تفسير سورة سورة النمل من كتاب صفوة التفاسير
المعروف بـصفوة التفاسير
.
لمؤلفه
محمد علي الصابوني
.
ﰡ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ
ﰀ
ﭙﭚﭛ
ﰁ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ
ﰂ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ
ﰃ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﰄ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ
ﰅ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﰆ
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﰇ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪ
ﰈ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ
ﰉ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ
ﰊ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ
ﰋ
ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ
ﰌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ
ﰍ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ
ﰎ
ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ
ﰏ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﰐ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ
ﰑ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﰒ
اللغَة: ﴿يَعْمَهُونَ﴾ يترددون ويتحيرون، والعَمَهُ: التحير والتردُّد كما هو حال الضال عن الطريق قال الزاجر: «أعْمى الهُدى بالحائرين العُمَّه» ﴿قَبَسٍ﴾ القَبس: النار المقبوسة من جمرٍ وغيره ﴿تَصْطَلُونَ﴾ اصطلى يصطلي إذا استدفأ من البرد قال الشاعر:
﴿بُورِكَ﴾ من البركة وهي زيادة الخير والنماء قال الثعلبي: العرب تقول: باركك الله، وبارك فيك، وبارك عليك، وبارك لك، أربعُ لغات قال الشاعر:
﴿يُوزَعُونَ﴾ أصل الوزع الكفُّ والمنع يقال: وزَعه يزعه إذا كفَّه عن الشيء ومنعه ومنه قول عثمان «إن الله ليزَع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» قال النابغة:
التفسِير: ﴿طس﴾ الحروف المقطعة للتنبيه على إعجاز القرآن وقد تقدم الكلام عليها ﴿تِلْكَ آيَاتُ القرآن﴾ أي هذه الآيات المنزَّلة عليك يا محمد هي آياتُ القرآن المعجز في بيانه، الساطع في برهانه ﴿وَكِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ أي وآياتُ كتابٍ واضحٍ مبين لمن تفكر فيه وتدبَّر، أبان اللهُ فيه
النارُ فاكهةُ الشتاءِ فمن يُرد | أكْلَ الفواكه شاتياً فليصْطَلِ |
فبوركتَ مولوداًَ وبركت ناشئاً | وبوركتَ عن الشيب إِذْ أنت أشيب |
على حين عاتبتُ المشيبَ على الصِّبا | وقلتُ ألمَّا أصّحُ والشيبُ وازع |
368
الأحكام، وهدى به الأنام ﴿هُدًى وبشرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي تلك آيات القرآن الهادي للمؤمنين إلى صراطٍ مستقيم، والمبشر لهم جنات النعيم، خصَّ المؤمنين بالذكر لانتفاعهم به ﴿الذين يُقِيمُونَ الصلاة﴾ أي يؤدونها على الوجه الأكمل بخشوعها، وآدابها، وأركانها ﴿وَيُؤْتُونَ الزكاة﴾ أي يدفعون زكاة أموالهم طيبةً بها نفوسهم ﴿وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ﴾ أي يصدقون بالآخرة تصديقاً جازماً لا يخالجه شك أو ارتياب قال الإِمام الفخر: والجملة اعتراضية كأنه قيل وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة، فما يوقن بالآخرة حقَّ الإِيقان إلاّ هؤلاء الجامعون بين الإِيمان والعمل الصالح، لأن خوف العاقبة يجملهم على تحمل المشاق وقال أبو حيان: ولما كان ﴿يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة﴾ ما يتجدَّد ولا يستغرق الأزمان جاءت الصلة فعلاً، ولما كان الإِيمان بالآخرة بما هو ثابت ومستقر جاءت الجملة إسمية وأُكدت بتكرار الضمير ﴿وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ﴾ وجاء خبر المبتدأ فعلاً ليدل على الديمومة، ولما ذكر تعالى المؤمنين الموقنين بالبعث، ذكر بعدها المنكرين المكذبين بالآخرة فقال ﴿إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة﴾ أي لا يصدّقون بالبعث ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي زينا لهم أعمالهم القبيحة حتى رأوها حسنة قال الرازي: والمراد من التزيين هو أن يخلق في قلبه العلم بما فيها من المنافع واللذات، ولا يخلق في قلبه العلم بما فيها من المضار والآفات ﴿فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ أي فهم في ضلال أعمالهم القبيحة يترددون حيارى لا يميزون بين الحسن والقبيح ﴿أولئك الذين لَهُمْ سواء العذاب﴾ أي لهم أشد العذاب في الدنيا بالقتل والأسر والتشريد ﴿وَهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون﴾ أي وخسارتهم في الآخرة أشد من خسارتهم في الدنيا لمصيرهم إلى النار المؤبدة والجحيم والأغلال ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرآن﴾ أي وإِنك يا محمد لتتلقى هذا القرآن العظيم وتُعطاه ﴿مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ أي من عند الله الحكيم بتدبير خلقه، العليم بما فيه صلاحهم وسعادتهم قال الزمخشري: وهذه الآية بسطٌ وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقصيص، وما في ذلك من لطائف حكمته، ودقائق علمه ﴿إِذْ قَالَ موسى لأَهْلِهِ إني آنَسْتُ نَاراً﴾ أي اذكر يا محمد حين قال موسى لأهله - أي زوجته - إني أبصرتُ ورأيت ناراً قال المفسرون: وهذا عندما سار من مدين إلى مصر، وكان في ليلة مظلمة باردة، وقد ضلَّ عن الطريق وأخذ زوجته الطَّلقُ ﴿سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾ أي سآتيكم بخبرٍ عن الطريق إذا وصلتُ إليها ﴿أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ أي أو آتيكم بشعلةٍ مقتبسة من النار ﴿لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ أي لكي تستدفئوا بها ﴿فَلَمَّا جَآءَهَا﴾ أي فلما وصل إلى مكان النار رأى منظراً هائلاً عظيماً، حيث رأى النار تضطرم في شجرة خضراء، لا تزداد النار إلا توقداً ولا تزداد الشجرةُ إلا خضرةً ونُضْرة، ثم رفع رأسه فإِذا نورها متصلٌ بعنان السماء قال ابن عباس: لم تكن ناراً وإِنما كانت نوراً يتوهج فوقف موسى متعجباً ممّا رأى وجاءه النداء العلوي ﴿نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النار وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ أي نودي من جانب الطور بأن بوركتَ يا موسى وبورك من حولك وهم الملائكة قال ابن عباس: معنى ﴿بُورِكَ﴾ تقدَّس ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ الملائكةُ قال أبو
369
حيان: وبدؤه بالنداء تبشير لموسى وتأنيس له ومقدمة لمناجاته، وجدير أن يبارك من في النار ومن حواليها إذ قد حدث أمرٌ عظيم وهو تكليم الله لموسى وتنبيئه ﴿وَسُبْحَانَ الله رَبِّ العالمين﴾ أي تقدَّس وتنزَّه ربُّ العزة، العليُّ الشأن، الذي لا يشبهه شيء من مخلوقاته لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله ﴿ياموسى إِنَّهُ أَنَا الله العزيز الحكيم﴾ أي أنا الله القويُّ القادر، العزيز الذي لا يُقهر، الحكيم الذي يفعل كل شيء بحكمةٍ وتدبير ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ عطفٌ على السابق أي ونودي أن ألق عصاك لترى معجزتك بنفسك فتأنس بها ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ أي فلما رآها تتحرك حركة سريعة كأنها ثعبان خفيف سريع الجري ﴿ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ أي ولّى الأدبار منهزماً ولم يرجع لما دهاه من الخوف والفزع قال مجاهد: «لم يُعقّب» لم يرجع، وقال قتادة: لم يلتفت، لحقه ما لحق طبع البشر إذ رأى أمراً هائلاً جداً وهو انقلاب العصا حيةً تسعى ولهذا ناداه ربه ﴿ياموسى لاَ تَخَفْ﴾ أي أقبل ولا تخف لأنك بحضرتي ومن كان فيها فهو آمنٌ ﴿إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون﴾ أي فأنت رسولي ورسلي الذي اصطفيتهم للنبوة لا يخافون غيري قال ابن الجوزي: نبَّهه على أن من آمنَه الله بالنبوة من عذابه لا ينبغي أن يخاف من حيَّة ﴿إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سواء﴾ الاستثناء منقطع أي لكنْ من ظلم من سائر الناس لا من المرسلين فإِنه يخاف إلا إذا تاب وبدَّل عمله السيء إلى العمل الحسن ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي عظيم المغفرة واسع الرحمة قال ابن كثير: وفيه بشارة عظيمةٌ للبشر وذلك أن من كان على عمل سيء، ثم أقلع ورجع وتاب وأناب فإِن الله يتوب عليه كقوله
﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهتدى﴾ [طه: ٨٢] ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء﴾ هذه معجزة أُخرى لموسى تدل على باهر قدرة الله والمعنى أدخل يا موسى يدك في فتحة ثوبك ثم أخرجها تخرج مضيئة ساطعة بيضاء تتلألأ كالبرق الخاطف دون مرضٍ أو برص ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ﴾ أي هاتان المعجزتان «العصا واليد» ضمن تسعِ معجزاتٍ أيدتك بها وجعلتُها برهاناً على صدقك لتذهب بها إلى فرعون وقومه ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ أي خارجين عن طاعتنا، ممعنين في الكفر والضلال ﴿فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً﴾ أي فلما رأوا تلك المعجزات الباهرة، واضحةً بينةً ظاهرة ﴿قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أي أنكروها وزعموا أنها سحرٌ واضح ﴿وَجَحَدُواْ بِهَا﴾ أي كفروا وكذبوا بتلك الخوارق ﴿واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ﴾ أي وقد أيقنوا بقلوبهم أنها من عند الله وليست من قبيل السحر ﴿ظُلْماً وَعُلُوّاً﴾ أي جحدوا بها ظلم ا ً من أنفسهم، واستكباراً عن اتباع الحق، وأيُّ ظلمٍ أفحش ممن يعتقد ويستيقن أنها آيات بينة واضحة جاءت من عند الله، ثم يكابر بتسميتها سحراً؟ ولهذا قال ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين﴾ أي انظر أيها السامع وتدبر بعين الفكر والبصيرة ماذا كان مآلُ أمر الطاغين، من الإِغراق في الدنيا، والإِحراق في الآخرة؟ قال ابن كثير: وفحوى الخطاب كأنه يقول: احذروا أيها المكذبون لمحمد، الجاحدون لما جاء به من ربه، أن يصيبكم مثلُ ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى، فإِن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أشرفُ وأعظمُ من موسى، وبرهانُه
﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهتدى﴾ [طه: ٨٢] ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء﴾ هذه معجزة أُخرى لموسى تدل على باهر قدرة الله والمعنى أدخل يا موسى يدك في فتحة ثوبك ثم أخرجها تخرج مضيئة ساطعة بيضاء تتلألأ كالبرق الخاطف دون مرضٍ أو برص ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ﴾ أي هاتان المعجزتان «العصا واليد» ضمن تسعِ معجزاتٍ أيدتك بها وجعلتُها برهاناً على صدقك لتذهب بها إلى فرعون وقومه ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ أي خارجين عن طاعتنا، ممعنين في الكفر والضلال ﴿فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً﴾ أي فلما رأوا تلك المعجزات الباهرة، واضحةً بينةً ظاهرة ﴿قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أي أنكروها وزعموا أنها سحرٌ واضح ﴿وَجَحَدُواْ بِهَا﴾ أي كفروا وكذبوا بتلك الخوارق ﴿واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ﴾ أي وقد أيقنوا بقلوبهم أنها من عند الله وليست من قبيل السحر ﴿ظُلْماً وَعُلُوّاً﴾ أي جحدوا بها ظلم ا ً من أنفسهم، واستكباراً عن اتباع الحق، وأيُّ ظلمٍ أفحش ممن يعتقد ويستيقن أنها آيات بينة واضحة جاءت من عند الله، ثم يكابر بتسميتها سحراً؟ ولهذا قال ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين﴾ أي انظر أيها السامع وتدبر بعين الفكر والبصيرة ماذا كان مآلُ أمر الطاغين، من الإِغراق في الدنيا، والإِحراق في الآخرة؟ قال ابن كثير: وفحوى الخطاب كأنه يقول: احذروا أيها المكذبون لمحمد، الجاحدون لما جاء به من ربه، أن يصيبكم مثلُ ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى، فإِن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أشرفُ وأعظمُ من موسى، وبرهانُه
370
أدلُّ وأقوى من برهان موسى، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً﴾ هذه هي القصة الثانية في السورة الكريمة وهي قصة «داود وسليمان» والمعنى واللهِ لقد أعطينا داود وابنه سليمان علماً واسعاً من علوم الدنيا والدين، وجمعنا لهما بين سعادة الدنيا والآخرة قال الطبري: وذلك علم كلام الطير والدواب وغير ذلك مما خصَّهم الله بعلمه ﴿وَقَالاَ الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا على كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ المؤمنين﴾ أي وقلا شكراً لله الحمد لله الذي فضلنا بما آتانا من النبوة، والعلم، وتسخير الإِنس والجن والشياطين، على كثيرٍ من عباده المؤمنين ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ أي ورث سليمانُ أباه في النبوة، والعلم والمُلْك دون سائر أولاده قال الكلبي: كان لداود تسعة عشر ولداً فورث سليمانُ من بينهم نبوته وملكه، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء ﴿وَقَالَ ياأيها الناس عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطير﴾ أي وقال تحدثاً بنعمة الله: يا أيها الناسُ لقد أكرمنا اللهُ فعلَّمنا منطق الطير وأصوات جميع الحيوانات ﴿وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي وأعطانا الله من كل شيء من خيرات الدنيا يعطاها العظماء والملوك ﴿إِنَّ هذا لَهُوَ الفضل المبين﴾ أي إن ما أُطعيناه وما خصَّنا الله به من أنواع النعم لهو الفضل الواضح الجلي، قاله على سبيل الشكر والمحمدة لا على سبيل العلوّ والكبرياء ﴿وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجن والإنس والطير﴾ أي جمعت له جيوشه وعساكره وأُحضرت له في مسيرةٍ كبيرة فيها طوائف الجن والإِنسِ والطير، يتقدمهم سليمان في أُبَّهة وعظمةٍ كبيرة ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ أي فهم يُكَفُّون ويمنعون عن التقدم بين يديه قال ابن عباس: جعل كل صنفٍ من يردُّ أولاها على أُخراها لئلا يتقدموا في المسير كما تصنع الملوك ﴿حتى إِذَآ أَتَوْا على وَادِ النمل﴾ أي حتى إذا وصلوا إلأى وادٍ بالشام كثير النمل ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ أي قالت إحدى الن ملات لرفيقاتها ادخلوا بيوتكم، خاطبتهم مخاطبة العقلاء لأنها أمرتهم بما يؤمر به العقلاء ﴿لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ أي لا يكسرنَّكم سليمانُ وجيوشه بأقدامهم ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي وهم لا يشعرون بكم ولا يريدون حطمكم عن عمد حذَّرت ثم اعتذرت لأنها علمت أنه نبيٌّ رحيم، فسمع سليمان كلامها وفهم مرامها ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا﴾ أي فتبسَّم سروراً بما سمع من ثناء النملة عليه وعلى جنوده، فإِن قولها ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ وصفٌ لهم بالتقوى والتحفظ من مضرة الحيوان ﴿وَقَالَ رَبِّ أوزعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ﴾ أي ألهمني ووفقني لشكر نعمائك وأفضالك التي أنعمت بها عليَّ وعلى أبويَّ ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ﴾ أي ووفقني لعمل الخير الذي يقربني منك والذي تحبه وترضاه ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين﴾ أي وأدخلني الجنة دار الرحمة عبادك الصالحين.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الإِشارة بالبعيد عن القريب ﴿تِلْكَ آيَاتُ القرآن﴾ للإِيدان ببعد منزلته في الفضل والشرف.
٢ - التنكير للفخيم والتعظيم ﴿وَكِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ أي كتابٍ عظيم الشأن رفيع القدر.
٣ - ذكر المصدر بدل اسم الفاعل للمبالغة ﴿هُدًى وبشرى﴾ أي هادياً ومبشراً.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الإِشارة بالبعيد عن القريب ﴿تِلْكَ آيَاتُ القرآن﴾ للإِيدان ببعد منزلته في الفضل والشرف.
٢ - التنكير للفخيم والتعظيم ﴿وَكِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ أي كتابٍ عظيم الشأن رفيع القدر.
٣ - ذكر المصدر بدل اسم الفاعل للمبالغة ﴿هُدًى وبشرى﴾ أي هادياً ومبشراً.
371
٤ - تكرير الضمير لإِفادة الحصر والاختصاص ﴿وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ﴾ ومثله ﴿وَهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون﴾ وفيه المقابلة اللطيفة بين الجملتين.
٥ - التأكيد بإِنَّ واللام ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرآن﴾ لوجود المتشككين في القرآن.
٦ - إيجاز الحذف ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ حذفت جملة فألقاها فانقلبت إلى حية الخ وذلك لدلالة السياق عليه.
٧ - الطباق ﴿حُسْناً بَعْدَ سواء﴾. وبين ﴿ولى مُدْبِراً.. وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾.
٨ - الاستعارة ﴿آيَاتُنَا مُبْصِرَةً﴾ استعار لفظ الإِبصار للوضوح والبيان لأن بالعينين يبصر الإِنسان الأشياء.
٩ - التشبيه المرسل المجمل ﴿كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ ذكرت أداة التشبيه وحذف وجه الشبه فصار مرسلاً مجملاً.
١٠ - حسن الاعتذار ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾.
لطيفَة: قال بعض العلماء هذه الآية ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ..﴾ من عجائب القرآن لأنها بلفظة «يا» نادت «أيها» نبَّهت «النمل» عيَّنت «ادخلوا» أمرت «مساكنكم» نصَّت «لا يحطمنكم» حذَّرت «سليمان» خصت «وجنوده» عمَّت «وهم لا يشعرون» اعتذرت، فيا لها من نملة ذكية!!
٥ - التأكيد بإِنَّ واللام ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرآن﴾ لوجود المتشككين في القرآن.
٦ - إيجاز الحذف ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ حذفت جملة فألقاها فانقلبت إلى حية الخ وذلك لدلالة السياق عليه.
٧ - الطباق ﴿حُسْناً بَعْدَ سواء﴾. وبين ﴿ولى مُدْبِراً.. وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾.
٨ - الاستعارة ﴿آيَاتُنَا مُبْصِرَةً﴾ استعار لفظ الإِبصار للوضوح والبيان لأن بالعينين يبصر الإِنسان الأشياء.
٩ - التشبيه المرسل المجمل ﴿كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ ذكرت أداة التشبيه وحذف وجه الشبه فصار مرسلاً مجملاً.
١٠ - حسن الاعتذار ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾.
لطيفَة: قال بعض العلماء هذه الآية ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ..﴾ من عجائب القرآن لأنها بلفظة «يا» نادت «أيها» نبَّهت «النمل» عيَّنت «ادخلوا» أمرت «مساكنكم» نصَّت «لا يحطمنكم» حذَّرت «سليمان» خصت «وجنوده» عمَّت «وهم لا يشعرون» اعتذرت، فيا لها من نملة ذكية!!
372
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ
ﰓ
ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ
ﰔ
ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ
ﰕ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ
ﰖ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ
ﰗ
ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ
ﰘ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﰙ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ
ﰚ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ
ﰛ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﰜ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ
ﰝ
ﮯﮰﮱﯓﯔ
ﰞ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ
ﰟ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ
ﰠ
ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﰡ
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ
ﰢ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﰣ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﰤ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ
ﰥ
ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﰦ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ
ﰧ
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ
ﰨ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ
ﰩ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ
ﰪ
ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﰣ
ﰫ
المنَاسَبَة: لا تزال الآيات تتحدث عن «سليمان بن داود» الذي جمع الله له بين «النبوة والمُلْك» فكان نبياً ملكاً، وسخر له الإِنس والجن وعلمه منطق الطير، وتذكر الآيات هنا قصته مع «بلقيس» ملكة سبأ وما كان من الأمور العجيبة التي حدثت في زمانه.
اللغَة: ﴿تَفَقَّدَ﴾ التفقد: طلب ما غاب عن الإِنسان ﴿الخبء﴾ : الشيءُ المخبوء من خبأتُ الشيء أخبؤه خبأَ إذا سترته ﴿صَاغِرُونَ﴾ أذلاء مهانون من الصَّغار وهو الذل ﴿عِفْرِيتٌ﴾ العفريب: القويُ المارد من الشياطين ومن الإِنس، والخبيث الماكر ﴿الصرح﴾ القصر، وكلُّ بناءٍ عال مرتفع يسمى صرحاً ومنه قول فرعون «يا هامان ابن لي صَرْحاً» ﴿مُّمَرَّدٌ﴾ الممرَّد: المملَّس، والأمرد الذي لم تخرج لحيته بعد إداركه، وشجرةٌ مرداء: لا ورقَ عليها ﴿قَوارِيرَ﴾ جمع قارورة وهي الزجاجة.
التفسِير: ﴿وَتَفَقَّدَ الطير﴾ أي بحث سليمان وفتش عن جماعة الطير ﴿فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد﴾ أي لم لا أرى الهُدهد هاهنا؟ قال المفسرون: كانت الطير تصحبه في سفره وتظله بأجنحتها، فلما فصل سليمان عن وادي النمل ونزل في قفرٍ من الأرض عطش الجيش فسألوه الماء، وكان الهدهد يدله على الماء فإِذا قال: هاهنا الماء شقت الشياطين وفجَّرت العيون، فطلبه في ذلك اليوم فلم يجده فقال مالي لا أراه ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين﴾ أمْ منقطعة بمعنى «بل» أي بل هو غائب، ذهب دون إذنٍ مني ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ أي لأعقبنه عقاباً أليماً بالسجن أو نتف الريش أو الذبح أو ليأتيني بحجة واضحة تبيّن عذره ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ أي فأقام الهدهد زماناً يسيراً ثم جاء إلى سليمان ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ أي اطلعت على ما لم تطّلع عليه وعرفت ما لم تعرفه ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ أي وأتيتك من مدينة سبأ - باليمن - بخبرٍ هام، وأمر صادقٍ وخطير ﴿إِنِّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ﴾ أي من عجائب ما رأيت أن امرأة - تسمى بلقيس - هي ملكة لهم، وهم يدينون بالطاعة لها ﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي وأُعطيت من كل شيء من الأشياء التي
اللغَة: ﴿تَفَقَّدَ﴾ التفقد: طلب ما غاب عن الإِنسان ﴿الخبء﴾ : الشيءُ المخبوء من خبأتُ الشيء أخبؤه خبأَ إذا سترته ﴿صَاغِرُونَ﴾ أذلاء مهانون من الصَّغار وهو الذل ﴿عِفْرِيتٌ﴾ العفريب: القويُ المارد من الشياطين ومن الإِنس، والخبيث الماكر ﴿الصرح﴾ القصر، وكلُّ بناءٍ عال مرتفع يسمى صرحاً ومنه قول فرعون «يا هامان ابن لي صَرْحاً» ﴿مُّمَرَّدٌ﴾ الممرَّد: المملَّس، والأمرد الذي لم تخرج لحيته بعد إداركه، وشجرةٌ مرداء: لا ورقَ عليها ﴿قَوارِيرَ﴾ جمع قارورة وهي الزجاجة.
التفسِير: ﴿وَتَفَقَّدَ الطير﴾ أي بحث سليمان وفتش عن جماعة الطير ﴿فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد﴾ أي لم لا أرى الهُدهد هاهنا؟ قال المفسرون: كانت الطير تصحبه في سفره وتظله بأجنحتها، فلما فصل سليمان عن وادي النمل ونزل في قفرٍ من الأرض عطش الجيش فسألوه الماء، وكان الهدهد يدله على الماء فإِذا قال: هاهنا الماء شقت الشياطين وفجَّرت العيون، فطلبه في ذلك اليوم فلم يجده فقال مالي لا أراه ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين﴾ أمْ منقطعة بمعنى «بل» أي بل هو غائب، ذهب دون إذنٍ مني ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ أي لأعقبنه عقاباً أليماً بالسجن أو نتف الريش أو الذبح أو ليأتيني بحجة واضحة تبيّن عذره ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ أي فأقام الهدهد زماناً يسيراً ثم جاء إلى سليمان ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ أي اطلعت على ما لم تطّلع عليه وعرفت ما لم تعرفه ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ أي وأتيتك من مدينة سبأ - باليمن - بخبرٍ هام، وأمر صادقٍ وخطير ﴿إِنِّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ﴾ أي من عجائب ما رأيت أن امرأة - تسمى بلقيس - هي ملكة لهم، وهم يدينون بالطاعة لها ﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي وأُعطيت من كل شيء من الأشياء التي
373
يحتاج إليها الملوك من أسباب الدنيا من سعة المال وكثرة الرجال ووفرة السلاح والعتاد ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ أي ولها سرير كبير مكلَّل بالدر والياقوت قال قتادة: كان عرشُها من ذهب، قوائمُه من جوهر، مكلَّل باللؤلؤ قال الطبري: وعنى بالعظيم في هذا الموضع العظيم في قدرة وخطره، لا عِظمه في الكبر والسعة، ولهذا قال ابن عباس: ﴿عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ أي سرير كريم حسن الصنعة، وعرشُها سريرٌ من ذهب قوائمُه من جوهرٍ ولؤلؤ، ثم أخذ يحدثه عما هو أعظم وأخطر فقال ﴿وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ الله﴾ أي وجدتهم جميعاً مجوساً يعبدون الشمس ويتركون عبادة الواحد الأحد ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ﴾ أي حسَّن لهم إبليسعبادتهم الشمس وسجودهم لها من دون الله ﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل﴾ أي منعهم بسبب هذا الضلال عن طريق الحق والصواب ﴿فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ﴾ أي فهم بسبب إغواء الشيطان لا يهتدون إلى الله وتوحيده، ثم قال الهدهد متعجباً ﴿أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ الذي يُخْرِجُ الخبء فِي السماوات والأرض﴾ أي أيسجدون للشمس ولا يسجدون للهِ الخالق العظيم، الذي يعلم الخفايا ويعلم كل مخبوء في العالم العلوي والسفلي؟ قال ابن عباس: يعلم كل خبيئةٍ في السماء والأرض ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ أي ويعلم السرَّ والعلن، ما ظهر وما بطن ﴿الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش العظيم﴾ أي هو تعالى المتفرد بالعظمة والجلال، ربُّ العرش الكريم المستحق للعبادة والسجود، وخصَّ العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات، وإِلى هنا انتهى كلام الهُدهد ﴿قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين﴾ أي قال سليمان: سننظر في قولك ونتثبت هل أنت صادقٌ أم كاذب فيه؟ قال ابن الجوزي: وإِنما شكَّ في خبره لأنه أنكر أن يكون لغيره سلطان، ثم كتب كتاباً وختمه بخاتمه ودفعه إلى الهُدهد وقال ﴿اذهب بِّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ﴾ أي اذهب بهذا الكتاب وأوصلْه إلى ملكة سبأ وجندها ﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أي تنحَّ إلى مكان قريب مستتراً عنهم ﴿فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ أي فانظر ماذا يردون من الجواب؟ قال المفسرون: أخذ الهدهد الكتاب وذهب إلى بلقيس وقومها، فرفرف فوق رأسها ثم ألقى الكتاب في حجرها ﴿قَالَتْ ياأيها الملأ إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ أي قالت لأشراف قومها إنه أتاني كتاب عظيم جليل ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم﴾ أي إن هذا الكتاب مرسل من سليمان ثم فتحته فإِذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم وهو استفتاح شريفٌ بارع فيه إعلان الربوبية لله ثم الدعوة إلى توحيد الله والانقياد لأمره ﴿أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ أي لا تتكبروا عليَّ كما يفعل الملوك وجيئوني مؤمنين قال ابن عباس: أي موحدين، وقال سفيان: طائعين ﴿قَالَتْ ياأيها الملأ أَفْتُونِي في أَمْرِي﴾ أي أشيروا عليَّ في الأمر ﴿مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حتى تَشْهَدُونِ﴾ أي ما كنتُ لأقضي أمراً بدون حضوركم ومشورتكم ﴿قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ أي نحن أصحابُ كثرةٍ في الرجال
374
والعتاد، وأصحابُ شدةٍ في الحرب ﴿والأمر إِلَيْكِ فانظري مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ ؟ أي وأمرنا إليكِ فمرينا بما شئتِ نمتثل أمرك، وقولهم هذا دليلٌ على الطاعة المفرطة قال القرطبي: أخذتْ في حسن الأدب مع قومها ومشاورتهم في أمرها في كل ما يعرض لها، فراجعها الملأ بما يُقر عينها من إعلامهم إياها بالقوة والبأس، ثم سلّموا الأمر إلى نظرها، وهذه محاوة حسنة من الجيمع قال الحسن البصري: فوَّضوا أمرهم إلى عِلجةٍ يضطرب ثدياها، فلا قالوا لها ما قالوا كان هي أحزم منهم رأياً وأعلم ﴿قَالَتْ إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾ أي إن عادة الملوك أنهم إذا استولوا على بلدةٍ عنوةً وقهراً خربوها ﴿وجعلوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً﴾ أي أهانوا أشرافها وأذلوهم بالقتل والأسر والتشريد ﴿وكذلك يَفْعَلُونَ﴾ أي وهذه عادتهم وطريقتهم في كل بلدٍ يدخلونها قهراً، ثم عدلت إلى المهادنة والمسالمة فقالت ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون﴾ أي وإِني سأبعث إلأيه بهدية عظيمة تليقُ بمثله، فأنظر هل يقبلها أن يردُّها؟ قال قتادة: ما كان أعقلها في إسلامها وشركها!! علمتْ أن الهدية تقع موقعاً من الناس، وقال ابن عباس: قالت لقومها إن قبِلَ الهدية فهو ملك يريد الدنيا فقاتلوه، وإِن لم يقبلها فهو نبيٌ صادق فاتبعوه ﴿فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾ ؟ أي فلما جاء رسل بلقيس إلى سليمان بالهدية العظيمة قال منكراً عليهم: أتصانعونني بالمال والهدايا لأترككم على كفركم وملككم؟ ﴿فَمَآ آتَانِيَ الله خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ﴾ أي فما أعطاني الله من النبوة والمُلك والواسع خيرٌ مما أعطاكم من زينة الحياة فلا حاجة لي بهديتكم ﴿بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ أي أنتم تفرحون بالهدايا لأنكم أهل مفاخرةٍ ومكاثرة في الدنيا، ثم قال لرئيس الوفد ﴿ارجع إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾ أي ارجع إليهم بهديتهم فواللهِ لنأتينَّهم بجنودٍ لا طاقة لهم بمقابلتها، ولا قدرة لهم على مقاتلتها ﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ أي ولنخرجنهم من أرضهم ومملكتهم أذلاء حقيرين إن لم يأتوني مسلمين قال ابن عباس: لما رجعت رسلُ بلقيس إليها من عند سليمان وأخبروها الخبر قالت قد عرفت ما هذا بملك، وما لنا به طاقة، وبعثت إلى سليمان إني قادمة إليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك، وما تدعو إليه من دينك ثم ارتحلْت إلى سليمان في اثني عشر ألف قائد ﴿قَالَ ياأيها الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ ؟ أي قال سليمان لأشراف من حضره من جنده: أيكم يأتيني بسريرها المرصَّع بالجواهر قبل أن تصل إليَّ مع قومها مسلمين؟ قال البيضاوي: أراد بذلك أن يريها بعض ما خصه الله به من العجائب، الدالة على عظيم القدرة، وصدقه في دعوى النبوة، ويختبر عقلها بأن ينكّر عرشها فينظر أتعرفه أم تنكره؟ ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الجن أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾ أي قال ماردٌ من مردة الجنِّ: أنا أحضره إليك قبل أن تقوم من مجلس الحكم - وكان يجلس من الصبح إلى الظهر في كل يوم - وغرضُه أنه يأتيه به في أقل من نصف نهار ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ أي وإِني على حمله لقادرٌ، وأمينٌ على ما فيه من الجواهر والدُّر وغير ذلك ﴿قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ قال المفسرون:
375
هو «آصف بن برخيا» كان من الصِّدقين يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وهو الذي أتى بعرش بلقيس وقال لسليمان: أنا آتيك به قبل أن يرتدَّ إليك طرفك أي آتيك به بلمح البصر فدعا الله فحضر العرشُ حالاً ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذا مِن فَضْلِ رَبِّي﴾ أي فلما نظر سليمان ورأى العرش - السرير - حاضراً لديه قال: هذا من فضل الله عليَّ، وإِحسانه إليَّ ﴿ليبلوني أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ ؟ أي ليختبرني أأشكر إنعامه، أم أجحد فضله وإِحسانه؟ ﴿وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ أي ومن شكر فمنفعة الشكر لنفسه، لأنه يستزيد من فضل الله
﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧] ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ أي ومن لم يشكر وجحد فضل الله فإِن الله مستغنٍ عنه وعن شكره، كريمٌ بالإِنعام على من كفر نعمته.. ولما قرُب وصولُ ملكة سبأ إلى بلاده أمر بأن تُغيَّر بعضُ معالم عرشها امتحاناً لها ﴿قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا﴾ أي غيّروا بعض أوصافه وهيئته كما يتنكر الإِنسان حتى لا يُعرف ﴿نَنظُرْ أتهتدي أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ﴾ أي لننظر إذا رأته هل تهتدي إلى أنه عرشها وتعرفه أم لا؟ أراد بذلك اختبار ذكائها وعقلها ﴿فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾ ؟ أي أمثل هذا العرش الذي رأيتيه عرشك؟ ولم يقل: أهذا عرشك؟ رئلا يكون تلقيناً لها ﴿قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾ أي يشبهه ويقاربه ولم تقل: نعم هو، ولا ليس هو قال ابن كثير: وهذا غاية في الذكاء والحزم ﴿وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ هذا من قول سليمان أي قال سليمان تحدثاً بنعمة الله: لقد أوتينا العلم من قبل هذه المرأة بالله وبقدرته وكنا مسلمين لله من قبلها، فنحن أسبقُ منها علماً وإِسلاماً ﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله﴾ أي منعها عن الإِيمان بالله عبادتُها القديمة للشمس والقمر ﴿إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ أي بسبب كفرها ونشوئها بين قوم مشركين ﴿قِيلَ لَهَا ادخلي الصرح﴾ أي ادخلي القصر العظيم الفخم ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا﴾ أي فلما رأت ذلك الصرح الشامخ ظنته لجة ماء - أي ماءً غمراً كثيراً - وكشفت عن ساقيها لتخوض فيه ﴿قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ﴾ أي قال سليمان: إنه قصر مملَّس من الزجاج الصافي ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ أي قالت بلقيس حينئذٍ: ربّ إني ظلمت نفسي بالشرك وعبادة الشمس ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العالمين﴾ أي وتابعتُ سليمان على دينة فدخلت في الإِسلام مؤمنةً برب العالمين، قال ابن كثير: والغرضُ أن سليمان عليه السلام اتخذ قصراً عظيماً منيفاً من زجاج لهذه الملكة، ليريها عظمة سلطانه وتمكنه، فلما رأت ما آتاه الله وجلاله ما هو فيه وتبصرت في أمره، انقادت لأمر الله تعالى وعرفت أنه نبيٌ كريم، وملِكٌ عظيم، وأسلمت لله عَزَّ وَجَلَّ.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - أسلوب التعجب ﴿مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد﴾ ؟
٢ - التأكيد المكرر ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ.. أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ.. أَوْ لَيَأْتِيَنِّي﴾ لتأكيد الأمر.
٣ - طباق السلب ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ وكذلك ﴿تهتدي.. لاَ يَهْتَدُونَ﴾.
٤ -
﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧] ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ أي ومن لم يشكر وجحد فضل الله فإِن الله مستغنٍ عنه وعن شكره، كريمٌ بالإِنعام على من كفر نعمته.. ولما قرُب وصولُ ملكة سبأ إلى بلاده أمر بأن تُغيَّر بعضُ معالم عرشها امتحاناً لها ﴿قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا﴾ أي غيّروا بعض أوصافه وهيئته كما يتنكر الإِنسان حتى لا يُعرف ﴿نَنظُرْ أتهتدي أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ﴾ أي لننظر إذا رأته هل تهتدي إلى أنه عرشها وتعرفه أم لا؟ أراد بذلك اختبار ذكائها وعقلها ﴿فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾ ؟ أي أمثل هذا العرش الذي رأيتيه عرشك؟ ولم يقل: أهذا عرشك؟ رئلا يكون تلقيناً لها ﴿قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾ أي يشبهه ويقاربه ولم تقل: نعم هو، ولا ليس هو قال ابن كثير: وهذا غاية في الذكاء والحزم ﴿وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ هذا من قول سليمان أي قال سليمان تحدثاً بنعمة الله: لقد أوتينا العلم من قبل هذه المرأة بالله وبقدرته وكنا مسلمين لله من قبلها، فنحن أسبقُ منها علماً وإِسلاماً ﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله﴾ أي منعها عن الإِيمان بالله عبادتُها القديمة للشمس والقمر ﴿إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ أي بسبب كفرها ونشوئها بين قوم مشركين ﴿قِيلَ لَهَا ادخلي الصرح﴾ أي ادخلي القصر العظيم الفخم ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا﴾ أي فلما رأت ذلك الصرح الشامخ ظنته لجة ماء - أي ماءً غمراً كثيراً - وكشفت عن ساقيها لتخوض فيه ﴿قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ﴾ أي قال سليمان: إنه قصر مملَّس من الزجاج الصافي ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ أي قالت بلقيس حينئذٍ: ربّ إني ظلمت نفسي بالشرك وعبادة الشمس ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العالمين﴾ أي وتابعتُ سليمان على دينة فدخلت في الإِسلام مؤمنةً برب العالمين، قال ابن كثير: والغرضُ أن سليمان عليه السلام اتخذ قصراً عظيماً منيفاً من زجاج لهذه الملكة، ليريها عظمة سلطانه وتمكنه، فلما رأت ما آتاه الله وجلاله ما هو فيه وتبصرت في أمره، انقادت لأمر الله تعالى وعرفت أنه نبيٌ كريم، وملِكٌ عظيم، وأسلمت لله عَزَّ وَجَلَّ.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - أسلوب التعجب ﴿مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد﴾ ؟
٢ - التأكيد المكرر ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ.. أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ.. أَوْ لَيَأْتِيَنِّي﴾ لتأكيد الأمر.
٣ - طباق السلب ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ وكذلك ﴿تهتدي.. لاَ يَهْتَدُونَ﴾.
٤ -
376
الجناس اللطيف ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ﴾ ويسمى الجناس الناقص لتبدل بعض الحروف.
٥ - الطباق في اللفظ ﴿تُخْفُونَ.. وتُعْلِنُونَ﴾ وكذلك ﴿أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾.
٦ - الطباق في المعنى ﴿أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين﴾.
قال علماء البيان: والمطابقة هنا بالمعنى أبلغ من اللفظ لأنه عدول عن الفعل إلى الإِسم فيفيد الثبات فلو قال «أصدقت أم كذبت» لما أدَّى هذا المعنى لأنه قد يكذب في هذا الأمر ولا يكذب في غيره، وأما قوله ﴿أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين﴾ فإِنه يفيد أنه إذا كان معروفاً بالانخراط في سلك الكاذبين كان كاذباً لا محالة فلا يوثق به أبداً.
٧ - جناس الاشتقاق ﴿أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾ وكذلك ﴿أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ﴾.
٨ - التشبيه ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ أي كأنه عرشي في الشكل والوصف ويسمى «مرسلاً مجملاً».
٩ - الاستعارة البديعة ﴿قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ شبَّه سرعة مجيئه بالعرش برجوع الطرف للإِنسان، وارتدادُ الطرف معناه التقاء الجفنين وهو أبلغ ما يمكن أن يوصف به في السرعْة ومثله «وما أمرُ الساعةِ إلا كلمح البصر أو هو أقرب» فاستعار للسرعة الفائقة ارتداد الطرف.
١٠ - توافق الفواصل في كثير من الآيات، ولها وقعٌ في النفس رائع مثل ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين﴾ ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ إلى آخر ما هنالك.
لطيفَة: أخذ بعض العلماء من قوله تعالى ﴿وَتَفَقَّدَ الطير﴾ استحباب تفقد الملك لأحوال الرعية، وكذلك تفقد الأصدقاء، والإِخوان، والخلان وأنشد بعضهم:
٥ - الطباق في اللفظ ﴿تُخْفُونَ.. وتُعْلِنُونَ﴾ وكذلك ﴿أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾.
٦ - الطباق في المعنى ﴿أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين﴾.
قال علماء البيان: والمطابقة هنا بالمعنى أبلغ من اللفظ لأنه عدول عن الفعل إلى الإِسم فيفيد الثبات فلو قال «أصدقت أم كذبت» لما أدَّى هذا المعنى لأنه قد يكذب في هذا الأمر ولا يكذب في غيره، وأما قوله ﴿أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين﴾ فإِنه يفيد أنه إذا كان معروفاً بالانخراط في سلك الكاذبين كان كاذباً لا محالة فلا يوثق به أبداً.
٧ - جناس الاشتقاق ﴿أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾ وكذلك ﴿أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ﴾.
٨ - التشبيه ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ أي كأنه عرشي في الشكل والوصف ويسمى «مرسلاً مجملاً».
٩ - الاستعارة البديعة ﴿قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ شبَّه سرعة مجيئه بالعرش برجوع الطرف للإِنسان، وارتدادُ الطرف معناه التقاء الجفنين وهو أبلغ ما يمكن أن يوصف به في السرعْة ومثله «وما أمرُ الساعةِ إلا كلمح البصر أو هو أقرب» فاستعار للسرعة الفائقة ارتداد الطرف.
١٠ - توافق الفواصل في كثير من الآيات، ولها وقعٌ في النفس رائع مثل ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين﴾ ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ إلى آخر ما هنالك.
لطيفَة: أخذ بعض العلماء من قوله تعالى ﴿وَتَفَقَّدَ الطير﴾ استحباب تفقد الملك لأحوال الرعية، وكذلك تفقد الأصدقاء، والإِخوان، والخلان وأنشد بعضهم:
سنَّ سُليمانُ لنا سُنَّةً | وكان فيما سنْه مُقْتدى |