تفسير سورة الطلاق

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
أهداف سورة الطلاق
( سورة الطلاق مدنية، وآياتها ١٢ آية، نزلت بعد سورة الإنسان )
العناية بالأسرة :
عني الإسلام بنظام الأسرة، ودعا إلى تدعيم روابط المحبة والمودة بين الزوجين، وجعل الألفة بينهما آية من آيات الله.
قال تعالى :﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة... ﴾ ( الروم : ٢١ ).
وقد حفل القرآن الكريم بشأن العلاقات الزوجية والعائلية، فحرص على سلامة الأسرة وتأكيد مودة الأبناء للآباء، ورعاية الآباء للأبناء، ثم حث الزوج على إحسان معاملة زوجته، والتسامح معها والصفح عن بعض هفواتها، وعدم التسرع في طلاقها، فلعل البغيض يصبح حبيبا، ولعل الله أن يرزق الزوجين ثمرة تقوى الروابط المشتركة بينهما.
قال تعالى :﴿ وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ﴾. ( النساء : ١٩ ).
إن الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها، إنما ينظمها ويطهرها، ويرفعها عن المستوى الحيواني، ويرقيها حتى تصبح هي المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية، ويقيم العلاقات الجنسية على أساس من المشاعر الإنسانية الراقية، التي تجعل من التقاء جسدين التقاء نفسين وقلبين وروحين، وبتعبير شامل التقاء إنسانين تربط بينهما حياة مشتركة، وآمال مشتركة، وآلام مشتركة، ومستقبل مشترك، يلتقي في الذرية المرتقبة، ويتقابل في الجيل الجديد الذي ينشأ في العش المشترك، الذي يقوم عليه الوالدان حارسين لا يفترقان ". i
وقد حظيت تشريعات الأسرة بعناية القرآن والسنة، والفقه الإسلامي والدراسات الإسلامية.
وندرك من روح الدين الإسلامي ومن تشريعاته رغبته في استقرار الأسرة، واستمرار الرابطة الزوجية.
" وقد أحاط الإسلام رابطة الزوجية بكل الضمانات التي تكفل استقرارها واستمرارها، وفي سبيل هذه الغاية يرفعها إلى مرتبة الطاعات، ويعين على قيامها بمال الدولة للفقراء والفقيرات، ويفرض الآداب التي تمنع التبرج والفتنة كي تستقر العواطف، ولا تلتفت القلوب إلى هتاف المتبرجة، ويفرض حدّ الزنا وحدّ القذف، ويجعل للبيوت حرمتها بالاستئذان عليها، والاستئذان بين أهلها في داخلها " ii
وفي كتب السنة الصحاح حشد رائع من الأحاديث النبوية الشريفة تتضمن التوصية بالنساء، وإحسان معاملتهن، وتطييب خواطرهن، وتجعل طاعة المرأة لزوجها فريضة، ومحافظتها على بيته وسره وأولاده حقا واجبا، ورعايتها لما تحت يدها أمانة، وتحث الزوجين على تقوية الروابط بينهما، والتعاون من أجل وحدة الهدف واستبقاء الحياة الزوجية، وتربية الأبناء والذرية.. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيرا " iii. ويقول صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راع وهي مسئولة عن رعيتها، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " iv.
الطلاق
نزل القرآن الكريم من عند العليم الخبير، البصير بالنفوس وطبائعها، والعواطف وجموحها، والغرائز وتكوينها، فقد تصاب سفينة الحياة الزوجية ببعض الصدمات والاضطرابات، وعندئذ يوصي القرآن الرجل بالتريث والترقب، وعدم اتباع الهوى ونزوات الغضب.
فإذا اشتد الخلاف بين الزوجين، وكثر النزاع بينهما، فلا مانع من التفاهم بالمعروف على نقاط الخلاف، ودراسة أسباب النزاع، ليتعرف كل طرف على ما يؤلمه من الطرف الآخر، وهذه المعرفة يمكن أن تكون وسيلة عملية إلى أن يتجنب كل طرف ما يؤلم شريك حياته، أو يخفف من هذه الآلام، وهذا نوع من استدامة العشرة أو تحمل المسيرة.
فإذا لم يُجْدِ التفاهم الشخصي بين الزوجين، وتفاقمت الأمور وتحولت إلى النفور والنشوز، والرغبة في الإعراض والفرار، فليس الطلاق أول خاطر يهدي إليه الإسلام، بل لابد من محاولة يقوم بها الآخرون، وتوفيق يحاوله أهل الخبرة والتجربة، أو أهل العلم والمعرفة بشؤون الحياة الزوجية، أو بعض الأقارب المحنكين.
قال تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا. ﴾ ( النساء : ٣٥ ).
وقال تعالى :﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾. ( النساء : ١٢٨ ).
وفي نصوص القرآن والسنة والآثار ما يحضّ على استبقاء الحياة الزوجية، والقناعة والرضا، وعدم التطلع إلى الآخرين.
قال تعالى :﴿ لا تمدّنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم... ﴾( الحجر : ٨٨ ).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات، فإذا تزوجتم فلا تطلقوا ".
وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يريد أن يطلق زوجته، فسأله عمر عن السبب، فقال الرجل : إني لا أحبها، فقال له عمر : أو كل البيوت تبنى على الحب ؟ فأين التذمم وأين الوفاء ؟
أي أنك أعطيت زوجتك أملا وعهدا صادقا، وذمة بأن تكون لك، فاتق الله في هذا العهد وهذه الذمة، وهذا الأمل، فلا تهدم بيتك بيدك، ولا تخيب آمالا تعلقت بك.
وقد سمى الله الزواج ميثاقا غليظا، ثم حثّ على حسن العشرة، أو على الفراق بالمعروف، والإحسان إلى الزوجة ومكارمتها، وترك بعض الأموال والمهر تطييبا لخاطرها، وتعويضا لها عما أصابها من أضرار.
قال تعالى :﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ( ٢٠ ) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾. ( النساء : ٢٠-٢١ ).
مع السورة
مما شرعه الله للحد من الطلاق أنه لم يبح الطلاق في كل وقت، بل أمر بالصبر والتريث والانتظار، فقد يكون الرجل واقعا تحت تأثير جامح أو نزوة عارضة.
كما أن المرأة إنسان مرهف الإحساس في حاجة إلى التلطف وحسن المعاملة، ويتمثل ذلك فيما يأتي :
١- ينبغي أن يكون الطلاق في طهر لم تجامع فيه المرأة، حتى تستقبل عدتها بدون تطويل عليهاv.
٢- ينبغي أن تقيم المرأة في بيت الزوجية، فهو بيتها ما دامت على ذمة الزوج، ولا يجوز خروجها منه إلا في حالة الضرورة، بأن يترتب على بقائها في البيت نزاع لا يطاق، أو إساءة لأهل الزوج، أو ارتكاب لذنوب كبيرة.
٣- أباح الله للزوج مراجعة زوجته في فترة العدة، ولعل في بقائها في بيت زوجها ما يجعله يعدل عن الطلاق، ثم إن القلوب بيد الله وهو سبحانه مقلب القلوب.
قال تعالى :﴿ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ﴾. ( الطلاق : ١ ).
٤- إذا أتمت المرأة عدتها فيجب أن يمسكها الزوج بالمعروف أو يفارقها بالمعروف، ولابد من الإشهاد على الطلاق أو الرجعة، حتى تكون الحياة ناصعة نزيهة.
٥- حثّ الفرد على التقوى ومراقبة الله، وإدراك أن الرزق بيد الله، والمال رزق، والتوفيق رزق، وينبغي أن يكون المؤمن متوكلا على الله في كل حال، فهو مقدر الأمور :﴿ قد جعل الله لكل شيء قدرا ﴾. ( الطلاق : ٣ ). فلكل حياة ولكل أمر قدر، وكل شيء مقدر بمقداره، وبزمانه وبمكانه وبملابساته، وبنتائجه وأسبابه، وليس شيء مصادفة، وليس شيء جزافا في هذا الكون كله، وفي نفس الإنسان وحياته.
٦- لقد بيّن القرآن في سورة البقرة عدة المطلقة بأنها ثلاث حيضات، فإذا حاضت المرأة ثلاث مرات تأكدت من خلو رحمها من الحمل، ويباح لها الزواج بعد مدة العدة.
قال تعالى :﴿ والمطلقات يتربّصن بأنفسهن ثلاثة قروء... ﴾ ( البقرة : ٢٢٨ ).
وفي الآية الرابعة من سورة الطلاق بيان عدة المرأة التي لا تحيض، إما لصغر سنها أو لكبر سنها، فالمرأة قبل البلوغ لا تحيض، وبعد سن ٥٠ سنة لا ينزل عليها الحيض. vi
ومثل هذه المرأة عدتها ثلاثة أشهر، أما المرأة الحامل فعدتها وضع الحمل.
وتتخلل آيات الطلاق دعوة إلى تقوى الله، وبيان أن هذه الأحكام من عند الله، ومن يتق الله ويطع أوامره ويحسن معاملة الطرف الآخر، فله أجر عظيم، وثواب كبير.
٧- وتفيد الآيتان ( ٦-٧ ) أن الزوجة في فترة العدة لا تزال على ذمة الزوج، ولذلك يجب أن تسكن في سكن مناسب لحالة الزوج، ولا يصح أن يحتال الزوج لينزل ضررا بزوجته، ومهما طالت فترة الحمل فيجب على الزوج أن يساهم في نفقة الحامل حتى تضع حملها، وفي فترة الرضاعة يجب على الزوج أن يساهم في نفقة الرضاعة، ودفع أجرتها للأم، وهذه النفقة تقدر بحال الزوج ويساره أو إعساره.
وذلك وضع القرآن أصولا يلتزمها كل إنسان، فالفقير ينفق حسب حالته، والغني ينفق مما أعطاه الله، والأرزاق بيد الله، فهو سبحانه الميسر، وهو الرازق ذو القوة المتين.
قال تعالى :﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾. ( الطلاق : ٧ ).
٨-وقد عالجت السورة كل أنواع الكيد والحيل في إصابة الشريك بالأذى عند إنهاء الحياة الزوجية، فتقول : ولا تُضاروهن. وهي تشمل كل أنوع العنت التي لا يحصرها نص قانوني مهما اتسع، وفي الحديث الشريف : " لا ضرر ولا ضرار "، وهو أصل عام ينهى المؤمن عن ضرر الناس، فضلا عن إضراره بمن كانت زوجة له.
وتفيد السورة أن الرزق بيد الله، وأن الأمل في وجه الله، وبذلك تنتهي الحياة الزوجية بالأدب الجميل الرفيع، وبالأمل في استئناف حياة أفضل وأيسر :﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾. ( الطلاق : ٧ ).
٩- وفي ختام سورة الطلاق تعرض السورة عددا من المؤثرات العاطفية تظهر فيها قدرة الله وجلاله، فإن تغلب شريك على شريكه الآخر، أو استطاع أن يظلمه، فليتذكر قدرة الله وعقابه للظالمين :
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا الظلم شيمته يفضي إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
فالآيات ( ٨-١٢ ) وإن كانت في غير موضوع الطلاق، إلا أنها تعزف على نغمة مؤثرة، وتهتف بالقلوب حتى ترقّ، وبالأفئدة حتى ترعى جلال الله، فالله تعالى أخذ القرى واحدة بعد أخرى، عندما كذبت برسلها، وقد ساق القرآن هذه العبرة في مصير الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله فلم يسمعوا ولم يستجيبوا، وعلق على هذه العبرة على الرؤوس، لتذكر الناس بالمصير البائس الذي ينتظر من لا يتقي ولا يطيع، كما تذكرهم بنعمة الله على الناس في إرسال الرسل وإنزال التشريع لهداية البشر، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
١٠- والآية الأخيرة في السورة تشير إلى قدرة الله العالية الذي خلق السماوات السبع والأرضين السبع، وهو العليم بما يناسب كل المخلوقات والموجودات في السماء والأرض، ثم إن هذه الأحكام موكولة إلى الضمائر واليقين الجازم بسعة علم الله واطلاعه على جميع أفعال العباد.
وهكذا تخ

أحكام الطلاق والعدة، وثمرة التقوى والتوكل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ( ١ ) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ( ٢ ) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ( ٣ ) ﴾
تمهيد :
أمر الله المؤمنين أن يُطلقوا نساءهم في الطهر الذي يحسب لهن من عدتهن، ويجب إحصاء العدة وضبطها، وهي ثلاثة قروء، ويجب أن تقيم المعتدة في بيت الزوج، خصوصا إذا لم يكن لها بيت أو أسرة تقيم معها، ولا تخرج إلاّ إذا كانت مرتكبة للمنكرات، أو بذيئة اللسان على الأحماء، هذه أحكام الله وتشريعاته، ومن يتعد أحكام الله فقد ظلم نفسه وعرّضها للمهالك في الدنيا والآخرة، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة – والحكمة في بقاء الزوجة في بيت الزوج سهولة مراجعتها.
ثم خيّر القرآن الرجل عند نهاية العدّة بين أمرين، هما :

١-
الإمساك بمعروف.

٢-
الطلاق بإحسان، وإعطاء الزوجة كامل حقوقها، ويجب الإشهاد على الطلاق وعلى الرجعة.
وهذه الأحكام إنما شُرعت لمصلحة الطرفين، وعلى الجميع التمسك بتقوى الله والتوكل عليه، وأمور الحياة كلها بتقدير الله وقضائه وقدره.
المفردات :
طلقتم النساء : أردتم طلاقهن.
لعدتهن : مستقبلات عدتهن، بأن تطلقوهن في طهر لا جماع فيه.
وأحصوا العدة : اضبطوها وأكملوها ثلاثة قروء كوامل.
الفاحشة المبينة : هي ارتكاب ما يوجب الحد، أو البَذاء على الأحماء أو على الزوج.
حدود الله : شرائعه التي أمر بها ونهى عن تركها.
ظلم نفسه : أضرّ بها.
أمرا : هو الندم على طلاقها، والميل إلى رجعتها.
التفسير :
١- ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾.
يا أيها النبيّ قل لأمتك : إذا أردتم تطليق النساء فالزموا طريق السنة في تطليقهن.
وطلاق السنة : أن تطلق الزوجة في طهر لم تجامع فيه.
وطلاق البدعة : أن تطلق في الحيض، أو في طهر جامعها زوجها فيه، إذ ربما يظهر أنها حامل فيندم زوجها على الطلاق.
عودٌ إلى تفسير الآية
إذا عزمتم على طلاق الزوجة، فأحسنوا هذا الطلاق، ولا تطيلوا عليها العدة، فلا يجوز أن تُطلق في حالة حيضها، وإنما تطلق في طهر لم تجامع فيه، وبذلك تطلّق المرأة في قُبل عدّتها، فتستقبل عدّتها بثلاثة أطهار بعد ثلاث حيضات، ويجب إحصاء العدة وضبطها، ومعرفة بدايتها ونهايتها، لما يترتب عليها من النفقة والإمساك بالمعروف أو التفريق بإحسان، ومراعاة الله وتقواه بعدم الضرار بالزوجة، فالطلاق ضرورة نلجأ إليها عند الاضطرار، وينبغي أن يكون الطلاق مع المكارمة والإحسان، والإنفاق على الزوجة، في فترة العدة، وعدم إخراجها من المسكن الذي كانت تسكن فيه، ولا تخرج منه إلا إذا ارتكبت فاحشة يجب فيها الحد، أو كانت سليطة اللسان على زوجها أو أحمائها، وهذه أوامر الله وتشريعاته ومن يخالف أمر الله فيطلّق في الحيض، أو ينزع إلى إيذاء المطلّقة وضررها فقد ظلم نفسه، حيث خالف أمر الله، وتعرّض للمسئولية يوم القيامة.
والحكمة في إقامة الزوجة في منزل الزوجية أن الزوج ربما ندم على الطلاق، ورغب في استدامة العشرة، وإعادة زوجته إلى عصمته في فترة العدة، أو ربما ندمت الزوجة وتحرّك قلبهما إلى الصلح واستعادة الحياة معا.
﴿ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾.
بأن يقذف المحبة في القلوب، فترغب في الرجعة واستدامة الحياة الزوجية.
والمرأة إذا كانت في مدة العدة، وهي ثلاثة أشهر أو ثلاث حيضات، فزوجها يملك مراجعتها بدون إذنها، أما إذا تمت العدة ومكثت بعد الطلاق ثلاثة أشهر، يتحول الطلاق من طلاق رجعي إلى طلاق بائن، فلا يستطيع الزوج إرجاعها إلا بعقد جديد ومهر جديد وموافقتهما على الرجعة، إذ يصبح من حقها أن تعود لزوجها أو ترفض العودة، وتختار لنفسها الموافقة على زوج آخر، أو المكث بدون زوج، أو ما تختاره لنفسها.
تمهيد :
أمر الله المؤمنين أن يُطلقوا نساءهم في الطهر الذي يحسب لهن من عدتهن، ويجب إحصاء العدة وضبطها، وهي ثلاثة قروء، ويجب أن تقيم المعتدة في بيت الزوج، خصوصا إذا لم يكن لها بيت أو أسرة تقيم معها، ولا تخرج إلاّ إذا كانت مرتكبة للمنكرات، أو بذيئة اللسان على الأحماء، هذه أحكام الله وتشريعاته، ومن يتعد أحكام الله فقد ظلم نفسه وعرّضها للمهالك في الدنيا والآخرة، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة – والحكمة في بقاء الزوجة في بيت الزوج سهولة مراجعتها.
ثم خيّر القرآن الرجل عند نهاية العدّة بين أمرين، هما :

١-
الإمساك بمعروف.

٢-
الطلاق بإحسان، وإعطاء الزوجة كامل حقوقها، ويجب الإشهاد على الطلاق وعلى الرجعة.
وهذه الأحكام إنما شُرعت لمصلحة الطرفين، وعلى الجميع التمسك بتقوى الله والتوكل عليه، وأمور الحياة كلها بتقدير الله وقضائه وقدره.
المفردات :
بلغن أجلهن : قاربن انتهاء العدة.
فأمسكوهن : فراجعوهنّ.
بمعروف : مع حسن عشرة.
فارقوهن بمعروف : مع إعطاء الحق، واتقاء المضارة.
التفسير :
٢- ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾.
إذا قاربت الزوجة إتمام العدة، فإن لزوجها اختيار واحد من اثنين :
أ- أن يراجعها ويعاشرها بالمعروف.
ب- أن يفارقها بالمعروف فيعطيها مؤخر الصداق ويعطيها المتعة والنفقة والمكارمة والإحسان، لأنها كانت تعلقّ آمالها على الحياة مع زوجها، فينبغي أن يترفق بها، وييسّر لها الإقامة والنفقة، حسب يساره وإعساره.
والرجعة أو الطلاق أو الزواج كلها تحتاج إلى شهود، وأقل الشهود رجلان مشهود لهما بالعدالة، وينبغي أن نقيم الشهادة لوجه الله ومرضاته، فلا نؤدي الشهادة لمصلحة الزوج ولا لمصلحة الزوجة، بل نؤدي الشهادة بالحق والعدل.
وهذه الأوامر كلها من أول السورة إلى هنا، كالطلاق في طهر لم يجامعها فيه، وإحصاء العدة، وعدم إخراج المطلقة من بيتها، والإمساك بالمعروف، والإشهاد في النكاح والطلاق والرجعة، والإقساط في الشهادة، كل ذلك يوصي به الله، ويأمر به المؤمن، ويعظنا به فيبغي أن ينفذه المؤمن.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾.
من يراقب أوامر الله، ويُنفذ ما شرعه الله وأمر به، ويتجنب ما نهى عنه الله، يجعل الله له مخرجا من كل ضيق، ويجعل له بعد العسر يسرا، وبعد الشدة فرجا، ويُفرج عنه الغم والهمّ الذي يصيبه، بسبب الحزن على فراق الزوج أو الزوجة.
تمهيد :
أمر الله المؤمنين أن يُطلقوا نساءهم في الطهر الذي يحسب لهن من عدتهن، ويجب إحصاء العدة وضبطها، وهي ثلاثة قروء، ويجب أن تقيم المعتدة في بيت الزوج، خصوصا إذا لم يكن لها بيت أو أسرة تقيم معها، ولا تخرج إلاّ إذا كانت مرتكبة للمنكرات، أو بذيئة اللسان على الأحماء، هذه أحكام الله وتشريعاته، ومن يتعد أحكام الله فقد ظلم نفسه وعرّضها للمهالك في الدنيا والآخرة، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة – والحكمة في بقاء الزوجة في بيت الزوج سهولة مراجعتها.
ثم خيّر القرآن الرجل عند نهاية العدّة بين أمرين، هما :

١-
الإمساك بمعروف.

٢-
الطلاق بإحسان، وإعطاء الزوجة كامل حقوقها، ويجب الإشهاد على الطلاق وعلى الرجعة.
وهذه الأحكام إنما شُرعت لمصلحة الطرفين، وعلى الجميع التمسك بتقوى الله والتوكل عليه، وأمور الحياة كلها بتقدير الله وقضائه وقدره.
المفردات :
بالغ أمره : منفذ حكمه وقضائه في خلقه، يفعل ما يشاء.
قدرا : تقديرا وتوقيتا.
التفسير :
٣- ﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾.
أفادت كتب الحديث وأسباب النزول أن عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابنا سالما، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أُسر ابني، وشكا إليه الفاقة، فقال صلى الله عليه وسلم : " اتق الله، وأكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم ". ففعل، فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل، غفل عنها العدوّ فاستاقها، فنزلت :﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾. vii
والتوكل هو الاعتماد على الله تعالى بعد الأخذ بالأسباب.
والمعنى :
ومن يثق بالله تعالى ويعتمد عليه، كفاه الله ما أهمّه، وكان الله له معينا وكافيا في الدنيا والآخرة.
روى الحاكم، عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كلّ ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب ".
﴿ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ... ﴾
منفذ قضاياه وأحكامه في خلقه، بما يريده ويشاؤه، وهو سبحانه فعّال لما يريد.
﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾.
أي : جعل لكل أمر م الأمور مقدارا معلوما، ووقتا محدودا، حسب الحكمة الأزلية.
قال تعالى :﴿ وكلّ شيء عنده بمقدار ﴾. ( الرعد : ٨ ). جلّت حكمته تعالى، وتعاظم تدبيره، فيبغي للمؤمن أن يثق في حكمته وقدرته، وأن يتوكل عليه.
قال القرطبي : أي جعل لكل شيء من الشدة والرخاء أجلا ينتهي إليه.
وقد أورد الحافظ ابن كثير في تفسيره طائفة من الآيات والأحاديث والآثار المفيدة، ننقل منها ما يأتي :
روى أحمد، والنسائي، وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يردّ القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البرّ ". viii
وروى ابن أبي حاتم، عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله إليها ".
وروى أحمد، والترمذي، عن ابن عباس أنه ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا غلام، إني معلمك كلمات : احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف " ix ( قال الترمذي : حسن صحيح ).
وقد أورد الشيخ الفاضل ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير حكمة وضع جملة : قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. بعد بيان أحكام الطلاق والرجعة والإشهاد، وعدّة ذوات الأقراء وغيرها، وكيفية العدة، فهذه الجملة بمثابة التعليل لمدة العدة، والأمر بالتقوى والتوكل، فإذا تساءل إنسان : وأين منّي هذا الفرج ؟
جاء الجواب :﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾. ولهذه الجملة موقع التذليل لما سبقها من الأحكام أيضا، بأنّ كل شيء عنده بمقدار ونظام وإبداع.
عدّة اليائسة والصغيرة
﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ( ٤ ) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ( ٥ ) ﴾
تمهيد :
في أول سورة الطلاق أمر الله بتطليق النساء لعدتهنّ، وبيّن أمر الطلاق والرجعة...
ثم بيّن هنا مقدار العدّة للآيسة الصغيرة، وأنها ثلاثة أشهر، وعدة الحامل وكونها بوضع الحمل تتميما لما ذكره الله في سورة البقرة من عدة ذوات الأقرباء والمتوفى عنها زوجها.

سبب النزول :

أخرج مقاتل في تفسيره، أنه لما ذكر قوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء... ( البقرة : ٢٢٨ ) قال خلاد بن النعمان : يا رسول الله، فما عدة التي لم تحض، وعدة التي انقطع حملها، وعدة الحبلى ؟ فنزلت :﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ... ﴾
المفردات :
واللائي يئسن : أي : انقطع عنهن الحيض لكبر سنهن، وقُدّر بستين أو خمس وخمسين سنة.
إن ارتبتم : إن شككتم كيف تكون عدة اليائسة.
التفسير :
٤-﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾.
نجد عناية القرآن بالبيان الكامل لحالات العدة، فقد سبق في سورة البقرة عدّة المطلقة ذات الأقراء، وهي التي ينزل عليها الحيض، فتعتد بنزول ثلاث حيضات عليها، أو ثلاثة أطهار، حسب آراء الفقهاء.
لقوله تعالى :﴿ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء... ﴾ ( البقرة : ٢٢٨ ).
وقد بين الله عدة المتوفى عنها زوجها في سورة البقرة، حيث قال تعالى :﴿ والذين يُتوفّون منكم ويَذرون أزواجا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا... ﴾ ( البقرة : ٢٣٤ ).
وقد بيّن هنا عدة المرأة التي يئست من نزول الدم عليها لبلوغها سنّ الخامسة والخمسين أو الستين، أو انقطع الدم عنها لأي سبب قبل ذلك أو بعده، فعدتها ثلاثة أشهر، وعدة الصغيرة التي لم ينزل عليها دم الحيض ثلاثة أشهر، إذا طلق الرجل امرأة صغيرة قبل أن ينزل عليها دم الحيض، وكذلك كل امرأة لم ينزل عليها دم الحيض، وكذلك كل امرأة لم ينزل عليها دم الحيض لأي سبب فعدتها ثلاثة أشهر، وأما المرأة الحامل المطلّقة فإن عدتها وضع الحمل، سواء كانت العدة من الطلاق أو من وفاة الزوج، لأن المقصود من العدة معرفة براءة الرحم من الحمل، ووضع الحمل أكبر دليل على تعرّف ذلك.
معنى الآية :
والنساء الكبيرات في السن اللائي بلغن سنّ اليأس من المحيض، إذا شككتم وتساءلتم كيف تعتد في حالة انقطاع دم الحيض، فالجواب أن عدتهن ثلاثة أشهر، وكذلك النساء الصغيرات إذا طُلّقن قبل نزول الحيض عليهن فعدتن ثلاثة أشهر، أما النساء الحوامل فعدّة الحامل هي وضع الحمل، سواء أكانت العدة من الطلاق أم من الوفاة، وهذا رأي الجمهور.
ورأى الإمام على أن الآية في المطلقات، أمّا المتوفى عنها زوجها فعدتها آخر الأجلين : الأشهر، أو وضع الحمل، وهو مذهب الإمامية.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾.
ومن يراقب الله تعالى في تنفيذ أحكام الطلاق، ييسر الله تعالى له أموره، ويعوّضه ويجعل له من كل همّ فرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب.
تمهيد :
في أول سورة الطلاق أمر الله بتطليق النساء لعدتهنّ، وبيّن أمر الطلاق والرجعة...
ثم بيّن هنا مقدار العدّة للآيسة الصغيرة، وأنها ثلاثة أشهر، وعدة الحامل وكونها بوضع الحمل تتميما لما ذكره الله في سورة البقرة من عدة ذوات الأقرباء والمتوفى عنها زوجها.

سبب النزول :

أخرج مقاتل في تفسيره، أنه لما ذكر قوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء... ( البقرة : ٢٢٨ ) قال خلاد بن النعمان : يا رسول الله، فما عدة التي لم تحض، وعدة التي انقطع حملها، وعدة الحبلى ؟ فنزلت :﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ... ﴾
المفردات :
يكفر عنه سيئاته : يغفرها له.
يعظم له أجرا : بالمضاعفة.
التفسير :
٥- ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾.
هذه أوامر الله وتشريعاته، أنزلها إليكم في حكم المطلقات والمعتدات، فراقبوا الله مراقبة عامة، وراقبوه في تنفيذ أحكام المطلقات مراقبة خاصة، ومن يتق الله ويراقبه، ويتحصن بتقوى الله وخشيته، يغفر له ذنوبه، ويضاعف له الثواب والأجر.
وقد أورد في ظلال القرآن كلاما طويلا جميلا، خلاصته عناية الإسلام بالأسرة وبالزواج، وبتزويج الفقراء والتعاون معهم، واعتبار الزواج ميثاق غليظا، وحثّه على المحافظة على الزواج، وعدم التَّسرع في فصم العلاقة الزوجية، حيث قال تعالى :﴿ وعاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ﴾. ( النساء : ١٩ ).
ثم أمرنا عند النشوز أو الإعراض من أحد الزوجين بدراسة الحالة، واستماع وجهة النظر الأخرى، ومحاولة الصلح بالجهود الذاتية، فإذا تعسَّر ذلك على الزوجين، وخيف اتّساع النزاع، وجب أن نختار حكمين من أهل العقل والحكمة لدراسة الحالة ومحاولة الصلح.
فإذا تعسَّرت كل الطرق لم يبق أمامنا إلا الطلاق بشروطه وآدابه المذكورة في صدر سورة الطلاق، وكلها شروط تقصد إلى هدوء النفس، والتريث والانتظار رجاء الرجوع والعدول عن الطلاق، والعودة إلى نظام الأسرة وتعاون الزوجين.
ونلاحظ أنّ سورة الطلاق حافلة بمؤثرات متعددة تحث على تقوى الله والتوكل عليه، وتحذر من الظلم والعدوان، ذلك لأن المطلِّق والمطلَّقة ربما حملهما الطلاق على كيد أحدهما للآخر أو ظلمه، فحذّر الله من الظلم والعدوان، وحث على التقوى ومراقبة الله، والعشرة بالمعروف أو الفرقة بالمعروف.
وهي آداب سامية تعتز بها أمة الإسلام، ويعتز بها المسلم الذي يجد في كتاب ربه أبواب السعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة.
قال الضحاك : من يتق الله في طلاق السنّة، يجعل له من أمره يسرا في الرجعة.
السكنى والنفقة للمعتدة، وأجر الرضاع
﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ( ٦ ) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ( ٧ ) ﴾
تمهيد :
بعد بيان عدة الآيسة والصغيرة والحامل، ذكر الله تعالى ما يجب للمعتدة من نفقة وسكنى، بقدر الطاقة، سواء أكانت مطلقة أم حاملا، فإذا ولدت الحامل، فلها الأجر على إرضاع المولود، فإن لم يتفقا كان على الأب أن يأتي بمرضع أخرى، يدفع الأب نفقتها، والأم أحق بالإرضاع، إذا هي رضيت بمثل أجرتها، والنفقة لكل من الموسر والمعسر على قدر ما يستطيع، فالله لا يكلِّف الإنسان إلا بما لا يطيق.
المفردات :
من وُجدكم : من وسعكم، وقال الفراء : على قدر طاقتكم.
ولا تضارّوهن : في النفقة والسكنى.
لتضيقوا عليهن : لتلجئوهن إلى الخروج بشغل المكان، أو بإسكان من لا يردن السكنى معه.
ائتمروا بينكم بمعروف : تشاوروا، وأن يأمر بعضكم بعضا باليسر والتسامح في الأجرة والإرضاع، فلا يكن من الأب مماسكة، ولا من الأم معاسرة.
وإن تعاسرتم : بأن كان من الأب مضايقة، أو من الأم ممانعة.
التفسير :
٦-﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾.
أسكنوا هؤلاء المطلقات في بعض مساكنكم التي تسكنونها، على قدر طاقتكم ومقدرتكم، فإن كل موسرا وسّع عليها في المسكن والنفقة، وإن كان فقيرا فعلى قدر طاقته.
قال قتادة : ولتسكن إذا لم يكن إلا بيت واحد، في بعض نواحيه.
﴿ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ... ﴾
ولا تستعملوا معهنّ الضرار في السكنى بشغل المكان، أو بإسكان غيرهن معهن ممن لا يُحْبِبْنَ السكنى معه، لتلجئوهن إلى الخروج من مساكنهن.
﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ... ﴾
إذا كانت المطلقة حاملا، فيجب الإنفاق عليها وعلى حملها حتى تضع الحمل.
وهذا حكم المطلقة طلقة بائنة، أما المطلقة طلقة رجعية، فتستحق النفقة وإن لم تكن حاملا.
وقال أبو حنيفة : تجب النفقة والسكنى لكلّ مطلقة، وإن لم تكن ذات حمل، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المبتوتة : " لها النفقة والسكنى "، لأن ذلك جزاء الاحتباس، وهو مشترك بين الحامل وغيرها.
وأرى أن ذلك من محاسن الدين الإسلامي، ومن التكافل الاجتماعي، ومن رعاية المطلقة والإنفاق عليها في فترة العدّة ترضية لها، وقياما بحقها، فقد قدّمت لزوجها ما قدمت في فترة الزواج، فيجب أن يرعاها ويتكفل بها بعد الطلاق في فترة العدة، لأنها محبوسة وممنوعة من الزواج بسبب أن كل زواج تعقبه عدة لتعرّف براءة الرحم، فنفقة العدّة تكون على الزوج، لأن من حقوق الزوجة على زوجها النفقة.
﴿ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ... ﴾
إذا طُلقت المرأة وقامت بإرضاع الولد، فإن نفقة الرضاع على الزوج، فلها أجر المثل.
وفي هذا إشارة إلى أن حق الرضاع والنفقة للأولاد على الأزواج، وحق الإمساك والحضانة على الزوجات.
﴿ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ... ﴾
أي : تشاوروا وتعاونوا، وتدارسوا موقف الأبناء بعد الطلاق، لعمل اللازم لهم، ولا تجعلوا المال عائقا عن مواصلة الرعاية النفسية والاجتماعية والنفقة على الأولاد، فالوالد مطالب بالسخاء على أولاده، والأم مطالبة بالحضانة والكفالة، ولها أجر المثل.
وهذه الفقرة فيها مناشدة للأزواج والزوجات المطلّقات تدارس الموقف، واللجوء إلى المعروف، والتفاهم والتيسير بشأن الذّرية ورعايتها بعد انفصال الزوجين، وما أحرى المسلمين في هذه الأيام بالتخلّق بأخلاق القرآن، وترك الكيد من أحد الزوجين للآخر بعد الطلاق.
فنجد رجلا ترك أولاده لزوجته، تقوم هي بتعليمهم والإنفاق عليهم، وقد أخلّ هو بما يجب عليه، ونقول له : أين قوله تعالى :﴿ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ... ﴾
﴿ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾.
إن شحّ الأب بالمال، أو تعسّفت الأم في طلب أجرة أكثر من أجرة المثل، فليحضر الأب مرضعا أخرى ترضع الرضيع بالأجر، فإذا قبلت الأمّ بأجر المثل فهو أحق بابنها، لما تشتمل عليه الأم من الحنان والحبّ.
فإذا لم يقبل الرضيع ثدي مرضع أخرى غير أمه، وجب على أمه الرضاع ولها أجر المثل.
ويرى بعض المفسرين أن هذه الفقرة فيها لوم للأم ومعاتبة لها، كقولك لمن تستقضيه حاجة فيتوانى عن قضائها : سيقضيها غيرك، بمعنى ستقضى وأنت ملوم.
فالأم أكثر حنوا وشفقة، وينبغي تعاون الطرفين، الأب والأم، من أجل مصلحة الصغير.
تمهيد :
بعد بيان عدة الآيسة والصغيرة والحامل، ذكر الله تعالى ما يجب للمعتدة من نفقة وسكنى، بقدر الطاقة، سواء أكانت مطلقة أم حاملا، فإذا ولدت الحامل، فلها الأجر على إرضاع المولود، فإن لم يتفقا كان على الأب أن يأتي بمرضع أخرى، يدفع الأب نفقتها، والأم أحق بالإرضاع، إذا هي رضيت بمثل أجرتها، والنفقة لكل من الموسر والمعسر على قدر ما يستطيع، فالله لا يكلِّف الإنسان إلا بما لا يطيق.
المفردات :
قدر عليه رزقه : ضُيّق.
آتاه الله : أعطاه.
إلا ما آتاها : إلا بقدر ما أعطاها من الأرزاق، قلّ أو كثر.
التفسير :
٧-﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾.
لينفق الغني من ماله، فإذا كان موسرا يسّر على المطلقة وعلى أولادها، ووسّع عليهم مما أعطاه الله له، فالجود من الموجود، وأولى الناس بالمشاركة في المال والتوسعة في العطاء زوجته السابقة وأولاده منها، أما إذا كان الزوج فقيرا، فلينفق مما آتاه الله من الأرزاق، قلَّت أو كثرت، فلا يكلّف الفقير نفقة مثل نفقة الغنيّ.
﴿ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آَتَاهَا... ﴾
أي : بقدر ما أعطاها من الطاقة والقوّة.
وقريب منه قوله تعالى :﴿ لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها... ﴾ ( البقرة : ٢٨٦ ).
أي : إلا في إمكانياتها وسعتها.
وقد فاوت الله بين الناس في العطاء، وجعلهم درجات، وطلب الله من كل إنسان أن ينفق على أسرته حسب حالته، وحسب يساره أو إعساره، فإذا كان الزوج فقيرا ثم وسّع الله عليه، وجب أن يزيد في نفقة أسرته، وإذا كان غنيا ثم افتقر، خفّض ميزانية النفقة، وعلى الأسرة أن تصبر وتتحمل وتتعاون، وتتقبّل ما ينفقه الزوج حسب حالته، فلا ينبغي لزوجة الفقير أن تتطلع إلى نفقة واسعة مثل زوجة الغني، بل تصبر حتى يوسّع الله على زوجها فيوسع عليها.
﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾.
سيجعل الله بعد الشدة فرجا، وبعد الضيق سعة، وفيه وعد من الله تعالى بمساعدة الفقراء إذا قنعوا ورضوا.
قال تعالى :﴿ فإنّ مع العسر يسرا*إنّ مع العسر يسرا ﴾. ( الشرح : ٥-٦ ).
وما أجمل هذا التشريع الإلهي الذي يربط النفقة بحالة الزوج.
جاء في تفسير الآلوسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المؤمن أخذ عن الله أدبا حسنا، إذا هو سبحانه وسَّع عليه وسَّع، وإذا هو عزّ وجل قَتَّر عليه قتّر ".
وعيد المخالفين ووعد الطائعين
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ( ٨ ) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ( ٩ ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ( ١٠ ) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ( ١١ ) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ( ١٢ ) ﴾
تمهيد :
بعد أن بيّن أحكام الطلاق والعدة والرجعة، وما يجب للمعتدة من نفقة وسكنى، توعدَّ كل من يخالف أمر الله في العدة والنفقة والسكنى، ومسئوليات الطلاق وتبعاته، بأن ينزل به ما أنزله بالأمم المكذبة، من العذاب الشديد في الدنيا، وما ينتظرها من عذاب لاحق بالآخرة، ثم أردف ذلك بالتذكير بعظيم قدرته، وإحاطة علمه، للحث على التزام الأوامر، والعمل بالشريعة والأحكام، فكانت بمثابة التحذير بعقوبة الظالمين، من كل زوج أو زوجة لا ينفذون أحكام الله في الطلاق وما يتصل به.
المفردات :
وكأين من قرية : كثير من أهل القرى.
عتت : تجبرت وتكبرت وأعرضت وعصت.
نكرا : منكرا عظيما.
التفسير :
٨- ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ﴾.
كثير من أهل قرية من القرى السابقة، عتت وتمردت على أمر الله ورسله، فكذّبت المرسلين، وكفرت بالوحي، واستمرت في عبادة الأوثان والأصنام، فحاسبها الله حسابا شديدا، وأحصى عليها أعمالها وتكذيبها وتحدّياتها للمرسلين، ثم أنزل بها عذابا منكرا جزاء وفاقا لكفرها.
كما حدث لقوم نوح، وقوم صالح، وقوم هود، وما حدث لفرعون وقومه، وما حدث لقوم لوط وغيرهم من المكذبين.
قال تعالى :{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ( ٦ ) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ ) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ( ١٣ ) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ. ( الفجر : ٦-١٤ ).
تمهيد :
بعد أن بيّن أحكام الطلاق والعدة والرجعة، وما يجب للمعتدة من نفقة وسكنى، توعدَّ كل من يخالف أمر الله في العدة والنفقة والسكنى، ومسئوليات الطلاق وتبعاته، بأن ينزل به ما أنزله بالأمم المكذبة، من العذاب الشديد في الدنيا، وما ينتظرها من عذاب لاحق بالآخرة، ثم أردف ذلك بالتذكير بعظيم قدرته، وإحاطة علمه، للحث على التزام الأوامر، والعمل بالشريعة والأحكام، فكانت بمثابة التحذير بعقوبة الظالمين، من كل زوج أو زوجة لا ينفذون أحكام الله في الطلاق وما يتصل به.
المفردات :
فذاقت وبال أمرها : فتجرّعت عاقبة عتوها وكفرها.
خسرا : خسارة وهلاكا هائلا.
التفسير :
٩- فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا }.
فذاقت عاقبة عتوِّها وتجبُّرها، وتمرُّدها على أوامر الله، وكانت نتيجة ذلك خسارا شديدا لا خسار وراءه، فقد أهلكها الله في الدنيا، وأعدَّ لها عذاب النار في الآخرة.
تمهيد :
بعد أن بيّن أحكام الطلاق والعدة والرجعة، وما يجب للمعتدة من نفقة وسكنى، توعدَّ كل من يخالف أمر الله في العدة والنفقة والسكنى، ومسئوليات الطلاق وتبعاته، بأن ينزل به ما أنزله بالأمم المكذبة، من العذاب الشديد في الدنيا، وما ينتظرها من عذاب لاحق بالآخرة، ثم أردف ذلك بالتذكير بعظيم قدرته، وإحاطة علمه، للحث على التزام الأوامر، والعمل بالشريعة والأحكام، فكانت بمثابة التحذير بعقوبة الظالمين، من كل زوج أو زوجة لا ينفذون أحكام الله في الطلاق وما يتصل به.
المفردات :
أعد الله لهم عذابا شديدا : تكرار الوعيد للتوكيد.
ذكرا : قرآنا.
التفسير :
١٠- ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ﴾.
تكرير للوعيد ليضعه أمام الأنفس، تحذيرا لمن يرتكب الظلم والعناد، والانتقام الآشر، في أمور الطلاق والعدة والنفقة والسكنى، وما يتصل بذلك من أمور.
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ﴾
سارعوا أيها المؤمنون أصحاب العقول والألباب إلى تقوى الله، والتزام أوامره، واجتناب نواهيه، وتنفيذ ما شرعه الله لكم في أحكام الطلاق مهما كانت رغبتكم في الانتقام من خصمكم، فأطفئوا هذا الغيظ بتقوى الله، يا أيها المؤمنون قد أنزل الله إليكم كتابا مشتملا على الذكر والتذكير، وتبصير المسلمين بأحكام الله ووجوب طاعتها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قرآنا متحركا، سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : كان خلقه القرآن. x
تمهيد :
بعد أن بيّن أحكام الطلاق والعدة والرجعة، وما يجب للمعتدة من نفقة وسكنى، توعدَّ كل من يخالف أمر الله في العدة والنفقة والسكنى، ومسئوليات الطلاق وتبعاته، بأن ينزل به ما أنزله بالأمم المكذبة، من العذاب الشديد في الدنيا، وما ينتظرها من عذاب لاحق بالآخرة، ثم أردف ذلك بالتذكير بعظيم قدرته، وإحاطة علمه، للحث على التزام الأوامر، والعمل بالشريعة والأحكام، فكانت بمثابة التحذير بعقوبة الظالمين، من كل زوج أو زوجة لا ينفذون أحكام الله في الطلاق وما يتصل به.
المفردات :
رسولا : وأرسل محمدا صلى الله عليه وسلم.
من الظلمات إلى النور : من الكفر والضلالة إلى الإيمان.
قد أحسن الله له رزقا : هو رزق الجنة التي لا ينقطع نعيمها، وفيه تعجيب وتعظيم لما رزقوا من الثواب.
التفسير :
١١-﴿ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقا ﴾.
هذا الذكر هو القرآن العظيم، ومعه رسول من الله يتلو صحفا مطهرة، فهو المبيِّن للقرآن الكريم، والموضح لأحكامه، والقارئ لنصوصه من أجل هداية المؤمنين، وإخراجهم من ظلمات الجهالة والكفر إلى نور الهداية والإيمان.
﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقا ﴾.
ومن يؤمن بالله ربا، ويعمل أعمالا صالحة، يدخله جنات وبساتين ناضرة، تجري الأنهار من تحتها، وفيها ألوان متعددة من البهجة والنعيم، مع خلود أبدي سرمدي، فما أعجب هذا الرزق وما أحسنه، إنّه الجنة ورضوان من الله أكبر.
وفيه تعجيب من هذا الرزق العظيم، والتوفيق الكريم.
﴿ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقا ﴾.
لقد أكرمه ونجاه من النار، وأوجب له الجنة، وأعطاه من الخير والنعيم ما يشرح صدره، ويدخل السرور على نفسه ويصلح باله.
تمهيد :
بعد أن بيّن أحكام الطلاق والعدة والرجعة، وما يجب للمعتدة من نفقة وسكنى، توعدَّ كل من يخالف أمر الله في العدة والنفقة والسكنى، ومسئوليات الطلاق وتبعاته، بأن ينزل به ما أنزله بالأمم المكذبة، من العذاب الشديد في الدنيا، وما ينتظرها من عذاب لاحق بالآخرة، ثم أردف ذلك بالتذكير بعظيم قدرته، وإحاطة علمه، للحث على التزام الأوامر، والعمل بالشريعة والأحكام، فكانت بمثابة التحذير بعقوبة الظالمين، من كل زوج أو زوجة لا ينفذون أحكام الله في الطلاق وما يتصل به.
المفردات :
ومن الأرض مثلهن : خلق مثلهنّ في العدد من الأرض، يعني سبع أرضين.
يتنزّل الأمر بينهنّ : يجري أمر الله وقضاؤه بينهن، وينفذ حكمه فيهنّ.
التفسير :
١٢- ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾.
ما أعظم الخالق، وما أبدع الصانع، وما أقوى القدير، وما أعظم علمه وإحاطته بكل شيء في هذا الكون.
ومعنى الآية :
الله تعالى هو الذي خلق سبع سماوات طباقا.
قال تعالى :﴿ ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا*وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ﴾. ( نوح : ١٥-١٦ ).
وخلق سبحانه سبع أرضين، يتنزل وحي الله وأمره، وقضاؤه وقدره، وحكمه ومشيئته، بين السماوات السبع والأرضين السبع.
فهو سبحانه حافظ الكون ومدبّره، وممسك بزمامه، وهو كامل القدرة والعلم، فاعلموا ذلك وراقبوه في سائر أموركم، وفي شئون الطلاق، وما يتصل به من العدة والسكنى والنفقة والإمساك بالمعروف أو المفارقة بالمعروف.
ملاحظة :
ذُكر لفظ السماوات في القرآن جمعا، ولفظ الأرض مفردا في سائر القرآن الكريم، وهذه هي الآية الوحيدة التي تشعر أن ألأرض ربما تكون سبع أرضين.
ومن العلماء من ذهب إلى أن السماء سبع سماوات، واستدل على ذلك بما ورد في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة من أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد إلى السماء ليلة الإسراء والمعراج، حيث رأى :
في السماء الأولى : آدم.
وفي السماء الثانية : يحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة.
وفي السماء الثالثة : يوسف، وقد أُعطي شطر الحسن.
وفي السماء الرابعة : إدريس، وقد رفعه الله مكانا عليا.
وفي السماء الخامسة : هارون.
وفي السماء السادسة : موسى.
وفي السماء السابعة : إبراهيم، عليهم جميعا السلام.
وأما الأرض فهي أرض مفردة، وأما قوله تعالى : ومن الأرض مثلهن... أي في الإحكام والإبداع وحسن التقدير.
واللفظ صالح لأن يراد به سبع سماوات وسبع أرضين، وهو الأرجح والأقوى، وصالح لأن يراد به سبع سماوات، ومن الأرض الواحدة مثلهن في الإبداع والتكامل وعناية الله بالخلق ورعايته.
قال تعالى :﴿ إنّ الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده... ﴾ ( فاطر : ٤١ )
وأنا أرى أنه لابد أن تكون هناك حكمة إلهية لا نعرفها نحن الآن، وقد نعرفها في المستقبل، من ذكر السماوات جمعا وسبع في القرآن، وذكر لفظة الأرض مفردة في جميع القرآن، ما عدا هذه الآية الأخيرة في سورة الطلاق.
﴿ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ﴾.
وقد ذهب الإمام ابن كثير إلى أن الأرض سبع، حيث قال : ومن الأرض مثلهن. أي : سبعا أيضا، كما ثبت في الصحيحين : " من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين يوم القيامة " xi
وفي صحيح البخاري : " خُسف به إلى سبع أرضين ".
Icon