آياتها ثلاث وسبعون وهي مدنية
قال أبي بن كعب لزركم تعدون سورة الأحزاب ؟ قال ثلاثا وسبعين آية قال فوالذي يحلف به أبي إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ولقد قرأنا منها آية الرجم الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله والله عزيز حكيم.
ﰡ
﴿ يا أيها النبي اتق الله ﴾ الآية ناده بالنبي ولم يقل يا محمد وأمره بالتقوى تعظيما وتفخيما لشأن التقوى وقال البغوي نزلت الآية في أبي سفيان بن الحرب وعكرمة ابن أبي جهل وأبي الأعور عمرو بن سفيان السلمي وذلك أنهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد الله بن أبي رأس المنافقين بعد قتال أحد وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد الله بن أبي سعد وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ( وعنده عمر بن الخطاب ) ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة وقل إن لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربك فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم فقال عمر يا رسول الله أئذن لي في قتلهم فقال إني قد أعطيتهم الأمان فقال أخرجوا في لعنة الله وغضبه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوهم من المدينة فأنزل الله تعالى هذه الآية : قيل الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد به الأمة وقال الضحاك معناه إتق ولا تنقض العهد الذي بينك وبينهم وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم للأمر بالثبات عليه ليكون مانعا عما نهى عنه بقوله ﴿ ولا تطع الكافرين ﴾ من أهل مكة يعني أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور ﴿ والمنافقين ﴾ من أهل المدينة عبد الله ابن أبي وعبد الله بن سعد وطعمة بن أبيرق ﴿ إن الله كان عليما ﴾ بخلقه ومصالحهم ومفاسدهم ﴿ حكيما ﴾ لا يحكم إلا على وفق الحكمة.
﴿ وما جعل أزواجكم اللائي ﴾ قرأ قالون وقنبل اّلآء هنا وفي المجادلة والطلاق بالهمزة من غير ياء وورش بياء مختلسة الكسرة خلفا من الهمزة وإذا أوقف صيرها ياء ساكنة والبزي وأبو عمرو بياء ساكنة بدلا من الهمزة في الحالين والباقون بالهمزة بعدها ياء في الحالين وحمزة إذا وقف جعل الهمزة بين بين على أصله ومن همز منهم ومن لم يهمز أشبع التمكين للألف في الحالين إلا ورشا فإن المد والقصر جائزان ﴿ تظهرون ﴾ قرأ عاصم بضم التاء وتخفيف الظاء وألف بعدها وكسر الهاء من المفاعلة وحمزة والكسائي بفتح التاء والهاء وبالألف مخففا من التفاعل بحذف إحدى التائين وقرأ ابن عامر بفتح التاء والهاء وتشديد الظاء وبالألف أيضا من التفاعل لكن بإدغام التاء بعد القلب بالظاء والإسكان في الظاء والباقون بفتح التاء والهاء وتشديد الظاء بغير ألف من التفعل بإدغام التاء في الظاء على ما بينا ﴿ منهن ﴾ عدى التظاهر بمن لتضمنه معنى التجنب لأنه كان طلاقا في الجاهلية فعدل في الشرع إلى الحرمة المنتهية بالكفارة ﴿ أمهاتكم ﴾ صورة المظاهر أن يقول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي وقد ذكرنا مسائل الظهار في سورة المجادلة قال البيضاوي ذكر الظهر في الظهار للكناية عن البطن الذي هو عموده فإن ذكرته تقارب ذكر الفرج أو
للتغليظ في التحريم فإنهم كانوا يحرمون إتيان المرأة وظهرها إلى السماء ﴿ وما جعل ﴾ الله ﴿ أدعياءكم ﴾ أي الذين تبنيتهم جمع دعي على الشذوذ وكان قياسه دعوى كجرحى جمع جريح لأنه فعيل بمعنى مفعول كأنه شبه بفعيل بمعنى فاعل فجمع جمعه كتقي وأتقياء وسخي وأسخياء وشقي وأشقياء ﴿ أبنائكم ﴾ فلا يثبت بالتبني شيء من أحكام البنوة من الإرث وحرمة النكاح وغير ذلك في الآية رد لما كانت العرب تقول من أن اللبيب لا ريب له قلبان والزوجة المظاهر منها تبين من زوجها وتحرم عليه كالأمر ودعي الرجل ابنه يرثه ويحرم بالتبني ما يحرم بالنسب وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعتق زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي وتبناه قبل الوحي وآخا بينه وبين حمزة بن عبد المطلب فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بعدما طلقه زيد وكان امرأته وقال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى عن ذلك أنزل الله تعالى هذه الآية ﴿ ذالكم ﴾ إشارة إلى كل ما ذكر ﴿ قولكم بأفواهكم ﴾ يعني لا حقيقة لها في الأعيان كقول الهاذي ﴿ والله يقول الحق ﴾ يعني ما له حقيقة في الأعيان تطابق قوله ﴿ وهو يهدي السبيل ﴾ أي يرشد إلى سبيل الحق روى الدارمي عن عائشة قالت جاءت سهلة بنت سهل بن عمرو ( وكانت تحت أبي حذيفة بن عتبة ابن ربيعة ) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن سالما مولى أبي حذيفة يدخل علينا وإنا فضل وإنما نراه ولدا وكان أبو حذيفة تبناه كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيدا فأنزل الله تعالى :﴿ ادعوهم لآبائهم ﴾
رواه أحمد وأصحاب السنن وقد خالف أبا حنيفة صاحباه فيما إذا قال لعبده هو أكبر سنا منه هذا ابني فإنهما قالا لا يعتق بناء على خلافية في الأصول إن المجاز عنده خلف عن الحقيقة في التكلم دون الحكم فإذا صح التكلم بالحقيقة لم يصح التجوز خلفا ولم يعتق عليه ومن قال لمجهول النسب هذا ابني وهو بحيث يمكن ثبوت النسب منه يثبت نسبه لكونه مأخوذا بإقراره وإلتزام النسب خالص حقه ولأجل ذلك من قال لمجهول النسب هذا أخي لا يثبت نسبه من أبيه غير أنه إذا مات المقر بالنسب على الغير مصرا على إقراره ولم يكن له وارث آخر يرث المقر له منه لعدم المزاحم وهو مقدم على بيت المال عندنا لا على احد من الورثة وإن كانوا من ذوي الأرحام ولا علم الموصي له بجميع المال والله أعلم.
٢ عند أصحاب السنن بلفظ "من ملك ذا رحم فهو حر" أخرجه الترمذي في كتاب: الأحكام باب: ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم (١٣٦٣) وأخرجه أبو داود في كتاب: الفتن باب: فيمن ملك ذا رحم محرم (٣٩٤٣)..
٢ أخرجه البخاري في كتاب: الإيمان باب: حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان (١٥) وأخرجه مسلم في كتاب: الإيمان باب: وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد (٤٤)..
٣ أخرجه البخاري في كتاب: الاستقراض باب: الصلاة على من ترك دينا (٢٣٩٩)..
٤ سورة الأحزاب الآية: ٥٣..
قال البغوي قال محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير عن عروة بن الزبير وعن عبد الله بن كعب بن مالك وعن الزهري وعاصم بن عمرو بن قتادة وعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعن محمد بن كعب القرظي وغيرهم من علمائنا دخل حديث بعضهم بعضا أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن وائل ( وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله فقال لهم قريش يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد فديننا خير أم دينه ؟ قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه ( قال فهم الذين أنزل الله فيهم :﴿ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ﴾ إلى قوله ﴿ وكفى بجهنم سعيرا ﴾ فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ما قولوا ونشطوا إلى ما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوا لذلك ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان من قيس بن غيلان فدعوهم على ذلك واخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه وأن قريشا قد بايعوهم فأجابوهم.
قلت " روى أنه كان رجال بني نضير وبني وائل نحوا من عشرين رجلا فقال لهم أبو سفيان بن حرب مرحبا بكم أحب الرجال عندنا من عاهدنا على عداوة محمد فقالوا لأبي سفيان اختر لنا خمسين رجلا من بطون قريش وتكون منهم حتى ندخل نحن وانتم في أستار الكعبة ونلزق صدورنا بجدران الكعبة ثم نحلف على أن نتفق على عداوة محمد وتكون كلمتنا واحدة ونتعاهد على أن نحارب محمدا ما بقي منا رجل واحد ففعلوا ذلك ولما قدم اليهود على غطفان بعد المعاهدة مع قريش حرضوهم على القتال مع النبي صلى الله عليه وسلم ووعدوهم على ذلك بتمر سنة ما كان على نخيل خيبر وقيل بنصف ذلك فأجاب عيينة بن حصين الفزاري رئيس غطفان قولهم بذلك الشرط أي بشرط إعطاء تمر سنة وكتب عيينة إلى حلفائه من بني أسد فجاءوا عنده قال البغوي فخرجت قريش قائدهم أبو سفيان بن حرب وغطفان وقائدها عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر في بني فزارة والحارث بن عوف بن أبي حارثة المزي في بني مرة ومسعر بن رحيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من أشجع قلت روي أن أبا سفيان جمع العسكر أربعة آلاف رجل وأعطى رايته عثمان بن أبي طلحة وكان في عسكرهم ثلاث مائة فرس وألف بعير حين خرجوا من مكة ونزلوا من الظهران واجتمع هناك أسلم وأشجع وبنو كنانة وفزارة وغطفان حتى صاروا عشرة آلاف وساروا بأجمعهم على المدينة ولذلك سمى غزوة الأحزاب.
قال البغوي فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة وكان الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان الفارسي وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ حر فقال يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حصرنا خندقنا علينا فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحكموه قلت : روى أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع الخبر قال حسبنا الله ونعم الوكيل وجمع أسراء المهاجرين والأنصار واستشارهم في ذلك وأشار سلمان بضرب الخندق فاستحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وخرج غازيا وأعطى لواء المهاجرين زيد بن حارثة ولواء الأنصار سعد بن عبادة وخرج معه ثلاثة آلاف من المهاجرين والأنصار قلت : روي أن معهم ستة وثلاثون فرسا وخرج معه صبيان لم يبلغوا الحلم فردهم على المدينة من كان منهم لم يبلغ خمسة عشر سنة وأجاز منهم للقتال من كان منهم ابن خمسة عشر سنة منهم عبد الله بن عمرو وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري وبراء بن عازب فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعا لأجل الخندق في بعض أطراف المدينة فاختار موضعا بقرب جبل سلع جعل جبل سلع على ظهر العسكر و خط خطا للخندق بينه وبين الكفار قال البغوي أخبرنا عن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب ثم قطع لكل عشر أربعين ذراعا قال احتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا وقال الأنصار سلمان منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" سلمان منا أهل البيت "
قال عمرو بن عوف كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا فحفرنا حتى إذا كنا بجنب ذي باب اخرج الله من بطن الخنق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا فقلت يا سلمان أرق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره خبر هذه الصخرة فإن رأى أن نعدل عنها فإن المعدل قريب وإما أن يأمرنا بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه فرقى سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية قال فخرجت صخرة بيضاء من مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيبك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها بأمرك فأنا لا نحب أن نجاوز خطك فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان الخندق والتسعة التي في الخندق فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان فضربها به ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لأبتيها حتى لكأن مصباحا في بيت جوف مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لأبتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون ثم ضربها فأخذ بيد سلمان ورقى فقال سلمان بأبي أنت يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال رأيتم ما يقول سلمان قالوا نعم قال ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبرائيل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربة الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحمرة من الروم كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد الله الذي موعده صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون ألا تعجبون من محمد يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الغرق لا تستطيعون أن تبرزوا قال فنزل القرآن ﴿ وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا١٢ ﴾٢ وأنزل في هذه القصة ﴿ قل اللهم ملك الملك ﴾ الآية.
روى البخاري في الصحيح عن أنس قال :" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال :
إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
فقالوا مجيبين له :
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا " ٣
وروى أيضا في الصحيح عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل تراب الخندق حتى وارى على الغبار جلد بطنه وكان كثير الشعر فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل من التراب يقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزل سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا عينا إذا أرادوا فتنة أبينا
ثم يمد صوته بآخرها وفي رواية والله لولا الله ما اهتدينا إلى آخره قلت : روى أن سلمان كان رجلا قويا يعمل في الخندق عمل عشرة من الرجال ويروى أنه كان يحفر الخندق كل يوم خمسة أذرع في عمق خمسة أذرع فأصابه عين من قيس بن أبي صعصعة فصرع فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قيسا أن يتوضأ لسلمان ويجعل وضوءه في إناء ويغسل به سلمان ويلقي الإناء خلفه منكوسا ففعلوا ذلك فبريء سلمان.
وروى أحمد والبخاري في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال :" كنا يوم الخندق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضت لنا كدية شديدة فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذه كدية من الجبل عرضت فقال أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول فعادت كثيبا أهيل أو أهيم فقلت يا رسول الله ائذن لي البيت فقلت لامرأتي إني رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا أما في ذلك صبر فعندك شيء فأخرجت لي جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن فذبحتها وطحنت ففرغت إلى فراغي وقطعتها في برمتها والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي في قدر كادت أن تنضج ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه فجئته فساررته فقلت طعيم لي يا رسول الله فقم أنت ورجل أو رجلان قال كم هو فذكرت له قال كثير طيب قل لها لا تنزع البرمة والخبز من التنور حتى آتيكم واستقر صحافا ثم صاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أهل الخندق عن جابرا صنع لكم فحي هلا بكم فقلت ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم فقالت بك وبك هل سألك فقلت نعم فقالت الله ورسوله أعلم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ادخلوا ولا تضاغطوا فأخرجت له عجينا فبسق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبسق فيها وبارك ثم قال يا جابر ادع خابزة فلتخبز معك واقدحي من برمتك ولا تنزلوها وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم يخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ويقرب على أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف اللحم حتى شبعوا وهم ألف قال جابر فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز
٢ سورة الأحزاب: الآية: ١ ٢..
٣ أخرجه البخاري في كتاب: المعازي باب: غزوة الخندق وهي الأحزاب (٣٨٧٣)..
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن باب: ومن سورة الأحزاب (٣٢٠٣)..
٣ أخرجه البخاري في كتاب: المغازي باب: ﴿إذا همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما﴾ (٤٠٦٣).
قال مقاتل وابن زيد يعني خيبر وقال قتادة كنا نحدث أنها مكة وقال الحسن فارس والروم وقال عكرمة كل أرض يفتح إلى يوم القيامة ﴿ وكان الله على كل شيء قديرا ﴾ فيقدر على ذلك.
قصة غزوة بني قريظة قال محمد بن عمر عن شيوخه لما انصرف المشركون عن الخندق خاف بنوا قريظة خوفا شديدا وروى أحمد والشيخان مختصرا والبيهقي والحاكم وصححه مطولا عن عائشة وأبو نعيم والبيهقي من وجه آخر عنها وابن عابد عن حميد بن هلال وابن جرير عن ابن أبي أوفى والبيهقي عن عروة وابن سعد عن الماجشون وعن يزيد بن الأصم ومحمد بن عمر عن شيوخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين لما رجعوا عن الخندق مجهودين وضعوا السلاح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت عائشة ودعا بماء فأخذ يغسل رأسه وذكر البغوي أنه صلى الله عليه وسلم كان عند زينب بنت جحس وهي تغسل رأسه وقد غسلت شقه قالت عائشة فسلم علينا رجل ونحن في البيت قال محمد بن عمر وقف موضع الجنائز فنادى عذيرك من محارب فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا فوثب وثبة شديدة فخرج إليه فقمت في أثره أنظر من خلل الباب فإذا هو دحية الكلبي فيما كنت أرى وهو ينفض الغبار عن رأسه ( فقال ابن إسحاق معتجرا بعمامة ) فقال يا رسول الله ما أسرع ما حللتم عذيرك من محارب عفا الله عنك قد وضعتم السلاح ما وضعت الملائكة منذ نزل بك العدو وفي لفظ منذ أربعين ليلة وما رجعنا الآن إلا من طلب القوم حتى بلغنا حمراء الأسد يعني الأحزاب وقد هزمهم أن الله يأمرك بقتال بني قريظة وأنا عامد إليهم بمن معي من الملائكة لأزلزل بهم الحصون فأخرج بالناس قال حميد بن هلال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في أصحابي جهدا فلو أنظرتهم أيا ما فقال انتهض إليهم فوالله لأدقنهم كدق البيض على الصفا ثم لأضغضغنها قا لت عائشة فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت من ذاك الرجل الذي كنت تكلمه قال ورأيته قلت نعم قال بمن تشبهيه ؟ قلت بدحية الكلبي قال ذاك جبرئيل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة قال حميد فأدبر جبرئيل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار قال أنس فيما رواه البخاري كأني أنظر إلى الغبار ساطعا وقال قتادة فيما رواه ابن عابد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يومئذ مناديا ينادي يا خيل الله اركبي وأمر بلالا فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة وروى الشيخان عن ابن عمر والبيهقي عن عائشة وابن عقبة والطبراني عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه :" عزمت عليكم أن لا تصلوا صلاة العصر " : ووقع في مسلم في حديث ابن عمر " صلاة الظهر إلا ببني قريظة " فأدرك بعضكم صلاة العصر وفي لفظ صلاة الظهر في الطريق فقال بعضهم لا نصليها حتى نأتي بني قريظة إنا لفي عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علينا من أثم فصلوا العصر ببني قريظة حين وصلوها بعد غروب الشمس وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا أن ندع الصلاة فصلوا فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا من الفريقين ١
فائدة :
وجه الجمع بين حديث صلاة الظهر وصلاة العصر أن طائفة منهم راحت بعد طائفة قيل للطائفة الأولى لا يصلين الظهر إلا ببني قريظة وقيل للطائفة الأخرى لا يصلين العصر وقيل في وجه الجمع أنه صلى الله عليه وسلم قال لأهل القوة أو لمن كان منزله قريبا لا يصلين أحد الظهر وقال لغيرهم أحد العصر.
مسألة :
هذا الحديث يدل على أن المجتهد لا إثم عليه إن أخطأ حيث لم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد من الفريقين من صلى في الطريق ومن لم يصل قال في زاد المعاد ما حاصله إن كلا من الفريقين مأجور بقصده إلا إن صلى في الطريق جاز الفضيلتين فضيلة امتثال الأمر في الإسراع في المشي إلى بني قريضة لأن المراد بأمره صلى الله عليه وسلم أن لا يصلوا إلا في بني قريضة المبالغة في الإسراع مجازا وفضيلة امتثال الأمر في المحافظة على الوقت والله أعلم.
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فدفع إليه لواءه وكان اللواء على حاله لم يحل عن مرجعه من الخندق فابتدره الناس قال محمد بن عمرو بن سعد وابن هشام والبلاذري استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم قال محمد بن عمرو خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع بقين من ذي القعدة قال البغوي سنة خمس من الهجرة ولبس السلاح والدرع والمغفر والبيضة وأخذ قناه بيده وتقلد الترس وركب فرسه اللحيف ولحق به أصحابه قد لبسوا السلاح وركبوا الخيل وكانت ستة وثلاثين فرسا فسار في أصحابه والخيل والرجال حوله قال ابن سعد وكان معه ثلاثة آلاف.
مسألة :
هذه القصة تدل على جواز البداية بالقتال في شهر الحرام لكن خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وفيها المنع من القتال في الأشهر الحرام متأخر عنه ولعل الله سبحانه أحل لرسوله ذلك القتال في أشهر الحرم كما أباح له القتال في حرم مكة من النهار عام الفتح ويمكن أن يقال أن هذا ليس بداية بالقتال بل كانت البداية من بني قريظة حيث ظاهروا قريشا ومن معهم والله أعلم.
روى الطبراني عن أبي رافع وابن عباس أن رسول صلى الله عليه وسلم لما أتى بني قريظة ركب على حمار عري يقال له يعفور والناس حوله وروى الحاكم والبيهقي وأبو نعيم عن عائشة ومحمد بن عمرو عن شيوخة وابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنفر من بني النجار بالصورين فيهم حارثة بن النعمان قد صفوا عليهم السلاح فقال هل مر بكم أحد ؟ قالوا نعم دحية الكلبي مر على بغلة عليها رحاله عليها من استبرق وأمرنا بحمل السلاح فأخذنا سلاحنا فصففنا وقال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع عليكم الآن قال حارثة بن النعمان وكان صفين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك جبرئيل بعث إلى بني قريظة لتزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم وسبق علي بن أبي طالب في نفر من المهاجرين والأنصار وفيهم أبو قتادة. روى محمد بن عمر عن أبي قتادة قال انتهينا إلى بني قريظة فلما رأينا أيقنوا با لشر وغرز علي الراية عند أصل الحصن فاستقبلونا في صياصيهم يشتمون رسول صلى الله عليه وسلم وأزواجه قال أبو قتادة وسكتنا وقلنا السيف بيننا وبينكم وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل قريبا من حصنهم على بئر إنا بأسفل حرة بني قريظة فلما رآه علي رضي الله عنه رجع إليه وأمرني أن ألزم اللواء فلزمته وكره أن يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذاهم وشتمهم فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنوا من هؤلاء الأخابيث فقال أتأمرني بالرجوع فقال أظنك سمعت منهم أذى قال نعم فقال لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدمه أسيد بن حضير فقال يا أعداء الله لا نبرح عن حصونكم حتى تموتوا جوعا إنما أ نتم بمنزلة ثعلب في جحر فقالوا ابن الحضير نحن مواليك دون الخزرج فقال لا عهد بيني وبينكم ولا إل رسول الله صلى الله عليه وسلم وترسنا عنه ونادى بأعلى صوته نفرا من أشرافهم حتى أسمعهم فقال أجيبوا ي يا أخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت هل أخزاكم الله أنزل بكم نقمته أتشتموني فجعلوا يحلفون ما فعلنا ويقولون يا أبا القاسم ما كنت جهولا وفي لفظ ما كنت فا حشا واجتمع المسلمون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء وبعث سعد بن عبادة بأحمال تمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان طعامهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نعم الطعام التمر " وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرا وقدم الرماة فأحاطوا بحصون يهود وراموهم بالنبل والحجارة وهم يرمون من حصونهم حتى أمسوا فباتوا حول الحصون وجعل المسلمون يعتقبون يعقب بعضهم بعضا فما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى براميهم حتى أيقنوا الهلكة وتركوا رمي المسلمين فقالوا دعونا نكلمكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم فأنزلوا نباش بن قيس فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنوا النضير من الأموال والحلقة ونخرج من بلادك بالنساء والذراري ولنا ما حملت الإبل إلا الحلقة فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا تحقن دماءنا وتسلم لنا النساء والذرية ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكمه وعاد نباش إليهم بذلك فلما عاد نباش إلى قومه وأخبرهم الخبر قال كعب بن أسد يا معشر بني قريظة والله قد نزل بكم ما ترون وإني أعرض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا ما شئتم منها قالوا وما هي ؟ قال نبايع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه إني نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنون به على دمائكم وأموالكم ونسائكم والله إنكم لتعلمون أن محمدا نبي وما منعنا معه من الدخول إلا الحسد للعرب حيث لم يكن نبيا من بني إسرائيل فهو حيث جعله الله تعالى ولقد كنت كارها لنقض العهد والعقد ولكن البلاء والشؤم من هذا الجالس يعني حيي بن أخطب ( وكان حيي دخل معهم في حصنهم حين رجعت منهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه ) أتذكرون ما قال لكم ابن جواس حين عليكم تركت الخمر والحمير والتأمير وحنت إلى الشفاء والتمر والشعير قالوا وما ذاك ؟ قال أنه يخرج بهذا القرية نبي فإن يخرج وأنا حي أتبعه وأنصره وإن خرج بعدي فإياكم أن تخدعوا عنه فاتبعوه وكونوا أنصاره وأولياءه وقد آمنتم بالكتابين كلاهما الأول والآخر وأقرءوه مني السلام وأخبروه أني مصدق به قال فتعالوا فلنبايعه ولنصدقه فقالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره قال فإذا أبيتم على هذه فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه مصلتين بالسيوف لم نترك ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك ورائنا فصلا نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء قالوا لا نقتل هؤلاء المساكين فما خير في العيش بعدهم قال فإن أبيتم عن هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فأنزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان من قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ فقال ما بات منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر جازما فقال ثعلبة وأسيد ابنا سعية وأسد بن عبيد ابن عمهم وهو نفر من هذيل ليسوا من بني قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك وهو بنو عم القوم يا معشر بنوا قريظة والله إنكم لتعلموا أنه رسول الله وإن صفته عندنا حد ثنا بها علماؤنا وعلماء بني النضير هذا أولهم يعني حيي بن أخطب مع خبر بن الهيان أصدق الناس عندنا هو أخبر بصفته عند موته قالوا لا نفارق التوراة فلما رأى هؤلاء النفر آباءهم نزلوا تلك الليلة في صبحها فأسلموا وأمنوا على أ نفسهم وأهليهم وأموالهم وقال عمرو بن سعد يا معشر يهود إنكم خالفتم محمدا على ما خلفتموه عليه فنقضتم عهده الذي كان بينكم وبينه ولم أدخل فيه ولم أشرككم في غدركم فإن أبيتم فاثبتوا على اليهودية وأعطوا الجزية فوالله ما أدري يقبلها أم لا قالوا فنحن لا نقر للعرب بخرج في رقابها يأخذونه القتل خير من ذلك قال فإني بريء منكم
أخرج مسلم وأحمد والنسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال أقبل أبو بكر ليستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يؤذن له ثم أقبل عمر فا ستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لهما فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه واجما ساكتا قال فقال عمر لأقولن شيئا أضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو رأيت بنت خارجة سألني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هن حولي كما ترى يسأ لنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها وقام عمر على حفصة يجأ عنقها كلاهما يقولان لا تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا ما ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا وتسعا وعشرين ثم نزلت هذه الآية قال فبدأ بعائشة قال يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك فقال وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآيات فقالت أفيك يا رسول الله أستشير أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة أسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك قال لا تسأ لني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني جحودا ولا مفتنا ولكنه بعثني مبشرا معلما ١ وفي الصحيح عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت فبدأني فقلت يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا فإنك بتسع وعشرين أعدهن قال :" إن الشهر تسع وعشرون ".
فائدة :
قال البغوي اختلف العلماء في هذا الخيار هل كان ذلك تفويض الطلاق حتى يقع الطلاق بنفس اختيارها نفسها أم لا ؟ فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم أنه لم يكن تفويض الطلاق بل خيرهن في طلب الطلاق فإن اخترن الدنيا فارقهن بدليل قوله تعالى :﴿ فتعالين أمتعكن وأسرحكن ﴾ وذهب قوم إلى انه كان تفويض الطلاق لو اخترن أنفسهن كان طلاقا.
مسألة :
إذا قال الزوج لامرأته اختاري ونوى بذلك أن تطلق نفسها إن شاءت فلها أن تطلق نفسها ما دامت في المجلس فإن قامت منه أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها لأنه تمليك الفعل منهيا والتمليكات يقتضي جوابا في المجلس كما في البيع قال صاحب الهداية لها خيار المجلس بإجماع الصحابة رضي الله عنهم وقال ابن همام قال ابن المنذر اختلفوا في الرجل يخير زوجته ؟ فقالت طائفة أمرها بيدها في المجلس فإن قامت من مجلسها فلا خيار لها روينا هذا القول عن عمر بن الخطاب وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم وفي أسانيدها مقال وبه قال جابر بن عبد الله وبه قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي ومالك وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرازي وقالت طائفة أمرها بيدها في المجلس وبعدها وهو قول الزهري وقتادة وأبي عبيدة وابن نصر قال ابن المنذر وبه نقول لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة " لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك " وحكى صاحب المغني هذا القول من الصحابة عن علي رضي الله عنه وأجاب ابن الهمام عن قول ابن المنذر أن الرواية عن علي لم يستقر فقد روى عنه قول الجماعة كذا نص محمد في بلاغاته حيث قال بلغنا عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وجابر رضي الله عنهم في الرجل يخبر امرأته أن لها الخيار ما دامت في مجلسها ذلك فإذا قامت من مجلسها فلا خيار لها ولم يرو عن غيره من الصحابة ما يخالف ذلك فكان إجماعا سكوتيا وقوله في أسانيدها مقال لا يضر بعد تلقي الأمة بالقبول مع أن رواية عبد الرزاق عن جابر وابن مسعود جيدة وأما التمسك بقوله صلى الله عليه وسلم " لا تعجلي " فضعيف لأنه ليس في الآية تخيير الطلاق وتفويضه كما يدل عليه قوله تعالى :﴿ فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ﴾.
مسألة :
لا بد من النية في قوله اختاري لأنه يحتمل تخيرها في نفسها ويحتمل تخيرها في تصرف آخر غيره.
مسألة :
إذ قال الزوج اختاري فقلت اخترت نفسي فالمروي عن عمر وابن مسعود وابن عباس أنها تقع واحدة رجعية وبه أخذ الشافعي وأحمد لأن قوله اختاري بمنزلة قوله طلقي نفسك وقولها اخترت نفسي بمنزلة قوله طلقت نفسي والواقع بها رجعي إجماعا ويأتي الكتاب دل على أن الطلاق يعقب الرجعة إلا الثالث وروى عن زيد بن ثابت أنه يقع الطلقات الثلاث وبه أخذ مالك في المدخول بها وفي غيرها يقبل منه دعوى الواحدة. وجه قول زيد أن اختيارها يقتضي ثبوت اختصاصها بها بحيث لا يكون لزوجها إليها سبيل من غير رضاءها وإلا لا يحصل فائدة التخيير إذا كان له أن يراجعها في الحال شاءت أو أبت وذلك الاختصاص لا يتصور إلا في البائن والطلاق يعقب الرجعة بالكتاب إلا أن يكون ثلاثا فيقع الثلاث وثبت عن علي رضي الله عنه أن الواقع به واحدة بائنة وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لما ذكرنا أن اختصاصها بنفسها لا يتصور إلا بالبينونة والبينونة قد يكون بواحدة إجماعا كالطلاق بمال والطلاق قبل الدخول فيحمل عليه لحصول المقصود ولا وجه لجعله ثلاثا بعد حصول المقصود بواحدة وقد روى الترمذي عن ابن مسعود وعمر أن الواقع بها بائنة كما روى عنها الرجعية فاختلف الرواية عنهما قلت البينونة يتنوع إلى غليظة وخفيفة فإن نوى بها الزوج الغليظة لا بد أن يقع به ثلاثا لكن أبا حنيفة رحمه الله يقول عن قوله اختاري لا يدل على البينونة بل يفيد الخلوص والصفاء والبينونة يثبت فيه اقتضاء فلا يعم بل يقدر بقدر الضرورة بخلاف أنت بائن ونحوه فلا يقع الثلاث بقوله اختاري وإن نوى الثلاث لان النية إنما تعمل فيما يحتلمه اللفظ ويقع بقوله أنت بائن ثلاثا عن نوى الثلاث وبخلاف قوله اختاري اختاري اختاري لأن تعدد اللفظ يدل على تعدد المقصود.
مسألة
لو قالت اخترت زوجي بعدما قال لها إختاري لا يقع شيء عند الجمهور لان الزوج لم يطلقها بل جعل أمرها باختيارها وهي لم تختر الطلاق بل اختارت إبقاء النكاح وعن علي رضي الله عنه يقع رجعية كأنه جعل نفس اللفظ إيقاعا قال ابن همام لكم قوله عائشة " خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ولم يعد علينا شيئا " ٢ رواه الستة وفي لفظ الصحيحين " فلم يعدد : يفيد عدم وقوع شيء كما قاله الجمهور قلت لما ذكرنا فيما سبق أن تخيير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن تخييرا للطلاق بل كان تخييرا في طلب الطلاق فلا يكون قول عائشة حجت على ما قاله الجمهور والله أعلم
مسألة :
ولا بد من ذكر النفس في كلامه أو كلامها حتى لو قال اختاري فقالت اخترت لا يقع الطلاق لأن هذا اللفظ للطلاق فكان القياس أن لا يقع بها شيء لأن التمليك فرع ملك المملك والزوج لا يملك إيقاع الطلاق بهذا اللفظ لكنا تركنا القياس وقلنا بوقوع الطلاق باختيارها بإجماع الصحابة والإجماع إنما هو في المفسر من أحد الجانبين بالنفس ولأن قوله اختاري مبهم يحتمل تخييرها في نفسها وتخييرها في تصرف آخر غيره والمبهم لا يصلح تفسيرا للمبهم ولا تعيين مع الإبهام ولما كان وقوع الطلاق بقوله اختاري معدولا عن سنن القياس مقتصرا على مورد الإجماع لا يكتفي بالنية وإن كان مع القرينة الحالية دون المقالية لعدم الإجماع هناك وقال الشافعي وأحمد يكتفي بالنية مع القرينة الحالية بعد أن نوى الزوج وقوع الطلاق به وتصادقا عليه وقال أبو حنيفة النية بدون احتمال اللفظ يلغو وإلا لوقع بمجرد النية مع لفظ لا يصلح له أصلا كأسقني وإنما تركنا القياس بموضع الإجماع قلت لكن قوله النية بدون احتمال اللفظ يلغوا ليس في محله فإن لفظ اختاري واخترت بدون ذكر النفس يحتمل تخييرها الطلاق واختارها إياه وغير ذلك وإن لم تكن نصا فيه ولذلك لو قال اختاري فقالت اخترت نفسي يقع الطلاق إن نوى الزوج لأن كلامها مفسرة وما نواه الزوج من محتملات كلامه وكذا لو قال اختاري اختاره فقالت قد اخترت طلقت أيضا لان الهاء في اختياره ينبئ عن الإتحاد والإنفراد واختيارها نفسها يتحد مرة ويتعدد أخرى فصار مفسرا من جانيه.
مسألة :
ولو قال الزوج اختاري فقالت أنا اختار نفسي فهي طالق والقياس أن لا يطلق لان هذا مجرد وعد أو يحتمله فصار كما إذا قال طلقي نفسك فقالت أنا أطلق نفسي قال صاحب الهداية وجه الاستحسان قول عائشة لا بل أختار الله ورسوله واعتباره صلى الله عليه وسلم جوابا منها لا يقال ذكر فيما سبق إن قصة عائشة لم يكن تخيرا في التطليق بل في طلب الطلاق لأنا نقول مقصودنا يحصل باعتباره صلى الله عليه وسلم جوابا للاختيار سواء كان الاختيار متعلقا بالتطليق أو طلب التطليق ولأن قولها أنا اختار نفسي حكاية عن حالة قائمة وهو اختيار نفسها بخلاف قولها أطلق نفسي لان حمله على الحال متعذر لأنه ليس حكاية عن حالة قائمة والله أعلم.
٢ أخرجه أبو داود في كتاب: الطلاق باب: في الخيار (٢٢٠٣) وأخرجه الكسائي في كتاب: النكاح باب: ما افترض الله على رسوله عليه السلام وحرمه على خلقه ليزيده إن شاء الله قربه إليه (٣١٩٤) وأخرجه ابن ماجه في كتاب الطلاق باب: الرجل يخير امرأته (٢٠٥٢)..
٢ أخرجه البخاري في كتاب: الأذان باب: وجوب صلاة الجماعة (٦٤٥).
٣ الآية هي ﴿فيضاعفه له أضعافا كثيرة﴾ سورة البقرة: الآية: ٢٤٥..
مسألة :
المرأة مندوب إلى الغلظة في المقال إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع ﴿ وقلن قولا معروفا ﴾ يعني ما يعرفه حسنا بعيدا من الريبة.
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: المناقب باب: فضل خديجة رضي الله عنها (٣٨٨٧)..
٣ أخرجه البخاري في كتاب: فضائل النبي صلى الله عليه وسلم بابك فضل عائشة رضي الله عنها (٣٧٦٩) واخرجه مسلم في كتابه: فضائل الصحابة باب: في فضل عائشة رضي الله عنها (٢٤٤٦)..
٤ أخرجه البخاري في كتاب: مناقب الأنصار باب: تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها (٣٨١٥) وأخرجه مسلم في كتاب: فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها (٢٤٣٠)..
٥ أخرجه البخاري في كتاب: الاستئذان باب: من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه فإذا فات أخبر به (٥٢٨٥) وأخرجه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة باب: من فضائل فاطمة رضي الله عنها (٢٤٥٠)..
٦ أخرجه الترمذي في كتاب: المناقب باب: مناقب الحسن والحسين عليهما السلام (٣٧٩٠).
بين الله سبحانه أنه إنما نهاهن وأمرهن ووعظهن لئلا يقارف أهل بيت رسوله المأثم وليتصفوا بالتقوى. استعار للذنوب الرجس وللتقوى الطهارة لان عرض المقترف بالمعاصي ملوث كما يتلوث بدنه بالنجاسة، والمتقي نقي كالثوب الطاهر النقي ؛ولكمال المناسبة بين الآثام والأرجاس قال أبو حنيفة يتنجس الماء المستعمل للقربة أو لرفع الحدث ولما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال :" من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره " ٦ متفق عليه من حديث عثمان، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء " الحديث رواه مسلم. احتجت الروافض بهذه الآية على أن عليا وفاطمة والحسن والحسين معصومون، وهم الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرهم، وعلى أن إجماعهم ومن دونهم من الأئمة حجة ؛قالوا إذا أراد الله تطهيرهم فهم معصومون ؛لأن مراد الله تعالى لا ينفك عن الإرادة والأثيم غير طاهر والعصمة شرط للإمامة وأبو بكر وعمر وعثمان غير معصومين بالإجماع فهم الأئمة لا غيرهم. وهذا الاستدلال باطل بوجوه : الأول أن الآية غير مختص حكمها بعلي وفاطمة وابنيهما كما ذكرت، بل هي نازلة في أمهات المؤمنين، لكن هؤلاء الكرام داخلون في حكمهن. والثاني أن الآية لا تدل على العصمة وقد ورد مثل ذلك في آية الوضوء لجميع الأمة حيث قال :﴿ ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ﴾ ٧ لا يقال مقتضى آية الوضوء إن الله يريد أن يطهر أبدانكم من الأنجاس والأحداث إن توضأتم، ومقتضى هذه الآية يريد الله أن يطهركم من الآثام فأين هذا من ذلك، لأنا نقول إنها من واد واحد، فإن الله كما يريد أن يطهر أبدان المؤمنين إذا توضؤا واستعملوا الماء في مواضعه، كذلك يريد أن يطهر أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من الآثام إن اتقوا ؛ ولذلك بين لهم طريقة استعمال الماء لطهارة الظاهر وبين لهم التقوى بقوله فلا تخضعن لطهارة الباطن، فكما أن طهارة ظاهر البدن يتوقف على اختيار العبد في استعمال الماء، كذلك الطهارة من الآثام يتوقف على اختياره التقوى والله أعلم. والثالث أن العصمة ليست بشرط الإمامة بل يجوز أن يكون الإمام غير معصوم مع وجود المعصوم فيهم، ألم تر أن الله تعالى جعل الملك والإمامة لطالوت مع وجود النبي المعصوم فيهم، وهو اشموئيل وداود عليهما السلام ﴿ وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ﴾ ٨ إلى قوله تعالى :﴿ وقتل داود جالوت ﴾ ٩ والله أعلم.
٢ سورة النجم الآية: ٥٠..
٣ أخرجه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة باب: فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم (٢٤٢٤)..
٤ أخرجه الترمذي في كتاب: المناقب باب: في مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم (٣٧٩٦)..
٥ سورة هود الآية: ٧٣..
٦ أخرجه مسلم في كتاب: الطهارة باب: خروج الخطايا مع ماء الوضوء (٢٤٥)..
٧ سورة المائدة الآية: ٦..
٨ سورة البقرة الآية: ٢٤٧..
٩ سورة البقرة الآية: ٢٥١..
قال البغوي قال مجاهد لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا، يعني لا يفتر ذكرهم في حين من الأحيان قلت وذلك لا يتصور إلا بعد فناء القلب واستغراق القلب في الذكر وحصول الحضور الدائم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات " ١ رواه مسلم من حديث أبي هريرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع " رواه البيهقي في الدعوات الكبير من حديث عبد الله بن عمر، وعن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العباد أفضل وأرفع درجة عند الله يوم القيامة ؟ قالوا الذاكرون الله كثيرا والذاكرات. قيل يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله ؟ قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما فإن الذاكر لله أفضل منه درجة " ٢ رواه أحمد والترمذي وقال هذا حديث غريب. وعن مالك قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كا ن يقول :" ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين، وذاكر الله في الغافلين كغصن شجر اخضر في شجر يابس، وذاكر الله في الغافلين مثل مصباح في بيت مظلم، وذاكر الله في الغافلين يريه الله مقعده من الجنة وهو حي، وذاكر الله في الغافلين يغفر له بعدد كل فصيح وأعجم، والفصيح بنو آدم والأعجم بهائم " رواه رزين.
قال البغوي : قال عطاء بن أبي رباح من فوض أمره إلى الله فهو داخل في قوله : إن المسلمين والمسلمات، ومن أقر بأن الله ربه ومحمدا رسوله ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل في قوله والمؤمنين والمؤمنات، ومن أطاع الله في الفرائض والرسول في السنة فهو داخل في قوله ﴿ والقانتين والقانتات ﴾ ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل في قوله ﴿ والصادقين والصادقات ﴾ ومن صبر على الطاعة وخاف من المعصية وصبر على الرزية فهو داخل في قوله :﴿ والصابرين والصابرات ﴾ ومن صلى ولم يعرف من عن يمينه وعن يساره فهو داخل في قوله :﴿ والخاشعين والخاشعات ﴾ ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو داخل في قوله :﴿ والمتصدقين والمتصدقات ﴾ ومن صام في كل شهر أيام البيض ( الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ) فهو داخل في قوله :﴿ والحافظين فروجهم والحافظات ﴾ ومن صلى الصلوات الخمس فهو داخل في قوله :﴿ والذاكرين لله كثيرا والذاكرات ﴾ قال البيضاوي عطف الإناث على الذكور ضروري لاختلاف الجنسين، وعطف الزوجين على الزوجين لتغاير الوصفين ليس بضروري ؛ ولذلك ترك في قوله تعالى : مسلمات مؤمنات قانتات الخ. وفائدته الدلالة على أن الأعداد والموعود لهم للجمع بين هذه الصفات ﴿ أعد الله لهم مغفرة ﴾ لما صدر منهم من الذنوب ﴿ وأجرا عظيما ﴾ على طاعتهم والله أعلم.
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات باب: في العفو والعافية (٣٥٩٦).
قال البغوي : فلما نزلت هذه الآية وسمعت زينب بنت جحش وأخوها رضيا بذلك وسلما، وجعلت أمرها بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أخوها، فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، فدخل بها وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها عشرة دنانير وستين درهما وخمارا ودرعا وإزارا ومحلفة وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر، ومكثت عنده حينا. ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى ذات يوم كحاجة فأبصر زينب قائمة في درع وخمار، وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال سبحان الله مقلب القلوب فأنصرف، فلما جاء زيد ذكرت له ذلك ففطن فألقى في نفسه كراهتها في الوقت، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال مالك أرأيت منها شيئا، قال لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرا ولكنها تتعظم علي لشرفها وتؤذيني بلسانها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أمسك عليك زوجك وأتق الله " في أمرها. كذلك روى ابن جرير عن أبي زيد فأنزل الله تعالى :﴿ واذكر ﴾ إذ تقول يا محمد الآية.
﴿ للذي أنعم الله عليه ﴾ أي هداه للإسلام ورزقه مصاحبتك وألقى في قلبك محبته والرحمة عليه ﴿ وأنعمت عليه ﴾ بالإنفاق والإعتاق وهو زيد بن حارثة رضي الله عنه ﴿ أمسك عليك زوجك ﴾ يعني زينب بنت جحش ﴿ واتق الله ﴾ في أمرها فلا تطلقها فإن الطلاق من أبغض المباحات ﴿ وتخفي في نفسك ما الله مبديه ﴾ قوله أمسك مقولة تقول وجملة تخفي معطوف على قوله تقول يعني وكنت تسر في نفسك ما الله مظهره أخرج البخاري عن أنس أن هذه الآية نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة قال الحسن أعجبه قول زيد وأخفى رسول صلى الله عليه وسلم ذلك في نفسه حياء وكرما وقيل وقع في قلبه أنه لو فارقها زيد تزوجها وقال ابن عباس حبها وقال قتادة ود أنه طلقها.
وقال البغوي : روى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال : سألني علي ابن الحسين زين العابدين عليهما السلام ما يقول الحسن في قوله عز وجل ﴿ وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ﴾ قلت يقول لما جاء زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله إني أريد أن أفارق زينب أعجبه ذلك فقال :" أمسك عليك زوجك واتق الله " : قال علي بن الحسين ليس كذلك كان الله تعالى قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها فلما جاء زيد وقال إني أريد أن أطلقها قال أمسك عليك زوجك فعاتبه الله وقال لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمناك أنها ستكون من أزواجك وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لان الله تعالى أعلم أن يبدئ ويظهر ما أخفاه ولم يظهر الله غير تزويجها منه فقال :( زوجناكها ) فلو كان الذي أضمره رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك وإنما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إ ستحياء أن يقول لزيد التي تحتك وفي نكاحك ستكون امرأتي قال البغوي وهذا قول مرضي حسن وإن كان القول الآخر وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها زيد لا يقدح في حال الأنبياء لأن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه فإن مثل هذه الأشياء ما لم يقصد لا إثم فيه لأن الود وميل النفس من طبع البشر وقوله أمسك عليك زوجك واتق الله أمر بالمعروف وهو حسنة لا إثم فيه قلت بل هو أعظم أجرا فإنه أمر بالمعروف على خلاف طبعه قال الله تعالى :﴿ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾ ١ وما قال الحسن يؤيده قوله لله حين رأى زينب سبحان الله مقلب القلوب فإنها تدل على أنه تعالى قلب قلب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يتزوجها بعدما كان في قلبه أن يتزوجها زيدا ﴿ وتخشى الناس ﴾ عطف على تخفي يعني تخاف لائمة الناس أن يقولوا أمر رجلا أن يطلق إمرأته ﴿ والله أحق أن تخشاه ﴾ الجملة حال من فاعل تخشى قال عمر وابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد من هذه الآية وروي عن مسروق قال قالت عائشة لو كتم النبي صلى الله صلى عليه وسلم شيئا مما أوحى إليه لكتم ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) قال البغوي لم يرد الله بهذه الآية أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يخشى الله فإنه صلى الله عليه وسلم قال :" إني أخشاكم وأتقاكم " قلت وقد قال الله تعالى في شأن الأنبياء كلهم ﴿ يخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله ﴾ ٢ ولكنه لما ذكر الخشية من الناس ذكر أن الله أحق بالخشية في عموم الأحوال وفي جميع الأشياء قلت فمعنى الآية أنك تخشى لائمة الناس وتخشى الله أشد خشية من خشية الناس فإن الله أحق أن تخشاه فمن أجل خشية الناس والحياء منهم أخفيت ما أضمرت ومن أجل خشية الله أمرت بالمعروف ولم تترك شيئا مما أمرك الله به ولا منافاة بينهما ومعنى قوله تعالى :﴿ لا يخشون أحدا إلا الله ﴾ أنهم لا يخشون أحدا فيما يقضي خشيتهم ترك امتثال أمر الله تعالى وأما خشية الناس حياء فيما عدا ذلك فحسن " فإن الحياء من الإيمان " متفق عليه مرفوعا من حديث ابن عمر وفي الصحيحين عن عمران بن حصين قوله صلى الله عليه وسلم " الحياء خير كله " ٣ وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر "
وفي رواية ابن عباس " فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر " رواه البيهقي في شعب الإيمان وروى مالك عن زيد بن طلحة مرسلا وابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس وابن عباس أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء " ٤ والله أعلم.
وأخرج مسلم وأحمد والنسائي وأبو يعلي وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وذكره البغوي وهذا لفظ البغوي عن أنس أنه قال لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذهب فادكرها علي " فأنطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال زيد فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن انظر إليها حين علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت يا زينب أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك قالت ما أنا بصانعة حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجد ها ونزل القرآن ﴿ فلما قضى زيد منها وطرا ﴾ الآية وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم و دخل عليها بغير إذن فقال لقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أ طعمنا ا لخبز واللحم حتى أمتد النهار فخرج الناس وبقي رجلان يتحدثون في البيت بعد الطعام فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته فجعل يتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويسلمن عليه ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك ؟ فقال ما أدري أنا أخبرت أن القوم قد خرجوا أو أخبروني فأنطلق حتى دخل البيت قال أنس فذهبت أد خل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب قوله تعالى ﴿ فلما قضي زيد منها ﴾ أي من أهله وهي زينب بنت جحش ﴿ وطرا ﴾ أي حاجة بحيث ملها ولم يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها قيل قضاء الوطر كناية عن الطلاق ﴿ زوجناكها ﴾ أي جعلناها زوجتك روى البخاري وأحمد والترمذي والحاكم وابن مردويه وعبد بن حميد والبيهقي في سننه عن أنس أنه قال :" كانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات " ٥ وفي لفظ إن الله تولى نكاحي وأنتن زوجكن أولياؤكن قال البغوي قال الشعبي كانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وسلم إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك إمرأة تدل بهن جدي وجدك واحد وإني أنكحنيك الله في السماء وإن السفير لجبرئيل عليه السلام و وعن أنس قال :" ما أو لم النبي ما أو لم بزينب أولم بشاة " ٦ وعن أنس قال : أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ابتنى بزينب بنت جحش فأشبع المسلمين خبزا ولحما ﴿ لكي لا يكون على المؤمنين حرج ﴾ أي ضيق بالتحريم ﴿ في أزواج أدعيائهم ﴾ جمع دعي وهو المتبني يعني زوجناك زينب امرأة زيد الذي تبنيته ليعلم أن زوجة المتبني حلال وإن كان قد دخل بها المتبني بخلاف امرأة ابن الصلب فإنها لا تحل للأب وفيه د ليل على أن حكم الرسول وحكم الأمة واحد ما لم يقم دليل على تخصيص الحكم بالنبي صلى الله عليه وسلم ﴿ إذا قضوا ﴾ أي الأدعياء ﴿ منهن ﴾ أي من أزواجهم ﴿ وطرا وكان أمر الله ﴾ أي قضاؤه ﴿ مفعولا ﴾ مكونا لا محالة كما كان تزويج زينب.
٢ سورة الأحزاب الآية: ٣٩..
٣ أخرجه مسلم في كتاب: الإيمان باب: بيان عدد شعب الإيمان أفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان (٣٧)..
٤ أخرجه ابن ماجه في كتاب: الزهد باب: الحياء (٤١٨١) وفيه ضعف..
٥ أخرجه البخاري في كتاب: التوحيد باب: ﴿وكان عرشه على الماء﴾ (٧٤٢٠) وأخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن باب: ومن سورة الأحزاب (٣٢١٢)..
٦ أخرجه البخاري في كتاب: النكاح باب: الوليمة ولو بشاة (٥١٦٨) وأخرجه أبو داود في كتاب: الأطعمة باب: في استحباب الوليمة للنكاح (٣٧٣٨)..
بين المرأة التي هواها فكذلك جمع بين محمد صلى الله عليه وسلم وزينب وقيل أشار بالسنة إلى النكاح فإنه سنة الأنبياء وقيل أشار إلى كثرة الأزواج مثل داود وسليمان عليه السلام ﴿ وكان أمر الله قدرا مقدورا ﴾ أي قضاء ماضيا لا محالة.
٢ أخرجه البخاري فيكتب: المناقب باب: خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم (٣٥٣٤) وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل باب: ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين (٢٢٨٦)..
٣ أخرجه البخاري في كتاب: المناقب باب: ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم (٣٥٣٢) وأخرجه مسلم في كتاب: الفضائل باب: في أسمائه صلى الله عليه وسلم (٢٣٥٤)..
٤ أخرجه مسلم في كتاب: الفضائل باب: في أسمائه صلى الله عليه وسلم (٢٣٥٥)..
٢ أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة باب: الالتفات في الصلاة (٩٠٨) وأخرجه النسائي في كتاب: السهو باب: التشديد في الالتفات في الصلاة (١١٨٩)..
٢ سورة التوبة الآية: ١٠٣..
٣ سورة الأنعام الآية: ٥٤..
٢ أخرجه الدارمي في لمقدمة باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب قبل مبعثه (٧)..
٣ أخرجه البخاري في كتاب: البيوع باب: كراهية السخب في السوق (٢١٢٥)..
قلت : أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه وقال أنا متعجب من الشيخين كيف أهملاه وهو على شرطهما وقال أحمد إن علق طلاق الأجنبية بالنكاح ينعقد وإنعلق العتاق بالملك فعن أحمد فيه روايتان وقال مالك إن خص بلدا أو قبيلة أو صنفا أو امرأة وعلق طلاقها بالنكاح ينعقد وأحتج ابن الجوزي لمذهب أحمد بستة أحاديث.
أحدهما : حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم " ليس على رجل طلاق فيما لا يملك ولا عتاق فيما لا يملك ولا بيع فيما لا يملك " ١ رواه ابن الجوزي من طريق أحمد ورواه أصحاب السنن وقال الترمذي هو أحسن شيء روي في هذا الباب ورواه البزار بلفظ " لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك " قال البيهقي في الخلافيات قال البخاري هذا أصح شيء في الباب.
ثانيها : حديث عمرو بن شعيب عن طاوس عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا يجوز طلاق ولا عتاق ولا بيع ولا وفاء نذر فيما لا يملك " رواه الدارقطني وروى الدارقطني من طريق آخر عن إبراهيم أبي إسحاق الضرير عن يزيد بن عياض عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا طلاق إلا بعد نكاح وإن سميت المرأة بعينها " قال الحافظ ابن حجر منقطع ويزيد بن عياض متروك وذكر الذهبي في استيعاب أسماء الرجال قال مالك يزيد بن عياض كذاب وقال يحيي بن معين ضعيف ليس بشيء وقال أحمد بن صالح كان يضع للناس يعني الحديث وقال البخاري ومسلم منكر الحديث وقال أبو داود ترك حديثه وقال النسائي متروك وقال في موضع آخر كذاب.
ثالثها : ما رواه الدارقطني قال حدثنا بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد ابن معدان عن أبي ثعلبة الخشني قال قال لي عم لي أعمل بي عملا حتى أزوجك ابنتي فقلت إن تزوجتها فهي طالق ثلاثا ثم بدا لي أن أتزوجها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فقال لي :" تزوجها فإنه لا طلاق إلا بعد نكاح " فتزوجها فولدت لي أسعد وسعيدا قال الذهبي في الميزان قال النسائي وغيره بقية بن الوليد إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة قال غير واحد كان مدلسا فإذا قال عن فليس بحجة وثور بن يزيد ثقة صحيح الحديث مشهور بالقدر وهذا رواية بقية بلفظ عن وطعن ابن همام على هذا وقال فيه علي بن قرين كذبه أحمد قلت : ما رواه ابن الجوزي ليس من طريق الدارقطني وليس فيه على بن قرين والله أعلم.
رابعها " حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن رجل انه قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق قال :" طلق ما لا يملك " رواه الدارقطني وفيه أبو خالد الوسطي وهو عمرو بن خالد قال الذهبي ضعفه أبو حاتم وقال ابن همام قال احمد وابن معين كذاب ورواه ابن عدي عن نافع عنه بلفظ " لا طلاق إلا بعد نكاح " قال ابن حجر إسناده ثقات.
خامسها : حديث طاووس عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا نذر إلا فيما أطيع الله فيه ولا يمين في قطعة رحم ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك " رواه الدارقطني ورواه الحاكم من طريق آخر وفيه من لا يعرف كذا قال ابن حجر وروى الحاكم عن ابن عباس ما قالها ابن مسعود وإن كان قالها فزلة من عالم في الرجل يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق وقد قال الله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ﴾ ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن وقيل لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا طلاق قبل نكاح " وأصح شيء فيه حديث المنكدر عن طاووس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
سادسها : حديث عائشة قالت :" بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان ابن حرب على نجران اليمن فكان فيما عهد إليه أن لا يطلق الرجل ما لا يتزوج ولا يعتق ما لا يملك " قال ابن حجر قال ابن أبي حاتم في العلل حديث منكر ورواه الحاكم من طريق الحجاج ابن منهال عن هشام الدستوائي عن عروة عن عائشة مرفوعا قال ابن الجوزي وقد روي نحو هذا من حديث علي وجابر ولكنها طرق مجتنبة بمرة قلت أما حديث علي فرواه ابن ماجه عنه يرفعه لا طلاق قبل النكاح وفيه جويبر وهو ضعيف وأما حديث جابر فقد ذكرنا من قبل وفي الباب حديث المسور بن مخرمة أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل الملك "
وجه قول أبي حنيفة أن المعلق بالشرط فإن التعليق بالشرط مانع من أن يكون السبب سببا دون الحكم فقوله إن دخلت الدار فأنت طالق وكذا قوله إن نكحتك فأنت طالق يمين مانع من دخول الدار ومن النكاح الذين هما شرطان لوجود الطلاق فهو مانع من الطلاق فلا يصلح أن يكون سببا موجبا للطلاق لتمانع الوصفين أعني كونه مانعا وكونه سببا لكن له عرضة أن يصير طلاقا عند الحنث وهو وجود الشرط وإذا لم يكن طلاقا فلا يجوز الاحتجاج بالآية والأحاديث الناطقة بنفي الطلاق قبل النكاح وأما حديث ابن عمر وحديث أبي ثعلبة الخشني فلا يصح شيء منهما وقد ذكرنا وجه القدح فيهما فإن قيل إذا لم يكن المعلق بالشرط فما وجه الفرق بين قوله للأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق وإن نكحتك فأنت طالق حيث ينعقد الثاني دون الأول ؟ قلنا : وجه الفرق أن اليمين ما يكون مانعا من الفعل لها بخوف الإثم كما في اليمين بالله تعالى : وإما بخوف الوقوع فيما لا يريد من الطلاق والعتاق أو نحو ذلك ولا شك أن تعليق الطلاق والعتاق بالملك يصلح مانعا من التملك بخلاف تعليق الطلاق والعتاق للأجنبية بدخول الدار حيث لا يصلح أن يكون مانعا لها من دخول الدار فلا يصلح أن يكون يمينا كما لا يصلح أن يكون طلاقا فيلغو قال ابن همام ومذهبنا مروى عن عمرو ابن مسعود وابن عمرو وأخرج ابن أبي شبيه في مصنفه عن سالم والقاسم ابن محمد وعمر بن عبد العزيز والشعبي والنخعي والزهري والأسود وأبي بكر بن عبد الرحمان ومكحول الشامي في رجل قال إن تزوجت فلانة فهي طالق أو لم أتزوجها فهي طالق أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق قالوا هو كما قال وفي لفظ يجوز عليه ذلك وقد نقل مذهبنا أيضا عن سعيد بن المسيب وعطاء وحماد بن أبي سليمان وشريح رحمهم الله وقال الشافعي المعلق بالشرط تطليق والتعليق ليس مانعا من سببية السبب بل هو مانع من الحكم كالبيع بشرط الخيار وحديث أبي ثعلبة الخشني نص فيه مفسر وقد ذكره ابن الجوزي بسنده ولم يتعرض بالطعن عليه وهو متهم في إظهار الحق وقوله صلى الله عليه وسلم :" لا طلاق قبل النكاح " وما في معناه الظاهر أنه منع أو نفي لتعليق الطلاق بالنكاح وأما تنجيز الطلاق قبل النكاح فلا يتصور من عاقل وبطلانه ظاهر فلا يحمل عليه كلام الحكيم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فإنه حينئذ في قوة قول من يقول لا يحب الصلاة على من لم يولد بعد ﴿ من قبل أن تمسوهن ﴾ أي تجامعوهن ﴿ فما لكم عليهن من عدة ﴾ أيام يتربصن فيها ﴿ تعتدونها ﴾ تستوفون عددها هذا حكم أجمع عليه الأمة وفي قوله تعالى :﴿ فما لكم ﴾ دلالة على أن العدة حق الرجال لأنها لصيانة الماء وعدم وقوع الشك في النسب والنسب إلى الرجال ومن هاهنا قال أبو حنيفة إنه إذا طلق ذمي ذمية وكان معتقدهم أنه لا عدة فلا عدة عليها وأما إذا كان معتقدهم وجوب العدة يجب عليها العدة والحربية إذا خرجت إلينا مسلمة فلا عدة عليها وإن تزوجت على الفور جاز نكاحها لأن الحربي يلحق بالجمادات حتى كان محلا للتملك فلا حق له إلا أن تكون حاملا لأن في بطنها ولد ثابت النسب وعن أبي حنيفة أنه يجوز النكاح ولا يطأها كالحبلى من الزنى والأول أصح ﴿ فمتعوهن ﴾ أي أعطوهن ما يستمتعن به قال ابن عباس هذا إذا لم يسم لها صداقا فلها المتعة فإن كان قد فرض لها صداق فلها نصف الصداق ولا متعة لها فالآية على قول ابن عباس مخصوصة وقال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :﴿ فنصف ما فرضتم ﴾ ٢ ومرجع القولين واحد يعني لا متعة وجوبا ولا استجابا لمن طلقت قبل المسيس وقد سمى لها مهرا وقيل هذا أمر ندب فالمتعة لها مستحب مع نصف المهر وروي عن الحسن وسعيد بن جبير أن المتعة لها واجب بهذه الآية ونصف المسمى بما في البقرة وقد ذكرنا في وجوب المتعة واستحبابها ومقدارها في سورة البقرة فلا نعيده ﴿ وسرحوهن ﴾ أي أخرجوهن من بيوتكم وخلوا سبيلهن إذ ليس لكم عليهن من عدة ﴿ سراحا جميلا ﴾ من غير ضرار.
٢ سورة البقرة الآية: ٢٣٧..
أخرج ابن سعد عن أبي رزين قال : هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق من نسائه فلما رأين ذلك جعلنه في حل من أنفسهن يؤثر من يشاء على من يشاء منهن فأنزل الله تعالى :﴿ إنا أحللنا لك أزواجك ﴾ إلى قوله ﴿ ترجي من تشاء منهن ﴾ الآية وقوله تعالى :﴿ خالصة لك من دون المؤمنين ﴾ يدل على أنه كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن ينعقد النكاح في حقه بغير مهر وذلك هو المراد بقوله تعالى : إن وهبت نفسها للنبي يعني إن زوجت نفسها بغير مهر كما أن الزيادة على أربع من النساء كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقيل هذه الآية تدل على أن انعقاد حال نكاح بلفظ الهبة كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز ذلك لغيره قال البغوي وهو قول سعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء وبه قال ربيعة ومالك والشافعي قالوا لا ينعقد النكاح لغير النبي صلى الله عليه وسلم إلا بلفظ النكاح والتزويج قلت وبه قال أحمد وذكر في ترجمة الآية في اختلاف الأئمة قول أحمد أنه ينعقد النكاح بلفظ الهبة مع ذكر المهر وقال أبو حنيفة انعقاد النكاح بلفظ الهبة ليس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم بل يجوز نكاح كل أحد بلفظ الهبة والبيع والصدقة والتمليك وكل لفظ وضع لتمليك العين مؤبدا ولا يجوز بلفظ الإجارة والإعارة وقال الكرخي يجوز بلفظ الإجارة والإعارة أيضا لأن الثابت بهما تمليك المنفعة وذلك في النكاح أيضا وقد أطلق الله سبحانه لفظ الأجرة على المهر حيث قال ﴿ أزواجك التي آتيت أجورهن ﴾ قلنا الإجارة والإعارة ليسا سببين لملك المتعة فلا طريق للاستعارة هناك ولا بلفظ الوصية لأنها توجب الملك مضافا على ما بعد الموت وعن الطحاوي أنه ينعقد لأنه يثبت به ملك الرقبة في الجملة وعن الكرخي أنه قيد الوصية بالحال فإن قال أوصيت لك بنتي هذه الآن ينعقد لأنه صار به مجازا عن التمليك قلنا : الإضافة مأخوذ في مفهوم الوصية وعدمه في النكاح فيتضادان وقال قوم لا ينعقد النكاح إلا بلفظ النكاح أو التزويج في حق النبي صلى الله عليه وسلم أيضا كما لا يصح في حق الأمة لقوله تعالى :﴿ إن أراد النبي أن يستنكحها ﴾ وإنما أطلق لفظ الهبة في الآية على النكاح مجازا.
قال البيضاوي محتجا بهذه الآية على مذهب الشافعي أن اللفظ تابع للمعنى وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى إجماعا وهذا القول غير سديد فإن جواز إطلاق لفظ الهبة في النكاح إنما هو بطريق المجاز ولا وجه لتخصيص التكلم بالمجاز بحضرة الرسالة صلى الله عليه وسلم والنكاح يصلح أن يكون معنى مجازيا للفظ الهبة ولا اختصاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لمعناه المجازي فإن قيل معناه الحقيقي غير مراد في الآية البتة لان المعنى الحقيقي للهبة تمليك العين وهو غير مراد بل المراد تمليك البضع بغير عوض فإذا اختص به معناه المجازي واللفظ تابع للمعنى فلا يجوز لغيره صلى الله عليه وسلم النكاح بلفظ الهبة مجازا قلنا المعنى المجازي للهبة غير منحصر في تمليك البضع بغير عوض بل يجوز أن يطلق لفظ الهبة وأريد به تمليك البضع مطلقا سواء كان بعوض أو بغير عوض وقال ابن همام إنما الكلام في تحقق طريق المجاز فنفاه الشافعي بناء على انتفاء ما يجوز به التجوز إما إجمالا فلأنه لو وجد لصح أن يتجوز بلفظ كل منهما عن الآخر بأن يقال نكحتك هذا الثوب مرادا به وهبتك أو ملكتك وليس فليس وإما تفصيلا فلأن التزويج هو التلفيق وضعا والنكاح الضم ولا ضم ولا ازدوج في المالك والمملوك ولذا يفسد النكاح عند ورود ملك أحد الزوجين على الآخر ولو كان لم ينافه تأكد به ولنا على الشافعي أولا النقص الإجمالي وهو أنه لولا العلاقة المصححة للمجاز بين الهبة والنكاح لما جاز نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة وذلك جائز ولما ثبت العلاقة المصححة للمجاز بينهما وبين النكاح بلا عوض ثبت بينها وبين مطلق النكاح أيضا لوجود الأعم في ضمن الأخص وثانيا أن معنى الحقيقي للهبة تمليك العين وتمليك العين سبب لملك المتعة في محلها بواسطة ملك الرقبة وملك المتعة في محلها هو الثابت بالنكاح والسببية طريق المجاز وأما عدم جواز إستعارة النكاح لتمليك العين فلما ذكر في الأصول أنه لا يجوز استعارة اسم المسبب للسبب عندنا إلا إذا كان المقصود من السبب شرعيته كالبيع لملك الرقبة وليس ملك المتعة الذي هو موجب النكاح هو المقصود من التمليك بل ملك الرقبة وقوله لا ضم ولا ازدواج بين المالك والمملوك ممنوع والله أعلم.
قال البغوي اختلفوا في أنه هل كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له قال ابن عباس ومجاهد لم تكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين وقوله ﴿ إن وهبت نفسها للنبي ﴾ على طريق الشرط والجزاء وقال آخرون كانت عنده منهن قال الشعبي هي زينب بنت خزيمة الأنصارية يقال لها أم المساكين وقال قتادة ميمونة بنت الحارث وقال علي بن الحسين عليهما السلام والضحاك ومقاتل هي أم شريك بنت جابر من بني أسد أخرج ابن سعد وابن أبي شبية وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن علي بن الحسين وابن سعد عن عكرمة أنها أم شريك بنت جابر وقال عروة بن الزبير هي خولة بنت حكيم من بني سليم.
﴿ قد علمنا ما فرضنا ﴾ أي ما أوجبنا ﴿ عليهم ﴾ أي على المؤمنين ﴿ في أزواجهم ﴾ من شرائط النكاح ووجوب القسم والمهر بالوطيء حيث لم يسم وأن لا يتزوجوا أكثر من أربع ﴿ وما ملكت أيمانكم ﴾ بالشراء وغيره بأن يكون الأمة ممن تحل لمالكها كالكتابية بخلاف المجوسية والوثنية وأن يستبرأ قبل الوطىء وما وسع الله الأمر فيهن في العدد وعدم وجوب القسم والجملة معترضة ﴿ لكيلا يكون عليك حرج ﴾ متعلقة بقوله خالصة ﴿ وكان الله غفورا ﴾ لما يعسر التحرز عنه ﴿ رحيما ﴾ بالتوسعة في رمضان الحرج.
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن باب: ومن سورة الأحزاب (٣٢١٣)..
٣ أخرجه البخاري في كتاب: الإيمان باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (١٠).
قال البغوي : واختلفوا في أنه هل أخرج أحدا منهن عن القسم فقال بعضهم لم يخرج أحدا بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما جعل الله له من ذلك يسوي بينهن في القسمة إلا سودة فإنها رضيت بترك حقها من القسم وجعل يومها لعائشة وقيل أخرج بعضهن.
روى ابن جرير عن منصور أبي رزين قال لما نزل التخيير أشفقن أن يطلقهن فقلن يا رسول الله أجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا فنزلت هذه الآية ﴿ يرجى من تشاء منهن ﴾ فأرجى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهن وآوى إليه بعضهن وكان ممن آوى إليه عائشة وحفصة وزينت وأم سلمة فكان يقسم بينهن سواء وأرجى منهن خمسا أم حبيبة وسودة وصفية وميمونة وجويرية وكان يقسم لهن ما يشاء. روى البخاري عن معاذ عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد ان أنزلت هذه الآية ﴿ ترجى من تشاء ﴾ الآية فقلت لها ما كنت تقولين قالت كنت أقول له إن كان ذاك إلي فإني لا أريد يا رسول الله أن أوثر عليك أحدا " ٢ وقال مجاهد معناه ترجى من تشاء منهن يعني تعزل منهن من تشاء بغير طلاق وترد إليك من تشاء بعد العزل بلا تجديد عقد وقيل معناه تطلق منهن من تشاء وتمسك منهن من تشاء وقال الحسن معناه تترك نكاح من شئت وتنكح من تشاء من نساء أمتك وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لغيره أن يخطبها حتى يتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل معناه تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي وهبن أنفسهن لك فتؤويها إليها وتترك من تشاء فلا تقبل.
روى البغوي عن هشام عن أبيه قال كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة أما تستحي امرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت هذه الآية ﴿ ترجي من تشاء منهن ﴾ فقلت : يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك ﴿ ومن ابتغيت ممن عزلت ﴾ أي طلبت وأردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتهن عن أنفسهن ﴿ فلا جناح ﴾ أي لا إثم ﴿ عليك ﴾ في شيء من ذلك﴿ ذلك ﴾ التفويض إلى مشيئتك ﴿ أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن ﴾ أي أقرب على قرة أعينهن وعدم حزنهن ورضائهن جميعهن لان حكم كلهن فيه سواء ثم من أويت منهن إليك وجدت ذلك تفضلا ومن عزلت منهن علمت أنه بحكم الله وعلمت منك تفضلا أيضا حيث أبقيت في نكاحك من غير حاجة منك إليه ﴿ والله يعلم ما في قلوبكم ﴾ فاجتهدوا في إحسانه وفيه وعيد لمن لم ترض منهن بمشيئة رسول الله صلى الله وسلم وقيل معناه الله يعلم ما في قلوبكم من أمر النساء والميل إلى بعضهن وإنما خيرناك فيهن تيسيرا لك ﴿ وكان الله عليما ﴾ بذات الصدور ﴿ حليما ﴾ لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بأن يتقي
٢ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير باب: قوله: ﴿ترجى من تشاء منهن﴾ (٤٧٨٩)..
مسألة :
قال البغوي في الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوا إلى نكاحها فليفعل " ٢ رواه أبو داود وعن المغيرة بن شعبة قال خطبت امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل نظرت إليها ؟ قلت : لا قال :" فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " ٣ رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وعن أبي هريرة أن رجلا أراد ان يتزوج امرأة من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيء " ٤ رواه مسلم قال الحميدي فإن في أعينهن صفرة والله أعلم.
٢ أخرجه أبو داود في كتاب: النكاح باب: في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها (٢٠٨٣)..
٣ أخرجه الترمذي في كتاب: النكاح باب: ما جاء في النظر إلى المخطوبة (١٠٨١) وأخرجه النسائي في كتاب: النكاح باب: إباحة النظر قبل التزويج (٣٢٢٦) وأخرجه ابن ماجه في كتاب: النكاح باب: النظر إلى المرأة إذا أراد ان يتزوجها (١٨٦٥)..
٤ أخرجه مسلم في كتاب: النكاح باب: نذب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها (١٤٢٤).
وأخرج الطبراني بسند صحيح عن عائشة قالت :" كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم في قعب فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت أصبعه فقال أوه لو أطاع فيكن ما رأتكم عين فنزلت آية الحجاب " وكذا أخرج البخاري في الأدب المفرد والنسائي وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فأطال الجلوس فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ليخرج فلم يفعل فدخل عمر فرأى الكراهية في وجهه فقال للرجل لعلك آذيت النبي صلى الله عليه وسلم ؟فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قمت ثلاثا لكن يتبعني فلم يفعل فقال له عمر يا رسول الله لو اتخذت حجابا فإن نساءك لسن كسائر النساء وذلك أطهر لقلوبهم فنزلت آية الحجاب وقد مر في سورة البقرة ما رواه البخاري وغيره عن عمر قال : وافقت ربي في ثلاث لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت ﴿ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ﴾ وقلت يا رسول الله إن نسائك يدخلن عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب وأجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه من الغيرة لهن عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك وكذا أخرج النسائي من رواية أنس وذكر البغوي نحوه عن ابن عباس وقال البغوي وقد صح في سبب نزول آية الحجاب أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن على المصانع وهو صعيد أفيح وكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم أحجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعة ذات ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فنادها عمر أن قد عرفناك على أن ينزل الحجاب فأنزل الله تعالى الحجاب قال الحافظ ابن حجر يمكن الجمع بأن ذلك وقع قبيل قصة زينب فلقربه منها أطلق ونزول الآية بهذا السبب ولا مانع من تعدد السبب ﴿ إلا أن يؤذن لكم ﴾ إستثناء مفرغ منصوب على الظرف أو على المصدر أو على الحال يعني لا تدخلوا في وقت إلا وقت أن يؤذن لكم أو لا تدخلوا دخولا إلا دخولا مأذونا لكم أو لا تدخلوا في حال إلا حال أن يؤذن لكم ﴿ إلى طعام ﴾ متعلق بيؤذن لتضمنه معنى يدعي وفيه إشعار بأنه لا يحسن الدخول على الطعام من غير دعوة وإن أذن كما هو إشعار في قوله تعالى :﴿ غير ناظرين إناه ﴾ أي غير منتظرين وقت نضجه حال من فاعل لا تدخلوا أو المجرور في لكم داخل في الاستثناء أي لا تدخلوا إلا بإذن وإلا غير ناظرين وهذا الاستثناء مختص بمن أراد الدخول لأجل الطعام لا مطلقا أمال حمزة والكسائي إناه فهو حينئذ مصدر أني الطعام إذا أدرك يقال إني الحميم إذا انتهى حره وإني أن يفعل كذا أي حان وقال البغوي إني بكسر الهمزة مقصورة فإذا فتحتها مددت وقلت الآناء وفيه لغتان آني مثل رمي يرمي وأن يأبن مثل باع يبيع وفي القاموس إني الشيء يأني أينا وإناء بالكسر فهو إني كغنى حان وأدرك وإني الحميم انتهى حره فهو آن وبلغ وهذا أناه يعني بالفتح وبكسر يعني بلغ غايته أو نضجه أو إدركه ﴿ ولكن إذا دعيتم فأدخلوا فإذا طعمتم ﴾ ويعني أكلتم الطعام ﴿ فانتشروا ﴾ يعني تفرقوا وأخرجوا من منزله ولا تمكثوا بعد الأكل ﴿ ولا مستأنسين لحديث ﴾ مجرور معطوف على ناظرين أو منصوب أي لا تدخلوها مستأنسين وقيل تقديره ولا تمكثوا مستأنسين فهو عطف جملة على جملة نهوا أن يطيلوا الجلوس يستأنس يعضهم ببعض لأجل حديث يحدثه به ﴿ إن ذلكم ﴾ اللبث ﴿ كان يؤذي النبي ﴾ لتضيق المنزل عليه وعلى أهله واشتغاله بما لا يعنيه تعليل لما سبق ﴿ فيستحي منكم ﴾ ولا يخرجكم عطف على الجملة الإسمية السابقة ﴿ والله لا يستحي من الحق ﴾ عطف أو حال أو معترضة أي لا يترك الله تأديبكم حياء فإن التأديب حق وقال البيضاوي يعني إخراجكم حق فينبغي أن لا يترك حياء كما لا يترك الله الحق فيأمركم بالخروج ﴿ وإذا سألتموهن ﴾ أي نساء النبي صلى الله عليه وسلم لدلالة بيوت النبي عليهن لان فيها نساؤه ﴿ متاعا ﴾ أي شيئا ينتفع به إستعارة أو إستهابا أو رد للعارية ﴿ فسألوهن ﴾ المتاع ﴿ من وراء حجاب ﴾ أي الستر الجملة الشرطية معطوفة على قوله ﴿ لا تدخلوا بيوت النبي ﴾ قال البغوي فبعد
آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم منتقبة كانت أو غير منتقبة ﴿ ذلكم ﴾ أي السؤال من وراء الحجاب ﴿ أطهر لقلوبكم وقلوبهن ﴾ من الخواطر الشيطانية الجملة تعليل لما سبق.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا يقول لو توفي النبي صلى الله عليه وسلم تزوجت فلانة من بعده فنزلت ﴿ وما كان ﴾ أي ما صح ﴿ لكم أن تؤذوا رسول الله ﴾ أي تفعلوا ما يكرهه ﴿ ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده ﴾ أي من بعد وفاته أو فراقة ﴿ أبدا ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعده قال سفيان ذكر أنها عائشة وأخرج عن السدي قال بلغنا أن طلحة بن عبيد الله قال أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا لئن حدث حدث لنتزوجن نساءه من بعده فأنزلت هذه الآية وأخرج ابن سعد عن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم قال نزلت في طلحة بن عبيد الله لأنه قال إذا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة وأخرج جويبر عن ابن عباس أن رجلا أتى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكلمها وهو ابن عمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا فقال يا رسول الله إنها ابنة عمي والله قلت لها منكرا ولا قالت لي قال النبي صلى الله عليه وسلم قد عرفت ذلك إنه ليس أحد أغير من الله وإنه ليس أحد أغير مني فمضى فقال يمنعني من كلام ابنة عمي لأتزوجها من بعده فأنزل الله تعالى هذه الآية قال ابن عباس فأعتق ذلك الرجل رقبة وحمل عشرة أبعرة في سبيل الله وحج ماشيا توبة من كلمته قال البغوي روى معمر عن الزهري أن العالية بنت ظبيان التي طلقها النبي صلى الله عليه وسلم تزوجت رجلا وولدت له وذلك قبل تحريم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم روي أن الأشعث بن قيس تزوج المستعيذة في أيام عمر رضي الله عنه فهم عمر برجمها فأخبر أنه صلى الله عليه وسلم فارقها قبل أن يمسها فتركه من غير نكير ﴿ إن ذلكم كان عند الله عظيما ﴾ أي ذنبا عظيما قلت وجاز أن يكون ذلك لأجل أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره ولذلك لم يورث ولم يتئم أزواجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا أبلغته " رواه البيهقي في شعب الإيمان.
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن باب: ومن سورة الأحزاب (٣٢١٨)..
روى البخاري عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت :" استأذن أفلح أخ أبي القعيس بعدما أنزل الحجاب فقلت لا آذن حتى أ ستأذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أخاه أبا القعيس ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله : إن أفلح أخ أبي القعيس استأذن فأبيت أن أذن له حتى أستأذنك فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" تأذنين عمك ؟ فقلت يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس فقال ائذني له فإنه عمك تربت يمينك " قال عروة فلذلك كانت عائشة تقول حرموا من الرضاع ما تحرموا من النسب ١ ﴿ ولا نسائهن ﴾ يعني مؤمنات حرائر ﴿ ولا ما ملكت أيمانهن ﴾من العبيد والإماء وقيل من الإماء خاصة كما ذكرنا في سورة النور ﴿ واتقين الله ﴾ هذه الجملة معطوفة على مضمون ﴿ لا جناح عليهن ﴾ يعني واتقين الله في البروز للأجانب وفي كل ما أمرتن به وفيه إلتفات من الغيبة إلى الخطاب لمزيد التأكيد ﴿ إن الله كان على كل شيء ﴾ من أفعال العباد شهيدا } فيجازي عليه.
.
وقال الحافظ ابن حجر أقوى من هذا الحديث حديث فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" عجل هذا " ثم دعاه ثم قال له ولغيره " إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم قال ولفظ الترمذي " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال اللهم إغفر لي وأرحمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" عجلت أيها المصلي إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصل علي ثم ادعه " قال ثم صلى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" أيها المصلي أدع تجب " ١ رواه الترمذي وروى أبو داود والنسائي نحوه قلت : ويمكن الاستدلال على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بعد التشهد بأن المراد بالأمر في هذه الآية أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة كما إن المراد بقوله تعالى :﴿ وربك فكبر٣ ﴾ ٢ تكبير التحريمة وبقوله تعالى :﴿ وقوموا لله قانتين ﴾٣ وقوله تعالى ﴿ واركعوا وأسجدوا ﴾ والقيام والركوع والسجود في الصلاة وبقوله تعالى :﴿ فاقرأوا ما تيسر من القرآن ﴾٤ القراءة في الصلاة يدل على هذا ما رواه البخاري عن كعب بن عجرة وكذا في حديث أبي سعيد الخدري : قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفنا فكيف الصلاة ؟ قال قولوا اللهم صل على محمد إلى آخره " ٥ يعني قد عرفنا السلام في التشهد وهو قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فكيف نصلي حينئذ فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ٦ بقوله :" اللهم صل على محمد " إلى آخره وقد تلقته الأمة بالقبول وأجمعوا على جعلها بعد التشهد وإن اختلفوا في كونها فريضة فعلم بهذا الحديث أن مراد الله سبحانه بالأمر في هذه الآية جعلها بعد التشهد والله أعلم.
واستدل من يقول بوجوب الصلاة كلما جرى ذكره صلى الله عليه وسلم بحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ورغم أنف رجل دخل علي رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر أو أحداهما فلم يدخلاه الجنة " ٧ رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه وحديث جابر بن سمرة عنه صلى الله عليه وسلم " من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله عز وجل " وحديث ابن عباس مرفوعا بلفظ :" أتاني جبرئيل من ذكرت عنده فلم يصل عليك فدخل النار فأبعده الله عز وجل " روى الحديثين الطبراني وروى ابن السني عن جابر مرفوعا بلفظ من ذكرت عنده فلم يصل على فقد شقي " وعن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي " رواه الترمذي ورواه أحمد عن الحسين ابن علي رضي الله عنهما وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب وروى الطبراني بسند حسن عن الحسين بن علي رضي الله عنهما مرفوعا " من ذكرت عنده فخطى الصلاة علي خطى طريق الجنة " وروى النسائي بسند صحيح عن أنس " من ذكرت عنده فليصل علي فإنه من صلى علي صلى الله عليه وسلم عشرا ".
فصل
في فضل الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وكيفيتها : عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فقلت بلى فأهدها لي فقال :" سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليك ؟ قال :" قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " ٨ متفق عليه إلا أن مسلما لم يذكر على إبراهيم في الموضعين وعن أبي حميد الساعدي قال قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " متفق عليه وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا " رواه مسلم وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات " ٩ رواه أحمد والبخاري في الأدب والنسائي والحاكم وصححه وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم صلاة " ١٠ رواه الترمذي وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام " ١١ رواه النسائي والدارمي وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " ١٢ رواه أبو داود والبيهقي في الدعوات الكبير وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم يبلغني حيث كنتم " ١٣ وعن أبي طلحة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر في وجهه فقال :" إنه جاءني جبرئيل فقال إن ربك يقول أما يرضيك يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحدا من أمتك إلا سلمت عليه عشرا " ١٤ رواه النسائي والدارمي.
وعن أبي بن كعب قال قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال ما شئت قال الربع ؟ قال ما شئت وإن زدت فهو خير لك قلت النصف ؟ قال ما شئت وإن زدت فهو خير لك قلت فالثلثين ؟ قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت أجعل لك صلاتي كلها قال :" إذا تكفى هماك ويكفر لك ذنبك " ١٥ رواه الترمذي وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صل على محمد النبي صلى الله عليه وسلم الأمي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد " ١٦ رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال :" من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين صلاة " رواه احمد وعن رويفع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من صلى على محمد وقال : اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي " رواه أحمد وعن عبد الرحمن ابن عوف قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود حتى خشيت أن يكون الله توفاه قال فجئت أنظر فرفع رأسه فقال مالك ؟ فذكرت ذلك له قال فقال :" إن جبرئيل عليه السلام قال لي ألا أبشرك أن الله عز وجل يقول لك من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه : رواه أحمد وعن عمر بن الخطاب قال عن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك : رواه الترمذي وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي فليقلل العبد من ذلك أو ليكثر " رواه البغوي وعن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى علي صلاة كتب له قيراط والقيراط مثل أحد " رواه عبد الرازق في الجامع بسند حسن وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من صلى علي حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة " رواه الطبراني في الكبير بسند حسن.
مسألة
هل يجوز الصلاة والسلام على غير الأنبياء والصحيح أنه يجوز تبعا ويكره استقلالا كما يكره أن يقال محمد عز وجل مع كونه عزيزا جليلا لاختصاصه بالأنبياء عرفا كاختصاص ذلك بالله تعالى وقد ذكرنا هذه المسألة مبسوطا في سورة التوبة في تفسير قوله تعالى :﴿ وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ﴾ ١٧.
٢ سورة المدثر الآية: ٣..
٣ سورة البقرة: الآية: ٢٣٨..
٤ سورة الحج الآية: ٧٧..
٥ سورة المزمل الآية: ٢٠..
٦ أخرجه البخاري في كتاب: أحاديث الأنبياء باب: ﴿يزفون﴾ (٣٣٦٩)..
٧ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات باب: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجل (٣٥٤٥)..
٨ أخرجه البخاري في كتاب: الدعوات باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (٦٣٥٧) وأخرجه مسلم في كتاب: الصلاة باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد (٤٠٥)..
٩ أخرجه الترمذي في كتاب: السهو باب: الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (١٢٩٠)..
١٠ أخرجه الترمذي في كتابك الوتر باب: ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (٤٨٠)..
١١ أخرجه النسائي في كتاب: السهو باب: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم (١٢٧٥).
١٢ أخرجه أبو داود في كتاب: المناسك باب: زيارة القبور (٢٠٤١)..
١٣ أخرجه أبو داود في كتاب: المناسك باب: زيارة القبور (٢٠٤٢)..
١٤ أخرجه النسائي في كتاب: السهو باب: فضل التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم (١٢٧٦)..
١٥ أخرجه الترمذي في كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع (٢٤٥٧)..
١٦ أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد (٩٨١)..
١٧ سورة التوبة الآية: ١٠٣..
مسألة
من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعن في شخصه أو دينه أو نسبه أو صفة من صفاته أو بوجه من وجوه الشين فيه صراحة أو كناية أو تعريضا أو إشارة كفر ولعنه الله في الدنيا والآخرة وأعد له عذاب جهنم وهل يقبل توبته ؟ قال ابن همام كل من أبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلبه كان مرتدا فالسباب بالطريق الأولى ويقتل عندنا حدا فلا تقبل توبته في إسقاط القتل قالوا هذا مذهب أهل الكوفة ومالك ونقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولا فرق بين أن يجيء تائبا بنفسه أو شهدوا عليه بذلك بخلاف غيره من موجبات الكفر فإن الإنكار فيها توبة ولا تعمل الشهادة معه حتى بقتل أن سب سكران ولا يعفى عنه ولابد من تقييده بما إذا كان سكره بسبب محظور باشره باختياره بلا إكراه وإلا فهو كالمجنون وقال الخطابي لا أعلم أحدا خالف في وجوب قتله وأما قتله في حق من حقوق الله تعالى فتعمل توبته في إسقاط قتله ولا يحكم بارتداد من أتى بكلمة الكفر سكران في غير سباب النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان السكر بسبب محظور باشره باختياره بلا إكراه.
٢ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير باب: ﴿وما يهلكنا إلا الدهر﴾ (٤٨٢٦) واخرجه مسلم في كتاب: الألفاظ من الأدب وغيرها بابك النهي عن سبب الدهر (٢٢٤٦)..
٣ أخرجه البخاري في كتاب: اللباس باب: نقض الصور (٥٩٥٤) وأخرجه مسلم في كتاب: اللباس والزينة باب: تحريم تصوير صورة الحيوان (٢١١١)..
٤ أخرجه البخاري في كتاب: البيوع بابك بيع التصاوير التي بيس فيها روح وما يكره من ذلك (٢٢٢٥)..
٥ أخرج البخاري بنحوه في كتاب الرقاق باب: التواضع (٦٥٠٢)..
٦ أخرجه مسلم في كتابك البر والصلة والآداب باب: فضل عيادة المريض (٢٥٦٩)..
٧ سورة يوسف الآية: ٨٢..
وقال الضحاك والكلبي نزلت الآية في شأن الزناة الذين يمشون في طرق المدينة وهم المنافقون يتبعون النساء إذا برزن في الليل لقضاء حوائجهن فيغمزون المرأة فإن سكتت اتبعوها وإن زجرتهم انتهوا عنها ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة لأن زي الكل كان واحد يخرجن في درع وخمار الحرة والأمة فشكون ذلك إلى أزواجهن فذكروها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية ثم نهين الحرائر أن يتشبهن بالإماء في الآية اللاحقة والله أعلم.
٢ أخرجه البخاري في كتاب: المغازي باب: عمرة القضاء (٤٢٥١)..
٣ أخرجه الترمذي في كتاب: المتاقب باب: في من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (٣٨٧١)..
روى البخاري عن عبد الله رضي الله عنه قال :" قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسما فقال رجل إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه فقال :" يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر " ٢ ﴿ وكان ﴾ موسى ﴿ عند الله وجيها ﴾ أي كريما ذا جاه يقال وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه إذا كان ذو جاه وقدر قال ابن عباس كان عند الله بحيث لا يسأل شيئا إلا أعطاه وكذا قال الحسن وقيل كان مجيبا مقبولا
٢ أخرجه البخاري في كتاب: فرض الخمس باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه (٣١٥٠) وأخرجه مسلم في كتاب: الزكاة باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام (١٠٦٢)..
قال البيضاوي لعل المراد بالأمانة العقل أو التكليف ومن فوائد العقل أن يكون مهيمنا على القوتين حافظا لهما عن التعدي ومجاوزة الحدود الشرعية ومعظم مقصود التكليف تعديلها وكسر شوكتها وأيضا قال البيضاوي هذه الآية تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة وسماها أمانة من حيث أنها واجبة الأداء والمعنى أنها لعظم شأنها بحيث لو عرضت على الأجرام العظام وكانت ذات شعور وإدراك لأبت أن تحملها وأشفقت منها وحملها الإنسان مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فاز الراعي بها والقائم بحقوقها بخير الدارين قلت ونظيره قوله تعالى :﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ٢١ ﴾٢ فهذه الآية على هذا التأويل كأنه مثل ضرب وهذان القولان يعني قول من ارتكب التجوز في لفظ السماوات ونحوها وقول من ارتكب التجوز في العرض والخطاب مبنيان على استبعاد الخطاب مع الجمادات فقال بعضهم في دفع هذا الاستبعاد أنه تعالى لما خلق هذه الأجرام خلق فيها فهما وقال إني فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني ونارا لمن عصاني فقلن نحن مسخرات على ما خلقنا لا نحتمل فريضة ولا نبغي ثوابا ولما خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فتحمله وكان ظلوما لنفسه بتحمله ما يشق عليه جهولا لو خامة عاقبته أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وفيه فكان بين أن تحملها إلى أن أخرج من الجنة قدر ما بين الظهر والعصر.
وقيل في دفع الاستبعاد : إن الجمادات كلها وإن كانت غير عاقلة بالنسبة إلينا لكنها بالنسبة إلى الله تعالى عاقلة خاضعة مطيعة ساجدة له قال الله تعالى : للسماوات والأرض ﴿ ائتنا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ﴾٣ وقال الله تعالى :﴿ وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يهبط من خشية الله ﴾٤ وقال الله تعالى :﴿ ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ﴾ ٥ قيل المراد بالإنسان في قوله تعالى :﴿ وحملها الإنسان ﴾ آدم عليه السلام قال الله تعالى لآدم إني عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها قال وأنت آخذ بما فيها قال يا رب وما فيها قال إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت فحملها آدم فقال بين أذني وعاتقي فقال الله تعالى إذا قبلت فسأعينك وأجعل لبصرك حجابا فإذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل فضع عليه حجابه وأجعل للسانك كحيين وغالقا فإذا خشيت فأغلق وأجعل لفرجك لباسا فلا تكشف على ما حرمت عليك قال مجاهد فما كان بين أن حملها وبين ما خرج من الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصر قلت : لعل الحكمة في إخراجه من الجنة بعد حمل الأمانة أن الجنة ليست محلا لأداء الأمانة بل هي محل للثواب على أدائها فأخرج إلى الدنيا التي هي مزرعة الآخرة لأداء الأمانة قال البغوي حكي النقاش بإسناده عن ابن مسعود أنه مثلت الأمانة كصخرة ملقاة ودعيت السماوات والأرض والجبال إليها فلم يقربن منها وقلن لا نطيق حملها وجاء آدم من غير أن دعي وحرك الصخر وقال لو أمرت بحملها لحملتها فقال له احملها فحملها على ركبتيه ثم وضعها وقال والله إن أردت أن أزداد لزدت فقلن له أحمل فحملها حتى وضعها على عاتقه فأراد أن يضعها فقال الله تعالى مكانك فإنما هي في عنقك وعنق ذريتك إلى يوم القيامة وذكر الزجاج وغيره من أهل المعاني المراد بالأمانة الطاعة التي يعم الطبيعية والاختيارية وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من الاختيار وإرادة صدوره من غيره وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها ومنه قولهم حامل لأمانة ومحتملها لمن لا يؤديها فيبرأ ذمته فيكون الإباء عنه إتيانها بما يمكن أن يتأتى والظلم والجهالة للخيانة والتقصير قال الله تعالى :﴿ ويحملون أثقالهم ﴾٦ وحكي عن الحسن على هذا التأويل أنه قال وحملها الإنسان ويعني الكافر والمنافق حملا الأمانة أي خانا قال البغوي قال السلف هو الأول قلت ولما كان مقتضي سياق الآية اختصاص الإنسان بحمل الأمانة دون غيره من المخلوقات فالقول بأن الأمانة هي التكليفات الشرعية غير مناسب لاشتراك الجن والملائكة فيها ويلزم منه فضل الملائكة على الإنسان لأدائهم الأمانة بكمالها لعصمتهم ﴿ يسبحون الليل والنهار لا يفترون٢٠ ﴾ ٧ بخلاف الإنسان لان منهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ومن ثم قالت الصوفية العلية المراد بالأمانة نور العقل ونار العشق فنور العقل يحصل به معرفة الله سبحانه بالاستدلال ونار العشق يحصل بها معرفة الله سبحانه بحرق الحجب والملائكة وإن كانوا عباد الله المقربين لكنهم مخلوقين في مقام معلوم من القرب والعرفان قال الله تعالى حكاية عنهم ﴿ وما منا إلا له مقام معلوم ﴾٨ فالترقي إلى المراتب الغير المتناهية بنار العشق إنما هو من خصائص الإنسان وعندي على ما استفدت من كلام المجدد للألف الثاني رضي الله عنه أن الأمانة ما أودع الله سبحانه في ماهية الإنسان من الاستعداد للتجليات الذاتية الدائمة فإن الجن وإن كان بعد الإيمان والإتيان بالأعمال الصالحة يلحق بالملائكة وتستعد للتجليات الصفاتية لكن التجلي الذاتي لا يتحملها من لا مزاح له من الأرض وهذا الاستعداد هو المستوجب للخلافة وهذا العلم هو المعنى بقوله تعالى للملائكة في حق آدم عليه السلام ﴿ إني أعلم ما لا تعلمون ﴾٩ يعني اعلموا أن التجلي الذاتي لا يتحملها من لا مزاح له من الأرض وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ إنه كان ظلوما ﴾ يعني مركبا للقوي السبعية الداعية إلى التفوق والتعلي المقتضية للترقيات إلى أعلى الشواهق ﴿ جهولا ﴾ مركبا للقوى البهيمية التي يطيق بها صاحبها تحمل رياضات ومشاق لا بد منها للعاشق في طلب وصل المحبوب فهو تعليل ومنقبة له وتلك القوتين جميعا ناشئتان من الأرض فإن مادة الأرض لكمال كثافة يتحمل التجلي الذاتي كما أن الأجرام الأرضية لكثافتها تتنور بنور الشمس دون الأجرام اللطيفة والملائكة المقربون منحصرون في مقاماتهم وولاياتهم وإن كانت ولا يتهم فوق ولاية الأنبياء لكونها مستفادة من الصفات من حيث البطون أعني من حيث قيامها بذات الله سبحانه وولاية الأنبياء من الصفات من حيث الظهور أعني من حيث هي لا من حيث قيامها بالذات ومن هذه الاعتبارات هي مبادئ لمبادي تعينات العالم لكن لاحظ للملائكة من التجلي الذاتي الذي هي كمالات النبوة ولأجل ذلك اختص النبوة بنوع البشر دون غيرهم وصار خواص البشر أي الأنبياء أفضل من خواص الملائكة وصارت الجنة للبشر والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ومن قال إن المراد بالأمانة التكليفات الشرعية وبتحملها قبولها بالاختيار فمعنى هذه الجملة عندهم أنه كان ظلوما لنفسه بتحمله ما يشق عليه جهولا بوخامة عاقبته وما يلحقه العذاب بترك أدائه وليس فيه مذمة للإنسان بل هي بيان للواقع وقال البيضاوي حين قال هذه الآية تقرير للوعد السابق ما معناه أن الأمانة مع عظم شأنها بحيث لا يطيق حملها الأجرام العظام لو فرضت ذات شعور وحملها الإنسان مع ضعف بنيته فاز الراعي لها بخير الدارين أن قوله :﴿ إنه كان ظلوما ﴾ حيث لم يف بها ولم يراع حقها جهولا بكنه عاقبتها وصف للجنس باعتبار الأعم الأغلب وقال صاحب بحر المواج معناه أن الإنسان كان ظلوما حيث زعم نفسه قادرا على أداء ما أشفقت عنه السماوات وأمثالها ثم لم يؤدها جهولا لعجزه عن أدائها وهذا التأويل ليس عندي بمرض لأن تحمل الأمانة كان من آدم عليه السلام وهو المراد بالإنسان وهو كان نبيا معصوما قد أدى ما حمل عليه وضمير أنه راجع إلى من حمل وقالت الصوفية معنى الآية أنه أي الإنسان باعتبار أكثر أفراده كان ظلوما على نفسه حيث ضيع استعداده للمعرفة والتجليات الإلهية الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها جهولا يحسن ما فات عنه وقبح ما اكتسبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " ١٠ الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة قلت : لما سمعت أن الظلم كناية عن القوة السبعية والجهل عن القوة البهيمية وحسن القوتين وقبحهما ليس إلا بحسب متعلقهما ومصرفهما ألا ترى أن القوة السبعية إن صرفت لدفع أعداء الدين من الشيطان وأمثاله وكسب التفوق والتعلي إلى مدارج القرب كانت حسنة ﴿ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص٤ ﴾ ١١وأن الله يحب معالي الهمم وإن صرفت في قهر المعصومين والتكبر والتعلي في مقابله رب العالمين كانت قبيحة ﴿ ألا لعنة الله على الظالمين ﴾١٢ ﴿ وإن الله لا يحب كل مختال فخور ﴾١٣ وكذا القوة البهيمية إن صرفت في كسب السعادة كانت حسنة وإن صرفت في كسب اللذات كانت قبيحة ﴿ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ﴾١٤ ولا شك أن حسن تعلقهما موقوف على تزكية النفس والقلب والعناصر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن في جسد بني آدم لمضغة إذا صلحت
٢ سورة الحشر الآية: ٢١..
٣ سورة فصلت الآية: ١١..
٤ سورة البقرة الآية: ٧٤..
٥ سورة الحج الآية: ١٨..
٦ الآية هي: ﴿وليحملن أثقالهم﴾ سورة العنكبوت: الآية: ١٣..
٧ سورة الأنبياء الآية: ٢٠..
٨ سورة الصافات الآية: ١٦٤..
٩ سورة البقرة الآية: ٣٠..
١٠ أخرجه البخاري في كتاب: الجنائز باب: ما قيل في أولاد المشركين ((١٣٨٥) وأخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب باب: معنى كل مولود يولد على الفطرة (٢٦٥٨)..
١١ سورة الصف الآية: ٤..
١٢ سورة هود الآية: ١٨..
١٣ سورة لقمان الآية: ١٨..
١٤ سورة البقرة الآية: ٢٨٦..