تفسير سورة سورة قريش من كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير
.
لمؤلفه
الشربيني
.
المتوفي سنة 977 هـ
مكية، في قول الجمهور، ومدنية في قول الضحاك والكلبي، وهي أربع آيات، وسبع عشرة كلمة، وثلاثة وسبعون حرفاً.
﴿ بسم الله ﴾ الذي له جميع الكمال ﴿ الرحمن ﴾ ذي النعم والأفضال ﴿ الرحيم ﴾ الذي خص أولياءه بالقرب والإجلال.
﴿ بسم الله ﴾ الذي له جميع الكمال ﴿ الرحمن ﴾ ذي النعم والأفضال ﴿ الرحيم ﴾ الذي خص أولياءه بالقرب والإجلال.
ﰡ
ﭑﭒ
ﰀ
وقوله تعالى :﴿ لإيلاف قريش ﴾ في متعلقه أوجه : أحدها : أنه ما في السورة قبلها من قوله تعالى :﴿ فجعلهم كعصف مأكول ﴾ [ الفيل : ٥ ]. قال الزمخشري : وهذا بمنزلة التضمين في الشعر، وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقاً لا يصح إلا به، وهما في مصحف أبيّ سورة واحدة بلا فصل. وعن عمر أنه قرأهما في الثانية من صلاة المغرب، وقرأ في الأولى ( والتين ). اه، وإلى هذا ذهب الأخفش. وقال الرازي : المشهور أنهما سورتان، ولا يلزم من التعلق الاتحاد ؛ لأنّ القرآن كسورة واحدة.
ثانيها : أنه مضمر، تقديره فعلنا ذلك، وهو إيقاعهم للإيلاف، وهو الفهم لبلدهم الذي ينشأ عنه طمأنينتهم وهيبة الناس لهم. وقيل : تقديره اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة رب هذا البيت.
ثالثها : أنه متعلق بقوله تعالى :﴿ فليعبدوا ﴾، أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين ؛ لأنهما أظهر نعمة عليهم، وهذا هو الذي صدر به الزمخشري كلامه، وفي هذا إشارة إلى تمام قدرته سبحانه، وأنه إذا أراد شيئاً يسر سببه ؛ لأنّ التدبير كله له، يخفض من يشاء، وإن عز، ويرفع من يشاء وإن ذل، وقريش هم ولد النضر بن كنانة، ومن ولده النضر فهو قرشيّ، ومن لم يلده النضر فليس بقرشيّ. قال صلى الله عليه وسلم :«إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم »، وأخرج الحاكم وصححه البيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«فضل الله قريشاً بسبع خلال : أني منهم، وأنّ النبوّة فيهم، وأنّ الله نصرهم على الفيل، وأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده غيرهم، وأنّ الحجابة والسقاية فيهم، وأنّ الله أنزل فيهم سورة من القرآن ». وسموا قريشاً من القرش، وهو التكسب والجمع، يقال : فلان يقرش لعياله ويقترش، أي : يكتسب، وهم كانوا تجاراً حرّاصاً على جمع المال، وقال أبو ريحانة : سأل معاوية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : لم سميت قريش قريشاً ؟ قال : لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه تعبث بالسفن، ولا تطاق إلا بالنار، يقال لها : القرش، ولا تمرّ بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، وهي تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى، . قال : وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم، فأنشده شعر الجمحي :
وقيل : هو من تقرش الرجل إذا تنزه عن مدانس الأمور، أومن تقارشت الرماح في الحرب إذا دخل بعضها في بعض.
ثانيها : أنه مضمر، تقديره فعلنا ذلك، وهو إيقاعهم للإيلاف، وهو الفهم لبلدهم الذي ينشأ عنه طمأنينتهم وهيبة الناس لهم. وقيل : تقديره اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة رب هذا البيت.
ثالثها : أنه متعلق بقوله تعالى :﴿ فليعبدوا ﴾، أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين ؛ لأنهما أظهر نعمة عليهم، وهذا هو الذي صدر به الزمخشري كلامه، وفي هذا إشارة إلى تمام قدرته سبحانه، وأنه إذا أراد شيئاً يسر سببه ؛ لأنّ التدبير كله له، يخفض من يشاء، وإن عز، ويرفع من يشاء وإن ذل، وقريش هم ولد النضر بن كنانة، ومن ولده النضر فهو قرشيّ، ومن لم يلده النضر فليس بقرشيّ. قال صلى الله عليه وسلم :«إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم »، وأخرج الحاكم وصححه البيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«فضل الله قريشاً بسبع خلال : أني منهم، وأنّ النبوّة فيهم، وأنّ الله نصرهم على الفيل، وأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده غيرهم، وأنّ الحجابة والسقاية فيهم، وأنّ الله أنزل فيهم سورة من القرآن ». وسموا قريشاً من القرش، وهو التكسب والجمع، يقال : فلان يقرش لعياله ويقترش، أي : يكتسب، وهم كانوا تجاراً حرّاصاً على جمع المال، وقال أبو ريحانة : سأل معاوية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : لم سميت قريش قريشاً ؟ قال : لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه تعبث بالسفن، ولا تطاق إلا بالنار، يقال لها : القرش، ولا تمرّ بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، وهي تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى، . قال : وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم، فأنشده شعر الجمحي :
وقريش هي التي تسكن البح | ر بها سميت قريش قريشاً |
تأكل الغث والسمين فلا تت | رك فيه لذي الجناحين ريشاً |
هكذا في الكتاب حي قريش | يأكلون البلاد أكلاً كميشا |
ولهم آخر الزمان نبيّ | يكثر القتل منهمو والخموشا |
وقوله تعالى :﴿ إيلافهم ﴾ بدل من الإيلاف الأول، وقرأ ابن عامر ( لإلاف ) بغير ياء بعد الهمزة، والباقون لإيلاف بياء بعدها، وأجمع الكل على إثبات الياء في الثاني وهو ( إيلافهم ) بالياء بعد الهمزة. قال ابن عادل : ومن غريب ما اتفق في هذين الحرفين أن القراء اختلفوا في سقوط الياء، وثبوتها في الأول مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطاً، واتفقوا على إثبات الياء في الثاني مع اتفاق المصاحف على سقوطها منها خطاً، وهذا أدل دليل على أنّ القراء متبعون الأثر والرواية لا مجرّد الخط. وقوله تعالى :﴿ رحلة الشتاء ﴾ منصوب بإيلافهم مفعول به كما نصب يتيماً بإطعام، وهي التي يرحلونها في زمنه إلى اليمن ؛ لأنها بلاد حارة، ينالون منها متاجر الحبوب. ﴿ والصيف ﴾ التي يرحلونها إلى الشام في زمنه ؛ لأنها بلاد باردة، ينالون فيها منافع الثمار، وهم آمنون من سائر العرب لأجل عزهم بالحرم المعظم وبيت الله، والناس يتخطفون من حولهم، ولا يجترئ أحد عليهم.
والإيلاف من قولك : آلفت المكان أولفه إيلافاً إذا بلغته فأنا مؤلف، والأصل رحلتي الشتاء والصيف، ولكنه أفرد ليشمل كل رحلة كما هو شأن المصادر وأسماء الأجناس، وفي ذلك إشارة إلى أنهم يتمكنون من الرحلة إلى أي بلاد أرادوا لشمول الأمن لهم. قال مالك : الشتاء نصف السنة والصيف نصفها.
وقال قوم : الزمان أربعة أقسام : شتاء وربيع وصيف وخريف، وقيل : شتاء وصيف وقيظ وخريف. قال القرطبي : الذي قاله مالك أصح ؛ لأنّ الله تعالى قسم الزمان قسمين، ولم يجعل لهما ثالثاً. وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنهم كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف، وقال آخرون : كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة، إحداهما : في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ، والأخرى في الصيف إلى الشام، وكان الحرم وادياً جدباً لا زرع فيه ولا ضرع، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم، ولولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف، وأول من سنّ لهم الرحلة هاشم بن عبد مناف، وكانوا يقسمون ربحهم بين الغني والفقير حتى كان فقيرهم كغنيهم، وفي ذلك يقول الشاعر :
وتبع هاشماً على ذلك إخوته، فكان هاشم يؤالف إلى الشام، وعبد شمس إلى الحبشة، والمطلب إلى اليمن، ونوفل إلى فارس، وكان تجار قريش يختلفون إلى هذه الأمصار بجاه هذه الإخوة، أي : بعهودهم التي أخذوها بالأمان لهم من ملك كل ناحية من هذه النواحي.
والإيلاف من قولك : آلفت المكان أولفه إيلافاً إذا بلغته فأنا مؤلف، والأصل رحلتي الشتاء والصيف، ولكنه أفرد ليشمل كل رحلة كما هو شأن المصادر وأسماء الأجناس، وفي ذلك إشارة إلى أنهم يتمكنون من الرحلة إلى أي بلاد أرادوا لشمول الأمن لهم. قال مالك : الشتاء نصف السنة والصيف نصفها.
وقال قوم : الزمان أربعة أقسام : شتاء وربيع وصيف وخريف، وقيل : شتاء وصيف وقيظ وخريف. قال القرطبي : الذي قاله مالك أصح ؛ لأنّ الله تعالى قسم الزمان قسمين، ولم يجعل لهما ثالثاً. وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنهم كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف، وقال آخرون : كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة، إحداهما : في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ، والأخرى في الصيف إلى الشام، وكان الحرم وادياً جدباً لا زرع فيه ولا ضرع، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم، ولولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف، وأول من سنّ لهم الرحلة هاشم بن عبد مناف، وكانوا يقسمون ربحهم بين الغني والفقير حتى كان فقيرهم كغنيهم، وفي ذلك يقول الشاعر :
قل للذي طلب السماحة والندى | هلا مررت بآل عبد مناف |
هلا مررت بهم تريد قراهم | منعوك من ضر ومن اتلاف |
الرائشين وليس يوجد رائش | والقائلين هلم للأضياف |
والخالطين فقيرهم بغنيهم | حتى يكون فقيرهم كالكافي |
والقائلين بكل وعد صادق | والراحلين برحلة الإيلاف |
عمرو العلا هشم الثريد لقومه | ورجال مكة مسنتون عجاف |
سفرين سنهما له ولقومه | سفر الشتاء ورحلة الأصياف |
ولما كان هذا التدبير لهم من الله تعالى كافياً لهمومهم الظاهرة بالغنى، والباطنة بالأمن، وكان شكر المنعم واجباً، قال تعالى :﴿ فليعبدوا ﴾ أي : قريش على سبيل الوجوب شكراً على هذه النعمة خاصة إن لم يشكروه على جميع نعمه التي لا تحصى ؛ لأنهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان، وأبعدهم عن الكفران ﴿ رب هذا البيت ﴾ أي : الموجد له والمحسن إلى أهله بحفظه من كل طاغ، وبإذلال الجبابرة له ليكمل إحسانه إليهم، وعطفه عليهم بإكمال إعزازه لهم في الدنيا والآخرة، والمراد به الكعبة، عبر عنها بالإشارة تعظيماً لشأنها.
ثم وصف نفسه الأقدس بما هو ثمرة الرحلتين، ومظهر لزيادة شرف البيت بقوله تعالى :﴿ الذي أطعمهم ﴾ أي : قريشاً بحمل الميرة إلى مكة بالرحلتين إطعاماً، مبتدأ ﴿ من جوع ﴾ أي : عظيم فيه غيرهم من العرب، أو كانوا هم فيه قبل ذلك ؛ لأنّ بلدهم ليس بذي زرع فهم عرضة للفقر الذي ينشأ عنه الجوع، فكفاهم ذلك وحده، ولم يشركه أحد في كفايتهم فليس من الشكر إشراكهم غيره معه في عبادته، ولا من البر بأبيهم إبراهيم عليه السلام الذي دعا لهم بالرزق بقوله عليه السلام :﴿ وارزقهم من الثمرات ﴾ [ إبراهيم : ٣٧ ] ونهى أشدّ النهي عن عبادة الأصنام، ولم يقل أشبعهم ؛ لأنه ليس كلهم كان يشبع منهم طالب لأكثر مما هو عنده، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ﴿ وآمنهم ﴾ أي : تخصيصاً لهم ﴿ من خوف ﴾ أي : شديد جدّاً من أصحاب الفيل الذين أرادوا خراب البيت الذي به نظامهم، وما ينال من حولهم من التخطف بالقتل والنهب والغارات، ومن الجذام بدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام، ومن الطاعن والدخان بتأمين النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن زيد : كانت العرب يغير بعضها على بعض، ويسبي بعضهم بعضاً، فأمنت قريش ذلك لمكان الحرم. وقيل : شق عليهم السفر في الشتاء والصيف، فألقى الله تعالى في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم طعاماً في السفن، فحملوا فخافت قريش منهم، وظنوا أنهم قدموا لحربهم، فخرجوا إليهم متحرزين، فإذا هم قد جلبوا إليهم الطعام، وأعانوهم بالأقوات، فكان أهل مكة يخرجون إلى جدّة بالإبل والحمر فيشترون الطعام على مسيرة ليلتين. وقيل : إنّ قريشاً لما كذبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال :«اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف »، فاشتدّ القحط فقالوا : يا محمد، ادع الله لنا، فإنا مؤمنون. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن، فحملوا الطعام إلى مكة وأخصب أهلها ». وقال الضحاك والربيع في قوله تعالى :﴿ وآمنهم من خوف ﴾، أي : من خوف الحبشة. وقال عليّ :﴿ وآمنهم من خوف ﴾ أن تكون الخلافة إلا فيهم. قال الزمخشريّ : من بدع التفاسير ﴿ وآمنهم من خوف ﴾ أن تكون الخلافة في غيرهم اه. لكن إن ثبت ذلك عن علي كرم الله وجهه فليس كما قال، وقيل : كفاهم أخذ الإيلاف من الملوك.
وعن ابن زيد : كانت العرب يغير بعضها على بعض، ويسبي بعضهم بعضاً، فأمنت قريش ذلك لمكان الحرم. وقيل : شق عليهم السفر في الشتاء والصيف، فألقى الله تعالى في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم طعاماً في السفن، فحملوا فخافت قريش منهم، وظنوا أنهم قدموا لحربهم، فخرجوا إليهم متحرزين، فإذا هم قد جلبوا إليهم الطعام، وأعانوهم بالأقوات، فكان أهل مكة يخرجون إلى جدّة بالإبل والحمر فيشترون الطعام على مسيرة ليلتين. وقيل : إنّ قريشاً لما كذبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال :«اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف »، فاشتدّ القحط فقالوا : يا محمد، ادع الله لنا، فإنا مؤمنون. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن، فحملوا الطعام إلى مكة وأخصب أهلها ». وقال الضحاك والربيع في قوله تعالى :﴿ وآمنهم من خوف ﴾، أي : من خوف الحبشة. وقال عليّ :﴿ وآمنهم من خوف ﴾ أن تكون الخلافة إلا فيهم. قال الزمخشريّ : من بدع التفاسير ﴿ وآمنهم من خوف ﴾ أن تكون الخلافة في غيرهم اه. لكن إن ثبت ذلك عن علي كرم الله وجهه فليس كما قال، وقيل : كفاهم أخذ الإيلاف من الملوك.