تفسير سورة الرّوم

الموسوعة القرآنية
تفسير سورة سورة الروم من كتاب الموسوعة القرآنية المعروف بـالموسوعة القرآنية .
لمؤلفه إبراهيم الإبياري . المتوفي سنة 1414 هـ

(٣٠) سورة الروم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤)
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥)
١- الم:
أي ان هذا القرآن المعجز من هذه الحروف التي منها كلامكم.
٢- غُلِبَتِ الرُّومُ:
يعنى غلبة فارس على الروم.
٣- فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ:
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ أي فى أدنى أرضهم- أرض العرب- إلى عدوهم.
٤- فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ:
فِي بِضْعِ سِنِينَ البضع ما بين الثلاث الى التسع. ولقد كان ظهور الروم على الفرس يوم الحديبية وذلك عند رأس سبع سنين.
مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ أي فى أول الوقتين وفى آخرهما، حين غلبوا وحين يغلبون. يعنى أن كونهم مغلوبين أولا وغالبين آخرا ليس الا بأمر الله وقضائه.
وَيَوْمَئِذٍ تغلب الروم على الفرس.
يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ إذ كان الفرس على المجوسية وكان الروم أهل كتاب.
٥- بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ:
بِنَصْرِ اللَّهِ بتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له.
وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب على أعدائه.
الرَّحِيمُ بأوليائه.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٦ الى ٨]
وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨)
٦- وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ:
وَعْدَ اللَّهِ مصدر مؤكد، لأن ما سبقه فى معنى: وعد.
٧- يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ:
يَعْلَمُونَ بدل من قوله لا يَعْلَمُونَ فى الآية السابقة، ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا.
ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعنى به ما يعرفه الجهال من التمتع بملاذها الفانية.
عَنِ الْآخِرَةِ وما فيها من نعيم باق خالد.
٨- أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ:
فِي أَنْفُسِهِمْ أي فى قلوبهم الفارغة من الكفر.
ما خَلَقَ أي: فيعلموا ما خلق، لأن فى الكلام دليلا عليه.
إِلَّا بِالْحَقِّ أي ما خلقها عبثا وباطلا، ولكن مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة.
وَأَجَلٍ مُسَمًّى أي وبتقدير أجل مسمى لا بد لها من أن تنتهى اليه، وهو قيام الساعة.
بِلِقاءِ رَبِّهِمْ بهذا الأجل المسمى.

[سورة الروم (٣٠) : آية ٩]

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩)
٩- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ:
أَوَلَمْ يَسِيرُوا تقرير لسيرهم فى البلاد ونظرهم الى آثار المدمرين من عاد وثمود وغيرهم من الأمم العاتية.
وَأَثارُوا الْأَرْضَ حرثوها.
أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها من عمارة أهل مكة.
وهذا من قبيل التهكم بهم، لأن أهل مكة أهل واد غير ذى زرع، ما لهم إثارة الأرض أصلا، ولا عمارة لها رأسا.
يصف ضعف حالهم فى دنياهم.
وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ حيث عملوا ما أوجب تدميرهم.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١٠ الى ١٣]
ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣)
١٠- ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ:
السُّواى تأنيث الأسوأ، وهو الأقبح. وقيل: أساءوا السوأى أي اقترفوا الخطيئة التي هى أسوأ الخطايا.
أَنْ كَذَّبُوا أي لأن كذبوا.
١١- اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ:
تُرْجَعُونَ الى ثوابه وعقابه.
١٢- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ:
يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ يقفون حيارى لا يدرون ما يفعلون.
١٣- وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ:
مِنْ شُرَكائِهِمْ من الذين عبدوهم من دون الله.
كافِرِينَ يكفرون بإلهيتهم ويجحدونها.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١٤ الى ١٩]
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦) فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨)
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩)
١٤- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ:
يَتَفَرَّقُونَ الضمير للمسلمين والكافرين.
١٥- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ:
فِي رَوْضَةٍ يعنى الجنة.
يُحْبَرُونَ يسرون.
١٦- وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ:
مُحْضَرُونَ لا يغيبون عنه ولا يخفف عنهم.
١٧- فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ:
فَسُبْحانَ اللَّهِ تنزيهه تعالى من السوء والثناء عليه بالخير.
حِينَ تُمْسُونَ مع صلاتى المغرب والعشاء.
وَحِينَ تُصْبِحُونَ مع صلاة الفجر.
١٨- وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ:
وَعَشِيًّا مع صلاة العصر.
وَحِينَ تُظْهِرُونَ مع صلاة الظهر.
وخص هذه الأوقات لما يتجدد فيها من نعم الله الظاهرة.
١٩- يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ:
الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ الطائر من البيضة.
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ البيضة من الطائر.
وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها بالنبات.
وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ من القبور وتبعثون.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٢٠ الى ٢٥]
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤)
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥)
٢٠- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ:
ثُمَّ إِذا إذا، للمفاجأة، أي ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا تنتشرون فى الأرض.
٢١- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ:
مِنْ أَنْفُسِكُمْ أي من جنسها لا من جنس آخر.
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً التواد والتراحم بعصمة الزواج، بعد أن لم تكن بينكم سابقة معرفة.
٢٢- وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ:
أَلْسِنَتِكُمْ لغاتكم.
٢٣- وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ:
أي: ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضل بالليل والنهار.
٢٤- وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ:
يُرِيكُمُ على إضمار (أن) وإنزال الفعل منزلة المصدر.
خَوْفاً من الصاعقة.
وَطَمَعاً فى الغيث.
٢٥- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ:
أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ قيام السموات والأرض واستمساكها بغير عمد.
بِأَمْرِهِ أي بقوله: كونا قائمتين. والمراد بإقامته لهما: إرادته لكونهما على صفة القيام دون الزوال.
ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ يعنى: يا أهل القبور أخرجوا.
إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ تخرجون من قبوركم من غير تلبث ولا توقف.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨)
٢٦- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ:
قانِتُونَ منقادون لا يمتنعون عليه.
٢٧- وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ:
وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم وتقتضيه عقولكم.
وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثل قد عرف به.
فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل.
وَهُوَ الْعَزِيزُ القاهر لكل مقدور.
الْحَكِيمُ الذي يجرى كل فعل على قضايا حكمته وعلمه.
٢٨- ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ:
مِنْ أَنْفُسِكُمْ من الابتداء، أي كأنه أخذ مثلا وانتزعه من أقرب شىء منكم وهو أنفسكم ولم يبعد.
مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من، للتبعيض.
مِنْ شُرَكاءَ من، مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي.
والمعنى: هل ترضون لأنفسكم- وعبيدكم أمثالكم بشر كبشر وعبيد كعبيد. أن يشارككم بعضهم فيما رزقناكم من الأموال وغيرها.
فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تكونون أنتم وهم فيه على السواء من غير تفضلة بين حر وعبد.
تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ تهابون أن تستبدوا بتصرف دونهم، وأن تفتاتوا بتدبير عليهم كما يهاب بعضكم بعضا من الأحرار، فاذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم، فكيف ترضون لرب الأرباب أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء.
كَذلِكَ أي مثل هذا التفضيل.
نُفَصِّلُ الْآياتِ نبينها.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠)
٢٩- بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ:
الَّذِينَ ظَلَمُوا أي أشركوا.
بِغَيْرِ عِلْمٍ أي جاهلين.
مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ أي من خذله.
٣٠- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ:
فَأَقِمْ وَجْهَكَ فقوّم وجهك له وعدله غير ملتفت عنه يمينا ولا شمالا.
حَنِيفاً بعيدا عن ضلالهم.
فِطْرَتَ اللَّهِ أي الزموا فطرة الله. والفطرة: الخلقة.
لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أي ما ينبغى أن تبدل تلك الفطرة أو تغير.
ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أي ذلك القضاء المستقيم.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٣١ الى ٣٥]
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥)
٣١- مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ:
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ راجعين اليه بالتوبة والإخلاص.
٣٢- مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ:
مِنَ الَّذِينَ بدل من الْمُشْرِكِينَ.
فَرَّقُوا دِينَهُمْ أي جعلوه أديانا مختلفة لاختلاف أهوائهم.
وَكانُوا شِيَعاً فرقا، كل واحدة تشايع إمامها الذي أضلها.
كُلُّ حِزْبٍ منهم.
بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ فرح بمذهبه مسرور يحسب باطله حقا.
٣٣- وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ:
ضُرٌّ شدة.
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ راجعين اليه تائبين.
مِنْهُ خلاصا من تلك الشدة.
٣٤- لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ:
لِيَكْفُرُوا اللام لام (كى). وقيل هى الأمر، تحمل معنى التهديد.
فَتَمَتَّعُوا تهديد ووعيد.
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وبال تمتعكم.
٣٥- أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ:
سُلْطاناً حجة.
بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ أي بكونهم بالله يشركون.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)
٣٦- وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ:
رَحْمَةً أي نعمة.
سَيِّئَةٌ أي بلاء.
يَقْنَطُونَ ييأسون من الرحمة والفرح.
٣٧- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ:
أي هو الباسط القابض فما لهم يقنطون من رحمة الله.
٣٨- فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:
فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ صلة الرحم.
وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ نصيبهما من الصدقة المسماة لهما.
يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ أي يقصدون بمعروفهم إياه خالصا وحقه.
أو يقصدون جهة التقرب الى الله لا جهة أخرى.
٣٩- وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ:
وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً أي وما أعطيتم أكلة الربا.
لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ ليزيد ويزكو فى أموالهم.
فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ فلا يزكو عند الله ولا يبارك فيه.
وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ أي صدقة.
تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ يبتغون به وجهه خالصا.
فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ذوو الأضعاف من الحسنات.

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٤٠ الى ٤٣]

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠) ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣)
٤٠- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هو فاعل هذه الأفعال التي لا يقدر على شىء منها أحد غيره.
هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ الذين اتخذتموهم أندادا.
مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ شيئا قط من تلك الأفعال.
٤١- ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ:
فِي الْبَرِّ بإجدابها.
وَالْبَحْرِ بانقطاع مادته.
بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ بسبب معاصيهم وذنوبهم.
لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا أي كان هذا وذاك ليذيقهم وبال بعض أعمالهم فى الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها فى الآخرة.
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عما هم عليه.
٤٢- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ:
مُشْرِكِينَ بالله لا يتورعون عن ارتكاب المعاصي.
٤٣- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ:
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ أي اجعل وجهتك اتباع الدين، وهى الإسلام.
الْقَيِّمِ البليغ الاستقامة، الذي لا يتأتى فيه عوج.
مِنَ اللَّهِ متعلق بقوله يَأْتِيَ، أي من قبل أن يأتى من الله يوم
لا مرد له. أو متعلق بقوله مَرَدَّ أي لا يرد هو بعد أن يجىء به، ولا رد له من جهته.
لا مَرَدَّ لَهُ لا صارف له.
يَصَّدَّعُونَ يتفرقون.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٤٤ الى ٤٧]
مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)
٤٤- مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ:
فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ أي جزاء كفره.
فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ أي يسوون لأنفسهم، ما يسويه لنفسه الذي يمهد فراشه ويوطئه، لئلا يصيبه فى مضجعه ما ينبّيه عليه وينغص عليه مرقده.
٤٥- لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ:
لِيَجْزِيَ متعلق بقوله يَمْهَدُونَ تعليل له.
مِنْ فَضْلِهِ مما يتفضل عليهم بعد توفية الواجب من الثواب.
٤٦- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:
مُبَشِّراتٍ بالمطر، لأنها تتقدمه.
مِنْ رَحْمَتِهِ من الغيث والخصب.
وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ فى البحر مع هبوبها.
وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يعنى الرزق بالتجارة.
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ هذه النعم بالتوحيد والطاعة.
٤٧- لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
الْبَيِّناتِ
بالمعجزات.
ْرَمُوا
أي كفروا.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٤٨ الى ٥٢]
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠) وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢)
٤٨- اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ:
فَيَبْسُطُهُ متصلا تارة.
وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً قطعا تارة.
فَتَرَى الْوَدْقَ المطر.
يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فى التارتين جميعا.
بِهِ أي بالمطر.
٤٩- وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ:
لَمُبْلِسِينَ ليائسين من الخير.
٥٠- فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
إِنَّ ذلِكَ القادر الذي يحيى الأرض بعد موتها.
لَمُحْيِ الْمَوْتى يحيى الناس بعد موتهم.
وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من المقدورات.
قَدِيرٌ قادر.
٥١- وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ:
مُصْفَرًّا غير ممطر.
٥٢- فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ:
مُدْبِرِينَ لا يلوون على شىء.

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٥٣ الى ٥٦]

وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦)
٥٣- وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ:
إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا أي لا تسمع مواعظ الله إلا المؤمنين الذين يصغون إلى آياتنا.
٥٤- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ:
مِنْ ضَعْفٍ من نطفة صغيرة، أو فى حال ضعف، يعنى حال الطفولة والصغر.
قُوَّةً يعنى الشبيه.
ضَعْفاً يعنى الهرم.
وَشَيْبَةً وشيبا.
ما يَشاءُ من قوة وضعف.
وَهُوَ الْعَلِيمُ بتدبيره.
الْقَدِيرُ على إرادته.
٥٥- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ:
الْمُجْرِمُونَ المشركون.
يُؤْفَكُونَ يكذبون فى الدنيا، يقال: أفك الرجل، على البناء للمجهول، إذا صرف عن الصدق والخير.
٥٦- وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ:
فِي كِتابِ اللَّهِ فى علم الله وقضائه، أو فيما كتبه، أي أوجبه بحكمته.

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٥٧ الى ٦٠]

فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (٦٠)
٥٧- فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ:
يُسْتَعْتَبُونَ يسترضون.
٥٨- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ:
مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يدلهم على ما يحتاجون اليه وينبههم على التوحيد وصدق الرسل.
بِآيَةٍ بمعجزة.
إِنْ أَنْتُمْ يا معشر المؤمنين.
مُبْطِلُونَ أي تتبعون الباطل والسحر.
٥٩- كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ:
كَذلِكَ أي كما طبع الله على قلوبهم حتى لا يفهموا الآيات عن الله فكذلك يطبع.
لا يَعْلَمُونَ أدلة التوحيد.
٦٠- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ:
لا يَسْتَخِفَّنَّكَ لا يستفزنك عن دينك.
لا يُوقِنُونَ لا يؤمنون بالله ورسوله.
Icon