ﰡ
قوله: ﴿ هُوَ أَقْسَطُ ﴾ أي دعاؤهم لآبائهم أبلغ في العدل والصدق. قوله: ﴿ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ ﴾ أي فادعوهم بمادة الاخوة، بأن تقولوا له يا أخي مثلاً. قوله: (بنو عمكم) تفسير للموالي، فإنه يطلق على معان من جملتها ابن العم، والمعنى إذا لم تعرفوا نسب شخص، وأردتم خطابه، فقولوا له: يا ابن عمي مثلاً. قوله: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾ أي إثم قوله: ﴿ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ ﴾ أي ولكن الجناح فيما تعمدته قلوبكم.
﴿ أَوْلَىٰ ﴾ خبر. قوله: (في الإرث) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف، والتقدير الأقارب، أولى بإرث بعضهم، من أن يرثهم المؤمنون والمهاجرون الأجانب. قوله: (أي من الإرث بالإيمان والهجرة) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ متعلق بأولى. يعني أن الأقارب أولى بإرث بعضهم، من الإرث بسبب الإيمان والهجرة الذي كان في صدر الإسلام، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤاخي بين الرجلين، فإذا مات أحدهما ورثة الآخر دون عصبته، حتى نزلت ﴿ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ ﴾.
قوله: ﴿ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ ﴾ استثناء منقطع، ولذا فسره بلكن. قوله: ﴿ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ ﴾ أي من توالونه من الأجانب. قوله: (بوصية) أي فلما نسخ الإرث بالإيمان والهجرة، توصل إلى نفع الأجانب بالوصية، وهي خارجة من ثلث المال. قوله: ﴿ مَسْطُوراً ﴾ أي مكتوباً. قوله: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا ﴾ ظرف لمحذوف قدره بقوله: (اذكر). قوله: (وهي أصغر النمل) أي فكل أربعين منها أصغر من جناح بعوضة. قوله: (بأن يعبدوا الله) أي يوحدوه، وهو تفسير للميثاق. قوله: (ويدعوا إلى عبادته) أي يبلغوا شرائعه للخلق، فعهد الأنبياء ليس كعهد مطلق الخلق. قوله: (من عطف الخاص على العام) أي والنكتة كونهم أولي العزم ومشاهير الرسل، وقدمه صلى الله عليه وسلم لمزيد شرفة وتعظيمه قوله: (بما حملوه) أي وهو عبادة الله والدعاء إليها. قوله: (وهو اليمين) أي الحلف بالله على أن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادته، فالميثاق الثاني غير الأول، لأن الأول إيصاء على التوحيد، والدعوى إليه من غير يمين، والثاني مغلط باليمين، والشيء مع غيره غيره في نفسه.
قوله: (متحزبون) أي مجتمعون، وتقدم أنهم كانوا اثني عشر ألفاً، وكان المسلمون إذ ذاك ثلاثة آلاف، والمنافقون من جملتهم. قوله: ﴿ رِيحاً ﴾ أي من الصبا التي تهب من المشرق ولم تتجاوزوهم. قوله: (ملائكة) أي وكانوا ألفاً ولم يقاتلوا، وإنما ألقوا الرعب في قلوبهم. قوله: (وبالياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ إِذْ جَآءُوكُمْ ﴾ بدل من إذا جاءتكم. قوله: (من أعلى الوادي) أي وهم أسد وغطفان. قوله: (وأسفله) أي وهم قريش وكنانة. قوله: (من المشرق والمغرب) لف ونشر مرتب. قوله: (من كل جانب) أي المحيط من كل جانب. قوله: (وهي منتهى الحلقوم) أي من أسفله. قوله: ﴿ ٱلظُّنُونَاْ ﴾ بألف بعد النون وصلاً ووقفاً، وبدونها في الحالين، وبإثباتها وقفاً، وحذفها وصلاً، ثلاث قراءات سبعيات، وتجري في قوله أيضا ﴿ ٱلسَّبِيلاْ ﴾ و ﴿ ٱلرَّسُولاَ ﴾ في آخر السورة. قوله: (بالنصر) أي من المؤمنين، وقوله: (واليأس) أي من المنافقين وبعض الضعفاء. قوله: ﴿ هُنَالِكَ ﴾ ظرف مكان أي في ذلك المكان وهو الخندق. قوله: ﴿ زِلْزَالاً ﴾ بكسر الزاي في قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بفتح الزاي، وهما لغتان في مصدر الفعل المضعف إذا جاء على فعلان، كصلصال وقلقال. قوله: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾ إلخ، القائل معتب بن بشير، وقال أيضاً: يعدنا محمد بفتح فارس والروم، وأحدنا لا يقدر أن يتبرز فرقاً وخوفاً، ما هذا إلا وعد غرور. قوله: ﴿ وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ ﴾ القائل وهو أوس بن قيظي، بكسر الظاء المعجمة من رؤساء المنافقين. قوله: (هي أرض المدينة) أي فسميت باسم رجل من العمالقة كان نزلها قديماً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها بذلك، وسماها طيبة وطابة وقبة الإسلام ودار الهجرة. قوله: (ووزن الفعل) أي فهي على وزن يضرب. قوله: (بضم الميم وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (ولا مكانة) أي تمكنا فهو بمعنى الإقامة. قوله: (جبل خارج المدينة) أي بينهما وبين الخندق، فجعل المسلمون ظهورهم إليه ووجوهم للعدو. قوله: ﴿ وَيَسْتَئْذِنُ ﴾ عطف على ﴿ قَالَت طَّآئِفَةٌ ﴾ وعبر بالمضارع استحضاراً للصورة. قوله: (يخشى عليها) أي من السراق لكونها قصيرة البناء. قوله: (قال تعالى) أي تكذيباً لهم.
قوله: ﴿ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ ﴾ أي لأنه يشخص ببصره ويذهب عقله. قوله: ﴿ سَلَقُوكُمْ ﴾ السلق بسط العضو ومدة للقهر، كان يداً أو لساناً، ففي الآية استعارة بالكناية، حيث شبه اللسان بالسيف، وطوى ذكر المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه وهو السلق بمعنى الضرب، فإثباته تخييل والحداد ترشيح. قوله: ﴿ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ ﴾ أي مانعين له، فلا نفع في أنفسهم ولا في مالهم. قوله: ﴿ لَمْ يُؤْمِنُواْ ﴾ (حقيقة) أي بقلوبهم وإن أسلموا ظاهراً. قوله: ﴿ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي أظهر بطلانها. قوله: ﴿ يَحْسَبُونَ ﴾ أي المنافقون لشدة جبنهم. قوله: ﴿ ٱلأَحْزَابَ ﴾ أي قريشاً وغطفان واليهود. قوله: ﴿ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ ﴾ أي ساكنون في البادية خارج المدينة، ليكونوا في بعد عن الأحزاب. قوله: ﴿ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ ﴾ يصح أن يكون حالاً من الواو في ﴿ بَادُونَ ﴾ أو جملة مستأنفة، والمعنى يسألون كل قادم من جانب المدينة، عما جرى بينكم وبين الكفار، وقائلين فيما بينهم: إن غلب المسلمون قاسمناهم في الغنيمة، وإن غلب الكفار فنحن معهم. قوله: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ هذه الآية وما بعدها إلى قوله:﴿ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ ﴾[الأحزاب: ٢٦] من تمام قصة الأحزاب، وفيها عتاب للمتخلفين عن القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمنين والمنافقين. قوله: (بكسر الهمزة وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (اقتداء) أشار بذلك إلى أن الأسوة اسم بمعنى المصدر وهو الائتساء، يقال ائتسى فلان بفلان أي اقتدى به. قوله: (في القتال) لا مفهوم له، بل الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم واجب في الأقوال والأفعال والأحوال، لأنه لا ينطق ولا يفعل عن هوى، بل جميع أفعاله وأقواله وأحواله عن ربه، ولذا قال العارف: وخصك بالهدى في كل أمر فلست تشاء إلا ما يشاءوإنما خص القتال بالذكر لأنه معرض السبب. قوله: ﴿ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ ﴾ لأي فالمنصف بهذه الأوصاف، ثبتت له الأسوة الحسنة في رسول الله، وأما من لم يكن متصفاً بتلك الأوصاف، فليس كذلك. قوله: ﴿ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً ﴾ أي بلسانه أو جنانه أو ما هو أعم.
أي بقوله: إن الأحزاب سائرون عليكم بعد تسع ليال أو عشر، والعاقبة لكم عليهم. قوله: ﴿ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ أي ظهر صدق خبر الله ورسوله في الوعد بالنصر، فاستبشروا بالنصر قبل حصوله، وأظهر في محل الإضمار، وزيادة في تعظيم اسم الله، ولأنه لو أضمر الجمع بين اسم الله واسم رسوله في ضمير واحد، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم عاب على من قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصمهما فقد غوى، فقال له: بئس خطيب القوم أنت، قل: ﴿ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأحزاب: ٣٦].
قوله: ﴿ وَمَا زَادَهُمْ ﴾ (ذلك) أي والوعد أو الصدق. قوله: ﴿ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ ﴾ إلخ، هم جماعة من الصحابة نذروا أنهم إذا أدركوا حرباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا. قوله: أي وفي نذره بموته في القتال، يقال: نحب ينحب، من باب قتل نذر، ومن باب ضرب بكى، قوله: ﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ ﴾ (ذلك) أي قضاء النحب بالموت في سبيل الله. قوله: (بخلاف حال المنافقين) أي فقد بدلوا وغيروا، فكان الواحد منهم إذا أراد القتال، إنما يقال خوفاً على نفسه وماله، لا طمعاً في رضا الله. قوله: ﴿ لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ الخ. قوله: (بأت يميتهم على نفاقهم) أشار بذلك إلى أن مفعول ﴿ شَآءَ ﴾ محذوف، ودفع بذلك ما يقال: إن عذابهم متحتم، فكيف علق على المشيئة؟ فالتعليق بحسب علمنا، وأما في علم الله فالأمر محتم، إما بالسعادة أو الشقاوة، وسيظهر ذلك للعباد.
قوله: ﴿ فَتَعَالَيْنَ ﴾ فعل أمر مبني على السكون، ونون النسوة فاعل. قوله: ﴿ أُمَتِّعْكُنَّ ﴾ جواب الشرط وما بينهما اعتراض، ويصح أن يكون مجزوماً في جواب الأمر، والجواب ﴿ فَتَعَالَيْنَ ﴾ قوله: (أطلقن من غير ضرار) أي من غير تعب ومشقة. قوله: (فاخترن الآخرة على الدنيا) أي ودمن على ذلك، فكن زاهدات في الدنيا، حتى ورد أن عائشة دخل عليها ثمانون ألف درهم من بيت المال، فأمرت جاريتها بتفرقتها ففرقتها في مجلس واحد، فلما فرغت طلبت عائشة منها شيئاً تفطر به وكانت صائمة، فلم تجد منها شيئاً.
قوله: ﴿ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ ﴾ أي بشروطها وآدابها. قوله: ﴿ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ ﴾ أي لمستحقيها. قوله: ﴿ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي في جميع الأوامر والنواهي، فلا تليق منكن المخالفة فيما أمر الله ورسوله به. قوله: ﴿ ٱلرِّجْسَ ﴾ أي الذنب المدنس لعرضكن. قوله: ﴿ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ ﴾ منصوب على أنه منادى، وحرف النداء محذوف قدره المفسر. قوله: (أي نساء النبي) قصره عليهن لمراعاة السياق، وإلا فقد قيل: الآية عامة في أهل بيت سكنه وهن أزواجه، وأهل بيت نسبه وهن ذريته. قوله: ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً ﴾ أكده إشارة إلى الزيادة في التطهير بسبب التكاليف، فالعبادة والتقوى سبب للطهارة، وهي الخلوص من دنس المعاصي، فمن ادعى الطهارة مع ارتكابه المعاصي، فهو ضال كذاب. قوله: ﴿ وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ ﴾ أي لتذكرن به أنفسكن أو غيركن، وفيه تذكير لهن بهذه النعمة العظيمة، حيث جعلهن من أهل بيت النبوة، وشاهدن نزول الوحي، وكل ذلك موجب للزوم التقوى. قوله: ﴿ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ بيان لما. قوله: ﴿ لَطِيفاً ﴾ أي عالماً بخفيات الأمور. قوله: ﴿ خَبِيراً ﴾ أي مطلعاً على كل شيء. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ ﴾ إلخ، سبب نزولها: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم جلسن يتذاكرن فيما بينهن ويقلن: إن الله ذكر الرجال في القرآن، ولم يذكر النساء بخير، فما فينا خير نذكر به، إنا نخاف أن لا تقبل منا طاعة، فسألت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت كثيرة السؤال له فقالت: يا رسول الله، ما بال ربنا يذكر الرجال في كتابه ولا يذكر النساء؟ فنخشى أن لا يكون فيهن خير، فنزلت جبراً لخاطرهن. قوله: ﴿ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ إنما عطف وصفهم بالإيمان على وصفهم بالإسلام، وإن كانا متحدين شرعاً، نظراً إلى أنهما مختلفان مفهوماً، إذ الإسلام التلفظ بالشهادتين، بشرط تصديق القلب بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والإيمان الإذعان القلبي بشرط النطق باللسان، ويكفي في العطف أدنى تغاير. قوله: ﴿ وَٱلْحَافِـظَاتِ ﴾ حذف المفعول لدلالة ما قبله عليه والتقدير والحافظات فروجهن. قوله: ﴿ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً ﴾ أي بأي ذكر كان، من تسبيح أو تهليل أو تحميد أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والكثرة مختلفة باختلاف الأشخاص، فالكثرة في حق العامة أقلها ثلاثمائة، وفي حق المريدين اثنا عشر ألفاً، وفي حق العارفين عدم خطور الغير على قلوبهم، ومنه قول العارف ابن الفارض: ولو خطرت لي في سواك إرادة على خاطري يوماً حكمت بردتي
قوله: ﴿ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً ﴾ ذكر اسم الله للتعظيم، وإشارة إلى أن قضاء رسول الله هو قضاء الله، لكونه لا ينطق عن الهوى، وإذا يصح أن تكون ظرفاً معمولاً لما تعلق به خبر كان، والتقدير وما كان مستقراً لمؤمن ولا مؤمنة وقت قضاء الله ورسوله أمراً كون الخيرة لهم، ويصح أن تكون شرطية، وجوابها محذوف دل عليه ما قبله. قوله: ﴿ أَن يَكُونَ ﴾ اسم كان مؤخر، والجار والمجرور خبر مقدم. قوله: (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان، فالتاء ظاهرة والياء نظراً إلى الخيرة مجازي التأنيث، أو للفصل بين العامل والمعمول. قوله: ﴿ ٱلْخِيَرَةُ ﴾ بفتح الياء وقرئ شذوذاً بإسكانها، ومعناهما واحد وهو الاختيار. قوله: (أي الاختيار) أشار بذلك إلى أن الخيرة مصدر. قوله: ﴿ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ حال من الخيرة. قوله: (وأخته زينب) أي بنت جحش، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (خطبها النبي وعنى لزيد) أي بعد أن كان زوجه أولاً أم أيمن بركة الحبشية بنت ثعلبة بن حصن، كان لعبد الله أبي النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها، وقيل أعتقها النبي صلى الله عليه وسلم، وعاشت بعده صلى الله عليه وسلم خمسة أشهر وقيل سنة، وولدت لزيد أسامة، وكانت ولادته بعد البعثة بثلاث سنين وقيل بخمس. قوله: (فكرها ذلك) أي كون الخطبة لزيد، وقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا بنت عمتك، فلا أرضاه لنفسي، وكانت بيضاء جميلة، وزيد أسود. قوله: (ثم رضيا للآية) أي حين نزلت الآية توبيخاً لهما. قوله: ﴿ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ إلخ، هذا من تمام ما نزل في شأنهما، فكان المناسب للمفسر تأخير ذكر سبب النزول عن هذه الآية. قوله: ﴿ فَقَدْ ضَلَّ ﴾ أي أخطأ طريق الصواب. قوله: (فزوجها النبي لزيد) أي وأعطاها رسول الله عشرة دنانير وستين درهماً وخماراً ودرعاً وملحفة وخمسين مداً من طعام وثلاثين صاعاً من تمر. قوله: (ثم وقع بصره عليها) هذا بناء على أن معنى قوله تعالى: ﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ ﴾ هو حبها الذي درج عليه المفسر تبعاً لغيره، وهذا التفسير غير لائق بمنصب النبوة لا سيما بجنابه الشريف، وأيضاً يبعد أن النبي يخفى عليه حالها، مع كونها بنت عمته وفي حجره. قوله: (فقال: ﴿ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ﴾ أي لا تفارقها. قوله: (منصوب باذكر) أي فهو معمول لمحذوف. قوله: (اشتراه رسول الله) فيه تسمح، بل الذي في السير، أن خديجة اشترته بأربعمائة درهم، ثم وهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الشراء صوري، وإلا فهو كان حراً، لأنه لم يكن الرق بالسبي مشروعاً، لكونهم أهل فترة، وهم ناجون ليس فيهم حربي، والعلماء عرفوا الرق بأنه عجز حكمي سببه الكفر، روي أن عمه لقيه يوماً بمكة، فعرفه وضمه إلى صدره وقال له: لمن أنت؟ قال: لمحمد بن عبد الله، فأتوه وقالوا: هذا ابننا فرده علينا، فقال اعرضوا عليه، فإن اختاركم فخذوه، فبعث إلى زيد وخيره فقال: يا رسول الله ما أختار عليك أحداً، فجذبه عمه وقال: يا زيد اخترت العبودية على أبيك وعمك؟ قال: نعم هي أحب تقدم أنه تنزه عنه رسول الله، والصواب أن يقول: إن الذي أخفاه في نفسه، هو ما أخبره الله به، من أنها ستصير إحدى زوجاته بعد طلاق زيد لها، لما روي عن علي بن الحسين رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله إليه أن زيداً يطلق زينب، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها، فلما شكى للنبي خلق زينب وأنها لا تطيعه، وأعلمه بأنها تريد طلاقها، قال له رسول الله على جهة الأدب والوصية: اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك، وهذا هو الذي أخفى في نفسه، وخشي رسول أن يلحقه قول الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو متبنيه، فعاتبه الله على الكتم لأجل هذا العذر، والحكمة في تزوج رسول الله بزينب، إبطال حكم التبني، والتفرقة بين ولد الصلب وولد التبني، من حيث إن ولد الصلب يحرم التزوج بزوجته، وولد التبني لا يحرم. قوله: (وتزوجها) هكذا في بعض النسخ بصيغة الأمر، وفي نسخة ويزوجكها فعل مضارع. قوله: ﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً ﴾ أي بأن لم يبق له فيها إرب وطلقها وانقضت عدتها، وفي ذكر اسمع صريحاً دون غيره من الصحابة جبر وتأنيس له، وعوض من الفخر بأبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فكان اسمه قرآناً يتلى في الدنيا والآخرة على ألسنة البشر والملائكة، وزاد في الآية أن قال: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ ﴾ أي بالإيمان، فدل على أنه من أهل الجنة، فعلم ذلك قبل موته، فهذ فضيلة أخرى. قوله: (فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن) أي ولا عقد ولا صداق، وهذا من خصوصياته التي لم يشاركه فيها أحد بالإجماع، وكان تزوجه بها سنة خمس من الهجرة، وقيل سنة ثلاث، وهي أول من مات بعده من زوجاته، ماتت بعده بعشر سنين، ولها من العمر ثلاث وخمسون سنة، وكانت تفتخر على أزواج النبي وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات، وكانت تقول للنبي: جدي وجدك واحد، وليس من نسائك من هي كذلك غيري، وقد أنكحنيك الله، والسفير في ذلك جبريل. قوله: (وأشبع المسلمين خبزاً ولحماً) أي فذبح شاة وأطعم الناس خبزاً ولحماً حتى تركوه، ولم يولم النبي على أحد من نسائه، كما أولم على زينب. قوله: ﴿ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ ﴾ إلخ، أي فهو دليل على أن هذا الأمر ليس مخصوصاً صلى الله عليه وسلم. قوله: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً ﴾ أي موجوداً لا محالة. قوله: ﴿ مِنْ حَرَجٍ ﴾ أي إثم. قوله: (فنصب بنزع الخافض) ويصح نصبه على المصدرية، وفي هذه الآية رد على اليهود حيث عابوا على النبي صلى الله عليه وسلم كثرة النساء. قوله: (توسعة لهم في النكاح) أي فقد كان لداود مائة امرأة، ولسليمان ولده سبعمائة امرأة وثلاثين سرية. قوله: ﴿ قَدَراً مَّقْدُوراً ﴾ هو من التأكيد كظل ظليل وليل أليل. قوله: ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾ أي أبوة حقيقية، فلا ينافي أن أبوهم من حيث إنه شفيق عليهم وناصح لهم، يجب عليهم تعظيمه وتوقيره. قوله: ﴿ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ ﴾ العامة على تخفيف لكن، ونصب رسول على أنه خبر لكان المحذوفة، وقرئ شذوذاً بتشديد ﴿ لَـٰكِن ﴾، و ﴿ رَّسُولَ ﴾ اسمها، وخبرها محذوف تقديره أب من غير وراثة، إذا لم يعش له ولد ذكر، وقرئ أيضاً بتخفيفها، ورفع رسول على الابتداء، والخبر مقدر أي هو أو بالعكس، ووجه الاستدراك رفع ما يتوهم من نفي الأبوة عنه، أن حقه ليس أكيداً، فأفاد أن حقه آكد من حق الأب الحقيقي بوصف الرسالة. قوله: (فلا يكون له ابن رجل بعده يكون نبياً) النفي في الحقيقة متوجه للوصف، أي كون ابنه رجلاً، وكونه نبياً بعده، وإلا فقد كان به من الذكر أولاد، ثلاث، إبراهيم والقاسم والطيب، ولكنهم ماتوا قبل البلوغ، لم يبلغوا مبلغ الرجال، فكونه خاتم النبيين، يلزم منه عدم وجود ولد بالغ له، وأورد عليه بمنع الملازمة، إذ كثير من الأنبياء، وجد لهم أولاد بالغون وليسوا بأنبياء، وأجيب: بأن الملازمة، ليست عقلية، بل على مقتضى الحكمة الإلهية، وهي أن الله أكرم بعض الرسل بجعل أولادهم أنبياء كالخليل، ونبينا أكرمهم وأفضلهم، فلو عاش أولاده، اقتضى تشريف الله له جعلهم أنبياء، لجمعهم المزايا المتفرقة في غيره فتدبر. قوله: (وإذا نزل السيد عيسى) إلخ، جواب عما يقال: كيف قال تعالى: ﴿ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ ﴾ وعيسى ينزل بعده وهو نبي؟ ولا يرد على هذا، وضع الجزية، وعدم قبول غير الإسلام، ونحو ذلك مما جاء في الأحاديث مما يخالف شرعنا، لأن ذلك شرع نبينا عند نزول عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾ في هذا إشارة إلى تشريف المؤمنين عموماً، حيث ناداهم وأمرهم بذكره وتسبيحه، وصلى عليهم هو وملائكته، وأفاض عليهم الأنوار وحياهم، والمقصود من ذكر العباد ربهم كون الله يذكرهم، قال تعالى:﴿ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ ﴾[البقرة: ١٥٢] وليس المقصود منه انتفاعه تعالى بذلك، تنزه الله على أن يصل له من عباده نفع أو ضر، قال تعالى:﴿ إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ﴾[الزمر: ٧] فذكرنا لأنفسنا، لأنه لا غنى لنا عن ربنا طرفة عين، وإذا كان كذلك، فلا تليق الغفلة عنه أبداً، بل المطلوب ذكره دائماً وأبداً، واعلم أن الله تعالى لم يفرض فريضة على عباده، وإلا جعل لها حداً معلوماً، وعذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فلم يجعل له حداً، ولم يعذر أحداً في تركه، إلا من كان مغلوباً على عقله، ولذا أمرهم به في جميع الأحوال، قال تعالى:﴿ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ﴾[النساء: ١٠٣] ففيه إشارة إلى أن الذكر أمره عظيم وفضله جسيم.
وقال تعالى:﴿ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً ﴾[الواقعة: ٢٥-٢٦] قوله: (هو الجنة) أي وما فيها من النعيم المقيم. قوله: (على من أرسلت إليهم) أي لتترقب أحوالهم، وتكون مشاهداً لما صدر منهم من الأعمال الحسنة والقبيحة، فالأعمال تعرض عليه حياً وميتاً، ويصح أن يكون المراد شاهداً يوم القيامة للمؤمنين وعلى الكافرين، فهو مقبول الدعوى، لا يحتاج في دعواه إلى شهادة أحد، فيشهد للأنبياء بالتبليغ، وعلى الأمم إما بالتصديق أو بالتكذيب. قوله: (بأمره) دفع بذلك ما يقال: الأذن حاصل بقوله: ﴿ أَرْسَلْنَٰكَ ﴾ فأجاب: بأن المراد بالإذن الأمر والحكة في الاذن تسهيل الأمر وتيسيره، لأن الدخول في الشيء من غير إذن متعذر، فإذا حصل الإذن سهل وتيسر، ومن هنا أخذ الأشياخ استعمال الإجازة للمريدين، فمن أجاز أشياخه بشيء من العلم والإرشاد، فقد سهلت له الطريق وتيسرت، ومن لم تحصل له الإجازة وتصدر بنفسه، فقد عطل نفسه وغيره، وانسدت عليه الطرق. قوله: ﴿ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ﴾ يحتمل أن المراد بالسراج الشمس وهو ظاهر، ويحتمل أن المراد به المصباح، وحينئذ فيقال إنما شبه بالسراج، ولم يشبه بالشمس مع أن نورها أتم، لأن السراج يسهل اقتباس الأنوار منه، وهو صلى الله عليه وسلم تقتبس منه الأنوار الحسية والمعنوية. قوله: ﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي حيث كنت متصفاً بالصفات الخمسة فبشر المؤمنين. قوله: ﴿ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ أي لا تدار الكفار، ولا تلن لهم جانبك في أمر الدين، بل أثبت على ما أوحي إليك وبلغه، ولا تكتم منه شيئاً. قوله: ﴿ وَدَعْ أَذَاهُمْ ﴾ إما من إضافة المصدر لفاعله أي أذيتهم إياك، فلا تقاتلهم جزاء على ما صدر منهم، أو لمفعوله أي اترك اذيتك لهم في نظير كفرهم، واصفح عنهم واصبر، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وهذا منسوخ بآية القتال. قوله: ﴿ وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ أي ثق به في أمورك واعتمد عليه، يكفك أمور الدين والدنيا. قوله: ﴿ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِـيلاً ﴾ الباء زائدة في الفاعل، أي إن الله تعالى كاف من توكل عليه أمور الدنيا والآخرة، وفي الآية إشارة إلى أن التوكل أمره عظيم، فإذا عجز الإنسان عن أمر، فعليه بالتوكل على الله والتفويض إليه، فإن الله يكفيه ما أهمه من أمور الدنيا والآخرة. قوله: ﴿ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ المراد بالنكاح العقد بدليل قوله: ﴿ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾ وذكر المؤمنات خرج مخرج الغالب، إذ الكتابيات كذلك، وإنما خص المؤمنات بالذكر، إشارة إلى أن الأولى للمؤمن أن ينكح المؤمنات، وأما نكاح الكتابيات فمكروه، أو خلاف الأولى. قوله: ﴿ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾ أي ولو طال زمن العقد. قوله: (وفي قراءة) أي وهما سبعيتان. قوله: (أي تجامعوهن) تفسير لكل من القراءتين. قوله: ﴿ تَعْتَدُّونَهَا ﴾ إما من العدد أو من الاعتداد أي تحسبونها أو تستوفون عددها من قولهم: عدا الدراهم فاعتدها أي استوفى عددها. قوله: (وعليه الشافعي) أي ومالك، فالمطلقة قبل الدخول إن سمي لها صداق، فلا متعة لها ولا عدة عليها، وإن لم يسم لها صداق بأن نكحت تفويضاً، فلا عدة عليها ولها المتعة، إما وجوباً كما هو عند الشافعي، أو ندباً كما هو عند مالك. قوله: (خلوا سبيلهن) أي اتركوهن. قوله: (من غير ضرار) أي بأن تمسكوهن تعنتاً حتى يفتدين منكم، أو تؤذوهن وتتكلموا في أعراضهن.
قوله: ﴿ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾ استثناء متصل من النساء، لأنه يتناول الأزواج والإماء، وقيل منقطع لإخراجه من الأزواج. قوله: (وقد ملك بعدهن مارية) أي القبطية، أهداها له المقوقس ملك القبط، وهم أصل مصر والاسكندرية، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم بعث له حاطب بن أبي بلتعة بكتاب يدعوه فيه إلى الإسلام صورته: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت، فإنما عليك إثم القبط، و﴿ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾[آل عمران: ٦٤]، الآية. فلما جاء حاطب بالكتاب إلى المقوقس، وجده في الإسكندرية، فدفعه إليه فقرأه، ثم جعله في حق من عاد وختم عليه ودفعه إلى جارية، ثم كتاب جوابه في كتاب صورته: بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه، وعلمت أن نبياً قد بقي، وما كنت أظن إلا أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، أي فإنه قد دفع له مائة دينار وخمسة أثواب، وبعثت لك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، أي وهما مارية وسيرين، وعشرين ثوباً منق قباطي مصر، وطيباً وعوداً ونداً ومسكاً، مع ألف مثقال من الذهب، ومع قدح من قوارير، وبغلة للركوب، وأهدى إليه جارية أخرى زيادة على الجاريتين، وخصياً يقال له مابور، والبغلة هي دلدل وكانت شهباء، وفرساً وهو اللزاز، فإنه سأل حاطباً: ما الذي يحب صاحبك من الخيل؟ فقال له: الأشقر، وقد تركت عنده فرساً يقال لها المرتجز، فانتخب له فرساً من خيل مصر الموصوفة، فأسرج وألجم، وهو فرسه الميمون، وأهدى إليه عسلاً من عسل بنها، قرية من قرى مصر، فأعجب به صلى الله عليه وسلم وقال: إن كان هذا عسلكم، فهذا أحلى، ثم دعا فيه بالبركة. قوله: (وولدت له إبراهيم) أي في ذي الحجة سنة ثمان، وعاش سبعين يوماً، وقيل: سنة وعشرة أشهر، وقوله: (ومات في حياته) أي ولم يصلّ عليه بنفسه، بل أمرهم فصلوا عليه.
قوله: ﴿ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ ﴾ إلخ، هذا في المعنى مستثنى من قوله: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً ﴾ الآية، روي أنه لما نزلت آية الحجاب قال آباؤهن وآبناؤهن: يا رسول الله أو نكلمهن أيضاً من وراء حجاب، فنزلت هذه الآية. وقوله: ﴿ فِيۤ آبَآئِهِنَّ ﴾ أي أصولهن وإن علوا، وقوله: ﴿ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ ﴾ المراد فروعهن وإن سفلوا. قوله: ﴿ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ ﴾.
الإضافة من حيث المشاركة في الوصف وهو الإسلام، فقول المفسر (أي المؤمنات) تفسير للمضاف، ومفهومه أن النساء الكافرات، لا يجوز لهن النظر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك، ولا مفهوم لأزواج النبي، بل جميع النساء المسلمات كذلك، فلا يحل للمسلمة أن تبدي شيئاً منها للكافرة، لئلا تصفها لزوجها الكافر. قوله: ﴿ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ ﴾ عطف على محذوف، والتقدير امتثلن ما أمرتن به، واتقين الله، وحكمة تخصيص الحجاب هنا بأمهات المؤمنين، وإن تقدم في سورة النور عموماً دفع توهم أن أزواج النبي كالأمهات من كل وجه، فأفاد هنا أنهن كالأمهات في التعظيم والتوقير، لا في الخلوة والنظر، فإنهن كالأجانب بل هن أشد، فذكر لهن حجاباً مخصوصاً، فلا يقال إنه مكرر مع ما تقدم في النور. قوله: (لا يخفى عليه شيء) أي من الطاعات والمعاصي الظاهرة والخفية. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ ﴾ إلخ، هذه الآية فيها أعظم دليل على أنه صلى الله عليه وسلم مهبط الرحمات، وأفضل الخلق على الإطلاق، إذ الصلاة من الله على نبيه، ورحمته المقرونة بالتعظيم، ومن الله على غير النبي مطلق الرحمة، لقوله تعالى:﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ ﴾[الأحزاب: ٤٣] فانظر الفرق بين الصلاتين، والفضل بين المقامين. قوله: ﴿ وَمَلاَئِكَـتَهُ ﴾ بالنصب معطوف على اسم ﴿ إِنَّ ﴾، وقوله: ﴿ يُصَلُّونَ ﴾ خبر عن الملائكة، وخبر لفظ الجلالة محذوف تقديره: إن الله يصلي وملائكته يصلون، وهذا هو الأتم لتغاير الصلاتين، والمراد بالملائكة جميعهم، والصلاة من الملائكة الدعاء للنبي بما يليق به، وهو الرحمة المقرونة بالتعظيم، وحينئذ فقد وسعت رحمة النبي كل شيء، تبعاً لرحمة الله، فصار بذلك مهبط الرحمات، ومنبع التجليات. قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ ﴾ أي ادعوا له بما يليق به، وحكمة صلاة الملائكة والمؤمنين على النبي تشريفهم بذلك، حيث اقتدوا بالله في مطلق الصلاة، وإظهار تعظيمه صلى الله عليه وسلم، ومكافأة لبعض حقوقه على الخلق، لأنه الواسطة العظمى في كل نعمة وصلت لهم، وحق على من وصل له نعمة من شخص أن يكافئه، فصلاة جميع الخلق عليه، مكافأة لبعض ما يجب عليهم من حقوقه. إن قلت: إن صلاتهم طلب من الله أن يصلي عليه، وهو مصل عليه مطلقاً طلبوا أو لا؟ أجيب: بأن الخلق لما كانوا عاجزين عن مكافأته صلى الله عليه وسلم؛ طلبوا من القادر المالك أن يكافئه، ولا شك أن الصلاة الواصلة للنبي صلى الله عليه وسلم من الله لا تقف عند حد، فكلما طلبت من الله، زادت على نبيه، فهي دائمة بدوام الله. قوله: ﴿ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ إن قلت: خص السلام بالمؤمنين، دون الله والملائكة. أجيب بأن هذه الآية لما ذكرت عقب ذكر ما يؤذي النبي، والأذية إنما هي من البشر، فناسب للتخصيص بهم، لأن في السلام سلامة من الآفات، وأكد السلام دون الصلاة، لأنها لما أسندت لله وملائكته، كانت غبية عن التأكيد. واعلم أن العلماء اتفقوا على وجوب الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم اختلفوا في تعيين الواجب، فعند مالك تجب الصلاة والسلام في العمر مرة، وعند الشافعي تجب في التشهد الأخير من كل فرض، وعند غيرهما تجب في كل مجلس مرة، وقيل: تجب عند ذكره، وقيل: يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد، وبالجملة فالصلاة على الني أمرها عظيم، وفضلها جسيم، وهي من أفضل الطاعات، وأجل القربات، حتى قال بعض العارفين: إنها توصل إلى الله تعالى من غير شيخ، لأن الشيخ والسمد فيها صاحبها، لأن تعرض عليه، ويصلى على المصلي بخلاف غيرها من الأذكار، فلا بد فيها من الشيخ العارف، وإلا دخلها الشيطان، ولم ينتفع صاحبها بها. قوله: (أي قولوا اللهم صلِّ على محمد وسلم) أي اجمعوا بين الصلاة والسلام، وصيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تحصى وأفضلها ما ذكره فيه لفظ الآل والصحب، فمن تمسك بأي صيغة منها، حصل له الخير العظيم.
قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ ﴾ إلخ، سبب نزولها: أن المنافقين كانوا يتعرضون للنساء بالأذية، يريدون منهن الزنا، ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء، ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة، لأن زي الكل واحد، تخرج الحرة والأمة في درع مخمار، فتكون ذلك لأزواجهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت. قوله: ﴿ يُدْنِينَ ﴾ أي يرخين ويغطين. قوله: (التي تشمل بها) أي تتغطى وتتستر بها المرأة من فوق الدرع والخمار. قوله: (فلا يغطين وجوههن) أي فكن لا يغطين وجوههن، وهذا فيما مضى، وأما الآن فالواجب على الحرة والأمة الستر بثياب غير مزينة خوف الفتنة. قوله: (لما سلف منهن من ترك الستر) وورد أن عمر بن الخطاب مر بجارية متقنعة، فعلاها بالدرة وقال لها أتتشبهين بالحائر يا لكاع، ألقي القناع. قوله: ﴿ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾ أي كعبد الله بن أبي وأصحابه. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ أي فجور وهم الزناة، وهم من جملة المنافقين. قوله: ﴿ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ ﴾ أي بالكذب، وذلك أن ناساً منهم كانوا إذا خرجت سراياه صلى الله عليه وسلم يوقعون في الناس أنهم قد قتلوا وهزموا ويقولون: قد أتاكم العدو. قوله: (لنسلطنك عليهم) أي فتخرجهم من مجلسك وتقتلهم، وقد فعل بهم صلى الله عليه وسلم ذلك، فإنه لما نزلت في سورة براءة، جمعهم وصعد على المنبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا فلان قم فاخرج فإنك منافق، ويا فلان قم، فقام إخوانهم من المسلمين، وتولوا إخراجهم من المسجد. قوله: ﴿ مَّلْعُونِينَ ﴾ حال من محذوف قدره المفسر بقوله: (ثم يخرجون). قوله: (أي الحكم فيهم هذا) أي الأخذ والقتل. قوله: (على جهة الأمر به) أي أن الآية خبر بمعنى الأمر. (أي سن الله ذلك) أشار بذلك إلى أن سنة مصدر مؤكد، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، أي فلا تحزن على وجود المنافقين في قومك، فإنه سنة قديمة، كما كان في قوم موسى، منهم موسى السامري وأتباعه، وقارون وأتباعه. قوله: ﴿ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾ أي تغييراً ونسخاً، لكونها بنيت على أساس متين، فليست مثل الأحكام التي تتبدل وتنسخ.
قوله: ﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ ﴾ إما ظرف لخالدين، أو ليقولون مقدم عليه، والمعنى تصرف من جهة إلى جهة، كاللحم يشوي بالنار. قوله: ﴿ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَآ ﴾ كلام مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: ماذا صنعوا عند ذلك؟ فقيل: يقولون متحسرين على ما فاتهم ﴿ يٰلَيْتَنَآ ﴾ إلخ. قوله: ﴿ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ ﴾ بألف بعد اللام، وبدونها هنا، وفي قوله: ﴿ ٱلسَّبِيلاْ ﴾ قراءتان سبعيتان، وتقدم التنبيه على ذلك. قوله: ﴿ سَادَتَنَا ﴾ جمع إما لسيد أول لسائد على غير قياس. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (جمع الجمع) أي جمع تصحيح بالألف والتاء لسادة، الذي مفرده إما سيد أو سائد. قوله: (أي مثلي عذابنا) أي لأنهم ضلوا وأضلوا. قوله: (وفي قراءة بالموحدة) أي وهما سبعيتان. قوله: (ما يمنعه أن يغتسل معنا) إلخ، أي لما روي أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة، ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا، إلا أنه آدر، فذهب يوماً يغتسل، فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فجعل موسى عليه السلام يعدو إثره يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى نظرت بنو إسرائيل سوأة موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأس، فقام الحجر حتى نظروا إليه، فأخذ ثوبه فاستتر به، وطفق بالحجر ضرباً، قال أبو هريرة: والله إن به ندباً، أي أثراً، ستة أو سبعة من ضرب موسى.
قوله: ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً ﴾ (للمؤمنين) أي حيث عفا عما سلف منهم. قوله: ﴿ رَّحِيماً ﴾ (بهم) أي حيث أثابهم وأكرمهم بأنواع الكرامات، وحكمة اخبار الأمة بما حصل من تحمل آدم الأمانة ليكونوا على أهبة، ويعرفوا أنهم متحملون أمراً عظيماً لم تقدر على حمله الأرض والسماوات والجبال، وقيل في حق المعصوم: إنه كان ظلوماً جهولاً.