ﰡ
قوله تعالى (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥))
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣)) غلبتهم فارس، ثم غلَبت الروم (في أدنى الأرض) في طرف الشام.
قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، حدثنا منصور والأعمش، عن أبي الضحى عن مسروق قال: بينما رجل يُحدّث في كندة فقال: يجيء دُخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا.
فأتيتُ ابن مسعود وكان متكئا، فغضب فجلس فقال: من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله قال لنبيه (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين). وإن قريشا أبطأوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "اللهم أعنّى عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنَة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرجلُ ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد، جئتَ تأمرنا بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله. فقرأ (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين) إلى قوله (عائدون) أفيُكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء، ثم عادوا إلى
كفرهم فذلك قوله تعالى (يوم نبطش البطشة الكبرى) يوم بدر. و (لِزاما) يوم بدر (الم (١) غلبت الروم) إلى (سيغلبون) والروم قد مضى.
(صحيح البخاري ٨/٣٧٠ - ك التفسير - سورة الروم ح٤٧٧٤)
قال الترمذي: حدثنا الحسين بن حريث، حدثنا معاوية بن عَمْرو عن أبي إسحاق الفزاري عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عَمْرة عن سعيد بن جبير
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، وإنما نعرفه من حديث سفيان الثوري عن حبيب ابن أبي عَمرة. (السنن ٥/٣٤٣-٣٤٥ - ك التفسير، ب سورة الروم ح٣١٩٣)، وصححها الألباني في (صحيح سنن الترمذي ح٢٥٥١)، وأخرجه أحمد (المسند ١/٢٧٦)، والنسائي (التفسير ٢/١٤٩ ح٤٠٩)، والطبري (التفسير ٢١/١٦)، والطبراني (المعجم الكبير ١٢/٢٩ ح١٢٣٧٧)، والحاكم في (المستدرك ٢/٤١٠) كلهم من طريق أبي إسحاق الفزاري له، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في حاشية (المسند ح٢٤٩٥).
قوله تعالى (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧))
قال الشيخ الشنقيطي: وقوله تعالى (وعد الله) مصدر مؤكد لنفسه لأن قوله قبله (وهم من بعد غلبهم سيغلبون) إلى قوله (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) هو نفس الوعد كما لا يخفى، أي: وعد الله ذلك وعداً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ظاهرا من الحياة الدنيا) يعني الكفار يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الدين جهال.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) من حرفتها وتصرفها وبغيتها (وهم عن الآخرة هم غافلون).
انظر سورة يوسف آية (١٠٩) وسورة كافر (٨٢).
قوله تعالى (كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ... )
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وَأَثَارُوا الْأَرْضَ) قال: حرثوا الأرض.
قوله تعالى (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى) يقول: الذين كفروا جزاؤهم العذاب.
قوله تعالى (اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
انظر سورة الأنبياء آية (١٠٤).
قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يبلس) قال: يكتئب.
قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) قال: فرقة والله لا اجتماع بعدها (فأما الذين آمنوا) بالله ورسوله (وعملوا الصالحات) يقول: وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم عنه (فهم في روضة يحبرون) يقول: فهم في الرياحين والنباتات الملتفة، وبين أنواع الزهر في الجنان يسرون، ويلذذون بالسماع وطيب العيش الهني.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فهم في روضة يحبرون) قال يكرمون.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (يحبرون) ينعمون.
قاد الشيخ الشنقيطى: قد قدمنا في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) أن قوله هنا (فسبحان الله حين تمسون) الآيتين من الآيات التي أشير فيها إلى أوقات الصلاة الخمس.
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن ابن عباس وغيره قال: جمعت هاتان الآيتان مواقيت الصلاة (فسبحان الله حين تمسون) قال: المغرب والعشاء
(وحين تصبحون) الفجر (وعشيا) العصر (وحين تظهرون) الظهر.
لقوله تعالى (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن قوله (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.
قال ابن كثير: وقوله (ويحي الأرض بعد موتها)، كقوله: (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون).
وانظر سورة آل عمران آية (٢٧).
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ)
انظر حديث أبي موسى عند الآية (٣٠) من سورة البقرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن آياته أن خلقكم من تراب) خلق آدم عليه السلام من تراب (ثم إذا أنتم بشر تنتشرون) يعني: ذريته.
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)
قال البخاري: حدثنا إسحاق بن نصر، حدثنا حسين الجعفى، عن زائدة، عن ميسرة، عن أبي حازم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن
(صحيح البخاري ٩/١٦٠-١٦١ - ك النكاح، ب الوصاة بالنساء ح٥١٨٥-٥١٨٦).
قال ابن كثير: وقوله (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا)، أي: خلق لكم من جنسكم إناثا يكن لكم أزواجا، (لتسكنوا إليها)، كما قال تعالى (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها)
يعني بذلك حواء، خلقها الله من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) خلقها لكم من ضلع من أضلاعه.
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا) قال: خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم.
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) قامتا بغير عبد (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون)
قال: دعاهم فخرجوا من الأرض.
قال ابن كثير: (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) كقوله: (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقوله: (أن الله يمسك السماء والأرض أن تزولا) وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذ اجتهد في اليمين يقول: "لا، والذي تقوم السماء من الأرض بأمره". أي: هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها، ثم إذا كان يوم القيامة بدلت الأرض غير الأرض
قوله تعالى (... كل له قانتون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كل له قانتون) أي مطيع مقر بأن الله ربه وخالقه.
قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله تعالى: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يُعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتّخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أُولد، ولم يكن لي كفواً أحد".
(الصحيح ٨/٦١١ ح٤٩٧٤ - ك التفسير - سورة قل هو الله أحد).
وانظر آية (١١) من السورة نفسها، وسورة الأنبياء آية (١٠٤).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وهو أهون عليه) قال: يقول: أيسر عليه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وهو أهون عليه) يقول: إعادته أهون عليه من بدئه، وكل على الله هين. وفي بعض القراءة وكل على الله هين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (وله المثل الأعلى في السماوات) يقول: ليس كمثله شيء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء) قال: مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من خلقه، يقول: أكان أحدكم مشاركا مملوكه في فراشه وزوجته، فكذلكم الله لا يرضى أن يعدل به أحد من خلقه.
قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
قال البخاري: حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري قال، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من مولود إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تُنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم).
(صحيح البخاري ٨/٣٧٢ ح٤٧٧٥ - ك التفسير - سورة الروم، ب (لا بديل لحلق الله))، (صحيح مسلم، ٤/٢٠٤٧ - ك القدر، ب معنى كل مولود يولد على الفطرة... )، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ١/٣٤١ ح١٣٢)، والحاكم في (المستدرك ٢/١٢٣)، والضياء المقدسي في (المختارة ٤/٢٤٧-٢٤٩ ح١٤٤٤-١٤٤٦) من حديث الأسود بن سريع - رضي الله عنه -، وفيه النهي عن قتل الذرية في الحرب، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوَليس خياركم أولاد المشركين... " وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وانظر حديث عياض بن حمار المتقدم عند الآية (١٦٨) من سورة البقرة.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فطرة الله) قال: الدين الإسلام.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (لا تبديل لخلق الله)، قال: لدينه.
قال ابن كثير: وقوله تعالى (ذلك الدين القيم) أي: التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القويم المستقيم (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أي:
وقوله تعالى (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) وهم اليهود والنصارى.
قوله تعالى (أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون) يقول: أم أنزلنا عليهم كتابا فهو ينطق بشركهم.
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
انظر سورة الرعد آية (٢٦) وسورة الإسراء آية (٣٠).
قوله تعالى (فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
خرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (فآت ذا القربى حقه) قال: إذا كان لك ذو قرابة مسلم تصله بمالك ولم تمش إليه برجلك فقد قطعته.
وانظر سورة الإسراء آية (٢٦).
وانظر سورة البقرة آية (١٧٧) لبيان ذي القربى والمسكين وابن السبيل.
قوله تعالى (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ... )
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما أتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس) قال: يعطي ماله يبتغي أفضل منه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) قال: هذا الذي يقبله الله ويضعفه لهم عشر أمثالا، وأكثر من ذلك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم ثم يميتكم ثم يحييكم) للبعث بعد الموت.
وانظر سورة البقرة آية (٢٨) وغافر آية (١١).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء) لا والله (سبحانه وتعالى عما يشركون) يسبح نفسه إذ قيل عليه البهتان.
قوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) قال: هذا قبل أن يبعث الله نبيه محمداً امتلأت ضلالة وظلما فلما بعث الله نبيه رجع راجعون من الناس.
قوله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ)
انظر سورة آل عمران آية (١٣٧).
قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فأقم وجهك للذين القيم) الإسلام (من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصّدعون) فريق في الجنة وفريق في السعير.
قال الشيخ الشنقيطي: أي يتفرقون فريقين: أحدهما في الجنة، والثاني: في النار. وقد دلت على هذا آيات من كتاب الله كقوله تعالى في هذه السورة الكريمة (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (١٦)) وقوله تعالى (وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يومئذ يصدعون) يقول: يتفرقون.
قوله تعالى (فلأنفسهم يمهدون)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فلأنفسهم يمهدون) قال: يسوون المضاجع.
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ... ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (الرياح مبشرات)، قال: بالمطر.
قوله تعالى (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) انظر سورة البقرة آية (١٦٤) وسورة المؤمنون آية (٢٢).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وليذيقكم من رحمته) قال: المطر
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيبسطه في السماء كيف يشاء) ويجمعه، قوله (ويجعله كسفا) يقول: ويجعل السحاب قطعا متفرقة، وقوله (فَتَرَى الْوَدْقَ) يعني: المطر (يخرج من خلاله) يعني: من بين السحاب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين)، أي: قانطين.
قوله تعالى (فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
انظر سورة الأعراف آية (٥٧).
قوله تعالى (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) قال البخاري: حدثنا عثمان، حدثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قليب بدر فقال: "هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ " ثم قال: "إنهم الآن يسمعون ما أقول". فذكر لعائشة فقالت: إنما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنتُ أقول لهم هو الحق". ثم قرأت: (إنك لا تسمع الموتى) حتى قرأت الآية".
(الصحيح/٣٥١ ح٣٩٨٠، ٣٩٨١ - ك المغازي، ب قتل أبي جهل).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فإنك لا تسمع الموتى) هذا مثل ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر (ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) يقول: لو أن أصم ولى مدبراً ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع.
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)
قال الشيخ الشنقيطي: قد بين تعالى الضعف الأول الذي خلقهم منه في آيات من كتابه، وبين الضعف الأخير في آيات أخر قال في الأول (ألم نخلقكم من ماء مهين) وقال (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) وقال تعالى (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة) الآية. وقال (فلينظر الإنسان مم خلق
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الذي خلقكم من ضعف) أي من نطفة (ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا) الهرم (وشيبة) الشمط.
ومعنى الشمط: الذي خالط شعره السواد والبياض.
قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون) أي يكذبون في الدنيا، وإنما يعني بقوله (يؤفكون) عن الصدق، ويصدون عنه إلى الكذب.
قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جلا وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار إذا بعثوا يوم القيامة، وأقسموا أنهم ما لبثوا غير ساعة يقول لهم الذين أوتوا العلم والإيمان، ويدخل فيهم الملائكة، والرسل، والأنبياء، والصالحون: والله لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث، فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون. وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحا في سورة يس على أصح التفسيرين، وذلك في قوله تعالى (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث) قال: هذا من مقاديم الكلام.
وتأويلها: وقال الذين أوتوا الإيمان والعلم: لقد لبثتم في كتاب الله.
قال ابن كثير: يقول تعالى (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) أي: قد بينا لهم الحق، ووضحناه لهم، وضربنا لهم فيه الأمثال ليتبينوا الحق ويتبعوه (ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون)، أي: لو رأوا أي آية كانت سواء كانت، باقتراحهم أو غيره، لا يؤمنون بها، ويعتقدون أنها سحر وباطل، كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه، كما قال تعالى: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم).
قوله تعالى (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
انظر سورة البقرة آية (٧) لبيان الطبع على قلوبهم.