ﰡ
مكية، وآيها اثنتان وعشرون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١) هي البروج الاثنا عشر المشهورة. والإقسام بها؛ لأن سير الشمس فيها، وبه نيط نظام العالم السفلي. أو منازل القمر؛ لأن تلك البروج منقسمة إلى ثمانية وعشرين منزلاً. أو الكواكب العظام. أو أبواب السماء، فإنَّ النوازل يظهر منها. وأصل التركيب للظهور، ومنه تبرج المرأة. (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) يوم القيامة.(وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) عن أبي هريرة وأبي مالك الأشعري عن رسول اللَّه - ﷺ -: " الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة " وكذا عن سعيد بن المسيب، وعن ابن عباس
(قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤) دليل جواب القسم، أي: أقسم أنَّ قريشاً لملعونون، أحقاء بأن يقال فيهم: قتلوا كما قتل أصحاب الأخدود. وقيل: المذكور هو الجواب. والأول: هو الوجه، لأنَّ الكلام مسوق لتصبير المؤمنين وتهديد المشركن كما دل عليه آخر السورة. والأخدود: جمع خدّ وهو الشق. وفي الحديث: " أَنْهَارُ الجَنَّةِ تَجْرِي فِي غَيْرِ أُخْدود " والقصة على ما رواها مسلم: " أنَّ رسول اللَّه - ﷺ - أخبر أنه كان فيمن كان قبلكم ملك كافر له ساحر، فلما كبر سأل الملك أن يدفع إليه غلاماً ليعلمه السحر، فدفع إليه غلاماً، وكان في طريق الغلام راهب على ملة عيسى، فسَمِعَ الرَّاهِبَ وأَعْجَبَهُ كلامه، فانقطع من الساحر إلى الراهب، فكان يضربه الساحر لانقطاعه، فقال له الراهب، إذا قال لك الساحر ما حبسك عني قل حبسني أهلي، وإذا سألك أهلك قل حبسني الساحر، فمرّ يوماً على دابة عظيمة في الطريق قد حبست الناس، فأخذ حجراً فقال: " اللَّهم إن كان أمر الراهب أحب
وروى ابن إسحاق: أنَّ رجلا عالماً من علماء النصارى وقع بنجران فدعاهم إلى دين عيسى فآمنوا به فسار إليهم ذو نواس اليهودي من بلاد اليمن، فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا،
(النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (٥) النار بدل اشتمال. و (ذَاتِ الْوَقُودِ) صفة لها بالعظمة وكثرة الوقود من الحطب والناس. قيل: كان طول الأخدود أربعين ذراعاً في عرض اثني عشر.
(إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (٦) ظرفا لـ " قتل "، أي: لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين حولها.
سعى في إحراقهم ولم يقصر، أو يشهدون يوم القيامة على أنفسهم (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ).
(وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) أي: وما عابوا منهم إلا أفضل المناقب، وأحسن الخصال وهو الإيمان بمن هذه صفاته، من كونه غالباً على كل شيء، منعماً محموداً على نعمه. كقوله:
وَلا عَيبَ فيهِم غَيرَ أَن سييوفَهُم | بِهِنِّ فُلولٌ مِن قِراعِ الكَتائبِ. |
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا... (١٠) يشمل أصحاب الأخدود وغيرهم (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ) لكفرهم. (وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) نار أخرى عظيمة تتسع بهم كما يتسع الحريق لفتنتهم، وقيل: هم أصحاب الأخدود لما روي " أنَّ النار انقلبت عليهم فأحرقتهم ".
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) الذي يستحقر ملك الدنيا دونه.
(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) ومَن هذا شأنه يكون بطشه وانتقامه من أعدائه في نهاية الشدة، وقيل: يبدئ البطش في الدنيا ويعيده في الآخرة، وهذا يلائم ما قيل: إنَّ النار انقلبت على أصحاب الأخدود.
وَهُوَ الْغَفُورُ... (١٤) للذنوب (الْوَدُودُ) لمن تاب (ذُو الْعَرْشِ... (١٥) خالق العرش، أو كنى به عن الملك (الْمَجِيدُ) خبر رابع لـ " هو ". ومجد اللَّه عظمته وكبرياؤه. وقرأ حمزة والكسائي بالجر صفة العرش، والمراد به: عظمة جرمه، أو اتساع الملك؛ دلالة على كمال الاقتدار. والرفع أولى؛ لكونه غالباً في صفاته تعالى.
(فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٦) لا يتأتى عليه مراد. خبر مبتدأ محذوف، لدلالته على تحقق الوصفين: البطش بالأَعداء، والمغفرة والودّ للأولياء. ولو جعل خبر " هو " المذكور " فات " ولا يخفى ما في التنكير وزيادة اللام من الفخامة.
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) أبدلهما عن " الجنود "؛ لأنَّ المراد: فرعون وملأه، وضمّ ثمود إليه دون غيرهم؛ لقرب بلادهم، ورعاية للفاصلة. والمعنى: قد أحطت علماً بتكذيبهم، وما حاق بهم؛ تسلية له وتهديد لقومه.
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) في الإضراب دلالة على أن حال هؤلاء أعجب من أولئك، فإنهم سمعوا بأخبارهم وشهدوا آثارهم وهم مستغرقون في التكذيب.
(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) أي: ما كذبوا به قرآن شريف معجز. في الإضراب ترقٍّ، وإشارة إلى أنَّ تكذيبه خارج عن سائر أنواع التكذيب.
(فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢) عن جمهور الملائكة، لا يطلع عليه إلا بعض المقربين، فكيف يكون كذباً؟.
* * *