تفسير سورة الأحزاب

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن .
لمؤلفه الشنقيطي - أضواء البيان . المتوفي سنة 1393 هـ

قوله تعالى :﴿ يا أَيُّهَا النَّبِىِّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾.
قد قدّمنا الآيات الموضحة لمثله في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾ [ الإسراء : ٣٩ ] الآية، وما دلّت عليه آية «الأحزاب » هذه، من أن الخطاب الخاص لفظه بالنبيّ صلى الله عليه وسلم يشمل حكمه جميع الأُمّة، قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «المائدة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ ﴾ [ المائدة : ٣٢ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾.
في هذه الحرف أربع قراءات سبعية : قرأه عاصم وحده :﴿ تَظَاهَرُونَ ﴾ بضم التاء وتخفيف الظاء بعدها ألف فهاء مكسورة مخفّفة، وقرأه حمزة والكسائي :﴿ تَظَاهَرُونَ ﴾ بفتح التاء بعدها ظاء مفتوحة مخفّفة، فألف فهاء مفتوحة مخفّفة، وقرأه ابن عامر وحده كقراءة حمزة والكسائي، إلاّ أن ابن عامر يشدّد الظاء، وهما يخفّفانها. وقرأه نافع، وابن كثير وأبو عمرو :﴿ تُظْهِرُونَ ﴾ بفتح التاء بعدها ظاء فهاء مفتوحتان مشدّدتان بدون ألف، فقوله تعالى :﴿ تَظَاهَرُونَ ﴾، على قراءة عاصم مضارع ظاهر بوزن فاعل، وعلى قراءة حمزة والكسائي، فهو مضارع تظاهر بوزن تفاعل حذفت فيه إحدى التاءين على حدّ قوله في «الخلاصة » :
وما بتاءين ابتدى قد يقتصر فيه على تا كتبين العبر
فالأصل على قراءة الأخوين تتظاهرون، فحذفت إحدى التاءين. وعلى قراءة ابن عامر، فهو مضارع تظاهر أيضًا، كقراءة حمزة والكسائي، إلاّ أن إحدى التاءين أدغمت في الظاء ولم تحذف، وماضيه اظاهر ك ﴿ ادارَكَ ﴾، و ﴿ اثَّاقَلْتُمْ ﴾، و﴿ ادَّارءْتُمْ ﴾، بمعنى تدارك، الخ.
وعلى قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو، فهو مضارع تظهر على وزن تفعل، وأصله تتظهرون بتاءين، فأدغمت إحدى التاءين في الظاء، وماضيه : اظهر، نحو :﴿ قَالُواْ اطَّيَّرْنَا ﴾ ﴿ وَازَّيَّنَتْ ﴾، بمعنى : تطيّرنا، وتزينت ؛ كما قدّمنا إيضاحه في سورة «طه »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ فَإِذَا هي تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ [ الأعراف : ١١٧ ]و[ الشعراء : ٤٥ ] فعلم مما ذكرنا أن قولهم ظاهر من امرأته، وتظاهر منها، وتظهر منها كلها بمعنى واحد، وهو أن يقول لها : أنت عليّ كظهر أُمّي، يعني : أنها حرام عليه، وكانوا يطلقون بهذه الصيغة في الجاهلية.
وقد بيَّن اللَّه جلَّ وعلا في قوله هنا :﴿ وَمَا جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾، أن من قال لامرأته : أنت عليّ كظهر أُمي، لا تكون أُمًّا له بذلك، ولم يزد هنا على ذلك، ولكنه جلَّ وعلا أوضح هذا في سورة «المجادلة »، فبيَّن أن أزواجهم اللائي ظاهروا منهن لسن أُمّهاتهم، وأن أُمّهاتهم هنَّ النساء التي ولدنهم خاصة دون غيرهن، وأن قولهم : أنت عليّ كظهر أُمّي، منكر من القول وزور.
وقد بيَّن الكفارة اللازمة في ذلك عند العود، وذلك في قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مّن نّسَائِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ*وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ المجادلة : ٢-٤ ].
فقوله تعالى في آية «الأحزاب » هذه :﴿ وَمَا جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾، كقوله تعالى في سورة «المجادلة » :﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مّن نّسَائِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ﴾ [ المجادلة : ٢ ]، وقد رأيت ما في سورة «المجادلة »، من الزيادة والإيضاح لما تضمّنته آية «الأحزاب » هذه.
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة
المسألة الأولى : قد علمت من القرآن أن الإقدام على الظهار من الزوجة حرام حرمة شديدة ؛ كما دلَّ عليه قوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ﴾ [ المجادلة : ٢ ]، فما صرّح اللَّه تعالى بأنّه منكر وزور فحرمته شديدة، كما ترى. وبيّن كونه كذبًا وزورًا، بقوله :﴿ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ﴾ [ المجادلة : ٢ ]، وقوله تعالى :﴿ مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ [ الأحزاب : ٤ ].
وأشار بقوله تعالى :﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [ المجادلة : ٢ ]، أن من صدر منه منكر الظهار وزوره، إن تاب إلى اللَّه من ذلك توبة نصوحًا غفر له ذلك المنكر والزور وعفا عنه، فسبحانه ما أكرمه وما أحلمه.
المسألة الثانية : في بيان العود الذي رتّب اللَّه عليه الكفارة، في قوله :﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ﴾ [ المجادلة : ٣ ]، وإزالة إشكال في الآية.
اعلم أن هذه المسألة قد بيّناها في كتابنا «دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب »، وسنذكر هنا كلامنا المذكور فيه تتميمًا للفائدة.
ففي «دفع إيهام الاضطراب »، ما نصّه : قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ﴾ [ المجادلة : ٣ ]، لا يخفى أن ترتيبه تعالى الكفارة بالعتق على الظهار والعود معًا يفهم منه أن الكفارة لا تلزم إلا بالظهار والعود معًا، وقوله تعالى :﴿ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ﴾ صريح في أن التكفير يلزم كونه من قبل العود إلى المسيس.
اعلم أوّلاً : أن ما رجحه ابن حزم من قول داود الظاهري، وحكاه ابن عبد البرّ عن بكير بن الأشجّ والفراء وفرقة من أهل الكلام، وقال به ابن شعبة : من أن معنى :﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ ﴾ هو عودهم إلى لفظ الظهار، فيكرّرونه مرة أخرى قول باطل، بدليل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يستفصل المرأة التي نزلت فيها آية الظهار، هل كرّر زوجها صيغة الظهار أو لا ؟ وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في الأقوال، كما تقدّم مرارًا.
والتحقيق : أن الكفارة ومنع الجماع قبلها، لا يشترط فيهما تكرير صيغة الظهار، وما زعمه بعضهم أيضًا من أن الكلام فيه تقديم وتأخير، وتقديره :﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ثم يعودون لما قالوا ﴾، سالمين من الإثم بسبب الكفارة غير صحيح أيضًا، لما تقرّر في الأصول من وجوب الحمل على بقاء الترتيب، إلا لدليل. وإليه الإشارة بقول صاحب «مراقي السعود » :
كذاك تريب لإيجاب العمل بما له الرجحان مما يحتمل
وسنذكر إن شاء اللَّه الجواب عن هذا الإشكال على مذاهب الأئمّة الأربعة، رضي اللَّه عنهم وأرضاهم.
فنقول وباللَّه تعالى نستعين : معنى العود عند مالك فيه قولان، تؤوّلت المدونة على كل واحد منهما، وكلاهما مرجّح.
الأول : أنه العزم على الجماع فقط.
الثاني : أنه العزم على الجماع وإمساك الزوجة معًا، وعلى كلا القولين فلا إشكال في الآية.
لأن المعنى حينئذ : والذين يظاهرون من نسائهم، ثم يعزمون على الجماع أو عليه مع الإمساك، فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا فلا منافاة بين العزم على الجماع، أو عليه مع الإمساك، وبين الإعتاق قبل المسيس.
وغاية ما يلزم على هذا القول حذف الإرادة، وهو واقع في القرآن ؛ كقوله تعالى :﴿ إِذَا قمتم إلى الصلاة ﴾ [ المائدة : ٦ ]، أي : أردتم القيام إليها، وقوله تعالى :﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ﴾، أي : أردت قراءته ﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾ [ النحل : ٩٨ ] الآية.
ومعنى العود عند الشافعي : أن يمسكها بعد المظاهرة زمانًا يمكنه أن يطلقها فيه فلا يطلّق، وعليه فلا إشكال في الآية أيضًا ؛ لأن إمساكه إياها الزمن المذكور، لا ينافي التكفير قبل المسيس، كما هو واضح.
ومعنى العود عند أحمد : هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه. أمّا العزم، فقد بيّنا أنه لا إشكال في الآية على القول به، وأمّا على القول بأنه الجماع.
فالجواب : أنه إن ظاهر وجامع قبل التكفير يلزمه الكفّ عن المسيس مرة أخرى حتى يكفّر، ولا يلزم من هذا جواز الجماع الأوّل قبل التكفير ؛ لأن الآية على هذا القول، إنما بيّنت حكم ما إذا وقع الجماع قبل التكفير، وأنه وجوب التكفير قبل مسيس آخر، وأمّا الإقدام على المسيس الأوّل، فحرمته معلومة من عموم قوله تعالى :﴿ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ﴾ [ المجادلة : ٣ ].
ومعنى العود عند أبي حنيفة رحمه اللَّه تعالى : هو العزم على الوطء، وعليه فلا إشكال كما تقدم. وما حكاه الحافظ ابن كثير رحمه اللَّه تعالى في تفسيره عن مالك، من أنه حكى عنه أن العود الجماع، فهو خلاف المعروف من مذهبه، وكذلك ما حكاه عن أبي حنيفة من أن العود هو العود إلى الظهار بعد تحريمه، ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية، فهو خلاف المقرّر في فروع الحنفيّة من أنه العزم على الوطء كما ذكرنا. وغالب ما قيل في معنى العود راجع إلى ما ذكرنا من أقوال الأئمّة رحمهم اللَّه.
وقال بعض العلماء : المراد بالعود الرجوع إلى الاستمتاع بغير الجماع، والمراد بالمسيس في قوله :﴿ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ﴾ [ المجادلة : ٣ ]، خصوص الجماع وعليه فلا إشكال، ولا يخفى عدم ظهور هذا القول.
والتحقيق : عدم جواز الاستمتاع بوطء أو غيره قبل التكفير، لعموم قوله :﴿ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ﴾، وأجاز بعضهم الاستمتاع بغير الوطء، قائلاً : إن المراد بالمسيس في قوله :﴿ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ﴾، نفس الجماع لا مقدّماته، وممن قال بذلك : الحسن البصري، والثوري، وروي عن الشافعي في أحد القولين.
وقال بعض العلماء : اللام في قوله :﴿ لِمَا قَالُواْ ﴾، بمعنى : في، أي : يعودون فيما قالوا بمعنى يرجعون فيه ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم :«الواهب العائد في هبته » الحديث، وقيل : اللام بمعنى : عن، أي : يعودون عمّا قالوا، أي : يرجعون عنه، وهو قريب مما قبله.
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له : الذي يظهر لي واللَّه تعالى أعلم : أن العود له مبدأ ومنتهى، فمبدؤه العزم على الوطء ومنتهاه الوطء بالفعل، فمن عزم على الوطء فقد عاد بالنيّة، فتلزمه الكفّارة لإباحة الوطء، ومن وطء بالفعل تحتم في حقه اللزوم، وخالف بالإقدام على الوطء قبل التكفير.
ويدلّ لهذا قوله صلى الله عليه وسلم لما قال :«إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار »، قالوا : يا رسول اللَّها قد عرفنا القاتل، بما بال المقتول ؟ قال :«إنه كان حريصًا على قتل صاحبه »، فبيّن أن العزم على الفعل عمل يؤاخذ به الإنسان.
فإن قيل : ظاهر الآية المتبادر منها يوافق قول الظاهرية، الذي قدمنا بطلانه ؛ لأن الظاهر المتبادر من قوله :﴿ لِمَا قَالُواْ ﴾، أنه صيغة الظهار، فيكون العود لها تكريرها مرة أخرى.
فالجواب : أن المعنى { لِمَا قَالُواْ
قوله تعالى :﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾.
قال ابن كثير : أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام، ولكن لا يجوز الخلوة بهنّ، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع، اه. محل الغرض منه. وما ذكر من أن المراد بكون أزواجه صلى الله عليه وسلم أُمّهات المؤمنين هو حرمتهن عليهم، كحرمة الأُم، واحترامهم لهن، كاحترام الأُم إلخ. واضح لا إشكال فيه. ويدلّ له قوله تعالى :﴿ وإذا سألتموهنّ متاعا فاسألوهنّ من وراء حجاب ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ] ؛ لأن الإنسان لا يسأل أُمّه الحقيقية من وراء حجاب. وقوله تعالى :﴿ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ﴾ [ المجادلة : ٢ ]، ومعلوم أنهن رضي اللَّه عنهن، لم يلدن جميع المؤمنين الذين هن أمهاتهم، ويفهم من قوله تعالى :﴿ وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾، أنه هو صلى الله عليه وسلم أب لهم. وقد روي عن أُبيّ بن كعب، وابن عباس، أنّهما قرءا :﴿ وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ وهو أب لهم، وهذه الأبوّة أبوّة دينية، وهو صلى الله عليه وسلم أرأف بأُمّته من الوالد الشفيق بأولاده، وقد قال جلَّ وعلا في رأفته ورحمته بهم :﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ]، وليست الأبوّة أبوّة نسب ؛ كما بيّنه تعالى بقوله :﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ ﴾ [ الأحزاب : ٤٠ ]، ويدلّ لذلك أيضًا حديث أبي هريرة عند أبي داود والنسائي وابن ماجه : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه »، وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة، فقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث :«إنما أنا لكم بمنزلة الوالد »، يبيّن معنى أبوّته المذكورة، كما لا يخفى.
مسألة
اعلم أن أهل العلم اختلفوا هل يقال لبنات أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم أخوات المؤمنين، أو لا ؟ وهل يقال لإخوانهن كمعاوية، وعبد اللَّه بن أبي أُميّة أخوال المؤمنين أو لا ؟ وهل يقال لهنّ : أُمّهات المؤمنات ؟ قال ابن كثير رحمه اللَّه في تفسير هذه الآية : ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن، وأخواتهن بالإجماع، وإن سمّى بعض العلماء بناتهن أخوات المسلمين، كما هو منصوص الشافعي رضي اللَّه عنه في المختصر، وهو من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم، وهل يقال لمعاوية وأمثاله خال المؤمنين ؟ فيه قولان للعلماء رضي اللَّه عنهم. ونصّ الشافعي رضي اللَّه عنه، على أنه لا يقال ذلك. وهل يقال لهن : أُمّهات المؤمنات ؟ فيدخل النساء في الجمع المذكر السالم تغليبًا، فيه قولان : صحّ عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت : لا يقال ذلك، وهذا أصحّ الوجهين في مذهب الشافعي رضي اللَّه عنه، انتهى محل الغرض من كلام ابن كثير.
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له : الأظهر عندي في ذلك أنه لا يطلق منه إلا ما ورد النص بإطلاقه ؛ لأن الإطلاق المراد به غير الظاهر المتبادر يحتاج إلى دليل صارف إليه، والعلم عند اللَّه تعالى.
قوله تعالى :﴿ وَأُوْلُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ﴾[ ٦ ].
قد قدّمنا إيضاحه وكلام أهل العلم، فيما يتعلق به من الأحكام في آخر «الأنفال »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَأُوْلُواْ الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [ الأنفال : ٧٥ ].
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقًا غَلِيظاً ﴾.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أخذ من النبيّين ميثاقهم، ثم خصّ منهم بذلك خمسة : هم أولوا العزم من الرسل، وهم محمّد صلى الله عليه وسلم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى. ولم يبيّن هنا الميثاق الذي أخذه عليهم، ولكنه جلَّ وعلا بيَّن ذلك في غير هذا الموضع ؛ فبيّن الميثاق المأخوذ على جميع النبيّين بقوله تعالى في سورة «آل عمران » :﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [ آل عمران : ٨١-٨٢ ]. وقد قدّمنا الكلام على هذه الآية في سورة «مريم »، في الكلام على قصة الخضر، وقد بيَّن جلَّ وعلا الميثاق الذي أخذه على خصوص الخمسة الذين هم أُولوا العزم من الرسل في سورة «الشورى »، في قوله تعالى :﴿ شَرَعَ لَكُم مّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُواْ الدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ ﴾[ الشورى : ١٣ ].
وبما ذكرنا تعلم أن آية «آل عمران »، وآية «الشورى »، فيهما بيان لآية «الأحزاب » هذه.
وقوله في هذه الآية الكريمة :﴿ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ ﴾ من عطف الخاص على العام، وقد تكلّمنا عليه مرارًا، والعلم عند اللَّه تعالى.
قوله تعالى :﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾.
أمر اللَّه جلَّ وعلا المؤمنين في هذه الآية الكريمة : أن يذكروا نعمته عليهم حين جاءتهم جنود وهم جيش الأحزاب، فأرسل جلَّ وعلا عليهم ريحًا وجنودًا لم يرها المسلمون، وهذه الجنود التي لم يروها التي امتنّ عليهم بها هنا في سورة «الأحزاب »، بيَّن أنه منّ عليهم بها أيضًا في غزوة حنين، وذلك في قوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ [ التوبة : ٢٥-٢٦ ] الآية، وهذه الجنود هي الملائكة، وقد بيَّن جلَّ وعلا ذلك في «الأنفال »، في الكلام على غزوة بدر، وذلك في قوله تعالى :﴿ إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأعْنَاقِ واضْربوا منهم كلّ بنانٍ ﴾ [ الأنفال : ١٢ ] الآية، وهذه الجنود التي لم يروها التي هي الملائكة، قد بيَّن اللَّه جلَّ وعلا في «براءة »، أنّه أيَّد بها نبيّه صلى الله عليه وسلم وهو في الغار، وذلك في قوله :﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا في الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تحزن إنّ الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها ﴾ [ التوبة : ٤٠ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيماً ﴾.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين لما رأوا الأحزاب يعني جنود الكفار الذين جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، في غزوة الخندق، قالوا :﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾، ولم يبيّن هنا الآية التي وعدهم إياه فيها، ولكنّه بيّن ذلك في سورة «البقرة »، في قوله تعالى :﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إنّ نصر الله قريب ﴾ [ البقرة : ٢١٤ ]، وممن قال إن آية «البقرة » المذكورة مبيّنة لآية «الأحزاب » هذه : ابن عباس، وقتادة وغير واحد، وهو ظاهر.
وقوله في هذه الآية الكريمة :﴿ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا ﴾ الآية، صريح في أن الإيمان يزيد، وقد صرّح اللَّه بذلك في آيات من كتابه، فلا وجه للاختلاف فيه مع تصريح اللَّه جلَّ وعلا به في كتابه، في آيات متعدّدة ؛ كقوله تعالى :﴿ لِيَزْدَادُواْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [ الفتح : ٤ ]، وقوله تعالى :﴿ فأمّا الذين آمنوا فزادتهم إيمانا ﴾ [ التوبة : ١٢٤ ] إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى :﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ﴾.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه ردّ الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا، وأنه كفى المؤمنين القتال، وهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ولم يبيّن هنا السبب الذي ردّ به الذين كفروا وكفى به المؤمنين القتال، ولكنه جلَّ وعلا بيَّن ذلك بقوله :﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ [ الأحزاب : ٩ ]، أي : وبسبب تلك الريح وتلك الجنود ردّهم بغيظهم وكفاكم القتال، كما هو ظاهر.
قوله تعالى :﴿ يا نِسَآءَ النَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾.
قد قدّمنا الآية الموضحة له في آخر سورة «النمل » في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَمَن جَاء بِالسَّيّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ في النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ النمل : ٩٠ ]، وفي سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ﴾ [ الإسراء : ٧٥ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ ﴾.
ذكر اللَّه جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن من قنت من نساء نبيّه صلى الله عليه وسلم للَّه ولرسوله، وعمل عملاً صالحًا أن اللَّه جلَّ وعلا يؤتها أجرها مرّتين. والقنوت : الطاعة. وما وعد اللَّه به جلَّ وعلا من أطاع منهن بإيتائها أجرها مرتين في هذه الآية الكريمة، جاء الوعد بنظيره لغيرهن في غير هذا الموضع، فمن ذلك وعده لمن آمن من أهل الكتاب بنبيّه، ثم آمن بمحمّد صلى الله عليه وسلم بإتيائه أجره مرّتين، وذلك في قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُواْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ ﴾ [ القصص : ٥١-٥٤ ] الآية.
ومن ذلك وعده لجميع المطيعين من أُمّته صلى الله عليه وسلم بإيتائهم كفلين من رحمته تعالى، وذلك في قوله جلَّ وعلا :﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ [ الحديد : ٢٨ ] الآية.
واعلم : أن ظاهر هذه الآية الكريمة من سورة «الحديد »، الذي لا ينبغي العدول عنه، أن الخطاب بقوله تعالى :﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ ﴾، عام لجميع هذه الأُمّة كما ترى. وليس في خصوص مؤمني أهل الكتاب، كما في آية «القصص » المذكورة آنفًا، وكونه عامًا هو التحقيق إن شاء اللَّه ؛ لظاهر القرآن المتبادر الذي لم يصرف عنه صارف، فما رواه النسائي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما من حمله آية «الحديد » هذه على خصوص أهل الكتاب، كما في آية «القصص »، خلاف ظاهر القرآن، فلا يصح الحمل عليه إلاّ بدليل يجب الرجوع إليه، وإن وافق ابن عباس في ذلك الضحاك، وعتبة بن أبي حكيم وغيرهما، واختاره ابن جرير الطبري.
والصواب في ذلك إن شاء اللَّه هو ما ذكرنا، لأن المعروف عند أهل العلم : أن ظاهر القرآن المتبادر منه، لا يجوز العدول عنه، إلا لدليل يجب الرجوع إليه.
وقال ابن كثير : وقال سعيد بن جبير : لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين، أنزل اللَّه تعالى على نبيّه هذه الآية في حقّ هذه الأُمّة :﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ ﴾، أي : ضعفين ﴿ مّن رَّحْمَتِهِ ﴾، وزادهم ﴿ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ [ الحديد : ٢٨ ]، ففضلهم بالنور والمغفرة، اه. نقله عنه ابن جرير، وابن كثير، والعلم عند اللَّه تعالى.
قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾.
قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمّنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، ويكون في نفس الآية قرينة تدلّ على عدم صحة ذلك القول، وذكرنا لذلك أمثلة متعدّدة في الترجمة، وفي مواضع كثيرة من هذا الكتاب المبارك.
ومما ذكرنا من أمثلة ذلك في الترجمة قولنا فيها : ومن أمثلته قول بعض أهل العلم : إن أزواجه صلى الله عليه وسلم لا يدخلن في أهل بيته، في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ [ الأحزاب : ٣٣ ]، فإن قرينة السياق صريحة في دخولهن ؛ لأن اللَّه تعالى قال :﴿ قُل لأزْواجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ﴾ [ الأحزاب : ٢٨ ]، ثم قال في نفس خطابه لهن :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾[ الأحزاب : ٣٣ ]، ثم قال بعده :﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى في بُيُوتِكُنَّ ﴾[ الأحزاب : ٣٤ ] الآية.
وقد أجمع جمهور علماء الأصول على أن صورة سبب النزول قطعية الدخول، فلا يصح إخراجها بمخصص، وروي عن مالك أنها ظنيّة الدخول، وإليه أشار في «مراقي السعود »، بقوله :
واجزم بإدخال ذوات السبب واروِ عن الإمام ظنًّا تصب
فالحق أنهن داخلات في الآية، اه. من ترجمة هذا الكتاب المبارك.
والتحقيق إن شاء اللَّه : أنهن داخلات في الآية، وإن كانت الآية تتناول غيرهن من أهل البيت.
أمّا الدليل على دخولهن في الآية، فهو ما ذكرناه آنفًا من أن سياق الآية صريح في أنها نازلة فيهنّ.
والتحقيق : أن صورة سبب النزول قطعية الدخول ؛ كما هو مقرّر في الأصول.
ونظير ذلك من دخول الزوجات في اسم أهل البيت، قوله تعالى في زوجة إبراهيم :﴿ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ [ هود : ٧٣ ].
وأمّا الدليل على دخول غيرهن في الآية، فهو أحاديث جاءت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه قال في عليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي اللَّه عنهم :«إنهم أهل البيت، ودعا لهم اللَّه أن يذهب عنهم الرجس ويطهّرهم تطهيرًا ». وقد روى ذلك جماعة من الصحابة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم منهم أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة رضي اللَّه عنها، وأبو سعيد، وأنس، وواثلة بن الأسقع، وأُمّ المؤمنين عائشة، وغيرهم رضي اللَّه عنهم.
وبما ذكرنا من دلالة القرآن والسنة، تعلم أن الصواب شمول الآية الكريمة لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولعليّ وفاطمة والحسن والحسين، رضي اللَّه عنهم كلّهم.
تنبيه
فإن قيل : إن الضمير في قوله :﴿ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ ﴾، وفي قوله :﴿ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾، ضمير الذكور، فلو كان المراد نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم لقيل : ليذهب عنكن ويطهركن.
فالجواب من وجهين :
الأول : هو ما ذكرنا من أن الآية الكريمة شاملة لهنّ ولعليّ والحسن والحسين وفاطمة، وقد أجمع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجموع ونحوها، كما هو معلوم في محله.
الوجه الثاني : هو أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن زوجة الرجل يطلق عليها اسم الأهل، وباعتبار لفظ الأهل تخاطب مخاطبة الجمع المذكر، ومنه قول تعالى في موسى :﴿ فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُواْ ﴾ [ طه : ١٠ ]، وقوله :﴿ سَآتِيكُمْ ﴾ [ النمل : ٧ ]، وقوله :﴿ لَّعَلّى آتِيكُمْ ﴾ [ طه : ١٠ ]، والمخاطب امرأته ؛ كما قاله غير واحد، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر :
فإن شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخًا ولا بردا
وبما ذكرنا تعلم أن قول من قال : إن نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم لسن داخلات في الآية، يردّ عليه صريح سياق القرآن، وأن من قال : إن فاطمة وعليًّا والحسن والحسين ليسوا داخلين فيها، تردّ عليه الأحاديث المشار إليها.
وقال بعض أهل العلم : إن أهل البيت في الآية هم من تحرم عليهم الصدقة، والعلم عند اللَّه تعالى. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ الآية، يعني : أنه يذهب الرجس عنهم، ويطهرهم بما يأمر به من طاعة اللَّه، وينهى عنه من معصيته ؛ لأن من أطاع اللَّه أذهب عنه الرجس، وطهّره من الذنوب تطهيرًا.
وقال الزمخشري في «الكشاف » : ثم بيّن أنه إنما نهاهنّ وأمرهن ووعظهن لئلا يقارف أهل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المآثم، وليتصوّنوا عنها بالتقوى، واستعار للذنوب الرجس، وللتقوى الطهر ؛ لأن عرض المقترف للمقبحات يتلوّث بها ويتدنّس كما يلتوّث بدنة بالأرجاس. وأمّا الحسنات فالعرض منها نقي مصون كالثوب الطاهر، وفي هذه الاستعارة ما ينفر أُولي الألباب عما كرهه اللَّه لعباده، ونهاهم عنه، ويرغّبهم فيما يرضاه لهم، وأمرهم به. وأهل البيت نصب على النداء أو على المدح، وفي هذا دليل بيّن على أن نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم من أهل بيته.
تنبيه
اعلم أنه يكثر في القرآن العظيم، وفي اللغة إتيان اللام المكسورة منصوبًا بعدها المضارع بعد فعل الإرادة ؛ كقوله هنا :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ ﴾ [ الأحزاب : ٣٣ ] الآية، وقوله :﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٦ ]. وقوله :﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ ﴾ [ الصف : ٨ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ ﴾ [ المائدة : ٦ ]، إلى غير ذلك من الآيات. وكقول الشاعر :
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل
وللعلماء في اللام المذكورة أقوال، منها : أنها مصدرية بمعنى أن، وهو قول غريب. ومنها : أنها لام كي، ومفعول الإرادة محذوف، والتقدير : إنما يريد اللَّه أن يأمركم وينهاكم، لأجل أن يذهب عنكم الرجس، والرجس كل مستقذر تعافه النفوس، ومن أقذر المستقذرات معصية اللَّه تعالى.
قوله تعالى :﴿ وَتُخْفِى في نِفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ﴾.
قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمّنها بيان الإجمال الواقع بسبب الإبهام في صلة موصول، وذكرنا أن من أمثلة ذلك قوله تعالى :﴿ وَتُخْفِى في نِفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ﴾، لأن جملة :﴿ اللَّهُ مُبْدِيهِ ﴾ صلة الموصول الذي هو ﴿ مَا ﴾. وقد قلنا في الترجمة المذكورة : فإنه هنا أبهم هذا الذي أخفاه صلى الله عليه وسلم في نفسه وأبداه اللَّه، ولكنه أشار إلى أن المراد به زواجه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش رضي اللَّه عنها، حيث أوحى إليه ذلك، وهي في ذلك الوقت تحت زيد بن حارثة ؛ لأن زواجه إياها هو الذي أبداه اللَّه بقوله :﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ]، وهذا هو التحقيق في معنى الآية الذي دلَّ عليه القرآن، وهو اللائق بجنابه صلى الله عليه وسلم.
وبه تعلم أن ما يقوله كثير من المفسّرين من أن ما أخفاه في نفسه صلى الله عليه وسلم وأبداه اللَّه وقوع زينب في قلبه ومحبّته لها، وهي تحت زيد، وأنها سمعته، قال :«سبحان مقلب القلوب » إلى آخر القصّة، كله لا صحة له، والدليل عليه أن اللَّه لم يبدِ من ذلك شيئًا، مع أنه صرّح بأنه مبدي ما أخفاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، انتهى محل الغرض من كلامنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك.
وقال القرطبي رحمه اللَّه في تفسير هذه الآية : واختلف الناس في تأويل هذه الآية، فذهب قتادة، وابن زيد، وجماعة من المفسّرين، منهم : الطبري. وغيره : إلى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب بنت جحش وهي في عصمة زيد، وكان حريصًا على أن يطلقها زيد فيتزوّجها هو، إلى أن قال : وهذا الذي كان يخفي في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف، يعني قوله :﴿ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ]، اه. ولا شكّ أن هذا القول غير صحيح، وأنه غير لائق به صلى الله عليه وسلم.
ونقل القرطبي نحوه عن مقاتل، وابن عباس أيضًا، وذكر القرطبي عن علي بن الحسين أن اللَّه أوحى إلى نبيّه صلى الله عليه وسلم أن زيدًا سيطلق زينب، وأن اللَّه يزوجها رسوله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن علم هذا بالوحي. قال لزيد :«أمسك عليك زوجك ». وأن الذي أخفاه في نفسه، هو أن اللَّه سيزوّجه زينب رضي اللَّه عنها، ثم قال القرطبي، بعد أن ذكر هذا القول : قال علماؤنا رحمة اللَّه عليهم : وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية. وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسّرين، والعلماء الراسخين، كالزهري، والقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم، إلى أن قال : فأمّا ما روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد، وربما أطلق بعض المجان لفظ عشق، فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبيّ صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا أو مستخفّ بحرمته.
قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول، وأسند إلى عليّ بن الحسين قوله : فعلي بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهرًا من الجواهر ودرًّا من الدرر أنه إنما عتب اللَّه عليه في أنه قد أعلمه، أن ستكون هذه من أزواجك، فكيف قال بعد ذلك لزيد :﴿ أمسك عليك زوجك ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ]، وأخذتك خشية الناس أن يقولوا : تزوّج امرأة ابنه، واللَّه أحق أن تخشاه، انتهى محل الغرض منه.
وقال ابن كثير رحمه اللَّه في تفسير هذه الآية : ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير هاهنا آثارًا عن بعض السلف رضي اللَّه عنهم، أحببنا أن نضرب عنها صفحًا لعدم صحتها، فلا نوردها إلى آخر كلامه، وفيه كلام علي بن الحسين الذي ذكرنا آنفًا.
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له : التحقيق إن شاء اللَّه في هذه المسألة، هو ما ذكرنا أن القرآن دلَّ عليه، وهو أن اللَّه أعلم نبيّه صلى الله عليه وسلم بأن زيدًا يطلّق زينب، وأنه يزوّجها إيّاه صلى الله عليه وسلم، وهي في ذلك الوقت تحت زيد، فلما شكاها زيد إليه صلى الله عليه وسلم قال له :«أمسك عليك زوجك واتق اللَّه »[ الأحزاب : ٣٧ ]، فعاتبه اللَّه على قوله :«أمسك عليك زوجك » بعد علمه أنها ستصير زوجته هو صلى الله عليه وسلم، وخشي مقالة الناس أن يقولوا : لو أظهر ما علم من تزويجه إياها أنه يريد تزويج زوجة ابنه في الوقت الذي هي فيه في عصمة زيد.
والدليل على هذا أمران :
الأول : هو ما قدّمنا من أن اللَّه جلَّ وعلا، قال :﴿ وَتُخْفِى في نِفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ﴾، وهذا الذي أبداه اللَّه جلَّ وعلا، هو زواجه إياها في قوله :﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا ﴾، ولم يبدِ جلَّ وعلا شيئًا ممّا زعموه أنه أحبها، ولو كان ذلك هو المراد لأبداه اللَّه تعالى، كما ترى.
الأمر الثاني : أن اللَّه جلَّ وعلا صرّح بأنه هو الذي زوّجه إياها، وأن الحكمة الإلهية في ذلك التزويج هي قطع تحريم أزواج الأدعياء في قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَي لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ]، فقوله تعالى :﴿ لِكَي لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ ﴾، تعليل صريح لتزويجه إياها لما ذكرنا، وكون اللَّه هو الذي زوّجه إياها لهذه الحكمة العظيمة صريح في أن سبب زواجه إياها ليس هو محبّته لها التي كانت سببًا في طلاق زيد لها كما زعموا، ويوضحه قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً ﴾ الآية ؛ لأنه يدلّ على أن زيدًا قضى وطره منها، ولم تبقَ له بها حاجة، فطلّقها باختياره، والعلم عند اللَّه تعالى.
قوله تعالى :﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾.
ما تضمّنته هذه الآية الكريمة من الأمر بالإكثار من الذكر، جاء معناه في آيات أُخر ؛ كقوله تعالى :﴿ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾[ النساء : ١٠٣ ]، وقوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [ آل عمران : ١٩١ ]، وقوله تعالى :﴿ وَالذكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذكِراتِ ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى :﴿ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مّنَ اللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً ﴾.
لم يبيّن هنا المراد بالفضل الكبير في هذه الآية الكريمة، ولكنه بيّنه في سورة «الشورى »، في قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ في رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾[ الشورى : ٢٢ ].
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْألُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾.
قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمّنها، أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، وتكون في نفس الآية قرينة تدلّ على عدم صحة ذلك القول، وذكرنا له أمثلة في الترجمة، وأمثلة كثيرة في الكتاب لم تذكر في الترجمة، ومن أمثلته التي ذكرنا في الترجمة هذه الآية الكريمة، فقد قلنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك، ومن أمثلته قول كثير من الناس إن آية «الحجاب »، أعني قوله تعالى :﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ﴾، خاصة بأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى :﴿ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾، قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهنّ، وقد تقرّر في الأصول : أن العلّة قد تعمّم معلولها، وإليه أشار في «مراقي السعود »، بقوله :
وقد تخصّص وقد تعمّم *** لأصلها لكنها لا تخرم
انتهى محل الغرض من كلامنا في الترجمة المذكورة.
وبما ذكرنا، تعلم أن في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم، وإن كان أصل اللفظ خاصًّا بهن ؛ لأن عموم علّته دليل على عموم الحكم فيه، ومسلك العلّة الذي دلّ على أن قوله تعالى :﴿ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾، هو علَّة قوله تعالى :﴿ فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ﴾، هو المسلك المعروف في الأصول بمسلك الإيماء والتنبيه، وضابط هذا المسلك المنطبق على جزئياته، هو أن يقترن وصف بحكم شرعي على وجه لو لم يكن فيه ذلك الوصف علَّة لذلك الحكم لكان الكلام معيبًا عند العارفين، وعرف صاحب «مراقي السعود »، دلالة الإيماء والتنبيه في مبحث دلالة الاقتضاء والإشارة والإيماء والتنبيه، بقوله :
دلالة الإيماء والتنبيه *** في الفن تقصد لدى ذويه
أن يقرن الوصف بحكم إن يكن *** لغير علّة يعبه من فطن
وعرّف أيضًا الإيماء والتنبيه في مسالك العلَّة، بقوله :
والثالث الإيما اقتران الوصف *** بالحكم ملفوظين دون خلف
وذلك الوصف أو النظير *** قرانه لغيرها يضير
فقوله تعالى :﴿ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾، لو لم يكن علّة لقوله تعالى :﴿ فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ﴾، لكان الكلام معيبًا غير منتظم عند الفطن العارف.
وإذا علمت أن قوله تعالى :﴿ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾، هو علّة قوله :﴿ فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ﴾، وعلمت أن حكم العلّة عام.
فاعلم أن العلّة قد تعمّم معلولها، وقد تخصّصه كما ذكرنا في بيت «مراقي السعود »، وبه تعلم أن حكم آية الحجاب عام لعموم علّته، وإذا كان حكم هذه الآية عامًّا، بدلالة القرينة القرآنيّة.
فاعلم أن الحجاب واجب، بدلالة القرآن على جميع النساء.
واعلم أنَّا في هذا المبحث نريد أن نذكر الأدلَّة القرآنيَّة على وجوب الحجاب على العموم، ثم الأدلّة من السنّة، ثم نناقش أدلَّة الطرفين، ونذكر الجواب عن أدلّة من قالوا بعدم وجوب الحجاب، على غير أزواجه صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا آنفًا أن قوله :﴿ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ] الآية، قرينة على عموم حكم آية الحجاب.
ومن الأدلّة القرآنيّة على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها حتى وجهها، قوله تعالى :﴿ يا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ [ الأحزاب : ٥٩ ]، فقد قال غير واحد من أهل العلم : إن معنى :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ : أنهن يسترن بها جميع وجوههن، ولا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر بها، وممن قال به : ابن مسعود، وابن عباس، وعبيدة السلماني وغيرهم.
فإن قيل : لفظ الآية الكريمة، وهو قوله تعالى :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾، لا يستلزم معناه ستر الوجه لغة، ولم يرد نص من كتاب، ولا سنّة، ولا إجماع على استلزامه ذلك، وقول بعض المفسّرين : إنه يستلزمه معارض بقول بعضهم : إنه لا يستلزمه، وبهذا يسقط الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه.
فالجواب : أن في الآية الكريمة قرينة واضحة على أن قوله تعالى فيها :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾، يدخل في معناه ستر وجوههنّ بإدناء جلابيبهنّ عليها، والقرينة المذكورة هي قوله تعالى :﴿ قُل لأزْواجِكَ ﴾، ووجوب احتجاب أزواجه وسترهن وجوههن، لا نزاع فيه بين المسلمين. فذكر الأزواج مع البنات ونساء المؤمنين يدلّ على وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب، كما ترى.
ومن الأدلّة على ذلك أيضًا : هو ما قدمنا في سورة «النور »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [ النور : ٣١ ]، من أن استقراء القرآن يدلّ على أن معنى :﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ الملاءة فوق الثياب، وأنه لا يصحّ تفسير :﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ بالوجه والكفين، كما تقدّم إيضاحه.
واعلم أن قول من قال : إنه قد قامت قرينة قرآنيّة على أن قوله تعالى :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ [ الأحزاب : ٥٩ ]، لا يدخل فيه ستر الوجه، وأن القرينة المذكورة هي قوله تعالى :﴿ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ ﴾[ الأحزاب : ٥٩ ]، قال : وقد دلّ قوله :﴿ أَن يُعْرَفْنَ ﴾ على أنهنّ سافرات كاشفات عن وجوههن ؛ لأن التي تستر وجهها لا تعرف باطل، وبطلانه واضح، وسياق الآية يمنعه منعًا باتًّا ؛ لأن قوله :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾، صريح في منع ذلك.
وإيضاحه : أن الإشارة في قوله :﴿ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ ﴾ راجعة إلى إدنائهن عليهن من جلابيبهن، وإدناؤهن عليهن من جلابيبهن، لا يمكن بحال أن يكون أدنى أن يعرفن بسفورهن، وكشفهن عن وجوههن كما ترى، فإدناء الجلابيب مناف لكون المعرفة معرفة شخصية بالكشف عن الوجوه كما لا يخفى.
وقوله في الآية الكريمة :﴿ لأزْواجِكَ ﴾ دليل أيضًا على أن المعرفة المذكورة في الآية، ليست بكشف الوجوه ؛ لأن احتجابهن لا خلاف فيه بين المسلمين.
والحاصل : أن القول المذكور تدلّ على بطلانه أدلّة متعدّدة :
الأول : سياق الآية كما أوضحناه آنفًا.
الثاني : قوله :﴿ لأزْواجِكَ ﴾ كما أوضحناه أيضًا.
الثالث : أن عامّة المفسّرين من الصحابة فمن بعدهم فسّروا الآية مع بيانهم سبب نزولها، بأن نساء أهل المدينة كن يخرجن بالليل لقضاء حاجتهن خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفسّاق يتعرّضون للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زي ليس متميّزًا عن زي الإماء، فيتعرّض لهن أولئك الفساق بالأذى ظنًّا منهم أنهن إماء، فأمر اللَّه نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيهن عن زي الإماء، وذلك بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، فإذا فعلن ذلك ورآهن الفساق، علموا أنهن حرائر، ومعرفتهم بأنهن حرائر لا إماء هو معنى قوله :﴿ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ ﴾ [ الأحزاب : ٥٩ ]، فهي معرفة بالصفة لا بالشخص. وهذا التفسير منسجم مع ظاهر القرآن، كما ترى. فقوله :
﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾[ الأحزاب : ٥٩ ]، لأن إدنائهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن، أي : يعلم أنهن حرائر، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرّضون للإماء، وهذا هو الذي فسّر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية، وهو واضح، وليس المراد منه أن تعرض الفساق للإماء جائز هو حرام، ولا شك أن المتعرضين لهن من الذين في قلوبهم مرض، وأنهم يدخلون في عموم قوله :﴿ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ [ الأحزاب : ٦٠ ]، في قوله تعالى :﴿ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ في الْمَدِينَةِ لَنُغرِيَنَّكَ بِهِمُ ﴾، إلى قوله :﴿ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً ﴾ [ الأحزاب : ٦٠-٦١ ].
ومما يدلّ على أن المتعرض لما لا يحل من النساء من الذين في قلوبهم مرض، قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [ الأحزاب : ٣٢ ] الآية، وذلك معنى معروف في كلام العرب، ومنه قول الأعشى :
حافظ للفرج راض بالتقى ليس ممن قلبه فيه مرض
وفي الجملة : فلا إشكال في أمر الحرائر بمخالفة زي الإماء ليهابهنّ الفساق، ودفع ضرر الفساق عن الإماء لازم، وله أسباب أُخر ليس منها إدناء الجلابيب.
تنبيه
قد قدّمنا في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ إِنَّ هَذَا القرآن يِهْدِى لِلَّتِي هي أَقْوَمُ ﴾ [ الإسراء : ٩ ]، أن الفعل الصناعي عند النحويين ينحل عن مصدر وزمن ؛ كما قال ابن مالك في «الخلاصة » :
المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن
وأنه عند جماعات من البلاغيين ينحل عن مصدر، وزمن ونسبة.
وإذا علمت ذلك، فاعلم أن المصدر والزمن كامنان في مفهوم الفعل إجماعًا، وقد ترجع الإشارات والضمائر تارة إلى المصدر الكامن في مفهوم الفعل، وتارة إلى الزمن الكامن فيه.
فمثال رجوع الإشارة إلى المصدر الكامن فيه، قوله تعالى هنا :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ ﴾، ثم قال :﴿ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ ﴾ [ الأحزاب : ٥٩ ]، أي : ذلك الإدناء المفهوم من قوله :﴿ يُدْنِينَ ﴾.
ومثال رجوع الإشارة للزمن الكامن فيه قوله تعالى :﴿ وَنُفِخَ في الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمَ الْوَعِيدِ ﴾ [ ق : ٢٠ ]، فقوله :﴿ ذالِكَ ﴾ يعني زمن النفخ المفهوم من قوله :﴿ وَنُفِخَ ﴾، أي : ذلك الزمن يوم الوعيد.
ومن الأدلّة على أن حكم آية الحجاب عام هو ما تقرّر في الأصول، من أن خطاب الواحد يعمّ حكمه جميع الأُمّة، ولا يختص الحكم بذلك الواحد المخاطب، وقد أوضحنا هذه المسألة في سورة «الحجّ »، في مبحث النهي عن لبس المعصفر، وقد قلنا في ذلك ؛ لأن خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم لواحد من أُمّته يعمّ حكمه جميع الأُمة، لاستوائهم في أحكام التكليف، إلا بدليل خاص يجب الرجوع إليه، وخلاف أهل الأصول في خطاب الواحد، هل هو من صيغ العموم الدالَّة على عموم الحكم ؟ خلاف في حال لا خلاف حقيقي، فخطاب الواحد عند الحنابلة صيغة عموم، وعند غيرهم من المالكية والشافعية وغيرهم، أن خطاب الواحد لا يعمّ ؛ لأن اللفظ للواحد لا يشمل بالوضع غيره، وإذا كان لا يشمله وضعًا، فلا يكون صيغة عموم. ولكن أهل هذا القول موافقون على أن حكم خطاب الواحد عام لغيره، ولكن بدليل آخر غير خطاب الواحد وذلك الدليل بالنص والقياس.
أمّا القياس فظاهر، لأن قياس غير ذلك المخاطب عليه بجامع استواء المخاطبين في أحكام التكليف من القياس الجلي. والنص كقوله صلى الله عليه وسلم في مبايعة النساء :«إني لا أصافح النساء، وما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة ».
قالوا : ومن أدلّة ذلك حديث :«حكمي على الواحد حكمي على الجماعة ». قال ابن قاسم العبادي في الآيات البيّنات : اعلم أن حديث «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة »، لا يعرف له أصل بهذا اللفظ، ولكن روى الترمذي، وقال : حسن صحيح. والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، قوله صلى الله عليه وسلم في مبايعة النساء :«إني لا أصافح النساء »، وساق الحديث كما ذكرناه، وقال صاحب كشف الخفاء ومزيل الإلباس، عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس :«حكمي على الواحد حكمي على الجماعة »، وفي لفظ :«كحكمي على الجماعة »، ليس له أصل بهذا اللفظ ؛ كما قاله العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي. وقال في «الدرر » كالزركشي : لا يعرف. وسئل عنه المزي والذهبي فأنكراه، نعم يشهد له ما رواه الترمذي والنسائي من حديث أُميمة بنت رقيقة، فلفظ النسائي :«ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة »، ولفظ الترمذي :«إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة »، وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني الشيخين بإخراجها لثبوتها على شرطهما، وقال ابن قاسم العبادي في «شرح الورقات الكبير » :«حكمي على الواحد » لا يعرف له أصل إلى آخره، قريبًا مما ذكرناه عنه، انتهى.
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له : الحديث المذكور ثابت من حديث أُميمة بنت رقيقة بقافين مصغّرًا، وهي صحابية من المبايعات، ورقيقة أُمّها، وهي أخت خديجة بنت خويلد، وقيل : عمتها، واسم أبيها بجاد بموحدة ثم جيم، ابن عبد اللَّه بن عمير التيمي، تيم بن مرّة. وأشار إلى ذلك في «مراقي السعود »، بقوله :
خطاب واحد لغير الحنبل من غير رعى النص والقيس الجلي
انتهى محل الغرض منه.
وبهذه القاعدة الأصولية التي ذكرنا، تعلم أن حكم آية الحجاب عام، وإن كان لفظها خاصًّا بأزواجه صلى الله عليه وسلم ؛ لأن قوله لامرأة واحدة من أزواجه، أو من غيرهن كقوله لمائة امرأة، كما رأيت إيضاحه قريبًا.
ومن الأدلّة القرآنيّة الدالَّة على الحجاب، قوله تعالى :﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النّسَاء اللاَّئِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرّجَاتِ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ ﴾ [ النور : ٦٠ ] ؛ لأن اللَّه جلَّ وعلا بيَّن في هذه الآية الكريمة أن القواعد أي العجائز اللاتي لا يرجون نكاحًا، أي : لا يطعمن في النكاح لكبر السن وعدم حاجة الرجال إليهن يرخص لهن برفع الجناح عنهن في وضع ثيابهنّ، بشرط كونهن غير متبّرجات بزينة، ثمّ إنه جلَّ وعلا مع هذا كله قال :﴿ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ﴾[ النور : ٦٠ ]، أي : يستعففن عن وضع الثياب خير لهن، أي : واستعفافهن عن وضع ثيابهن مع كبر سنهنّ وانقطاع طمعهن في التزويج، وكونهن غير متبرّجات بزينة خير لهن.
وأظهر الأقوال في قوله :﴿ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ﴾، أنه وضع ما يكون فوق الخمار، والقميص من الجلابيب، التي تكون فوق الخمار والثياب.
فقوله جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة :﴿ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ﴾ [ النور : ٦٠ ]، دليل واضح على أن المرأة التي فيها جمال ولها طمع في النكاح، لا يرخّص لها في وضع شيء من ثيابها ولا الإخلال بشيء من التستّر بحضرة الأجانب.
وإذا علمت بما ذكرنا أن حكم آية الحجاب عام، وأن ما ذكرنا معها من الآيات فيه ال
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:ومن الأدلّة القرآنيّة على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها حتى وجهها، قوله تعالى :﴿ يا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ [ الأحزاب : ٥٩ ]، فقد قال غير واحد من أهل العلم : إن معنى :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ : أنهن يسترن بها جميع وجوههن، ولا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر بها، وممن قال به : ابن مسعود، وابن عباس، وعبيدة السلماني وغيرهم.
فإن قيل : لفظ الآية الكريمة، وهو قوله تعالى :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾، لا يستلزم معناه ستر الوجه لغة، ولم يرد نص من كتاب، ولا سنّة، ولا إجماع على استلزامه ذلك، وقول بعض المفسّرين : إنه يستلزمه معارض بقول بعضهم : إنه لا يستلزمه، وبهذا يسقط الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه.
فالجواب : أن في الآية الكريمة قرينة واضحة على أن قوله تعالى فيها :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾، يدخل في معناه ستر وجوههنّ بإدناء جلابيبهنّ عليها، والقرينة المذكورة هي قوله تعالى :﴿ قُل لأزْواجِكَ ﴾، ووجوب احتجاب أزواجه وسترهن وجوههن، لا نزاع فيه بين المسلمين. فذكر الأزواج مع البنات ونساء المؤمنين يدلّ على وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب، كما ترى.
ومن الأدلّة على ذلك أيضًا : هو ما قدمنا في سورة «النور »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [ النور : ٣١ ]، من أن استقراء القرآن يدلّ على أن معنى :﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ الملاءة فوق الثياب، وأنه لا يصحّ تفسير :﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ بالوجه والكفين، كما تقدّم إيضاحه.
واعلم أن قول من قال : إنه قد قامت قرينة قرآنيّة على أن قوله تعالى :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ [ الأحزاب : ٥٩ ]، لا يدخل فيه ستر الوجه، وأن القرينة المذكورة هي قوله تعالى :﴿ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ ﴾[ الأحزاب : ٥٩ ]، قال : وقد دلّ قوله :﴿ أَن يُعْرَفْنَ ﴾ على أنهنّ سافرات كاشفات عن وجوههن ؛ لأن التي تستر وجهها لا تعرف باطل، وبطلانه واضح، وسياق الآية يمنعه منعًا باتًّا ؛ لأن قوله :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾، صريح في منع ذلك.
وإيضاحه : أن الإشارة في قوله :﴿ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ ﴾ راجعة إلى إدنائهن عليهن من جلابيبهن، وإدناؤهن عليهن من جلابيبهن، لا يمكن بحال أن يكون أدنى أن يعرفن بسفورهن، وكشفهن عن وجوههن كما ترى، فإدناء الجلابيب مناف لكون المعرفة معرفة شخصية بالكشف عن الوجوه كما لا يخفى.
وقوله في الآية الكريمة :﴿ لأزْواجِكَ ﴾ دليل أيضًا على أن المعرفة المذكورة في الآية، ليست بكشف الوجوه ؛ لأن احتجابهن لا خلاف فيه بين المسلمين.
والحاصل : أن القول المذكور تدلّ على بطلانه أدلّة متعدّدة :
الأول : سياق الآية كما أوضحناه آنفًا.
الثاني : قوله :﴿ لأزْواجِكَ ﴾ كما أوضحناه أيضًا.
الثالث : أن عامّة المفسّرين من الصحابة فمن بعدهم فسّروا الآية مع بيانهم سبب نزولها، بأن نساء أهل المدينة كن يخرجن بالليل لقضاء حاجتهن خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفسّاق يتعرّضون للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زي ليس متميّزًا عن زي الإماء، فيتعرّض لهن أولئك الفساق بالأذى ظنًّا منهم أنهن إماء، فأمر اللَّه نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيهن عن زي الإماء، وذلك بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، فإذا فعلن ذلك ورآهن الفساق، علموا أنهن حرائر، ومعرفتهم بأنهن حرائر لا إماء هو معنى قوله :﴿ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ ﴾ [ الأحزاب : ٥٩ ]، فهي معرفة بالصفة لا بالشخص. وهذا التفسير منسجم مع ظاهر القرآن، كما ترى. فقوله :
﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾[ الأحزاب : ٥٩ ]، لأن إدنائهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن، أي : يعلم أنهن حرائر، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرّضون للإماء، وهذا هو الذي فسّر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية، وهو واضح، وليس المراد منه أن تعرض الفساق للإماء جائز هو حرام، ولا شك أن المتعرضين لهن من الذين في قلوبهم مرض، وأنهم يدخلون في عموم قوله :﴿ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ [ الأحزاب : ٦٠ ]، في قوله تعالى :﴿ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ في الْمَدِينَةِ لَنُغرِيَنَّكَ بِهِمُ ﴾، إلى قوله :﴿ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً ﴾ [ الأحزاب : ٦٠-٦١ ].
ومما يدلّ على أن المتعرض لما لا يحل من النساء من الذين في قلوبهم مرض، قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [ الأحزاب : ٣٢ ] الآية، وذلك معنى معروف في كلام العرب، ومنه قول الأعشى :
حافظ للفرج راض بالتقى ليس ممن قلبه فيه مرض
وفي الجملة : فلا إشكال في أمر الحرائر بمخالفة زي الإماء ليهابهنّ الفساق، ودفع ضرر الفساق عن الإماء لازم، وله أسباب أُخر ليس منها إدناء الجلابيب.
تنبيه
قد قدّمنا في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ إِنَّ هَذَا القرآن يِهْدِى لِلَّتِي هي أَقْوَمُ ﴾ [ الإسراء : ٩ ]، أن الفعل الصناعي عند النحويين ينحل عن مصدر وزمن ؛ كما قال ابن مالك في «الخلاصة » :
المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن
وأنه عند جماعات من البلاغيين ينحل عن مصدر، وزمن ونسبة.
وإذا علمت ذلك، فاعلم أن المصدر والزمن كامنان في مفهوم الفعل إجماعًا، وقد ترجع الإشارات والضمائر تارة إلى المصدر الكامن في مفهوم الفعل، وتارة إلى الزمن الكامن فيه.
فمثال رجوع الإشارة إلى المصدر الكامن فيه، قوله تعالى هنا :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ ﴾، ثم قال :﴿ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ ﴾ [ الأحزاب : ٥٩ ]، أي : ذلك الإدناء المفهوم من قوله :﴿ يُدْنِينَ ﴾.
ومثال رجوع الإشارة للزمن الكامن فيه قوله تعالى :﴿ وَنُفِخَ في الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمَ الْوَعِيدِ ﴾ [ ق : ٢٠ ]، فقوله :﴿ ذالِكَ ﴾ يعني زمن النفخ المفهوم من قوله :﴿ وَنُفِخَ ﴾، أي : ذلك الزمن يوم الوعيد.
ومن الأدلّة على أن حكم آية الحجاب عام هو ما تقرّر في الأصول، من أن خطاب الواحد يعمّ حكمه جميع الأُمّة، ولا يختص الحكم بذلك الواحد المخاطب، وقد أوضحنا هذه المسألة في سورة «الحجّ »، في مبحث النهي عن لبس المعصفر، وقد قلنا في ذلك ؛ لأن خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم لواحد من أُمّته يعمّ حكمه جميع الأُمة، لاستوائهم في أحكام التكليف، إلا بدليل خاص يجب الرجوع إليه، وخلاف أهل الأصول في خطاب الواحد، هل هو من صيغ العموم الدالَّة على عموم الحكم ؟ خلاف في حال لا خلاف حقيقي، فخطاب الواحد عند الحنابلة صيغة عموم، وعند غيرهم من المالكية والشافعية وغيرهم، أن خطاب الواحد لا يعمّ ؛ لأن اللفظ للواحد لا يشمل بالوضع غيره، وإذا كان لا يشمله وضعًا، فلا يكون صيغة عموم. ولكن أهل هذا القول موافقون على أن حكم خطاب الواحد عام لغيره، ولكن بدليل آخر غير خطاب الواحد وذلك الدليل بالنص والقياس.
أمّا القياس فظاهر، لأن قياس غير ذلك المخاطب عليه بجامع استواء المخاطبين في أحكام التكليف من القياس الجلي. والنص كقوله صلى الله عليه وسلم في مبايعة النساء :«إني لا أصافح النساء، وما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة ».
قالوا : ومن أدلّة ذلك حديث :«حكمي على الواحد حكمي على الجماعة ». قال ابن قاسم العبادي في الآيات البيّنات : اعلم أن حديث «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة »، لا يعرف له أصل بهذا اللفظ، ولكن روى الترمذي، وقال : حسن صحيح. والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، قوله صلى الله عليه وسلم في مبايعة النساء :«إني لا أصافح النساء »، وساق الحديث كما ذكرناه، وقال صاحب كشف الخفاء ومزيل الإلباس، عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس :«حكمي على الواحد حكمي على الجماعة »، وفي لفظ :«كحكمي على الجماعة »، ليس له أصل بهذا اللفظ ؛ كما قاله العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي. وقال في «الدرر » كالزركشي : لا يعرف. وسئل عنه المزي والذهبي فأنكراه، نعم يشهد له ما رواه الترمذي والنسائي من حديث أُميمة بنت رقيقة، فلفظ النسائي :«ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة »، ولفظ الترمذي :«إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة »، وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني الشيخين بإخراجها لثبوتها على شرطهما، وقال ابن قاسم العبادي في «شرح الورقات الكبير » :«حكمي على الواحد » لا يعرف له أصل إلى آخره، قريبًا مما ذكرناه عنه، انتهى.
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له : الحديث المذكور ثابت من حديث أُميمة بنت رقيقة بقافين مصغّرًا، وهي صحابية من المبايعات، ورقيقة أُمّها، وهي أخت خديجة بنت خويلد، وقيل : عمتها، واسم أبيها بجاد بموحدة ثم جيم، ابن عبد اللَّه بن عمير التيمي، تيم بن مرّة. وأشار إلى ذلك في «مراقي السعود »، بقوله :
خطاب واحد لغير الحنبل من غير رعى النص والقيس الجلي
انتهى محل الغرض منه.
وبهذه القاعدة الأصولية التي ذكرنا، تعلم أن حكم آية الحجاب عام، وإن كان لفظها خاصًّا بأزواجه صلى الله عليه وسلم ؛ لأن قوله لامرأة واحدة من أزواجه، أو من غيرهن كقوله لمائة امرأة، كما رأيت إيضاحه قريبًا.
ومن الأدلّة القرآنيّة الدالَّة على الحجاب، قوله تعالى :﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النّسَاء اللاَّئِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرّجَاتِ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ ﴾ [ النور : ٦٠ ] ؛ لأن اللَّه جلَّ وعلا بيَّن في هذه الآية الكريمة أن القواعد أي العجائز اللاتي لا يرجون نكاحًا، أي : لا يطعمن في النكاح لكبر السن وعدم حاجة الرجال إليهن يرخص لهن برفع الجناح عنهن في وضع ثيابهنّ، بشرط كونهن غير متبّرجات بزينة، ثمّ إنه جلَّ وعلا مع هذا كله قال :﴿ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ﴾[ النور : ٦٠ ]، أي : يستعففن عن وضع الثياب خير لهن، أي : واستعفافهن عن وضع ثيابهن مع كبر سنهنّ وانقطاع طمعهن في التزويج، وكونهن غير متبرّجات بزينة خير لهن.
وأظهر الأقوال في قوله :﴿ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ﴾، أنه وضع ما يكون فوق الخمار، والقميص من الجلابيب، التي تكون فوق الخمار والثياب.
فقوله جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة :﴿ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ﴾ [ النور : ٦٠ ]، دليل واضح على أن المرأة التي فيها جمال ولها طمع في النكاح، لا يرخّص لها في وضع شيء من ثيابها ولا الإخلال بشيء من التستّر بحضرة الأجانب.
وإذا علمت بما ذكرنا أن حكم آية الحجاب عام، وأن ما ذكرنا معها من الآيات فيه ال

قوله تعالى :﴿ يَسْألُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ ﴾.
أمر اللَّه تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول للناس الذين يسألونه عن الساعة :﴿ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ ﴾، ومعلوم أن ﴿ إِنَّمَا ﴾ صيغة حصر.
فمعنى الآية : أن الساعة لا يعلمها إلا اللَّه وحده.
وهذا المعنى الذي دلّت عليه هذه الآية الكريمة، جاء واضحًا في آيات أُخر من كتاب اللَّه ؛ كقوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ ﴾ [ لقمان : ٣٤ ] الآية.
وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أن الخمس المذكورة في قوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ الآية، هي المراد بقوله تعالى :﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ]، وكقوله تعالى :﴿ يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ في السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا قُلْ إنّما علمها عند الله ولكنّ أكثر الناس لا يعلمونَ ﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ]، وقوله تعالى :﴿ يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبّكَ مُنتَهَاهَا ﴾ [ النازعات : ٤٢-٤٤ ]، وقوله تعالى :﴿ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ [ فصلت : ٤٧ ] الآية، وفي الحديث :«ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ».
قوله تعالى :﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ﴾ [ ٦٣ ].
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن الساعة التي هي القيامة لعلّها تكون قريبًا، وذكر نحوه في قوله في «الشورى » :﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴾ [ الشورى : ١٧ ]، وقد أوضح جلَّ وعلا اقترابها في آيات أُخر ؛ كقوله :﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ﴾ [ القمر : ١ ] الآية، وقوله :﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ في غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١ ]، وقوله تعالى :﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ [ النحل : ١ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ﴾ إلى قوله :﴿ لَعْناً كَبِيراً ﴾.
تقدّمت الآيات الموضحة له مرارًا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٤:قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ﴾ إلى قوله :﴿ لَعْناً كَبِيراً ﴾.
تقدّمت الآيات الموضحة له مرارًا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٤:قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ﴾ إلى قوله :﴿ لَعْناً كَبِيراً ﴾.
تقدّمت الآيات الموضحة له مرارًا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٤:قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ﴾ إلى قوله :﴿ لَعْناً كَبِيراً ﴾.
تقدّمت الآيات الموضحة له مرارًا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٤:قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ﴾ إلى قوله :﴿ لَعْناً كَبِيراً ﴾.
تقدّمت الآيات الموضحة له مرارًا.

قوله تعالى :﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنه عرض الأمانة، وهي التكاليف مع ما يتبعها من ثواب وعقاب على السماوات والأرض والجبال، وأنهن أبين أن يحملنها وأشفقن منها، أي : خفن من عواقب حملها أن ينشأ لهنّ من ذلك عذاب اللَّه وسخطه، وهذا العرض والإباء، والإشفاق كلّه حق، وقد خلق اللَّه للسماوات والأرض والجبال إدراكًا يعلمه هو جلَّ وعلا، ونحن لا نعلمه، وبذلك الإدراك أدركت عرض الأمانة عليها، وأبت وأشفقت، أي : خافت.
ومثل هذا تدلّ عليه آيات وأحاديث كثيرة، فمن الآيات الدالَّة على إدراك الجمادات المذكور : قوله تعالى في سورة «البقرة »، في الحجارة :﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [ البقرة : ٧٤ ]، فصرّح بأن من الحجارة ما يهبط من خشية اللَّه، وهذه الخشية التي نسبها اللَّه لبعض الحجارة بإدراك يعلمه هو تعالى.
ومن الآيات الدالَّة على ذلك قوله تعالى :﴿ تُسَبّحُ لَهُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ] الآية، ومنها قوله تعالى :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودُ الْجِبَالَ يُسَبّحْنَ ﴾ [ الأنبياء : ٧٩ ] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
ومن الأحاديث الصحيحة الدالَّة على ذلك قصة حنين الجذع، الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم لما انتقل بالخطبة إلى المنبر، وهي في صحيح البخاري وغيره.
ومنها ما ثبت في صحيح مسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه قال :«إني لأعرف حجرًا كان يسلّم عليّ في مكّة »، وأمثال هذا كثيرة. فكل ذلك المذكور في الكتاب والسنّة إنما يكون بإدراك يعلمه اللَّه، ونحن لا نعلمه ؛ كما قال تعالى :﴿ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ]، ولو كان المراد بتسبيح الجمادات دلالتها على خالقها لكنا نفقهه، كما هو معلوم، وقد دلّت عليه آيات كثيرة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾، الظاهر أن المراد بالإنسان آدم عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام، وأن الضمير في قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾[ الأحزاب : ٧٢ ]، راجع للفظ :﴿ الإِنسَانَ ﴾، مجرّدًا عن إرادة المذكور منه، الذي هو آدم.
والمعنى : أنه أي الإنسان الذي لا يحفظ الأمانة ﴿ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾، أي : كثير الظلم والجهل، والدليل على هذا أمران :
أحدهما : قرينة قرآنيّة دالَّة على انقسام الإنسان في حمل الأمانة المذكورة إلى معذّب ومرحوم في قوله تعالى بعده، متّصلاً به :﴿ لّيُعَذّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٧٣ ]، فدلّ هذا على أن الظلوم الجهول من الإنسان هو المعذب، والعياذ باللَّه، وهم المنافقون والمنافقات، والمشركون والمشركات، دون المؤمنين والمؤمنات. واللام في قوله :﴿ لّيُعَذّبَ ﴾ : لام التعليل، وهي متعلّقة بقوله :﴿ وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ ﴾.
الأمر الثاني : أن الأسلوب المذكور الذي هو رجوع الضمير إلى مجرّد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلي معروف في اللغة التي نزل بها القرآن، وقد جاء فعلاً في آية من كتاب اللَّه، وهي قوله تعالى ﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كِتَابٍ ﴾ [ فاطر : ١١ ] ؛ لأن الضمير في قوله :﴿ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ﴾، راجع إلى لفظ المعمر دون معناه التفصيلي ؛ كما هو ظاهر، وقد أوضحناه في سورة «الفرقان »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً ﴾ [ الفرقان : ٦١ ]، وبيّنا هناك أن هذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربية بمسألة : عندي درهم ونصفه، أي : نصف درهم آخر، كما ترى. وبعض من قال من أهل العلم إن الضمير في قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾، عائد إلى آدم، قال : المعنى أنه كان ظلومًا لنفسه جهولاً، أي : غرًّا بعواقب الأموار، وما يتبع الأمانة من الصعوبات، والأظهر ما ذكرنا، والعلم عند اللَّه تعالى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٢:قوله تعالى :﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنه عرض الأمانة، وهي التكاليف مع ما يتبعها من ثواب وعقاب على السماوات والأرض والجبال، وأنهن أبين أن يحملنها وأشفقن منها، أي : خفن من عواقب حملها أن ينشأ لهنّ من ذلك عذاب اللَّه وسخطه، وهذا العرض والإباء، والإشفاق كلّه حق، وقد خلق اللَّه للسماوات والأرض والجبال إدراكًا يعلمه هو جلَّ وعلا، ونحن لا نعلمه، وبذلك الإدراك أدركت عرض الأمانة عليها، وأبت وأشفقت، أي : خافت.
ومثل هذا تدلّ عليه آيات وأحاديث كثيرة، فمن الآيات الدالَّة على إدراك الجمادات المذكور : قوله تعالى في سورة «البقرة »، في الحجارة :﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [ البقرة : ٧٤ ]، فصرّح بأن من الحجارة ما يهبط من خشية اللَّه، وهذه الخشية التي نسبها اللَّه لبعض الحجارة بإدراك يعلمه هو تعالى.
ومن الآيات الدالَّة على ذلك قوله تعالى :﴿ تُسَبّحُ لَهُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ] الآية، ومنها قوله تعالى :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودُ الْجِبَالَ يُسَبّحْنَ ﴾ [ الأنبياء : ٧٩ ] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
ومن الأحاديث الصحيحة الدالَّة على ذلك قصة حنين الجذع، الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم لما انتقل بالخطبة إلى المنبر، وهي في صحيح البخاري وغيره.
ومنها ما ثبت في صحيح مسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه قال :«إني لأعرف حجرًا كان يسلّم عليّ في مكّة »، وأمثال هذا كثيرة. فكل ذلك المذكور في الكتاب والسنّة إنما يكون بإدراك يعلمه اللَّه، ونحن لا نعلمه ؛ كما قال تعالى :﴿ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ]، ولو كان المراد بتسبيح الجمادات دلالتها على خالقها لكنا نفقهه، كما هو معلوم، وقد دلّت عليه آيات كثيرة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾، الظاهر أن المراد بالإنسان آدم عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام، وأن الضمير في قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾[ الأحزاب : ٧٢ ]، راجع للفظ :﴿ الإِنسَانَ ﴾، مجرّدًا عن إرادة المذكور منه، الذي هو آدم.
والمعنى : أنه أي الإنسان الذي لا يحفظ الأمانة ﴿ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾، أي : كثير الظلم والجهل، والدليل على هذا أمران :
أحدهما : قرينة قرآنيّة دالَّة على انقسام الإنسان في حمل الأمانة المذكورة إلى معذّب ومرحوم في قوله تعالى بعده، متّصلاً به :﴿ لّيُعَذّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٧٣ ]، فدلّ هذا على أن الظلوم الجهول من الإنسان هو المعذب، والعياذ باللَّه، وهم المنافقون والمنافقات، والمشركون والمشركات، دون المؤمنين والمؤمنات. واللام في قوله :﴿ لّيُعَذّبَ ﴾ : لام التعليل، وهي متعلّقة بقوله :﴿ وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ ﴾.
الأمر الثاني : أن الأسلوب المذكور الذي هو رجوع الضمير إلى مجرّد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلي معروف في اللغة التي نزل بها القرآن، وقد جاء فعلاً في آية من كتاب اللَّه، وهي قوله تعالى ﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كِتَابٍ ﴾ [ فاطر : ١١ ] ؛ لأن الضمير في قوله :﴿ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ﴾، راجع إلى لفظ المعمر دون معناه التفصيلي ؛ كما هو ظاهر، وقد أوضحناه في سورة «الفرقان »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً ﴾ [ الفرقان : ٦١ ]، وبيّنا هناك أن هذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربية بمسألة : عندي درهم ونصفه، أي : نصف درهم آخر، كما ترى. وبعض من قال من أهل العلم إن الضمير في قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾، عائد إلى آدم، قال : المعنى أنه كان ظلومًا لنفسه جهولاً، أي : غرًّا بعواقب الأموار، وما يتبع الأمانة من الصعوبات، والأظهر ما ذكرنا، والعلم عند اللَّه تعالى.


تم بحمد الله تفسير سورة الأحزاب
Icon