تفسير سورة الأحزاب

أسباب نزول القرآن - الواحدي
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب أسباب نزول القرآن - الواحدي .
لمؤلفه .

قوله تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ...﴾ الآية. [١].
نزلت في أبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وأبي الأَعْور [عمرو بن سفيان] السُّلَمي، قدموا المدينة بعد قتال أحد، فنزلوا على عبد الله بن أبيّ، وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يكلموه، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح وطُعْمَة بن أُبيْرق، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وعنده عمر بن الخطاب: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعُزّى ومَنَاة، وقل: إِنّ لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها، وندعك وربك، فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قولُهم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم؛ فقال: إني قد أعطيتهم الأمان، فقال عمر: اخرجوا في لعنة الله وغضبة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم [عمر] أن يخرجهم من المدينة، وأنزل الله عز وجل هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾. [٤].
نزلت في جميل بن مَعْمَر الفِهْرِي، وكان رجلاً لبيباً حافظاً لما يسمع، فقالت قريش: ما حفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان، وكان يقول: إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد. فلما كان يوم بدر وهزم المشركون، وفيهم يومئذ جميل بن معمر، تلقاه أبو سفيان، وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله، فقال له: يا أبا معمر ما حال الناس؟ قال: [قد] انهزموا، قال: فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ قال: ما شعرت إلا أنهما في رجلي، وعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده.
قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ...﴾ الآية. [٤].
نزلت في زيد بن حارثة، كان عبداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقه وتَبَنَّاه قبل الوحي فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جَحْش، وكانت تحت زيد بن حارثة قالت اليهود والمنافقون: تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عنها! فأنزل الله تعالى هذه الآيات.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نعيم الإشكَابِي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن محمد بن علي بن مخلد قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدَّثنا قتيبة بن سعيد قال: حدَّثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن عبد الله [ابن عمر] أنه كان يقول:
ما كنا ندعو زيد بن حارثة إِلا زيد بن محمد حتى نزلت في القرآن ﴿ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ﴾ رواه البخاري عن مُعَلَّى بن أسد، عن عبد العزيز بن المختار، عن موسى بن عُقْبة.
قوله تعالى: ﴿مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ...﴾ الآية. [٢٣].
أخبرنا أبو محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مَكِّي بن عبدان قال: حدَّثنا عبد الله بن هاشم، قال: حدَّثنا بَهْز بن أسد، قال: حدَّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال:
غاب عمي أنس بن النَّضْر - وبه سميت أنساً - عن قتال بدر، فشق عليه ما قدم وقال: غبت عن أول مَشْهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لئن أَشْهَدَني الله سبحانه قتالاً لَيَرَيَنَّ الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أَبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين - ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن مُعَاذ فقال: أي سعد، والذي نفسي بيده إِني لأَجدُ ريح الجنة دون أحد، فقاتلهم حتى قتل. قال أنس: فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة، من بين ضربة بسيف وطعنة برمح، ورمية بسهم، وقد مَثَّلُوا به فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه. ونزلت هذه الآية ﴿مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ﴾ قال: فكنا نقول: أنزلت هذه الآية فيه وفي أصحابه. رواه مسلم عن محمد بن حاتم، عن بَهزْ بن أسد.
أخبرنا سعيد بن أحمد بن جعفر المؤذن قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الزَّبيبي قال: حدَّثنا بندار قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدَّثنا أبي، عن ثمامَة، عن أنس بن مالك قال:
نزلت هذه الآية في أنس بن النضر ﴿مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ﴾ رواه البخاري عن بُنْدَار.
قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ...﴾. [٢٣].
نزلت في طلحة بن عبيد الله، ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى أصيبت يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أَوْجِب لطلحة الجنة.
أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله التميمي: قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن نصر الرازي، قال: أخبرنا العباس بن إسماعيل الرَّقِّي قال: حدَّثنا إسماعيل بن يحيى البغدادي، عن أبي سنان، عن الضحاك، عن النزال بن سَبْرَة، عن علي قال: قالوا: حدَّثنا عن طلحة فقال:
ذلك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ﴾ طلحة ممن قضى نحبه، لا حساب عليه فيما يستقبل.
أخبرنا عبد الرحمن بن حَمْدَانَ قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدَّثني أبي قال: حدَّثنا وكيع، عن طلحة بن يحيى، عن عيسى بن طلحة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم، مر على طلحة فقال: هذا ممن قَضَى نَحْبَه.
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ...﴾ الآية. [٣٣].
أخبرنا أبو بكر الحارثي، قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان، قال: حدَّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، قال: حدَّثنا أبو الربيع الزَّهْراني، قال: حدَّثنا عمار بن حمد [عن] الثَّوْرِي، قال: حدَّثنا سفيان، عن أبي الجحّاف، عن عطية، عن أبي سعيد ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً﴾ قال:
نزلت في خمسة: في النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين رضوان الله عليهم أجمعين.
أخبرنا أبو سعيد النَّصْرُوبِي قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، قال: حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثنا ابن نمير، قال: حدَّثنا عبد الملك، عن عطاء بن أبي رباح، قال:
حدَّثني من سمع أم سلمة تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فأتته فاطمة رضي الله عنها بِبُرْمَة فيها خَزِيرَة فدخلت بها عليه فقال لها: ادعي لي زوجك وابنيك، قال: فجاء علي والحسن والحسين فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخَزِيرَة وهو على مَنَامَةٍ له، وكان تحته كساء خَيْبَرِي قالت: وأنا في الحجرة أَصلي، فأنزل الله تعالى هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً﴾ قالت: فأخذ فَضْل الكساء فَغَشَّاهم به، ثم أخرج يديه فَأَلْوَى بهما إلى السماء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي [وحاميتي] فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً. قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله، قال: إنك إلى خَيْرِ إنك إلى خَيْرٍ.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السَّرَّاج قال: حدَّثنا محمد بن يعقوب، قال: حدَّثنا الحسن بن علي بن عفان، قال: حدَّثنا أبو يحيى الحماني، عن صالح بن موسى القرشي، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:
أنزلت هذه الآية في نساء النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً﴾.
أخبرنا عَقِيل بن محمد الجُرْجَاني، فيما أجاز لي لفظاً قال: حدَّثنا المُعَافى بن زكَريا القاضي قال: أخبرنا محمد بن جرير، قال: حدَّثنا ابن حميد، قال: حدَّثنا يحيى بن واضح، قال: حدَّثنا الأصبغ، عن علقمة:
عن عِكْرِمَة في قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ﴾ قال: ليس الذي تذهبون إليه، إنما هي [في] أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وكان عكرمة ينادي بهذا في السوق.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ...﴾. الآية. [٣٥].
قال مقاتل بن حيان: بلغني أن أسماء بنت عُمَيْس لما رجعت من الحبشة معها زوجها جعفر بن أبي طالب، دخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت رسول الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن النساء لفي خيبة وخسار، قال: ومم ذلك؟ قالت: لأنهن لا يذكرون بالخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ﴾ إلى آخرها.
وقال قتادة: لما ذكر الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، دخل نساء من المسلمات عليهن فقلن: ذُكِرْتُن ولم نُذْكَر، ولو كان فينا خير لَذُكِرْنا. فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ﴾.
قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ...﴾. [٤٣].
قال مجاهد: لما نزلت: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ..﴾ الآية قال أبو بكر: ما أعطاك الله تعالى من خير إلا أَشْرَكَنَا فيه، فنزلت: ﴿هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ...﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ...﴾ الآية. [٥١].
قال المفسرون [نزلت] حين غار بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم وآذينه بالغيرة وطلبن زيادة النفقة، فهجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً حتى نزلت آية التخيير، وأمره الله تعالى أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة، وأن يُخَلِّيَ سبيل من اختارت الدنيا ويمسك [منهن] من اختارت الله سبحانه ورسوله، على أنهن أمهات المؤمنين، ولا ينكحن أبداً، وعلى أن يؤوي إليه من يشاء ويُرْجِي منهن [إليه] من يشاء، فَيَرْضين به، قَسَمَ لَهُنَّ أو لم يَقْسِم، او فضّل بعضهن على بعض بالنفقة والقسمة والعشرة، ويكون الأمر في ذلك إليه يفعل ما يشاء؛ فرضين بذلك كله، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما جعل الله تعالى له من التَّوْسَعَة يُسَوِّي بينهن في القِسْمَة.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المُزَكِّي، قال: أخبرنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف السقطي، قال: حدَّثنا أحمد بن يحيى الحلواني، قال: حدَّثنا يحيى بن معين، قال: حدَّثنا عباد بن عباد، عن عاصم الأحْول، عن مُعَاذَة، عن عائشة، قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت ﴿تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ﴾ يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا. قالت معاذة [: فقلت] ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول: إن كان ذلك إليّ لم أؤثر أحداً على نفسي. رواه البخاري عن حبّان بن موسى عن ابن المبارك، ورواه مسلم عن شريح بن يونس عن عباد، كلاهما عن عاصم.
وقال قوم: لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقهن فقلن: يا نبي الله، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، ودعنا على حالنا، فنزلت هذه الآية.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن نعيم، قال: حدَّثنا محمد بن يعقوب الأخرم قال: حدَّثنا محمد بن عبد الوهاب، قال: حدَّثنا محاضر بن المودع، عن هشام بن عروة، عن أبيه:
عن عائشة: أنها كانت تقول لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها؟ فأنزل الله تعالى: ﴿تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ﴾ فقالت عائشة: أرى ربَّك يُسارعُ لك في هواك. رواه البخاري عن زكريا بن يحيى، ورواه مسلم عن أبي كُرَيب، كلاهما عن أبي أسامة، عن هشام.
قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ...﴾ الآية. [٥٣].
قال أكثر المفسرين: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جَحْش أَوْلَمَ عليها بتمر وسَوِيق وذبح شاة. قال أنس: وبعثت إليه أمي أمّ سُلَيم بحَيْس في تَوْرٍ من حجارة، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أدعو أصحابه إلى الطعام [فدعوتهم] فجعل القوم يجيئون فيأكلون ويخرجون ثم يجيء القوم فيأكلون ويخرجون، فقلت: يا نبي الله قد دعوت حتى ما أجد أحداً أدعوه، فقال: ارفعوا طعامكم، فرفعوا فخرج القوم وبقي ثلاثة نفر يتحدثون في البيت فأطالوا المكث وتأذى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شديد الحياء، فنزلت هذه الآية، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه ستراً.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد الحِيري، قال: أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، قال: حدَّثنا عبد الأعلى بن حماد النّرْسي قال: حدَّثنا المُعْتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي مجلز، عن أنس بن مالك، قال:
لما تزوج التبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، قال: فأخذ كأن يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام وقام مِنَ القوم مَنْ قام، وقعد ثلاثة [نفر] وإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فدخل فإذا القوم جلوس [فرجع] وإنهم قاموا وانطلقوا فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، قال: فجاء حتى دخل. قال: وذهبت أدخل فألقى الحِجَابَ بيني وبينه، وأنزل الله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ...﴾ الآية إلى قوله: ﴿إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً﴾ رواه البخاري عن محمد بن عبد الله الرّقاشي، ورواه مسلم بن يحيى بن حبيب الحارثي، كلاهما عن المعتمر.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد، قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل، قال: حدَّثنا هشام بن عمار، قال: حدَّثنا الخليل بن موسى، قال: حدَّثنا عبد الله بن عون عن عمرو بن شعيب، عن أنس بن مالك، قال:
كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ مر على حُجْرة من حُجَره فرأى فيها قوماً جلوساً يتحدثون، ثم عاد فدخل الحُجْرَة وأرخَى الستر دوني، فجئت أبا طلحة فذكرت ذلك له [كله] فقال: لئن كان ما تقول حقاً لينزلن الله تعالى فيه قرآناً، فأنزل الله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ..﴾ الآية.
أخبرنا أحمد بن الحسن الحِيرِي، قال: أخبرنا حاجب بن أحمد، قال: حدَّثنا عبد الرحيم بن منيب، قال: حدَّثنا يزيد بن هارون، قال: حدَّثنا حميد، عن أنس قال:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله تعالى آية الحجاب. رواه البخاري عن مُسَدَّد عن يحيى بن أبي زائدة، عن حُمَيد.
أخبرنا أبو حكيم الجرجاني فيما أجازني لفظاً، قال: أخبرنا أبو الفرج القاضي قال: حدَّثنا محمد بن جرير قال: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدَّثنا هشيم عن ليث:
عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم ومعه بعض أصحابه فأصابت يدُ رجل منهم يد عائشة وكانت معهم، فكره النبي صلى الله عليه وسلم [ذلك] فنزلت آية الحجاب.
قوله تعالى: ﴿وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً...﴾ [٥٣].
قال ابن عباس في رواية عطاء: قال رجل من سادة قريش: لو توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة. فأنزل الله تعالى ما أنزل.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ...﴾ الآية. [٥٦].
أخبرنا أبو سعيد عن ابن أبي عمرو النَّيْسَابُوري، قال: حدَّثنا الحسن بن أحمد المخلدي، قال: أخبرنا المؤمل بن الحسن بن عيسى قال: حدَّثنا محمد بن يحيى قال: حدَّثنا أبو حذيفة قال: حدَّثنا سفيان، عن الزبير بن عدي، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عُجْرةَ قال:
قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: قد عرفنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ فنزلت: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العَدْل، قال: حدَّثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء، قال: حدَّثنا محمد بن يحيى الصُّولي، قال: حدَّثنا الرِّياشي عن الأصمعي، قال:
سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته، فقال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ آثره صلى الله عليه وسلم بها من بين [سائر] الرسل، واختصكم بها من بين الأنام؛ فقابلوا نعمة الله بالشكر.
سمعت الأستاذ أبا عثمان الحافظ يقول: سمعت الإمام سهل بن محمد بن سليمان يقول:
هذا التشريف الذي شرف الله تعالى به نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ﴾ أبلغ وأتم من تشريف آدم عليه السلام بأمر الملائكة بالسجود له؛ لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في ذلك التشريف، وقد أخبر الله تعالى عن نفسه بالصلاة على النبي، ثم عن الملائكة بالصلاة عليه. فتشريفٌ صَدَرَ عنه أبلغ من تشريف تختص به الملائكة من غير جواز أن يكون الله معهم في ذلك.
و [هذا] الذي قاله سهل منتزع من قول المهدي، ولعله رآه ونظر إليه فأخذه منه وشرحه، وقابل ذلك بتشريف آدم، فكان أبلغ وأتم منه.
وقد ذكر في الصحيح.
ما أخبرنا ابو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه، قال: أخبرنا إبراهيم بن سفيان، قال: حدَّثنا مسلم، قال: حدَّثنا قتيبة وعلي بن حجر، قالا: حدَّثنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء عن أبيه:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من صلى عليّ [مرة] واحدة صلى الله عليه عشراً.
قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ...﴾ الآية. [٥٨].
قال عطاء عن ابن عباس: رأَى عمر رضي الله عنه جارية من الأنصار متبرجة فضربها وكره ما رأى من زينتها، فذهبت إلى أهلها تشكو عمر فخرجوا إليه فآذوه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل: نزلت في علي بن أبي طالب، وذلك أن أناساً من المنافقين كانوا يؤذونه ويُسْمِعُونه.
وقال الضحاك والسدي والكلبي: نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن، فيرون المرأة فيدنون منها فيغمزونها، فإن سكتت اتبعوها، وإن زجرتهم انتهوا عنها، ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء، ولكن لم يكن يومئذ تعرف الحرة من الأمة، إنما يخرجن في دِرْعٍ وخمار. فشكون ذلك إلى أزواجهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
الدليل على صحة هذا قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ...﴾ الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد المؤذن قال: حدَّثنا أبو علي الفقيه قال: حدَّثنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال: حدَّثنا زياد بن أيوب قال: حدَّثنا هشيم عن حصين عن أبي مالك قال:
كانت النساء المؤمنات يخرجن بالليل إلى حاجاتهن، وكان المنافقون يتعرضون لهنّ ويؤذونهن فنزلت هذه الآية.
وقال السّدي:
كانت المدينة ضيقة المنازل، وكانت النساء إذا كان الليل خرجن يقضين الحاجة، وكان فسّاق من فسّاق المدينة يخرجون، فإذا رأوا المرأة عليها قناع قالوا: هذه حرة فتركوها، وإذا رأوا المرأة بغير قناع قالوا: هذه أمة فكانوا يراوِدُونها. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
Icon