تفسير سورة النّمل

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة النمل من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة النمل مكية، وهي ثلاث وتسعون آية كوفية.

﴿ طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ١] يعنى بين ما فيه من أمره ونهيه ﴿ هُدًى ﴾ يعنى بيان من الضلالة لمن عمل به.
﴿ وَبُشْرَىٰ ﴾ لما فيه من الثواب ﴿ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٢] يعنى للمصدقين بالقرآن بأنه من الله عز وجل. ثم نعتهم، فقال سبحانه: ﴿ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ ﴾ يعنى يتمون الصلاة المكتوبة ﴿ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ ﴾ يعنى ويعطون الزكاة المفروضة ﴿ وَهُم بِٱلآخِرَةِ ﴾ يعنى بالبعث الذى فيه جزاء الأعمال ﴿ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [آية: ٣].
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾ يعنى لا يصدقون بالبعث ﴿ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ يعنى ضلالتهم ﴿ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [آية: ٤] يعنى يترددون فيها ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ﴾ يعنى شدة ﴿ ٱلْعَذَابِ ﴾ فى الآخرة ﴿ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ ﴾ [آية: ٥].
﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ﴾ يعنى لتؤتى ﴿ ٱلْقُرْآنَ ﴾ كقوله سبحانه:﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا ﴾[فصلت: ٣٥] يعنى وما يؤتاها، ثم قال: ﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ ﴾ فى أمره ﴿ عَلِيمٍ ﴾ [آية: ٦] بأعمال الخلق.
﴿ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ ﴾ يعنى امرأته حين رأى النار ﴿ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً ﴾ يقول: إنى رأيت ناراً، وهو نور رب العزة جل ثناؤه، رآه ليلة الجمعة عن يمين الجبل بالأرض المقدسة ﴿ سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ ﴾ أين الطريق، وقد كان تحير وترك الطريق، ثم قال: فإن لم أجد من يخبرنى الطريق.
﴿ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ ﴾ يقول: آتيكم بنار قبسة مضيئة ﴿ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلوُنَ ﴾ [آية: ٧] من البرد.﴿ فَلَمَّا جَآءَهَا ﴾ يعنى النار، وهو نور رب العزة، تبارك وتعالى.
﴿ نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ يعنى الملائكة ﴿ وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٨] فى التقديم، ثم قال: ﴿ يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ﴾ يقول: إن النور الذى رأيت أنا ﴿ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [آية: ٩] ﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ ﴾ يعنى تحرك ﴿ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ﴾ يعنى كأنها كانت حية ﴿ وَلَّىٰ مُدْبِراً ﴾ من الخوف من الحية ﴿ وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾ يعنى ولم يرجع، يقول الله عز وجل: ﴿ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ ﴾ من الحية ﴿ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ﴾ يعنى عندى ﴿ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾ [آية: ١٠].
﴿ إَلاَّ مَن ظَلَمَ ﴾ نفسه من الرسل، فإنه يخاف، فكان منهم آدم، ويونس، وسليمان، وإخوة يوسف، وموسى بقتله النفس، عليهم السلام.
﴿ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ ﴾ يعنى فمن بدل إحساناً بعد إساءته ﴿ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ١١].
﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ ﴾ اليمين ﴿ فِي جَيْبِكَ ﴾ يعنى جيب المدرعة من قبل صدره، وهى مضربة ﴿ تَخْرُجْ ﴾ اليد من المدرعة ﴿ بَيْضَآءَ ﴾ لها شعاع كشعاع الشمس ﴿ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ ﴾ يعنى من غير برص، ثم انقطع الكلام، يقول الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ فِي تِسْعِ آيَاتٍ ﴾ يعنى أعطى تسع آيات اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنين، والطمس، فآيتان منهما أعطى موسى، عليه السلام، بالأرض المقدسة اليد والعصى، حين أرسل إلى فرعون، وأعطى سبع آيات بأرض مصر حين كذبوه، فكان أولها اليد، وآخرها الطمس، يقول: ﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ ﴾ واسمه فيطوس ﴿ وَقَوْمِهِ ﴾ أهل مصر ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾ [آية: ١٢] يعنى عاصين.﴿ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً ﴾ يعنى مبينة معاينة يرونها ﴿ قَالُواْ ﴾: يا موسى ﴿ هَـٰذَا ﴾ الذى جئت به ﴿ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٣] يعنى بين، يقول الله عز وجل: ﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا ﴾ يعنى بالآيات، يعنى بعد المعرفة، فيها تقديم ﴿ وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ﴾ أنها من الله عز وجل، وأنها ليست بسحر ﴿ ظُلْماً ﴾ شركاً ﴿ وَعُلُوّاً ﴾ تكبراً ﴿ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ١٤] فى الأرض بالمعاصى، كان عاقتبهم الغرق، وإنما استيقنوا بالآيات أنها من الله، لدعاء موسى ربه أن يكشف عنهم الرجز، فكشفه عنهم، وقد علموا ذلك.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا ﴾ يعنى أعطينا ﴿ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً ﴾ بالقضاء، وبكلام الطير، وبكلام الدواب.
﴿ وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٥] يعنى بالقضاء، والنبوة، والكتاب، وكلام البهائم، والملك الذى أعطاهما الله عز وجل، وكان سليمان أعظم ملكاً من داود، وأفظن منه، وكان داود أكثر تعبداً من سليمان.﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ﴾ يعنى ورث سليمان علم داود وملكه.
﴿ وَقَالَ ﴾ سليمان لبنى إسرائيل: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ يعنى أعطينا الملك والنبوة والكتاب والرياح، وسخرت لنا الشياطين، ومنطق الدواب، ومحاريب، وتماثيل، وجفان كالجوابى، وقدور راسيات وعين القطر، يعنى عين الصفر.﴿ إِنَّ هَـٰذَا ﴾ الذى أعطينا ﴿ لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ ﴾ [آية: ١٦] يعنى البين.
﴿ وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ ﴾ يعنى وجمع لسليمان ﴿ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ ﴾ طائفة ﴿ وَ ﴾ من ﴿ وَٱلإِنْس وَ ﴾ من ﴿ وَٱلطَّيْرِ ﴾ طائفة ﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ [آية: ١٧] يعنى يساقون وكان سليمان استعمل جنداً يرد الأول على الآخر حتى ينام الناس. وقال عز وجل: ﴿ حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ ﴾ من أرض الشام.
﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ ﴾ واسمها الجرمى ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ ﴾ وهن خارجات، فقالت: ادخلوا ﴿ مَسَاكِنَكُمْ ﴾ يعنى بيوتكم ﴿ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ ﴾ يعنى لا يهلكنكم سليمان ﴿ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ١٨] بهلاككم، فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال، فانتهى إليها سليمان حين قالت: ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾.
﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا ﴾ ضحك من ثناءها على سليمان بعدله فى ملكه، أنه لو يشعر بكم لم يحطمكم، يعنى بالضحك الكشر، وقال سليمان: لقد علمت النمل أنه ملك لا بغى فيه، ولا فخر، ولئن علم بنا قبل أن يغشانا لم نوطأ، ثم وقف سليمان بمن معه من الجنود ليدخل النمل مساكنهم، ثم حمد ربه عز وجل حين علمه منطق كل شيء فسمع كلام النملة ﴿ وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ ﴾ يعنى ألهمنى ﴿ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ ﴾ من قبلى، يعنى أبويه داود، وأمه بتشايع بنت الياثن.
﴿ وَ ﴾ ألهمنى ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ ﴾ يعنى بنعمتك ﴿ فِى ﴾ يعنى مع ﴿ عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ١٩] الجنة.﴿ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ ﴾ يعنى الهدهد حين سار من بيت المقدس قبل اليمن، فلما مر بالمدينة وقف، فقال إن الله عز وجل: سيبعث من ها هنا نبياً طوبى لمن تبعه، فلما أراد أن ينزل ﴿ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ ﴾ والميم هاهنا صلة، كقوله تعالى: ﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ ﴾ يعنى أعندهم﴿ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾[الطور: ٤١، والقلم: ٤٧] أم ﴿ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ ﴾ [آية: ٢٠].
﴿ لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً ﴾ يعنى لأنتفن ريشه، فلا يطير مع الطير حولاً ﴿ أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ ﴾ يعنى لأقتلنه.
﴿ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٢١] يعنى حجة بينة أعذره بها.
﴿ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ يقول: لم يلبث إلا قليلاً، حتى جاء الهدهد، فوقع بين يدى سليمان، عليه السلام، فجعل ينكث بمنقاره ويومئ برأسه إلى سليمان.
﴿ فَقَالَ ﴾ لسليمان: ﴿ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾ يقول: علمت ما لم تعلم به ﴿ وَجِئْتُكَ ﴾ بأمر لم تخبرك به الجن، ولم تنصحك فيه، ولم يعمل به الإنس، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك، وجئتك ﴿ مِن ﴾ أرض ﴿ سَبَإٍ ﴾ باليمن ﴿ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾ [آية: ٢٢] يقول: بحديث لا شك فيه، فقال سليمان: وما ذلك؟قال الهدهد: ﴿ إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ﴾ يعنى تملك أهل سبأ ﴿ وَأُوتِيَتْ ﴾ يعنى وأعطيت ﴿ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ يكون باليمن، يعنى العلم والمال والجنود والسلطان والزينة وأنواع الخير، فهذا كله من كلام الهدهد، وقال الهدهد: ﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ٢٣] يعنى ضخم ثمانون ذراعاً فى ثمانين ذراعاً، وارتفاع السرير من الأرض أيضاً ثمانون ذراعاً فى ثمانين ذراعاً، مكلل بالجواهر، والمرأة اسمها بلقيس بنت أبى سرح، وهى من الإنس وأمها من الجن، اسمها فازمة بنت الصخر. ثم قال: ﴿ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ السيئة، يعنى سجودهم للشمس ﴿ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾ يعنى عن الهدى ﴿ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ ﴾ [آية: ٢٤].
ثم قال الهدهد: ﴿ أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ ﴾ يعنى الغيث ﴿ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ﴾ فى قلوبكم ﴿ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ [آية: ٢٥] بألسنتكم ﴿ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [آية: ٢٦] يعنى بالعظيم العرش.
﴿ قَالَ ﴾ سليمان للهدهد: دلنا على الماء ﴿ سَنَنظُرُ ﴾ فيما تقول.
﴿ أَصَدَقْتَ ﴾ فى قولك ﴿ أَمْ كُنتَ ﴾ يعنى أم أنت ﴿ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾ [آية: ٢٧] مثل قوله عز وجل:﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾[آل عمران: ١١٠].
وكان الهدهد يدلهم على قرب الماء من الأرض إذا نزلوا، فدلهم على ماء، فنزلوا واحتفروا الر كايا، وروى الناس والدواب، وكانوا قد عطشوا، فدعا سليمان الهدهد، وقال: ﴿ ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ﴾ يعنى إلى أهل سبأ ﴿ ثُمَّ تَوَلَّ ﴾ يقول: ثم انصرف ﴿ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ٢٨] الجواب، فحمل الهدهد الكتاب بمنقاره، فطار حتى وقف على رأس المرأة، فرفرف ساعة والناس ينظرون، فرفعت المرأة رأسها، فألقى الهدهد الكتاب فى حجرها، فلما رأت الكتاب ورأت الخاتم رعدت وخضعت، وخضع من معها من الجنود، لأن ملك سليمان، عليه السلام، كان فى خاتمه فعرفوا أن الذى أرسل هذا الطير أعظم ملكاً من ملكها، فقالت: إن ملكاً رسله الطير، إن ذلك الملك عظيم، فقرأت هى الكتاب، وكانت عربية من قوم تبع بن أبى شراحيل الحميرى، وقومها من قوم تبع، وهم عرب، فأخبرتهم بما فى الكتاب، ولم يكن فيه شىء غير: " إنه من سليمان، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على " ألا تعظموا على " وأتونى مسلمين ". قال أبو صالح: ويقال: مختوم. فـ ﴿ قَالَتْ ﴾ المرأة لهم: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ ﴾ يعنى الأشراف.
﴿ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾ [آية: ٢٩] يعنى كتاب حسن ﴿ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ [آية: ٣٠] ﴿ أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ٣١]، ثم قالت: إن يكن هذا الملك يقاتل على الدنيا، فإنا نمده بما أراد من الدنيا، وإن يكن يقاتل لربه، فإنه لا يطلب الدنيا، ولا يريدها، ولا يقبل منا شيئاً غير الإسلام. ثم استشارتهم فـ ﴿ قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ ﴾ يعنى الأشراف، وهم: ثلاث مائة، وثلاثة عشر قائداً، مع كل مائة ألف، وهم أهل مشورتها، فقالت لهم: ﴿ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي ﴾ من هذا ﴿ مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴾ [آية: ٣٢] تقول: ما كنت قاضية أمراً حتى تحضرون.﴿ قَالُواْ ﴾ لها: ﴿ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ ﴾ يعنى عدة كثيرة فى الرجال كقوله:﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ﴾[الكهف: ٩٥]، يعنى بالرجال ﴿ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾ فى الحرب، يعنى الشجاعة ﴿ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ ﴾ يقول: قد أخبرناك بما عندنا وما نجاوز ما تقولين.
﴿ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴾ [آية: ٣٣] يعنى ماذا تشيرين علينا، كقول فرعون لقومه:﴿ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾[الشعراء: ٣٥] يعنى ماذا تشيرون علىّ.﴿ قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ﴾ يعنى أهلكوها، كقوله عز وجل: ﴿ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ ﴾ يعنى لهلكتها ومن فيهن، ثم قال: ﴿ وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً ﴾ يعنى أهانوا أشرافها وكبراءها لكى يستقيم لهم الأمر، يقول الله عز وجل.
﴿ وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٣٤] كما قالت. ثم قالت المرأة لأهل مشورتها: ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ﴾ أصانعهم على ملكى إن كانوا أهل دنيا.
﴿ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾ [آية: ٣٥] من عنده بالجواب، فأرسلت بالهدية مع الوفد عليهم المنذر بن عمر، والهدية مائة وصيف، ومائة وصيفة، وجعلت للجارية قصة أمامها، وقصة مؤخرها، وجعلت للغلام قصة أمامه، وذؤابة وسط رأسه، والبستهم لباساً واحداً، وبعثت بحقة فيها جوهرتان إحداهما مثقوبة والأخرى غير مثقوبة. وقالت للوفد: إن كان نبياً، فسيميز بين الجوارى والغلمان ويخبر بما فى الحقة، ويرد الهدية فلا يقبلها، وإن كان ملكاً فسيقبل الهدية ولا يعلم ما فى الحقة، فلما انتهت الهدية إلى سليمان، عليه السلام، ميز بين الوصفاء والوصائف من قبل الوضوء، وذلك أنه أمرهم بالوضوء فكانت الجارية تصب الماء على بطن ساعدها، والغلام على ظهر ساعده، فميز بين الوصفاء والوصائف وحرك الحقة، وجاء جبريل، عليه السلام، فأخبره بما فيها فقيل له: ادخل فى المثقوبة خيطاً من غير حيلة إنس ولا جان، وأثقب الأخرى من غير حيلة إنس ولا جان، وكانت الجوهرة المثقوبة معوجة، فأتته دودة تكون فى الفضفضة وهي الرطبة، فربط فى مؤخرها خيطاً، فدخلت الجوهرة حتى أنفذت الخيط إلى الجانب الآخر، فجعل رزقها فى الفضة، وجاءت الأرضة فقالت لسليمان: اجعل رزقى فى الخشب والسقوف والبيوت، قال: نعم، فثقبت الجوهرة فهذه حيلة من غير إنس ولا جان. وسألوه ماء لم ينزل من السماء ولم يخرج من الأرض، فأمر بالخيل فأجريت حتى عرقت فجمع العرق فى شىء حتى صفا وجعله فى قداح الزجاج، فعجب الوفد من علمه، وجاء جبريل، عليه السلام فأخبره بما في الحقة فأخبرهم سليمان بما فيها، ثم رد سليمان الهدية.﴿ فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ ﴾ للوفد: ﴿ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِي ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ ﴾ يقول: فما أعطانى الله تعالى من الإسلام والنبوة والجنود خير مما أعطاكم ﴿ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴾ [آية: ٣٦] يعنى إذا أهدى بعضكم إلى بعض، فأما أنا فلا أفرح بها إنما أريد منكم الإسلام. ثم قال سليمان لأمير الوفد.
﴿ ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ ﴾ بالهدية ﴿ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ﴾ لا طاقة لهم بها من الجن والإنس.
﴿ وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [آية: ٣٧] يعنى مذلين بالإنس والجن.
﴿ قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ٣٨] يعني مخلصين بالتوحيد، وإنما علم سليمان أنها تسلم، لأنه أوحى إليه بذلك، فلذلك قال: ﴿ قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ ﴾ فيحرم علىّ سريرها لأن الرجل إذا أسلم حرم ماله ودمه، وكان سريرها من ذهب قوائمه اللؤلؤ والجوهر، مستور بالحرير والديباج، عليه الحجلة.﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ ﴾ يعني مارد من الجن اسمه: الحقيق.
﴿ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ ﴾ يعني سريرها ﴿ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ﴾ يعني من مجلسك، وكان سليمان، عليه السلام، يجلس للناس غدوة فيقضى بينهم حتى يضحى الضحى الأكبر، ثم يقوم، فقال: أنا آتيك به قبل أن تحضر مقامك وذلك أنى أضع قدمى عند منتهى بصرى فليس شىء أسرع منى، فآتيك بالعرش، وأنت في مجلسك.
﴿ وَإِنِّي عَلَيْهِ ﴾ يعني على حمل السرير ﴿ لَقَوِيٌّ ﴾ على حمله ﴿ أَمِينٌ ﴾ [آية: ٣٩] على ما في السرير من المال. قال سليمان أريد أسرع من ذلك: ﴿ قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ ﴾ وهو رجل من الإنس من بني إسرائيل كان يعلم اسم الله الأعظم، وكان الرجل اسمه آصف بن برخيا بن شمعيا بن دانيال ﴿ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ ﴾ بالسرير ﴿ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ الذي هو على منتهى بصرك، وهو جاءٍ إليك، فقال سليمان: لقد أسرعت أن فعلت ذلك، فدعا الرجل باسم الله الأعظم، ومنه ذو الجلال والإكرام، فاحتمل السرير احتمالاً فوضع بين يدى سليمان، وكانت المرأة قد أقبلت إلى سليمان حين جاءها الوفد، وخلفت السرير في أرضها باليمن في سبعة أبيات بعضها في بعض أقفالها من حديد، ومعها مفاتيح الأبيات السبعة.
﴿ فَلَمَّا رَآهُ ﴾ فلما رأى سليمان العرش ﴿ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ ﴾ تعجب منه فـ ﴿ قَالَ هَـٰذَا ﴾ السرير ﴿ مِن فَضْلِ رَبِّي ﴾ أعطانيه ﴿ لِيَبْلُوَنِيۤ ﴾ يقول: ليختبرنى ﴿ أَأَشْكُرُ ﴾ الله عز وجل في نعمه حين أتيت العرش ﴿ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ بنعم الله إذا رأيت من هو دونى أعلم منى، فعزم الله عز وجل له على الشكر. فقال عز وجل: ﴿ وَمَن شَكَرَ ﴾ في نعمه ﴿ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ يقول: فإنما يعمل لنفسه ﴿ وَمَن كَفَرَ ﴾ النعم ﴿ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ ﴾ عن عبادة خلقه ﴿ كَرِيمٌ ﴾ [آية: ٤٠] مثلها في لقمان:﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾[الآية: ١٢].
﴿ قَالَ ﴾ سليمان: ﴿ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا ﴾ زيدوا في السرير، وانقصوا منه.
﴿ نَنظُرْ ﴾ إذا جاءت ﴿ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ ﴾ [آية: ٤١] يقول: أتعرف العرش أم تكون من الذين لا يعرفون؟.﴿ فَلَمَّا جَآءَتْ ﴾ المرأة ﴿ قِيلَ ﴾ لها ﴿ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ﴾؟ فأجابتهم فـ ﴿ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ وقد عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها، ولو قيل لها: هذا عرشك؟ لقالت: نعم، قيل لها: فإنه عرشك فما أغنى عنه إغلاق الأبواب؟ يقول سليمان: ﴿ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ ﴾ من الله عز وجل ﴿ مِن قَبْلِهَا ﴾ يعني من قبل أن يجىء العرش والصرح وغيره.
﴿ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ٤٢] يعني وكنا مخلصين بالتوحيد من قبلها.﴿ وَصَدَّهَا ﴾ عن الإسلام ﴿ مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من عبادة الشمس ﴿ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾ [آية: ٤٣] ﴿ قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ ﴾ وهو قصر من قوارير على الماء تحته السمك.
﴿ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ﴾ يعني غدير الماء ﴿ وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ﴾ يعني رجليها لتخوض الماء إلى سليمان وهو على السرير في مقدم البيت، وذلك أنها لما أقبلت قالت الجن: لقد لقينا من سليمان ما لقينا من التعب، فلو قد اجتمع سليمان وهذه المرأة وما عندها من العلم لهلكنا، وكانت أمها جنية، فقالوا: تعالوا نبغضها إلى سليمان، نقول: إن رجليها مثل حوافر الدواب، لأن أمها كانت جنية، ففعلت، فأمر سليمان فبنى لها بيتاً من قوارير فوق الماء، وأرسل فيه السمك لتحسب أنه الماء، فتكشف عن رجليها فينظر سليمان أصدقته الجن أم كذبته، وجعل سريره في مقدم البيت، فلما رأت الصرح حسبته لجة الماء وكشفت عن ساقيها، فنظر إليها سليمان، فإذا هي من أحسن الناس قدمين ورأى على ساقها شعراً كثيراً فكره سليمان ذلك، فقالت: إن الرمانة لا تدري ما هي حتى تذوقها، قال سليمان: ما لا يحلو في العين لا يحلو في الفم فلما رأت الجن أن سليمان رأى ساقيها، قالت الجن: لا تكشفى عن ساقيك ﴿ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ ﴾ يعني أملس ﴿ مِّن قَوارِيرَ ﴾ فلما رأت السير والصرح علمت أن ملكها ليس بشيء عند ملك سليمان، وأن ملكه من ملك الله عز وجل. فـ ﴿ قَالَتْ ﴾ حين دخلت الصرح ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ يعني بعبادتها الشمس ﴿ وَأَسْلَمْتُ ﴾ يعني أخلصت ﴿ مَعَ سُلَيْمَانَ ﴾ بالتوحيد ﴿ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٤٤] خرت لله عز وجل ساجدة، وتابت إلى الله عز وجل من شركها. واتخذها سليمان عليه السلام لنفسه، فولدت له داود بن سليمان بن داود، عليهم السلام، وأمر لها بقرية من الشام يجى لها خراجها، وكانت عذراً فاتخذ الحمامات من أجلها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" كانت من أحسن نساء العالمين ساقين، وهي من أزواج سليمان في الجنة "، فقالت عائشة، رضى الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: هي أحسن ساقين مني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنت أحسن ساقين منها في الجنة "
وكان سليمان عليه السلام يسير بها معه إذا سار ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾ يعني وحدوا الله ﴿ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [آية: ٤٥] مؤمنين وكافرين، وكانت خصومتهم الآية التي في الأعراف:﴿ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ ﴾[الآيات: ٧٥ - ٧٧] ووعدهم صالح العذاب، فقالوا:﴿ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾[الأعراف: ٧٧] فرد عليهم صالح ﴿ قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ ﴾ يقول: لم تستعجلون بالعذاب قبل العافية ﴿ لَوْلاَ ﴾ يعني هلا ﴿ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ ﴾ من الشرك ﴿ لَعَلَّكُمْ ﴾ يعني لكي ﴿ تُرْحَمُونَ ﴾ [آية: ٤٦] فلا تعذبوا في الدنيا. فـ ﴿ قَالُواْ ﴾ يا صالح ﴿ ٱطَّيَّرْنَا ﴾ يعني تشاءمنا ﴿ بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ﴾ على دينك، وذلك أنه قحط المطر عنهم وجاعوا، فقالوا: أصابنا هذا الشر من شؤمك وشؤم أصحابك، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم عليه السلام: إنما ﴿ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ يقول: الذي أصابكم هو مكتوب في أعناقكم ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾ [آية: ٤٧] يعني تبتلون، وإنما ابتليتم بذنوبكم.﴿ وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ ﴾ قرية صالح: الحجر ﴿ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعني يعملون في الأرض بالمعاصي ﴿ وَلاَ يُصْلِحُونَ ﴾ [آية: ٤٨] يعني ولا يطيعون الله عز وجل فيها منهم: قدار بن سالف بن جدع، عاقر الناقة، واسم أمه قديرة، ومصدع، وداب، ويباب إخوة بنى مهرج، وعائذ بن عبيد، وهذيل، وذو أعين وهما أخوان ابنا عمرو، وهديم، وصواب، فعقروا الناقة ليلة الأربعاء، وأهلكهم الله عز وجل يوم السبت بصيحة جبريل، عليه السلام.﴿ قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ ﴾ يعني تحالفوا بالله عز وجل ﴿ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ﴾ ليلاً بالقتل يعني صالحاً وأهله ﴿ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ﴾ يعني ذا رحم صالح أن سألوا عنه ﴿ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ﴾ قالوا: ما ندري من قتل صالحاً وأهله، ما نعرف الذين قتلوه ﴿ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [آية: ٤٩] فيما نقول. يقول عز وجل: ﴿ وَمَكَرُواْ مَكْراً ﴾ حين أرادوا قتل صالح، عليه السلام، وأهله، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَكَرْنَا مَكْراً ﴾ حين جثم الجبل عيلهم ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ٥٠].
﴿ فَٱنظُرْ ﴾ يا محمد ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ﴾ يعني عاقبة عملهم وصنيعهم.
﴿ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ ﴾ يعني التسعة، يعني أهلكناهم بالجبل حين جثم عليهم.
﴿ وَ ﴾ دمرنا ﴿ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ٥١] بصيحة جبريل، عليه السلام، فلم نبقي منهم أحداً.﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً ﴾ يعني خربة ليس بها سكان.
﴿ بِمَا ظَلَمُوۤاْ ﴾ يعني بما أشركوا ﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً ﴾ يعني أن في هلاكهم لعبرة ﴿ لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٥٢] بتوحيد الله عز وجل.
﴿ وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ يعني الذين صدقوا، من العذاب ﴿ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ [آية: ٥٣] الشرك.﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ ﴾ يعني المعاصي، يعني بالمعصية إتيان الرجال شهوة من دون النساء ﴿ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ ﴾ ﴿ بَلْ أَنتُمْ ﴾ يعني ولكن أنتم ﴿ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [آية: ٥٥] ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾ قوم لوط حين نهاهم عن المعاصى ﴿ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ ﴾ بعضهم لبعض ﴿ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ ﴾ يعني لوطاً وابنتيه ﴿ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [آية: ٥٦] يعني لوطاً وحده، يتطهرون مثلها في الأعراف: ﴿ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [آية: ٨٢] يعني يتنزهون عن إتيان الرجال فإنا لا نحب أن يكون بين أظهرنا من ينهانا عن عملنا. يقول الله عز وجل: ﴿ فَأَنجَيْنَاهُ ﴾ من العذاب ﴿ وَأَهْلَهُ ﴾ يعني وابنتية ريثا وزعوثا، ثم استثنى، فقال سبحانه: ﴿ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ ﴾ لم ننجها ﴿ قَدَّرْنَاهَا ﴾ يقول: قدرنا تركها ﴿ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ ﴾ [آية: ٥٧].
﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً ﴾ يعني الحجارة ﴿ فَسَآءَ ﴾ يعني فبئس ﴿ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ ﴾ [آية: ٥٨] يعني الذين أنذروا بالعذاب، فذلك قوله عز وجل:﴿ وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا ﴾[القمر: ٣٦] يعني عذابنا.
و ﴿ قُلِ ﴾ يا محمد ﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ في هلاك الأمم الخالية، يعني ما ذكر في هذه السورة من هلاك فرعون وقومه، وثمود وقوم لوط، وقل: الحمد لله الذي علمك هذا الأمر الذي ذكر، ثم قال: ﴿ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ﴾ يعني الذين اختارهم الله عز وجل لنفسه للرسالة، فسلام الله على الأنبياء، عليهم السلام، ثم قال الله عز وجل: ﴿ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٥٩] به، يقول: الله تبارك وتعالى أفضل أم الآلهة التي تعبدونها؟ يعني كفار مكة" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ هذه الآية، قال: " بل، الله خير وأبقى وأجل وأكرم "﴿ أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ﴾ يعني حيطان النخل والشجر ﴿ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ يعني ذات حسن ﴿ مَّا كَانَ لَكُمْ ﴾ يعني ما ينبغي لكم ﴿ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا ﴾ فتجعلوا للآلهة نصيباً مما أخرج الله عز وجل لكم من الأرض بالمطر، ثم قال سبحانه استفهام: ﴿ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ﴾ يعينه على صنعه جل جلاله، ثم قال تعالى: ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ [آية: ٦٠] يعني يشركون، يعني كفار مكة. ثم قال سبحانه: ﴿ أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً ﴾ يعني مستقراً لا تميد بأهلها ﴿ وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ ﴾ يعني فجر نواحي الأرض ﴿ أَنْهَاراً ﴾ فهى تطرد.
﴿ وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ﴾ يعني الجبال، فتثبت بها الأرض لئلا تزول بمن على ظهرها.
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ ﴾ الماء المالح والماء العذب ﴿ حَاجِزاً ﴾ حجز الله عز وجل بينهما بأمره، فلا يختلطان.
﴿ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله ﴾ يعينه على صنعه عز وجل: ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ ﴾ يعني لكن أكثرهم، يعني أهل مكة ﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٦١] بتوحيد ربهم.﴿ أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ ﴾ يعني الضر ﴿ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ﴾ يعينه على صنعه ﴿ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٦٢] يقول: ما أقل ما تذكرون ﴿ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ﴾ يقول: أم من يرشدكم في أهوال ﴿ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ يقول: يبسط السحاب قدام المطر، كقوله في عسق:﴿ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾[الشورى: ٢٨] يعني ويبسط رحمته بالمطر.
﴿ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ﴾ يعينه على صنعه عز وجل، ثم قال: ﴿ تَعَالَى ٱللَّهُ ﴾ يعني ارتفع الله يعظم نفسه جل جلاله ﴿ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٦٣] به من الآلهة. ثم قال تعالى: ﴿ أَمَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ ﴾ يقول: من بدأ الخلق فخلقهم، ولم يكونوا شيئاً، ثم يعيده في الآخرة.
﴿ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ يعني المطر ﴿ وٱلأَرْضِ ﴾ يعني النبت ﴿ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ﴾ يعينه على صنعه عز وجل.
﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة: ﴿ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ ﴾ يعني هلموا بحجتكم بأنه صنع شيئاً من هذا غير الله عز وجل من الآلة، فتكون لكم الحجة على الله تعالى: ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ٦٤] بأن مع الله آلهة كما زعمتم، يعني الملائكة.
﴿ قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَاواتِ ﴾ يعني الملائكة ﴿ وٱلأَرْضِ ﴾ الناس ﴿ ٱلْغَيْبَ ﴾ يعني البعث، يعني غيب الساعة ﴿ إِلاَّ ٱللَّهُ ﴾ وحده، عز وجل، ثم قال عز وجل: ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [آية: ٦٥] يقول لكفار مكة: وما يشعرون متى يبعثون بعد الموت لأنهم يكفرون بالبعث.﴿ بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ ﴾ يقول: علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا فيه، وعموا عنه في الدنيا.
﴿ بَلْ هُمْ ﴾ اليوم ﴿ فِي شَكٍّ مِّنْهَا ﴾ يعني من الساعة ﴿ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ﴾ [آية: ٦٦] في الدنيا. ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ ﴾ [آية: ٦٧] من القبور أحياء نزلت في أبي طلحة، وشيبة، ومشافع، وشرحبيل، والحارث وأبوه، وأرطأة بن شرحبيل.
﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا ﴾ الذي يقول محمد صلى الله عليه وسلم يعنون البعث ﴿ نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ ﴾ يعنون من قبلنا ﴿ إِنْ هَـٰذَآ ﴾ الذي يقول محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ٦٨] يعني أحاديث الأولين وكذبهم.﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة: ﴿ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ٦٩] يعني كفار الأمم الخالية كيف كان عاقبتهم في الدنيا الهلاك، يخوف كفار مكة مثل عذاب الأمم الخالية، لئلا يكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم وقد رأوا هلاك قوم لوط، وعاد، وثمود. ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ يعني على كفار مكة إن تولوا عنك، ولم يجيبوك: ﴿ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [آية: ٧٠] يقول: لا يضيق صدرك بما يقولن هذا دأبنا ودأبك أيام الموسم، وهم الخراصون وهم المستهزءون.﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ ﴾ يعنون العذاب.
﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ٧١] يعني النبي صلى الله عليه وسلم وحده بأن العذاب نازل بنا.
﴿ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم ﴾ يعني قريب لكم ﴿ بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [آية: ٧٢] فكان بعض العذاب القتل ببدر، وسائر العذاب لهم فيما بعد الموت. ثم قال: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ ﴾ يعني على كفار مكة حين لا يعجل عليهم العذاب حين أرادوه ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ يعني أكثر أهل مكة ﴿ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٧٣] الرب عز وجل في تأخير العذاب عنهم: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ﴾ يعني ما تسر قلوبهم.
﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [آية: ٧٤] بألسنتهم.﴿ وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ ﴾ يعني علم غيب ما يكون من العذاب ﴿ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ ﴾ وذلك حين استعجلوه بالعذاب ﴿ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٧٥] يقول: إلا هو بين في اللوح المحفوظ.
﴿ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ ﴾ يعني في القرآن ﴿ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [آية: ٧٦] يقول: هذا القرآن مبين لأهل الكتاب اختلافهم.
﴿ وَإِنَّهُ لَهُدًى ﴾ من الضلالة ﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ من العذاب لمن آمن به، فذلك قوله عز وجل: ﴿ لِّلْمُؤمِنِينَ ﴾ [آية: ٧٧] بالقرآن أنه من ربك.
﴿ إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم ﴾ يعني بين بني إسرائيل ﴿ بِحُكْمِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [آية: ٧٨].
﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ يعني فثق بالله عز وجل، وذلك حين دعى إلى ملة آبائه فأمره أن يثق بالله عز وجل ولا يهوله قول أهل مكة.
﴿ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ ﴾ [آية: ٧٩] يعني على الدين البين وهو الإسلام، ثم ضرب لكفار مكة مثلاً، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّكَ ﴾ يا محمد ﴿ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ ﴾ في النداء، فشبه كفار مكة بالأموات كما لا يسمع الميت النداء، كذلك لا تسمع الكفار النداء، ولا تفقهه.
﴿ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ ﴾ [آية: ٨٠] يقول: إن الأصم إذا ولى مدبراً، ثم ناديته لم يسمع الدعاء، وكذلك الكافر لا يسمع الإيمان إذا دعي إليه. ثم قال عز وجل للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ ﴾ إلى الإيمان ﴿ عَن ضَلالَتِهِمْ ﴾ يعني عن كفرهم ﴿ إِن تُسْمِعُ ﴾ يقول: ما تسمع الإيمان ﴿ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ﴾ إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله عز وجل.
﴿ فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آية: ٨١] يقول: فهم مخلصون بتوحيد الله عز وجل.﴿ وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم ﴾ يقول: إذا نزل العذاب بهم ﴿ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ ﴾ تخرج من الصفا الذي بمكة ﴿ تُكَلِّمُهُمْ ﴾ بالعربية تقول: ﴿ أَنَّ ٱلنَّاسَ ﴾ يعني كفار مكة ﴿ كَانُوا بِآيَاتِنَا ﴾ يعني بخروج الدابة ﴿ لاَ يُوقِنُونَ ﴾ [آية: ٨٢] هذا قول الدابة للناس: إن الناس بخروجي لا يوقنون، لأن خروجها آية من آيات الله عز وجل، فإذا رآها الناس كلهم عادت إلى مكانها من حيث خرجت لها أربع قوائم، وزغب، وريش، ولها جناحان، واسمها أفضى، فإذا خرجت بلغ رأسها السحاب.
﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ﴾ يعني زمراً ﴿ مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ [آية: ٨٣] يعني فهم يساقون إلى النار ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي ﴾ يعني بالساعة ﴿ وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً ﴾ أنها باطل ﴿ أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٨٤].
﴿ وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم ﴾ يعني ونزل العذاب بهم ﴿ بِمَا ظَلَمُواْ ﴾ يعني بما أشركوا ﴿ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ ﴾ [آية: ٨٥] يعني لا يتكلمون فيها، ثم وعظ كفار مكة ليعبتروا في صنعه فيوحدوه عز وجل، فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَاٱلْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ ﴾ يقول: إن فيهما لعبرة ﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٨٦] يعني لقوم يصدقون بتوحيد الله عز وجل.
﴿ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ ﴾ يقول: فمات ﴿ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ ﴾ من شدة الخوف والفزع.
﴿ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ يعني جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، عليهم السلام.
﴿ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾ [آية: ٨٧] يعني وكل البر والفاجر أتوه في الآخرة صاغرين.﴿ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ﴾ يعني تحسبها مكانها ﴿ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ ﴾ فتستوي في الأرض ﴿ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ ﴾ يعني الذي أحكم ﴿ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٨٨] يعني إنه خبير بما فعلتم، نظيرها في الروم.﴿ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ ﴾ في الآخرة يعني بلا إله إلا الله ﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ﴾ فيها تقديم يقول له: منها خير ﴿ وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ [آية: ٨٩].
حدثني الهذيل، عن مقاتل، عن ثابت البنانى، عن كعب بن عجرة،" عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: ﴿ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ ﴾.
﴿ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ ﴾ قال: " هذه تنجي، وهذه تردي "﴿ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ ﴾ يعني بالشرك ﴿ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ ﴾ ثم تقول لهم خزنة جهنم: ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٩٠] من الشرك ﴿ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبِّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ﴾ يعني مكة ﴿ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا ﴾ من القتل والسبى وحرم فيها الصيد وغيره، فلا يستحل فيها ما لا ينبغي ﴿ وَلَهُ ﴾ ملك ﴿ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ٩١] يعني من المخلصين بالتوحيد ﴿ وَ ﴾ أمرت ﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ ٱلْقُرْآنَ ﴾ عليكم يا أهل مكة ﴿ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ ﴾ عن الإيمان بالقرآن مثلها في الزمر.
﴿ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ ﴾ [آية: ٩٢] يعني من المرسلين يعني أنا كأحد الرسل.﴿ وَقُلِ ﴾ يا محمد ﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ يعني العذاب في الدنيا ﴿ فَتَعْرِفُونَهَا ﴾ أنها حق، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بالعذاب أنه نازل بهم فكذبوه، فنزلت: ﴿ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ يعني القتل ببدر إذا نزل بكم فلا تستعجلون، ثم قال سبحانه: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٩٣] هذا وعيد، فعذبهم الله عز وجل بالقتل، وضربت الملائكة وجوهم وأدبارهم وعجل الله بأرواحهم إلى النار.
Icon