تفسير سورة الأحزاب

جهود ابن عبد البر في التفسير
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير .
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ

٣٨٣- روي عن بعض المفسرين أنه قال في قول الله- عز وجل- :﴿ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ﴾، قال : لم أجد الله تعالى ولا رسوله- صلى الله عليه وسلم- نسبا أحدا إلا إلى أب واحد. ( س : ٢٢/١٨٧ )
٣٨٤- قال أبو عمر : قد تجاوز الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، قال الله – عز وجل- :﴿ وليس عليكم جناح فيما أخطأتم ﴾. وروي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال :( تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه )١. ( س : ٢٥/١٨٤ )
١ أخرجه ابن ماجة في كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي: ١/٦٥٩.
وذلك من حديث أبي ذر الغفاري، وابن عباس عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم..

٣٨٥- الدليل على أن أفعاله كلها يحسن التأسي به فيها، قول الله- عز وجل- :﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾، فهذا على الإطلاق، إلا أن يقوم الدليل على خصوص شيء منه، فيجب التسليم له، ألا ترى أن الموهوبة لما كانت له خالصة، نطق القرآن بأنها خالصة له من دون المؤمنين١. ( ت : ٥/١١٧-١١٨ )
١ يشير على قوله تعالى: ﴿وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين﴾-الأحزاب: ٥٠..
٣٨٦- قال البراء بن عازب : أول من قدم علينا المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار بن قصي، ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم، ثم أتانا بعد عمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وبلال، ثم أتانا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا، ثم هاجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقدم علينا مع أبي بكر وقتل مصعب بن عمير يوم أحد شهيدا قتله ابن قميئة الليثي فيما قال ابن إسحاق، وهو يومئذ ابن أربعين سنة أو أزيد شيئا. ويقال : إن فيه نزلت وفي أصحابه١ يومئذ :﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾-الآية. ( الاستيعاب : ٤/١٤٧٣-١٤٧٤ )
١ منهم أنس بن النضر، وطلحة بن عبيد الله، انظر الجامع لأحكام القرآن: ١٤/١٥٩..
٣٨٧- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم. قال : حدثنا عمار بن عبد الجبار الخراساني، قال : أخبرنا ابن أبي ذئب عن المقبري١، عن عبد الرحمان بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال : حسبنا يوم الخندق عن الصلاة، حتى كان هوى من الليل، حتى كفينا، وذلك قول الله –عز وجل- :﴿ وكفى الله بالمؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ﴾. قال : فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بلالا فأقام، فصلا الظهر كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر، فصلاها كذلكن ثم أقام المغرب، فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء، فصلاها كذلك أيضا، وذلك قبيل أن ينزل في صلاة الخوف :﴿ فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ﴾٢. ( ت : ٥/٢٣٥-٢٣٦. وكذا في س : ٧/٨٣ )
١ هو الإمام المحدث الثقة أبو سعد سعيد بن أبيس سعيد كيسان الليثي مولاهم المدني المقبري، كان يسكن بمقبرة البقيعم، حدث عن أبيه، وعن عائشة، وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري... وحدث عنه ابناه: عبد الله وسعد، وابن أبي ذئب ومالك بن أنس، والليث بن سعد وخلق سواهم، توفي سنة ١٢٥هـ انظر سير أعلام النبلاء: ٥/٢١٦-٢١٧..
٢ سورة البقرة: ٢٣٧..
٣٨٨- قالت طائفة من أهل العلم بالقرآن في قوله تعالى :﴿ واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ﴾، قالوا : القرآن : آيات الله، والحكمة : سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم١.
قال أبو عمر وكل من الله، إلا ما قام عليه الدليل، فإنه لا ينطق عن الهوى، صلى الله عليه وسلم- وشرف وكرم. ( ت : ٢٣/٢٤٠-٢٤١ )
١ قال ابن جرير: وعنى قوله: ﴿واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله﴾، واذكرن ما يقرأ في بيوتكن من آيات كتاب الله والحكمة، ويعني بالحكمة ما أوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم- من أحكام دين الله ولم ينزل به قرأن. وذلك السنة. جامع البيان: ٢٢/٩..
٣٨٩- أناء الشيء : وقته وحينه، بدليل قول الله- عز وجل- :﴿ غير ناظرين إناه ﴾ أي وقته وحينه، والأناء والأناة في اللغة : التأخير، قال الشاعر :
وآنيت العشاء إلى سهيل أو الشعرى فطال بنا الأناء١
( س : ٢٦/١٠٩ )
٣٩٠- قال الحسن البصري في قوله عز وجل- :﴿ فإذا طعمتم فانتشروا ﴾، قال : نزلت في الثقلاء، وقال السري٢ : ذكر الله تعالى الثقلاء في القرآن، في قوله :﴿ فإذا طعمتم فانتشروا ﴾. ( بهجة المجالس وأنس المجالس : ٢/٧٣٤ )
١ هذا البيت للحطيبة، انظر ديوانه: ٨٣. وفيه "فطال بي" بدل "فطال بنا"، وأورده في اللسان، مادة "أني": ١٤/٤٩..
٢ هو السري بن يحيى بن إياس، بن حرملة بن إياس الشيباني أبو الهيثم. ويقال أبو يحيى البصري، روى عن الحسن البصري، وثابت البناني. وزيد بن أسلم، وعنه حماد بن زيد، وابن المبارك. وابن وهب، وأبو داود وغيرهم. توفي سنة ١٦٧ هـ انظر تهذيب التهذيب: ٣/٤٦٠-٤٦١..
٣٩١- حدثنا أحمد بن فتح قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد، قال : حدثنا حمزة بن محمد، قالا : أخبرنا أحمد بن شعيب، قال : أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال : حدثنا بكر بن مضر، عن ابن الهادي. عن ابن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري، قال : قلنا يا رسول الله السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك ؟ قال :( قولوا : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم )١. ورواه شعبة، والثوري، عن الحكم، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال : لما نزلت :﴿ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾. جاء رجل إلى النبي – عليه السلام- فقال : يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة ؟ فقال :( قل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد ). هذا لفظ حديث الثوري.
وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند، ويبين معنى قول الله تعالى :﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾، فبين لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كيف الصلاة عليه. ( ت : ١٦/١٨٤-١٨٥. وانظر س : ٦/٢٥٣ )
٣٩٢- أجمع العلماء على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم- فرض واجب على كل مسلم، لقول الله- عز وجل- :﴿ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾، ثم اختلفوا متى تجب ؟ ومتى وقتها وموضعها ؟ ٢. ( ت : ١٦/١٩١ )
١ أخرجه النسائي في سننه، كتاب السهو، باب كيف الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم: ٣/٤٩..
٢ قال الحافظ بن عبد البر: ولست أوجب الصلاة على النبي – عليه السلام- في الصلاة فرضا من فروض الصلاة، ولكني لا أحب لأحد تركها في كل صلاة، فإن ذلك من تمام الصلاة، وأحرى أن يجاب للمصلي دعاؤه- إن شاء الله. التمهيد: ١٦/١٩٥. وقال القرطبي: قد قال يوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم- في الصلاة محمد بن المواز من أصحابنا فيما ذكر ابن القصار، وعبد الوهاب. واختاره ابن العربي: الجامع: ١٤/٢٣٦..
٣٩٣- عن يحيى بن سعيد، عن سلمة أبي بشر عن عكرمة في قوله :﴿ إن الذين يؤذون الله ورسوله ﴾، قال : أصحاب التصاوير١. ( ت : ٢١/٢٠٠ )
١ أخرجه ابن جرير بسنده إلى عكرمة. انظر جامع البيان: ٢٢/٤٤..
٣٩٤- احتج عبد الملك بن الماجشون في قتل الزنديق بقول الله- عز وجل- :﴿ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ﴾، يقول : إن الشأن فيهم أن يقتلوا تقتيلا حيث وجدوا، ولم يذكر استتابة، فمن لم ينته عما كان عليه المنافقون في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم- قتل حيث وجد- والله أعلم. ( ت : ١٠/١٥٤ )
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:٣٩٤- احتج عبد الملك بن الماجشون في قتل الزنديق بقول الله- عز وجل- :﴿ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ﴾، يقول : إن الشأن فيهم أن يقتلوا تقتيلا حيث وجدوا، ولم يذكر استتابة، فمن لم ينته عما كان عليه المنافقون في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم- قتل حيث وجد- والله أعلم. ( ت : ١٠/١٥٤ )
Icon