تفسير سورة الليل

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الليل من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
تفسير سورة الليل
أهداف سورة الليل
( سورة الليل مكية، وآياتها ٢١ آية، نزلت بعد سورة الأعلى )
وتصف السورة مشاهد الكون، ومظاهر القدرة، وتقرر حقيقة العمل والجزاء، وتبين أن الجزاء الحق من جنس العمل.
ونلاحظ في السورة التقابل بين الليل والنهار، والذكر والأنثى، ومن أعطى واتقى ومن بخل واستغنى، وبين الأشقى الذي كذّب وتولى والأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى، وهذا من بدائع التناسق في التعبير القرآني.
مع آيات السورة
١-٤- والليل إذا يغشى* والنهار إذا تجلّى* وما خلق الذّكر والأنثى* إن سعيكم لشتى.
يقسم الله سبحانه وتعالى بالليل حين يغشى البسيطة، ويغمرها ويخفيها، وبالنهار حين يتجلى ويظهر، فيظهر في تجليه كل شيء ويسفر.
ويقسم بالقادر العظيم الذي خلق الذكر والأنثى، وميز بين الجنسين مع أن المادة التي تكوّنا منها واحدة، والمحل الذي تكونا فيه واحد.
يقسم الله بهذه الظواهر والحقائق المتقابلة في الكون وفي الناس، على أن سعي الناس مختلف، وعملهم متباعد ومتفرق، فمنه السيئ ومنه الحسن، ومنه التقوى ومنه الفجور، ومنه ما يجازى عليه بالنعيم المقيم، ومنه ما يعاقب عليه بالعذاب الأليم.
٥-١١- فأما من أعطى واتّقى* وصدّق بالحسنى* فسنيسّره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذّب بالحسنى* فسنيسّره للعسرى* وما يغني عنه ماله إذا تردّى.
فأما من أعطى الفقراء، وأنفق المال في وجوه الخير، وراقب الله وابتعد عن المحرمات، وأيقن أن الله سيخلف عليه ما أنفق، مصدقا بالفضيلة، ومميزا بينها وبين الرذيلة، وابتعد عن طريق الغواية، فسنيسّره لليسرى. فسنجعل اليسر يفيض من نفسه على كل من حوله، اليسر في خطوه، واليسر في طريقه، واليسر في تناوله للأمور كلها، والتوفيق الهادئ المطمئن في كلياتها وجزئياتها.
وأما من بخل بماله، واستغنى عن ربه وهداه، وكذّب بالدين الحق، ولم يصدق بأن الله سيخلف على المنفقين، وسيجزي المحسنين، فسنيسّره للعسرى. فيسلب الله منه الهدى واليسر، ويحرمه كل تيسير، ويجعل في كل خطوة من خطاه مشقة وحرجا، ينحرف به عن طريق الرشاد، فإذا تردّى وسقط في نهاية العثرات والانحرافات لم يغن عنه ماله الذي بخل به، والذي استغنى به كذلك عن الهدى والسداد.
١٦- إن علينا للهدى. أي : إن خلقنا الإنسان وألهمناه التمييز بين الحق والباطل وبين الخير والشر، ثم أرسلنا له الرسل، وأنزلنا له الكتب لترشده إلى الهداية والإيمان.
١٣- وإنّ لنا للآخرة والأولى. وإنا المالكون لكل ما في الآخرة ولكل ما في الأولى، فأين يذهب من يريد أن يذهب بعيدا عن الله ؟
١٤-١٥- فأنذرناكم نارا تلظّى* لا يصلاها إلا الأشقى. وإن من هداية الله للبشر، أن خوفنا رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم نارا تلظى : تتسعر ألسنة لهبها، هذه النار لا يقاسي حرها إلا أشد الناس شقاوة، وهو الكافر.
١٦- الذي كذّب وتولّى. الذي كذب بالدعوة، وكذّب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن ربه من الآيات، وأعرض أيضا عن اتباع شرائعه، وانصرف عن الحق دون دليل يستند إليه، حتى صار التكذيب والإعراض أبرز أوصافه.
١٧-٢١- وسيجنّبها الأتقى* الذي يؤتي ماله، يتزكّى... وسيبعد عن النار من اتقى الله، وابتعد عن الموبقات، والذي ينفق أمواله في وجوه البر، طالبا بذلك طهارة نفسه وقربها من ربه، ولا يريد بذلك رياء على معروف، وإنما يقدم الخير ابتغاء مرضاة الله، وحبّا في ذاته سبحانه، ولسوف يرضى من فعل ذلك بأحسن ثواب، في أفضل مكان وفي أحسن جوار.
روي أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد كان من أمره أن بلال بن رباح –وكان مولى لعبد الله بن جدعان- دخل في الإسلام، فكان سيده يعذبه، ويخرجه إلى الرمضاء في حر الظهيرة، ويضع الحجر على بطنه، ويقول له : لا تزال كذلك حتى تموت أو تكفر بمحمد، فلا يزيد بلال على أن يقول : أحد أحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر به وهو يعذب فيقول له :( ينجيك أحد أحد )، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه بما يلقى بلال في الله، فاشتراه أبو بكر وأعتقه، فقال المشركون : ما فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت لبلال عنده، فنزل قوله تعالى : وسيجنّبها الأتقى... إلى آخر السورة.
مقاصد السورة
١- بين أن الناس في الدنيا فريقان :
( أ‌ ) فريق يهيئه الله للخصلة اليسرى، وهم الذين أعطوا الأموال لمن يستحقها وصدقوا بما وعد الله من الإخلاف على من أنفق.
( ب‌ ) وفريق يهيئه الله لخصلة المؤدية إلى العسر والشدة، وهم الذين بخلوا بالأموال، واستغنوا بالشهوات، وأنكرو ما وعد الله به من ثواب الجنة.
٢- الجزاء في الآخرة من جنس العمل، فالأشقى له النار، والأتقى له الجنة والرضوان.

اختلاف مسعى الناس
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والليل إذا يغشى ١ والنهار إذا تجلّى ٢ وما خلق الذّكر والأنثى ٣ إنّ سعيكم لشتّى ٤ فأما من أعطى واتّقى ٥ وصدّق بالحسنى ٦ فسنيسّره لليسرى ٧ وأما من بخل واستغنى ٨ وكذّب بالحسنى ٩ فسنيسّره للعسرى ١٠ وما يغني عنه ماله إذا تردّى ١١ ﴾
المفردات :
يغشى : يغطي كل شيء فيواريه بظلامه.
التفسير :
١، ٢، ٣- والليل إذا يغشى* والنهار إذا تجلّى* وما خلق الذّكر والأنثى.
أقسم بالليل حين يغطي بظلامه كل ما كان مضيئا، حيث يأوي كل حيوان إلى مأواه، ويسكن الخلق عن الاضطراب والضرب في الأرض، ويغشاهم النوم الذي جعله الله راحة لأبدانهم وغذاء لأرواحهم.
المفردات :
تجلى : ظهر وانكشف بظهوره كل شيء.
التفسير :
وأقسم بالنهار إذا تجلّى وظهر وانكشف ووضح لزوال ظلمة الليل، وجاء الوقت الذي يتحرك فيه الناس لمعاشهم، وتتحرك الطير من أوكارها، والهوام من مكامنها.
المفردات :
وما خلق : والذي خلق.
التفسير :
وأقسم بالله الذي خلق الذكر والأنثى من كل نوع وجنس، وجعل استمرار الحياة متوقفا على ذلك، فالإنسان والحيوان والنبات والسحاب وغير ذلك، يتوقف استمرار الحياة في جنسه على التلقيح بين الذكر والأنثى.
قال تعالى : وخلقناكم أزواجا. ( النبأ : ٨ ).
وهدى الله الرجل والمرأة للتلاقي والتواصل والإنجاب فسبحان الذي، أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. ( طه : ٥٠ ). ومثل ذلك بين الحيوان، وفي النبات نجد الرياح والحشرات يتم عن طريقها التلقيح بين الذكر والأنثى، وكذلك السحاب تقوم الرياح بتلقيح السحابة السالبة بسحابة موجبة، فيتم الإخصاب وينزل المطر.
قال تعالى : وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين. ( الحجر : ٢٢ ).
المفردات :
شتى : واحدها شتيت، وهو المتباعد بعضه عن بعض.
التفسير :
٤- إنّ سعيكم لشتّى.
هذا هو جواب القسم، أي : إن أعمال العباد مختلفة متباعدة، فمن فاعل خيرا، ومن فاعل شرا، وبعض الأعمال ضلال، وبعضها هدى، وبعضها يوجب الجنة، وبعضها يوجب النار، كما أن أعمال الناس مختلفة ومتعددة في الدنيا، فمنهم الصانع ومنهم الزارع، ومنهم الطبيب المداوي، والمعلم والمهندس، والباحث والمحارب، والعاملون في شئون الحياة المختلفة، حتى يشعروا جميعا أن كل واحد منهم في حاجة إلى الآخر، ليتم التعاون، ويتخذ بعضهم بعضا سخريا.
قال القرطبي :
السعي : العمل، فساع في فكاك نفسه، وساع في عطبها، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم :( الناس غاديان : فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها )i.
ونحو الآية قوله تعالى : أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون. ( الجاثية : ٢١ ).
وقوله تعالى : لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون. ( الحشر : ٢٠ ).
المفردات :
أعطى : بذل ماله.
اتقى : خاف عذاب الرحمان واجتنب المحارم.
التفسير :
ثم وضح الله تعالى عاقبة المتقين وعاقبة الكافرين : فقال :
٥- فأما من أعطى واتّقى.
أي : أعطى ماله في جهة الخير والبر والزكاة والصدقة، واتقى الله فابتعد عن المحرمات والشبهات، وفعل المأمورات.
قال ابن كثير : أعطى ما أمر بإخراجه، واتقى الله في أموره.
المفردات :
الحسنى : بالكلمة الحسنى، وهي مؤنث الأحسن.
التفسير :
٦- وصدّق بالحسنى.
وصدق بالجنة التي أعدّها الله للأبرار، وأيقن بكلمة التوحيد وهي :( لا إله إلا الله ) أو بملة الإسلام، أو صدق بالجزاء الأوفى من الله على كل خير، وكلمة الحسنى تتسع لتشمل كل خصلة حسنة، إذ كلها ترجع إلى ثواب الله الذي هو الجنة.
المفردات :
فسنيسره : فسنهيئه.
لليسرى : لليسر والسهولة.
التفسير :
٧- فسنيسّره لليسرى.
فسنوفقه للأمور الميسّرة، ونهيّئه لعمل الخير، وفعل الطاعات وترك المحرمات.
والخلاصة : أن من التزم بأوامر الله وطاعته، فإن الله ييسر له الخير والفلاح، ويمنحه الرضا والتوفيق، فتراه يسير في طريق العمل الصالح، بعيدا عن المعاصي، ميسرا لطريق الجنة.
قال تعالى : رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه. ( البينة : ٨ ).
التفسير :
٨- وأما من بخل واستغنى.
وأما من بخل بإنفاق المال، واستغنى عن عبادة ذي الجلال.
قال الأستاذ أحمد المراغي في تفسيره :
وأما من أمسك ماله، أو أنفقه في شهواته، ولم ينفقه فيما يقرب من ربه، وخدعته ثروته وجاهه، فظن أنه بذلك لا يحتاج إلى أحد. اه.
التفسير :
٩- وكذّب بالحسنى.
وكذّب بالدين الحق، وبأن الله يخلف على المنفقين، ويعاقب الأشحّاء الباخلين.
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا )ii.
المفردات :
للعسرى : للعسر والعنت والمشقة.
التفسير :
١٠- فسنيسّره للعسرى.
أي : نمنعه من التوفيق والهدى والرغبة في الخير، فتكون الطاعات أعسر شيء عليه، ويكون طريق الشر ميسورا بين يديه.
كما قال تعالى : ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة... ( الأنعام : ١١٠ ).
قال ابن كثير :
والآيات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله عز وجل يجازي من قصد الخير بالتوفيق، ومن قصد الشر بالخذلان، وكل ذلك بقدر مقدّر.
والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة، منها ما رواه البخاري، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة، فقال :( ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار )، فقالوا : يا رسول الله، أفلا نتّكل ؟ فقال :( اعملوا فكل ميسر لما خلق له )، ثم قرأ : فأما من أعطى واتّقى* وصدّق بالحسنى* فسنيسره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذّب بالحسنى* فسنيسره للعسرىiii.
المفردات :
تردى : هلك، وهو تفعل من الرّدى.
التفسير :
١١- وما يغني عنه ماله إذا تردّى.
ماذا ينفعه المال إذا وقع في الهلاك والرّدى، وعوقب على بخله وكفره بالنار، سيترك المال لورثته، وينتهي بالموت بخيلا كافرا إلى النار وبئس المصير.
قال تعالى : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم... ( الأنعام : ٩٤ ).
لقد خلق الله الإنسان، ومنحه العقل والإرادة والاختيار، وأرسل له الرسل، وأنزل له الكتب، فمن صدّق بالآخرة وعمل لها، سر الله له طريق الخير، ومن كذّب بالآخرة ولم يعمل لها، واستغنى عن الإيمان وكفر بالله، يسر له طريق الشر، ولن ينجيه المال الذي تركه في الدنيا إذا سقط في جهنم.
قال تعالى : ونرثه ما يقول ويأتينا فردا. ( مريم : ٨٠ ).
إنما الذي ينفع الإنسان هو ما يقدمه في الدنيا من الإيمان وإخراج الزكاة والصدقة، وفعل الطاعات وترك المحرمات.
قال صلى الله عليه وسلم :( أيّكم مال وارثه أحب إليه من ماله ) ؟ قلنا : يا رسول الله، كل واحد منا ماله أحب إليه من مال وارثه. فقال صلى الله عليه وسلم :( فإن مالك ما قدّمت، ومال وارثك ما أخّرت )iv.
الأشقى والأتقى
﴿ إنّ علينا للهدى ١٢ وإنّ لنا للآخرة والأولى ١٣ فأنذرتكم نارا تلظّى ١٤ لا يصلاها إلا الأشقى ١٥ الذي كذّب وتولّى ١٦ وسيجنّبها الأتقى ١٧ الذي يؤتي ماله يتزكّى ١٨ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ١٩ إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ٢٠ ولسوف يرضى ٢١ ﴾
التفسير :
١٢- إنّ علينا للهدى.
إن علينا –بمقتضى حكمتنا ورحمتنا بعبادنا – أن نبين لهم طريق الحق وطريق الباطل، بواسطة رسلنا وكتبنا، وما أودعناه في فطرة كل إنسان من أسباب الهداية.
قال تعالى : إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا. ( الإنسان : ٣ ).
وقال تعالى : وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر... ( الكهف : ٢٩ ).
فمن أراد الهدى وسلك سبيل الرشد، أعانه الله بتوفيقه وسداده وأمدّه بمعونته، ومن أراد الضال والشهوات والمحرمات، سلب الله عنه الهدى وتركه ضالا.
ويكون معنى الآية :
إن من مقتضى حكمتنا أن نيسّر أسباب الهدى للبشر، فمن اختار طريق الهدى أعنّاه عليه، ويسرنا له اليسرى، ومن آثر الضلالة سلبنا عنه أسباب الهدى، ويسّرناه للعسرى، أي للنار وبئس المصير.
وهذا معنى الحديث :( اعملوا فكل ميسر لما خلق له، إن الله تعالى يقول : فأما من أعطى واتّقى* وصدّق بالحسنى* فسنيسّره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذّب بالحسنى* فسنيسّره للعسرى.
التفسير :
١٣- وإنّ لنا للآخرة والأولى.
أي : لنا ما في الدنيا والآخرة، فمن طلبهما من غير الله فقد أخطأ الطريق، حقا.. مسكين من ضل طريقه وعصى ربه، وأطاع هواه واتبع شيطانه، وهو نفسه ملك لربه، إذ الخلق والأمر بيده، والعطاء والمنع لا يملكه أحد سواه، وهذا الكون كله تحت تصرفه وقدرته.
وفي يوم القيامة ينادي المنادى : لمن الملك اليوم ؟ فيكون الجواب : لله الواحد القهّار. ( غافر : ١٦ ).
قال تعالى : مالك يوم الدين. ( الفاتحة : ٤ ).
المفردات :
تلظى : أصله تتلظى، أي : تتوقد وتلتهب.
التفسير :
١٤- فأنذرناكم نارا تلظّى.
فحذرتكم نار الآخرة التي تتوهج وتتوقد، ويأكل بعضها بعضا، وهي تتلمظ شوقا إلى العصاة الكافرين.
المفردات :
لا يصلاها : لا يحترق بها.
الأشقى : من هو أشد شقاء من غيره.
التفسير :
١٥- لا يصلاها إلا الأشقى.
لا يعذب بين طبقاتها إلا الكافر الذي باع الهدى، واشترى الضال والإعراض عن طريق الله.
المفردات :
كذّب : كذّب الرسول فيما جاء به عن ربه.
تولى : أعرض عن طاعة ربه.
التفسير :
١٦- الذي كذّب وتولّى.
الذي كذّب رسالة الأنبياء، وكفر بالله، وأعرض وأدبر عن طاعة الله وتجنبها، هؤلاء الكفار يصطلون بنار جهنم، ويعذبون بين طبقاتها، وتغشاهم النار من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
قال تعالى : لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل... ( الزمر : ١٦ ).
أما المؤمنون العصاة فلا يعذّبون بين طبقات جهنم، بل يعذبون على وجهها في الطبقة الاولى عذابا دون عذاب الأشقياء من الكافرين.
التفسير :
١٧- وسيجنّبها الأتقى.
وسيبتعد الأتقياء عن جهنم، فيمرون عليها ولا يدخلون فيها، بل يشاهدونها فقط، ليزدادوا شكرا لله على نجاتهم.
كما قال تعالى : فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور. ( آل عمران : ١٨٥ ).
وقال تعالى : وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا* ثم ننجّي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّا. ( مريم : ٧١، ٧٢ ).
المفردات :
يتزكى : يتطهر.
التفسير :
١٨- الذين ماله يتزكّى.
الذي يعطي ماله للفقراء والمساكين، ويصرفه في جهات الخير والبر، وعتق الرقاب ومساعدة المحتاجين، رغبة في التطهر من الذنوب والتقرب إلى علاّم الغيوب، فهو يعمل القربات مع الإخلاص والبعد عن الرياء والنفاق.
المفردات :
تجزى : تجازى وتكافأ.
التفسير :
١٩- وما لأحد عنده من نعمة تجزى.
ليس لأحد عنده من يد أو معروف فيجازيه عليه، بل عمل وجوه الخيرات تقربا إلى الله تعالى.
قال المفسرون :
نزلت الآيات في حق أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حين اشترى بلالا وأعتقه في سبيل الله، فقال المشركون : إنما فعل ذلك ليد كانت لبلال عنده، فنزلت.
- إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى.
أي : إنه فعل ما فعل من القربات ابتغاء مرضاة الله تعالى والدار الآخرة.
وفي معنى الآية قوله تعالى : إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. ( الإنسان : ٩ ).
٢١- وبسوف يرضى.
ولسوف يرضى عنه الله جزاء إخلاصه وتطوعه بعمل الخير من أجل مرضاة الله، فقد وعده الله يأن يرضى عنه.
وقيل : إن المعنى : ولسوف يعطيه الله في الآخرة ما يرضيه، وهو وعد كريم من رب رحيم، والمؤمن الصادق راض عن الله تعالى، والله تعالى راض عنه.
قال تعالى : رضي الله عنهم ورضوا عنه... ( البينة : ٨ ).
وقال عز شأنه : يا أيتها النفس المطمئنة* ارجعي إلى ربك راضية مرضية* فادخلي في عبادي* وادخلي جنتي. ( الفجر : ٢٧-٣٠ ).
( تم بحمد الله وتوفيقه تفسير سورة الليل ).
i كل الناس يغدو، فبائع نفسه فنعتقها،
رواه مسلم في الطهارة، باب فضل الوضوء ( ٢٢٣ )، والترمذي في الدعوات ( ٣٥٨٣ ) والنسائي في الزكاة، وابن ماجة في الطهارة باب الوضوء شطر الإيمان ( ٢٨٠ ) والدارمي في الطهارة ( ٦٥٣ )، وأحمد ( ٢٢٣٩٥ ). من حديث أبي مالك الأشعري. وتمام لفظه :( الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ).
ii ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان :
روى البخاري في الزكاة ( ١٤٤٢ )، ومسلم في الزكاة ( ١٠١٠ ) وأحمد ( ٧٩٩٣ ) من حديث أبي هريرة. ورواه أحمد ( ٢١٢١٤ ) من حديث أبي الدرداء.
iii اعملوا فكل ميسر لما خلق له :
روى البخاري في تفسير القرآن ( ٤٩٤٩ )، وفي التوحيد ( ٧٥٥١ )، ومسلم في القدر ( ٢٦٤٧، ٢٦٤٩ )، والترمذي في القدر ( ٢١٣٦ )، وفي التفسير ( ٣١١١ )، وأبو داود في السنة ( ٤٧٠٩ )، وابن ماجة في المقدمة ( ٧٨، ٩١ )، وفي التجارات ( ٢١٤٢ )، وأحمد ( ٢٠، ٦٢٢، ١٣٥٢ )، من حديث علي، وعمر، وعمران بن الحصين، وأبي حميد، وسراقة، وأبي بكر الصديق.
iv أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله :
رواه البخاري في الرقاق ( ٢٤٤٢ ) من حديث عبد الله بلفظ :( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ) ؟ قالوا : يا رسول الله... الحديث.
Icon