تفسير سورة الأحقاف

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه المنتخب . المتوفي سنة 2008 هـ
تحدثت هذه السورة الكريمة عن إنزال القرآن من عند الله، ووجوب الإيمان به وبمحمد صلى الله عليه وسلم والتصديق بالقيامة، وعنيت بالتنبيه إلى الاعتبار بما أصاب السابقين الذين عصوا الله ورسله، ودعت إلى العناية ببر الوالدين ورعاية حقوقهما، وعرضت لقصة نفر من الجن استمعوا إلى القرآن الكريم، وتواصوا بالإنصات له، فوجدوه مصدقا لما جاء به الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، فآمنوا به، ودعوا قومهم إلى ذلك، وأنهت الحديث بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصبر على تكذيب قومه والتأسي في ذلك بما احتمله أولو العزم من الرسل قبله.

١- افتتحت هذه السورة ببعض الحروف على طريقة القرآن الكريم في افتتاح طائفة من سوره بالحروف.
٢- تنزيل القرآن من عند الله الغالب على كل شيء، ذي الحكمة في كل ما يفعل.
٣- ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا على نواميس ثابتة، لغايات تقتضيها الحكمة، وإلى أمد معين تفنى بعده، والذين جحدوا بهذه الحقيقة معرضون عما أنذروا به من خلق جديد يوم يبعث الناس للجزاء.
٤- قل للذين يدعون غير الله : أخبروني عن حال ما تدعون من دون الله ؟ هل خلقوا شيئا من الأرض أم كانوا شركاء لله في خلق السماوات ؟ ائتوني بكتاب من عند الله أو أثر من علم الأولين تستندون إليه في دعواكم إن كنتم صادقين.
٥- ومن أكثر ضلالاً ممن يدعو من دون الله معبودات لا تستجيب له ما بقيت الدنيا ! وهم مع ذلك غافلون عن دعائهم، غير شاعرين به.
٦- وإذا جمع الناس للحساب يوم القيامة كان هؤلاء المعبودون أعداء لمن عبدوهم، يَتَبَرَّأُونَ منهم، ويكذبونهم فيما زعموا من استحقاقهم لعبادتهم.
٧- وإذا تُتلى على المشركين آياتنا واضحات لكفرهم وعنادهم - عن تلك الآيات دون تأمل قالوا : هذا سحر ظاهر.
٨- بل أيقول هؤلاء الكافرون : اختلق محمد القرآن وأضافه إلى الله ؟، قل رداً عليهم : إن افتريته عاجلني الله بعقوبته، فلا تستطيعون أن تدفعوا عنى من عذابه شيئاً هو - وحده - أعلم بما تخوضون فيه من الطعن في آياته، كفي به شهيداً لي بالصدق وشهيداً عليكم بالتكذيب، وهو - وحده - واسع المغفرة لمن تاب، عظيم الرحمة، يمهل العصاة ليتداركوا.
٩- قل لهم : ما كنت أول رسول من عند الله فتنكروا رسالتي، ولست أعلم ما يفعل الله بي ولا بكم، ما أتبع فيما أقول أو أفعل إلا الذي يوحيه الله إلى، وما أنا إلا منذر بيِّن الإنذار.
١٠- قل : أخبروني إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به، وشهد شاهد من بني إسرائيل على نزول مثله من عند الله، فآمن به واستكبرتم. ألا تكونون حينئذ أضل الناس وأظلمهم لأنفسهم ! إن الله لا يوفق إلى الهدى من ظلم نفس واستكبر عن الحق.
١١- وقال الذين كفروا في شأن الذين آمنوا استهزاء بهم واستعلاء عليهم : لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا هؤلاء إلى الإيمان به، فإنا نحن أصحاب السيادة والعقول الراجحة، ولما لم يهتدوا به يطعنون فيه، وقالوا : هذا كذب قديم من أساطير الأولين.
١٢- ومن قبل القرآن أنزل الله التوراة قدوة ورحمة للعاملين بها، وهذا القرآن الذي يكذبونه مصدق لما قبله من الكتب، أنزله الله بلسان عربي ليكون إنذاراً متجدداً للذين ظلموا، وبُشرى للذين استقاموا على الطريقة.
١٣- إن الذين قالوا : ربنا الله - وحده - ثم أحسنوا العمل، فلا خوف عليهم من نزول مكروه، ولا هم يحزنون لفوات مطلوب.
١٤- أولئك الموصوفون بالتوحيد والاستقامة هم المختصون بدخول الجنة خالدين فيها أعطاهم الله ذلك جزاء بما كانوا يعملون من الصالحات.
١٥- ووصينا الإنسان بوالديه أن يحسن إليهما إحساناً عظيماً، حملته أمه حملاً ذا مشقة، ووضعته وضعاً ذا مشقة، ومدة حمله وفصاله ثلاثون شهراً قاست فيها صنوف الآلام، حتى إذا بلغ كمال قوته وعقله، وبلغ أربعين سنة، قال : رب ألهمني شكر نعمتك التي أنعمت علىَّ وعلى والدي، وألهمني أن أعمل عملاً صالحاً ترضاه، واجعل الصلاح سارياً في ذريتي، إني تبت إليك من كل ذنب، وإني من الذين أسلموا أنفسهم إليك.
١٦- أولئك الموصوفون بتلك المحامد هم الذين نتقبل عنهم أعمالهم الحسنة، ونعفو عن سيئاتهم في عداد أصحاب الجنة، محققين لهم وعد الصدق الذي كانوا يوعدون به في الدنيا.
١٧- والذي قال لوالديه حين دعواه إلى الإيمان بالبعث متضجراً منهما ومنكراً عليهما : أف لكما، أتعدانني بالخروج من القبر وقد مضت الأمم من قبلي ولم يبعث من القبور أحد ؟ وأبواه يستغيثان الله استعظاماً لجرمه، ويقولان له حثَّا على الإيمان : هلكت إن لم تؤمن، إن وعد الله بالبعث حق، فيقول - إمعاناً في التكذيب - : ما هذا الذي تقولانه إلا خرافات سطرها الأولون.
١٨- أولئك القائلون ذلك هم الذين حق عليهم وقوع العذاب في عداد أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس، لأنهم كانوا خاسرين.
١٩- ولكل من المسلمين والكفار منازل ملائمة لما عملوا ليظهر عدل الله فيهم، وليوفيهم جزاء أعمالهم وهم لا يظلمون، لاستحقاقهم ما يجزون به.
٢٠- ويوم يوقف الذين كفروا على النار يقال لهم : أذهبتم نصيبكم من الطيبات في حياتكم الدنيا، واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم عليه في الدنيا من الاستكبار في الأرض بغير الحق، والخروج عن طاعة الله.
٢١- واذكر هوداً أخا عاد إذ حذَّر قومه المقيمين بالأحقاف - وقد مضت الرسل قبله وبعده بمثل إنذاره - قائلاً لهم : لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم الهول١.
١ وكانت منازل هذه القبيلة بالأحقاف، وموقع الأحقاف مختلف فيه: وبعض المؤرخين يذكرون أنه بين اليمن وعمان إلى حضرموت والشحر: أي في الجنوب الشرقي من جزيرة العرب. وبعض المنقبين في الزمن القريب يرون أنه شرقي العقبة معتمدين على كتابات نبطية عثروا عليها في خرائب معبد كشفوا عنه في جبل إرم، ووجدوا في جوانب الجبل آثارا جاهلية قديمة فرجحوا أن هذا المكان هو موضع إرم التي ذكرها القرآن الكريم، ثم خربت قبل الإسلام ولم يبق منها حينما ظهر إلا عين ماء كان التجار وأصحاب القوافل ينزلون عليها في طريقهم إلى الشام..
٢٢- قال قوم هود إنكاراً عليه : أجئتنا لتصرفنا عن عبادة آلهتنا ؟ ! فأتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين في هذا الوعيد.
٢٣- قال هود : إنما العلم بوقت عذابكم عند الله - وحده - وأنا أبلغكم الذي أرسلت به، ولكنى أراكم قوماً تجهلون ما تبعث به الرسل.
٢٤ - فأتاهم العذاب في صورة سحاب، فلما رأوه ممتداً في الأفق متوجهاً نحو أوديتهم، قالوا فرحين : هذا سحاب يأتينا بالمطر والخير. فقيل لهم : بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب شديد الألم، تهلك كل شئ بأمر خالقها، فدمرتهم فأصبحوا لا يرى من آثارها إلا مساكنهم. كذلك الجزاء نجزى كل من ارتكب مثل جرمهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٤:٢٤ - فأتاهم العذاب في صورة سحاب، فلما رأوه ممتداً في الأفق متوجهاً نحو أوديتهم، قالوا فرحين : هذا سحاب يأتينا بالمطر والخير. فقيل لهم : بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب شديد الألم، تهلك كل شئ بأمر خالقها، فدمرتهم فأصبحوا لا يرى من آثارها إلا مساكنهم. كذلك الجزاء نجزى كل من ارتكب مثل جرمهم.
٢٦- ولقد مكنا عاداً فيما لم نمكنكم فيه من السعة والقوة يا أهل مكة، وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة لو شاءوا الانتفاع بها، فما نفعهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم شيئاً قليلاً، لأنهم كانوا يكذبون بآيات الله، فحال ذلك بينهم وبين انتفاعهم بما أوتوا، وأحاط بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون.
٢٧- ولقد أهلكنا القرى التي كانت حولكم يا أهل مكة، وبيَّنا لهم الدلائل بأساليب متنوعة، لعلهم يرجعون عن الكفر، فلم يرجعوا.
٢٨- فهلا منعهم من الهلاك الذين اتخذوهم من دون الله آلهة متقربين بهم إليه تعالى ؟ ! بل غابت هذه الآلهة عنهم وهم أحوج ما كانوا إلى النصرة، وذلك الذي حل بهم من خذلان آلهتهم لهم وضلالهم عنهم هو عاقبة كذبهم وافترائهم.
٢٩- واذكر - يا محمد - إذ وجهنا إليك جماعة من الجن يستمعون القرآن، فلما حضروا تلاوته قال بعضهم لبعض : أنصتوا - فلما تمت تلاوته رجعوا مسرعين إلى قومهم، محذرين من الكفر داعين إلى الإيمان.
٣٠- قالوا : يا قومنا إنا سمعنا كتاباً عظيم الشأن، أنزل من بعد موسى، مصدقاً لما تقدمه من الكتب الإلهية، يرشد إلى الحق في الاعتقاد، وإلى شريعة قويمة في العمل.
٣١- يا قومنا : أجيبوا داعي الله الذي يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وصدقوا بالله يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم، ويمنعكم من عذاب شديد الألم.
٣٢- ومن لا يجب داعي الله فليس بمستطيع أن يعجز الله عن أخذه وإن هرب في الأرض كل مهرب. وليس له من دون الله نصراء يمنعونه من عذابه. أولئك الذين يعرضون عن إجابة الداعي إلى الله في حيرة وبعد واضح عن الحق.
٣٣- أَغَفلوا ولم يعلموا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعجز عن خلقهن قادر على إحياء الموتى ؟ بل هو قادر على ذلك، لأنه - تعالى - على كل شيء تام القدرة.
٣٤- ويوم يوقف الذين كفروا على النار يقال لهم تقريعاً : أليس هذا العذاب بالأمر الحق المطابق لما أنذرناكم في الدنيا ؟ قالوا : بلى وربنا هو الحق، قال : فذوقوا ألوان العذاب الشديد بإصراركم على الكفر والتكذيب.
٣٥- فاصبر - يا محمد - على الكافرين كما صبر أصحاب القوة والثبات من الرسل في الشدائد، ولا تستعجل لهم العذاب، فهو واقع بهم - لا محالة - وإن طال الأمد. كأنهم يوم يشاهدون هوله يحسبون مدة لبثهم قبله ساعة من نهار. هذا الذي وعظتم به كاف في الموعظة، فلن يهلك بعذاب الله إلا الخارجون عن طاعته.
Icon