ﰡ
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الشمس، فكأنما تصدق بكل شيء طلعت عليه الشمس والقمر» «١».
سورة الليل
مكية، وآياتها ٢١ «نزلت بعد الأعلى» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)المغشى: إما الشمس من قوله وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها وإما النهار من قوله يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ وإما كل شيء يواريه بظلامه من قوله إِذا وَقَبَ. تَجَلَّى ظهر بزوال ظلمة الليل.
أو تبين وتكشف بطلوع الشمس وَما خَلَقَ والقادر العظيم القدرة الذي قدر على خلق الذكر والأنثى من ماء واحد. وقبل: هما آدم عليه السلام وحواء. وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: والذكر والأنثى. وقرأ ابن مسعود: والذي خلق الذكر والأنثى.
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ٥ الى ٧]
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧)
أَعْطى يعنى حقوق ماله وَاتَّقى الله فلم يعصه وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى بالخصلة الحسنى:
وهي الإيمان. أو بالملة الحسنى: وهي ملة الإسلام، أو بالمثوبة الحسنى: وهي الجنة فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى فسنهيؤه لها من يسر الفرس للركوب إذا أسرجها وألجمها. ومنه قوله عليه السلام:
«كل ميسر لما خلق «١» له» والمعنى: فسنلطف به ونوفقه حتى تكون الطاعة أيسر الأمور عليه وأهونها «٢»، من قوله فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ.
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ٨ الى ١١]
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١)
وَاسْتَغْنى وزهد فيما عند الله كأنه مستغن عنه فلم يتقه. أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة، لأنه في مقابلة وَاتَّقى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى فسنخذله ونمنعه الألطاف، حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشدّه، من قوله يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ أو سمى طريقة الخير باليسرى، لأنّ عاقبتها اليسر، وطريقة الشر العسرى، لأن عاقبتها العسر. أو أراد بهما طريقى الجنة والنار، أى: فسنهديهما في الآخرة للطريقين. وقيل: نزلتا في أبى بكر رضى الله عنه، وفي أبى سفيان بن حرب وَما يُغْنِي عَنْهُ
استفهام في معنى الإنكار، أو نفى تَرَدَّى تفعل من الردى وهو الهلاك، يريد: الموت. أو تردّى في الحفرة إذا قبر.
أو تردى في قعر جهنم.
(٢). قال محمود: «التيسير لليسرى خلق الألطاف... الخ» قال أحمد: ألا يطيل لسانه هاهنا على أهل السنة ولكن قصره الحق فتراه يؤول الكلام بل يعطله، لأنه يحمله مالا يحتمله، وعلى كلامه في أمثالها روعة السارق الخائف.
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ١٢ الى ١٣]
إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣)إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى إن الإرشاد إلى الحق واجب علينا بنصب الدلائل «١» وبيان الشرائع وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى أى ثواب الدّارين للمهتدى، كقوله وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ.
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ١٤ الى ٢١]
فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨)
وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١)
وقرأ أبو الزبير: تتلظى. فإن قلت: كيف قال لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى...... وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى وقد علم أن كل شقىّ يصلاها «٢»، وكل تقىّ يجنبها، لا يختص بالصلى أشقى الأشقياء، ولا بالنجاة
(٢). قال محمود: «فان قلت: كيف قال لا يصلاها إلا الأشقى وسيجنبها الأتقى، وقد علم أن كل شقى يصلاها... الخ» قال أحمد: لا شك أن السائل بنى سؤاله على التمسك بمفهوم الآية لورودها بصيغة التخصيص، فحاصل جواب الزمخشري أن التخصيص هاهنا لفائدة أخرى غير النفي عما عدا المخصص، وتلك الفائدة المقابلة، وحيث تمحض لك السؤال والجواب، فهو يلاحظ نظر الشافعي رحمه الله في قوله تعالى قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ فانه لم يقل بمفهوم حصرها، وحملها على أن الحصر لفائدة المقابلة بالرد لأحكام الجاهلية، لا لنفى ما عدا المحصور.
على أن الزمخشري إنما ضيق عليه الخناق في هذه الآية حتى التزم ورود السؤال المذكور، التفاته إلى قاعدته الفاسدة وحذره أن تنقض، ويأبى الله إلا نقضها ورفضها، وإذا نزلت الآية على قواعد أهل السنة وضع لك ما قلته، فنقول: المصلى في اللغة أن يحفروا حفيرا فيجمعوا فيه جمرا كثيرا، ثم يعمدوا إلى شاة فيدسوها وسطه بين أطباقه، فأما ما يشوى فوق الجمر أو على المقلى أو على التنور فليس بمصلى، وهذا التفسير بعينه نص عليه الزمخشري ونقطة عن أهل اللغة في سورة الغاشية أيضا، وأنا وقفت عليه في كتبهم، فإذا عرفت معنى التصلية لغة وأنها أشد أنواع الإحراق بالنار، وفي علمك أن الناس عند أهل السنة ثلاثة أصناف: مؤمن صالح فائز، ومؤمن عاص، وكافر، وأن المؤمن الفائز يمر على النار فيطفئ نوره لهبها ولا يؤلم بمسها البتة، وإنما يردها تحلة القسم، والعاصي إن شاء الله تعذيبه ومجازاته فإنما يعذب على وجه النار في الطبقة الأولى باتفاق، حتى أن منهم من تبلغ النار إلى كعبه: وأشدهم من تبلغ النار إلى موضع سجوده فيحسه، ولا يعذب أحد من المؤمنين بين أطباقها ألبتة بوعد الله تعالى، والكافر هو المعذب بين أطباقها: تبين لك أن النار لا يصلاها أى يعذب بين أطباقها- كما علمت تفسيره في اللغة- إلا الكافر:
وهو الأشقى، لأن المؤمن العاصي لا يبلغ مبلغه في الشقاء، وأن المؤمن الفائز وهو الأتقى بالنسبة إلى المؤمن العاصي بجنب النار بالكلية، لأن وروده تحلة القسم لا يصل إليه مسها ولا ألمها، وأن المؤمن العاصي الذي ليس بالأتقى ولا بالأشقى لا يصلاها ولا يجنبها بالكلية، لأن وروده تحلة القسم بل يعذب فيها لا بالصلى، فهذا أحسن ما حملت الآية عليه، لكن إنما ينزل على جادة السنة. وأما الزمخشري فينحرف عنها، فلا جرم أنه في عهدة الجواب يفكر ويقدر. والله أعلم.
أضحت خلاء قفارا لا أنيس بها... إلا الجآذر والظّلمان تختلف «٢»
وقول القائل:
وبلدة ليس بها أنيس... إلّا اليعافير وإلّا العيس «٣»
(٢).
أضحت خلايا قفارا لا أنيس بها... إلا الجاذر والظلمان تختلف
رقفت فيها قلوصي كى تجاوبنى... أو بخبر الرسم عنهم أية انصرفوا
لبشر بن أبى خازم. وخلايا: جمع خلية أى خالية، والجآذر والظلمان. استثناء منقطع، لأنها لا تدخل في الأنيس. ورويا بالنصب على الاستثناء، وبالرفع على الابدال من الضمير المستكن في الخير، كما هو لغة عند تميم. والجآذر: أولاد بقر الوحش. وروى: الجوازئ، رهى الظباء التي اجتزأت بأكل الربيع عن شرب الماء. والظلمان: أولاد النعام.
أو النعام نفسه. والقلوص. الفتية من الإبل المكتنزة اللحم، والضمير فيها عائد للديار. وضمير «تجاوبنى» لها أيضا. والرسم: آثار الديار. وأية: اسم استفهام منصوب بما بعده على الظرفية، لقطعه عن الاضافة، أى:
صرفهم عزمهم ونيتهم. وشبه الرسم بعاقل على طريق المكنية فأسند له الاخبار تخييلا، وكذلك الدار ومجاوبتها.
(٣).
قد ندع المنزل يا لميس... يعيش فيه السبع الجروس
وبلدة ليس بها أنيس... إلا اليعافير وإلا العيس
لعامر بن الحرث المشهور بجران العود. ولميس: امرأة. والجروس: كثير الصوت، وبلدة- بالجر برب المقدرة بعد الواو، أى: قد نترك المنزل خاليا من أهله بقتلنا إياهم، أو لارتحالنا عنهم. واليعافير- بالرفع-: بدل من أنيس على لغة تميم في الاستثناء المنقطع بعد النفي، وإلا الثانية توكيد للأولى. واليعافير- جمع يعفور-: دابة قدر السخلة على لون الرماد. وقيل: غزال كذلك. وقيل: ولد البقرة الوحشية. والعيس: البيض من الظباء أو الإبل:
جمع أعيس أو عيساء. والعيساء أيضا: أنثى الجراد، يخالط بياضها شقرة.