ﰡ
وهي مكيّة، قال الماوردي: كلها، في قول الحسن وعكرمة وجابر.
قال: وقال ابن عباس وقتادة: إلا آيتين منها وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ والتي تليها [المزمل: ١٠- ١١].
[الآيات: الأولى والثانية والثالثة]
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (٤).
قُمِ اللَّيْلَ: أي قم للصلاة في الليل. واختلف هل كان هذا القيام الذي أمر به فرضا عليه أو نفلا؟.
وقوله: إِلَّا قَلِيلًا (٢) : استثناء من الليل، أي صل الليلة كلها إلا يسيرا منها.
والقيام من الشيء: هو ما دون النصف، وقيل: ما دون السدس، وقيل: ما دون العشر.
وقال مقاتل والكلبي: المراد بالقليل هنا الثلث. وقد أغنانا عن هذا الاختلاف قوله:
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ، أي من النصف.
قَلِيلًا (٣) : إلى الثلث.
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ، قليلا إلى الثلثين. فكأنه قال: قم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه.
وقيل: إن نصفه بدل من قوله: قَلِيلًا (٢) : فيكون المعنى قم الليل إلا نصفه أو أقل
قال الأخفش: نصفه أي أو نصفه كما يقال أعطه درهما درهمين ثلاثة يريد أو درهمين أو ثلاثة.
قال الواحدي: قال المفسرون: أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث، أو زد على النصف إلى الثلثين. جعل له سعة في مدة قيامه في الليل وخيره في هذه الساعات للقيام، فكان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وطائفه معه يقومون على هذه المقادير، وشق ذلك عليهم، فكان الرجل لا يدري كم صلى أو كم بقي من الليل وكانوا يقومون الليل كله حتى خفف الله عنهم.
وقيل: الضمير في (منه) و (عليه) راجعان إلى الأقل من النصف كأنه قال: قم أقل من نصفه، أو قم انقص من ذلك الأقل أو أزيد منه قليلا! وهو بعيد جدا.
والظاهر أن نصفه قليلا والضميران راجعان إلى النصف المبدل من (قليلا) «١».
واختلف في الناسخ لهذا الأمر فقيل: هو قوله: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ [المزمل: ٢٠] إلى آخر السورة، وقيل: هو قوله: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ [المزمل: ٢٠]، وقيل: هو قوله: أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى [المزمل: ٢٠]، وقيل: هو منسوخ بالصلوات الخمس. وبهذا قال مقاتل والشافعي وابن كيسان، وقيل: هو فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ [المزمل: ٢٠] وذهب الحسن وابن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو قدر حلب شاة «٢».
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (٤) : أي اقرأه على مهل مع تدبر.
قال الضحاك: اقرأه حرفا حرفا.
قال الزجاج: هو أن تبين جميع الحروف وتوفي حقوقها من الإشباع.
وأصل الترتيل: [التنضيد] «٣» والتنسيق وحسن النظام، وتأكيد الفعل بالمصدر،
(٢) انظر: الناسخ والمنسوخ لابن العربي (٢/ ٤٠١، ٤٠٣)، والأحكام (٤/ ١٨٥٩). والناسخ والمنسوخ للنحاس (٢٥٣)، والإيضاح (٣٨٤)، والمصفّى (٢١٤)، وابن البارزي (٣١٢)، والبصائر (١/ ٤٨٧).
(٣) ما بين [المعقوفين] حرّف في «المطبوعة» إلى (التقيد) وهو خطأ والتصويب من تفسير فتح القدير
[الآية الرابعة]
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠).
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ: معنى أدنى: أقل، استعير له الأدنى لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما.
وَنِصْفَهُ: معطوف على أدنى.
وَثُلُثَهُ: معطوف على نصفه. والمعنى أن الله يعلم أن رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقوم أقل من ثلثي الليل ويقوم نصفه ويقوم ثلثه.
وبالنصب قراءة ابن كثير والكوفيين.
وقرأ الجمهور: ونصفه وثلثه بالجر عطفا على ثلثي الليل. والمعنى أن الله يعلم أن رسوله يقوم أقل من ثلثي الليل وأقل من نصفه وأقل من ثلثه.
واختار قراءة الجمهور أبو عبيد وأبو حاتم لقوله: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ فكيف يقومون نصفه وثلثه وهم لا يحصونه.
وقال الفرّاء: القراءة الأولى أشبه بالصواب لأنه قال: أقل من ثلثي الليل، ثم فسر نفس القلة «١».
والتنضيد: جعل الشيء بعضه فوق بعض [نضد].
(١) قال أبو منصور: «من قرأ (ونصفه وثلثه) فهو بيّن حسن، وهو تفسير مقدار قيامه، لأنه لما قال (أدنى من ثلثي الليل) كان قوله (ونصفه) مبينا لذلك الأدنى، كأنه يقول: تقوم أدنى من الثلثين
وأيضا الأحاديث الصحيحة المصرحة بقول السائل لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «هل عليّ غيرها؟ يعني الصلوات الخمس فقال: لا! إلا أن تطوع» «١»، تدل على عدم وجوب غيرها، فارتفع بهذا وجوب قيام الليل وصلاته عن الأمة، كما ارتفع وجوب ذلك على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بقوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [الإسراء: ٧٩].
(١) حديث صحيح: رواه البخاري (١/ ١٠٦)، ومسلم (١/ ١٦٦، ١٦٧) عن طلحة بن عبيد الله مرفوعا.