ﰡ
وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى جَارِيَةً مُجِحًّا فَقَالَ لِمَنْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ فَقَالُوا لِفُلَانٍ فَقَالَ أَيَطَؤُهَا قَالُوا نَعَمْ قَالَ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةَ رَجُلٍ يَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَمْ كَيْفَ يَسْتَرِقُّهُ وَقَدْ غَذَاهُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ
فَقَوْلُهُ قَدْ غَذَّاهُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مِنْ مَاءِ رَجُلَيْنِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ إثْبَاتُ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ رَجُلَيْنِ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ وقَوْله تَعَالَى وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ كَانُوا يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَيَقُولُونَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ فِي التَّحْرِيمِ وَجَعَلَ هَذَا الْقَوْلَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَأَلْزَمَهُ بِذَلِكَ تَحْرِيمًا تَرْفَعُهُ الْكَفَّارَةُ وَأَبْطَلَ مَا أَوْجَبَهُ الْمُظَاهِرُ مِنْ جَعْلِهِ إيَّاهَا كَالْأُمِّ لِأَنَّ تحريمها تحريما مؤبدا وقوله تعالى وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ قِيلَ إنَّهُ نَزَلَ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَبَنَّاهُ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا يُوجِبُ نَسْخَ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ كَانَ ثَابِتًا بِغَيْرِ الْقُرْآنِ وَنَسَخَهُ بِالْقُرْآنِ وقَوْله تَعَالَى ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ يَعْنِي أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَلَا حَقِيقَةَ
وقَوْله تَعَالَى ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ فِيهِ إبَاحَةُ إطْلَاقِ اسْمِ الْأُخُوَّةِ وَحَظْرُ إطْلَاقِ اسْمِ الْأُبُوَّةِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ النَّسَبِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ هُوَ أَخِي لَمْ يُعْتَقْ إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْأُخُوَّةَ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُطْلَقُ فِي الدِّينِ وَلَوْ قَالَ هُوَ ابْنِي عَتَقَ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ مَمْنُوعٌ إلَّا مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ
وقَوْله تَعَالَى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَلَيْسَ عليكم جناح فيما أخطأتم به قَالَ قِيلَ هَذَا النَّهْيُ فِي هَذَا أَوْ في غيره ولكن ما تعمدت قلوبكم وَالْعَمْدُ مَا آثَرْته بَعْدَ الْبَيَانِ فِي النَّهْيِ فِي هَذَا أَوْ فِي غَيْرِهِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن محمد بن إسحاق
وقَوْله تَعَالَى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الجرجاني قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ دَيْنًا فَإِلَيَّ وَإِنْ تَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ
وَقِيلَ فِي معنى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم إنَّهُ أَحَقُّ بِأَنْ يَخْتَارَ مَا دَعَا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ وَمِمَّا تَدْعُوهُ إلَيْهِ أَنْفُسُهُمْ وَقِيلَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ يَحْكُمَ فِي الْإِنْسَانِ بِمَا لَا يَحْكُمُ بِهِ فِي نَفْسِهِ لِوُجُوبِ طَاعَتِهِ لِأَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَبَرُ الَّذِي قَدَّمْنَا لَا يُنَافِي مَا عَقَّبْنَاهُ بِهِ مِنْ الْمَعْنَى وَلَا يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ بِمَعْنَاهُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فِي أَنْ يَخْتَارُوا مَا أَدْعُوهُمْ إلَيْهِ دُونَ مَا تَدْعُوهُمْ أَنْفُسُهُمْ إلَيْهِ وَأَوْلَى بِهِمْ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ وَلُزُومِهِمْ اتِّبَاعَهُ وَطَاعَتَهُ ثُمَّ أَخْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ دُيُونِهِمْ وقَوْله تَعَالَى وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ قيل فيه وجهان أحدهما أنهم كَأُمَّهَاتِهِمْ فِي وُجُوبِ الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ وَالثَّانِي تَحْرِيمُ نكاحهن وليس المراد أنهم كَالْأُمَّهَاتِ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بَنَاتِهِنَّ لِأَنَّهُنَّ يَكُنَّ أَخَوَاتٍ لِلنَّاسِ وَقَدْ زَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنَاتِهِ وَلَوْ كُنَّ أُمَّهَاتٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَرِثْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ رُوِيَ فِي حَرْفِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَالْأَبِ لَهُمْ فِي الْإِشْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَتَحَرِّي مَصَالِحِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وقَوْله تَعَالَى إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي جَوَازِ وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَعَنْ الْحَسَنِ أَنْ تَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَقَالَ عَطَاءٌ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ إعْطَاؤُهُ لَهُ
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن محمد بن إسحاق قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ تَلَا قَتَادَةُ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قال للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع مالا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ثُمَّ تَلَا فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ قَالَا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ وَقَالَ الْحَسَنُ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ كانوا يتنفلون بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً إنَّهُمْ يَذْكُرُونَ اللَّهَ بِالدُّعَاءِ وَالتَّعْظِيمِ وَقَالَ قَتَادَةُ خَوْفًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَطَمَعًا فِي رَحْمَةِ الله مما رزقناهم ينفقون فِي طَاعَةِ اللَّهِ آخِرَ سُورَةِ السَّجْدَةِ.
سُورَةِ الْأَحْزَابِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَوْله تَعَالَى مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُدْعَى ذَا الْقَلْبَيْنِ مِنْ دَهَائِهِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ مِثْلُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلْبَانِ فَأَكْذَبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْحَسَنُ كَانَ رَجُلٌ يَقُولُ لِي نَفْسٌ تَأْمُرُنِي وَنَفْسٌ تَنْهَانِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ هَذَا وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ قَالَ فِي جَوْفِي قَلْبَانِ أَعْقِلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ فَكَذَّبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ فِي تَفْسِيرِهَا غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا قَالَ وَحَكَىوقَوْله تَعَالَى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ فِي وُجُوبِ أَفْعَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلُزُومِ التَّأَسِّي بِهِ فِيهَا وَمُخَالِفُو هَذِهِ الْفِرْقَةِ يَحْتَجُّونَ بِهِ أَيْضًا فِي نَفْيِ إيجَابِ أَفْعَالِهِ فَأَمَّا الْأَوَّلُونَ فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ التَّأَسِّي بِهِ هُوَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ جَمِيعًا فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ إذْ جَعَلَهُ شَرْطًا لِلْإِيمَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَقْرُونَةِ إلَى الْإِيمَانِ فَيَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ النَّدْبَ دُونَ الْإِيجَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَكُمْ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ لَك أَنْ تُصَلِّيَ وَلَك أَنْ تَتَصَدَّقَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ بَلْ يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى أَنَّ لَهُ فِعْلَهُ وَتَرْكَهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَدُلُّ عَلَى الْإِيجَابِ لَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ التَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ بَلْ دَلَالَتُهُ عَلَى النَّدْبِ أَظْهَرُ مِنْهَا عَلَى الْإِيجَابِ لِمَا ذَكَرْنَا ومع ذلك وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ لَمَا دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ فِي أَفْعَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ التَّأَسِّي بِهِ هُوَ أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ وَمَتَى خَالَفْنَاهُ فِي اعْتِقَادِ الْفِعْلِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَأَسِّيًا بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ عَلَى النَّدْبِ وَفَعَلْنَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ كُنَّا غَيْرَ مُتَأَسِّينَ بِهِ وَإِذَا فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلًا لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَفْعَلَهُ عَلَى اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ فِيهِ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ فَعَلَهُ عَلَى الْوُجُوبِ لَزَمَنَا فِعْلُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا مِنْ جِهَةِ هَذِهِ الْآيَةِ إذْ لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنْ مِنْ جِهَةِ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ
وقوله تعالى وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ قِيلَ إنَّهُ وَعَدَهُمْ أَنَّهُمْ إذَا لَقُوا الْمُشْرِكِينَ ظَفِرُوا بِهِمْ وَاسْتَعْلَوْا عَلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَقَالَ قَتَادَةُ الَّذِي وَعَدَهُمْ فِي قَوْلِهِ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً إخْبَارٌ عَنْ صِفَتِهِمْ فِي حَالِ الْمِحْنَةِ وَأَنَّهُمْ ازْدَادُوا عِنْدَهَا يَقِينًا وَبَصِيرَةً وَذَلِكَ صِفَةُ أَهْلِ الْبَصَائِرِ فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ
وقَوْله تَعَالَى فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ قِيلَ إنَّ النَّحْبَ النَّذْرُ أَيْ قَضَى نَذْرَهُ
وقَوْله تَعَالَى وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ قِيلَ فِي الصَّيَاصِي إنَّهَا الْحُصُونُ الَّتِي كَانُوا يَمْتَنِعُونَ بِهَا وَأَصْلُ الصِّيصَةِ قَرْنُ الْبَقَرَةِ وَبِهَا تَمْتَنِعُ وَتُسَمَّى بِهَا شَوْكَةُ الدِّيكِ لِأَنَّهُ بِهَا يَمْتَنِعُ فَسُمِّيَتْ الْحُصُونُ صَيَاصِيَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَرُوِيَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا بَنُو قُرَيْظَةَ كَانُوا نَقَضُوا الْعَهْدَ وَعَاوَنُوا الْأَحْزَابَ وَقَالَ الْحَسَنُ هُمْ بَنُو النَّضِيرِ وَسَائِرُ الرُّوَاةِ عَلَى أَنَّهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ تعالى فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَلَمْ يَقْتُلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ وَلَا أَسَرَهُمْ وَإِنَّمَا أَجَلَاهُمْ عَنْ بِلَادِهِمْ
وقَوْله تَعَالَى وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها يَعْنِي بِهِ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَلَى تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى بَنِي النَّضِيرِ فَالْمُرَادُ أَرْضُ بنى النضير وقوله تعالى وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها قَالَ الْحَسَنُ أَرْضُ فَارِسٍ وَالرُّومِ وَقَالَ قَتَادَةُ مَكَّةُ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ رُومَانٍ خَيْبَرُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ الْأَرَضِينَ العنوية الَّتِي يَظْهَرُ عَلَيْهَا الْإِمَامُ يَمْلِكُهَا الْغَانِمُونَ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا مِلْكٌ لَهُمْ لِقَوْلِهِ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي إيجَابَ الْمِلْكِ لَهُمْ وَلَا دَلَالَةَ فيه على ما ذكروا لأن ظاهره قوله وَأَوْرَثَكُمْ لَا يَخْتَصُّ بِإِيجَابِ الْمِلْكِ دُونَ الظُّهُورِ وَالْغَلَبَةِ وَثُبُوتِ الْيَدِ وَمَتَى وَجَدَ أَحَدٌ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَقَدْ صَحَّ مَعْنَى اللَّفْظِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْمُلْكَ وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُلْكُ كَانَ ذَلِكَ فِي أَرْضِ بنى قريظة في قوله وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وأما قوله وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَرْضًا وَاحِدَةً لَا جَمِيعَ الْأَرْضِينَ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ خَيْبَرَ فَقَدْ مَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَرْضَ فَارِسٍ وَالرُّومِ لَقَدْ مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَ أَرْضِ فَارِسٍ وَالرُّومِ فَقَدْ وُجِدَ مُقْتَضَى الْآيَةِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ سَبِيلَهُمْ أَنْ يَمْلِكُوا جَمِيعَهَا إذْ كَانَ قوله وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا أَرْضًا وَاحِدَةً فَلَا دَلَالَةَ فيه على قول المخالف
وقوله تعالى «١٥- احكام مس»
حدثنا عبد الله ابن مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الجرجاني قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا نَزَلَتْ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَأَ بِي فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تُعَجِّلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك قَالَتْ قَدْ عَلِمَ الله تعالى إن أبوى لم يكونا يأمر اننى بِفِرَاقِهِ قَالَتْ فَقَرَأَ عَلَيَّ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ
الْآيَةَ فَقُلْت أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ
وَرَوَى غَيْرُ الجرجاني عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ مَعْمَرٌ فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تُخْبِرْ أَزْوَاجَك أَنِّي أَخْتَارُك قَالَ إنَّمَا بُعِثْت مُعَلِّمًا وَلَمْ أُبْعَثْ مُتَعَنِّتًا
قَالَ أَبُو بَكْرٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى تَخْيِيرِ الْآيَةِ فَقَالَ قَائِلُونَ وَهُمْ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ إنَّمَا خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَنَّهُ قَالَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها- إلَى قَوْلِهِ- وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَانَ تَخْيِيرًا لِلطَّلَاقِ عَلَى شَرِيطَةِ أَنَّهُنَّ إذَا اخْتَرْنَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا كُنَّ مُخْتَارَاتٍ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا فَجَعَلَ اخْتِيَارَهُنَّ لِلدُّنْيَا اخْتِيَارًا لِلطَّلَاقِ وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِمَا رَوَى مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ فَقَالَتْ قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَكَانَ طَلَاقًا وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلَاقًا قَالُوا وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَهُنَّ إلَّا الْخِيَارَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْآيَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ
مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تُعَجِّلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك قَالَتْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِنِي بِفِرَاقِهِ ثُمَّ تَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ قَالَتْ إنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ
فَقَالُوا هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا قَدْ حَوَى الدَّلَالَةَ مِنْ وُجُوهٍ عَلَى أَنَّهُ خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَبَيْنَ اخْتِيَارِهِنَّ الطَّلَاقَ أَوْ الْبَقَاءَ عَلَى النِّكَاحِ لِأَنَّهُ قَالَ لَهَا لَا عَلَيْك أَنْ لَا تُعَجِّلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ لَا يَقَعُ فِي اخْتِيَارِ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ فِي الْفُرْقَةِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ النِّكَاحِ وَقَوْلُهَا إنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِنِي بِفِرَاقِهِ وَقَوْلُهَا إنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ قَدْ اقْتَضَتْ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ تَخْيِيرَ طَلَاقٍ بِقَوْلِهِ تعالى
فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فواحدة بائنة
وذلك في رواية زادان عَنْهُ
وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ
وَقَالَ عُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْخِيَارِ وَأَمْرُك بِيَدِك إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْخِيَارِ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلَاثٌ وَقَالَ فِي أَمْرُكِ بِيَدِك إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى وَقَالُوا فِي أَمْرُكِ بِيَدِك مِثْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا فَيَكُونُ ثلاثا وقال ابن أبى ليلى والشورى وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي الْخِيَارِ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ يَمْلِكُ بِهَا الرَّجْعَةَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْخِيَارِ إنَّهُ ثَلَاثٌ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَقَالَ فِي أَمْرُكِ بِيَدِك إذَا قَالَتْ أَرَدْت وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْخِيَارِ أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَقَالَ اللَّيْثُ فِي الْخِيَارِ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ بَائِنَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك لَيْسَ بِطَلَاقٍ إلَّا أَنْ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ نِسَاءَهُ فَاخْتَرْنَهُ
فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا وَلِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَكُمْ كَقَوْلِهِ اعتدى أن يَكُونُ طَلَاقًا إذَا نَوَى لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ مُوجِبِ الطَّلَاقِ فَالطَّلَاقُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ وَإِنَّمَا جَعَلُوا الْخِيَارَ طَلَاقًا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِالِاتِّفَاقِ وَبِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ تَخْيِيرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَ الْفِرَاقِ وَالْبَقَاءِ عَلَى النِّكَاحِ أَنَّهُنَّ لَوْ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ لوقعت الفرقة لولا ذلك لم يكن للتخيير مَعْنًى وَتَشْبِيهًا لَهُ أَيْضًا بِسَائِرِ الْخِيَارَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي النِّكَاحِ كَخِيَارِ امْرَأَةٍ الْعِنِّينَ وَالْمَجْبُوبَ فَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إذَا اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَجْعَلُوهُ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْخِيَارَاتِ الْحَادِثَةَ فِي الْأُصُولِ لَا تَقَعُ بِهَا ثَلَاثٌ.
(فَصْلٌ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إيجَابِ الْخِيَارِ وَفِي التَّفْرِيقِ لِامْرَأَةِ الْعَاجِزِ عَنْ النَّفَقَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدنيا والآخرة فاختار الفقر والآخرة أمر الله بتخير نِسَائِهِ فَقَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى مَا ذَكَرُوا وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ عَلَّقَ اخْتِيَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفِرَاقِهِنَّ بِإِرَادَتِهِنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ أَرَادَ مِنْ نِسَائِنَا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ تَفْرِيقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فَلَمَّا كَانَ السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَوْجَبَ اللَّهُ التَّخْيِيرَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلتَّخْيِيرِ فِي نِسَاءِ غَيْرِهِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ امْرَأَةِ الْعَاجِزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَبَيْنَهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ اخْتِيَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وَإِيثَارَهُ لِلْفَقْرِ دُونَ الْغِنَى لَمْ يُوجِبْ أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَةِ نِسَائِهِ لِأَنَّ الْفَقِيرَ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ نِسَائِهِ مَعَ كَوْنِهِ فَقِيرًا وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ وَلَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَةِ نِسَائِهِ بَلْ كَانَ يَدَّخِرُ لِنِسَائِهِ قُوتَ سَنَةٍ فَالْمُسْتَدِلُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ مُغْفِلٌ لِحُكْمِهَا
قَوْله تَعَالَى يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ قِيلَ فِي تَضْعِيفِ عَذَابِهِنَّ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِنَّ أَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى غَيْرِهِنَّ بِكَوْنِهِنَّ أَزْوَاجًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُزُولِ الْوَحْيِ فِي بُيُوتِهِنَّ وَتَشْرِيفِهِنَّ بذلك كان
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَضْعِيفَ الْعَذَابِ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ لِأَجْلِ عِظَمِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِنَّ بِتِلَاوَةِ آيَاتِ اللَّهِ فِي بُيُوتِهِنَّ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ عَظُمَتْ طَاعَاتُهُنَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ الطَّاعَةَ فِي اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بِهَا بِإِزَاءِ الْمَعْصِيَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِهَا وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ فِي إتْيَانِهِنَّ الْمَعَاصِيَ أَذًى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يَلْحَقُ مِنْ الْعَارِ وَالْغَمِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ آذَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا مِمَّنْ آذَى غَيْرَهُ وَقَالَ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً وَلَمَّا عَظَّمَ اللَّهُ تَعَالَى طَاعَاتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْجَبَ بِهَا الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ دَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْعَامِلِ الْعَالِمِ أَفْضَلُ وَثَوَابُهُ أَعْظَمُ مِنْ الْعَامِلِ غَيْرِ الْعَالِمِ وقَوْله تَعَالَى وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ
قَوْله تَعَالَى فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ قِيلَ فِيهِ أَنْ لَا تُلِينَ الْقَوْلَ لِلرِّجَالِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الطَّمَعَ فِيهِنَّ مِنْ أَهْلِ الرِّيبَةِ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ النِّسَاءِ فِي نَهْيِهِنَّ عَنْ إلَانَةِ الْقَوْلِ لِلرِّجَالِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الطَّمَعَ فِيهِنَّ وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى رَغْبَتِهِنَّ فِيهِمْ وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْأَحْسَنَ بِالْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَرْفَعَ صَوْتَهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهَا الرِّجَالُ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْأَذَانِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ فَإِذَا كَانَتْ مَنْهِيَّةً عَنْ إسْمَاعِ صَوْتِ خَلْخَالِهَا فَكَلَامُهَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُخْشَى مِنْ قِبَلِهَا الْفِتْنَةُ أَوْلَى بِالنَّهْيِ عَنْهُ
وقَوْله تَعَالَى وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قِيلَ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ أَلَا تَخْرُجِينَ كَمَا تخرج إخوتك قَالَتْ وَاَللَّهِ لَقَدْ حَجَجْت وَاعْتَمَرْت ثُمَّ أَمَرَنِي الله أن أقر في بيتي فو الله لَا أَخْرُجُ فَمَا خَرَجَتْ حَتَّى أَخْرَجُوا جِنَازَتَهَا وقيل إن معنى وقرن في بيوتكن كن أهل وقار وهدوء وسكينة يقال وقرفلان فِي مَنْزِلِهِ يَقِرُ وُقُورًا إذَا هَدَأَ فِيهِ وَاطْمَأَنَّ بِهِ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ مأمورات بلزوم
يَحْتَجُّ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْآيَةِ وَنَسَقَهَا فِي ذِكْرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَزْوَاجِهِ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لِلْجَمِيعِ
وقَوْله تَعَالَى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ فيه الدلالة على أن أوامر الله وَأَوَامِرَ رَسُولِهِ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ قَدْ نَفَى بِالْآيَةِ أَنْ تَكُونَ لَنَا الْخِيَرَةُ فِي تَرْكِ أَوَامِرِ اللَّهِ وَأَوَامِرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوُجُوبِ لَكُنَّا مُخَيَّرِينَ بَيْنَ التَّرْكِ وَالْفِعْلِ وَقَدْ نَفَتْ الْآيَةُ التَّخْيِيرَ وقَوْله تَعَالَى وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي نَسَقِ ذِكْرِ الْأَوَامِرِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَأَنَّ تَارِكَ الْأَمْرِ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم فقد انتظمت الآية الدلالة عَلَى وُجُوبِ أَوَامِرِ اللَّهِ وَأَوَامِرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا نَفَتْ التَّخْيِيرَ مَعَهُمَا وَالثَّانِي أَنَّ تَارِكَ الْأَمْرِ عاص الله ورسوله
وقوله تَعَالَى وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ الْآيَةَ
رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مَا كَانَ الْحُسَيْنُ يَقُولُ فِي قَوْله تَعَالَى وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ قَالَ قُلْت كَانَ يَقُولُ إنَّهَا كَانَتْ تُعْجِبُهُ وَإِنَّهُ قَالَ لِزَيْدٍ اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك قَالَ لَا وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ نَبِيَّهُ أَنَّ زَيْنَبَ سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ زَيْدٌ يَشْكُو مِنْهَا قَالَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك
قَالَ اللَّهُ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَقِيلَ إنَّ زَيْدًا قَدْ كَانَ يُخَاصِمُ امْرَأَتَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَامَ الشَّرُّ بَيْنَهُمَا حَتَّى ظَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ وَأَنَّهُ سَيُفَارِقُهَا فَأَضْمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا زَيْدٌ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَكَانَتْ بِنْتَ عَمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ هِيَ الرَّحْمَةُ وَمِنْ الْعِبَادِ الدُّعَاءُ قَالَ الْأَعْشَى:
عَلَيْك مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْت فَاغْتَمِضِي | نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا |
قَالَ قَتَادَةُ فِي قوله وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا صَلَاةُ الضُّحَى وَصَلَاةُ الْعَصْرِ وقَوْله تَعَالَى وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً سُمِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَاجًا مُنِيرًا تَشْبِيهًا لَهُ بِالسِّرَاجِ الَّذِي بِهِ يُسْتَنَارُ الْأَشْيَاءُ فِي الظُّلْمَةِ لِأَنَّهُ بُعِثَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وقد طبقت على الْأَرْضَ ظُلْمَةُ الشِّرْكِ فَكَانَ كَالسِّرَاجِ الَّذِي يَظْهَرُ فِي الظُّلْمَةِ وَكَمَا سُمِّيَ الْقُرْآنُ نُورًا وَهُدًى وَرُوحًا وَسُمِّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُوحًا لِأَنَّ
بَابُ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ تَنَازَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي صِحَّةِ إيقَاعِ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ بِشَرْطِ التَّزْوِيجِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَقَالَ قَائِلُونَ قَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ إلْغَاءَ هَذَا الْقَوْلِ وَإِسْقَاطَ حُكْمِهِ إذْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِصِحَّةِ الطَّلَاقِ بَعْدَ النِّكَاحِ وَهَذَا الْقَائِلُ مُطَلِّقٌ قَبْلَ النِّكَاحِ وَقَالَ آخَرُونَ دَلَالَتُهَا ظَاهِرَةٌ فِي صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ قَائِلِهِ وَلُزُومِ حُكْمِهِ عِنْدَ وُجُودِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا حَكَمَتْ بِصِحَّةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَ النِّكَاحِ وَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ مُطَلِّقٌ بَعْدَ النِّكَاحِ فَوَجَبَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ إيقَاعُ طَلَاقِهِ وَإِثْبَاتُ حُكْمِ لَفْظِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الْعَاقِدُ لِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَلِّقًا فِي حال العقد أو في حَالِ الْإِضَافَةِ وَوُجُودِ الشَّرْطِ فَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا بِنْتِ مِنِّي وَصِرْت أَجْنَبِيَّةً فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ مَوْقِعٌ لِلطَّلَاقِ فِي حَالِ الْإِضَافَةِ لَا فِي حَالِ الْقَوْلِ وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فَسَقَطَ حُكْمُ لَفْظِهِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ حَالُ الْعَقْدِ مَعَ وُجُودِ النِّكَاحِ فِيهَا صَحَّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْإِضَافَةِ دُونَ حَالِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْقَائِلَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ مَوْقِعٌ لِلطَّلَاقِ بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لِمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ضُرُوبٍ مِنْ الْأَقَاوِيلِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ تَطْلُقُ وَمَنْ مَلَكَ مِنْ الْمَمَالِيكِ يُعْتَقُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَنْ عَمَّ أَوْ خَصَّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا عَمَّ لَمْ يَقَعْ وَإِنْ سَمَّى شَيْئًا بِعَيْنِهِ أَوْ جَمَاعَةً إلَى أَجَلٍ وَقَعَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ وَذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُ فَقَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً إلَى كَذَا وَكَذَا سَنَةً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ لَزِمَهُ مَا قَالَ وَهُوَ
مُطَلِّقٌ بَعْدَ النِّكَاحِ وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا كَافٍ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْمُخَالِفِ وَتَصْحِيحِ الْمَقَالَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ اقْتَضَى ظَاهِرُهُ إلْزَامَ كُلِّ عَاقِدٍ مُوجَبَ عَقْدِهِ وَمُقْتَضَاهُ فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْقَائِلُ عَاقِدًا عَلَى نَفْسِهِ إيقَاعَ طَلَاقٍ بَعْدَ النِّكَاحِ وَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ حُكْمُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ
أَوْجَبَ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ شَرْطًا ألزم حكمه عند وجود شرطه ويدله عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مِلْكٍ وَأَنَّ مَنْ قَالَ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ
قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ
قِيلَ لَهُ أَسَانِيدُهَا مُضْطَرِبَةٌ لَا يَصِحُّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَوْ صَحَّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ لَمْ يَدُلَّ عَلَى مَوْضِعِ الْخِلَافِ لِأَنَّ مَنْ ذَكَرْنَا مُطَلِّقٌ بَعْدَ النِّكَاحِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ نَفَى بِذَلِكَ إيقَاعَ طَلَاقٍ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَمْ يَنْفِ الْعَقْدَ فَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ حَقِيقَتُهُ نَفْيُ الْإِيقَاعِ والعقد على الطلاق ليس بطلاق لم يتناوله اللَّفْظَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إطْلَاقَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ لِأَنَّ مَنْ عقد يمينا على طلاق لإيقاع إنَّهُ قَدْ طَلَّقَ مَا لَمْ يَقَعْ وَحُكْمُ اللَّفْظِ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى تَقُومَ دَلَالَةُ الْمَجَازِ وَالثَّانِي أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَجَازُ لِأَنَّ لَفْظًا وَاحِدًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ
إنَّمَا هُوَ أَنْ يُذْكَرَ لِلرَّجُلِ الْمَرْأَةُ فَيُقَالُ لَهُ تُزَوَّجْهَا فَيَقُولُ هِيَ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَهَذَا لَيْسَ
وقوله تعالى مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ قَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ الْخَلْوَةَ مُرَادَةٌ بِالْمَسِيسِ وَأَنَّ نَفْيَ الْعِدَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْيِ الْخَلْوَةِ وَالْجِمَاعِ جَمِيعًا وَفِيمَا قَدَّمْنَا مَا يُغْنِي عن الإعادة وقوله تعالى فَمَتِّعُوهُنَّ إن كان مَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَهُوَ عَلَى الْوُجُوبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمَدْخُولَ بِهَا فَهُوَ نَدْبٌ غَيْرُ وَاجِبٍ وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله تَعَالَى فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها الْآيَةَ قَالَ الَّتِي نُكِحَتْ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهَا وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا فَلَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَيْسَ عِدَّةٌ وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدٍ هِيَ مَنْسُوخَةٌ بقوله في البقرة فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ وقوله تعالى وَسَرِّحُوهُنَّ بَعْدَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ إخْرَاجَهَا مِنْ بَيْتِهِ أَوْ مِنْ حِبَالِهِ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا التَّسْرِيحَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَكِنَّهُ بَيَانُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَأَنَّ عَلَيْهِ تَخْلِيَتَهَا مِنْ يَدِهِ وَحِبَالِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
بَابُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ مِنْ النِّسَاءِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ انْتَظَمَتْ الْآيَةُ ضُرُوبَ النِّكَاحِ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهَا قَوْلُهُ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ يَعْنِي مَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُنَّ بِمَهْرٍ مُسَمًّى وَأَعْطَاهُنَّ وَمِنْهَا مَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ بِقَوْلِهِ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِثْلَ رَيْحَانَةَ وَصَفِيَّةَ وَجُوَيْرِيَةَ ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا وَتَزَوَّجَهُمَا وَذَلِكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَذَكَرَ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَلَّ لَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ فَقَالَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَحَلَّ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَقَالَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ دُونَ أُمَّتِهِ وَأَنَّهُ وَأُمَّتَهُ سَوَاءٌ فِيمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُنَّ وقَوْله تَعَالَى اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ اللَّاتِي لَمْ يُهَاجِرْنَ كُنَّ مُحَرَّمَاتٍ عَلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ وَرَوَى دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ زِيَادٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ هَلَكَ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ قال وما
رَوَى إسْرَائِيلُ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ خَطَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَذَرْت إلَيْهِ بِعُذْرٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ- إلى قوله- اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ
قَالَتْ فَلَمْ أَكُنْ أَحِلُّ لَهُ لِأَنِّي لَمْ أُهَاجِرْ مَعَهُ كُنْت مَعَ الطُّلَقَاءِ فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ فَإِنَّ مَذْهَبَ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ تَخْصِيصَهُ لِلْمُهَاجِرَاتِ مِنْهُنَّ قَدْ أَوْجَبَ حَظْرَ مَنْ لَمْ تُهَاجِرْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ قَدْ عَلِمَتْ حَظْرَهُنَّ بِغَيْرِ دَلَالَةِ الْآيَةِ وَأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا فِيهَا إبَاحَةُ مَنْ هَاجَرَتْ مِنْهُنَّ وَلَمْ تَعْرِضْ لِمَنْ لَمْ تُهَاجِرْ بِحَظْرٍ وَلَا إبَاحَةٍ إلَّا أَنَّهَا قَدْ عَلِمَتْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى حَظْرَهُنَّ قَوْله تَعَالَى وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ الْآيَةَ فِيهَا نَصٌّ عَلَى إبَاحَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ يَصِحُّ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَلَهَا مَا سَمَّى لَهَا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْهِبَةُ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَتْ هِبَتُهُ إيَّاهَا لَيْسَتْ عَلَى نِكَاحٍ وَإِنَّمَا وَهَبَهَا لَهُ لِيُحْصِنَهَا أَوْ لَيَكْفِيَهَا فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَقَدْ تَنَازَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ قَائِلُونَ كَانَ عَقْدُ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مَخْصُوصًا بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي نَسَقِ التلاوة خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ سَوَاءً وَإِنَّمَا خُصُوصِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ فِي جَوَازِ اسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِدَلَالَةِ الْآيَةِ وَالْأُصُولِ عَلَيْهِ فَأَمَّا دَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا قَوْلُهُ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَالِصًا لَهُ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ إضَافَةِ لَفْظِ الْهِبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ اسْتِبَاحَةُ البضع بغير بدل لأنه لو كان المرأة اللَّفْظَ لَمَا شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ مَا كَانَ مَخْصُوصًا بِهِ وَخَالِصًا لَهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
حدثنا عن عبد الله ابن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُعَيِّرُ النِّسَاءَ اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَلَا تستحي أَنْ تَعْرِضَ نَفْسَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ- إلى قوله- فَلا جُناحَ عَلَيْكَ قالت عائشة رضى الله عَنْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أَرَى رَبَّك يُسَارِعُ فِي هَوَاك وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مَا
حُدِّثْنَا عَنْ محمد بن على ابن زَيْدٍ الصَّائِغِ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْت لِأَهَبَ نَفْسِي لَك فَنَظَرَ إلَيْهَا فَصَعَّدَ الْبَصَرَ وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ لَمْ تَكُ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ فَقَالَ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا فَقَالَ اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَقَدَ لَهُ النِّكَاحَ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَالْهِبَةُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ بِهَا عَقْدُ النِّكَاحِ وَلِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ بِالسُّنَّةِ ثَبَتَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إذْ لَمْ
وَرَوَى عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ مُعَاذَةَ العدوية عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يستأذننا في يوم إحدانا بعد ما أنزل تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ
فَقَالَتْ لَهَا مُعَاذَةُ فَمَا كُنْت تَقُولِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَأْذَنَ قَالَتْ كُنْت أَقُولُ إنْ كَانَ ذَلِكَ إلَيَّ لَمْ أُوثِرْ عَلَى نَفْسِي أَحَدًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ
وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَخْصِيصَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِإِخْرَاجِهَا من القسم
حدثنا محمد ابن بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قلابة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ
قَالَ أَبُو دَاوُد يَعْنِي الْقَلْبَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة عن أبيه قالت عائشة ابْنَ أُخْتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَهَا وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا
وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِي لِعَائِشَةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا
قَالَتْ نَقُولُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي أَشْبَاهِهَا أَرَاهُ قَالَ وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ فِي مَرَضِهِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَقْسِمُ لِجَمِيعِهِنَّ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ أَرْجَى جَمَاعَةً مِنْ نِسَائِهِ ثُمَّ لم يقسم لهن وظاهر الآية يقتضى تخير النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إرْجَاءِ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَإِيوَاءِ مَنْ شَاءَ فَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَخْتَارَ إيوَاءَ الْجَمِيعِ إلَّا سَوْدَةَ فَإِنَّهَا رَضِيَتْ بِأَنْ تَجْعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ قَوْله تَعَالَى وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي إيوَاءِ مَنْ أَرْجَى مِنْهُنَّ أَبَاحَ لَهُ بِذَلِكَ أَنْ يَعْتَزِلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَيُؤْوِيَ مَنْ شَاءَ وَأَنْ يُؤْوِيَ مِنْهُنَّ مَنْ شَاءَ بَعْدَ الِاعْتِزَالِ وقَوْله تَعَالَى
قَوْله تَعَالَى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ رَوَى لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ يَعْنِي مِنْ بَعْدِ مَا سُمِّيَ لَك مِنْ مُسْلِمَةٍ وَلَا يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ وَلَا كَافِرَةٍ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ تَتَسَرَّى الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّة وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ قَالَ لَمَّا خَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَصَرَهُ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ التِّسْعُ اللَّاتِي اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَرُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ مَا رَوَى إسْرَائِيلُ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بهن من أزواج قَالَ ذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهُنَّ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ قَالَ وَكَانَ يَنْكِحُ مَا شَاءَ بَعْدَ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَجُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ظَاهِرُ الْآيَةِ يُفِيدُ تَحْرِيمَ سَائِرِ النِّسَاءِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى مَنْ كُنَّ تَحْتَهُ وَقْتَ نُزُولِهَا وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُوجِبُ نَسْخَهَا فَهِيَ إذًا مَنْسُوخَةٌ بِالسُّنَّةِ وَيُحْتَجُّ بِهِ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا يَجُوزُ النَّسْخُ فِي مُخْبِرِهِ قِيلَ لَهُ إنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ فَهُوَ نَهْيٌ يَجُوزُ وُرُودُ النَّسْخِ عَلَيْهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لَا تَتَزَوَّجْ بَعْدَهُنَّ النِّسَاءَ فَيَجُوزُ نَسْخُهُ قَوْله تَعَالَى وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ إذْ لَا يُعْجِبُهُ حُسْنُهَا إلَّا وَقَدْ نظر إليها.
بَابُ ذِكْرُ حِجَابِ النِّسَاءِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَاسْمُهُ الْجَعْدُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ أَهْدَتْ إلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم اذهب فادع من «١٦- أحكام مس»
وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ ذَكَرَ حَدِيثَ بِنَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم بزينب ووليمته فلما طعم الْقَوْمُ وَكَانَ مِمَّا يَفْعَلُ إذَا أَصْبَحَ لَيْلَةَ بِنَائِهِ دَنَا مِنْ حُجَرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ وَسَلَّمْنَ عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُنَّ وَدَعَوْنَ لَهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ وَأَنَا مَعَهُ إلَى بَيْتِهِ بَصُرَ بِرَجُلَيْنِ قَدْ جَرَى بَيْنَهُمَا الْحَدِيثُ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَانْصَرَفَ عَنْ بَيْتِهِ فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلَانِ انْصِرَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْتِهِ وَثَبَا خَارِجَيْنِ فَأُخْبِرَ أَنَّهُمَا قَدْ خرجا فرجع حتى دخل بيته فَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَسْلَمَ الْعَلَوِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ جِئْت لِأَدْخُلَ كَمَا كُنْت أَدْخُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَك يَا أَنَسُ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَظَمَتْ الْآيَةُ أَحْكَامًا مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ دُخُولِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِإِذْنٍ وَأَنَّهُمْ إذَا أُذِنَ لَهُمْ لَا يَقْعُدُونَ انْتِظَارًا لِبُلُوغِ الطَّعَامِ وَنُضْجِهِ وَإِذَا أَكَلُوا لَا يَقْعُدُونَ لِلْحَدِيثِ وروى عن مجاهد غير ناظرين إناه قَالَ مُتَحَيِّنِينَ حِينَ نُضْجِهِ وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ بَعْدَ أَنْ يَأْكُلُوا وَقَالَ الضَّحَّاكُ غَيْرَ نَاظِرِينَ إناه قَالَ نُضْجَهُ قَوْله تَعَالَى وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ قَدْ تَضَمَّنَ حَظْرَ رُؤْيَةِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ أَطْهَرُ لِقُلُوبِهِمْ وَقُلُوبِهِنَّ لِأَنَّ نَظَرَ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ رُبَّمَا حَدَثَ عَنْهُ الْمَيْلُ وَالشَّهْوَةُ فَقَطَعَ اللَّهُ بِالْحِجَابِ الَّذِي أَوْجَبَهُ هَذَا السَّبَبُ قَوْله تَعَالَى وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ يَعْنِي بِمَا بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ إيجَابِ الِاسْتِئْذَانِ وَتَرْكِ الْإِطَالَةِ لِلْحَدِيثِ عِنْدَهُ وَالْحِجَابِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نِسَائِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ وَإِنْ نَزَلَ خَاصًّا فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ فَالْمَعْنَى عَامٌّ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ إذْ كُنَّا مَأْمُورِينَ بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ دُونَ أُمَّتِهِ وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَوْ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتَزَوَّجْت عَائِشَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا ذَكَرَهُ قَتَادَةُ هُوَ أَحَدُ مَا انْتَظَمَتْهُ الْآيَةُ وَرَوَى عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ سَرَّك أَنْ تَكُونِي زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ إنْ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَنَا فِيهَا فَلَا تَزَوَّجِي بَعْدِي فإن
قَوْله تَعَالَى لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ الْآيَةَ قَالَ قَتَادَةُ رَخَّصَ لِهَؤُلَاءِ أَنْ لَا يَجْتَنِبْنَ مِنْهُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ذَكَرَ ذَوِي الْمَحَارِمِ مِنْهُنَّ وَذَكَرَ نِسَاءَهُنَّ وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الحرائر ولا ما ملكت أيمانهن يَعْنِي الْإِمَاءَ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْحُرَّ لَا يَخْتَلِفَانِ فِيمَا يُبَاحُ لَهُمْ مِنْ النَّظَرِ إلَى النِّسَاءِ
قَوْله تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً الصلاة من الله هي الرحمة ومن العباد الدُّعَاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قَالَ صَلَاةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ بِالدُّعَاءِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إخْبَارَ اللَّهِ الْمَلَائِكَةَ بِرَحْمَتِهِ لَنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمَامِ نِعَمِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَاتُهُ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ إن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام هَلْ يُصَلِّي رَبُّك فَكَأَنَّ ذَلِكَ كَبُرَ فِي صَدْرِهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ أَخْبِرْهُمْ أَنِّي أُصَلِّي وَأَنَّ صَلَاتِي أَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَقَوْلُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ قَدْ تَضَمَّنَ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَهُوَ فَرْضٌ عِنْدَنَا فَمَتَى فَعَلَهَا الْإِنْسَانُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِ صَلَاةٍ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ وَهُوَ مِثْلُ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَالتَّصْدِيقِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عُمْرِهِ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا نَعْلَمُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَرْضِهَا فِي الصَّلَاةِ مِنْهَا
حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فَقَالَ إذَا فَعَلْت هَذَا أَوْ قُلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك فَإِنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ
وَقَوْلُهُ ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ أَطْيَبِ الْكَلَامِ مَا شِئْت
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ وَقَعَدَ فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ
وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ
وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَقْصَيْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ فَبِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ لِقَوْلِهِ وَمَنْ يَعْصِهِمَا
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ فَجَمَعَ اسْمَهُ وَاسْمَ مَلَائِكَتِهِ فِي الضَّمِيرِ قِيلَ لَهُ إنَّمَا أَنْكَرْنَا جَمْعَهُمَا فِي كِنَايَةٍ يَكُونُ اسْمًا لَهُمَا نَحْوَ الْهَاءِ الَّتِي هِيَ كِنَايَةٌ عَنْ الِاسْمِ فَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي لَيْسَ بِاسْمٍ وَلَا كِنَايَةٍ عَنْهُ وَإِنَّمَا فِيهِ الضَّمِيرُ فَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ فِيهِ وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا فِي هذا الموضع أن قوله يُصَلُّونَ ضَمِيرُ الْمَلَائِكَةِ دُونَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَاةُ اللَّهِ عَلَى النَّبِيِّ مَفْهُومَةٌ مِنْ الْآيَةِ مِنْ جهة المعنى كقوله انْفَضُّوا إِلَيْها رَدَّ الْكِنَايَةَ إلَى التِّجَارَةِ دُونَ اللَّهْوِ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَذْكُورُ فِي ضَمِيرِ النَّفَقَةِ هُوَ الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَفْهُومٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى
قَوْله تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَعْنِي يُؤْذُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْحَقَهُ الْأَذَى فَأَطْلَقَ ذَلِكَ مَجَازًا لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ كما قال وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ وَالْمَعْنَى أَهْلَ الْقَرْيَةِ
وقَوْله تَعَالَى وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا قَدْ قِيلَ إنَّهُ أَرَادَ مَنْ أَضْمَرَ ذِكْرَهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فَأَظْهَرَ ذِكْرَهُمْ بَعْدَ الضَّمِيرِ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ الْمُرَادُونَ بِالضَّمِيرِ وأخبر عن احتمالهم البهتان والاسم اللَّذَيْنِ بِهِمَا يَسْتَحِقُّونَ مَا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ اللَّعْنِ وَالْعَذَابِ
قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْجِلْبَابُ الرِّدَاءُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ يَتَجَلْبَبْنَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ وَلَا يَعْرِضُ لَهُنَّ فَاسِقٌ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ يُدْنِينَ
قَوْله تَعَالَى لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ الْآيَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ أرادوا أن يظهر وانفاقهم فَنَزَلَتْ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ أى لنحرشنك وقال ابن عباس لنغربنك بهم لنسلطنك عليهم ثم لا يجاورونك فِيهَا إلَّا قَلِيلًا بِالنَّفْيِ عَنْهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِرْجَافَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْإِشَاعَةَ بِمَا يَغُمُّهُمْ وَيُؤْذِيهِمْ يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّعْزِيرَ وَالنَّفْيَ إذَا أَصَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَآخَرُونَ ممن لا بصيرة لهم فِي الدِّينِ وَهُمْ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَهُوَ ضَعْفُ الْيَقِينِ يُرْجِفُونَ بِاجْتِمَاعِ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَتَعَاضُدِهِمْ وَمَسِيرِهِمْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ فَيُعَظِّمُونَ شَأْنَ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَيُخَوِّفُونَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِمْ وَأَخْبَرَ تَعَالَى بِاسْتِحْقَاقِهِمْ النَّفْيَ وَالْقَتْلَ إذَا لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ وَهُوَ الطَّرِيقَةُ الْمَأْمُورُ بِلُزُومِهَا وَاتِّبَاعِهَا
وقَوْله تَعَالَى وَلَنْ