ﰡ
وقرأ الحسنُ وابنِ عامرٍ وعاصم وحمزةُ بالتَّشديد، يعنُون ما كلُّ نفسٍ إلاَّ عليها حافظٌ، وهي لغةُ هُذيل، يقولون نَشدتُكَ اللهَ لَمَّا قُلتَ، يعنون إلاَّ قُلتَ، قال ابنُ عبَّاس :((هُمُ الْحَفَظَةُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ)). قال الكلبيُّ :((مَعْنَاهُ حَافِظٌ مِنَ اللهِ يَحْفَظُ قَولَهَا وَفِعْلَهَا)).
وعن أبي أُمامة قال : قالَ رسولُ اللهِ ﷺ :" وُكِّلَ بالْمُؤْمِنِ مِائَةٌ وَسُتُّونَ مَلَكاً يَذُبُّونَ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، مِنْ ذلِكَ الْبَصَرُ سَبْعَةُ أمْلاَكٍ يَذُبُّونَ عَنْهُ كَمَا يَذُبُّ الرَّجُلُ الذُّبَابَ عَنْ قَصْعَةِ الْعَسَلِ، وَلَوْ وُكِّلَ الْعَبْدُ إلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ ".
والترائبُ : جمعُ التَّرِيبَةِ وهو موضعُ القلادةِ من الصَّدر، وهي أربعةُ أضلاعٍ من يُمنَةِ الصدر، وأربعةُ أضلاعٍ من يُسرَةِ الصَّدر، وسُئل عكرمةُ عن الترائب فقالَ :((هَذِهِ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ)).
ثم أخبرَ متى يكون البعثُ، فقالَ تعالى :﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآئِرُ ﴾ ؛ أي استعدُّوا ليومٍ تظهرُ فيه سرائرُ الضمائرِ التي لم يطَّلع عليها أحدٌ من البشرِ، وَقِيْلَ : أراد بالسَّرائر الأعمالَ التي أسَرَّها العبادُ فلم يُظهِرُوها، يُظهِرُها اللهُ تعالى يومَ القيامةِ.
والمعنى :﴿ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ بالغيب وأرزاقِ العباد كلَّ عامٍ، لولا ذلك لَهَلكُوا أو هلَكت مواشيهم، ﴿ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾ ؛ أي تتصدَّعُ عن النباتِ والأشجار والأنْهَار، نظيرهُ﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ﴾[عبس : ٢٦-٢٧] إلى آخرهِ. قوله :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾ ؛ أي إنَّ القرآنَ حقٌّ وجِدٌّ يفصلُ بين الحقِّ والباطلِ، ﴿ وَمَا هوَ بِالْهَزْلِ ﴾ ؛ أي وما هو باللَّعِب والباطلِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ﴾ أي أجِّلْهُم أجَلاً قليلاً، فقَتَلهم اللهُ تعالى يومَ بدرٍ، و ﴿ رُوَيْداً ﴾ كلامٌ مبنيٌّ على التصغيرِ، ويقال : أرُوَدْيَةَ، وقد يوضعُ (رُوَيْدَ) موضعَ الأمرِ، يقالُ : رُوَيْدَ زَيداً ؛ أي أرودْ زَيداً أو أصلهُ من رَادَتِ الرِّيحُ تَرُودُ رَوَدَاناً ؛ إذا تحرَّكت حركةً خفيفة، ويجوزُ أن يكون (رُوَيْداً) منصوبٌ على المصدر، كأنه قالَ : أرْودْهُمْ رُوَيداً. وبالله التوفيقُ.