تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب تفسير العز بن عبد السلام
المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام
.
لمؤلفه
عز الدين بن عبد السلام
.
المتوفي سنة 660 هـ
سُورَةُ الإنْسَانِ مدنية عند الجمهور أو مكية " ع " أو مكيها من قوله ﴿ إنّا نحن نزّلنا ﴾ [ ٢٣ ] إلى آخرها وما تقدمه مدني.
ﰡ
١ - ﴿هَلْ أَتَى﴾ قد أتى أو أأتى ﴿الإِنسَانِ﴾ آدم عليه الصلاة والسلام خلق كخلق السماوات والأرض وما بينهما في آخر يوم الجمعة أو عام في كل إنسان " ع " ﴿حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ﴾ أربعين سنة بقي آدم عليه الصلاة والسلام فيها مصوراً من طين لازب وحمأ مسنون ثم نفخ فيه الروح بعد ذلك أو تسعة أشهر في بطن أمه أو زمان غير محدود " ع " ﴿لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً﴾ في الخلق وإن كان عند الله - تعالى - شيئاً مذكوراً أو كان شيئاً غير مذكور لأنه كان مصوراً ثم نفخ فيه الروح فصار مذكوراً.
٢ - ﴿خَلَقْنَا الإِنسَانَ﴾ كل بني آدم اتفاقاً
﴿نُّطْفَةٍ﴾ إذا اختلط ماء الرجل وماء المرأة فهما نطفة أو النطفة ماء الرجل فإذا اختلط في الرحم بماء المرأة
398
صار أمشاجاً
﴿أَمْشَاجٍ﴾ اختلاط المائين أو ألوان " ع " قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر " وقيل نطفة الرجل حمراء وبيضاء ونطفة المرأة صفراء وخضراء أو الأمشاج العروق التي في النطفة أو الأطوار نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم كسوتها باللحم
﴿نَّبْتَلِيهِ﴾ نختبره بالخير والشرّ أو نختبره بشكره في السرّاء وصبره في الضرّاء [٢١٣ / أ] / أو نكلفه العمل بعد خلقه أو نأمره بالطاعة وننهاه عن المعصية أو فيه تقديره فجعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه بالاختبار أو التكليف أو بالسمع والبصر.
399
٣ - ﴿السَّبِيلَ﴾ الخير والشر أو الهدى والضلالة أو سبيل الشقاوة والسعادة أو خروجه من الرحم. ﴿شَاكِراً﴾ مؤمناً أو كافراً أو شاكراً للنعمة أو كفوراً بها ولما كان شكر الله - تعالى - لا يؤدى لم يأت فيه بلفظ المبالغة ولما عظم كفره مع الإحسان إليه جاء بلفظ المبالغة.
﴿إنا أعتدنا للكافرينَ سلاسلاْ وأغلالاً وسعيراً (٤) إنَّ الأبرار يشربون من كأسٍ كانَ مزاجهَا كافوراً (٥) عيناً يشربُ بها عبادُ اللهِ يفجرونها تفجيراً (٦) يوفونَ بالنذرِ ويخافونَ يوماً كانَ شرهُ مستطيراً (٧) ويطعمونَ الطعامَ على حبِّهِ مسكيناً ويتيماً وأسيراً (٨) إنما نطعمُكُمْ لوجهِ اللهِ لا نريدُ منكمْ جزاءاً ولا شكوراً (٩) إنا نخافُ من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً (١٠) فوقاهُمُ اللهُ شرَّ ذلك اليومِ ولقاهُمْ نضرةً وسروراً (١١) وجزاهُم بما صبروا جنَّةً وحريراً (١٢) ﴾
٥ - ﴿الأبرار﴾ الصادقون أو المطيعون لأنهم بَرَّوا الآباء والأبناء أو لكفهم الأذى " حتى عن الذر " " ح " أو لأدائهم حقوق الله - تعالى - ويوفون بالنذر
﴿كَأْسٍ﴾ كل كأس في القرآن فإنما يعنى بها الخمر
﴿كَافُوراً﴾ عين في الجنة
399
اسمها كافور أو كافور الطيب تمزج به لبرده فيكون برد الكافور وطعم الزنجبيل أو لريحه ويختم بالمسك أو لطعمه فيكون طعمها طعم الكافور.
400
٦ - ﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾ ينتفع بها أو يشربها وهي التسنيم أشرف شراب أهل الجنة يشربها المقربون صرفاً وتمزج لسائر أهل الجنة بالخمر واللبن والعسل ﴿يُفَجِّرُونَهَا﴾ يقودونها حيث شاءوا من الجنة ويمزجونها بما شاءوا ﴿تَفْجِيراً﴾ مصدر للتكثير أو يفجرون من تلك العين عيوناً لتكون أوسع.
٧ - ﴿بِالنَّذْرِ﴾ بما فرض من العبادات أو بما عقدوه على أنفسهم من حقّ الله - تعالى - أو بعهد من عاهدهم أو بالأيمان إذا حلفوا ﴿مُسْتَطِيراً﴾ فاشياً أو ممتداً.
٨ - ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ على حب الطعام أو على شهوته أو على عزّته ﴿وَأَسِيراً﴾ المسجون المسلم أو العبد أو أسرى المشركين ثم نسخ بالسيف أو لم ينسخ.
٩ - ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ﴾ لم يقولوا ذلك ولكن علمه الله تعالى منهم فأثنى به عليهم ﴿جَزَآءَ﴾ بالفعال ﴿وَلا شُكُوراً﴾ بالمقال قيل نزلت في السبعة الذين تكفلوا أسرى بدر أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وأبو عبيدة رضي الله - تعالى - عنهم أجمعين.
١٠ - ﴿عَبُوساً﴾ تعبس الوجوه من شرّه، والقمطرير: الشديد أو العبوس الضيق والقمطرير الطويل أو العبوس بالشفتين والقمطرير بالجبهة والحاجبين فذلك صفة الوجه المتغيّر من شدائد ذلك اليوم.
١١ - ﴿نَضْرَةً﴾ بياضاً ونقاءً أو حسناً وبهاءً أو أثر النعمة نضرة وجوههم وسروراً في قلوبهم.
١٢ - ﴿جَنَّةً﴾ يسكنونها
﴿وَحَرِيراً﴾ يلبسونه أو الحرير أثر العيش في الجنة
400
ومنه لبس الحرير ليأثر في لذّة العيش نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذراً فوفاه أو في علي وفاطمة نذر صوماً [٢١٣ / ب] / ودخل فيه وخبزت فاطمة - رضي الله تعالى عنها - ثلاثة أقراص شعير ليفطر علي رضي الله تعالى عنه على قرص وتفطر هي على آخر ويأكل الحسن والحسين رضي تعالى عنهما الثالث فسألها مسكين فأعطته أحدها ثم سألها يتيم فأعطته الثاني ثم سألها أسير فأعطته الثالث وباتوا طاوين.
{متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً (١٣) ودانيةً عليهم ظلالها وذللتْ قطوفها تذليلاً (١٤) ويطافُ عليهم بأنيةٍ من فضةٍ وأكوابٍ كانتْ قواريراْ (١٥) قواريراْ من فضَّةٍ قدروها تقديراً (١٦) ويسقونَ فيها كأساً كان مزاجُهَا زنجبيلاً (١٧) عيناً فيها تسمى سلسبيلاً (١٨) ويطوفُ عليهمْ ولدانٌ مخلدونَ إذا رأيتهمْ حسبتهمْ لؤلؤاً منثوراً (١٩) وإذا رأيت ثَمَّ رأيتَ نعيماً وملكاً كبيراً (٢٠) عليهمْ ثيابُ سندسٍ خضرٌ وإستبرقٌ وحلواْ أساورَ من فضةٍ وسقاهمْ ربهمْ شراباً طهوراً (٢١) إنَّ هذا كانَ
401
لكمْ جزاءً وكانَ سعيُكُم مشكوراً (٢٢) }
402
١٣ - ﴿الأَرَآئِكِ﴾ الأسرّة " ع " أو كل ما يتكأ عليه ﴿لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً﴾ أي لا يحتاجون إلى ضيائها لأنهم في ضوء دائم أو لا يتأذون بحرّها ﴿زَمْهَرِيراً﴾ برداً شديداً أي لا يرون حراً ولا برداً أو لون من العذاب أو الزمهرير هنا القمر لا يحتاجون إليه لأنهم في ضوء دائم.
١٤ - ﴿وَذُلِّلَتْ﴾ لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بُعْد وإذا قام ارتفعت وإذا قعد نزلت.
١٥ -،
١٦ - ﴿قَوَارِيرَاْ﴾ هي من فضة في صفاء القوارير. أو قوارير في بياض الفضة، قوارير كل أرض من تربتها وأرض الجنّة فضة " ع " ﴿قَدَّرُوهَا﴾ في أنفسهم فجاءت على ما قدروا " ح " أو على قدر أكفْ الخدم أو على مقدار لا تزيد فتفيض ولا تنقص فتغيض أو على قدر ريهم وكفايتهم لأنه ألذ وأشهى أو قدرت لهم وقدروا لها سواء.
﴿ قدَّروها ﴾ في أنفسهم فجاءت على ما قدروا " ح " أو على قدر أكف الخدم أو على مقدار لا تزيد فتفيض ولا تنقص فتغيض أو على قدرريهم وكفايتهم لأنه ألذ وأشهى أو قدرت لهم وقدروا لها سواء.
١٧ - ﴿زَنجَبِيلاً﴾ اسم التي فيها مزاج شراب الأبرار أو يمزج بالزنجبيل والعرب تستطيبه لحذوه اللسان وهضمه المأكول أو الزنجبيل طعم من طعوم الخمر تصف العرب به.
١٨ - ﴿سَلْسَبِيلاً﴾ اسم لها أو سَلْ سبيلاً إليها قاله علي رضي الله تعالى عنه أو سلسلة السبيل أو سلسلة يصرفونها حيث شاءوا تسيل في حلوقهم انسلالاً أو حديدة الجرية أو لأنها تنسل عليهم في مجالسهم وغرفهم وطرقهم.
١٩ - ﴿مُّخَلَّدُونَ﴾ لا يموتون أو صغاراً لا يكبرون وشباباً لا يهرمون " ح " أو مسوَّرون " ع " ﴿مَّنثُوراً﴾ لكثرتهم أو لصفاء ألوانهم وحسن مناظرهم.
٢٠ - ﴿نَعِيماً﴾ كثرة النعمة أو كثرة التنعم ﴿كَبِيراً﴾ لسعته أو لاستئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام.
٢١ - ﴿طَهُوراً﴾ لا يبولون منه ولا يحدثون عنه بل عرق يفيض من أعراضهم كريح المسح أو لأنها طاهرة بخلاف خمر الدنيا أو ليس في أنهار الجنة نجاسة خلاف أنهار الدنيا.
﴿إنا نحنُ نزلنا عليكَ القرآنَ تنزيلاً (٢٣) فاصبر لحكمْ ربكَ ولا تطعْ منهمْ ءاثماً أوْ كفوراً (٢٤) واذكر اسمَ ربكَ بكرةً وأصيلاً (٢٥) ومنَ الَّيلِ فاسجدْ لهُ وسبحْهُ ليلاً طويلاً (٢٦) إنَّ هؤلاء يحبونَ العاجلةَ ويذَرُونَ وراءهمْ يوماً ثقيلاً (٢٧) نحنُ خلقناهمْ وشددنا أسرهمْ وإذا شئنا بدلنا أمثالهمْ تبديلاً (٢٨) إنَّ هذهِ تذكرةٌ فمن شاءَ اتخذَ إلى ربهِ سبيلاً (٢٩) وما تشاءونَ إلاَّ أن يشاءَ اللهُ إنَّ اللهَ كانَ عليماً حكيماً (٣٠) يدخلُ من يشاءُ في رحمتهِ والظالمينَ أعدَّ لهمْ عذاباً أليماً (٣١) ﴾
٢٤ - ﴿إثما﴾ بالمعاصي ﴿أَوْ كَفُوراً﴾ بالنعم قيل أراد أبا جهل.
٢٥ - ﴿بُكْرَةً﴾ صلاة الصبح ﴿وَأَصِيلاً﴾ الظهر والعصر.
٢٦ - ﴿فَاسْجُدْ لَهُ﴾ المغرب والعشاء ﴿وَسَبِّحْهُ﴾ بتطوع الليل وكل تسبيح في القرآن فهو صلاة " ع " وسفيان الثوري.
٢٨ - ﴿أَسْرَهُمْ﴾ مفاصلهم أو خلقهم " ع " أو قوتهم.
404
سورة المُرْسَلات
مكية أو إلا آية
﴿وإذا قيل لهم اركعوا﴾ [٤٨] " ع ".
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿والمرسلاتِ عرفاً (١) فالعاصفاتِ عصفاً (٢) والناشرات نشراً (٣) فالفارقات فرقاً (٤) فالملقياتِ ذكراً (٥) عذراً أو نذراً (٦) إنما توعدونَ لواقعٌ (٧) فإذا النجومُ طمستْ (٨) وإذا السماءُ فرجتْ (٩) وإذا الجبالُ نسفَتْ (١٠) وإذا الرسُلُ أقتتْ (١١) لأي يومٍ أجلتْ (١٢) ليومِ الفصلِ (١٣) وما أدراكَ ما يومُ الفصلِ (١٤) ويلٌ يومئذٍ للمكذبينَ (١٥) ﴾
405