تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم
.
لمؤلفه
المنتخب
.
المتوفي سنة 2008 هـ
هذه السورة مكية، وعدد آياتها ٦٩، والآيات من ١ إلى ١١ مدنية، وقد ابتدأت السورة ببيان أنه لا بد من أن يختبر إيمان المؤمنين بالشدائد، والجهاد لصيانة دولة الحق والإيمان، وقد أوصى الإنسان بأبويه مع الأمر بالجهاد، حتى يجمع بين الإحسان والجهاد، وبين أصناف الناس بالنسبة للإيمان، وأن منهم من يقول آمنا بلسانه ولم يذعن قلبه، ثم أشار إلى نوح وجهاده في قومه، وكذلك أشار إلى قصة إبراهيم في دعوته، وبين وجه العبرة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم بين جواب قوم إبراهيم، وأشار إلى لوط وقصة قومه، وإنزال رسل الله من الملائكة لإهلاكهم، ونجاة أهله إلا امرأته، ثم أشار سبحانه إلى قصة شعيب مع مدين، وإلى هود وعاد، وإلى صالح وثمود، وإلى غرور قارون وفرعون وهامان وعاقبة أمورهم، وبين سبحانه أن عبادة المشركين للأوثان تقوم على حجة هي أضعف من بيت العنكبوت قوة، وأن هذه الأمثال لا يدركها إلا الذين يعملون عقولهم، وأمر الله نبيه بعد ذلك بألا يجادل أهل الكتاب إلا بالحسنى.
وأشار سبحانه إلى أمية النبي صلى الله عليه وسلم وأنها تدل على رسالته. وقد أشار سبحانه إلى تعنت المشركين في طلبهم معجزات حسية سيكفرون بها، كما كفر بها قوم موسى وغيرهم، وأشار إلى استعجالهم العذاب، بعد ذلك إلى الكون ونعم الله تعالى فيه، ثم ذكر قيمة الحياة بجوار الآخرة، وحال المشركين في ضعفهم ولجوئهم إلى الله حين يخافون، وفي قومهم وإشراكهم به حين يأمنون، ثم بين نعمته عليهم في البيت الحرام وكفرهم بها، ثم بين فضل المجاهدين.
ﰡ
١- ا. ل. م : حروف صوتية سيقت لبيان أن القرآن المعجز مؤلف من هذه الحروف التي يحسنون نطقها، ولتنبيه السامعين ولفت أنظارهم إلى الحق.
٢- أظن الناس أنهم يُتركون وشأنهم لنطقهم بالشهادتين دون أن يختبروا بما يبين به حقيقة إيمانهم من المحن والتكاليف ؟ لا. بل لا بد من امتحانهم بذلك.
٣- ولقد اختبر الله الأمم السابقة بالتكاليف وألوان النعم والمحن، ليظهر ما سبق في علمه القديم، ويتميَّز الصادقون في إيمانهم من الكاذبين.
٤- أظن الذين يشركون بالله ويعصونه أن يسبقونا في فرارهم من عذاب الله وعقابه ؟ ! بئس حكمهم هذا.
٥- من كان يؤمن بالبعث ويرجو ثواب الله ويخاف عقابه فإيمانه حق، وليبادر إلى العمل الصالح، فإن اليوم الموعود آت لا محالة، والله سميع لأقوال العباد عليم بأفعالهم، وسيجزى كلا بما يستحق.
٦- ومن جاهد في سبيل إعلاء كلمة الله، وجاهد نفسه بالصبر على الطاعة فإن ثواب جهاده لنفسه، وإن الله - سبحانه - لغني عن طاعة العالمين.
٧- والذين اتصفوا بالإيمان وعملوا الصالحات لنُذهبن عنهم سيئاتهم ونغفر لهم، ونجزيهم أوفي جزاء على أعمالهم الصالحة.
٨- وأمر الله الإنسان أن يبالغ في الإحسان إلى والديه وطاعتهما. وإن حملاك على الشرك بالله - وهو ما لا يقره علم ولا عقل - فلا تطعهما، وإلى الله مرجع الخلق كافة فينبئهم بما عملوا في الدنيا ويجزيهم به.
٩- والذين صدَّقوا بالله ورسالاته، وعملوا الصالحات ليُدخلنهم الله في الصالحين، ينالون جزاءهم ويأنسون بهم.
١٠- ومن الناس من يقول بلسانه : آمنا، فإذا أصابه أذى في سبيل الله جزع وفُتن عن دينه، ولم يفكر في عذاب الله يوم القيامة، فكأنه جعل إيذاء الناس كعذاب الله في الآخرة. إذا نصر الله المؤمنين على عدوهم فغنموا منهم جاء هؤلاء المتظاهرون بالإيمان، وقالوا للمسلمين : إنا كنا معكم في الإيمان، فأعطونا نصيباً من الغنيمة. لا ينبغي أن يظن هؤلاء أن أمرهم خافٍ على الله، فالله أعلم بما في صدور الناس من نفاق وإيمان.
١١- وليظهرنَّ الله للناس سابق علمه، فيُمَيِّزُ بين المؤمنين والمنافقين، ويجازى كلا بما عمل.
١٢- وكان زعماء الشرك يقولون للذين دخلوا في الإسلام مخلصين : كونوا كما كنتم على ديننا، واتبعوا ما نحن عليه، وإذا كان هناك بعث وحساب تخشونه فنحن نحمل عنكم آثامكم. لن تحمل نفس وزر نفس أخرى، إن الكافرين لكاذبون في وعدهم.
١٣- وسوف يحمل الكفار أوزار أنفسهم الثقيلة، ويحملون معها مثل أوزار من أضلوهم وصرفوهم عن الحق، وسيحاسبون حتماً يوم القيامة على ما كانوا يختلقون في الدنيا من الأكاذيب، ويعذبون بها.
١٤- ولقد بعث الله نوحاً إلى قومه يدعوهم إلى التوحيد، فمكث يدعوهم تسعمائة وخمسين سنة وهم لا يستجيبون له، فأغرقهم الله بالطوفان وهم ظالمون لأنفسهم بالكفر.
١٥- وحقق الله وعده لنوح، فأنجاه والمؤمنين الذين ركبوا معه السفينة، وجعل قصتهم عبرة لمن بعدهم.
١٦- واذكر - أيها الرسول - قصة إبراهيم حين دعا قومه إلى توحيد الله وطاعته، وَنَبَّهَهُم إلى أن الإيمان خير لهم من الكفر إن كانوا من ذوى العلم والعقل.
١٧- وقال لهم : أنتم لا تعبدون من دون الله إلا تماثيل وأصناماً تصنعونها بأيديكم، وتختلقون الكذب فتسمونها آلهة. وأن هذه الأوثان التي تعبدونها من دون الله لا تنفع ولا تضر ولا تستطيع لكم رزقاً، فالتمسوا الرزق من الله - وحده - وخُصُّوه بالعبادة والشكر له على أنعمه، فإليه مصيركم أجمعين فيجازيكم على أعمالكم.
١٨- وإن تستمروا على تكذيبي فلن تضروني، فقد أبلغتكم أن الرسل قبلي كذبتهم أممهم وما ضروهم، وإنما ضروا أنفسهم إذ أهلكهم الله بسبب تكذيبهم، فليس على الرسول إلا أن يبلغ في وضوح رسالته إلى قومه.
١٩- قد رأوا وعلموا أن الله يُبدئ الخلق ثم يُعيده، فكيف ينكرون البعث في اليوم الآخر للحساب والجزاء ؟ إن الإعادة على الله أسهل.
٢٠- قل - أيها الرسول - لهؤلاء المكذبين : امشوا في الأرض، وتأملوا فيما أنشأ الله فيها من مختلف الكائنات، وانظروا إلى آثار من كان فيها قبلكم بعد أن ماتوا وخلت منهم ديارهم، واعلموا أن الله بقدرته سيعيد كل ذلك في الآخرة بالبعث وهو الإنشاء الآخر، وكذلك شأنكم، إن الله - سبحانه - تام القدرة على كل شيء.
٢١- يعذب الله من يشاء بعد النشأة الآخرة وهم المنكرون لها، ويرحم من يشاء وهم المؤمنون المقرون بها، وإليه - وحده - مرجع الخلق جميعاً للحساب والجزاء.
٢٢- ولستم - أيها المكذبون - بغالبين لقدرة الله، سواء أكنتم في الأرض أم في السماء، بل هى محيطة بكم، وليس لكم ولىٌّ يمنعكم من الله ولا نصير يدفع عنكم عذابه.
٢٣- والذين كفروا بدلائل الله على وحدانيته، وكذَّبوا برسله وكتبه، وأنكروا البعث والحساب. هؤلاء ليس لهم مطمع في رحمة الله وهؤلاء لهم عذاب شديد مؤلم.
٢٤- لم يكن جواب قوم إبراهيم له - حين أمرهم بعبادة الله وترك ما هم عليه من عبادة الأوثان - إلا الإمعان في الكفر، وقوْل بعضهم لبعض : اقتلوه أو حَرِّقوه، فألقوه في النار، فجعلها الله برداً وسلاماً عليه، وأنجاه منها، إن في إحباط كيدهم وإنجائه منها، وعدم تأثيرها فيه لدلائل واضحة لقوم يصدقون بتوحيد الله وقدرته.
٢٥- وقال إبراهيم لقومه : لم تعبدوا إلا آلهة باطلة عبادتها. ثم يتبدل الحال يوم القيامة، فيتبرأ القادة من الأتباع، ويلعن الأتباع القادة، ومصيركم جميعاً النار، وليس لكم ناصر يمنعكم من دخولها.
٢٦- وكان أول من أجاب دعوة إبراهيم إلى الحق «لوط » فصدق وكان موحداً من قبل، وقال إبراهيم - مطيعاً لأمر الله - : إني مهاجر إلى الجهة التي أمرني ربي بالهجرة إليها والقيام بالدعوة إلى الله فيها. وهو العزيز الذي يمنعني من أعدائي، الحكيم الذي لا يأمرني إلا بما هو خير.
٢٧- ومَنَّ الله على إبراهيم بإسحاق ولده وبيعقوب حفيده، وكرَّمه بأن جعل النبوات في ذريته، وأنزل عليهم الكتب السماوية، وجزاه الله أحسن الجزاء في الدنيا، وهو في الآخرة من خيار الصالحين.
٢٨- واذكر - أيها الرسول - إذ أرسلنا لوطاً إلى قومه، فدعاهم إلى توحيد الله وطاعته، وأنكر عليهم العمل الفاحش الذي كانوا يفعلونه ولم يسبقهم إلى فعله أحد من خلق الله.
٢٩- إن ما تفعلونه منكر مُهلك. فإنكم تفعلون الفاحشة بالرجال، وتقطعون سبيل النسل، فيكون المآل الفناء. وترتكبون في مجتمعاتكم المنكرات دون خوف من الله ولا حياء فيما بينكم. فلم يستمع له قومه، ولم يكن لهم جواب غير السخرية به، وطلبوا منه أن يُعجِّل بعذاب الله يُهددهم به إن كان صادقاً فيما يقول.
٣٠- فاستعان لوط عليهم بالله، وطلب أن ينصره على قومه المفسدين في الأرض.
٣١- وحين جاءت ملائكة الله إلى إبراهيم - عليه السلام - مبشرين، قالوا : إن أمرهم بإهلاك أهل هذه القرية بسبب إفسادهم وظلمهم أنفسهم بالشرك وارتكاب الفاحشة.
٣٢- قال إبراهيم - عليه السلام - للملائكة : إن في القرية لوطاً، وكيف تهلكونهم وهو فيهم ؟ فأجابته الملائكة : بأنهم يعلمون من فيها، وأنهم ينجون لوطاً وأهله من العذاب، إلا امرأته فإنها في الهالكين لكفرها وإساءتها.
٣٣- ولما ذهب الملائكة المرسلون إلى لوط ورآهم حزن، لخوفه عليهم من عدوان قومه، وعجزت حيلته فيما يتعلق بحمايتهم، فطمأنوه وقالوا له : لا تخْشَيَنَّ عدوان قومك علينا، ولا تحزن من أجلنا، فقد أتينا لإهلاك أهل هذه القرية، وسننجيك وأهلك، ولكن امرأتك لكفرها ستكون مع الهالكين.
٣٤- وقالت الملائكة : إننا مرسَلُون لتنفيذ أمر الله بإنزال العذاب من السماء على سكان هذه القرية بسبب فسقهم وكفرهم.
٣٥- ولقد أهلك الله هذه القرية وترك منها آثاراً ظاهرة، لتكون دليلا على ما فعله الله بهم، وعبرة لمن يتدبَّر.
٣٦- وأرسل الله إلى أهل مدين رسولا منهم هو شعيب، دعاهم إلى توحيد الله وعبادته والخوف من اليوم الآخر، وفِعْل ما يرجون به ثواب الله فيه. ونهاهم عن السعي في الأرض بالفساد.
٣٧- فكذبوه وعصوه، فأهلكهم الله بزلزال شديد دمَّر عليهم مساكنهم، فغدوا فيها صرعى ميتين.
٣٨- واذكر - أيها الرسول - مصارع عاد وثمود إذ أهلكناهم، وقد بقيت من مساكنهم آثار ظاهرة ترونها، وكان هذا الهلاك بسبب ما زين لهم الشيطان من أعمالهم الباطلة فاتبعوه، فصرفهم عن طريق الحق الذي كانوا يعرفونه بواسطة الرسل.
٣٩- واذكر - أيها الرسول - لهؤلاء المغترين بأموالهم وسلطانهم مصرع قارون وفرعون وهامان وما جرى عليهم من سنة الله بإهلاك المكذبين، وقد بعث الله إليهم موسى بالمعجزات الظاهرة الدالة على صدقه، فكذبوه وأبوا أن يستجيبوا له استكباراً، وما كانوا غالبين لقدرة الله بالإفلات من عذابه.
٤٠- فكل أمة من هذه الأمم المكذبة برسلها أهلكها الله بسبب كفرها وما ارتكبت من المعصية، فبعض هذه الأمم أهلكه الله بالريح العاصفة التي حصبتهم بالحجارة، وبعضهم هلك بالصيحة المدوية المهلكة، وبعضهم خسف الله به الأرض، وبعضهم أغرقه الله في اليم. ولم يكن هذا العذاب ظلماً من الله لهم، بل كان بسبب كفرهم وارتكابهم الذنوب.
٤١- شأن المبطلين الموالين لغير الله في الضعف والوهن والاعتماد على غير معتمد ؛ كشأن العنكبوت في اتخاذها بيتاً تحتمي به، وبيتها أوهى البيوت وأبعد عن الصلاحية للاحتماء، ولو كان هؤلاء المبطلون أهل علم وفطنة لما فعلوا ذلك.
٤٢- إن الله - سبحانه - محيط علماً ببطلان عبادة الآلهة، وهو - سبحانه - الغالب على كل شيء الحكيم في تدبيره وتشريعه.
٤٣- وهذه العبر والأمثال يذكرها الله للناس للعظة والاعتبار، وما يعتبر بها إلا العقلاء الذين يتدبرون.
٤٤- وبجانب ما ذكر الله من القصص والأمثال والآيات آية أوضح، هى خلق السماوات والأرض بالقدرة والحكمة والتدبير الكامل لصالح الناس، وفي هذا دلائل صادقة لمن يؤمنون بالحق.
٤٥- اقرأ - أيها النبي - كتاب الله، ولا تلتفت إليهم، وأد الصلاة على وجهها، لأن الصلاة مع الإخلاص من شأنها أن تصرف من يقيمها عن الذنوب وكل ما ينكره الشرع. ولتقوى الله ومراقبته في الصلاة وغيرها أكبر أثراً وأعظم ثواباً. والله يعلم ما تفعلون من الخير والشر فيجازيكم عليه.
٤٦- ولا تجادلوا مخالفيكم من اليهود والنصارى إلا بالطريقة التي هي أهدأ وألين وأدعى إلى القبول. إلا الذين جاوزوا حد الاعتدال في الجدال فلا حرج في مقابلتهم بالشدة، وقولوا لمن تجادلونهم : صدَّقنا بما أنزل الله إلينا من القرآن وما أنزل إليكم من التوراة والإنجيل، ومعبودنا ومعبودكم واحد، ونحن له - وحده - منقَادون.
٤٧- وكما أنزلنا الكتب على - من قبلك من الرسل - أنزلنا إليك القرآن، فالذين آتيناهم الكتاب قبل القرآن فتدبروه واهتدوا به يؤمنون بهذا القرآن. ومن هؤلاء العرب من يؤمن به، وما يُنكر آياتنا - بعد ظهورها وزوال الشبهة عنها - إلا المصِرُّون على الكفر.
٤٨- وما كنت تقرأ كتاباً من الكتب قبل القرآن، ولا كنت تكتب بيمينك، ولو كنت ممن يقرأ ويكتب لشك أهل الباطل في أنه من عند الله.
٤٩- ليس هذا الكتاب موْضع ارتياب، بل هو آيات واضحات محفوظة في صدور الذين آتاهم الله العلم، وما يُنكر آياتنا - بعد العلم بها - إلا الظالمون للحق ولأنفسهم.
٥٠- وقال الكفار في جدالهم ولجاجهم : هلا أُنزل عليه معجزات حسية كالتي نزلت على الرسل من قبل ؟. قل لهم : إنما المعجزات كلها من عند الله، ينزلها حين يشاء، وإنما أنا مكلف بالإنذار الواضح، لا الإتيان بما تقترحون.
٥١- أيقترحون هذه الآيات ولا يكفيهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب يُقرأ عليهم - وهو الآية الخالدة على مر الزمن - إنَّ في إنزال هذا الكتاب عليكم لرحمة بهم وبالأجيال من بعدهم، وتذكرة دائمة نافعة لقوم شأنهم أن يؤمنوا إذا وضحت لهم سبل الهداية.
٥٢- قل : حسبي وحسبكم أن يكون الله شاهداً على أنَّى قد بلَّغتكم ما أُرسلت به إليكم، فهو مطلع على أمري وأمركم، لا يخفي عليه شيء في السماوات والأرض. والذين عبدوا غير الله وكفروا بالله فلم يخصوه بالعبادة ؛ أولئك هم الذين اشتروا الكفر بالإيمان فأصابهم الخسران المبين.
٥٣- ويتحداك الكافرون أن تعجِّل لهم العذاب الذي حذرتهم منه، ولولا أجل معلوم قضت به حكمتنا لعجَّلنا لهم العذاب الذي استعجلوه، وأقسم ليأتينهم فجأة وهم لا يشعرون.
٥٤- يطلبون إليك تعجيل العذاب وهو واقع بهم لا محالة. وإن جهنم لتحيط - يقيناً - بالكافرين.
٥٥- يوم يغمرهم العذاب من أعلاهم ومن أسفلهم، ويقول الملك الموكل بعذابهم : ذوقوا جزاء ما كنتم تعملون من السيئات.
٥٦- يا عبادي الذين صدَّقوا بي وبرسولي : إنّ أرضى واسعة لمن أراد أن يفر عن مواطن الشرك. ففروا إلى مخلصين لي العبادة.
٥٧- كل نفس ستذوق طعم الموت - لا محالة - ثم إلينا تعودون فَتُجْزَوْن بما قدمتم من خير وشر.
٥٨- والذين صدَّقوا بالله وكتبه ورسله، وعملوا الأعمال الصالحة، نقسم : لننزلنَّهم من دار النعيم غرفات تجرى من تحتها الأنهار، لا ينقطع عنهم نعيمها، نعم هذا الجزاء أجراً للعاملين الصابرين على كل ما يصيبهم في سبيل الله من فراق الأوطان والأهل والأموال، المعتمدين على الله - وحده - في جميع أحوالهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٨:٥٨- والذين صدَّقوا بالله وكتبه ورسله، وعملوا الأعمال الصالحة، نقسم : لننزلنَّهم من دار النعيم غرفات تجرى من تحتها الأنهار، لا ينقطع عنهم نعيمها، نعم هذا الجزاء أجراً للعاملين الصابرين على كل ما يصيبهم في سبيل الله من فراق الأوطان والأهل والأموال، المعتمدين على الله - وحده - في جميع أحوالهم.
٦٠- وكثير من الدواب التي تعيش معكم في الأرض لا تستطيع - لضعفها - أن تحمل رزقها وتنقله، لتأكله أو تدخره. الله يهيئ لها أسباب رزقها وحياتها، ويهيئ لكم أسباب رزقكم وحياتكم. وهو المحيط بكل ما خلق سمعاً وعلماً.
٦١- وأقسم إن سألت المشركين : من أوجد السماوات والأرض، وذلل الشمس والقمر وأخضعهما لمنافع الناس ؟ ليقولون : خلقهن الله، ولا يذكرون أحدا سواه، فكيف إذن ينصرفون عن توحيد الله - تعالى - مع إقرارهم بهذا كله ؟ !.
٦٢- الله يُوسِّع على مَن يشاء في الرزق، ويُضيِّقُ على مَن يشاء حسبما يقتضيه علمه بالمصالح، فإن الله قد أحاط بكل شيء علما.
٦٣- وأقسم إن سألتهم : من نزَّل من السماء ماء فجعل منه حياة الأرض بالنبات بعد جدبها ؟ ليقولن : الله. قل : الحمد لله على اعترافهم بالحق، بل أكثرهم لا يفهمون ما يقعون فيه من تناقض.
٦٤- وليست هذه الحياة الدنيا إلا متاعاً محدود الوقت، يلهو به الغافلون كما يلهو الصبيان ويلعبون وقتاً ما ثم ينفضون. وإن الدار الآخرة لهى دار الحياة الحقيقية الكاملة الدائمة، وهذه حقائق ثابتة يدركها هؤلاء لو كان من شأنهم الإدراك الصحيح.
٦٥- هم على ما وُصفوا به من شرك، فإذا ركبوا السفن في البحر وأدركهم شيء من أهواله توجهوا إلى الله مخلصين له الدعاء أن يكشف عنهم الضر، فلما نجاهم إلى البر سارعوا بالعودة إلى الإشراك.
٦٦- لينكروا ما أعطيناهم من النعم، ولينتفعوا بما يرضى هواهم في هذه الحياة، فسوف يعلمون عاقبة الكفر حين يشاهدون العذاب الأليم.
٦٧- أَعَمِى كفار مكة عن نعم الله التي أسبغها عليهم، أَوَ لَمْ يروا أنا جعلنا بلدهم مصوناً لا يُنهب ولا يُسْلَب، مقدسا لا يُسْبَى أهله ولا يقع فيه قتل، ويُسْلَب الناس ويُسبون من حولهم ؟ ! أعموا عن هذه النعم. فَبمَ لا أصل له يصدقون، وبمحمد وبكل ما جاء به يكذبون ؟ !.
٦٨- وليس هناك أحد أشد ظلماً ممن نسب إلى الله ما لم يشرعه، أو كذَّب بالدين الحق حين بلغه، إن في جهنم لمأوى لهؤلاء الظالمين الكافرين.
٦٩- والذين بذلوا جهدهم، واحتملوا المشقة في نصرة ديننا، لنزيدنَّهم هداية إلى الخير والحق. وإن الله لمع الذين يحسنون أعمالهم، يعينهم وينصرهم. والله أعلم.