وآياتها ثلاث وسبعون
كلماتها ١٢٨٠- حروفها ٥٧٩٦
ﰡ
﴿ يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما ١ واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا ٢ وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ٣ ﴾
ينادي الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم – ليستديم التقوى ويثبت عليها، وينهاه عن مطاوعة الكافرين – المستعلنين بتكذيبهم وكفرهم – والمنافقين الذي يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، إن ربك المعبود بحق كان ولا يزال محيط العلم بكل معلوم، حكيم التدبير في كل شأن، ويأمره ربه بالتزام منهاج الوحي الذي أنزل إليه من لدن البر الرحيم، فإن المعبود بحق يعلم أعمالكم، وأعمال الكافرين والمنافقين مهما كبر مكرهم، وطم كيدهم ).. وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال( ١، واتخذ الله الكبير المتعال وكيلا في كافة شئونك، فبحسبك هو، يكفيك ويحفظك، ويتولى كل أمر لمن توكل عليه[ والإظهار في مقام الإضمار- ذكر الاسم الجليل ولم يذكر الضمير- للتعظيم، ولتستقل الجملة استقلال المثل ]٢.
أخرج ابن جرير عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : إن أهل مكة منهم الوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة دعوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم- وفي رواية : ويزوجه شيبة بنته- وخوفه المنافقون واليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه، فنزلت.
وذكر الثعلبي والواحدي –بغير إسناد- أن أبا سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا عليه- عليه الصلاة والسلام- في زمان الموادعة التي كانت بينه صلى الله تعالى عليه وسلم وبينهم وقام معهم عبد الله بن أبي، ومعتب ابن قشير، والجد بن قيس، فقالوا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ارفض ذكر آلهتنا وقل : إنها تشفع وتنفع وندعك وربك، فشق ذلك على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين وهموا بقتلهم فنزلت.
[ وقيل : متعلق كل من التقوى والإطاعة مغاير للآخر على ما روى الواحدي والثعلبي، والمعنى : اتق الله تعالى في نقض العهد، لما أن المؤمنين قد هموا بما يقتضيه، بخلاف الإطاعة المنهي عنها- إطاعة الكافرين والمنافقين- فإنها مما لم يهم بما يقتضيها أحد أصلا، فكان الاهتمام بالأمر أتم من الاهتمام بذلك النهي. ]٣.
يقول ابن كثير- في معنى قوله المولى تبارك اسمه- ﴿ يا أيها النبي اتق الله.. ﴾ : هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى، فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا، فلأن يأتمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى. اه
مما أورد القرطبي : قوله تعالى :﴿ يا أيها النبي اتق الله ﴾ ضمت[ أي ] لأنه نداء مفرد، والتنبيه لازم لها، و﴿ النبي ﴾ نعت لأي عند النحويين... ﴿ ولا تطع الكافرين ﴾ من أهل مكة، يعني أبا سفيان وأبا الأعور، وعكرمة، ﴿ والمنافقين ﴾ من أهل المدينة، يعني عبد الله بن أبي وطعمة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فيما نهيت عنه... ﴿ وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ﴾ أي كافيا لك ما تخافه منهم، و﴿ بالله ﴾ في موضع رفع لأنه الفاعل، ﴿ وكيلا ﴾ نصب على البيان أو الحال.
يقول النحاس : ودل بقوله :﴿ إن الله كان عليما حكيما ﴾ على أنه كان يميل إليهم استدعاء لهم إلى الاسلام، أي لو علم الله عز وجل أن ميلك إليهم فيه منفعة لما نهاك عنه، لأنه حكيم، ثم قيل : الخطاب له ولأمته. اه
٢ ما بين العارضتين مقتبس من الألوسي، يتصرف..
٣ مما أورد الألوسي، بتصرف..
﴿ أدعياءكم ﴾ جمع دعي، وهي الذي يدعي ابنا[ يتبنى ].
﴿ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواههم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل٤ ﴾
أبطلت الآية الكريمة مزاعم ثلاثة كان الناس يتعارفون عليها : فليس صحيحا ما يدعي من أن لرجل أكثر من قلب، ومنكر وزور أن يقول رجل لزوجته : أنت علي كظهر أمي، فما بهذا صارت الزوجة أما، وإنما الأم من ولدته، فألزمكم عقوبة لكم كفارة، كما لا يرضى ربكم أن تجعلوا من تبنيتم ابنا ينسب إليكم، إنما هو قول بالأفواه، [ وعرف خاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية ]١ ولا يثبت بهذه الدعوى نسب الذي ادعيت بنوته، ولا تصير الزوجة أما بقول الرجل لها : أنت علي كظهر أمي، وما يقوله ربنا هو الصدق والعدل، وهو سبحانه يرشد ويدل على طريق الخير، ويحبب إلى السعداء الإيمان والقسط والبر. [ ومعنى التنكير في ﴿ رجل ﴾ وزيادة﴿ من ﴾ الاستغراقية : التأكيد، كأنه قيل : ما جعل الله لنوع الرجال ولا لواحد منهم قلبين البتة ]٢.
والمراد : ما خلق سبحانه لأحد أو لذي قلب من الحيوان مطلقا قلبين، فخصوص الرجل ليس بمقصود، وتخصيصه بالذكر لكمال لزوم الحياة فيه، فإذا لم يكن ذلك له فكيف بغيره من الإناث ؟
قال مجاهد : نزلت في رجل من قريش كان يدعى ذا القلبين من دهائه، وكان يقول : إن لي في جوفي قلبين، أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد ! وقيل : لا يجتمع الكفر والإيمان بالله تعالى في قلب، كما لا يجتمع قلبان في جوف.
٢ مما أورد النيسابوري..
قال النحاس : هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني، وهو من نسخ السنة بالقرآن، فأمر أن يدعوا إلى أبيه المعروف، فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه، فإن لم يكن له ولاء معروف قال له يا أخي، يعني في الدين، قال الله تعالى :)إنما المؤمنون إخوة.. ( ١.
وروى الأئمة أن ابن عمر قال : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت :﴿ ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله.. ﴾.
ويرفع الله تعالى الحرج والمؤاخذة عمن دعاه إلى غير أبيه خطأ، وإنما الإثم على من تعمد مخالفة ما شرع الله.
ومن المتفق عليه أن العبرة بعموم لفظ الوحي لا بخصوص السبب، فلعل الأولى أن يستشهد بهذا القول الرباني الكريم لكل أمر يفعل عن غير قصد وبطريق الخطأ، أما العمد فلا، وربنا كان وما يزال يستر ويصفح عمن يشاء، ويختص برحمته من يشاء.
أورد القرطبي : روي في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة كلاهما قال : سمعته أذناي ووعاه قلبي محمدا- نصب على البدل من الضمير المنصوب في قوله : سمعته أذناي- صلى الله عليه وسلم يقول :" من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ".
رسول الله خاتم النبيين أولى بالمؤمنين وأحق وأرفق بهم من أنفسهم، لأن أنفسهم قد تدعوهم إلى الهلاك والسوء، وهو -صلى الله عليه وسلم – يدعوهم إلى النجاة والفوز والرشد، وقيل : هو إذا أمر بشيء ودعت النفس إلى غيره كان أمر النبي أولى.
في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه١ وأنا آخذ بحجزكم٢ وأنتم تقحمون فيه : وفي رواية جابر :" وأنتم تفلتون من يدي : ، ويروي :" أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش ".
[ قوله تعالى :﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ هذه الآية أزال الله تعالى بها أحكاما كانت في صدر الإسلام، منها : أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على ميت عليه دين، فلما فتح الله عليه الفتوح قال :" أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته " أخرجه الصحيحان، وفيهما أيضا :" فأيكم ترك دينا أو ضياعا فأنا مولاه ".... ﴿ وأزواجه أمهاتهم ﴾ شرف الله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين، أي في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال..... قوله تعالى :﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين.. ﴾ أراد بالمؤمنين الأنصار وبالمهاجرين قريشا.... عن قتادة قال : كان نزل في سورة الأنفال :)والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا.. ( ٣ فتوارث المسلمون بالهجرة، فكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئا حتى يهاجر، ثم نسخ ذلك في هذه السورة بقوله :﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض.. ﴾.... ﴿ في كتاب الله.. ﴾ يحتمل أن يريد القرآن، ويحتمل أن يريد : اللوح المحفوظ الذي كتب فيه أحوال خلقه.. و﴿ من المؤمنين ﴾ متعلق ب ﴿ أولى ﴾... قوله تعالى :﴿ إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ﴾ يريد الإحسان في الحياة، والوصية عند الموت، أي إن ذلك جائز.... ﴿ في الكتاب مسطورا ﴾... قال قتادة : أي مكتوبا عند الله عز وجل ألا يرث كافر مسلما.. ]٤.
٢ الحجز: معقد السراويل، وهذا مثل لاجتهاد نبينا عليه الصلاة والسلام في نجاتنا..
٣ من الآية ٧٢..
٤ مما أورده القرطبي..
واذكر وذكر إذ أخذت من الأنبياء العهد على الوفاء بما حملوا، وأن يبشر بعضهم ببعض ويصدق بعضهم بعضا كالذي يشير إليه معنى قول الله سبحانه :)وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين( ١ [ أي أخذ عليهم أن يعلنوا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلن محمد صلى الله عليه وسلم أن لا نبي بعده٢ وكذا معنى قول الحق – تبارك اسمه- :( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما صينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه.. ( ٣، وهؤلاء الرسل الكرام دخلوا في زمرة النبيين – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- لكن إفرادهم بالذكر –وهو من باب عطف الخاص على العام- لبيان فضلهم، ولأنهم من أولي العزم من الرسل، وأخذ الله تعالى منهم ميثاقهم الذي واثقهم به وإنه لعظيم، ليسأل الله المصدقين بالرسل عن وفائهم بحق الدعوة، وأما الذين كفروا فالنار مثواهم، وإن عذابها لشديد وجعه، وقوله تعالى :﴿ ليسأل الصادقين عن صدقهم ﴾
٢ سورة الشورى من الآية ١٣..
٣ سورة الشورى من الآية ١٣..
يمتن الله الوهاب خير الناصرين على نبيه والمؤمنين بما أولاهم من التأييد والنصر المبين على أحزاب الشرك وأوليائهم من اليهود الغادرين، فتذكروا واشكروا آلاء الله عليكم وآياته إليكم، حين حاصركم مشركو قريش ومن حالفهم – وكانوا عشرة آلاف مقاتل – فسلط الله عليهم ريحا شديدة وملائكة كراما، والله يرى ما عملتم، من صبر ومصابرة، فقد أجهدهم أولا حفر الخنذق، في البخاري ومسلم عن البراء ابن عازب قال : لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى الغبار عن جلدة بطنه.. ، وكان من فزع من المسلمين من حصته عاد إلى غيره حتى كمل الخندق، وأجهدهم بعد طول الحصار، وتكاثر العدو، وقلة الزاد وشدة البرد، وغدر الحلفاء من اليهود، كل هذا وغيره لا يخفى على الله منه شيء يحصيه لهم ليجزيهم عليه، جاءتكم الأحزاب من أعلى الوادي من جهة المشرق، ومن أسفل الوادي من قبل المغرب، ويحتمل أن يكون من [ فوق ] ومن ﴿ أسفل ﴾ كناية عن الإحاطة من جميع الجوانب، كأنه قيل : إذ جاءوكم محيطين بكم، ومالت الأبصار حيرة ودهشة، واشتد الخوف فكأن القلوب تحركت عن مواضعها وتوجهت إلى الحناجر لتخرج، وظن المؤمنون بالله وبأنفسهم خيرا، وظن المنافقون بالله ظن السوء، عند ذلك أو حينئذ عامل الله المؤمنين معاملة من يختبر عباده فظهر المخلص من المنافق، والراسخ من المتزلزل مصداقا لوعد ربنا الذي لا يخلف :)ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب.. ( ١.
استعلن المخادعون بإفكهم، وكشفوا عن أضغان قلوبهم، وقال واحد منهم : محمد يعدنا أن يفتح لنا مدائن اليمن، وبيض المدائن، وقصور الروم، وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته، وطائفة دعت إلى العودة إلى الدور أو الرجعة إلى الشرك، فنادوا : يا أهل المدينة لا مكان لاقامتكم ههنا، أو : لا مقام لكم في دين محمد فارجعوا عنه، وقد استأذن فريق منهم ممتثلين بأمر أولئك القائلين : ارجعوا، يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم معتذرين بأن بيوتهم قاصية يخشى عليها العدو، والحال أنها ليست كذلك، وما يريدون بالاستئذان إلا الفرار والتولي، ولو انتهكت بيوتهم من كل ناحية وهم فيها ثم جاءهم من يسألهم قتالك لخرجوا مسرعين وأجابوا السائلين، ولم يتوانوا إلا مقدار ما يحملون أسلحتهم، وتركوا بيوتهم التي تعللوا بالذهاب إليها، وسألوك الإذن لحمايتها، أو لو سئلوا الشرك لأجابوا إليه مسرعين وما تلبثوا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا.
استعلن المخادعون بإفكهم، وكشفوا عن أضغان قلوبهم، وقال واحد منهم : محمد يعدنا أن يفتح لنا مدائن اليمن، وبيض المدائن، وقصور الروم، وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته، وطائفة دعت إلى العودة إلى الدور أو الرجعة إلى الشرك، فنادوا : يا أهل المدينة لا مكان لاقامتكم ههنا، أو : لا مقام لكم في دين محمد فارجعوا عنه، وقد استأذن فريق منهم ممتثلين بأمر أولئك القائلين : ارجعوا، يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم معتذرين بأن بيوتهم قاصية يخشى عليها العدو، والحال أنها ليست كذلك، وما يريدون بالاستئذان إلا الفرار والتولي، ولو انتهكت بيوتهم من كل ناحية وهم فيها ثم جاءهم من يسألهم قتالك لخرجوا مسرعين وأجابوا السائلين، ولم يتوانوا إلا مقدار ما يحملون أسلحتهم، وتركوا بيوتهم التي تعللوا بالذهاب إليها، وسألوك الإذن لحمايتها، أو لو سئلوا الشرك لأجابوا إليه مسرعين وما تلبثوا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا.
استعلن المخادعون بإفكهم، وكشفوا عن أضغان قلوبهم، وقال واحد منهم : محمد يعدنا أن يفتح لنا مدائن اليمن، وبيض المدائن، وقصور الروم، وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته، وطائفة دعت إلى العودة إلى الدور أو الرجعة إلى الشرك، فنادوا : يا أهل المدينة لا مكان لاقامتكم ههنا، أو : لا مقام لكم في دين محمد فارجعوا عنه، وقد استأذن فريق منهم ممتثلين بأمر أولئك القائلين : ارجعوا، يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم معتذرين بأن بيوتهم قاصية يخشى عليها العدو، والحال أنها ليست كذلك، وما يريدون بالاستئذان إلا الفرار والتولي، ولو انتهكت بيوتهم من كل ناحية وهم فيها ثم جاءهم من يسألهم قتالك لخرجوا مسرعين وأجابوا السائلين، ولم يتوانوا إلا مقدار ما يحملون أسلحتهم، وتركوا بيوتهم التي تعللوا بالذهاب إليها، وسألوك الإذن لحمايتها، أو لو سئلوا الشرك لأجابوا إليه مسرعين وما تلبثوا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا.
ضم المنافقون إلى الفرار وتحمل الأعذار، نقضهم لعهد الله الواحد القهار، فقد كانوا عاهدوا الله يوم بيعة العقبة على الثبات وأن لا يولوا العدو الأدبار- فإن لم يكونوا بايعوا هم فقد بايع نقباؤهم ورضوا ببيعتهم، جعل إقرارهم عهد نقبائهم عهدا- والله سائلهم عن نكث العهود، وليعلموا أن فرارهم وتوليهم يوم الزحف لن يطيل أعمارهم ).. إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر.. ( ١ وإن عاشوا بعد التولي فمتاع قليل ثم مأواهم سقر، أمر النبي أن يبلغهم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فإذا قضى الله أن يكبتهم ويشقيهم فلن ينجيهم من بأس الله أحد، وإن أراد سبحانه رحمة أحد فلا ممسك لها، ومن يخذله الله يخذل، والله مولى الذين آمنوا، والكافرون لا مولى لهم، وتحققوا أن العليم الخبير اطلع على أفعال وأقوال وأحوال المخذلين المثبطين عن الجهاد في سبيل الله ونصرة دينه ورسوله، والصادين أصحابهم وجيرانهم وخلطاءهم عن الوقوف في وجه العدو، ينادونهم : تعالوا إلينا والحقوا بنا واتركوا مواقفكم في المعركة. قال الضحاك : ورجع ثمانون رجلا دون إذن من الرسول صلى الله عليه وسلم، غير الفريق الذي أخبر المولى سبحانه عنه بأنهم يتعللون- والله يشهد إنهم لكاذبون- ولم يجعل الله فيهم خيرا )ولو خرجوا فيكم مازادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين( ٢، ولا يصلحون لحرب، ولا يكيدون عدوا، بل ذل من اعتز بهم، وإن أتوا مشهدا فإنما [ إتيانا أو زمانا قليلا، فقد لا يأتون العسكر إلا أن يجدوا بدا من إتيانه، فيأتون ليرى الناس وجوههم، فإذا غفلوا عنهم عادوا إلى بيوتهم ]٣.
٢ سورة التوبة. الآية ٤٧..
٣ مما أورد الألوسي..
ضم المنافقون إلى الفرار وتحمل الأعذار، نقضهم لعهد الله الواحد القهار، فقد كانوا عاهدوا الله يوم بيعة العقبة على الثبات وأن لا يولوا العدو الأدبار- فإن لم يكونوا بايعوا هم فقد بايع نقباؤهم ورضوا ببيعتهم، جعل إقرارهم عهد نقبائهم عهدا- والله سائلهم عن نكث العهود، وليعلموا أن فرارهم وتوليهم يوم الزحف لن يطيل أعمارهم ).. إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر.. ( ١ وإن عاشوا بعد التولي فمتاع قليل ثم مأواهم سقر، أمر النبي أن يبلغهم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فإذا قضى الله أن يكبتهم ويشقيهم فلن ينجيهم من بأس الله أحد، وإن أراد سبحانه رحمة أحد فلا ممسك لها، ومن يخذله الله يخذل، والله مولى الذين آمنوا، والكافرون لا مولى لهم، وتحققوا أن العليم الخبير اطلع على أفعال وأقوال وأحوال المخذلين المثبطين عن الجهاد في سبيل الله ونصرة دينه ورسوله، والصادين أصحابهم وجيرانهم وخلطاءهم عن الوقوف في وجه العدو، ينادونهم : تعالوا إلينا والحقوا بنا واتركوا مواقفكم في المعركة. قال الضحاك : ورجع ثمانون رجلا دون إذن من الرسول صلى الله عليه وسلم، غير الفريق الذي أخبر المولى سبحانه عنه بأنهم يتعللون- والله يشهد إنهم لكاذبون- ولم يجعل الله فيهم خيرا )ولو خرجوا فيكم مازادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين( ٢، ولا يصلحون لحرب، ولا يكيدون عدوا، بل ذل من اعتز بهم، وإن أتوا مشهدا فإنما [ إتيانا أو زمانا قليلا، فقد لا يأتون العسكر إلا أن يجدوا بدا من إتيانه، فيأتون ليرى الناس وجوههم، فإذا غفلوا عنهم عادوا إلى بيوتهم ]٣.
٢ سورة التوبة. الآية ٤٧..
٣ مما أورد الألوسي..
ضم المنافقون إلى الفرار وتحمل الأعذار، نقضهم لعهد الله الواحد القهار، فقد كانوا عاهدوا الله يوم بيعة العقبة على الثبات وأن لا يولوا العدو الأدبار- فإن لم يكونوا بايعوا هم فقد بايع نقباؤهم ورضوا ببيعتهم، جعل إقرارهم عهد نقبائهم عهدا- والله سائلهم عن نكث العهود، وليعلموا أن فرارهم وتوليهم يوم الزحف لن يطيل أعمارهم ).. إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر.. ( ١ وإن عاشوا بعد التولي فمتاع قليل ثم مأواهم سقر، أمر النبي أن يبلغهم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فإذا قضى الله أن يكبتهم ويشقيهم فلن ينجيهم من بأس الله أحد، وإن أراد سبحانه رحمة أحد فلا ممسك لها، ومن يخذله الله يخذل، والله مولى الذين آمنوا، والكافرون لا مولى لهم، وتحققوا أن العليم الخبير اطلع على أفعال وأقوال وأحوال المخذلين المثبطين عن الجهاد في سبيل الله ونصرة دينه ورسوله، والصادين أصحابهم وجيرانهم وخلطاءهم عن الوقوف في وجه العدو، ينادونهم : تعالوا إلينا والحقوا بنا واتركوا مواقفكم في المعركة. قال الضحاك : ورجع ثمانون رجلا دون إذن من الرسول صلى الله عليه وسلم، غير الفريق الذي أخبر المولى سبحانه عنه بأنهم يتعللون- والله يشهد إنهم لكاذبون- ولم يجعل الله فيهم خيرا )ولو خرجوا فيكم مازادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين( ٢، ولا يصلحون لحرب، ولا يكيدون عدوا، بل ذل من اعتز بهم، وإن أتوا مشهدا فإنما [ إتيانا أو زمانا قليلا، فقد لا يأتون العسكر إلا أن يجدوا بدا من إتيانه، فيأتون ليرى الناس وجوههم، فإذا غفلوا عنهم عادوا إلى بيوتهم ]٣.
٢ سورة التوبة. الآية ٤٧..
٣ مما أورد الألوسي..
ضم المنافقون إلى الفرار وتحمل الأعذار، نقضهم لعهد الله الواحد القهار، فقد كانوا عاهدوا الله يوم بيعة العقبة على الثبات وأن لا يولوا العدو الأدبار- فإن لم يكونوا بايعوا هم فقد بايع نقباؤهم ورضوا ببيعتهم، جعل إقرارهم عهد نقبائهم عهدا- والله سائلهم عن نكث العهود، وليعلموا أن فرارهم وتوليهم يوم الزحف لن يطيل أعمارهم ).. إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر.. ( ١ وإن عاشوا بعد التولي فمتاع قليل ثم مأواهم سقر، أمر النبي أن يبلغهم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فإذا قضى الله أن يكبتهم ويشقيهم فلن ينجيهم من بأس الله أحد، وإن أراد سبحانه رحمة أحد فلا ممسك لها، ومن يخذله الله يخذل، والله مولى الذين آمنوا، والكافرون لا مولى لهم، وتحققوا أن العليم الخبير اطلع على أفعال وأقوال وأحوال المخذلين المثبطين عن الجهاد في سبيل الله ونصرة دينه ورسوله، والصادين أصحابهم وجيرانهم وخلطاءهم عن الوقوف في وجه العدو، ينادونهم : تعالوا إلينا والحقوا بنا واتركوا مواقفكم في المعركة. قال الضحاك : ورجع ثمانون رجلا دون إذن من الرسول صلى الله عليه وسلم، غير الفريق الذي أخبر المولى سبحانه عنه بأنهم يتعللون- والله يشهد إنهم لكاذبون- ولم يجعل الله فيهم خيرا )ولو خرجوا فيكم مازادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين( ٢، ولا يصلحون لحرب، ولا يكيدون عدوا، بل ذل من اعتز بهم، وإن أتوا مشهدا فإنما [ إتيانا أو زمانا قليلا، فقد لا يأتون العسكر إلا أن يجدوا بدا من إتيانه، فيأتون ليرى الناس وجوههم، فإذا غفلوا عنهم عادوا إلى بيوتهم ]٣.
٢ سورة التوبة. الآية ٤٧..
٣ مما أورد الألوسي..
من خصال المنافقين- مع كراهيتهم أن يجاهدوا بأنفسهم في سبيل الله- أنهم بخلاء عليكم، فما شاركوا في حفر الخندق، ولا أنفقوا وجاهدوا بأموالهم، فتولاهم الشيطان وخوفهم، ويجوز أن تنصب﴿ أشحة ﴾ على الذم، ويجوز أن تنصبه على القطع من﴿ المعوقين ﴾ كأنه قال : يعلم الله الذي يعوقون عن القتال ويشحون عن الإنفاق فإذا التقى الجمعان تلفت المنافق محددا بصره، كأن سكرات الموت تغشاه، قال ابن شجرة- في سبب ما غشيهم- : الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلب، فإذا انجلت المعركة آذوكم بألسنة نهاشة طعانة، قال قتادة : ومعناه : بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة، يقولون : أعطنا أعطنا، فإنا قد شهدنا معكم، فعند الغنيمة أشح قوم وأبسطهم لسانا، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم. وقيل : بالغوا في مخاصمتكم والاحتجاج عليكم، قال السدي : أشحة على المال أن ينفقوه في سبيل الله، [ ﴿ أولئك لم يؤمنوا ﴾ يعني بقلوبهم وإن كان ظاهرهم الإيمان، والمنفق كافر على الحقيقة لوصف الله عز وجل لهم بالكفر، ﴿ فأحبط الله أعمالهم ﴾.. لم يثبهم عليها، إذ لم يقصدوا وجه الله تعالى بها، ﴿ وكان ذلك على الله يسيرا ﴾.. وكان نفاقهم على الله هينا... وكان إحباط عملهم على الله هينا ]١، ومن سوء ظنهم بربهم حسبوا أن جند الشرك لم ينهزم، وإن جاءت جنود الكفر لمهاجمة المدينة تمنوا أن يفروا إلى البادية ليكونوا بمأمن من القتال، يتربصون بكم، ويسألون من يمر بهم عما جرى لكم يترقبون أن يستأصلكم عدوكم، ولو انضموا إلى جمعكم لما أغنوا عنكم شيئا، فإن الله موهن كيد الكافرين، ولا يصلح عمل المفسدين.
إن القرآن حين يحدث عن أهل النفاق يهتك أستارهم، ويكشف كيدهم ومكرهم، يبين لكم لئلا يفتنوكم عن دينكم.
فبينما فواتح سورة البقرة تصف المؤمنين في آيات كريمات قليلات قصار، وتصف الكافرين في آيتين، تصف خداع المنافقين وضلالهم واحتيالهم في ثلاث عشرة آية، وكذا استفاض حديث القرآن عن المنافقين في سورتي النساء والتوبة وغيرهما من السور.
وههنا ثلاث آيات قصيرات- التاسعة والعاشرة والحادية عشرة- كان الحديث فيها للمؤمنين وعنهم، جاءت بعدها تسع آيات- من الثانية عشرة إلى العشرين- ينبئنا فيها العليم الخبير عن سفه هؤلاء وغدرهم، وحقدهم على المؤمنين والحرص على خذلانهم، والتربص بأهل الحق والمسارعة في تأييد عدوهم، إلى نكث العقود وإن كان عهدا مع ربهم، ).. قاتلهم الله أنى يؤفكون( ٢ ).. يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين. لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون( ٣. فاحذروهم أيها المؤمنون.
٢ سورة التوبة. من الآية ٣٠..
٣ من سورة التوبة. من الآية ٤٧، والآية ٤٨..
من خصال المنافقين- مع كراهيتهم أن يجاهدوا بأنفسهم في سبيل الله- أنهم بخلاء عليكم، فما شاركوا في حفر الخندق، ولا أنفقوا وجاهدوا بأموالهم، فتولاهم الشيطان وخوفهم، ويجوز أن تنصب﴿ أشحة ﴾ على الذم، ويجوز أن تنصبه على القطع من﴿ المعوقين ﴾ كأنه قال : يعلم الله الذي يعوقون عن القتال ويشحون عن الإنفاق فإذا التقى الجمعان تلفت المنافق محددا بصره، كأن سكرات الموت تغشاه، قال ابن شجرة- في سبب ما غشيهم- : الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلب، فإذا انجلت المعركة آذوكم بألسنة نهاشة طعانة، قال قتادة : ومعناه : بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة، يقولون : أعطنا أعطنا، فإنا قد شهدنا معكم، فعند الغنيمة أشح قوم وأبسطهم لسانا، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم. وقيل : بالغوا في مخاصمتكم والاحتجاج عليكم، قال السدي : أشحة على المال أن ينفقوه في سبيل الله، [ ﴿ أولئك لم يؤمنوا ﴾ يعني بقلوبهم وإن كان ظاهرهم الإيمان، والمنفق كافر على الحقيقة لوصف الله عز وجل لهم بالكفر، ﴿ فأحبط الله أعمالهم ﴾.. لم يثبهم عليها، إذ لم يقصدوا وجه الله تعالى بها، ﴿ وكان ذلك على الله يسيرا ﴾.. وكان نفاقهم على الله هينا... وكان إحباط عملهم على الله هينا ]١، ومن سوء ظنهم بربهم حسبوا أن جند الشرك لم ينهزم، وإن جاءت جنود الكفر لمهاجمة المدينة تمنوا أن يفروا إلى البادية ليكونوا بمأمن من القتال، يتربصون بكم، ويسألون من يمر بهم عما جرى لكم يترقبون أن يستأصلكم عدوكم، ولو انضموا إلى جمعكم لما أغنوا عنكم شيئا، فإن الله موهن كيد الكافرين، ولا يصلح عمل المفسدين.
إن القرآن حين يحدث عن أهل النفاق يهتك أستارهم، ويكشف كيدهم ومكرهم، يبين لكم لئلا يفتنوكم عن دينكم.
فبينما فواتح سورة البقرة تصف المؤمنين في آيات كريمات قليلات قصار، وتصف الكافرين في آيتين، تصف خداع المنافقين وضلالهم واحتيالهم في ثلاث عشرة آية، وكذا استفاض حديث القرآن عن المنافقين في سورتي النساء والتوبة وغيرهما من السور.
وههنا ثلاث آيات قصيرات- التاسعة والعاشرة والحادية عشرة- كان الحديث فيها للمؤمنين وعنهم، جاءت بعدها تسع آيات- من الثانية عشرة إلى العشرين- ينبئنا فيها العليم الخبير عن سفه هؤلاء وغدرهم، وحقدهم على المؤمنين والحرص على خذلانهم، والتربص بأهل الحق والمسارعة في تأييد عدوهم، إلى نكث العقود وإن كان عهدا مع ربهم، ).. قاتلهم الله أنى يؤفكون( ٢ ).. يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين. لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون( ٣. فاحذروهم أيها المؤمنون.
٢ سورة التوبة. من الآية ٣٠..
٣ من سورة التوبة. من الآية ٤٧، والآية ٤٨..
لكأنه قسم من ربنا تبارك وتعالى وتحقيق أن خاتم النبيين يتؤسى به في فعله، ويقتدى به في خلقه وقوله، فهو نعم الهادي لكم يا من آمنتم وجاهدتم، وأكرم قدوة لمن يؤمل في رضوان الله، والفوز يوم يلقاه، ولمن ذكر الله تعالى ذكرا كثيرا، فإن كثرة الذكر تعقب ملازمة الطاعة، وبها يتحقق الاتساء بالبشير النذير –صلى الله تعالى عليه وسلم- وحين رأى المؤمنون أحزاب الشرك والكفر والنفاق الذين تواصوا بإهلاك النبي ومن معه – عندما رأوهم بخيلهم وخيلائهم لم يتنكروا لدينهم، ولا وهنوا في ملاقاة عدوهم، وما قنطوا من رحمة ونصر ربهم، وإنما أقروا أنها سنة الله في الذين خلوا من قبلهم ).. مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب( ١ وقالوا : هذا الخطب والبلاء الذي نزل هو وعد الله الذي لا يخلف )ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم( ٢ وكلمات ربنا حق وصدق، ورسوله لا ينطق عن الهوى، وما زادكم البلاء إلا رسوخا وثباتا على الرشد، وتسليما لربنا المستحق للحمد، [ واستدل بالآية على جواز زيادة الإيمان ونقصه، ومن أنكر قال : إن الزيادة فيما يؤمن به، لا في نفس الإيمان... ] ٣ من هؤلاء المؤمنين المقتدين بخاتم النبيين، رجال على الحقيقة أوفياء بما عاهدوا الله عليه من الإيمان والطاعة والجهاد والصبر، فمن هؤلاء من وفى بما التزم كما يوفي من نذر نذره، ومنهم من هو على عهده مع الله يترقب ساعة يدعى فيلبي، وما غيروا عهدهم الذي عاهدوا مولاهم عليه أي تغيير، لا من حيث الأصل ولا من حيث الصفة.
وأي صدق ووفاء فوق ثبات الصحب الكرام- وقد كانوا يومئذ يقاربون ثلاثة آلاف – في وجه حصار خمسة عشر ألف مقاتل٤، قريش يقودهم أبو سفيان، وبنو أسد يقودهم طليحة، وغطفان يقودهم عيينة، وبنو عامر يقودهم عامر بن الطفيل، وبنو سليم يقودهم أبو الأعور السلمي، وبنو النضير رؤساؤهم : حيي بن أخطب وأبناء أبي الحقيق، وبنو قريظة سيدهم كعب بن أسد، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنبذه بسعي حيي، ودام الحصار قرابة شهر، وليس يفصلهم عن المسلمين إلا الخندق الذي حفروه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين أشار بحفره سليمان رضي الله عنه أعطى كل أربعين ذراعا لعشرة، وأمر النبي بالذراري والنساء فدفعوا في آطام الجبال وكان ذلك في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة النبوية الكريمة.
مما نقل القرطبي عن أبي عيسى الترمذي، وعن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين. اه
[ ولما اشتد الأمر على المسلمين وطال المقام في الخندق، قام عليه السلام على التل الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي، وتوقع ما وعده الله من النصر وقال :" من يذهب ليأتينا بخبرهم وله الجنة " ؟ فلم يجبه أحد، وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد، فنظر إلى جانبه وقال :" من هذا " ؟ فقال : حذيفة فقال :" ألم تسمع كلامي منذ الليلة " ؟ قال حذيفة : فقلت يا رسول الله منعني أن أجيبك الضر والقر. قال :" انطلق حتى تدخل في القوم فتسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده إلي انطلق ولا تحدث شيئا حتى تأتيني " ٥ فانطلق حذيفة بسلاحه، ورفع رسول الله صلى الل عليه وسلم يده يقول :" يا صريخ المنكوبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " : فنزل جبريل وقال :" إن الله قد سمع دعوتك وكفاك هول عدوك " فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، وبسط يديه، وأرخى عينيه وهو يقول :" شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي ". وأخبره جبريل أن الله تعالى مرسل عليها ريحا، فبشر أصحابه بذلك. قال حذيفة : فانتهيت إليهم وإذا نيرانهم تتقد، فأقبلت ريح شديدة فيها حصباء فما تركت لهم نارا إلا أطفأتها، ولا بناء إلا طرحته، وجعلوا يتترسون من الحصباء، وقام أبو سفيان إلى راحلته وصاح في قريش : النجاء النجاء ! وفعل كذلك عيينة بن حصن والحارث بن عوف والأقرع بن حابس، وتفرقت الأحزاب، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد إلى المدينة وبه من الشعث ما شاء الله، فجاءته فاطمة بغسول، فكانت تغسل رأسه، فأتاه جبريل فقال :" وضعت السلاح ولم تضعه أهل السماء ما زلت أتبعهم حتى جاوزت بهم الروحاء- ثم قال- انهض إلى بني قريظة ". وقال أبو سفيان : ما زلت أسمع قعقعة السلاح حتى جاوزت الروحاء ]٦.
٢ من سورة محمد. الآية ٣١..
٣ ما بين العارضتين[ ] أورده الألوسي..
٤ الذي نقله الألوسي: وكان مجموعهم عشرة آلاف في قول، وخمسة عشر ألفا في آخر. جـ ٢١ ص ١٥٥..
٥ ورواية مسلم قريبة من هذه، أما الحاكم والبهيقي في الدلائل فقد أخرجا بسند متصل عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال: ذكر حذيفة رضي الله عنه مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه: أما والله لو شهدنا لكنا فعلنا وفعلنا. فقال حذيفة: لا تمنوا ذلك لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعودا وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة واليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا في أصوات ريحها أمثال الصواعق، وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إن بيوتنا عورة وما هي بعورة، فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، ويأذن لهم فيتسللون نحو ثلاثمائة أو نحو ذلك، إذ استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا أتى علي، وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ما يجاوز لبتي، قال فأتاني صلى الله عليه وسلم وأنا جاث على ركبتي، فقال،"من هذا"؟ فقلت حذيفة، قال"حذيفة" فتقاصرت الأرض، فقلت: بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم، فقمت، فقال:"إنه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم" قال: وأنا من أشد الناس فرعا وأشدهم قرا، قال: فخرجت، فقال رسول الله صلى الله:" اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته" قال: فو الله ما خلق الله تعالى فزعا ولا قرا في جوفي إلا خرج من جوفي فما أجد فيه شيئا، قال: فلما وليت قال صلى الله عليه وسلم " يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني" قال: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد، فإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته ويقول: الرحيل الرحيل! ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش لأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء النار فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تحدثن فيهم شيئا حتى تأتيني" قال: فأمسكت، ورددت سهمي إلى كنانتي، ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر فإذا أحد الناس من بني عامر، يقولون: يا آل عامر! الرحيل الرحيل، لا مقام لكم، وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم، الريح تضربهم بها، ثم خرجت نحو النبي، فلما انتصفت الطريق أو نحو من ذلك إذا بنحو من عشرين فارسا أو نحو ذلك معتمين، فقالوا: أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مشتمل في شمله يصلي. فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القرن وجعلت أقرقف، فأوما إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي، فدنوت منه، فأسبل علي شمله- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى – فأخبرته خبر القوم، وأخبرته أني تركتهم يرتحلون، وأنزل الله تعالى﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا﴾..
٦ ما بين العارضتين أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن..
لكأنه قسم من ربنا تبارك وتعالى وتحقيق أن خاتم النبيين يتؤسى به في فعله، ويقتدى به في خلقه وقوله، فهو نعم الهادي لكم يا من آمنتم وجاهدتم، وأكرم قدوة لمن يؤمل في رضوان الله، والفوز يوم يلقاه، ولمن ذكر الله تعالى ذكرا كثيرا، فإن كثرة الذكر تعقب ملازمة الطاعة، وبها يتحقق الاتساء بالبشير النذير –صلى الله تعالى عليه وسلم- وحين رأى المؤمنون أحزاب الشرك والكفر والنفاق الذين تواصوا بإهلاك النبي ومن معه – عندما رأوهم بخيلهم وخيلائهم لم يتنكروا لدينهم، ولا وهنوا في ملاقاة عدوهم، وما قنطوا من رحمة ونصر ربهم، وإنما أقروا أنها سنة الله في الذين خلوا من قبلهم ).. مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب( ١ وقالوا : هذا الخطب والبلاء الذي نزل هو وعد الله الذي لا يخلف )ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم( ٢ وكلمات ربنا حق وصدق، ورسوله لا ينطق عن الهوى، وما زادكم البلاء إلا رسوخا وثباتا على الرشد، وتسليما لربنا المستحق للحمد، [ واستدل بالآية على جواز زيادة الإيمان ونقصه، ومن أنكر قال : إن الزيادة فيما يؤمن به، لا في نفس الإيمان... ] ٣ من هؤلاء المؤمنين المقتدين بخاتم النبيين، رجال على الحقيقة أوفياء بما عاهدوا الله عليه من الإيمان والطاعة والجهاد والصبر، فمن هؤلاء من وفى بما التزم كما يوفي من نذر نذره، ومنهم من هو على عهده مع الله يترقب ساعة يدعى فيلبي، وما غيروا عهدهم الذي عاهدوا مولاهم عليه أي تغيير، لا من حيث الأصل ولا من حيث الصفة.
وأي صدق ووفاء فوق ثبات الصحب الكرام- وقد كانوا يومئذ يقاربون ثلاثة آلاف – في وجه حصار خمسة عشر ألف مقاتل٤، قريش يقودهم أبو سفيان، وبنو أسد يقودهم طليحة، وغطفان يقودهم عيينة، وبنو عامر يقودهم عامر بن الطفيل، وبنو سليم يقودهم أبو الأعور السلمي، وبنو النضير رؤساؤهم : حيي بن أخطب وأبناء أبي الحقيق، وبنو قريظة سيدهم كعب بن أسد، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنبذه بسعي حيي، ودام الحصار قرابة شهر، وليس يفصلهم عن المسلمين إلا الخندق الذي حفروه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين أشار بحفره سليمان رضي الله عنه أعطى كل أربعين ذراعا لعشرة، وأمر النبي بالذراري والنساء فدفعوا في آطام الجبال وكان ذلك في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة النبوية الكريمة.
مما نقل القرطبي عن أبي عيسى الترمذي، وعن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين. اه
[ ولما اشتد الأمر على المسلمين وطال المقام في الخندق، قام عليه السلام على التل الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي، وتوقع ما وعده الله من النصر وقال :" من يذهب ليأتينا بخبرهم وله الجنة " ؟ فلم يجبه أحد، وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد، فنظر إلى جانبه وقال :" من هذا " ؟ فقال : حذيفة فقال :" ألم تسمع كلامي منذ الليلة " ؟ قال حذيفة : فقلت يا رسول الله منعني أن أجيبك الضر والقر. قال :" انطلق حتى تدخل في القوم فتسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده إلي انطلق ولا تحدث شيئا حتى تأتيني " ٥ فانطلق حذيفة بسلاحه، ورفع رسول الله صلى الل عليه وسلم يده يقول :" يا صريخ المنكوبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " : فنزل جبريل وقال :" إن الله قد سمع دعوتك وكفاك هول عدوك " فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، وبسط يديه، وأرخى عينيه وهو يقول :" شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي ". وأخبره جبريل أن الله تعالى مرسل عليها ريحا، فبشر أصحابه بذلك. قال حذيفة : فانتهيت إليهم وإذا نيرانهم تتقد، فأقبلت ريح شديدة فيها حصباء فما تركت لهم نارا إلا أطفأتها، ولا بناء إلا طرحته، وجعلوا يتترسون من الحصباء، وقام أبو سفيان إلى راحلته وصاح في قريش : النجاء النجاء ! وفعل كذلك عيينة بن حصن والحارث بن عوف والأقرع بن حابس، وتفرقت الأحزاب، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد إلى المدينة وبه من الشعث ما شاء الله، فجاءته فاطمة بغسول، فكانت تغسل رأسه، فأتاه جبريل فقال :" وضعت السلاح ولم تضعه أهل السماء ما زلت أتبعهم حتى جاوزت بهم الروحاء- ثم قال- انهض إلى بني قريظة ". وقال أبو سفيان : ما زلت أسمع قعقعة السلاح حتى جاوزت الروحاء ]٦.
٢ من سورة محمد. الآية ٣١..
٣ ما بين العارضتين[ ] أورده الألوسي..
٤ الذي نقله الألوسي: وكان مجموعهم عشرة آلاف في قول، وخمسة عشر ألفا في آخر. جـ ٢١ ص ١٥٥..
٥ ورواية مسلم قريبة من هذه، أما الحاكم والبهيقي في الدلائل فقد أخرجا بسند متصل عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال: ذكر حذيفة رضي الله عنه مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه: أما والله لو شهدنا لكنا فعلنا وفعلنا. فقال حذيفة: لا تمنوا ذلك لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعودا وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة واليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا في أصوات ريحها أمثال الصواعق، وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إن بيوتنا عورة وما هي بعورة، فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، ويأذن لهم فيتسللون نحو ثلاثمائة أو نحو ذلك، إذ استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا أتى علي، وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ما يجاوز لبتي، قال فأتاني صلى الله عليه وسلم وأنا جاث على ركبتي، فقال،"من هذا"؟ فقلت حذيفة، قال"حذيفة" فتقاصرت الأرض، فقلت: بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم، فقمت، فقال:"إنه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم" قال: وأنا من أشد الناس فرعا وأشدهم قرا، قال: فخرجت، فقال رسول الله صلى الله:" اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته" قال: فو الله ما خلق الله تعالى فزعا ولا قرا في جوفي إلا خرج من جوفي فما أجد فيه شيئا، قال: فلما وليت قال صلى الله عليه وسلم " يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني" قال: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد، فإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته ويقول: الرحيل الرحيل! ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش لأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء النار فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تحدثن فيهم شيئا حتى تأتيني" قال: فأمسكت، ورددت سهمي إلى كنانتي، ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر فإذا أحد الناس من بني عامر، يقولون: يا آل عامر! الرحيل الرحيل، لا مقام لكم، وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم، الريح تضربهم بها، ثم خرجت نحو النبي، فلما انتصفت الطريق أو نحو من ذلك إذا بنحو من عشرين فارسا أو نحو ذلك معتمين، فقالوا: أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مشتمل في شمله يصلي. فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القرن وجعلت أقرقف، فأوما إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي، فدنوت منه، فأسبل علي شمله- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى – فأخبرته خبر القوم، وأخبرته أني تركتهم يرتحلون، وأنزل الله تعالى﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا﴾..
٦ ما بين العارضتين أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن..
لكأنه قسم من ربنا تبارك وتعالى وتحقيق أن خاتم النبيين يتؤسى به في فعله، ويقتدى به في خلقه وقوله، فهو نعم الهادي لكم يا من آمنتم وجاهدتم، وأكرم قدوة لمن يؤمل في رضوان الله، والفوز يوم يلقاه، ولمن ذكر الله تعالى ذكرا كثيرا، فإن كثرة الذكر تعقب ملازمة الطاعة، وبها يتحقق الاتساء بالبشير النذير –صلى الله تعالى عليه وسلم- وحين رأى المؤمنون أحزاب الشرك والكفر والنفاق الذين تواصوا بإهلاك النبي ومن معه – عندما رأوهم بخيلهم وخيلائهم لم يتنكروا لدينهم، ولا وهنوا في ملاقاة عدوهم، وما قنطوا من رحمة ونصر ربهم، وإنما أقروا أنها سنة الله في الذين خلوا من قبلهم ).. مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب( ١ وقالوا : هذا الخطب والبلاء الذي نزل هو وعد الله الذي لا يخلف )ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم( ٢ وكلمات ربنا حق وصدق، ورسوله لا ينطق عن الهوى، وما زادكم البلاء إلا رسوخا وثباتا على الرشد، وتسليما لربنا المستحق للحمد، [ واستدل بالآية على جواز زيادة الإيمان ونقصه، ومن أنكر قال : إن الزيادة فيما يؤمن به، لا في نفس الإيمان... ] ٣ من هؤلاء المؤمنين المقتدين بخاتم النبيين، رجال على الحقيقة أوفياء بما عاهدوا الله عليه من الإيمان والطاعة والجهاد والصبر، فمن هؤلاء من وفى بما التزم كما يوفي من نذر نذره، ومنهم من هو على عهده مع الله يترقب ساعة يدعى فيلبي، وما غيروا عهدهم الذي عاهدوا مولاهم عليه أي تغيير، لا من حيث الأصل ولا من حيث الصفة.
وأي صدق ووفاء فوق ثبات الصحب الكرام- وقد كانوا يومئذ يقاربون ثلاثة آلاف – في وجه حصار خمسة عشر ألف مقاتل٤، قريش يقودهم أبو سفيان، وبنو أسد يقودهم طليحة، وغطفان يقودهم عيينة، وبنو عامر يقودهم عامر بن الطفيل، وبنو سليم يقودهم أبو الأعور السلمي، وبنو النضير رؤساؤهم : حيي بن أخطب وأبناء أبي الحقيق، وبنو قريظة سيدهم كعب بن أسد، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنبذه بسعي حيي، ودام الحصار قرابة شهر، وليس يفصلهم عن المسلمين إلا الخندق الذي حفروه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين أشار بحفره سليمان رضي الله عنه أعطى كل أربعين ذراعا لعشرة، وأمر النبي بالذراري والنساء فدفعوا في آطام الجبال وكان ذلك في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة النبوية الكريمة.
مما نقل القرطبي عن أبي عيسى الترمذي، وعن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين. اه
[ ولما اشتد الأمر على المسلمين وطال المقام في الخندق، قام عليه السلام على التل الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي، وتوقع ما وعده الله من النصر وقال :" من يذهب ليأتينا بخبرهم وله الجنة " ؟ فلم يجبه أحد، وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد، فنظر إلى جانبه وقال :" من هذا " ؟ فقال : حذيفة فقال :" ألم تسمع كلامي منذ الليلة " ؟ قال حذيفة : فقلت يا رسول الله منعني أن أجيبك الضر والقر. قال :" انطلق حتى تدخل في القوم فتسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده إلي انطلق ولا تحدث شيئا حتى تأتيني " ٥ فانطلق حذيفة بسلاحه، ورفع رسول الله صلى الل عليه وسلم يده يقول :" يا صريخ المنكوبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " : فنزل جبريل وقال :" إن الله قد سمع دعوتك وكفاك هول عدوك " فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، وبسط يديه، وأرخى عينيه وهو يقول :" شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي ". وأخبره جبريل أن الله تعالى مرسل عليها ريحا، فبشر أصحابه بذلك. قال حذيفة : فانتهيت إليهم وإذا نيرانهم تتقد، فأقبلت ريح شديدة فيها حصباء فما تركت لهم نارا إلا أطفأتها، ولا بناء إلا طرحته، وجعلوا يتترسون من الحصباء، وقام أبو سفيان إلى راحلته وصاح في قريش : النجاء النجاء ! وفعل كذلك عيينة بن حصن والحارث بن عوف والأقرع بن حابس، وتفرقت الأحزاب، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد إلى المدينة وبه من الشعث ما شاء الله، فجاءته فاطمة بغسول، فكانت تغسل رأسه، فأتاه جبريل فقال :" وضعت السلاح ولم تضعه أهل السماء ما زلت أتبعهم حتى جاوزت بهم الروحاء- ثم قال- انهض إلى بني قريظة ". وقال أبو سفيان : ما زلت أسمع قعقعة السلاح حتى جاوزت الروحاء ]٦.
٢ من سورة محمد. الآية ٣١..
٣ ما بين العارضتين[ ] أورده الألوسي..
٤ الذي نقله الألوسي: وكان مجموعهم عشرة آلاف في قول، وخمسة عشر ألفا في آخر. جـ ٢١ ص ١٥٥..
٥ ورواية مسلم قريبة من هذه، أما الحاكم والبهيقي في الدلائل فقد أخرجا بسند متصل عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال: ذكر حذيفة رضي الله عنه مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه: أما والله لو شهدنا لكنا فعلنا وفعلنا. فقال حذيفة: لا تمنوا ذلك لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعودا وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة واليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا في أصوات ريحها أمثال الصواعق، وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إن بيوتنا عورة وما هي بعورة، فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، ويأذن لهم فيتسللون نحو ثلاثمائة أو نحو ذلك، إذ استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا أتى علي، وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ما يجاوز لبتي، قال فأتاني صلى الله عليه وسلم وأنا جاث على ركبتي، فقال،"من هذا"؟ فقلت حذيفة، قال"حذيفة" فتقاصرت الأرض، فقلت: بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم، فقمت، فقال:"إنه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم" قال: وأنا من أشد الناس فرعا وأشدهم قرا، قال: فخرجت، فقال رسول الله صلى الله:" اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته" قال: فو الله ما خلق الله تعالى فزعا ولا قرا في جوفي إلا خرج من جوفي فما أجد فيه شيئا، قال: فلما وليت قال صلى الله عليه وسلم " يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني" قال: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد، فإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته ويقول: الرحيل الرحيل! ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش لأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء النار فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تحدثن فيهم شيئا حتى تأتيني" قال: فأمسكت، ورددت سهمي إلى كنانتي، ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر فإذا أحد الناس من بني عامر، يقولون: يا آل عامر! الرحيل الرحيل، لا مقام لكم، وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم، الريح تضربهم بها، ثم خرجت نحو النبي، فلما انتصفت الطريق أو نحو من ذلك إذا بنحو من عشرين فارسا أو نحو ذلك معتمين، فقالوا: أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مشتمل في شمله يصلي. فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القرن وجعلت أقرقف، فأوما إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي، فدنوت منه، فأسبل علي شمله- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى – فأخبرته خبر القوم، وأخبرته أني تركتهم يرتحلون، وأنزل الله تعالى﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا﴾..
٦ ما بين العارضتين أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن..
ما يصيب المؤمنين من بلاء، ولا ينتابهم من عسر في سبيل الوفاء بعهد الله وأداء أماناته، إلا ليميز الله الخبيث من الطيب ).... ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون( ١ ).. وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا.. ( ٢ فيجزي الصادقين في إيمانهم به، والجهاد في سبيله، بما وعد الذين رضي عنهم ورضوا عنه :)يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم. وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب.. ( ٣ ويخزي المنافقين ويعذبهم إن شاء شقوتهم فلم يتوبوا، أو يهدون إلى التوبة قبل أن يموتوا إن شاء أن يتوب عليهم فيغفر لهم ويرحمهم.
٢ سورة الأنفال. من الآية ١٧..
٣ سورة الصف. الآية ١٢. ومن الآية ١٣..
ومع ما وعد الله المتقين من جزاء الصادقين في مقعد صدق عند مليك مقتدر فقد عجل لهم أن كبت عدوهم، وأخزى من ناوأهم، وأرجع بقدرته وجلاله أهل الكفر وأحزاب الشرك متلبسين بأقصى غضب حيث انقلبوا على أعقابهم خاسرين، وأعز ربنا بفضله الجند المؤمنين، وأغناهم سبحانه عن بأس القتال، وتطاول النزال، وكفاهم كيد الحاقدين ببطش وجند من ملائكته المكرمين، ومولانا ذو القوة التي لا تحد، والعزة التي لا تقهر.
[ ﴿ لم ينالوا خيرا ﴾ أي غير ظافرين بشيء من مطالبهم التي هي عندهم خير : من كسر، أو وأسر، أو غنيمة. ]١
﴿ صياصيهم ﴾ حصونهم.
انهزم الأحزاب المشركون، وخسر الجند الذي طال حصاره للمدينة، وردهم الله على أعقابهم، وأتم نعمته على النبي والمؤمنين فأنزل أعوان الأحزاب من اليهود- الذين خانوا وغدروا ونقضوا العهد – من حصونهم وقلاعهم، وحكم المسلمين في رقابهم، فقتلوا مقاتلتهم وسبوا نساءهم وذرياتهم، وملك المسلمين أموالهم وأرضهم وديارهم، وربنا على نصره إياهم وعلى غير ذلك من الأمور صاحب قدرة لا يقف لها شيء، ولا يمتنع على مولانا فعل شيء أراده.
عن ابن اسحق قال : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون، ووضعوا السلاح، فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرا بعمامة من استبرق، على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج فقال : أوقد وضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال :" نعم " قال جبريل : ما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة وأنا عائد إلى بني قريظة ؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا فأذن في الناس : أن من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه برايته إلى بني قريظة، وابتدرها الناس، فسار علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق، فقال : يا رسول الله ! لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخباث، قال :" لم أظنك سمعت لي منهم أذى " قال : نعم يا رسول الله. قال :" لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا " فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال :" يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته " قالوا : يا أبا القاسم ! ما كنت جهولا، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال :" مر بكم أحد " ؟ فقالوا يا رسول الله ! قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ذاك جبرائيل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم " فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة نزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم يقال لها بئر أنا، فتلاحق به الناس فأتاه رجال من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " فصلوا العصر فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسوله.. قال : وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب،.. قال : ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث إلينا أبا لبابة ابن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف- وكانوا من حلفاء الأوس- نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم، وقالوا له : يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال : نعم – وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح – قال أبو لبابة : فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال : لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت، وعاهد الله أن لا يطأ بني قريظة أبدا، ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه- قال :" أما إنه كان جاءني لاستغفرت له أما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه "... فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواثبت الأوس فقالوا : يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت- وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول فوهبهم له- فلما كلمته الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألا ترضون يا معشر بن معاذ " : فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال :" قوموا إلى سيدكم " فقاموا إليه، فقالوا : يا أبا عمرو ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاك مواليك لتحكم فيهم. فقال سعد : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم كما حكمت ؟ قالوا : نعم. قال : وعلى من ههنا ؟- في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نعم " قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء.. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة " ثم استنزلوا فحبسهم رسوله الله صلى الله عليه وسلم في دار ابنة الحارث- امرأة من بني النجار- ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سوق المدينة- التي هي سوقها اليوم- فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، يخرج بهم إليه أرسالا.. وهم ستمائة.. حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انهزم الأحزاب المشركون، وخسر الجند الذي طال حصاره للمدينة، وردهم الله على أعقابهم، وأتم نعمته على النبي والمؤمنين فأنزل أعوان الأحزاب من اليهود- الذين خانوا وغدروا ونقضوا العهد – من حصونهم وقلاعهم، وحكم المسلمين في رقابهم، فقتلوا مقاتلتهم وسبوا نساءهم وذرياتهم، وملك المسلمين أموالهم وأرضهم وديارهم، وربنا على نصره إياهم وعلى غير ذلك من الأمور صاحب قدرة لا يقف لها شيء، ولا يمتنع على مولانا فعل شيء أراده.
عن ابن اسحق قال : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون، ووضعوا السلاح، فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرا بعمامة من استبرق، على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج فقال : أوقد وضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال :" نعم " قال جبريل : ما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة وأنا عائد إلى بني قريظة ؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا فأذن في الناس : أن من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه برايته إلى بني قريظة، وابتدرها الناس، فسار علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق، فقال : يا رسول الله ! لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخباث، قال :" لم أظنك سمعت لي منهم أذى " قال : نعم يا رسول الله. قال :" لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا " فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال :" يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته " قالوا : يا أبا القاسم ! ما كنت جهولا، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال :" مر بكم أحد " ؟ فقالوا يا رسول الله ! قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ذاك جبرائيل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم " فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة نزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم يقال لها بئر أنا، فتلاحق به الناس فأتاه رجال من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " فصلوا العصر فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسوله.. قال : وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب،.. قال : ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث إلينا أبا لبابة ابن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف- وكانوا من حلفاء الأوس- نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم، وقالوا له : يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال : نعم – وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح – قال أبو لبابة : فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال : لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت، وعاهد الله أن لا يطأ بني قريظة أبدا، ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه- قال :" أما إنه كان جاءني لاستغفرت له أما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه "... فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواثبت الأوس فقالوا : يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت- وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول فوهبهم له- فلما كلمته الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألا ترضون يا معشر بن معاذ " : فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال :" قوموا إلى سيدكم " فقاموا إليه، فقالوا : يا أبا عمرو ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاك مواليك لتحكم فيهم. فقال سعد : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم كما حكمت ؟ قالوا : نعم. قال : وعلى من ههنا ؟- في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نعم " قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء.. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة " ثم استنزلوا فحبسهم رسوله الله صلى الله عليه وسلم في دار ابنة الحارث- امرأة من بني النجار- ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سوق المدينة- التي هي سوقها اليوم- فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، يخرج بهم إليه أرسالا.. وهم ستمائة.. حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، لما نصر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ورد عنه الأحزاب وفتح عليه النضير وقريظة كأنهن ظنن أنه اختص بنفائس اليهود وكنوزهم، فقعدن حوله وقلن : يا رسول الله ! بنات كسرى وقيصر في الحلي والحلل والإماء والخول ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق، وآلمن قلبه الشريف عليه الصلاة والسلام، [ وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من عرض الدنيا، إما زيادة في النفقة أو غير ذلك فاعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا فيما ذكر ثم أمره الله أن يخيرهن بين الصبر عليه والرضا بما قسم لهن والعمل بطاعة الله وبين أن يمتعهن ويفارقهن إن لم يرضين بالذي يقسم لهن.. ]١.
روى البخاري ومسلم- واللفظ لمسلم- عن جابر بن عبد الله قال : دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال :- فأذن لأبي بكر فدخل، ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا- قال :- فقال والله لأقولن شيئا أضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : يا رسول الله ! لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال، " هن حولي كما ترى يسألنني النفقة " فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول : تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ! ! فقلن : والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك- حتى بلغ- للمحسنات منكن أجرا عظيما ﴾ قال : فبدأ بعائشة فقال :" ياعائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك " قالت : وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية. قالت : أفيك يا رسول الله أستشير أبوي ؟ بل أختار الله ورسوله والدار والآخرة، وأسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت. قال :" لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا ".. وفي الترمذي زيادة : وفعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت. قال : هذا حديث حسن صحيح.
لكأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، لما نصر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ورد عنه الأحزاب وفتح عليه النضير وقريظة كأنهن ظنن أنه اختص بنفائس اليهود وكنوزهم، فقعدن حوله وقلن : يا رسول الله ! بنات كسرى وقيصر في الحلي والحلل والإماء والخول ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق، وآلمن قلبه الشريف عليه الصلاة والسلام، [ وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من عرض الدنيا، إما زيادة في النفقة أو غير ذلك فاعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا فيما ذكر ثم أمره الله أن يخيرهن بين الصبر عليه والرضا بما قسم لهن والعمل بطاعة الله وبين أن يمتعهن ويفارقهن إن لم يرضين بالذي يقسم لهن.. ]١.
روى البخاري ومسلم- واللفظ لمسلم- عن جابر بن عبد الله قال : دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال :- فأذن لأبي بكر فدخل، ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا- قال :- فقال والله لأقولن شيئا أضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : يا رسول الله ! لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال، " هن حولي كما ترى يسألنني النفقة " فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول : تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ! ! فقلن : والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك- حتى بلغ- للمحسنات منكن أجرا عظيما ﴾ قال : فبدأ بعائشة فقال :" ياعائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك " قالت : وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية. قالت : أفيك يا رسول الله أستشير أبوي ؟ بل أختار الله ورسوله والدار والآخرة، وأسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت. قال :" لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا ".. وفي الترمذي زيادة : وفعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت. قال : هذا حديث حسن صحيح.
الله تعالى يغار وغيرة الله أن يرتكب العبد ما حرم الله عليه، وشرع المولى الحكيم سبحانه شريعة لا يزيغ عنها إلا هالك، ولشرف منزلة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وفضل درجتهن، وتقدمهن على سائر النساء جعلت من تخطىء منهن عقوبة أعلى من عقوبة غيرها، ولذلك ضوعف حد الحر على العبد، والثيب على البكر، ﴿ ومن يقنت ﴾ لم يؤنث فعلها حملا على لفظ﴿ من ﴾ يقول ابن كثير في هاتين الآيتين الكريمتين : يقول تعالى واعظا نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، واستقر أمرهن تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناسب أن يخبرهن بحكمهن وتخصيصهن دون سائر النساء بأن من يأت منهن بفاحشة مبينة –قال ابن عباس رضي الله عنهما : وهي النشوز وسوء الخلق- وعلى كل تقدير فهو شرط والشرط لا يقتضي الوقوع كقوله تعالى :)ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك.. ( ١.. فلما كانت محلتهن رفيعة ناسب أن يجعل الذنب لو وقع منهن مغلظا صيانة لجنابهن.. اه
وهذا الجزاء هين على المولى سبحانه أن يحله بمن تفعل ما يوقع فيه، ومن تخضع لشرعة الله وتستقم على منهاجه، وتستجيب لأمر رسوله ونهيه، وتستدم العمل الصالح يضاعف ربنا لها مثوبتها، ويمنحها الرزق الكريم في جنات النعيم، في أعلى عليين، وعهد الله إليهن- وهن أمهات المؤمنين- أن فضلهن، ورفعة قدرهن بتقواهن لا تعفيهن – بل تفرض عليهن- رعاية جانب الحيطة في القول والفعل، فالله يرضى أن لا يلن القول كثيرا في خطابهن لمن ليسوا من محارمهن- وإن كن محرمات على المؤمنين إلا أنه كالخطاب لسائر المؤمنات في أشخاصهن – رضوان الله عليهن- فيطمع الذي في قلبه تشوف لفسق أو غزل[ أمرهن أن يكون قولهن جزلا، وكلامهن فصلا... وعلى الجملة فالقول المعروف : هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس. ]٢.
٢ مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن..
الله تعالى يغار وغيرة الله أن يرتكب العبد ما حرم الله عليه، وشرع المولى الحكيم سبحانه شريعة لا يزيغ عنها إلا هالك، ولشرف منزلة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وفضل درجتهن، وتقدمهن على سائر النساء جعلت من تخطىء منهن عقوبة أعلى من عقوبة غيرها، ولذلك ضوعف حد الحر على العبد، والثيب على البكر، ﴿ ومن يقنت ﴾ لم يؤنث فعلها حملا على لفظ﴿ من ﴾ يقول ابن كثير في هاتين الآيتين الكريمتين : يقول تعالى واعظا نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، واستقر أمرهن تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناسب أن يخبرهن بحكمهن وتخصيصهن دون سائر النساء بأن من يأت منهن بفاحشة مبينة –قال ابن عباس رضي الله عنهما : وهي النشوز وسوء الخلق- وعلى كل تقدير فهو شرط والشرط لا يقتضي الوقوع كقوله تعالى :)ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك.. ( ١.. فلما كانت محلتهن رفيعة ناسب أن يجعل الذنب لو وقع منهن مغلظا صيانة لجنابهن.. اه
وهذا الجزاء هين على المولى سبحانه أن يحله بمن تفعل ما يوقع فيه، ومن تخضع لشرعة الله وتستقم على منهاجه، وتستجيب لأمر رسوله ونهيه، وتستدم العمل الصالح يضاعف ربنا لها مثوبتها، ويمنحها الرزق الكريم في جنات النعيم، في أعلى عليين، وعهد الله إليهن- وهن أمهات المؤمنين- أن فضلهن، ورفعة قدرهن بتقواهن لا تعفيهن – بل تفرض عليهن- رعاية جانب الحيطة في القول والفعل، فالله يرضى أن لا يلن القول كثيرا في خطابهن لمن ليسوا من محارمهن- وإن كن محرمات على المؤمنين إلا أنه كالخطاب لسائر المؤمنات في أشخاصهن – رضوان الله عليهن- فيطمع الذي في قلبه تشوف لفسق أو غزل[ أمرهن أن يكون قولهن جزلا، وكلامهن فصلا... وعلى الجملة فالقول المعروف : هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس. ]٢.
٢ مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن..
الله تعالى يغار وغيرة الله أن يرتكب العبد ما حرم الله عليه، وشرع المولى الحكيم سبحانه شريعة لا يزيغ عنها إلا هالك، ولشرف منزلة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وفضل درجتهن، وتقدمهن على سائر النساء جعلت من تخطىء منهن عقوبة أعلى من عقوبة غيرها، ولذلك ضوعف حد الحر على العبد، والثيب على البكر، ﴿ ومن يقنت ﴾ لم يؤنث فعلها حملا على لفظ﴿ من ﴾ يقول ابن كثير في هاتين الآيتين الكريمتين : يقول تعالى واعظا نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، واستقر أمرهن تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناسب أن يخبرهن بحكمهن وتخصيصهن دون سائر النساء بأن من يأت منهن بفاحشة مبينة –قال ابن عباس رضي الله عنهما : وهي النشوز وسوء الخلق- وعلى كل تقدير فهو شرط والشرط لا يقتضي الوقوع كقوله تعالى :)ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك.. ( ١.. فلما كانت محلتهن رفيعة ناسب أن يجعل الذنب لو وقع منهن مغلظا صيانة لجنابهن.. اه
وهذا الجزاء هين على المولى سبحانه أن يحله بمن تفعل ما يوقع فيه، ومن تخضع لشرعة الله وتستقم على منهاجه، وتستجيب لأمر رسوله ونهيه، وتستدم العمل الصالح يضاعف ربنا لها مثوبتها، ويمنحها الرزق الكريم في جنات النعيم، في أعلى عليين، وعهد الله إليهن- وهن أمهات المؤمنين- أن فضلهن، ورفعة قدرهن بتقواهن لا تعفيهن – بل تفرض عليهن- رعاية جانب الحيطة في القول والفعل، فالله يرضى أن لا يلن القول كثيرا في خطابهن لمن ليسوا من محارمهن- وإن كن محرمات على المؤمنين إلا أنه كالخطاب لسائر المؤمنات في أشخاصهن – رضوان الله عليهن- فيطمع الذي في قلبه تشوف لفسق أو غزل[ أمرهن أن يكون قولهن جزلا، وكلامهن فصلا... وعلى الجملة فالقول المعروف : هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس. ]٢.
٢ مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن..
أمر بالاستقرار في البيوت، خوطبت به أمهات المؤمنين، وسائر النساء لهن تبع، ونهى عن التبرج الذي يتناول إظهار ما يقبح إظهاره ويجمل ستره- ولقد أورد المفسرون كلاما كثيرا في وصف ما كان عليه النساء في الجاهلية الأولى من تبرج – وبحسبنا أن نشير إلى قول مجاهد : كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذاك التبرج. اه
يقول القرطبي : فيلزمن البيوت فإن مست الحاجة – يعني إلى الخروج خارج البيوت- فليكن على تستر تام. اه
وليداومن على إقامة الصلاة وإتمامها، وعلى إعطاء الزكاة مستحقيها، وليثبتن على طاعة الله تعالى ورسوله في كل أمر ونهي، إنما يريد الله أن يخليهن عن النقائص، ويحليهن بالمكارم، فالرجس الذنب وإذهابه إزالة ما يوقع فيه.
يقول صاحب روح المعاني، وفسر بعض أهل السنة الإرادة ههنا بالمحبة قالوا : لأنه لو أريد بها الإرادة التي يتحقق عندها الفعل لكان كل من أهل البيت محفوظا من كل ذنب، والمشاهد خلافه... نهاكم الله تعالى وأمركم لأنه- عز وجل- يريد بنهيكم وأمركم ليذهب عنكم الرجس ويطهركم إن انتهيتم وائتمرتم.. اه١.
وعظمن آيات الله، واذكرن حقها، واستدمن تقديرها قدرها، وتدبرنها لتتعظن بمواعظ الله تعالى فيها، وكذا ما ترينه وتسمعنه من أقوال وأفعال وتقريرات رسولنا المبعوث بالكتاب والحكمة، أو : أخبرن بما أنزل الله من قرآن في بيوتكن، وما ترين من النبي صلى الله عليه وسلم من أفعال وتسمعن منه من أقوال، وعليكن تبليغ ذلك للناس ليعملوا ويقتدوا، إن المعبود بحق يعلم دقائق الأمور وخفاياها، وخبير بما فيه خير السامعين والمبلغين، كما هو خبير بكل شأن.
مما يقول الطبري : حدثنا ابن حميد قال ثنا يحيى بن واضح قال ثنا الأصبغ عن علقمة قال : كان عكرمة ينادي في السوق﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ﴾ قال : نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة. اه
أمر بالاستقرار في البيوت، خوطبت به أمهات المؤمنين، وسائر النساء لهن تبع، ونهى عن التبرج الذي يتناول إظهار ما يقبح إظهاره ويجمل ستره- ولقد أورد المفسرون كلاما كثيرا في وصف ما كان عليه النساء في الجاهلية الأولى من تبرج – وبحسبنا أن نشير إلى قول مجاهد : كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذاك التبرج. اه
يقول القرطبي : فيلزمن البيوت فإن مست الحاجة – يعني إلى الخروج خارج البيوت- فليكن على تستر تام. اه
وليداومن على إقامة الصلاة وإتمامها، وعلى إعطاء الزكاة مستحقيها، وليثبتن على طاعة الله تعالى ورسوله في كل أمر ونهي، إنما يريد الله أن يخليهن عن النقائص، ويحليهن بالمكارم، فالرجس الذنب وإذهابه إزالة ما يوقع فيه.
يقول صاحب روح المعاني، وفسر بعض أهل السنة الإرادة ههنا بالمحبة قالوا : لأنه لو أريد بها الإرادة التي يتحقق عندها الفعل لكان كل من أهل البيت محفوظا من كل ذنب، والمشاهد خلافه... نهاكم الله تعالى وأمركم لأنه- عز وجل- يريد بنهيكم وأمركم ليذهب عنكم الرجس ويطهركم إن انتهيتم وائتمرتم.. اه١.
وعظمن آيات الله، واذكرن حقها، واستدمن تقديرها قدرها، وتدبرنها لتتعظن بمواعظ الله تعالى فيها، وكذا ما ترينه وتسمعنه من أقوال وأفعال وتقريرات رسولنا المبعوث بالكتاب والحكمة، أو : أخبرن بما أنزل الله من قرآن في بيوتكن، وما ترين من النبي صلى الله عليه وسلم من أفعال وتسمعن منه من أقوال، وعليكن تبليغ ذلك للناس ليعملوا ويقتدوا، إن المعبود بحق يعلم دقائق الأمور وخفاياها، وخبير بما فيه خير السامعين والمبلغين، كما هو خبير بكل شأن.
مما يقول الطبري : حدثنا ابن حميد قال ثنا يحيى بن واضح قال ثنا الأصبغ عن علقمة قال : كان عكرمة ينادي في السوق﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ﴾ قال : نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة. اه
﴿ المسلمات ﴾ النساء اللائي دخلن في الإسلام وانقدن لشرعه.
﴿ المؤمنين ﴾ المصدقين المستيقنين بما يجب اليقين والتصديق به.
﴿ القانتين ﴾ الخاضعين لجلال الله، المداومين على طاعته.
﴿ الصادقين ﴾ في أقوالهم التي يجب الصدق فيها، وفي أفعالهم.
﴿ والصابرين ﴾ والراضين المستسلمين المحتملين للمكاره، وللنهوض بالطاعة، والكف عن المعصية.
﴿ الخاشعين ﴾ المتواضعين لعظمة الله بجوارحهم وقلوبهم.
﴿ المتصدقين ﴾ الباذلين ما يحسن البذل معه من فرض أو تطوع.
﴿ والصائمين ﴾ المؤدين للصيام فرضا كان أو نفلا.
﴿ والحافظين فروجهم ﴾ الكافين فروجهم عما لا يرضى به الله سبحانه.
﴿ والذاكرين الله كثيرا ﴾ لا تزال ألسنتهم رطبة بحمد ربهم وتسبيحه واستغفاره ودعائه وتلاوة كتابه والثناء عليه، وما شرع من الصلاة والسلام على نبيه، وسائر أنواع الذكر، قياما وقعودا وعلى جنوبهم ما استطاعوا.
﴿ مغفرة ﴾ سترا للعيوب وصفحا عن معاقبتهم على صغير الذنوب.
﴿ وأجرا عظيما ﴾ ومثوبة وجزاء لا يحيطه الوصف، على ما عملوه من طاعات.
﴿ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ٣٥ ﴾
لكأن مناسة هذه الآية الكريمة لما قبلها أن الله تعالى لما عرض أماناته على أهل بيت النبي، واستحفظهم رعايتها، ووعدهم على الوفاء بها الأجر الجزيل والثواب الجميل، شاء سبحانه أن يبشر كل مصدق ومصدقة بالحق، مستقيم على الهدى والبر والرشد ومستقيمة- يبشر هؤلاء برحمة منه ورضوان، وعفو وغفران١، و﴿ إن ﴾ للتوكيد فكل داخل في الإسلام منقاد لشرعه وكل مسلمة تقية وكل مصدق مستيقن بما أوجب الله تعالى الاستيقان به، وكل مستيقنة راسخة التصديق بذلك، وكل خاضع لجلال الله سبحانه مداوم على طاعته، وكل عابدة خاضعة لعظمته وسلطانه، وكل صادق في القول الذي يجب الصدق فيه وفي أفعاله، وكل صادقة، وكل راض مستسلم محتمل للمكاره حين يقضي الله تعالى بلاء، وجلد على النهوض بالطاعة والكف عن المعصية، وكل صابرة في البأساء والضراء، وعلى طاعة ربها وعن معصيته، وكل متواضع لعزة المولى الكبير المتعال، ومخبت بقلبه وجوارحه، وكل متواضعة، وكل باذل في سبيل ما يحسن البذل من فرض أو تطوع، وكل باذلة، وكل مؤد للصيام فرضا كان أو نفلا وكل صائمة، وكل كاف فرجه عما لا يرضى الله سبحانه وكل حافظة، وكل مرطب لسانه بحمد ربه وتسبيحه واستغفاره ودعائه وتلاوة كتابه والثناء عليه، وما شرع من الصلاة والسلام على نبيه وسائر أنواع الذكر قائما وقاعدا وعلى جنبه ما استطاع وكل ذاكرة، هيأ الله تعالى لهؤلاء وادخر سترا للعيوب وصفحا عن معاقبتهم على صغائر الذنوب، وادخر لهم مثوبة وجزاء لا يحيط به الوصف على ما عملوه من طاعات، مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : وإنما وصف الذكر بالكثرة في أكثر المواضع، فقال في أول السورة :﴿ ... لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ﴾٢ وقال في الآية :﴿ والذاكرين الله كثيرا ﴾ ويجيىء بعد ذلك :﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ﴾٣ لأن الإكثار من الأفعال البدنية متعسر يمنع الاشتغال ببعضها من الاشتغال بغيرها بحسب الأغلب ولكن لا مانع من أن يذكر الله وهو آكل أو شارب أو ماش أو نائم أو مشغول ببعض الصنائع والحرف، على أن جميع الأعمال صحتها أو كمالها بذكر الله تعالى وهي النية. اه
٢ من الآية ٢١..
٣ الأية ٤١..
﴿ الخيرة ﴾ الاختيار.
﴿ يعص ﴾ يخالف.
﴿ ضلالا مبينا ﴾ انحرافا عن الحق بينا واضحا.
﴿ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ٣٦ ﴾
وما يصح ولا يحل لرجل ولا امرأة من أهل الإيمان حين يقضي الله تعالى ويختار أمرا أو شيئا من الأشياء يوحيه إلى رسوله أن يختار المؤمن بعد اختيار الله ورسوله، فليس للعبد مشيئة بعد مشيئة مولاه، بل عليه أن يجعل رأيه تبعا لرأيه عليه الصلاة والسلام، فإنه لا ينطق عن الهوى )وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون( ١، - وجمع الضمير في ﴿ لهم ﴾ رعاية للمعنى، لوقوع مؤمن ومؤمنة في سياق النفي، والنكرة الواقعة في سياقه تعم، .. وجمعه في ﴿ أمرهم ﴾ مع أنه للرسول صلى الله عليه وسلم، أو له والله عز وجل للتعظيم على ما قيل.. ما كان للمؤمنين أن يكون لهم اختيار في شيء من أمورهم إذا قضى الله ورسوله لهم أمرا... كما لا يصح لكل فرد من المؤمنين أن يكون له الخيرة، كذلك لا يصح أن يجتمعوا ويتفقوا على كلمة واحدة لأن تأثير الجماعة واتفاقهم أقوى من تأثير الواحد-٢[ إذا كان ذلك سائقا إلى اختيار خلاف ما أمر الله ورسوله ]٣، ﴿ ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا ﴾ ومن يخالف أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد اعوج عن الحق، وحار ومال عن الرشد، انحرافا وميلا ليس باليسير ولا بالقريب، وإنما هو مبعد في الجور والغواية.
وقد أورد المفسرون أكثر من سبب لنزول هذه الآية، مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن : في هذه الآية دليل بل نص٤ في أن الكفاءة لا تعتبر في الأحساب، وإنما تعتبر في الأديان، خلافا لمالك والشافعي والمغيرة وسحنون، وذلك أن الموالي تزوجت في قريش : تزوج زيد زينب بنت جحش، وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير، وتزوج بلال أخت عبد الرحمن بن عوف. اه
٢ ما بين العلامتين من روح المعاني..
٣ ما بين العلامتين[ ] أوردته قيدا للعبارة الأخيرة، مخافة الوقوع في اللبس..
٤ عن قتادة وابن عباس....
﴿ وأنعمت عليه ﴾ ربيته وأعتقته وتبنيته وقربته.
﴿ أمسك عليك ﴾ احبس واستدم.
﴿ مبديه ﴾ مظهره.
﴿ تخشاه ﴾ تخافه.
﴿ وطرا ﴾ مقصدا وحاجة.
﴿ حرج ﴾ ضيق أو إثم.
﴿ أدعيائهم ﴾ الذين تبنوهم.
﴿ مفعولا ﴾ متحققا.
﴿ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا ٣٧ ﴾١
الخطاب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن في الكلام فعلا محذوفا تقديره : واذكر إذ تقول لواحد ممن أكمل الله لهم الدين وأتم عليهم النعمة، فشرح صدره للإسلام، وأنعمت أنت عليه فتعهدته صغيرا بالتربية وأعتقته وفككت رقبته، فغدا حرا بعد أن كان عبدا، ثم تبنيته وقربته، حتى زوجته ابنة عمتك- تقول لهذا المنعم عليه وقد جاء يشكوا إليك نفور زوجته وتكبرها عليه، ويستأذنك في طلاقها، وأنت تعظه أن يحرص على الإمساك بزوجته، وعدم التفريط في صحبتها، وقد أعلمتك أنه مطلقها ومفارقها تقول ذلك ربما لخشية أن يقول الناس : تزوج من مطلقة ابنه، أو : رغبه في طلاقها ليتزوجها بعده، لكن الأحق بالخشية هو الله العليم الخبير، فلما فرغت حاجة زيد منها، وطلقها وانقضت عدتها منه زوجتكها، لئلا يتحرج مؤمن بعد ذلك من تزوج مطلقة متبناه إذا رغب في مثل الزواج.
كما شرعت لكم في كتابي ﴿ .. وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما ﴾٢ وإنما الذي حرمته عليكم أن يتزوج مسلم من مطلقة ابنه أو أرملته :).. وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم.. ( ٣، ﴿ وكان أمر الله مفعولا ﴾ شرعتي نافذة، وأمري إذا أردت شيئا أن يقول له كن فيكون، مما أورد صاحب روح المعاني : والمراد بالموصول﴿ ما الله مبديه ﴾ على ما أخرج الحكيم الترمذي وغيره عن علي بن الحسين رضي الله عنهما ما أوحى الله تعالى به إليه : أن زينب سيطلقها زيد ويتزوجها بعد عليه الصلاة والسلام، وإلى هذا ذهب أهل التحقيق من المفسرين كالزهري وبكر بن العلاء، والقشيري والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم، ﴿ وتخشى الناس ﴾ تخاف من اعتراضهم، وقيل : أي تستحي من قولهم : إن محمدا صلى الله عليه وسلم تزوج زوجة ابنه، والمراد بالناس : الجنس أو المنافقون، وهذا عطف على ما تقدم أو حال... وحاصل العتاب : لم قلت : أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك ؟ وهو مطابق للتلاوة، لأن الله تعالى أعلم أنه مبدي ما أخفاه عليه الصلاة والسلام، ولم يظهر غير تزويجها منه فقال سبحانه :﴿ زوجناكها ﴾ فلو كان المضمر محبتها وإرادة طلاقها ونحو ذلك لأظهره جل وعلا، وللقصاص في هذه القصة كلام لا ينبغي أن يجعل في حيز القبول.. اه
أقول : ونقل بعض المفسرين عن هؤلاء القصاص فرى على نسق بهتان الإسرائيليين، وقدحهم في عصمة الأنبياء والمرسلين- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- وتلقف المستشرقون المتربصون بالإسلام مثل هذه الفرى، وكتبوا حولها الكثير من الزور، ابتغاء الفتنة، ومضاهاة لما هو مسطور عندهم في العهدين القديم والجديد، ولما تنضح به نفوسهم من العكوف على الشهوات، والضغن على الأطهار الداعين إلى الرشد، ألا إن محمدا الصادق الأمين طهره الله تعالى تطهيرا، ولبث قبل زواج زيد من زينب-أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها- عمرا هو إلى الشباب أقرب، ما كان همه إلا للمعالي، وكيف لا وهو المبعوث لهداية الإنس والجن، بل لقد كان إبان شبابه وقبل أن تأتيه الرسالة مثال السمو والعفة :
ألم ينعته أكبرهم عتيا | أمينا صادقا قبل التنبي |
وكفى بالله تعالى شهيدا، فصريح الآية بين في أن المولى الحكيم إنما قضى هذا الأمر﴿ لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا ﴾، روى البخاري- بسنده – عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : إن هذه الآية﴿ .. وتخفي في نفسك ما الله مبديه.. ﴾ نزلت في شأن زينب٤ بنت جحش وزيد بن حارثة رضي الله عنهما، مما أورد صاحب تفسير القرآن العظيم... الله تعالى أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد رضي الله عنه ليشكوها إليه قال :" اتق الله وأمسك عليك زوجك " فقال : قد أخبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه... وكان الذي ولى تزويجها منه هو الله عز وجل، بمعنى أنه أوحى إليه أنه يدخل عليها بلا ولي ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر. وقد روى البخاري رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : إن زينب بنت جحش رضي الله عنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول : زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات. اه.
أخرج أحمد ومسلم والنسائي، وغيرهم عن أنس قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد :" اذهب فاذكرها علي " فانطلق، قال : فلما رأيتها عظمت في صدري، فقلت : يازينب أبشري، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليها بغير إذن، مما نقل صاحب الجامع لأحكام القرآن – عن الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن علي بن الحسين- قوله : وأخذتك خشية الناس أن يقولوا : تزوج امرأة ابنه، والله أحق أن تخشاه، وقال النحاس : ليس هذا٥ من النبي صلى الله عليه وسلم خطيئة، ألا ترى أنه لم يؤمر بالتوبة ولا بالاستغفار منه، وقد يكون الشيء ليس بخطيئة إلا أن غيره أحسن منه، وأخفى ذلك في نفسه خشية أن يفتن الناس، ثم أورد مزيدا من البيان نقله عن القاضي أبي بكر العربي، فقال : قال ابن العربي : فإن قيل : لأي معنى قال له :﴿ أمسك عليك زوجك ﴾ وقد أخبره الله أنها زوجه ؟ قلنا : أراد أن يختبر منه ما لم يعلمه الله من رغبته فيها أو رغبته عنها، فأبدى له زيد من النفرة عنها والكراهة فيها ما لم يكن علمه من أمرها، فإن قيل : كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لا بد منه ؟ وهذا تناقض، قلنا : بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة، لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة، ألا ترى أن الله تعالى يأمر العبد بالإيمان وقد علم أنه لا يؤمن، فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلا وحكما، وأراد نهي تنزيه لا نهي تحريم، لأن الأولى ألا يطلق، وقيل :﴿ اتق الله ﴾ فلا تذمها بالنسبة إلى الكبر وأذى الزوج.. ثم يتابع : روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لزيد :" ما أجد في نفسي أوثق منك فأخطب زينب علي " قال : فذهبت ووليتها ظهري توقيرا للنبي صلى الله عليه وسلم، وخطبتها ففرحت وقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر- أشاور، وأستخير ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بها، قلت : معنى هذا الحديث ثابت في الصحيح وترجم له النسائي :[ صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها ] روى الأئمة – واللفظ لمسلم- عن أنس[ وفيه زيادة – لما انقضت عدة زينب- وليس فيه : ففرحت ].. ويتابع القرطبي : لما وكلت أمرها إلى الله وصح تفويضها إليه تولى الله إنكاحها.. كان يقال زيد بن محمد حتى نزل﴿ ادعوهم لآبائهم ﴾ فقال : أنا زيد بن حارثة وحرم عليه أن يقول : أنا زيد بن محمد، فلما نزع منه هذا الشرف وهذا الفخر، وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بخصيصة لم يكن يخص بها أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أنه سماه في القرآن... ومن ذكره الله تعالى باسمه في الذكر الحكيم حتى صار اسمه قرآنا يتلى في المحاريب نوه به غاية التنويه. اه.
٢ سورة الأحزاب. من الآية ٤ والآية ٥..
٣ سورة النساء. من الآية ٢٣..
٤ وأمها: أميمة بنت عبد المطلب..
٥ أي قوله عليه الصلاة والسلام لزيد:" اتق الله وأمسك عليك زوجك" مع علمه صلوات الله عليه وسلامه أن زيدا سيطلقها وستكون من زوجاته..
﴿ فرض ﴾ قسم وقدر.
﴿ سنة الله ﴾ منهاجه الذي شرعه.
﴿ خلوا ﴾ مضوا.
﴿ قدرا ﴾ شيئا قدره ربنا الحكيم بقدر معلوم، ولعاقبة محمودة.
﴿ مقدورا ﴾ ليس فيه تفاوت، ولا تفوته الحكمة.
﴿ ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا ٣٨ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ٣٩ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ٤٠ ﴾
نبأ من العليم الخبير أنه ليس على نبينا البشير النذير من ضيق ولا إثم في أن ينال ما قسم الله تعالى وقضى وأحل من توسعة في عدد الزوجات، فتلك شرعة ربنا، وسنته في الذين بعثهم قبل نبينا، والمولى بحكمته يشرع ما تحمد عاقبته، وإن خفي على بعض العقول سره، لكن ربي يقول الحق، وهو يهدي السبيل، وما يأمر إلا بما أتقن وأحكم، ليس فيه تفاوت، ولا يفوته خير ولا بر ولا رشد ولا إتقان، [ يروى أن اليهود- قاتلهم الله تعالى- عابوه وحاشاه من العيب صلى الله عليه وسلم- بكثرة النكاح وكثرة الأزواج، فرد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه :﴿ سنة الله.. ﴾ الآية ]١، أقول : وقد انبعث أشقياؤهم وأولياؤهم من الملاحدة وأعداء الدين يفسرون تعدد زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لم يكن إلا استجابة لدافع شهواني، وكذبوا، فأين كان الدافع الشهواني- الذي نسبوه زورا وبهتانا إلى النبي- أين كان يوم تزوج وهو في مقتبل عمره من امرأة ثيب تكبره سنا بخمسة عشر عاما ؟ ولم يتزوج من أخرى حتى ماتت رضي الله تعالى عنها، وعمره -صلى الله عليه وسلم- إذ ذاك قرابة خمسين سنة، ولو أراد يومئذ أن يتزوج من أجمل فتيات قريش لما فاته ذلك، لكنه آثر الزوجة الحكيمة ذات العقل الراجح، ثم لم يتزوج بعدها بكرا إلا عائشة رضي الله تعالى عنها، ولقد دخل بها دون العاشرة من عمرها، وسائر نسائه- أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن جميعا- كن صواحب بلاء في سبيل هذا الدين، مثل أم حبيبة رضي الله تعالى عنها، وهي التي هاجرت إلى الحبشة فارة بدينها معرضة عن جاه أبيها أبي سفيان زعيم قريش يومذاك، ثم تضاعف بلاؤها فتنصر زوجها وهلك في مغتربه، ولم ينل هذا البلاء الشديد من إيمانها، فكرمها ربها وعوضها خير عوض، فرجعت من مهجرها زوجة لنبيها، وكذا أم سلمة التي ما كان لها بالرجال من حاجة وإنما هو التشرف بالمقام المقام في بيت النبوة، وطائفة منهن كان لآبائهن ما يذكر فيشكر من الوفاء بعهد الله، والصدق في العمل لإعلاء كلمته ونشر دعوته، كأم المؤمنين حفصة بنت عمر، أو كانت ذات حسب في قومها، يرجى به أن يكون سببا في كف الأذى عن المسلمين كأم المؤمنين صفية بنت حيي، وهل المبعوث إلى الناس كافة، بل إلى معشر الإنس والجن، والذي يقوم ذاكرا متهجدا تاليا راكعا ساجدا أدنى من ثلثي الليل، إلى غسق الليل وقرآن الفجر، و معظم نهاره معلما مزكيا، وداعيا وهاديا، ومعاهدا أو مصالحا أو محاربا، هل مثل هذا الذي حمل أمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وأدى صلى الله عليه وسلم الأمانة على وجهها، وبلغ الرسالة ونصح للأمة، هل مثل هذا النبي السراج المنير يمكن أن يكون انبعاثه لأمر شهواني ؟ حاشا ! بل كان كل سعيه وهمه، ويقظته ومنامه ابتغاء مرضاة الله، ودعوة إلى حمله من لدن مولاه :)قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين( ٢- والمراد بالقدر عن جمع : المعنى المشهور للقضاء، وهو الإرادة الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه... والقضاء والقدر يستعمل كل منهما بمعنى الآخر.... وظاهر كلام الإمام اختيار أن الأمر واحد الأمور، وفرق بين القضاء والقدر بما لم نقف عليه لغيره فقال ما حاصله : القضاء ما يكون مقصودا له تعالى في الأصل، والقدر ما يكون تابعا، والخير كله بقضاء، وما في العالم من الضرر بقدر.. -٣.
٢ سورة الأنعام. الآيتان: ١٦٢، ١٦٣..
٣ ما بين العارضتين نقله صاحب روح المعاني..
﴿ حسيبا ﴾ كافيا للمخاوف، أو محاسبا على ما صغر أو كبر.
﴿ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ﴾
الذين مضوا موصوفون بأنهم الذين يبلغون ما أرسلهم به ربهم أو هم الذين يبلغون، أو أخص الذين يبلغون.. ، ويخافون الله تعالى في كل ما يقولون ويفعلون، وفي كل ما يأتون، ويذرون، في خاصة أنفسهم أو فيما بينهم وبين الخلق، أو فيما بينهم وبين الله الملك الكبير، ولا يخافون أحدا سوى الله، فهم يجهرون بالحق ويدعون إلى الخير ولو كره المبطلون والمشركون والمفسدون، ويحتملون في سبيل ذلك ولا يتوانون ولا يقصرون، وبحسبهم تأييد القوي القهار، الغالب على كل أمر، القائم على كل نفس، وأورد صاحب روح المعاني بحثا تنازل فيه التقية وحكمها ومذهب أهل السنة فيها، ومذهب الشيعة والخوارج والزيدية، ثم أورد حكم الهجرة، إذا خيف من عدو، ثم قسم الخوف والخشية قال : واستدل بالآية على عدم جواز التقية على الأنبياء عليهم السلام مطلقا، وخص ذلك بعض الشيعة في تبليغ الرسالة، وجعلوا ما وقع منه صلى الله تعالى عليه وسلم في هذه القصة المشار إليها بقوله تعالى :﴿ وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ﴾ بناء على أن الخشية فيه بمعنى الخوف، لا على أن المراد الاستحياء من قول الناس : تزوج زوجة ابنه- كما قال ابن فورك –من التقية الجائزة حيث لم تكن في تبليغ الرسالة، ولا فرق عندهم بين خوف المقالة القبيحة وإساءة الظن، وبين خوف المضار في أن كلا يبيح التقية فيما لا يتعلق بالتبليغ ولهم في التقية كلام طويل، ولأغراضهم ظل ظليل، والمتتبع لكتب الفرق يعرف أن قد وقع فيها إفراط وتفريط وصواب وتخليط وأن أهل السنة والجماعة قد سلكوا فيها الطريق الوسط، وهو الطريق الأسلم الأمين سالكه من الخطأ والغلط، أما الإفراط فللشيعة حيث جوزوا بل أوجبوا- على ما حكي عنهم- إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع، وأما التفريط فللخوارج والزيدية حيث لا يجوزون في مقابلة الدين مراعاة العرض وحفظ النفس والمال أصلا، وللخوارج تشديديات عجيبة في هذا الباب، وقد سبوا وطعنوا بريدة الأسلمي أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب أنه رضي الله عنه كان يحافظ فرسه في صلاته خوفا من أن يهرب، ومذهب أهل السنة أن التقية وهي محافظة النفس أو العرض أو المال من نحو الأعداء بإظهار محظور ديني مشروعة في الجملة وقسموا العدو إلى قسمين : الأول- من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين كالمسلم والكافر، ويلحق به من كانت عداوته لاختلاف المذهب اختلافا يجر إلى تكفير أصحاب أحد المذهبين أصحاب المذهب الآخر كأهل السنة والشيعة. والثاني- من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمرأة، وعلى هذا تكون التقية أيضا قسمين : أما الأول فالتقية ممن كانت عداوته مبينة على اختلاف الدين حقيقة أو حكما، وقد ذكروا في ذلك أن من يدعي الإيمان إذا وقع في محل لا يمكن أن يظهر فيه ما هو عليه لتعرض المخالفين، وجب عليه أن يهاجر إلى محل يقدر فيه على الإظهار، ولا يجوز له أن يسكن هنالك ويكتم دينه بعذر الاستضعاف فأرض الله تعالى واسعة، نعم، إن كان له عذر غير ذلك كالعمى والحبس وتخويف المخالف له بقتله أو قتل ولده أو أبيه أو أمه على أي وجه كان القتل، تخويفا يظن معه وقوع ما خوف به جاز له السكنى والموافقة بقدر الضرورة، ووجب عليه السعي في الحيلة للخروج، وإن لم يكن التخويف كذلك فالتخويف بفوات المنفعة أو بلحوق المشقة التي يمكنه تحملها كالحبس مع القوت والضرب القليل غير المهلك لا يجوز له الموافقة وإن ترتب على ذلك موته كان شهيدا، وأما الثاني فالتقية ممن كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية، وقد اختلف العلماء في وجوب الهجرة وعدمه فيه، فقال بعضهم : تجب الهجرة لوجوب حفظ المال والعرض، وقال جمع : لا تجب، إذ الهجرة عن ذلك المقام مصلحة من المصالح الدنيوية، ولا يعود بتركها نقصان في الدين : إذ العدو المؤمن كيفما كان لا يتعرض لعدوه الضعيف المؤمن مثله بالسوء، من حيث هو مؤمن... بقي لنا فيما يتعلق بالآية شيء وهو ما قيل : إنه سبحانه وصف المرسلين الخالين عليهم الصلاة والسلام... بأنهم لا يخشون أحدا إلا الله وقد أخبر عز وجل عن موسى عليه السلام بأنه قال :).. إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى( ١، وهل خوف ذلك إلا خشية غير الله تعالى، في وجه الجمع ؟ قلت : أجيب بأن الخشية أخص من الخوف، قال الراغب الخشية : خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، وذكر عدة آيات منها هذه الآية، ونفي الخاص لا يستلزم نفي العام.. وقيل : إن موسى عليه السلام إنما خاف أن يجعل فرعون عليه بما يحول بينه وبين إتمام الدعوة وإظهار المعجزة فلا يحصل المقصود من البعض فهو خوف الله عز وجل.. اه.
﴿ خاتم النبيين ﴾ ختم الله تعالى به النبوة والرسالة فلا وحي بعده.
﴿ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ﴾ لم يكن محمد أبا زيد بن حارثة ولا أبا أحد من ذكورهم البالغين- أي لم يلده، إذ كل أبنائه صلى الله عليه وسلم ماتوا صغارا قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال- فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها، وإنما هو أب١ لأمته من حيث الشفقة والنصيحة ورعاية حقوق التعظيم معه، فهو مبعوث الله إلى كافة المكلفين، وبه ختم الله النبيين، ومجيء عيسى بعده لا ينافي كونه خاتم النبيين، فإنه عليه السلام سينزل يصلي إلى قبلة المسلمين، ويتعبد بعبادتهم كواحد من أمتهم، أخرج أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى دارا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها فجعل الناس يطوفون به ويتعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ".
[ ﴿ وكان الله بكل شيء عليما ﴾ فيعلم سبحانه الأحكام والحكم التي بينت فيما سبق، والحكمة في كونه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين، في الصحيحين عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله تعالى به الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي "، قال ابن عطية : هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفا وسلفا متلقاة على العموم التام، مقتضية نصا أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، وما ذكره القاضي أبو الطيب في كتابه المسمى بالهداية : من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف، وما ذكره الغزالي في هذه الآية، وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالاقتصاد، إلحاد عندي، وتطرق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلى الله عليه وسلم النبوة، فالحذر الحذر منه ! والله الهادي برحمته. اه
يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله اذكروا الله بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ذكرا كثيرا، فلا تخلوا أبدانكم من ذكره في حال من أحوال طاقتكم ذلك، ولعظم الأجر فيه قال ابن عباس : لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله، وأصدق الحديث كتاب الله، فإن بيانه لمن هم( أولوا الألباب ) يعلمنا ماذا على من أراد ينهض بأمانة الذكر الكثير :)الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض.. ( ١ وفي المأثور : خيركم من طال عمره وحسن عمله، لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى.
﴿ ليخرجكم من الظلمات إلى النور ﴾ بهدايته ورحمته كره إليكم الكفر والفسوق، وحبب إليكم الإيمان والرشد، فتركتم ظلمات المعاصي إلى نور الصلاح والطاعة، ﴿ وكان بالمؤمنين رحيما ﴾ ورحمته الواسعة لا تنفك عن المؤمنين دنيا وآخرة، فإنه سبحانه كان وما يزال بالغ الرحمة، وهو أرحم الراحمين، وفي يوم الفزع الأكبر، يوم الحاقة والطامة والصاخة والقارعة ويوم الحسرة، يحييهم ربهم بالسلام، وتحييهم ملائكته بالسلام، ويدخلهم الجنة دار السلام، -وأحرى الأقوال بالقبول عندي أن الله تعالى يسلم عليهم يوم يلقونه إكراما لهم وتعظيما-٢، وهيأ لهم ثوابا جزيلا، ونعيما جليلا جميلا.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
تشريف للنبي الكريم عليه الصلوات والتسليم، وتكريم وتعظيم له وللمؤمنين، وتبين لما حمل صلى الله عليه وسلم من أمانات من لدن مولانا الكبير المتعال، فالله الحكيم بعث نبيه شاهدا على أمته، أو على الشهداء، كما تشير إلى ذلك آية مباركة :)فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا( ١، [ ﴿ شاهدا ﴾ على من بعثت إليهم، تراقب أحوالهم، وتشاهد أعمالهم، وتتحمل عنهم الشهادة بما صدر عنهم من التصديق والتكذيب وسائر ما هم عليه من الهدي والضلال، وتؤديها يوم القيامة أداء مقبولا فيما لهم وما عليهم ]٢، ولقد شهد القرآن أن عيسى عليه السلام أقر- كما بين الكتاب العزيز- بأنه شاهد على أمته مدة إقامته بينهم :).. وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد( ٣، )توفيتني ) لعل معناها : رفعتني إلى سماواتك، ﴿ ومبشرا ﴾ تخبر أهل الإيمان والطاعة بثواب ربهم ونعيمه، فيسرون بذلك سرورا يظهر أثره على وجوههم وبشرتهم، ﴿ ونذيرا ﴾ تحذر وتخوف عاقبة الفسوق والعصيان والكفر والطغيان، من خزي في الدنيا، وفي الآخرة عذاب وهوان وخسران.
٢ ما بين العلامتين [ ] أورده الألوسي..
٣ سورة المائدة. من الآية ١١٧..
٢ السليط: الزيت..
﴿ تمسوهن ﴾ تلامسوهن، وتدخلوا بهن، وتجامعونهم.
﴿ عدة ﴾ أيام تنتظر بها المرأة، فإذا انقضت يحل لها التزويج.
﴿ تعتدونها ﴾ تحصونها عليهن.
﴿ متعوهن ﴾ أعطوهن ما يستمتعن به من مال أو ما يقوم بمال.
﴿ وسرحوهن ﴾ خلوا سبيلهن، واتركوهن.
﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ٤٩ يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك التي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما ٥٠ ترجي من تشاء منهن وتأوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما ٥١ لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا ٥٢ ﴾
يا أيها الذين صدقتم بالله تعالى وبكتابه ورسوله وما يجب التصديق به، إذا عقد أحدكم عقد زواج مؤمنة ثم طلقها قبل أن يلامسها، ويدخل بها ويجامعها فليس له عليها من مدة يحبسها، وتنتظر بها المرأة دون زواج حتى تنقضي، ليس عليها إحصاء شيء من ذلك، بل بمجرد طلاقها قبل الدخول لها أن تتزوج إذا شاءت دون أن تقضي مدة بين طلاقها من ذاك وتزوجها من غيره، فأعطوهن ما يستمتعن به من مال أو عرض أو منفعة وما يقوم بمال، وهل هو نصف المهر المقدر، أو منحة أخرى ندبنا إليها تعويضا للمرأة عن فقدان نعمة السكن إلى زوج ؟ بكل قيل !، وخلوا سبيلها واتركوها، وليكن الفراق بالمعروف، فذلك يجمل من أهل الإيمان أن يتعاملوا بالفضل.
ثم بينت الآيات بعدها ماذا أحل الله تعالى لنبيه من الأزواج، وماذا شرع له في التعامل معهن، وماذا أحل من الاستمتاع بجواريه وإمائه بملك اليمين، مما أغنمه الله تعالى به وأظفره عليه، وماذا أحل للمؤمنين من زوجات، لا يتجاوز أحدهم أربعا، وله أن يستمتع بجواريه وإمائه بملك اليمين دون تحديد، وأن الشارع الحكيم حبب إلينا أن نقر أعين الأزواج، ولا نحزنهن، بل نرضيهن بما أذن الله تعالى أن نرضيهن به من سكون إليهن ومودة ورحمة، وعدل وفضل.
﴿ أجورهن ﴾ مهورهن.
﴿ وما ملكت يمينك ﴾ الجارية المملوكة.
﴿ مما أفاء الله عليك ﴾ من السبي.
﴿ هاجرن معك ﴾ هاجرن الهجرة التي ألزمناها من كان معك من أصحابك.
﴿ يستنكحها ﴾ أي يتملك المتعة بها، ويقبل هبتها.
﴿ خالصة لك ﴾ أحللناها خالصة لك لا تحل لأحد غيرك.
﴿ يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ﴾ نساؤك اللاتي تزوجتهن- رضوان الله عليهن- وأعطيتهن مهورهن أحللناهن لك، وإن تجاوزن الأربع- خصصناك بذلك من دون المؤمنين، كسنتنا في إخوانك المرسلين السابقين- )ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية.. ( ١.
﴿ وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ﴾ وأحللنا لك الاستمتاع بما ملكت يمينك من الجواري مما أغنمك الله تعالى وسبيتموه إذ تقاتلون عدوكم وتجاهدونه، وما في حكمه مما سبيله التملك المأذون به.
﴿ وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك ﴾ ومن ترغب تزوجها من أقاربك- من غير المحارم- إذا كانت من أهل الإيمان والهجرة، إذ الدخول في الإسلام آنذاك دون هجرة من مكة إلى المدينة لم يكن يبلغ بصاحبه درجة أن يكون من أولياء الأمة المؤمنة، يقول الله جل علاه :).. والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا.. ( ٢، فكيف تصلح واحدة لم تهاجر ولا ولاية لها مع أمة الإيمان كيف تصلح مثل هذه أن تكون زوجة للنبي وأما للمؤمنين ؟.
﴿ وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ﴾ ولك – دون سائر المؤمنين- أن تقبل هبة امرأة نفسها لك إن أردت ذلك، وقبلت الموهوبة، ليس عليك مهر لها.
﴿ قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم ﴾ شرعنا لك وللمؤمنين ما شرعناه في الزوجات، والجواري الإماء، وعلمنا أن في هذا التشريع الحكمة، ﴿ لكي لا يكون عليك حرج ﴾ ليس عليك من ضيق في ذلك، فلست تفرض من عندك، إنما هو الوحي أوحي إليك على علم تام، وبتقدير وإحكام، ﴿ وكان الله غفورا رحيما ﴾ والمعبود بحق كان وما يزال كثير الغفران لمن أساء ثم بدل حسنا بعد سوء، وكان ربنا ومولانا وما يزال رحيما بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.
٢ سورة الأنفال. من الآية ٧٢..
﴿ وتؤوي ﴾ وتمسك وتضم.
﴿ ابتغيت ﴾ طلبت.
﴿ عزلت ﴾ تجنبت.
﴿ أدنى ﴾ أقرب.
﴿ تقر أعينهن ﴾ يبتهجن، وتسر خواطرهن.
﴿ ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ﴾ تؤخر من زوجاتك وإمائك من ترغب تأخيرها، وتضم إليك وتقرب من تريد تقريبها، ومن طلبت ممن أقصيت فلا إثم عليك في ذلك ولا تضييق، ﴿ ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن ﴾ ذلك الذي شرعته لك أقرب إلى سرورهن، ورضا خواطرهن جميعهن – ومن ابتغيت إصابته من نسائك ممن عزلت عن ذلك منهن فلا جناح عليك، لدلالة قوله :﴿ ذلك أدنى أن تقر أعينهن ﴾ على صحة ذلك، لأنه لا معنى لأن تقر أعينهن إذا هو صلى الله عليه وسلم استبدل بالميتة أو المطلقة منهن.
وقوله :﴿ ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ﴾ يقول : هذا الذي جعلته لك يا محمد من إذني لك أن ترجي من تشاء من النساء اللواتي جعلت لك إرجاءهن، وتؤوي من تشاء منهن، ووضعي عنك الحرج في ابتغائك إصابة من ابتغيت إصابته من نسائك، وعزلك عن ذلك من عزلت منهن، أقرب لنسائك أن تقر أعينهن به، ولا يحزن، ويرضين كلهن بما آتيتهن كلهن، من تفضيل من فضلت من قسم أو نفقة، وإيثار من آثرت منهن بذلك على غيره من نسائك، إذا هن علمن أنه من رضاي منك بذلك، وإذني لك به، وإطلاق مني لا من قبلك... والله يعلم ما في قلوب الرجال من ميلها إلى بعض من عنده من النساء دون بعض بالهوى والمحبة، يقول : فلذلك وضع عنك الحرج يا محمد فيما وضع عنك من ابتغاء من ابتغيت منهن ممن عزلت تفضلا منه عليك بذلك وتكرمة، ﴿ وكان الله عليما ﴾ وكان الله ذا علم بأعمال عباده وغير ذلك من الأشياء كلها، ﴿ حليما ﴾ يقول : ذا حلم عن عباده أن يعاجل أهل الذنوب منهم بالعقوبة، ولكنه ذو حلم وأناة عنهم ليتوب من تاب منهم، وينيب من ذنوبه من أناب منهم-١.
﴿ لايحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك ﴾ [ ﴿ يحل ﴾ بالياء لأن تأنيث الجمع غير حقيقي.. والمراد بالنساء : الجنس الشامل للواحدة، ولم يؤت بمفرده لأنه لا مفرد له من لفظه، والمرأة شاملة للجارية وليست بمرادة، واختصاص النساء بالحرائر بحكم العرف.. ﴿ من بعد ﴾ قيل : أي من بعد التسع اللاتي في عصمتك اليوم.. لما خيرهن فاخترن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قصره عليهن... وفي رواية أخرى عن عكرمة أن المعنى : لا يحل لك النساء من بعد هؤلاء.. فلا يحل له صلى الله عليه وسلم ما وراء الأجناس الأربعة كالأعرابيات والغرائب ]١. ﴿ ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك ﴾ ولا يحل لك أن تطلق أزواجك فتستبدل بهن غيرهن أزواجا.
﴿ وكان الله على كل شيء رقيبا ﴾ الله العليم الخبير القوي، القدير على كل شيء من الأشياء- ومنه ما أحل لك وحرم عليك- قائم وحفيظ، ومطلع لا يعزب عنه علم شيء من ذلك، ولا يؤوده حفظ كل ما يكون واستنساخه.
﴿ فانتشروا ﴾ فانصرفوا وتفرقوا، ولا تلبثوا.
﴿ فيستحيي منكم ﴾ فيستحيي من إخراجكم، وأمركم بالانصراف.
﴿ متاعا ﴾ شيئا يتمتع به كالماعون مثلا.
﴿ أن تؤذوا رسول الله ﴾ أن تفعلوا فعلا يكرهه ويتأذى به.
﴿ تبدوا ﴾ تظهروا.
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث إن ذالكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ٥٣ إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله بكل شيء عليما ٥٤ لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا٥٥ ﴾
أدب الله سبحانه المؤمنين بما يرضاه لنبيه الكريم في حياته وبعد مماته، فبين أنه- تبارك اسمه- لا يأذن لمؤمن أن يدخل بيتا من بيوت النبي إلا أن يدعى إلى طعام أو وليمة، فيدخل حين ينضج الطعام، ، ولا يبادر قبل ذلك، ، ولكن إذا دعي للدخول فليدخل، فإذا طعم انصرف وقام من مجلسه، ولم يمكث بعد تناول الطعام ليستأنس ويتحدث، فإن طول المكث في بيوت النبي يمنع النبي صلى الله عليه وسلم، ويمنع أهله راحتهم، وفي هذا ما يغضب الرسول- صلوات الله عليه- ويؤذيه، لكنه عليه السلام كان يستحيي أن يقول لضيفه بعد أن يطعم : قم وانصرف ! لكن المولى الكبير المتعال يقول الحق ولا يتركه استحياء من أحد من المخلوقين ١.
﴿ وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ﴾ وأدب ثان المولى به أهل الإسلام، وكيف يتحدثون إلى زوجات النبي أمهات المؤمنين، وأن المحتاج إلى سؤالهن عن شيء لا يدخل عليهن، وإنما يكلمهن من وراء حجاب، وهن في سترهن وحجرهن، ولا يخرجن إليه، ولا يدخل إليهن، وفي ذلك تطهر أكثر لقلب الرجل وقلب المرأة، وما صح وما استقام لكم أن تفعلوا شيئا يكرهه النبي في حياته- كالذي نهيتم عنه من الدخول إلى بيوته، أو ملاقاة نسائه، إلا إذا دعيتم إلى وليمة فادخلوا بقدر ما تتناولون الطعام ثم انصرفوا، ومن بعد وفاته لا يحل لأحد منكم أن ينكح ويتزوج أية زوجة من أزواجه صلى الله عليه وسلم فإنهن أمهات لكل مؤمن، فكيف يستحل من جعلها الله تعالى بمنزلة أمه ؟ ﴿ إن ذلكم كان عند الله عظيما ﴾ إن إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وفعل ما يكرهه حيا أو ميتا جرم عظيم عند الله وفي حكمه عز وجل، روى البخاري – بسنده – عن أنس رضي الله تعالى عنه قال ! قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ! فأنزل الله تعالى آية الحجاب، وكان رضي الله تعالى عنه حريصا على حجابهن، وما كان ذاك إلا حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى الصحيح عن ابن عمر قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر.
﴿ والله لا يستحيي من الحق ﴾- أي لا يمتنع من إظهاره وبيانه، ولما كان ذلك يقع من البشر لعلة الاستحياء نفي عن الله تعالى العلة الموجبة لذلك في البشر، وفي الصحيح عن أم سلمة قالت : جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا رأت الماء "، ... استدل بعض العلماء بأخذ الناس عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب على جواز شهادة الأعمى، وبأن الأعمى يطأ زوجته بمعرفته بكلامها، وعلى إجازة شهادته أكثر العلماء، ولم يجزها أبو حنيفة والشافعي وغيرهما، قال أبو حنيفة : تجوز في الأنساب، وقال الشافعي : لا تجوز إلا فيما رآه قبل ذهاب بصره.. قد بينا سبب نزول الحجاب من حديث أنس : وقول عمر، وكان يقول لسودة إذا خرجت وكانت امرأة طويلة : قد رأيناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، ولا بعد في نزول الآية عند هذه الأسباب كلها- والله أعلم -...
﴿ لا جناح عليهن في آبائهن ﴾ لا إثم على أزواج النبي في ترك الحجاب من آبائهن.
﴿ ولا نسائهن ﴾ نساء المؤمنات.
﴿ واتقين الله ﴾ أطعنه واستدمن العمل الذي يرضاه. ﴿ لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهم ﴾ لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب ؟ فنزلت هذه الآية.. ذكر الله تعالى في هذه الآية من يحل للمرأة البروز له، ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين، وقد يسمى العم أبا، قال الله تعالى :.. ) نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل.. ( ١ وإسماعيل كان العم، قال الزجاج : العم والخال ربما يصفان المرأة لولديهما، فإن المرأة تحل لابن العم وابن الخال فكره لهما الرؤية، وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها، ..
﴿ واتقين الله ﴾.. كأنه قال : اقتصرن على هذا واتقين الله في أن تتعدينه إلى غيره، وخص النساء بالذكر، وعينهن في هذا الأمر، لقلة تحفظهن وكثرة استرسالهن، والله أعلم- ٢﴿ إن الله كان على كل شيء شهيدا ﴾ فليترسخ اليقين، وليتأكد التصديق بأن الله المعبود، السميع البصير حاضر لا يغيب، فليحذر الذين يخالفون عن أمره، فإنه سبحانه سيجازي على الأعمال بحسبها :)وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين( ٣ [ واخشينه في الخلوة والعلانية، فإنه شهيد... فراقبن الرقيب ]٤.
٢ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
٣ سورة يونس. الآية ٦١..
٤ ما بين العلامتين[ ] مما أورد ابن كثير..
هذه الآية شرف الله تعالى بها رسوله عليه السلام، حياته وموته، وذكر منزلته منه، وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء، أو في أمر زوجاته، ونحو ذلك، والصلاة من الله : رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره-١ قال البخاري : قال أبو العالية : صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، وقال ابن عباس :﴿ يصلون ﴾ يبركون، هكذا علقه البخاري عنهما٢.
وقد أخبر سبحانه وتعالى بأنه يصلي على عباده المؤمنين في قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا. هو الذي يصلي عليكم وملائكته ﴾ الآية، وقال تعالى :).. وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات ن ربهم( ٣ الآية، وفي الحديث :" إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف " وفي الحديث الآخر :" اللهم صل على آل أبي أوفى " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة جابر وقد سألته أن يصلي عليها وعلى زوجها :" صلى الله عليك وعلى زوجك ".
وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصلاة عليه، وكيفية الصلاة عليه... قال البخاري عند تفسير هذه الآية... عن كعب بن عجرة قال : قيل يا رسول الله ! أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة ؟ قال :" قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ".... ومعنى قولهم : أما السلام عليك فقد عرفناه : هو الذي في التشهد الذي كان يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن، وفيه : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.... [ فرع ] قال النووي : إذا صلى أحد على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم، فلا يقتصر على أحدهما، فلا يقول : صلي عليه فقط، ولا : عليه السلام، فقط، وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة، وهي قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾.. -٤.
٢ هذه النقول أوردها صاحب تفسير القرآن العظيم..
٣ سورة البقرة. من الآية ١٥٥، والآية ١٥٦، ومن الآية ١٥٧..
٤ ما بين العارضتين أورده ابن كثير، وقد نقل قريبا من أربعين حديثا، وكثير منها بلغ درجة الصحة، بل التواتر..
روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ".. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال الله تبارك وتعالى :" يؤذيني ابن آدم يقول ياخيبة الدهر فلا يقولن أحدكم ياخيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما ".....
﴿ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا.. ﴾ أذية المؤمنين والمؤمنات هي أيضا بالأفعال والأقوال القبيحة، كالبهتان والتكذيب الفاحش المختلف، وهذه الآية نظير الآية التي في النساء٣ :)ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا( ٤ كما قال هنا، وقد قيل : إن من الأذية تعييره بحسب مذموم، أو حرفة مذمومة، أو شيء يثقل عليه إذا سمعه، لأن أذاه في الجملة حرام، وقد ميز الله تعال بين أذاه وأذى الرسول، وأذى المؤمنين، فجعل الأول كفرا، والثاني كبيرة، ... وروى أن عمر بن الخطاب قال لأبي بن كعب : قرأت البارحة هذه الآية ففزعت منها :﴿ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا.. ﴾ الآية، والله إني لأضربهم وأنهرهم، فقال له أبي : يا أمير المؤمنين ! لست منهم، إنما أنت معلم ومقوم، وقد قيل : إن سبب نزول هذه الآية أن عمر رأى جارية من الأنصار فضربها وكره ما رأى من زينتها، فخرج أهلها فآذوا عمر باللسان، فأنزل الله هذه الآية، وقيل : نزلت في علي، فإن المنافقين كانوا يؤذونه يكذبون عليه، رضي الله عنه-٥.
٢ سورة التوبة. من الآية ٣٠..
٣ أي في سورة النساء..
٤ الآية رقم ١١٢..
٥ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
﴿ جلابيبهن ﴾ أثوابهن التي تستر من فوق إلى أسفل، ومقانعهن.
﴿ أدنى ﴾ أقرب.
﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ٥٩ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ٦٠ ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ٦١ سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة تبديلا ٦٢ ﴾
عهد من الله تعالى إلى نبيه أن يبلغ شرع ربنا الحكيم، في شأن تستر أمهات المؤمنين، وآل بيت الرسول الكريم، وسائر المسلمات الحرائر، فعلى هؤلاء أوجب المولى- تبارك اسمه- أن يقربن على وجوههن، ويرخين ويسدلن على أعناقهن خمرهن وأغطيتهن، ويتلفعن بما يستر سائر أجسادهن، فإن التستر أقرب إلى تعريف من يبصرهن أنهن حرائر عفيفات، فلا يطمع في النيل منهن، ولا يدركهن أذى من قول أو فعل، ومولانا كان وما يزال كثير المغفرة لمن استغفر، واستقام على الرشد وتطهر، واسع الرحمة أن يعذب من تاب بعد إنابته، [.. أراد أن يدفع عن أهل بيت نبيه وعن أمته المثالب التي هي مظان لصوق العار فقال :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك١ وبناتك٢ ونساء المؤمنين يدنين عليهن ﴾ يرخين عليهن، يقال للمرأة إذا زل ثوبها عن وجهها : أدني ثوبك على وجهك، ومعنى التبعيض في ﴿ من جلابيبهن ﴾ أن يكون للمرأة جلابيب فتقتصر على واحد منها، أو أريد طرف من الجلباب الذي لها، وكانت النساء في أول الإسلام على عادتهن في الجاهلية متبذلات، يبرزن في درع وخمار من غير فصل بين الحرة والأمة، فأمرن بلبس الأردية والملاحف، وبستر الرأس والوجوه﴿ ذلك ﴾ الإدناء﴿ أدنى ﴾ وأقرب إلى ﴿ أن يعرفن ﴾ أنهن حرائر، أو أنهن لسن بزانيات، فإن التي سترت وجهها أولى بأن تستر عورتها﴿ فلا يؤذين ﴾ لا هن ولا رجالهن وأقاربهن، لأن أكثر الإيداء والطعن إنما يتفق من جهة نساء العشيرة إذا كن مرئيات فضلا عن كونهن مزينات، ﴿ وكان الله غفورا ﴾ لما قد سلف ﴿ رحيما ﴾ حين أرشدكم إلى هذا الأدب الجميل ]٣. أخرج عبد الرزاق وجماعة عن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية :﴿ يدنين عليهن من جلابيبهن ﴾ خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها، وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : رحم الله تعالى نساء الأنصار، لما نزلت :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ﴾ الآية، شققن مروطهن فاعتجرن بها، فصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهن الغربان.
٢ وأما أولاده فكان للنبي صلى الله صلى الله عليه وسلم أولاد ذكور وإناث، فالذكور من أولاده: القاسم- أمه خديجة- وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم وهو أول من مات من أولاده، عاش سنتين، وقال عروة: ولدت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم القاسم والطاهر وعبد الله والطيب... ويقال: إن الطاهر هو الطيب وهو عبد الله، وإبراهيم أمه مارية القبطية.. وجميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة سوى إبراهيم، وكل أولاده ماتوا في حياته غير فاطمة، وأما الأناث من أولاده فمنهن: فاطمة الزهراء بنت خديجة، ولدتها وقريش تبني البيت، قبل النبوة بخمس سنين، وهي أصغر بناته، وتزوجها علي رضي الله عنهما في السنة الثانية من الهجرة... وتوفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير، ومنهن زينب- تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع.. وكانت أكبر بنات الرسول، وتوفيت سنة ثمان من الهجرة، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قبرها، ومنهن. رقية- تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النبوة، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه)تبت يدا أبي لهب)قال أبو لهب لابنه: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته، ففارقها ولم يكن بني بها، وأسلمت حين أسلمت أمها خديجة، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها حين بايعه النساء، وتزوجها عثمان بن عفان.. وهاجرت معه إلى أرض الحبشة الهجرتين.. ولدت.. عبد الله... وبلغ ست سنين.. فمات، ولم تلد له شيئا بعد ذلك، وهاجرت إلى المدينة.. فتوفيت ورسول الله صلى الله عيله وسلم ببدر، ومنهن أم كلثوم- تزوجها عتيبة بن أبي لهب قبل النبوة، وفعل معها زوجها مثل ما فعل أخوه بأختها، وفارقها ولم يكن دخل بها.. فلما توفيت رقية تزوجها عثمان، وتوفيت سنة ٩ هـ..
٣ ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
﴿ المنافقون ﴾ الذين يظهرون الإسلام ويخفون الكفر.
﴿ في قلوبهم مرض ﴾ يحبون الكفر والفسوق.
﴿ والمرجفون ﴾ الناشرون أخبار السوء، المروجون الأكاذيب المؤذية.
﴿ لنغرينك بهم ﴾ لندعونك إلى قتالهم.
﴿ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ﴾ توعد الله تعالى الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بالمقت والإبعاد من الرحمة، والمصير إلى العذاب العظيم، ثم توعدهم بالنكال في الدنيا إن لم يرجعوا عن غيهم وسفههم، وما لم يكفوا عن إيذاء المسلمين في أعراضهم، والافتراء عليهم وترويعهم، فهو تحذير وإنذار للمنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، ويقولون آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وكذا الذين في قلوبهم زيغ أو ريب، أو يحبون الزنا وشيوع الفاحشة، والذين ينشرون أخبار السوء بين المؤمنين، ويروجون الأكاذيب المؤذية التي تروع المسلمين، وعن أبي رزين قال :﴿ المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة ﴾ هم شيء واحد، يعني أنهم قد جمعوا هذه الأشياء، والواو مقحمة. اه.
﴿ لنغرينك بهم ﴾ أي لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل... وقال محمد ابن يزيد : قد أغراه بهم في الآية التي تلي هذه مع اتصال الكلام بها، وهو قوله عز وجل :﴿ أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ﴾
﴿ وقتلوا ﴾ أبلغ تقتيل.
﴿ أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ﴾ فهذا فيه معنى الأمر بقتلهم وأخذهم، أي هذا حكمهم إذا كانوا مقيمين على النفاق والإرجاف... ، ولام ﴿ لنغرينك ﴾ لام القسم، واليمين واقعة عليها، وأدخلت اللام في﴿ لئن ﴾ توطئة لها... ﴿ ملعونين ﴾.. منصوب على الحال...
﴿ لسنة الله ﴾ لعادته عز وجل المستمرة.
﴿ سنة الله ﴾ نصب على المصدر، أي : سن الله جل وعز فيمن أرجف بالأنبياء وأظهر نفاقه أن يؤخذ ويقتل، ﴿ ولن تجد لسنة الله تبديلا ﴾ أي تحويلا أو تغييرا، حكاه النقاش، ... المهدوي : وفي الآية دليل على جواز ترك إنفاذ الوعيد، والدليل على ذلك بقاء المنافقين معه حتى مات، والمعروف من أهل الفضل إتمام وعدهم، وتأخير وعيدهم-١.
﴿ يدريك ﴾ يعلمك.
﴿ يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ٦٣ إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ٦٤ خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا ٦٥ يوم تقلب وجوههم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا٦٦ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ٦٧ ربنا آتيهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ٦٨ ﴾
في السور المكية من أمثال سورتي الأعراف والنازعات بين القرآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة، وأجاب بما أوحي إليه :)قل إنما علمها عند ربي.. ( ١، ( إلى ربك منتهاها( ٢، وهنا في هذه السورة المدنية سئل عنها فأمر أن يجيب بما علمه الله- فاستمر الحال في رد علمها إلى الذي يقيمها، لكن أخبره أنها قريبة- ٣ والسائلون : المشركون، واليهود، والمنافقون، يسألون استهزاء بها، واستبعادا لوقوعها.
﴿ الساعة ﴾ القيامة، قد يراد بها يوم موت الخلائق، وقد يراد بها يوم بعثهم، هذا في الشرع، أما في اللغة : فهي الجزء من الزمان، والقدر الذي ينقسم الليل والنهار إلى أربعة وعشرين قسما منه، كل قسم يعد ساعة، والله تبارك وتعالى استأثر بعلم وقت القيامة )لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.. ( ٤، وما يعلمك فقد تأتي القيامة عما قليل، وإنها لقريبة، وصدق الله العظيم :)اقتربت الساعة.. ( ٥ )اقترب للناس حسابهم.. ( ٦ )أتى أمر الله فلا تستعجلوه.. ( ٧. [ كان المشركون يسألونه صلى الله عليه وسلم عن ذلك استعجالا بطريق الاستهزاء، والمنافقون تعنتا، واليهود امتحانا.. ]٨، وهكذا فالذين يئسوا من الآخرة، وغرتهم الحياة الدنيا، وقست قلوبهم، وأبطرهم ترفهم يحسبون أن ما أوتوا من عرض زائل سيضمن الخلود لهم، كصاحب الجنتين الذي قص القرآن علينا فتنته :)ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة.. ( ٩، وذاك الهمزة اللمزة ) الذي جمع مالا وعدده. يحسب أن ماله أخلده. كلا.. ( ١٠، ومهما متعوا فإن مصيرهم إلى النار، ومأواهم جهنم وبئس المهاد، وإن الله الحق المبين طردهم من رحمته، وهيأ لهم دار التحسير والسعير، واللهب والشرر المستطير، يخلدون في اللظى، مالهم من يمنعهم، ولا من ناصر يخلصهم ويدفع عنهم، وإنما لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش :)لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل.. ( ١١ )إنها عليهم مؤصدة. في عمد ممدة( ١٢ تكوى جباههم وجنوبهم وظهورهم ).. كلما خبت زدناهم سعيرا( ١٣.
٢ سورة النازعات. الآية ٤٤..
٣ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
٤ سورة الأعراف. من الآية ٨٧..
٥ أول سورة القمر..
٦ أول سورة الأنبياء..
٧ أول سورة النحل..
٨ ما بين العلامتين[ ] من روح المعاني..
٩ سورة الكهف. الآية ٣٥، ومن الآية ٣٦..
١٠ سورة الهمزة. الآيتان: ٢، ٣ ومن الآية ٤..
١١ سورة الزمر. من الآية ١٦..
١٢ سورة الهمزة. الآيتان: ٨، ٩..
١٣ سورة الإسراء. من الآية ٩٧..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٣:
﴿ الساعة ﴾ القيامة، ومتى تكون ؟
﴿ يدريك ﴾ يعلمك.
﴿ يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ٦٣ إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ٦٤ خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا ٦٥ يوم تقلب وجوههم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا٦٦ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ٦٧ ربنا آتيهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ٦٨ ﴾
في السور المكية من أمثال سورتي الأعراف والنازعات بين القرآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة، وأجاب بما أوحي إليه :)قل إنما علمها عند ربي.. ( ١، ( إلى ربك منتهاها( ٢، وهنا في هذه السورة المدنية سئل عنها فأمر أن يجيب بما علمه الله- فاستمر الحال في رد علمها إلى الذي يقيمها، لكن أخبره أنها قريبة- ٣ والسائلون : المشركون، واليهود، والمنافقون، يسألون استهزاء بها، واستبعادا لوقوعها.
﴿ الساعة ﴾ القيامة، قد يراد بها يوم موت الخلائق، وقد يراد بها يوم بعثهم، هذا في الشرع، أما في اللغة : فهي الجزء من الزمان، والقدر الذي ينقسم الليل والنهار إلى أربعة وعشرين قسما منه، كل قسم يعد ساعة، والله تبارك وتعالى استأثر بعلم وقت القيامة )لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.. ( ٤، وما يعلمك فقد تأتي القيامة عما قليل، وإنها لقريبة، وصدق الله العظيم :)اقتربت الساعة.. ( ٥ )اقترب للناس حسابهم.. ( ٦ )أتى أمر الله فلا تستعجلوه.. ( ٧. [ كان المشركون يسألونه صلى الله عليه وسلم عن ذلك استعجالا بطريق الاستهزاء، والمنافقون تعنتا، واليهود امتحانا.. ]٨، وهكذا فالذين يئسوا من الآخرة، وغرتهم الحياة الدنيا، وقست قلوبهم، وأبطرهم ترفهم يحسبون أن ما أوتوا من عرض زائل سيضمن الخلود لهم، كصاحب الجنتين الذي قص القرآن علينا فتنته :)ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة.. ( ٩، وذاك الهمزة اللمزة ) الذي جمع مالا وعدده. يحسب أن ماله أخلده. كلا.. ( ١٠، ومهما متعوا فإن مصيرهم إلى النار، ومأواهم جهنم وبئس المهاد، وإن الله الحق المبين طردهم من رحمته، وهيأ لهم دار التحسير والسعير، واللهب والشرر المستطير، يخلدون في اللظى، مالهم من يمنعهم، ولا من ناصر يخلصهم ويدفع عنهم، وإنما لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش :)لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل.. ( ١١ )إنها عليهم مؤصدة. في عمد ممدة( ١٢ تكوى جباههم وجنوبهم وظهورهم ).. كلما خبت زدناهم سعيرا( ١٣.
٢ سورة النازعات. الآية ٤٤..
٣ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
٤ سورة الأعراف. من الآية ٨٧..
٥ أول سورة القمر..
٦ أول سورة الأنبياء..
٧ أول سورة النحل..
٨ ما بين العلامتين[ ] من روح المعاني..
٩ سورة الكهف. الآية ٣٥، ومن الآية ٣٦..
١٠ سورة الهمزة. الآيتان: ٢، ٣ ومن الآية ٤..
١١ سورة الزمر. من الآية ١٦..
١٢ سورة الهمزة. الآيتان: ٨، ٩..
١٣ سورة الإسراء. من الآية ٩٧..
﴿ وليا ﴾ متوليا يحفظهم.
﴿ نصيرا ﴾ ناصرا يخلصهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٣:
﴿ الساعة ﴾ القيامة، ومتى تكون ؟
﴿ يدريك ﴾ يعلمك.
﴿ يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ٦٣ إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ٦٤ خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا ٦٥ يوم تقلب وجوههم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا٦٦ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ٦٧ ربنا آتيهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ٦٨ ﴾
في السور المكية من أمثال سورتي الأعراف والنازعات بين القرآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة، وأجاب بما أوحي إليه :)قل إنما علمها عند ربي.. ( ١، ( إلى ربك منتهاها( ٢، وهنا في هذه السورة المدنية سئل عنها فأمر أن يجيب بما علمه الله- فاستمر الحال في رد علمها إلى الذي يقيمها، لكن أخبره أنها قريبة- ٣ والسائلون : المشركون، واليهود، والمنافقون، يسألون استهزاء بها، واستبعادا لوقوعها.
﴿ الساعة ﴾ القيامة، قد يراد بها يوم موت الخلائق، وقد يراد بها يوم بعثهم، هذا في الشرع، أما في اللغة : فهي الجزء من الزمان، والقدر الذي ينقسم الليل والنهار إلى أربعة وعشرين قسما منه، كل قسم يعد ساعة، والله تبارك وتعالى استأثر بعلم وقت القيامة )لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.. ( ٤، وما يعلمك فقد تأتي القيامة عما قليل، وإنها لقريبة، وصدق الله العظيم :)اقتربت الساعة.. ( ٥ )اقترب للناس حسابهم.. ( ٦ )أتى أمر الله فلا تستعجلوه.. ( ٧. [ كان المشركون يسألونه صلى الله عليه وسلم عن ذلك استعجالا بطريق الاستهزاء، والمنافقون تعنتا، واليهود امتحانا.. ]٨، وهكذا فالذين يئسوا من الآخرة، وغرتهم الحياة الدنيا، وقست قلوبهم، وأبطرهم ترفهم يحسبون أن ما أوتوا من عرض زائل سيضمن الخلود لهم، كصاحب الجنتين الذي قص القرآن علينا فتنته :)ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة.. ( ٩، وذاك الهمزة اللمزة ) الذي جمع مالا وعدده. يحسب أن ماله أخلده. كلا.. ( ١٠، ومهما متعوا فإن مصيرهم إلى النار، ومأواهم جهنم وبئس المهاد، وإن الله الحق المبين طردهم من رحمته، وهيأ لهم دار التحسير والسعير، واللهب والشرر المستطير، يخلدون في اللظى، مالهم من يمنعهم، ولا من ناصر يخلصهم ويدفع عنهم، وإنما لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش :)لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل.. ( ١١ )إنها عليهم مؤصدة. في عمد ممدة( ١٢ تكوى جباههم وجنوبهم وظهورهم ).. كلما خبت زدناهم سعيرا( ١٣.
٢ سورة النازعات. الآية ٤٤..
٣ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
٤ سورة الأعراف. من الآية ٨٧..
٥ أول سورة القمر..
٦ أول سورة الأنبياء..
٧ أول سورة النحل..
٨ ما بين العلامتين[ ] من روح المعاني..
٩ سورة الكهف. الآية ٣٥، ومن الآية ٣٦..
١٠ سورة الهمزة. الآيتان: ٢، ٣ ومن الآية ٤..
١١ سورة الزمر. من الآية ١٦..
١٢ سورة الهمزة. الآيتان: ٨، ٩..
١٣ سورة الإسراء. من الآية ٩٧..
﴿ وكبراءنا ﴾ ورؤساءنا.
﴿ فأضلونا ﴾ فصرفونا عن الحق، وأدخلونا متاهات الحيرة والغي.
﴿ السبيلا ﴾ الطريق، طريق الرشد والهدى والبر، والألف للإطلاق.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٦:﴿ يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ﴾ يتمنون حين لا ينفع التمني، ويدعون ربهم قائلين :).. ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل.. ( ١٤ )ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون( ١٥ لكن سبق القول من ربنا أنهم إليها لا يرجعون ).. ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون( ١٦، ثم يحاج الأواخر الأوائل، ويلعن الأصاغر الأكابر﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ﴾ وما هذا بمزحزحهم عن النار، أو ليس قد قال العزيز الغفار :)ولا تطيعوا أمر المسرفين. الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون( ١٧ ؟ بلى ! وجاءهم النذير )ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر. حكمة بالغة فما تغني النذر( ١٨ ﴿ ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ﴾ ويتابعون الدعاء، ).. وما دعاء الكافرين إلا في ضلال( ١٩ أي في ذهاب وتبار، فلا يستجاب لهم، فالمستضعفون يطلبون مضاعفة العذاب للمستكبرين، وأن يعذبوا بمثلي ما عذب الأتباع، لأن المستكبرين ضلوا، وأضلوهم، وجاء في آية كريمة أخرى أن المولى الحكيم يرد عليهم بالقول الفصل :).. حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون( ٢٠، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٦:﴿ يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ﴾ يتمنون حين لا ينفع التمني، ويدعون ربهم قائلين :).. ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل.. ( ١٤ )ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون( ١٥ لكن سبق القول من ربنا أنهم إليها لا يرجعون ).. ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون( ١٦، ثم يحاج الأواخر الأوائل، ويلعن الأصاغر الأكابر﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ﴾ وما هذا بمزحزحهم عن النار، أو ليس قد قال العزيز الغفار :)ولا تطيعوا أمر المسرفين. الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون( ١٧ ؟ بلى ! وجاءهم النذير )ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر. حكمة بالغة فما تغني النذر( ١٨ ﴿ ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ﴾ ويتابعون الدعاء، ).. وما دعاء الكافرين إلا في ضلال( ١٩ أي في ذهاب وتبار، فلا يستجاب لهم، فالمستضعفون يطلبون مضاعفة العذاب للمستكبرين، وأن يعذبوا بمثلي ما عذب الأتباع، لأن المستكبرين ضلوا، وأضلوهم، وجاء في آية كريمة أخرى أن المولى الحكيم يرد عليهم بالقول الفصل :).. حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون( ٢٠، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
نادى الله تعالى المؤمنين أن يعفوا عن الدنايا، ويكفوا عن الخطايا، ويحذروا إيذاء الخلق، وليس لهم أن يخوضوا فيما خاض فيه اليهود من إيذاء رسول الله وكليمه موسى صلى الله عليه وسلم، أخرج أحمد والبخاري- رحمهما الله- وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن موسى عليه السلام كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل وقالوا ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة١وإما آفة وإن الله تعالى أراد أن يبرئه مما قالوا وإن موسى عليه السلام خلا يوما وحده فوضع ثيابه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر غدا بثوبه فأخذ موسى عليه السلام عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله تعالى وبرأه مما يقولون وقام الحجرفأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فذلك قوله تعالى﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا ﴾ "، [ فإن قيل : كيف نادى موسى عليه السلام الحجر نداء من يعقل ؟ قيل : لأنه صدر عن الحجر فعل من يعقل، و " حجر " منادى مفرد محذوف حرف النداء، كما قال تعالى :)يوسف أعرض عن هذا.. ( ٢، و " ثوبي " منصوب بفعل مضمر، التقدير : أعطني ثوبي، أو اترك ثوبي، فحذف الفعل لدلالة الحال عليه. ]٣.
﴿ وكان عند الله وجيها ﴾ وكان موسى عند ربه سبحانه صاحب قدر رفيع، ودرجة من التكريم عالية، وبحسبه أن سأل المولى البر الرحيم أن يمن على أخيه هارون بالرسالة، فحقق الله تعالى سؤله :)ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا( ٤
٢ سورة يوسف. من الآية ٣٩..
٣ ما بين العلامتين [ ] من الجامع لأحكام القرآن..
٤ سورة مريم. من الآية ٥٣..
﴿ وقولوا قولا سديدا ﴾ وقولوا الحق والصواب وما تبتغون به وجه الله تعالى دون سواه :﴿ يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ﴾
مطالب الدين وتكاليفه، وعهد رب العالمين وميثاقه، وأمانات الله تعالى، من رعاها فله عند مولاه الحسنى وزيادة، ومن ضيعها فقد أضاع نفسه وأهلكها، مما أورد صاحب جامع البيان١... عن ابن عباس : قوله :﴿ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال ﴾ إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك، وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها... وفي رواية عنه... فقال لآدم : يا آدم إني قد عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم تطقها، فهل أنت آخذها بما فيها ؟ فقال : يارب ! وما فيها ؟ قال : إن أحسنت جزيت، و إن أسأت عوقبت، فأخذها آدم فتحملها.. اه.
ومما كتب صاحب روح المعاني٢ :... عظم شأن ما يوجبها من التكاليف الشرعية وصعوبة أمرها بطريق التمثيل مع الإيذان بأن ما صدر عنهم من الطاعة وتركها صدر عنهم بعد القبول والالتزام... عبر عنها بالأمانة وهي في الأصل مصدر كالأمن والأمانة تنبيها على أنها حقوق مرعية أودعها الله تعالى المكلفين وائتمنهم عليها، وأوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والانقياد، وأمرهم بمراعاتها والمحافظة عليها، وأدائها من غير إخلال بشيء من حقوقها، ... والمعنى : أن تلك الأمانة في عظم الشأن بحيث لو كلفت هاتيك الأجرام العظام التي هي مثل في القوة والشدة مراعاتها، وكانت ذات شعور وإدراك، لأبين قبولها وخفن منها....
﴿ وحملها الإنسان ﴾ أي هذا الجنس، نحو :)إن الإنسان لربه لكنود( ٣، )كلا إن الإنسان ليطغى( ٤... وقوله تعالى :﴿ إنه كان ظلوما جهولا ﴾ اعتراض وسط بين الحمل وغايته للإيذان من أول الأمر بعدم وفائه بما تحمل..... ويكفي في صدق الحكم على الجنس بشيء وجوده في بعض أفراده، فضلا عن وجوده في غالبها.
وإلى الفريق الأول أشير بقوله تعالى :﴿ ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ﴾
٢ هو العلامة الألوسي، وكتابه: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، جـ ٢٢، ص ٩٦، وما بعدها..
٣ سورة العاديات. الآية ٦..
٤ سورة العلق. من الآية ٦..
وإلى الفريق الثاني أشير بقوله سبحانه :﴿ ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات ﴾ أي كان عاقبة حمله لها أن يتوب الله تعالى على هؤلاء من أفراده، أي : يقبل توبتهم لعدم خلعهم ربقة الطاعة عن رقابهم بالمرة، وتلافيهم لما فرط منهم من فرطات قلما يخلوا عنها الإنسان بحكم جبلته، وتداركهم لها بالتوبة والإنابة، والالتفات إلى الاسم الجليل أولا لتهويل الخطب وتربية المهابة، والإظهار في موضع الإضمار ثانيا لإبراز مزيد الاعتناء بأمر المؤمنين، توفية لكل من مقامي الوعد والوعيد حقه، كذا قال بعض الأجلة في تفسير الآية.. اه.
﴿ وكان الله غفورا رحيما ﴾ كان المعبود بحق ولا يزال عظيم المغفرة لمن استغفر وإن كثرت ذنوبه، مصداقا لوعده الكريم :)وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى( ١، ﴿ رحيما ﴾ واسع الرحمة في الأولى والعقبى، فاللهم آتنا من لدنك رحمة تهدي بها قلوبنا، وتزكي بها أعمالنا، وتصلح بها أحوالنا، وتعصمنا بها من كل سوء، وامنن علينا بجنات النعيم، نضرع إليك وندعوك وأنت البر الرحيم.