةٍ، ونحو ذلك.
٩- رددتُ ما اختصره النّاسخُ من مثل صيغة: " حَدَّثَنَا "، التي يختصرها في بعض المرّات إلى: " ثنا أو نا "، رددتها إلى الأصل، فأثبتُّها تامّةً، لأنّ النّاسخَ لم يلتزم الاختصارَ في كلِّ المواضع.
١٠- وضعتُ للنّصِّ فهارسَ متعدّدةً وتشمل:
أ- فهرس الآيات.
ب- فهرس الأحاديث والآثار.
خ- فهرس الأبيات.
د- فهرس الكلمات الغريبة.
هـ- فهرس البلدان والمواقع.
و فهرس الكتب الواردة في النصّ.
ز- فهرس الصادر والمراجع التي أعتمدتُّ عليها ني التّحقيق.
ط- فهرس الموضوعات.
وصلّى الله وسلّم على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.