تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب بيان المعاني
المعروف بـبيان المعاني
.
لمؤلفه
ملا حويش
.
المتوفي سنة 1398 هـ
ﰡ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﰀ
ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﰁ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﰂ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﰃ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﰄ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ
ﰅ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﰆ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﰇ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ
ﰈ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﰉ
من جملة إخباره عليه الصلاة والسلام بالغيب، على أنه كان هناك رباط وهو سهر الاصحاب على الخندق لئلا يقتحمه المشركون فهو الرباط بعينه. هذا وقد ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة في ثواب الرباط ذكرنا قسما منها في الآيتين المذكورتين آنفا، وفيها ما يرشدك لغيرهما، فإذا أجلت النظر ركنت إلى عدم العدول عن الظاهر وجعلت معنى الرباط الوارد في هذا الحديث مجازا، وأن للقائم بما فيه ثواب المرابط في سبيل الله. قال أهل المعاني اصبروا أيها المؤمنون على الدنيا ومحنتها رجاء الراحة في القيامة وصابروا عند القتال بالثبات والاستقامة رجاء النصر والعز والسلامة، ورابطوا على مجاهدة النفس اللوامة واتقوا ما يعقبكم الندامة تفوزوا عند الله في دار الكرامة وقالوا على لسان ذي الجلال جل جلاله اصبروا على بلائي، وصابروا على نعمائي، ورابطوا على مجاهدة أعدائي، واتقوا محبة سوائي تربحوا بلقائي، وقالوا اصبروا على النعماء وصابروا على البأساء والضراء، ورابطوا على دور الأعداء، واتقوا إله الأرض والسماء تنجوا في دار البقاء. ومعنى قوله صلّى الله عليه وسلم فذالكم الرباط أي معظمه، لأن الرباط انتظار مراقبة العدو على ثغور المسلمين، ومنعه من اقتحامها، وفي الحديث انتظار دخول وقت الصلاة بعد الصلاة، فيكون فيه مجازا كما ذكرنا هذا، والله أعلم، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين، حمدا دائما كثيرا يوافي نعمه ويكافي مزيده.
تفسير سورة الأحزاب عدد ٤- ٩٠ و ٣٣
نزلت بالمدينة بعد سورة آل عمران، وهي ثلاث وسبعون آية، والف ومئتان وثمانون كلمة، وخمسة آلاف وسبعمئة وتسعون حرفا، لا يوجد مثلها في عدد الآي، وتقدم في سورة الكافرين ج ١ السور المبدوءة بما بدئت به.
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ» فيما يعرضانه عليك أو يطلبانه منك لأنك لا تعلم دخائلهم «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً» (١) لا يخفى على علمه شيء
تفسير سورة الأحزاب عدد ٤- ٩٠ و ٣٣
نزلت بالمدينة بعد سورة آل عمران، وهي ثلاث وسبعون آية، والف ومئتان وثمانون كلمة، وخمسة آلاف وسبعمئة وتسعون حرفا، لا يوجد مثلها في عدد الآي، وتقدم في سورة الكافرين ج ١ السور المبدوءة بما بدئت به.
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ» فيما يعرضانه عليك أو يطلبانه منك لأنك لا تعلم دخائلهم «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً» (١) لا يخفى على علمه شيء
453
زمانا ولا مكانا ولا كما ولا كيفية. واعلم ان كان لاتصاف المخبر عنه بالخبر والدوام والاستمرار، لأنه لم يزل ولا يزال كذلك في الماضي والحال والاستقبال، وهي إذا كانت عاملة فيعود اسمها على الله تعالى ولا تسمى ناقصة تأدبا بل تسمى الرافعة للمبتدأ الناصبة للخبر، وإذا لم تكن عاملة سميت تامة فقط لأن الفعل إذا أضيف لله تعالى تجرد عن الزمان وصار معناه الدوام بخلاف قولك كان الشيخ شابا، لأن الشبوبة تنقطع بالشيخوخة، فتكون في مثله بلا انقطاع قال تعالى «وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» من الأوامر والنواهي والوفاء بالعهد وغيرهما مما أمرناك به «إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً» (٢) يستوي عنده السر والجهر «وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا» (٣) عن كل خلقه فتمسك به أنت وأصحابك. اعلم أنه بعد حادثة أحد وبدر الصغرى المارتين طلب أبو سفيان الأمان من محمد صلّى الله عليه وسلم ليقدم إلى المدينة فيتحادث معه بما يتعلق بعقد معاهدة سلم، فأعطاه الأمان، فحضر هو وعكرمة بن أبي جهل وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي ونزلوا على رأس المنافقين ابن سلول، ثم ذهبوا معه وعبد الله بن أبي سرح وملعجة بن أبيرق إلى حضرة الرسول ليقابلوه، وكان عنده عمر بن الخطاب، فقالوا له ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة وقل ان لها شفاعة وندعك وربك، فشق ذلك على حضرة الرسول، فقال تأذن يا رسول الله بقتلهم؟ قال لا قد أتونا بالأمان، فقال لهم عمر إذن اخرجوا في امنة الله وغضبه، فخرجوا وأمر عمر بأن يخرجهم من المدينة آمنين كما دخلوها آمنين، فأنزل الله مبدأ هذه السورة كأنه يقول أيها المخبر عنا المأمون على أسرارنا المبلغ أحبابنا دم على التقوى التي أنت عليها والتوكل الذي أنت متحل به ونحن نكفيك من ناوأك، ولم يسمه تشريفا له وتنويها بتصريح اسمه فيما بعد. قال تعالى «ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» ينتفع بهما معا فإذا وجدا على خلاف العادة ولله خرق العادات فيكون أحدهما زائدا كالأصبع الزائدة في اليد أو الرجل أو كلاهما بمثابة واحد بسبب الاتصال كالأصبعين المتلاصقين، وعدم وجود قلبين في شخص واحد محقق شائع قال المجنون في هذا
فلو كان لي تقليان عشت بواحد | وتركت قلبا في هواك يعذب |
لو أن لي مهجة أخرى لجدت بها | لكنها خلقت فردا فلم أجد |
واعلم أن لكل جملة من هذه الآية سببا في نزولها فالأولى كانت العرب تسمي أبا معمر الفهري ذا القلبين لشدة حفظه وكان يدعي أن له قلبين فأكذبه الله وأظهر كذبه لقومه حين انهزم المشركون في حادثة الأحزاب الآتية إذ رآه أبو سفيان وإحدى نعليه في رجله والأخرى في يده، فقال له ما بالك هكذا؟ قال ما شعرت إلا أنها في رجلي فقالوا لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده. وأخرج الترمذي عن ابن عباس ان المنافقين قالوا إن لمحمد قلبين قلبا معنا وقلبا مع أصحابه ولذلك يخبر عما يقع منا، فأكذبهم الله وبين أنه يتبع ما يخبر به ما يوحى إليه من ربه وإنما قلنا لو وجد لأحد قلبين على سبيل الفرض والتقدير لا ينتفع إلا بأحدهما، لأنه لا يخلو إما أن يعقل بأحدهما ما يعقل بالآخر من الحسّ وافعال القلوب فيكون الآخر فضلة لا حاجة إليه، واما أن يعقل بأحدهما ما لا يعقله بالآخر فيؤدي إلى اتصافه بكونه مريدا كارها عالما جاهلا موقنا شاكا في حالة واحدة وهما حالتان متنافيتان لا ينتفع بهما البتة. والجملة الأخرى في الظهار وسيأتي تفصيله أول سورة المجادلة الآتية إن شاء الله، والجملة الثالثة في التبنّي وذلك أن زيد بن حارثة من بني كلب سبي صغيرا فاشتراه حكيم بن خزام إلى عمته خديجة فلما تزوجها حضرة الرسول وهبته إليه
455
فجاء أبوه وعمه يطلبانه من الرسول فخيره بين أن يذهب معهما أو ان يبقى عنده، فاختار البقاء عند رسول الله عليهما فأعتقه صلّى الله عليه وسلم وتبناه على عادة العرب قبل الإسلام، إذ لم ينزل قرآن بشأن التبنّي، ثم زوجه زينب بنت جحش، ولما طلقها كما سيأتي بيانه في هذه السورة وتزوجها رسول الله قال المنافقون تزوج زوجة ابنه، فأنزل الله هذه الجملة تكذيبا لهم، وأعلمهم فيها ان المتبنى ليس بولد صلبي ولا مثله في تحريم الزواج.
وما قيل ان هذه الآية نزلت في نسخ التبني لا صحة له. لأن الله لم يسمه ابنا قط فيما أنزل على رسوله قبل، ولم يمنع التبني في هذه الآية وانما منع اسم البنوة عنه فقط، فلا محل لدعوى النسخ، قال تعالى «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» إذا كانوا معروفين وهذا «هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» واعدل من أن تنسبوهم لأنفسكم كذبا لأنهم لهم آباء غيركم «فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ» أي ادعوهم بلفظ الأخ، فتقول يا أخي ويا ابن أخي على عادة العرب أيضا في نداء بعضهم بعضا، وهذا أحسن من قول الناس الآن لابن الغير يا ولدي يا ابني، واصدق لأن الناس كلهم أخوة «فِي الدِّينِ» واخوة في الخلق إذا لم يكونوا على دين واحد «وَمَوالِيكُمْ» بأن تقولوا إذا ساقتكم الأنفة من تسميتهم إخوانا فقولوا يا مولاي، والمولى يطلق على السيد والعبد لغة، وقيل فيه:
قال تعالى «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ» قبل النهي قصدا لأنكم لا تعلمون انه ينهى عنه كما لا يؤاخذكم إذا أخطأتم بعد النبي سهوا أو نسيانا «وَلكِنْ» الذي يؤاخذكم عليه هو «ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ» عليه وعملتم به بعد النهي ففيه الإثم عليكم «وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً» ولم يزل لمن يخطىء أو يجرم إن شاء «رَحِيماً» (٥) بعباده يعاملهم بعفوه وحلمه. روى البخاري ومسلم عن سعد ابن أبي وقاص وأبي بكرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة حرام عليه. وجاء عنه ملعون من ادعى الى غير مواليه، ملعون من انتسب لغير آبائه. ولهذا ورد عنه صلّى الله عليه وسلم الناس مأمونون على أنسابهم. وبعد ان تبين ان الذي ينتسب الى غير آبائه ملعون لا يتصور أن يجرؤ قصدا على الانتساب زورا لغير آبائه، ويختار
وما قيل ان هذه الآية نزلت في نسخ التبني لا صحة له. لأن الله لم يسمه ابنا قط فيما أنزل على رسوله قبل، ولم يمنع التبني في هذه الآية وانما منع اسم البنوة عنه فقط، فلا محل لدعوى النسخ، قال تعالى «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» إذا كانوا معروفين وهذا «هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» واعدل من أن تنسبوهم لأنفسكم كذبا لأنهم لهم آباء غيركم «فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ» أي ادعوهم بلفظ الأخ، فتقول يا أخي ويا ابن أخي على عادة العرب أيضا في نداء بعضهم بعضا، وهذا أحسن من قول الناس الآن لابن الغير يا ولدي يا ابني، واصدق لأن الناس كلهم أخوة «فِي الدِّينِ» واخوة في الخلق إذا لم يكونوا على دين واحد «وَمَوالِيكُمْ» بأن تقولوا إذا ساقتكم الأنفة من تسميتهم إخوانا فقولوا يا مولاي، والمولى يطلق على السيد والعبد لغة، وقيل فيه:
ولن يتساوى سادة وعبيدهم | على أن اسماء الجميع موالي |
456
اللعن استحقاقا بنصّ الحديث المار ذكره، وعليه فان من أراد أن يكذب وينتسب قصدا أو رياء ليظهر للناس انه ذر نسب فيستحق اللعن وما هو بنافعه، لأن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور لا بنسب ولا بغيره، على أن الأدب قد يغني عن النسب فيما يريده. قال غسان بن سعيد في ذلك:
أما النسب فلا يغني عن الأدب، راجع الآية ١٠١ من سورة المؤمنين في ج ٢ وما ترشدك اليه. ورويا عن ابن عمر قال ان زيد بن حارثة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزلت هذه الآية فانتهينا. قال تعالى «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» أي بعضهم من بعض فتكون طاعتهم له أولى من طاعة أنفسهم، لأنه لا يدعوهم إلا الى ما فيه نفعهم. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: ما مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا ان شئتم هذه الآية، فأيما مؤمن ترك مالا فلترثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا (بفتح الضاد عيالا) فليأتني فأنا مولاه. أي أوف عنه دينه وأعول عياله. وهو صلّى الله عليه وسلم لقد وكل خير اهل «وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ» لأن نكاحهن محرم على المؤمنين كافة بعده على التأييد كما سيأتي فمن هذه الجهة جاز تسميتهنّ أمّا ويستفاد من الآية انهن لسن بأمهات للنساء بل للرجال خاصة، لما روي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة، يا أمة، فقالت لست لك بأم، إنما أنا أم رجالكن والآية خاصة فيهن لا تتناول أخواتهن أو بناتهن، ولا جميع أقاربهن لجواز زواجهن بهم «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» على ترتيب الإرث، وكذلك في الميراث، وهذه كالآية من آخر سورة الأنفال المارة. قالوا كان المسلمون يتوارثون بينهم لأن الرسول آخى بينهم، وبقي ذلك إلى نزول آية الأنفال، فصار الإرث للأقرب نسبا أو رحما، وذلك لأن المسلمين كثروا وجاءوا بأهاليهم من دار الحرب إلى دار الإسلام، فصاروا يتوارثون بينهم بالأولوية ومن جهة الدين، لأن أقاربهم كانوا كفارا أو في دار الحرب، وان اختلاف الدين
من خانه حسب فليطلب الأدبا | فقيه منيته إن حل أو ذهبا |
فاطلب لنفسك آدابا تعزّ بها | كيما تسود بها من يملك الذهبا |
457
والدار مانعان من الإرث كالرق والكفر، وقبل نزولها كانوا يتوارثون فيما بينهم لأن إخوانهم المؤمنين الذين هم معهم في دار الإسلام أولى بإرثهم من أقاربهم الكفرة والذين في دار الحرب. ولا نسخ في هذا البتة لأن الأمر كما ذكر، ولأن ما كانوا يتعاملون به بينهم لم ينزل فيه قرآن، ولأن آية الأنفال لم تعقب بما تعقبت به هذه الآية بل ختمت بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وان اختلاف الدار مانع من الإرث عند أبي حنيفة وعليه العمل حتى الآن والأولوية هذه ثابتة ازلا «فِي كِتابِ اللَّهِ» بسابق حكمه ومدون في لوحه إن أولي الأرحام أولى «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ» المتآخين قبلا في حق الولاية الدينية التي وقعت بعد الهجرة، وهذا هو الأولى والأحق بالإرث «إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً» بأن توصوا إليهم بشيء من أموالكم فلا جناح عليكم بذلك، وهذا الحكم محق ثابت مستمر إلى الأبد، إذ يجوز للرجل أو المرأة أن يوصيا بشيء من مالهما لأقاربهما الذين لا يرثون ولخدمهما وعبيدهما وأصدقائهما وغيرهم من الأقارب غير المسلمين راجع الآية ١٨٠ من سورة البقرة المارة، وقوله صلّى الله عليه وسلم لا وصية لوارث «كانَ ذلِكَ» المذكور في هذه الآية من التوارث وغيره «فِي الْكِتابِ» الأزلي المحفوظ عند الله «مَسْطُوراً» (٦) مثبتا، وقد أنزلناه عليكم الآن لتعملوا به. وهذا أيضا من التدريج في الأحكام الملمع إليه في المقدمة جريا على سنن الكون وتغيراته، والله أعلم بما ينزل، واعلم بحاجة الناس ومصلحتهم. قال تعالى «وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ» بتبليغ ما أرسلوا به ردعوة الناس إليه «وَمِنْكَ» يا سيد الرسل «وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» وسائر النبيين أيضا أخذنا هذا العهد، وإنما خص هؤلاء الخمسة على جميعهم الصلاة والسلام لأنهم أصحاب الكتب والشرائع وأولو العزم المتفق عليهم، راجع آخر سورة الأحقاف ج ٢ في بحثهم وقدّم محمدا في الذكر مع أنه آخرهم بعثا ووجودا تشريفا له وتفضيلا واشارة إلى أنه أول الخلق معنى وذكرا، فقد روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال كنت أول النبيّين في الخلق وآخرهم في البعث وهذا الحديث مستقى من هذه الآية لأنها تدل على أنه أول خلق الله بدليل أخذ هذا العهد «وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً
458
غَلِيظاً»
(٧) على الوفاء بما عهد إلى جميع النبيين الذين هم أولى خلق الله به «لِيَسْئَلَ» الله تعالى
يوم السؤال في الموقف العظيم «الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ» لله وفي الله وبالله ولأنفسهم والمرسل إليهم «وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ» بهم الجاحدين ما جاؤهم به «عَذاباً أَلِيماً» (٨) في الآخرة عدا عذاب الدنيا، قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ» قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير حينما تحزبوا على المؤمنين في منتصف شوال السنة الخامسة من الهجرة بعد غزوة بني النضير الواقعة في السنة الرابعة منها التي سيأتي ذكرها أول سورة الحشر الآتية إن شاء الله «فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ» أي الجنود المتحزبة الباغية عليكم «رِيحاً» شديدة بدليل التنكير كما سترى من فعلها في القصة الآتية «وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها» ولم تعلموها وإنما تشاهدون أثرها وفعلها فيهم «وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً» (٩) ناظرا لما عملتموه من الخندق كي تتحصنوا به من عدوكم وعالما بثباتكم وحسن نيتكم وثقتكم برسولكم واعتصامكم معه بحبل الله هذا على القراءة بالتاء على الخطاب، وعلى القراءة بالياء على الغيبة يكون المعنى بصيرا بما يعمله الكفار من السعي لإطفاء نور الله الذي أظهره على أرضه ببعثة محمد واذكروا أيها المؤمنون «إِذْ جاؤُكُمْ» بنو غطفان وأسد ويهود قريظة برياسة مالك بن عون النضري وعيينة بن حصن الفزاري وطلحة ابن خويلد الأسدي وحيي بني احطب «مِنْ فَوْقِكُمْ» من أعلى الوادي من قبل المشرق «وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ» من بطن الوادي من قبل المغرب وهم قريش وكنانة برياسة أبى سفيان بن حرب وجاء أبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي ومن تبعه من قبل الخندق. واذكروا أيها المؤمنون تلك الحالة التي صورتكم بها أعداؤكم من الكفار والمنافقين واليهود إذ ضاقت صدوركم ذرعه «وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ» عن مستوى نظرها لشدة الرعب وعظم الرهب «وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ» لأن الرنة تتنفخ من كثرة الفزع بسرعة الزفير والشهيق فيرتفع القلب بارتفاعها إلى الحنجرة وصرتم تختبطون «وَتَظُنُّونَ» أيها المؤمنون «بِاللَّهِ» ربكم الذي وعدكم النصر والظفر «الظُّنُونَا» (١٠) المختلفة من كل على حسب يقينه وعقيدته ونيته والمخلصون منكم قد جزموا بنصر الله والذين دونهم سكتوا وضعيفو الإيمان
(٧) على الوفاء بما عهد إلى جميع النبيين الذين هم أولى خلق الله به «لِيَسْئَلَ» الله تعالى
يوم السؤال في الموقف العظيم «الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ» لله وفي الله وبالله ولأنفسهم والمرسل إليهم «وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ» بهم الجاحدين ما جاؤهم به «عَذاباً أَلِيماً» (٨) في الآخرة عدا عذاب الدنيا، قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ» قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير حينما تحزبوا على المؤمنين في منتصف شوال السنة الخامسة من الهجرة بعد غزوة بني النضير الواقعة في السنة الرابعة منها التي سيأتي ذكرها أول سورة الحشر الآتية إن شاء الله «فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ» أي الجنود المتحزبة الباغية عليكم «رِيحاً» شديدة بدليل التنكير كما سترى من فعلها في القصة الآتية «وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها» ولم تعلموها وإنما تشاهدون أثرها وفعلها فيهم «وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً» (٩) ناظرا لما عملتموه من الخندق كي تتحصنوا به من عدوكم وعالما بثباتكم وحسن نيتكم وثقتكم برسولكم واعتصامكم معه بحبل الله هذا على القراءة بالتاء على الخطاب، وعلى القراءة بالياء على الغيبة يكون المعنى بصيرا بما يعمله الكفار من السعي لإطفاء نور الله الذي أظهره على أرضه ببعثة محمد واذكروا أيها المؤمنون «إِذْ جاؤُكُمْ» بنو غطفان وأسد ويهود قريظة برياسة مالك بن عون النضري وعيينة بن حصن الفزاري وطلحة ابن خويلد الأسدي وحيي بني احطب «مِنْ فَوْقِكُمْ» من أعلى الوادي من قبل المشرق «وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ» من بطن الوادي من قبل المغرب وهم قريش وكنانة برياسة أبى سفيان بن حرب وجاء أبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي ومن تبعه من قبل الخندق. واذكروا أيها المؤمنون تلك الحالة التي صورتكم بها أعداؤكم من الكفار والمنافقين واليهود إذ ضاقت صدوركم ذرعه «وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ» عن مستوى نظرها لشدة الرعب وعظم الرهب «وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ» لأن الرنة تتنفخ من كثرة الفزع بسرعة الزفير والشهيق فيرتفع القلب بارتفاعها إلى الحنجرة وصرتم تختبطون «وَتَظُنُّونَ» أيها المؤمنون «بِاللَّهِ» ربكم الذي وعدكم النصر والظفر «الظُّنُونَا» (١٠) المختلفة من كل على حسب يقينه وعقيدته ونيته والمخلصون منكم قد جزموا بنصر الله والذين دونهم سكتوا وضعيفو الإيمان
459
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛ
ﰊ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ
ﰋ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﰌ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ
ﰍ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ
ﰎ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ
ﰏ
ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ
ﰐ
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﰑ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ
ﰒ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ
ﰓ
ترددوا والمنافقون قطعوا بأن المؤمنين سيغلبون ويستأصلون والكافرون واليهود تهيأوا للفنك والغنيمة لأنهم رأوا أن المؤمنين صاروا بحوزتهم ففرحوا وصفّقوا وتكلموا بينهم كيف يقتسمون الرجال والمال والأنعام والأثاث
«هُنالِكَ» في تلك الساعة الرهيبة في تلك اللحظة العسرة «ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ» بالصبر والثبات والتوكل على الله ولكنهم ازعجوا «وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً» (١١) واضطربوا اضطرابا بليغا وماج بهم الخوف موجا عظيما بسبب احاطة العدو بهم ولولا قوة إيمان حلت بهم من الله لسلموا ولكن كبير ثقتهم بالله وعظيم صدقهم بوعده أحدثا في قلوبهم السكينة وتوقع نصر الله لهم دون تفككهم لأن منهم من جاهر بما يغضب الله ورسوله وهم المشار إليهم بقوله «وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ» عبد الله بن سلول ومتعب بن قشير وأضرابهم «وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» شك وريبة لضعف إيمان وعقيدة وقلة يقين وتصديق منهم، وقالوا «ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ» بالنصر على الأحزاب وبملك كسرى وقيصر واليمن «إِلَّا غُرُوراً» (١٢) أي إنهما غرونا بقولهم ذلك وموهوا علينا بتوسيع بلادنا لأن أحدنا الآن لا يستطيع أن يجاوز رحله «وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ» أي المنافقين ومن والاهم كأوس بن قبطي وأصحابه «يا أَهْلَ يَثْرِبَ» اسم لأرض المدينة وما حولها سميت باسم يثرب من العماليق، وقد نهى صلّى الله عليه وسلم أن تسمى المدينة بهذا الاسم لأن معناه غير لايق بها بعد أن شرفت بسيد الكائنات لأنه مأخوذ من التثريب بمعنى التقريع والتوبيخ، وسماها صلّى الله عليه وسلم طيبة لأنها كانت وخمة كثيرة الأمراض فطابت بسكنى الطيبين بها وزال عنها ما كان فيها «لا مُقامَ لَكُمْ» في هذا المكان أي محل القتال «فَارْجِعُوا» إلى منازلكم واتركوا معسكر الرسول ولا تقاتلوا معه إذ لا قبل لكم بهذه الأحزاب المحيطة بكم «وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ» من الذين مع الرسول أيضا وهم بنو حارثة وبنو سلمة «النَّبِيَّ يَقُولُونَ» ينتحلون سببا للمغادرة من موقع القتال «إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ» خالية لا أحد فيها وهي مما يلي العدو ونخشى عليها السرقة، فأذن لنا نذهب نحافظها، فكذبهم الله بقوله «وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً» (١٣) من القتال وتقليل سواد المسلمين والغدر بهم «وَلَوْ دُخِلَتْ» تلك
«هُنالِكَ» في تلك الساعة الرهيبة في تلك اللحظة العسرة «ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ» بالصبر والثبات والتوكل على الله ولكنهم ازعجوا «وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً» (١١) واضطربوا اضطرابا بليغا وماج بهم الخوف موجا عظيما بسبب احاطة العدو بهم ولولا قوة إيمان حلت بهم من الله لسلموا ولكن كبير ثقتهم بالله وعظيم صدقهم بوعده أحدثا في قلوبهم السكينة وتوقع نصر الله لهم دون تفككهم لأن منهم من جاهر بما يغضب الله ورسوله وهم المشار إليهم بقوله «وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ» عبد الله بن سلول ومتعب بن قشير وأضرابهم «وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» شك وريبة لضعف إيمان وعقيدة وقلة يقين وتصديق منهم، وقالوا «ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ» بالنصر على الأحزاب وبملك كسرى وقيصر واليمن «إِلَّا غُرُوراً» (١٢) أي إنهما غرونا بقولهم ذلك وموهوا علينا بتوسيع بلادنا لأن أحدنا الآن لا يستطيع أن يجاوز رحله «وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ» أي المنافقين ومن والاهم كأوس بن قبطي وأصحابه «يا أَهْلَ يَثْرِبَ» اسم لأرض المدينة وما حولها سميت باسم يثرب من العماليق، وقد نهى صلّى الله عليه وسلم أن تسمى المدينة بهذا الاسم لأن معناه غير لايق بها بعد أن شرفت بسيد الكائنات لأنه مأخوذ من التثريب بمعنى التقريع والتوبيخ، وسماها صلّى الله عليه وسلم طيبة لأنها كانت وخمة كثيرة الأمراض فطابت بسكنى الطيبين بها وزال عنها ما كان فيها «لا مُقامَ لَكُمْ» في هذا المكان أي محل القتال «فَارْجِعُوا» إلى منازلكم واتركوا معسكر الرسول ولا تقاتلوا معه إذ لا قبل لكم بهذه الأحزاب المحيطة بكم «وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ» من الذين مع الرسول أيضا وهم بنو حارثة وبنو سلمة «النَّبِيَّ يَقُولُونَ» ينتحلون سببا للمغادرة من موقع القتال «إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ» خالية لا أحد فيها وهي مما يلي العدو ونخشى عليها السرقة، فأذن لنا نذهب نحافظها، فكذبهم الله بقوله «وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً» (١٣) من القتال وتقليل سواد المسلمين والغدر بهم «وَلَوْ دُخِلَتْ» تلك
460
البيوت من قبل الأحزاب «عَلَيْهِمْ» أي المحتجين المذكورين «مِنْ أَقْطارِها» أي المدينة «ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ» الرجوع إلى الكفر والارتداد عن الدين الحنيف «لَآتَوْها» حالا مسرعين لضعف إيمانهم بالله وقلة يقينهم بوعده وشكهم في كلام الرسول ولأجابوا داعي الفتنة وافتتنوا في دينهم وكفروا «وَما تَلَبَّثُوا بِها» أي الإجابة إلى داعي الفتنة ولا تفكروا ولا ترددوا «إِلَّا يَسِيراً» (١٤) بقدر ما يكون به إعطاء الجواب ولم يتوقفوا أو يتأخروا، لأن إيمانهم صوريا لم تنشر به قلوبهم «وَلَقَدْ كانُوا» هؤلاء الطوائف الأربعة «عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ» رؤيتهم الأحزاب وقبل غزوة الخندق على أنهم «لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ» للأعداء وقد نقضوا عهدهم هذا فهربوا وتركوا المؤمنين وأولهم بنوا حارثة الذين احتجوا بتلك الحجة الواهية «وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا» (١٥) عنه في الآخرة أكثر مما يسأل عنه في الدنيا ويوبخ عليه فيهما. وهذه المعاهدة وقعت بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإنما أضافها الله تعالى لنفسه الكريمة، لأن معاهدة رسوله معاهدة لحضرته المقدسة، ولأن الرسول لم يعاهد إلا بأمر ربه وقد نصوا في هذه المعاهدة على عدم الفرار فنكثوا ولهذا يقول الله إذ رأوا أنهم لم يسألوا عن ميثاقهم هذا في الدنيا فإنهم لا بدّ من أن يسألوا عنه في الآخرة (قل) يا سيد الرسل لهؤلاء كلهم «لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ» إذا كان كتب عليكم «وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ» بعد فراركم هذا «إِلَّا قَلِيلًا» (١٦) بقية مدة آجالكم في الدنيا، ويا حبيبي «قُلْ» لهم أيضا «مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً» قتلا أو غيره «أَوْ» من يمسك فضله إن «أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً» نصرا أو غيره أي لا أحد يقدر على شيء من ذلك غيره «وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً» (١٧) يمنعهم مما قدر عليهم، بل لا بد نائلهم قال تعالى «قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ» المثبطين الناس عن نصرة الرسول «وَ» يعلم «الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ» وهم ابن سلول وأصحابه «هَلُمَّ إِلَيْنا» تعالوا نحونا واتركوا محمدا وأصحابه لأنهم مغلوبون لا محالة فلو كانوا لحما لابتلعهم أبو سفيان وأصحابه لأن محمدا وأصحابه بالنسبة إليهم كأكلة رأس، فتراهم يا حبيبي يقولون هذا القول البذيء «وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ»
461
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ
ﰔ
ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ
ﰕ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ
ﰖ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﰗ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
ﰘ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ
ﰙ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ
ﰚ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﰛ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﰜ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
ﰝ
أي الحرب «إِلَّا قَلِيلًا» (١٨) بقدر ما
يرون موقعها ثم ينصرفون عنها، وهؤلاء المنافقون شديد والبخل على المؤمنين ولهذا يقول الله تعالى «أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ» بأن تنصروا وتغلبوا وتغنموا، ولذلك فإنهم لا يأتون الحرب إلا إتيانا قليلا لينظروا من الغالب «فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ» من قبل العدو «رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ» يا سيد الرسل «تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ» في موقعها يمينا وشمالا من شدة الرعب ترى أحدهم «كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ» أي مثل دوران عين المحتضر «فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ» وأمنوا لقاء العدو «سَلَقُوكُمْ» خاطبوكم مخاطبة عنيفة في مقاسمة الغنائم يقولون قاتلنا معكم وناضلنا عنكم وبنا غلبتم عدوكم «بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ» سليطة ذرية تفعل بالمخاطب فعل الحديد بالرجل وتراهم «أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ» أي الغنيمة يشاقون المؤمنين فيها فلا يريدون أن يتركوا شيئا إلا قاسموهم عليه وطالبوهم فيه ولو عقال بعير «أُولئِكَ» الذين هذه صفتهم «لَمْ يُؤْمِنُوا» بقلوبهم، ولا عبرة بما نطقت به ألسنتهم من الإيمان لأنه رياء وخوف من أن تقتلوهم «فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ» التي عملوها من جهاد وغيره «وَكانَ ذلِكَ» الإحباط وعدم انتفاعهم من أعمالهم «عَلَى اللَّهِ يَسِيراً» (١٩) هينا جدا شأنه شأن غيره، إذ لا يعسر على الله شيء، وهم عند الله كذلك لا وزن لهم ولا قيمة ولا مكانة «يَحْسَبُونَ» هؤلاء المنافقون الخاسرون «الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا» ينهزموا لشدة جبنهم ويعتقدون ثباتهم ومقاومتهم المؤمنين، مع أن هزيمتهم لا بد منها تأييدا لوعد الله الذي وعده المؤمنين على رغم أنف المنافقين والكافرين «وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ» مرة ثانية «يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ» أي يتمنون أن يكونوا في البادية ليأمنوا على أنفسهم منهم لشدة فزعهم من الموت بأن يكونوا «فِي الْأَعْرابِ» بينهم في البادية لا بالحاضرة مع أهل المدينة وتراهم عن بعد «يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ» وما آل إليه أمركم «وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا» (٢٠) بما يقدمون به عذرهم وارائتهم أنفسهم للناس أنهم مع المجاهدين فيا أيها المنافقون
«لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» وقدوة صالحة بأن تنصروا دين الله وتعلوا كلمته وتصبروا على ما يصيبكم مثله، لا أن تتخلفوا عنه وتنخزلوا من سواده وتهربوا من الجهاد، ولكن هذه القدوة
يرون موقعها ثم ينصرفون عنها، وهؤلاء المنافقون شديد والبخل على المؤمنين ولهذا يقول الله تعالى «أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ» بأن تنصروا وتغلبوا وتغنموا، ولذلك فإنهم لا يأتون الحرب إلا إتيانا قليلا لينظروا من الغالب «فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ» من قبل العدو «رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ» يا سيد الرسل «تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ» في موقعها يمينا وشمالا من شدة الرعب ترى أحدهم «كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ» أي مثل دوران عين المحتضر «فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ» وأمنوا لقاء العدو «سَلَقُوكُمْ» خاطبوكم مخاطبة عنيفة في مقاسمة الغنائم يقولون قاتلنا معكم وناضلنا عنكم وبنا غلبتم عدوكم «بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ» سليطة ذرية تفعل بالمخاطب فعل الحديد بالرجل وتراهم «أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ» أي الغنيمة يشاقون المؤمنين فيها فلا يريدون أن يتركوا شيئا إلا قاسموهم عليه وطالبوهم فيه ولو عقال بعير «أُولئِكَ» الذين هذه صفتهم «لَمْ يُؤْمِنُوا» بقلوبهم، ولا عبرة بما نطقت به ألسنتهم من الإيمان لأنه رياء وخوف من أن تقتلوهم «فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ» التي عملوها من جهاد وغيره «وَكانَ ذلِكَ» الإحباط وعدم انتفاعهم من أعمالهم «عَلَى اللَّهِ يَسِيراً» (١٩) هينا جدا شأنه شأن غيره، إذ لا يعسر على الله شيء، وهم عند الله كذلك لا وزن لهم ولا قيمة ولا مكانة «يَحْسَبُونَ» هؤلاء المنافقون الخاسرون «الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا» ينهزموا لشدة جبنهم ويعتقدون ثباتهم ومقاومتهم المؤمنين، مع أن هزيمتهم لا بد منها تأييدا لوعد الله الذي وعده المؤمنين على رغم أنف المنافقين والكافرين «وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ» مرة ثانية «يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ» أي يتمنون أن يكونوا في البادية ليأمنوا على أنفسهم منهم لشدة فزعهم من الموت بأن يكونوا «فِي الْأَعْرابِ» بينهم في البادية لا بالحاضرة مع أهل المدينة وتراهم عن بعد «يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ» وما آل إليه أمركم «وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا» (٢٠) بما يقدمون به عذرهم وارائتهم أنفسهم للناس أنهم مع المجاهدين فيا أيها المنافقون
«لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» وقدوة صالحة بأن تنصروا دين الله وتعلوا كلمته وتصبروا على ما يصيبكم مثله، لا أن تتخلفوا عنه وتنخزلوا من سواده وتهربوا من الجهاد، ولكن هذه القدوة
462
ما أنتم لها بأهل ولا ترجى منكم لأنها لا تكون إلا «لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ» إيمانا صادقا وإيقانا خالصا عن نية حسنة «وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً» (٢١) في السراء والضراء عن عقيدة صالحة لا المنافقين الذين يؤمنون بألسنتهم فقط ولا يذكرون الله إلا قليلا رياء وسمعة. وبعد أن وصف الله المنافقين بما وقع منهم وبما هم عليه نعت المؤمنين بما سيصدر منهم فقال جل قوله «وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ» من النصر والظفر قد آن أوانه «وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» بما وعدا وهذا بمقابلة قول المنافقين ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا «وَما زادَهُمْ» مجيء الأحزاب وإحاطتهم بهم وتثبيط المنافقين هزيمتهم «إِلَّا إِيماناً» بالله ورسوله «وَتَسْلِيماً» (٢٢) لأمرهما وانتظارا لوعدهما.
قال تعالى «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ» من الثبات للقاء العدو عكس المنافقين إذ زادهم اللقاء جبنا وإنكارا لما وعدهم الله ورسوله وتكذيبا وجحودا، أما هؤلاء الكرام «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ» فمات شهيدا في واقعة أحد المارة وفاء بنذره وعهده وميثاقه على الاستمرار في القتال حتى النهاية «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» الشهادة، ويتوقعها باشتياق للفوز بما عند الله من الكرامة للشهداء المار ذكرهم في الآية ١٦٩ من آل عمران والآية ١٥٧ من البقرة المارتين، والأوبة بالسعادة «وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» (٢٣) ما في وعدهم بل ثبتوا عليه وقاموا به ووقوه كاملا «لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ» إذ لا حتم عليه في تعذيب الكافر ولا جزم عليه في إثابة المؤمن «أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ» بأن يشرح صدورهم للإيمان فيدخلهم الجنة بفضله «إِنَّ اللَّهَ كانَ» ولن يزال «غَفُوراً» لمن يشاء من عباده «رَحِيماً» (٢٤) بمن شاء منهم لا قيد عليه في شيء أبدا «وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ» وحنقهم وقبض صدورهم وضيق ذرعهم وانكماش وجوههم واكفهرار ألوانهم «لَمْ يَنالُوا خَيْراً» نصرا ولا ظفرا ولا غنيمة من المؤمنين البتة بل نكسوا على رؤوسهم وردوا على أعقابهم مدحورين «وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ» بتسليط الريح العظيمة التي لم تقاوم لأنها من غضب الله أعاذنا الله منه والجنود التي أرسلها الله على الأحزاب الغير مرثية لا نعلمها
قال تعالى «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ» من الثبات للقاء العدو عكس المنافقين إذ زادهم اللقاء جبنا وإنكارا لما وعدهم الله ورسوله وتكذيبا وجحودا، أما هؤلاء الكرام «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ» فمات شهيدا في واقعة أحد المارة وفاء بنذره وعهده وميثاقه على الاستمرار في القتال حتى النهاية «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» الشهادة، ويتوقعها باشتياق للفوز بما عند الله من الكرامة للشهداء المار ذكرهم في الآية ١٦٩ من آل عمران والآية ١٥٧ من البقرة المارتين، والأوبة بالسعادة «وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» (٢٣) ما في وعدهم بل ثبتوا عليه وقاموا به ووقوه كاملا «لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ» إذ لا حتم عليه في تعذيب الكافر ولا جزم عليه في إثابة المؤمن «أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ» بأن يشرح صدورهم للإيمان فيدخلهم الجنة بفضله «إِنَّ اللَّهَ كانَ» ولن يزال «غَفُوراً» لمن يشاء من عباده «رَحِيماً» (٢٤) بمن شاء منهم لا قيد عليه في شيء أبدا «وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ» وحنقهم وقبض صدورهم وضيق ذرعهم وانكماش وجوههم واكفهرار ألوانهم «لَمْ يَنالُوا خَيْراً» نصرا ولا ظفرا ولا غنيمة من المؤمنين البتة بل نكسوا على رؤوسهم وردوا على أعقابهم مدحورين «وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ» بتسليط الريح العظيمة التي لم تقاوم لأنها من غضب الله أعاذنا الله منه والجنود التي أرسلها الله على الأحزاب الغير مرثية لا نعلمها
463
نحن، وإنما يعلمها الذي أرسلها وهربوا غاضبين بعضهم على بعض لما وقع بينهم من الخلاف وسوء الظن الآتي ذكره في القصة «وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا» لا يقاوم «عَزِيزاً» (٢٥) لا يغلب ولهذا شتتهم وطردهم دون قتال.
مطلب في غزوة الخندق وما سلط فيها على الأحزاب وهزيمتهم
وخلاصة هذه القصة قالوا إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما أمر بإجلاء بني النضير من ديارهم على أثر نقضهم العهد كما ستأتي قصتهم مفصلة أول سورة الحشر الآتية إن شاء الله، وإنما لم نذكرها في موقعها لأنها كانت قبل واقعة الأحزاب كما أشرنا إليه في الآية (٧) لأن الله تعالى نوه بها في سورة الحشر لئلا يحصل التكرار الذي لا زلنا نتحاشاه، اتفق سلام بن الحقيق وحيي بن اخطب وكنانة بن الربيع وأبو عمّار الوائلي مع أبي سفيان من قريش وعيينة بن حصن الفزاري والحارث بن عرب المري عن غطفان ومسعر بن رفيلة عن أشجع وحزّبوا الأحزاب وغزوا المدينة في عشرة آلاف، وتوثقوا في هذه المعاهدة على أن يستأصلوا محمدا وأصحابه، فلما بلغ الخبر حضرة الرسول أشار إلى سلمان الفارسي يحفر الخندق حول المدينة للحصار فيها، فقبل رأيه وقسم كل أربعين ذراعا على عشرة رجال وطلب المهاجرون أن يكون سلمان معهم، والأنصار كذلك، ولما لم يكن من الطرفين قال صلّى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت، فكان مع المهاجرين، لأن حضرة الرسول منهم، قال سلمان وبعد أن باشر كل يحفر سهمه ظهرت صخرة مروة صمّاء أعيتهم، فاستنجدوا برسول الله فأخذ معول سلمان وضربها ثلاث ضربات في كل ضربة يبرق منها بريق يضيء ما بين لابتي المدينة ويكبر النبي والمسلمون تكبير فتح حتى فتتها، فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط، فقال للقوم أرأيتم ما يقول سلمان، قالوا نعم، وقال سلمان إنه رأى في البرقة الأولى أن قصور الحيرة أضاءت له ومدائن كسرى، وفي الثانية قصور قيصر من أرض الروم، وفي الثالثة قصور صنعاء من اليمن، وقال صلّى الله عليه وسلم أخبرني جبريل أن أمتي ستظهر عليها الدول الثلاث المذكورة فاستبشر المسلمون وحمدوا الله تعالى، قال محمد بن اسحق لما فرغ من الخندق وصلت قريش وغطفان ومن تابعهم فنزلت بجنب أحد، وخرج رسول الله والمسلمون ونزلوا السلع وأمر
مطلب في غزوة الخندق وما سلط فيها على الأحزاب وهزيمتهم
وخلاصة هذه القصة قالوا إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما أمر بإجلاء بني النضير من ديارهم على أثر نقضهم العهد كما ستأتي قصتهم مفصلة أول سورة الحشر الآتية إن شاء الله، وإنما لم نذكرها في موقعها لأنها كانت قبل واقعة الأحزاب كما أشرنا إليه في الآية (٧) لأن الله تعالى نوه بها في سورة الحشر لئلا يحصل التكرار الذي لا زلنا نتحاشاه، اتفق سلام بن الحقيق وحيي بن اخطب وكنانة بن الربيع وأبو عمّار الوائلي مع أبي سفيان من قريش وعيينة بن حصن الفزاري والحارث بن عرب المري عن غطفان ومسعر بن رفيلة عن أشجع وحزّبوا الأحزاب وغزوا المدينة في عشرة آلاف، وتوثقوا في هذه المعاهدة على أن يستأصلوا محمدا وأصحابه، فلما بلغ الخبر حضرة الرسول أشار إلى سلمان الفارسي يحفر الخندق حول المدينة للحصار فيها، فقبل رأيه وقسم كل أربعين ذراعا على عشرة رجال وطلب المهاجرون أن يكون سلمان معهم، والأنصار كذلك، ولما لم يكن من الطرفين قال صلّى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت، فكان مع المهاجرين، لأن حضرة الرسول منهم، قال سلمان وبعد أن باشر كل يحفر سهمه ظهرت صخرة مروة صمّاء أعيتهم، فاستنجدوا برسول الله فأخذ معول سلمان وضربها ثلاث ضربات في كل ضربة يبرق منها بريق يضيء ما بين لابتي المدينة ويكبر النبي والمسلمون تكبير فتح حتى فتتها، فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط، فقال للقوم أرأيتم ما يقول سلمان، قالوا نعم، وقال سلمان إنه رأى في البرقة الأولى أن قصور الحيرة أضاءت له ومدائن كسرى، وفي الثانية قصور قيصر من أرض الروم، وفي الثالثة قصور صنعاء من اليمن، وقال صلّى الله عليه وسلم أخبرني جبريل أن أمتي ستظهر عليها الدول الثلاث المذكورة فاستبشر المسلمون وحمدوا الله تعالى، قال محمد بن اسحق لما فرغ من الخندق وصلت قريش وغطفان ومن تابعهم فنزلت بجنب أحد، وخرج رسول الله والمسلمون ونزلوا السلع وأمر
464
بالنساء والزراري أن يرفعوا إلى الأطام، وذهب حيي بن اخطب إلى كعب بن أسعد القرظي وأفنعه بنقض العهد مع رسول الله على أنه وقريشا إذا لم يستأصلوا محمدا واتباعه أن يكون معه، فرضي وبلغ حضرة الرسول ذلك فأرسل سعد بن معاذ يستقصي خبر نقض العهد، فذهب فوجده كما سمع، فقال صلّى الله عليه وسلم الله أكبر ابشروا يا معشر المسلمين بالنصر والغلبة والظفر، ثم لما رأوا كثرة الأعداء وانضمام المعاهدين إليهم واحاطتهم بهم اشتد الخوف، إذ ان العدو تقرب منهم وحاصرهم من فوق ومن تحت كما ذكر الله ولولا الخندق لا قتحموهم، ولكن من كان الله وليه لا يتسلط عليه أحد. ثم نجم النفاق وجاهر به معقب بن بشير أخو بني عمرو بن عوف قائلا أن محمدا يعدنا بكسرى وقيصر واليمن وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط، يندد بما قاله سلمان رضي الله عنه آنفا من رؤيته في البريق وما تفضل به حضرة الرسول من أن أمته ستظهر عليهم. وقال اويس بن قبطي من بني حارثة أن بيوتنا عورة، فأنزل الله فيهما (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) الآيتين المارتين، ودام الحصار بضعا وعشرين ليلة، وعظم البلاء على المسلمين واختلّت داخليتهم بالمنافقين الذين يلقون بالأراجيف بين الناس ويعظمون الأعداء ويقللون المؤمنين ويعرضون بوعد الله ورسوله، ولما رأى حضرة الرسول ذلك أراد أن يعطي ثلث عمارة المدينة إلى قائدي غطفان عيينة والحارث ويرجعا عن مؤازرة قريش إزالة لما رأى من ضجر المؤمنين وخوفهم واستبطائهم نصر الله وقد ذلوا من عدوهم وإذا ذل العرب ذل الإسلام كله، وقد خاف صلّى الله عليه وسلم من التفرقة الناشئة عن احساسهم بالضعف والاختلاف الذي يؤدي إلى التباغض والتحاسد والاستنثار، فاستشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فقالا له إذا كان الله أمرك بهذا فلا بد منه، وإلا فقبل أن نتشرف بالإسلام ما كانوا يطمعون بشجرة واحدة فكيف بعد تشرفنا به والله ما نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، فقال صلّى الله عليه وسلم لا والله لما يأمرني الله وإنما وعدني النصر والظفر إلا أني رأيت العرب رمتكم عن قوس
واحد وقد رأيتم ما فعل المنافقون، فأردت كسر شوكتهم، واجمعوا على مواصلة الحصار وعدم البحث فيما ذكره حضرة الرسول، ثم أن عمرو بن ود العامري وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن وهب ت (٣٠)
واحد وقد رأيتم ما فعل المنافقون، فأردت كسر شوكتهم، واجمعوا على مواصلة الحصار وعدم البحث فيما ذكره حضرة الرسول، ثم أن عمرو بن ود العامري وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن وهب ت (٣٠)
465
ونوفل بن عبد الله ومرداس تلبسوا للقتال وهيجوا غيرهم وأرادوا اقتحام المدينة، فلما رأوا الخندق قالوا هذه مكيدة لم تعرفها العرب، وبعد أن تراشقوا بالنبل اقتحموا الخندق بخيولهم، فقام صلّى الله عليه وسلم ونفر من المسلمين وقال علي لعمرو انك كنت تعاهد الله أن لا يدعوك رجل الى خصلتين إلا أخذت إحداهما، قال أجل، قال إني أدعوك إلى الإسلام، قال لا، قال أدعوك للنزال، قال يا ابن أخي لا أحب قتلك، فقال علي والله اني أحب قتلك، فقال إذا أنازلك، وعظم ذلك على المسلمين لما يعلمون من شدة بطش عدو الله عمرو وخوفهم على عليّ، فبرز له رضي الله عنه وقالوا خرج الإسلام كله إلى الكفر كله، فوفّق الله عليا وقتل عمرا ومعه رجلان قتلهما أيضا وهزم بقية أصحابه، وبقي جسد نوفل بن عبد الله بالخندق، فسأل قومه الرسول أن يبيعهم جثته، فسمح لهم بها مجانا في ساعة هم أحوج فيها لكل شيء، ولا جرم فهو معدن السماح وأصل الفضل، وجرح سعد بن معاذ وصار يقول والحربة في يده لا بأس بالموت إذا حان الأجل، وقال اللهم إن أبقيت شيئا من عرب قريش فأبقني أجاهد من آذى رسولك، وإلا فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني في قريظة، قال محمد بن اسحق كانت صفية بنت عبد المطلب في قارع حصن حسان بن ثابت وكان مع النساء والصبيان، قالت فمرّ بنا يهودي، فقلت يا حسان لعله يدل على عورتنا فدونك اقتله، قال لقد عرفت ما أنا لذلك، قالت فاعتمرت وأخذت عمودا فنزلت فقتلته، قالت فقلت يا حسان تعال فاسلبه لأنه رجل، قال مالي بسلبه حاجة، وذلك لشدة جبنه خشي أن يحيا أن يكون به رمق حياة فيقاومه، وما أشبه جبن حسان بجبن أبي دلامة إذ يقول:
وقال آخر في غيره:
ثم تظاهرت الأعداء في العداء واشتد الخوف وكثر الرعب والمنافقون يرجفون في الناس ويتسللون ورسول الله ينتظر وعد ربه عز وجل، فجاء نعيم بن مسعود ابن عامر من بني غطفان، وهذا غير نعيم المار ذكره في الآية ١٧٣ من سورة
وفي الهيجاء ما جرّبت نفسي | ولكن في الهزيمة كالغزال |
إذا صوت العصفور طار فؤاده | وليث شديد الناب عند الثرائد |
466
آل عمران المارة وقد حان الأجل المقدر لنصرة الرسول وإجابة طلبه وتنفيذ وعده فسخر نعيما المذكور بما ألقاه الله في قلبه ليقضي الله أمرا كان مفعولا، وقال يا رسول الله أسلمت وقومي لا يعلمون، فأمرني بما شئت، فقال صلّى الله عليه وسلم خذّل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة، فذهب إلى بني قريظة قال لهم تعرفون ودي لكم خاصة، قالوا لا نتهمك، قال ولكن اكتموا علي قولي، قالوا نعم، قال إن قريشا وغطفان الذين ظاهرتموهم على قتال محمد ليسوا كهيئتكم لأن البلد بلدكم فيه أموالكم ونساؤكم لا يمكنكم النحول منه إلى غيره، وإن قريشا وغطفان إن لم يصيبوا شيئا لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين هذا الرجل ولا طاقة لكم به، فالرأي أن لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن من أشرافهم على أن يقاتلوا معكم حتى تناجزوا محمدا، قالوا رأي نافع، ثم تركهم وذهب ليلته إلى قريش فقال لهم قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا، وقد بلغني أمر رأيت أن أنصحكم به فاكتموا عليّ، قالوا نفعل، قال إن معشر يهود قريظة ندموا وأرسلوا إلى محمد بأنه هل يرضيك أن نأخذ رجالا من أشراف قريش وغطفان ونرسلهم لك، فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي، فرضي منهم ذلك، فاجمعوا أمركم وانظروا ما ترون، فقد أعذر من أنذر، وقد أديت ما علي لكم، ثم تركهم وذهب إلى غطفان وقال لهم أنتم أهلي وعشيرتي وأحب الناس إلي، قالوا صدقت، قال فاكتموا علي، قالوا نفعل، فقال لهم ما قال لقريش وحذرهم أن يبعثوا رهائن إلى اليهود، فلما أيقنوا ما أرشدهم إليه نعيم ونصحهم به بعث أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يقولون لهم إنا لسنا بدار إقامة، وقد هلك الخف والحافر، فاستعدوا للقتال حتى نتاجز محمدا، فارسلوا إليهم أن اليوم سبت لا يعمل فيه شيء على أنا لا نقاتل محمدا بعده حتى تعطونا رهائن من كبار رجالكم لأننا نخشى ان فرستكم الحرب تسيروا لبلادكم وتتركونا، فرجع الرسل وأخبروا قومهم، فقالوا كلهم إن ما أخبر به نعيم لحق، فأرسلوا خبرا لبني قريظة انا لا نرسل لكم أحدا فإن كنتم تريدون القتال قاتلوا وإلا فانظروا ما ترون، فقال بنو قريظة بعضهم لبعض إن ما ذكره نعيم لصحيح وهو حق ونصح، وخذل
467
الله بينهم بما ألهم نعيما، وأرسل عليهم ريحا شديدة، وكانت الليالي شاتية باردة جدا، فجعلت تكفأ القدور وتطرح الأواني، وأرسل الله عليهم جنودا من جنوده تقيم القاعد وتقعد القائم فاختل نظامهم وتفرقت آراءهم، وأوقع الله في قلوبهم الرعب والحيرة، ولما بلغ رسول الله ما فعل نعيم وما وقع بينهم من التخاذل وسوء ظن بعضهم ببعض أرسل حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم وقال له لا تحدثن شيئا حتى ترجع إلي ودعى له، قال حذيفة فأخذت سهمي وانطلقت، فإذا الريح وجنود الله التي لم تر تفعل بهم فعلا عجيبا. فلا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا خباء، وإذا أبو سفيان قاعدا، ولولا وصية رسول الله لقتلته، وإذا هو قام فقال يا معشر قريش ليأخذ كل منكم بيد جليسه فلينظر من هو، فأخذت أنا بيد رجل، فقال لي من أنت قلت سبحان الله أما تعرفني؟ فسكت، فقال أبو سفيان يا قريش ما أصبحتم بدار إقامة وقد أخلفتنا بنو قريظة وهلك الخف والحافر وألقينا من هذه الريح ما ترون، فارتحلوا إني مرتحل، وقام وركب جمله وهو معقول فأطلق عقاله وهو راكب، فسمعت غطفان بما فعلت قريش ففعلت مثلها، وثاروا ثورة رجل واحد راجعين إلى بلادهم، فرجعت أبشّر رسول الله، فصار يضحك، وفشا خبرهم وأعز الله رسوله صلّى الله عليه وسلم وأخزى أعداءه.
مطلب لا يسمى ما وقع من حضرة الرسول وما في بعض آيات القرآن شعرا لفقد شروطه وقصة بني قريظة:
روي البخاري ومسلم عن أنس قال: خرج رسول الله إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحقرون في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال:
فقالوا مجيبين له بشوق ورغبة:
قال البراء بن عازب كان النبي ينقل التراب معنا ويقول:
مطلب لا يسمى ما وقع من حضرة الرسول وما في بعض آيات القرآن شعرا لفقد شروطه وقصة بني قريظة:
روي البخاري ومسلم عن أنس قال: خرج رسول الله إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحقرون في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال:
اللهم إن العيش عيش الآخرة | فاغفر للأنصار والمهاجرة |
نحن الذين بايعوا محمدا | على الجهاد ما حيينا أبدا |
والله لولا الله ما اهتدينا | ولا تصدقنا ولا صلينا |
يغطين أطراف البنان من التقى | ويخرجن جنح الليل متّزرات |
475
تَطْهِيراً»
(٣٣) رجالا ونساء ولذلك ذكر الضمير، وتدل هذه الآية على أن نسائه من أهل بيته وهو كذلك، ويراد بأهل البيت عند الإطلاق آله صلّى الله عليه وسلم وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس، وتشير الأوامر أوائل هذه الآية إلى شمول نساء المؤمنين كافة لأن الأمر بالصلاة والزكاة والطاعة لا يختص بنساء النبي فقط بل يعم غيرهن من المسلمات أجمع، أما آخرها فهو خاص بنساء النبي وكذلك قوله تعالى «وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ» والنبوية وكل ما تسمعنه من حضرة الرسول وترونه من أفعاله مما يقتدى بهما لأنه من الحكمة «إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً» (٣٤) وبعد أن أنزل الله هذه الآيات في نساء الرسول قال نساء المؤمنين ما أنزل الله فينا شيئا لأن الآية ١٩٥ في آل عمران كانت في حق الهجرة يردن عدم دخولهن في هذه الآية، فأنزل الله جل إنزاله «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ» الذين سلم الناس من لسانهم وأيديهم وسلمت أشخاصهم من العيوب الحسية والمعنوية «وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ» بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، وإنما ذكر الإسلام والإيمان لأنهما الأصل لمادة المدح الدنيوي والأخروي «وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ» المتواضعين لله الخاضعين لأوامره والطائعين عن رغبته «وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ» بأقوالهم وأفعالهم ونياتهم، وإنما وصفهم الله تعالى بالطاعة والصدق لأنهما عنصر الإسلام والإيمان وملاك مراد الأزواج «وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ» على المصائب كافة، فلا
يجزعن ولا يشكون بل يفوضون أمرهم إلى الله. والصبر نصف الإيمان وقد ذكره الله في القرآن ما يزيد على تسعين مرة لعظمه وعظم المتحلين به عنده، «وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ» المستكينات الطائعات المتذللات الساكنات.
واعلم أن ملاك الخضوع يكون في الصوت والبصر والجوارح وإنما وصفهن بالصبر والخضوع لأنهما من متممات الإيمان والإسلام، ومن دواعي السرور للأزواج «وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ» بما يفضل عن الحاجة وبما يؤثر على النفس «والصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ» الفرض والنفل وهاتان الصفتان من أركان قوام الهيئة الاجتماعية وأركان الدين القويم «وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ» من كل
(٣٣) رجالا ونساء ولذلك ذكر الضمير، وتدل هذه الآية على أن نسائه من أهل بيته وهو كذلك، ويراد بأهل البيت عند الإطلاق آله صلّى الله عليه وسلم وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس، وتشير الأوامر أوائل هذه الآية إلى شمول نساء المؤمنين كافة لأن الأمر بالصلاة والزكاة والطاعة لا يختص بنساء النبي فقط بل يعم غيرهن من المسلمات أجمع، أما آخرها فهو خاص بنساء النبي وكذلك قوله تعالى «وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ» والنبوية وكل ما تسمعنه من حضرة الرسول وترونه من أفعاله مما يقتدى بهما لأنه من الحكمة «إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً» (٣٤) وبعد أن أنزل الله هذه الآيات في نساء الرسول قال نساء المؤمنين ما أنزل الله فينا شيئا لأن الآية ١٩٥ في آل عمران كانت في حق الهجرة يردن عدم دخولهن في هذه الآية، فأنزل الله جل إنزاله «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ» الذين سلم الناس من لسانهم وأيديهم وسلمت أشخاصهم من العيوب الحسية والمعنوية «وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ» بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، وإنما ذكر الإسلام والإيمان لأنهما الأصل لمادة المدح الدنيوي والأخروي «وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ» المتواضعين لله الخاضعين لأوامره والطائعين عن رغبته «وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ» بأقوالهم وأفعالهم ونياتهم، وإنما وصفهم الله تعالى بالطاعة والصدق لأنهما عنصر الإسلام والإيمان وملاك مراد الأزواج «وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ» على المصائب كافة، فلا
يجزعن ولا يشكون بل يفوضون أمرهم إلى الله. والصبر نصف الإيمان وقد ذكره الله في القرآن ما يزيد على تسعين مرة لعظمه وعظم المتحلين به عنده، «وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ» المستكينات الطائعات المتذللات الساكنات.
واعلم أن ملاك الخضوع يكون في الصوت والبصر والجوارح وإنما وصفهن بالصبر والخضوع لأنهما من متممات الإيمان والإسلام، ومن دواعي السرور للأزواج «وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ» بما يفضل عن الحاجة وبما يؤثر على النفس «والصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ» الفرض والنفل وهاتان الصفتان من أركان قوام الهيئة الاجتماعية وأركان الدين القويم «وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ» من كل
476
سوء «وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ» لأن ذكر الله ينور القلب ويحمي من الوقوع في المنكر ودوامه يوجب التيقظ والمحافظة على هذه الأوصاف العشرة التي ما بعدها وصف، فهي جامعة لمحاسن الأخلاق والآداب وكمال أركان الدين ونهايته مع الله والناس أجمعين، وعنايته في العطف على الفقراء والأقارب والمساكين، وهؤلاء الذين يتصفون بهذه الأوصاف المزدوجة المحافظون عليها «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً» سترا لذنوبهم وعفوا عن عيوبهم المتقدمة والمتخللة بينها، فلا يطلع عليها أحدا في الدنيا «وَأَجْراً عَظِيماً» (٣٥) في الآخرة راجع الآية ٥٩ الآتية، ولما أراد صلّى الله عليه وسلم زواج بنت عمته زينب بنت جحش الأسدية لمولاه زيد المار ذكره في الآية ٤ إذ بين للناس أنه ليس بغلامه وكان أخوها عبد الله وأمهما أمية بنت عبد المطلب كرها زواجها له لأنه شهر بأنه عبد وكرهت هي ذلك أيضا وكانت حديدة المزاج، فأنزل الله تعالى «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» بل يكون لله ورسوله فقط لأن مخالفتهما عصيان «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً» (٣٦) فرضوا كلهم تسليما لأمر الله ورسوله وزوجها منه على ستين درهما وعشرة دنانير وخمارا ودرع وملحفة وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر، لأنه في الحقيقة ليس بعبد كما مرت الإشارة إليه في الآية المذكورة آنفا، وإلا لما زوّجها إليه صلّى الله عليه وسلم وهي بنت عمته ومن سنته الكفاءة بين الزوجين، ثم ألقى الله كراهتها في نفس زيد بسبب تعاظمها عليه وتباهيها بشرفها ولما تعلم عنه أنه كان خادما وصارت لا تحترمه ولا توقره بلسانها، فذكر ذلك لحضرة الرسول مرارا وهو يأمره بالصبر عليها علتها تتبدل إلى أحسن وهي لا تزداد إلا عدم مبالاة به، فقال يا رسول الله لا بد لي من طلاقها، فقال له هل رابك منها شيء؟ قال لا والله وإنما ما ذكرت لك من أذيتي وإهانتي بتكابرها علي، فأمره بإمساكها أولا وثانيا وثالثا وهو يصبر معها على مضض لما هو عليه من عزة النفس والمروءة والشهامة ويخشى غضب الرسول إن طلقها، ولم يزل يراجع الرسول حتى خيره بطلاقها وإمساكها، فطلقها، وكان الله أعلم رسوله بأنها ستكون
477
بعد من أزواجه وان زيدا يتزوجها ويطلقها، فعاتب الله نبيه على إلحاحه على زيد بإمساكها مع علمه بما يئول من حالها إليه وأنه مطلقها لا محالة، فأنزل جل إنزاله «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ» بالإسلام وملازمتك «وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ» بالعتق والزواج من ابنة عمتك «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ» فيها ولا تفارقها واصبر على أذاها وتمنّيه بتبدل حالها معه «وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ» أيها الرسول ما تعلم من حتم طلاقها منه وزواجها منك بإخبارنا إياك واعتقادك بوقوعه حتما وتريد أن تكتم «مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ» للناس ومظهرة علنا لأن الزواج ليس بالأمر الذي يكتم «وَتَخْشَى النَّاسَ» يا حبيبي من أن يقولوا تزوج زوجة من تبناه وقد أخبرناك بأن المتبنى ليس بابن راجع الآية الرابعة المذكورة آنفا «وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ» من الناس إن كنت ترى أن ذلك مما يخشى والخوف نتيجة العلم، قال تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) الآية ٢٨ من سورة فاطر في ج ١ وفي تخصيص الخشية بهم دليل على اعتقاد الأمانة بهم، فعلى الأمة أن يأخذوا بأقوالهم ويعتقدوا فيهم بأنهم لا يبلغونهم شيئا إلا عن الله ورسوله وليس عليهم أن يحاجوهم ويطلبوا منهم الدليل أو أنهم يقولون لهم لم لا تفعلوا أنتم ما تأمرون به راجع الآية ١٠٥ من آل عمران المارة والآية ٤٤ من البقرة أيضا ترى ما تقر به عينك ويغنيك عن غيره، أي ان هذا الذي تخشاه، هو حلال مطلق لا عيب فيه ولا استحياء.
مطلب زواج حضرة الرسول بمطلقة زيد، وكونه خاتم الأنبياء، والطلاق قبل الدخول:
قال تعالى «فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً» ولم يبق له بها أرب وقد طابت نفسه بطلاقها للأسباب المتقدمة وقد طلقها وانقضت عدتها «زَوَّجْناكَها» يا حبيبنا حسبما وعدناك قبلا، قالوا فصارت تفتخر على نساء الرسول بأن الله هو الذي زوجها من رسوله وهن زوجهن له أولياؤهن، وأن السفير بينهما جبريل عليه السلام، والسفير بينهن وبين الرسول في أمر زواجهن من آحاد الناس، وأنها بنت عمته، ولأنه لم يولم على امرأة ما أولمه عليها. روى البخاري ومسلم عن
مطلب زواج حضرة الرسول بمطلقة زيد، وكونه خاتم الأنبياء، والطلاق قبل الدخول:
قال تعالى «فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً» ولم يبق له بها أرب وقد طابت نفسه بطلاقها للأسباب المتقدمة وقد طلقها وانقضت عدتها «زَوَّجْناكَها» يا حبيبنا حسبما وعدناك قبلا، قالوا فصارت تفتخر على نساء الرسول بأن الله هو الذي زوجها من رسوله وهن زوجهن له أولياؤهن، وأن السفير بينهما جبريل عليه السلام، والسفير بينهن وبين الرسول في أمر زواجهن من آحاد الناس، وأنها بنت عمته، ولأنه لم يولم على امرأة ما أولمه عليها. روى البخاري ومسلم عن
478
أنس قال ما أولم النبي صلّى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولمه على زينب أولم بشاة.
وفي رواية أكثر وأفضل ما أولم على زينب. قال ثابت بم أولم؟ قال أطعمهم خبزا ولحما، حتى تركوه زوجه الله امرأة الرجل المعروف بأنه عبده وأنه تبناه أخيرا. «لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً» الوطر إدراك الحاجة وبلوغ المراد فإذا قضى الرجل نهمته من شيء له همة فيه قالوا قضى وطره منه، وهذا مقيد بشرط قضاء الوطر، فلا يجوز إجبار العبد على ترك زوجته لمولاه أو لغيره وكذلك الحر «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ» في هذه الحادثة كما هو في غيرها «مَفْعُولًا» (٣٧) ماضيا نافذا لا محالة. هذا هو الواقع في هذه القصة، ومن قال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم رآها وهي عند زيد فأعجبته وتمنى طلاقها منه وزواجها به لا صحة له ولا يليق بمقامه الكريم وعصمة الأنبياء ومنصبهم الشريف، كيف وهو الذي زوجه إياها وهي بنت عمته ولا تنحجب عنه لا هي ولا غيرها، وما هذا القول إلا جرأة عظيمة وفرية كبيرة وبهت محض على حضرة الرسول وقلة معرفة بذاته الجليلة ونفسه الطاهرة وجهل بحكمة التشريع المتقدمة التي تضمنتها الآية ٣٧، ألا فليحذر الخائضون في هذا من غضب الله ونقمته، على أن الله تعالى بسبب تواري حضرة الرسول عن التصريح بما أخبره قد أنبه بهذه الآية، ولهذا قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: لو أخفى رسول الله شيئا من الوحي لأخفى هذه الآية لما فيها من معنى التكدير لحضرته صلّى الله عليه وسلم ولكنه أمين الله في سمواته وأرضه، فويل للقاسية قلوبهم من عدم تصديقه بما جاء به وأخبر عن ربه عز وجل وبما يتكلم به. قال تعالى «ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ» جناح وإثم أو مانع ما «فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ» وأحله وأباحه من نكاح زينب وتعدد الزوجات لكون هذا «سُنَّةَ اللَّهِ فِي» الأنبياء «الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» محمد لأنهم كانوا لا يرون بأسا من الإقدام على ما أباحه الله لهم ووسعه عليهم من النكاح وغيره، وقد كان لداود عليه السلام مئة امرأة وثلاثمئة سرية ولسليمان ثلاثمئة حرة وسبعمئة سرية ولا شك أن لهذا التعدد في حيته حكما لسنا في معرض إيضاحها «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً» (٣٨) بزمان ومكان مثبتا واجب
وفي رواية أكثر وأفضل ما أولم على زينب. قال ثابت بم أولم؟ قال أطعمهم خبزا ولحما، حتى تركوه زوجه الله امرأة الرجل المعروف بأنه عبده وأنه تبناه أخيرا. «لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً» الوطر إدراك الحاجة وبلوغ المراد فإذا قضى الرجل نهمته من شيء له همة فيه قالوا قضى وطره منه، وهذا مقيد بشرط قضاء الوطر، فلا يجوز إجبار العبد على ترك زوجته لمولاه أو لغيره وكذلك الحر «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ» في هذه الحادثة كما هو في غيرها «مَفْعُولًا» (٣٧) ماضيا نافذا لا محالة. هذا هو الواقع في هذه القصة، ومن قال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم رآها وهي عند زيد فأعجبته وتمنى طلاقها منه وزواجها به لا صحة له ولا يليق بمقامه الكريم وعصمة الأنبياء ومنصبهم الشريف، كيف وهو الذي زوجه إياها وهي بنت عمته ولا تنحجب عنه لا هي ولا غيرها، وما هذا القول إلا جرأة عظيمة وفرية كبيرة وبهت محض على حضرة الرسول وقلة معرفة بذاته الجليلة ونفسه الطاهرة وجهل بحكمة التشريع المتقدمة التي تضمنتها الآية ٣٧، ألا فليحذر الخائضون في هذا من غضب الله ونقمته، على أن الله تعالى بسبب تواري حضرة الرسول عن التصريح بما أخبره قد أنبه بهذه الآية، ولهذا قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: لو أخفى رسول الله شيئا من الوحي لأخفى هذه الآية لما فيها من معنى التكدير لحضرته صلّى الله عليه وسلم ولكنه أمين الله في سمواته وأرضه، فويل للقاسية قلوبهم من عدم تصديقه بما جاء به وأخبر عن ربه عز وجل وبما يتكلم به. قال تعالى «ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ» جناح وإثم أو مانع ما «فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ» وأحله وأباحه من نكاح زينب وتعدد الزوجات لكون هذا «سُنَّةَ اللَّهِ فِي» الأنبياء «الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» محمد لأنهم كانوا لا يرون بأسا من الإقدام على ما أباحه الله لهم ووسعه عليهم من النكاح وغيره، وقد كان لداود عليه السلام مئة امرأة وثلاثمئة سرية ولسليمان ثلاثمئة حرة وسبعمئة سرية ولا شك أن لهذا التعدد في حيته حكما لسنا في معرض إيضاحها «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً» (٣٨) بزمان ومكان مثبتا واجب
479
الوقوع فيهما حتما، ثم أثنى الله تعالى على الأنبياء الذين خلوا قبل محمد فقال جل قوله «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ» بأوامره ونواهيه إلى الأمم كما أمر «وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ» وحده ولا يلتفتون إلى تقول الناس ولومهم فيما يفعلون بإذن ربهم «وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً» (٣٩) لخلقه على خلقه ويكفيهم أن يحصروا مخافتهم منه فيه، ثم انه تعالى نفى عن حبيبه مادة التبني بالكلية بصورة أوضح، لأن الآية الأولى عدد ٤ المارة عامة فيه وفي غيره على طريقة التخصيص بعد التعميم بقوله «ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ» أيها الناس لا زيد ولا غيره ليثبت حرمة تزويجه بزوجة زيد «وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ» الذي يجب عليكم توقيره واحترامه أكثر من آبائكم لأن كل رسول أب عام لأمته ومرب لأرواحها «وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ» ولذلك لم يبق له ولد ليبلغ مبلغ الرجال، لأن الولد إذا لم يكن في درجة أبيه لا فخر له فيه وقد حكم الله بأن لا نبي من بعده «وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً» (٤٠) قبل وقوعه لأنه مدون في أزله، وأن عيسى وإن كان ينزل بعده فإنه يعمل بشريعته ويصلي إلى قبلته، وقد تنبّأ قبله فلا يقال إنه جاء بعده. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إن مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون ويتعجبون له ويقولون هتلا وضعت هذه اللبنة، فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين. وعن جابر مثله وفيه جئت فختمت الأنبياء. ورويا عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله الكفر بي وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب والعاقب ليس بعده نبي، وقد سماه الله رءوفا رحيما. روى مسلم عن أبي موسى قال: كان النبي
صلّى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه بأسماء فقال أنا محمد وأنا أحمد وأنا المقفى أي المولى الذاهب المتبع لمن قبله والآخر وأنا الماحي ونبي التوبة ونبي الرحمة. قال حسان بن ثابت:
وانجر هذا التقليد إلى تقليدهم بالزفاف أيضا، إذ صار الزوج ليلة الزواج يأتي بسيارته إلى بيت العرس فيدخل بين النسوة والبنات الأجانب إليها، فيجلس معها ثم يأخذها ويركبها بسيارته ويذهب بها إلى بيته سافرة خالعة بدل أن كانت تزف إلى بيته من قبل النسوة فقط مستورة لا يراها غيره، ثم انجر إلى تقليد آخر، فإنه صبيحة الدخول بها يأخذها ويذهب بها لبلد آخر ويبقى معها شهرا يسمونه شهر العسل بدل أن يبقى في بلده بين أهله وأقاربه يسرون بزواجه ويباركون لهما في بيتهما القريب والبعيد، ويتركون وليمة العرس، ويحرمون من التمتع وأنظار العامة، وتراهما يكشفان الستار ويطرحان العار، ويضع أحدهما يده بيد صاحبه ويمشيان بالأسواق نابذين وصية الله وراء ظهورهما بإظهار التبرج ومخالطة الأجانب وطرح المروءة والشهامة، وقد يفعل بعض هذا الذين يذهبون إلى المصايف، وقد يفعلون المنكرات ويظنون أن لا يطلع عليهم أحد من أهل بلدهم، ولا يبالون باطلاع غيرهم كبعض النساء اللاتي لا يبالين بمقابلة الجمال والبدوي والعامل والصائغ والتاجر، ويغطين من جارهن وقريبهن، وكل هذا مخالف للشريعة الغراء التي هي بمصلحة الناس، فهم يخشون الناس ولا يخشون الله، وقال صلّى الله عليه وسلم: استحيوا من الله استحياءكم من رجلين من صالحي قومكم. وقال استحيوا من الله حق الحياء.
الحديث، لأن الحياء من الإيمان، قاتل الله هؤلاء وقاتل أولياءهن، وهذا بعض ما سرى إلينا من الأجانب وحبذه بعض شبابنا ومن فقد الأخلاق الكريمة من غيرهم، فالأمر لله الواحد القهار. ثم شرع جل شأنه يؤدب المؤمنين عما لا يليق وقوعه منهم بقوله عز قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ» من قبله «إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ» وقته أي إدراكه ونضجه «وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا» إلى منازلكم أو غيرها أي اخرجوا عنه وتفرقوا لا تبقوا جالسين «وَلا» تديموا
صلّى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه بأسماء فقال أنا محمد وأنا أحمد وأنا المقفى أي المولى الذاهب المتبع لمن قبله والآخر وأنا الماحي ونبي التوبة ونبي الرحمة. قال حسان بن ثابت:
ألم تر أن الله أرسل عبده | ببرهانه والله أعلى وأمجد |
أغرّ عليه للنبوة خاتم | من الله مشهود يلوح ويشهد |
وشق له من اسمه ليجلّه | فذو العرش محمود وهذا محمد |
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً» (٤١) لا نهاية له حتى الموت لأن كل عبادة لها حد ويعذر أهلها بتركها عند الضرورة إلا الذكر، إذ يجب على العبد ألا يفارقه ما دام في قلبه حركة ولا يمنع منه وجود حدث أو حيض أو نفاس ولا الخوف والمرض بل يتأكد فيها رجاء الفرج والصحة «وَسَبِّحُوهُ» نزهوه ووقروه وعظموه مع إدامة ذكره «بُكْرَةً وَأَصِيلًا» (٤٢) صباح مساء بصورة مستمرة بحيث لا يغفل قلبكم عنه وهذا هو المطلوب شرعا من العبد لربه لأنه «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً» (٤٣) أي لعامتهم الأولين والآخرين. ولا معنى لقول من قال إن هذه الرحمة الذين كانوا زمن حضرة الرسول بل هي عامة لهم ولمن تقدمهم وتأخر عنهم «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ» منه إليهم ومنهم إليه في جنته الكريمة «وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً» (٤٤) فيها لا نظير له، والظلمات هنا بمعنى الكفر والنور بمعنى الإيمان. قال تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً» على الخلق «وَمُبَشِّراً» لمن آمن بك بالجنة «وَنَذِيراً» (٤٥) لمن كذبك بالنار «وَداعِياً إِلَى اللَّهِ» بالتوحيد والطاعة والإيمان «بِإِذْنِهِ» بأمره ووحيه «وَسِراجاً مُنِيراً» (٤٦) يغطي كلمة الشرك ولم يقل شمسا لأنها لا يؤخذ منها شيء عفوا، أما السراج فيؤخذ منه أنوار كثيرة لأنه سهل التناول «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً» (٤٧) على غيرهم من الأمم لأنهم آمنوا بنبيهم والأنبياء قبله «وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ» لا تلق له بالا فإن الأنبياء قبلك أوذوا أكثر منك، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلم قسم قسمة بين ت (٣١)
481
أصحابه وكان يعطيهم بحسب ما يعلم منهم من قوة الإيمان وضعفه، فقال رجل منافق ما أريد بهذه القسمة وجه الله بالنظر لظاهر الأمر، فقال صلّى الله عليه وسلم رحم الله أخي موسى فقد أوذي بأكثر من هذا. لأنهم وصموه بكونه آدر كما سيأتي آخر هذه السورة، وقد اتهموه بالزنى كذبا كما مر في الآية ٧٦ من سورة القصص في ج ١ ونسبوا إليه قتل هرون كما سيأتي في الآية ٢٦ من سورة المائدة الآتية، وفي رواية قال له ويلك إن لم أعدل فمن يعدل؟ فأعرض عنهم يا رسول «وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» لا تلتفت إليهم «وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا» (٤٨) لك عن كل خلقه.
قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ» إذا لم تسموا لهن مهرا كما سبق بيانه في الآية ١٣٦ من سورة البقرة «وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا» (٤٩) لا ضرار فيه وفي هذه الآية دلالة على أن الطلاق قبل النكاح لا يقع لأنه مرتب عليه وانه كما ينبغي أن يكون الزواج بالإحسان ينبغي أن يكون الطلاق كذلك لا إكراها، وتشير هذه الآية إلى الإحسان مع الزوجة التي لا مودة بينك وبينها إذ لا تكون قبل الدخول عادة فلأن يكون الإحسان مع التي دخلت بها وخاصة من صار لك منها أولاد من باب أولى، ولهذا نهى الشارع أن يأخذ من المطلقة شيئا في الآية (٢٢٩) من البقرة المارة، وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية (٢١) من سورة النساء الآتية فتكون هذه الآية مثل قوله تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) المشار إليها في الآية ٢٣ من سورة الإسراء في ج ١، اخرج أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لهذا البحث صلة في الآية (٢١) من سورة النساء الآتية فتكون هذه الآية مثل قوله تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) المشار إليها في الآية ٢٣ من سورة الإسراء في ج ١، اخرج أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لا طلاق فيما لا تملك ولا عتق فيما لا تملك ولا بيع فيما لا تملك. وجاء في الخبر لا طلاق في إغلاق أي إكراه أو غضب أو في حالة لا تملك فيها نفسك بحيث لا تعلم نتيجة ما تقول بسبب ما اعتراك من حدة وشبهها، وروى البخاري عن ابن عباس قال جعل الله تعالى الطلاق بعد النكاح، وعن جابر لا طلاق قبل النكاح، وما قيل إن ابن مسعود رضي الله عنه قال إنه يقع فغير صحيح، روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال كذبوا على ابن مسعود وإن كان قالها فزلة من عالم،
قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ» إذا لم تسموا لهن مهرا كما سبق بيانه في الآية ١٣٦ من سورة البقرة «وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا» (٤٩) لا ضرار فيه وفي هذه الآية دلالة على أن الطلاق قبل النكاح لا يقع لأنه مرتب عليه وانه كما ينبغي أن يكون الزواج بالإحسان ينبغي أن يكون الطلاق كذلك لا إكراها، وتشير هذه الآية إلى الإحسان مع الزوجة التي لا مودة بينك وبينها إذ لا تكون قبل الدخول عادة فلأن يكون الإحسان مع التي دخلت بها وخاصة من صار لك منها أولاد من باب أولى، ولهذا نهى الشارع أن يأخذ من المطلقة شيئا في الآية (٢٢٩) من البقرة المارة، وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية (٢١) من سورة النساء الآتية فتكون هذه الآية مثل قوله تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) المشار إليها في الآية ٢٣ من سورة الإسراء في ج ١، اخرج أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لهذا البحث صلة في الآية (٢١) من سورة النساء الآتية فتكون هذه الآية مثل قوله تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) المشار إليها في الآية ٢٣ من سورة الإسراء في ج ١، اخرج أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لا طلاق فيما لا تملك ولا عتق فيما لا تملك ولا بيع فيما لا تملك. وجاء في الخبر لا طلاق في إغلاق أي إكراه أو غضب أو في حالة لا تملك فيها نفسك بحيث لا تعلم نتيجة ما تقول بسبب ما اعتراك من حدة وشبهها، وروى البخاري عن ابن عباس قال جعل الله تعالى الطلاق بعد النكاح، وعن جابر لا طلاق قبل النكاح، وما قيل إن ابن مسعود رضي الله عنه قال إنه يقع فغير صحيح، روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال كذبوا على ابن مسعود وإن كان قالها فزلة من عالم،
482
وقول ابن مسعود هنا هو أن الرجل إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فإن كان هذا فهو تعليق يقع به الطلاق ولا تحسب عليه زلة، وما قيل إن هذه الآية منسوخة بآية فنصف ما فرضتم الآية ٢٣٥ من سورة البقرة المارة فغير صحيح لأن تلك مع تسمية المهر وهنا في غير تسمية ولا خلوة، ومعناها إذا عقدتم عليهن وطلقتموهن قبل الدخول والخلوة التي هي في معناه. وإنما أوجبوا العدة في الخلوة احتياطا لتوهم انشغال الرحم خاصة بالثيب نظرا للتمكن الحقيقي، وظاهر الآية عدم وجوب العدة بالخلوة، لأنها ليست مسيئا، قال الشيخ الأمين بن عابدين دفين دمشق صاحب التآليف المشهورة.
أي أن الخلوة كالوطء في كل شيء عدا هذه العشرة. واعلم أن هذه الآية ليست ناسخة لآية البقرة ٢٢٣ إلا أنها عامة في كل المطلقات ينتظم فيها المدخول فيها وغيرها لأن هذه الآية المفيدة اعطت غير المدخول بها حكما آخر خاصا بها فليست بمبطلة لحكمها بتاتا ليقال بالنسخ. قال تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ» مهورهن راجع الآية ٢٤ من النساء الآتية بما يسمونه متعة بسبب لفظ الأجر مع أنه اطلق في القرآن في مواقع كثيرة على المهر «وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ» من السبي في غنائم الحرب «وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ» من قريش «وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ» من بني زهرة «اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ» مؤمنات بك وبربك، قالت أم هاني بنت أبي طالب خطبني رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فاعتذرت إليه فعذرني، ثم أنزل الله هذه الآية، قالت فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر كنت من الطلقاء. - أخرجه الترمذي- «وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ» فهي حلال له «إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها» وإلا فلا تحل، «خالِصَةً» بلا مهر وهذا الحكم خاص «لَكَ» يا سيد الرسل «مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» لأنهم لا ينعقد النكاح بينهم بالهبة ولا بغير شهود ويشترط لصحته، الولي والمهر والإيجاب والقبول وإذن
وخلوته كالوطء في غير عشرة | مطالبة بالوطء إحصان تحليل |
وفيء وإرث رجعة فقد عنّة | وتحريم بنت عقد بكر وتغسيل |
483
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ
ﰲ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ
ﰳ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ
ﰴ
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ
ﰵ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ
ﰶ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ
ﰷ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ
ﰸ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ
ﰹ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﰺ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﰻ
الولي للصغيرة عند أبي حنيفة، واشترط الشافعي الإذن للكبيرة أيضا راجع الآية ٢٥ من سورة النساء الآتية ويفهم من هذه الآية ان غير المؤمنة لا تحل للرسول إن وهبت نفسها إليه، وهذا على سبيل الفرض والتقدير، إذ لم يكن لديه صلّى الله عليه وسلم امرأة إلا بعقد أو ملك يمين، وقيل كان عنده واحدة موهوبة اختلفوا فيها هل أم المساكين هي زينب بنت خزيمة الأنصاري الهلالية أو أم شريك بنت جابر الأسدية أو خولة بنت حكيم السلمية أو ميمونة بنت الحارث، وأرجح الأقوال بأنها خولة بدليل ما رواه البخاري ومسلم عن عروة قال كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلّى الله عليه وسلم فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟! وهذا من كمال غيرتها، وإلا فمن ترى السعادة في الدارين في هبة نفسها لمثل رسول الله لم لا تفعل، وإنا نرى الآن كرائم النساء يسعين ويتوسطن بتقديم أنفسهن لمن يرون فيه المروءة والشهامة والسعادة الدنيوية، فكيف ممن تكون بمرافقته سعادة الدنيا والآخرة «قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ» المؤمنين سيأتي بيان هذا في الآية ٢٢ من سورة النساء وغيرها «وَ» علمنا ما فرضنا عليهم في «ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» من الإماء اللاتي أصلهن من السبي «لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ» أيها النبي «حَرَجٌ» فيما تريد من ذلك «وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً» (٥٠) بعباده يوسع عليهم فيما لا بد لهم منه
ولما وقعت الغيرة بين نساء النبي صلّى الله عليه وسلم وكان يقسم بينهن أنزل الله تعالى «تُرْجِي» تبعد وتؤخر «مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي» تدني وتقرب وتضم «إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ» ولا حرج أيضا وهذا كله من خصائصه صلّى الله عليه وسلم دون المؤمنين كافة «ذلِكَ» الذي أبحناه لك وخيرناك فيه مما لم يكن لغيرك بشأن النساء «أَدْنى» أقرب وأهون «أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ» فيرضين بما يرونه منك مهما كان وتطيب أنفسهن «وَلا يَحْزَنَّ» على ما يزعمنه منك من موالاة بعضهن وترجيحهن على غيرهن لأنه من الله لا منك «وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ» من تقريب وإبعاد وإرجاء وإقصاء وعزل وإيواء «كُلُّهُنَّ» لأنه حكم عام لا يختص بواحدة دون الأخرى وتفويض مطلق لك من نسائك
ولما وقعت الغيرة بين نساء النبي صلّى الله عليه وسلم وكان يقسم بينهن أنزل الله تعالى «تُرْجِي» تبعد وتؤخر «مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي» تدني وتقرب وتضم «إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ» ولا حرج أيضا وهذا كله من خصائصه صلّى الله عليه وسلم دون المؤمنين كافة «ذلِكَ» الذي أبحناه لك وخيرناك فيه مما لم يكن لغيرك بشأن النساء «أَدْنى» أقرب وأهون «أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ» فيرضين بما يرونه منك مهما كان وتطيب أنفسهن «وَلا يَحْزَنَّ» على ما يزعمنه منك من موالاة بعضهن وترجيحهن على غيرهن لأنه من الله لا منك «وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ» من تقريب وإبعاد وإرجاء وإقصاء وعزل وإيواء «كُلُّهُنَّ» لأنه حكم عام لا يختص بواحدة دون الأخرى وتفويض مطلق لك من نسائك
484
«وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ» من الميل إلى بعضهن «وَكانَ اللَّهُ» ولم يزل «عَلِيماً» بأن في هذا إصلاح لحال أزواجك معك «حَلِيماً» (٥١) بما خصك به دون سائر خلقه لأنه قاطع لكلامهن.
مطلب منع النبي من الزواج والطلاق ورؤية المخطوبة وجواز الرؤية للمرأة في تسع مواضع وما أحدث في زماننا:
قال تعالى «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ» هؤلاء اللاتي عندك حال نزول هذه الآية وكن تسعا وهو النصاب بالنسبة له صلّى الله عليه وسلم. وقال الشيعة بجواز التسعة لسائر المؤمنين. وسيأتي بحث هذا في الآية الثانية من سورة النساء إن شاء الله «وَلا» يحل لك أيها الرسول أيضا «أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ» بأن تطلقهن أو بعضهن وتأخذ غيرهن أبدا، وهذا إكرام لهن من الله تعالى لأنهن اخترن الله ورسوله كما تقدم في الآية ٢٩ فشكر الله لهن ذلك وكافأهن بالبقاء عند رسوله، ثم أكد على حبيبه التمسك بهن وعدم الزواج عليهن بقوله جل قوله «وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ» وذلك أن الرسول أراد أن يخطب أسماء بنت عميس بعد استشهاد زوجها جعفر بن أبي طالب فنهي عن ذلك «إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ» لعلمه أنه سيأخذ مارية القبطية التي يهديها له المقوقس عظيم القبط في مصر، ولذلك عددناها مع جملة نسائه آنفا «وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً» (٥٢) ولا وجه لقول من قال إن هذه الآية منسوخة بالآية قبلها وهي (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) إلخ، وان النبي لم يمت حتى أحل له أن يتزوج من يشاء، لأن المقدم لا ينسخ المؤخر باتفاق علماء هذا الفن، وما احتج به القائل من أن ترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف صحيح لكن لا قائل بأن آية (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) إلخ نزلت بعد هذه الآية التي نحن بصددها، ولأن سياق التنزيل ينافيه وسياق النظم يأباه، كما أن ما احتج به من أن هذه الآية الأخيرة نسخت بالسنّة لا وجه له لأن السنة لا تنسخ القرآن قطعا، ولا يوجد ما يسمى سنة في هذا الشأن إذ لم يرد حديث صحيح فيه، ولو ورد وكان متواترا فلا يكون ناسخا، كما قدمنا توضيح هذا في الآية ١٠٧ من البقرة فراجعها. ويفهم من قوله تعالى (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)
مطلب منع النبي من الزواج والطلاق ورؤية المخطوبة وجواز الرؤية للمرأة في تسع مواضع وما أحدث في زماننا:
قال تعالى «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ» هؤلاء اللاتي عندك حال نزول هذه الآية وكن تسعا وهو النصاب بالنسبة له صلّى الله عليه وسلم. وقال الشيعة بجواز التسعة لسائر المؤمنين. وسيأتي بحث هذا في الآية الثانية من سورة النساء إن شاء الله «وَلا» يحل لك أيها الرسول أيضا «أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ» بأن تطلقهن أو بعضهن وتأخذ غيرهن أبدا، وهذا إكرام لهن من الله تعالى لأنهن اخترن الله ورسوله كما تقدم في الآية ٢٩ فشكر الله لهن ذلك وكافأهن بالبقاء عند رسوله، ثم أكد على حبيبه التمسك بهن وعدم الزواج عليهن بقوله جل قوله «وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ» وذلك أن الرسول أراد أن يخطب أسماء بنت عميس بعد استشهاد زوجها جعفر بن أبي طالب فنهي عن ذلك «إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ» لعلمه أنه سيأخذ مارية القبطية التي يهديها له المقوقس عظيم القبط في مصر، ولذلك عددناها مع جملة نسائه آنفا «وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً» (٥٢) ولا وجه لقول من قال إن هذه الآية منسوخة بالآية قبلها وهي (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) إلخ، وان النبي لم يمت حتى أحل له أن يتزوج من يشاء، لأن المقدم لا ينسخ المؤخر باتفاق علماء هذا الفن، وما احتج به القائل من أن ترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف صحيح لكن لا قائل بأن آية (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) إلخ نزلت بعد هذه الآية التي نحن بصددها، ولأن سياق التنزيل ينافيه وسياق النظم يأباه، كما أن ما احتج به من أن هذه الآية الأخيرة نسخت بالسنّة لا وجه له لأن السنة لا تنسخ القرآن قطعا، ولا يوجد ما يسمى سنة في هذا الشأن إذ لم يرد حديث صحيح فيه، ولو ورد وكان متواترا فلا يكون ناسخا، كما قدمنا توضيح هذا في الآية ١٠٧ من البقرة فراجعها. ويفهم من قوله تعالى (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)
485
إلخ، جواز رؤية المخطوبة وهو كذلك، أخرج أبو داود عن جابر قال: قال صلّى الله عليه وسلم إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل.
وروى مسلم عن أبي هريرة أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له صلّى الله عليه وسلم انظر إليها فانّ في أعين الأنصار شيئا. وأخرج الترمذي عن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأة فقال لي النبي صلّى الله عليه وسلم هل نظرت إليها؟ قلت لا، قال فانظر إليها فإنه أحرى أن يدوم بينكما. أي الحب من الدوام. وفي رواية أن يؤدم بينكما من الادام. وله أن يرسل من يعتمد عليها من أقاربه لتنظرها وتمحصها وتشم مراقها وفمها وتتكلم معها وتخبره بما تراه، حتى إذا اطمأن لذلك وأحب خطبتها خطبها، وهذا أحد الأعذار التسعة المبيحة للنظر، والثاني الشهادة على فعل الزنى، والثالث لأجل الشهادة على المرأة، الرابع للقاضي النظر للمرأة عند الحكم عليها أو لها، الخامس على الولادة، السادس البكارة في دعوى العنة أو الرد بالعيب، السابع والثامن على الختان والخفض، والتاسع إرادة الشراء في الأمة. واعلم أن نظر الخطبة ينبغي أن يكون صدفة أو من بيت جارتها أو قريبها أو يريها غيره من غير علم منها، لا أن تعرض له كالدابة إن أعجبته اشتراها وإلا تركها كما يريده من لا خلاق له ولا مروءة عنده ولا شهامة لديه، إذ لا تسمح النفوس الأبية الكريمة بذلك، وقد يقع من بعض الناس لشدة رغبتهم بالخاطب حبا بعلمه أو جاهه أو ماله أو دينه أو صلاحه، والأعمال بالنيات، وإلا فلا يطمح إلى ذلك من غير هذه الأسباب إلا من تقليد الأجانب الذين لا غيرة عندهم ولا حمية لهم الذين يسمحون للخاطب مخالطتها والأكل معها، بل والذهاب معها للنزهة والاعتزال بها عن أهلها والخلوة بها أيضا، لهذا فإنه قد يقع ما يقع بينهما من المفاسد، وإذ ذاك إما يأخذها فيستر عليها أو يتركها فيفضح أمرها وتهمل، وهذا كثير الوقوع في زماننا، أجارنا الله وسلمنا منه ومن كل التقاليد المخالفة للشرع والمروءة.
ومما حبذه الآن بعض شبابنا تبادل الخواتم بين المخطوبة والخاطب دلالة على تمام الخطبة، مع أن هذا مما يتشاءم به عند العرب، لأن الخاتم يدل على الضيق وهم يتفاءلون بالسعة، وقيل في ذلك:
وروى مسلم عن أبي هريرة أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له صلّى الله عليه وسلم انظر إليها فانّ في أعين الأنصار شيئا. وأخرج الترمذي عن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأة فقال لي النبي صلّى الله عليه وسلم هل نظرت إليها؟ قلت لا، قال فانظر إليها فإنه أحرى أن يدوم بينكما. أي الحب من الدوام. وفي رواية أن يؤدم بينكما من الادام. وله أن يرسل من يعتمد عليها من أقاربه لتنظرها وتمحصها وتشم مراقها وفمها وتتكلم معها وتخبره بما تراه، حتى إذا اطمأن لذلك وأحب خطبتها خطبها، وهذا أحد الأعذار التسعة المبيحة للنظر، والثاني الشهادة على فعل الزنى، والثالث لأجل الشهادة على المرأة، الرابع للقاضي النظر للمرأة عند الحكم عليها أو لها، الخامس على الولادة، السادس البكارة في دعوى العنة أو الرد بالعيب، السابع والثامن على الختان والخفض، والتاسع إرادة الشراء في الأمة. واعلم أن نظر الخطبة ينبغي أن يكون صدفة أو من بيت جارتها أو قريبها أو يريها غيره من غير علم منها، لا أن تعرض له كالدابة إن أعجبته اشتراها وإلا تركها كما يريده من لا خلاق له ولا مروءة عنده ولا شهامة لديه، إذ لا تسمح النفوس الأبية الكريمة بذلك، وقد يقع من بعض الناس لشدة رغبتهم بالخاطب حبا بعلمه أو جاهه أو ماله أو دينه أو صلاحه، والأعمال بالنيات، وإلا فلا يطمح إلى ذلك من غير هذه الأسباب إلا من تقليد الأجانب الذين لا غيرة عندهم ولا حمية لهم الذين يسمحون للخاطب مخالطتها والأكل معها، بل والذهاب معها للنزهة والاعتزال بها عن أهلها والخلوة بها أيضا، لهذا فإنه قد يقع ما يقع بينهما من المفاسد، وإذ ذاك إما يأخذها فيستر عليها أو يتركها فيفضح أمرها وتهمل، وهذا كثير الوقوع في زماننا، أجارنا الله وسلمنا منه ومن كل التقاليد المخالفة للشرع والمروءة.
ومما حبذه الآن بعض شبابنا تبادل الخواتم بين المخطوبة والخاطب دلالة على تمام الخطبة، مع أن هذا مما يتشاءم به عند العرب، لأن الخاتم يدل على الضيق وهم يتفاءلون بالسعة، وقيل في ذلك:
486
والله ما ناولت للحب خاتما | ولا قلما مبرى ولا بست عينه |
ولا آلة للقطع توجب فرقة | فما سبب التفريق بيني وبينه |
الحديث، لأن الحياء من الإيمان، قاتل الله هؤلاء وقاتل أولياءهن، وهذا بعض ما سرى إلينا من الأجانب وحبذه بعض شبابنا ومن فقد الأخلاق الكريمة من غيرهم، فالأمر لله الواحد القهار. ثم شرع جل شأنه يؤدب المؤمنين عما لا يليق وقوعه منهم بقوله عز قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ» من قبله «إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ» وقته أي إدراكه ونضجه «وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا» إلى منازلكم أو غيرها أي اخرجوا عنه وتفرقوا لا تبقوا جالسين «وَلا» تديموا
487
الجلوس «مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ» بعضكم «إِنَّ ذلِكُمْ» الدخول قبل الإذن والانتظار لنضج الطعام عنده، والجلوس بعد الطعام للسمر أو غيره، كل ذلك «كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ» وما كان لكم أن تؤذوه بشيء من ذلك ولا غيره، وهو لا يريد أن يبادركم بالمنع والخروج «فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ» أن يجابهكم بذلك «وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ» لأنه بصالحكم لذلك بينه لكم بقصد تأديبكم «وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً» غرضا ما تريدونه من النساء «فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ» لا تدخلوا عليهن من أجله وليكن سؤالكم برفق وتؤدة ولين «ذلِكُمْ» الطلب من خلف الستار على الوجه المار ذكره «أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ» من أن يقع فيها من وساوس الشيطان ودسائسه بشأنهن «وَقُلُوبِهِنَّ» وطهر أيضا لأن الخواطر القلبية قد لا يخلو منها أحد لا سيما ما ينشأ من النظر إلا من عصمه الله «وَما كانَ لَكُمْ» أيها المؤمنون «أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ» في شيء من الأشياء «وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً» لأنهن محرمات عليكم على التأييد كحرمة أمهاتكم واعلموا «إِنَّ ذلِكُمْ» كله مما يؤذي حضرة الرسول وإن أذاه «كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً» (٥٣) فيعاقب عليه بأعظم العذاب وهذا من إعلام تعظيم الله تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلم وإيجاب حرمة وقاره حيا وميتا، تشير هذه الآية إلى ما يطيب خاطر الرسول ويسرّ قلبه ويستفرغ شكره ويشرح صدره وتطمئن نفسه. روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال إنه كان ابن عشر سنين فقدم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة، قال فكانت أم هانىء توافيني على خدمة رسول الله، فخدمته عشر سنين، وتوفي وأنا ابن عشرين سنة، وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل، وكان أول ما أنزل في مبنى رسول الله بزينب بنت جحش حين أصبح يعني النبيّ صلّى الله عليه وسلم بها عروسا، فدعا القوم فأصابوا من الطعام، ثم خرجوا وبقي رهط عند النبي صلّى الله عليه وسلم، فأطالوا المكث، فقام النبي فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا، فمشى النبي ومشت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة، ثم ظن أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه، حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يقوموا، فرجع، حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم قد خرجوا، فرجع
488
ورجعت معه، فإذا هم قد خرجوا، فضرب النبي صلّى الله عليه وسلم بيني وبينه بالستر، وأنزل الله الحجاب. قال تعالى «إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ» في صدوركم أيها الناس ولم تنطقوا به مما يتعلق بالنبي وغيره من كل ما تتصورونه بقلوبكم أو يخطر على بالكم «فَإِنَّ اللَّهَ كانَ» ولم يزل «بِكُلِّ شَيْءٍ» يقع في كونه علنا أو سرا «عَلِيماً» (٥٤) لا يخفى عليه شيء، وانه لا بد أن يعاقبكم على سيئه ويكافئكم على حسنه إن شاء، قالوا إن طلحة بن عبد الله التميمي قال إن محمدا يأخذ بنات عمنا يعني عائشة، لأن أبا بكر من بني تيم بن مرة ثم يمنعنا من الدخول على نسائه ويحجبهن عنا، لئن مات لأتزوجنها، فنزلت. وهذا الخبر قد لا يكون صحيحا، لأن أحدا من الأصحاب المخلصين لا يخطر بباله هذا ولا يحوك في نفسه ولا يتردد في صدره ولا يحرك به لسانه، بل قد ترجف بوادره من ذكره وترتعد فرائضه من التحدث فيه ويقشعر شعره من سماعه، اللهم إلا أن يكون منافقا، وطلحة هذا غير طلحة المبشر بالجنة، وحاشاه من هذه الوصمة، بل هو رجل شاركه في اسمه واسم أبيه ونسبه، ذكره الحافظ السيوطي. فإذا كان نساء النبي المحرمات على الأمة لا يسألن إلا من وراء حجاب وقد نهين عن التخضع بالقول كما مر في الآية ٣٢، فنساؤنا الجائز زواجهن أولى بذلك. وإن هذا وما تقدم دليل كاف على ستر الوجه،
ولبحثه صلة في الآية ٣١ من سورة النور الآتية فراجعها.
وبعد نزول هذه الآية قال آباء النساء وذووهن، ونحن يا رسول الله نكلمهن أيضا من وراء حجاب؟ فأنزل الله «لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ» بالدخول عليهن ونظرا لعموم الآية يدخل فيها الكتابيات أيضا. ويخرج الكافرات لأنهن لسن من نساء المؤمنين ولأنهن غير أمينات عليهن، إذ قد ينتقلن صفاتهن لأزواجهن وغيرهم لأنهن لا دين لهن، فلا يجوز اطلاعهن على عورات المؤمنات، ولا دخول الحمام معهن، لما فيه من بدو العورات فيطلعن عليهن، وقد عدّ الفقهاء نظر الكافرة المسلمة كنظر الرجل الأجنبي «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ» ظاهر الآية من العبيد والإماء كما نقل ابن عباس، وإليه ذهب الشافعي، وقال
ولبحثه صلة في الآية ٣١ من سورة النور الآتية فراجعها.
وبعد نزول هذه الآية قال آباء النساء وذووهن، ونحن يا رسول الله نكلمهن أيضا من وراء حجاب؟ فأنزل الله «لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ» بالدخول عليهن ونظرا لعموم الآية يدخل فيها الكتابيات أيضا. ويخرج الكافرات لأنهن لسن من نساء المؤمنين ولأنهن غير أمينات عليهن، إذ قد ينتقلن صفاتهن لأزواجهن وغيرهم لأنهن لا دين لهن، فلا يجوز اطلاعهن على عورات المؤمنات، ولا دخول الحمام معهن، لما فيه من بدو العورات فيطلعن عليهن، وقد عدّ الفقهاء نظر الكافرة المسلمة كنظر الرجل الأجنبي «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ» ظاهر الآية من العبيد والإماء كما نقل ابن عباس، وإليه ذهب الشافعي، وقال
489
أبو حنيفة إنه خاص بالإماء على ما قاله الخفاجي. وقال أبو حيان انه صلّى الله عليه وسلم أمر بضرب الحجاب دونه أي أنس المار ذكره آنفا، وفعلته أم سلمة مع مكاتبها تيهان.
والآية مطلقة فتشمل الإماء الكافرات وغيرهن، وإنما جاز ذلك لحاجة الخدمة، ومما يؤيده العطف على النساء، إذ يفهم منه أن العبد الذكر ليس له ذلك، ومما يوافق عموم الآية أن عبد عائشة كان يدخل عليها، وقد أوصت بأنه إذا ماتت ووضعها في قبرها فهو حرّ، ولكن أين نساؤنا من عائشة، وأين خدمنا من خادمها؟ ويوشك أن يكون خفيا، والآية يدخل فيها الخفيّ وغيره. ثم إن الله تعالى حذرهن في المحافظة على ما أنزله بحقهن فقال «وَاتَّقِينَ اللَّهَ» أيها النساء واحتطن بما أوصاكن الله من المحافظة على الحجاب وغيره، ويشعر الالتفات من الغيبة إلى الخطاب بالتشديد على الاستتار من الأجانب وعدم لين الكلام معهم مما يؤدي إلى الغنج، لا سيما وقد أعقبه بقوله «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً» (٥٥) يعلم خطرات القلوب ويرى ما في دخائلها كما يعلم حركات الجوارح، فالظاهر والخفي في علمه سواء. روى البخاري ومسلم عن أنس أن عمر قال:
وافقت ربي في ثلاث، قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزل (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) وقلت يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلّى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ) الآية، فنزلت. هذا من كمال إيمانه رضي الله عنه، ولا شك أن المؤمن ينظر بنور الله، فليحذر ذو القلب أن يخطر بباله غير ذلك أو يتخيل خلاف ما هنالك، فإن كلام الله أزلي والقرآن مدوّن في لوحه كما هو لا ينزل على غير النبي لأجل أحد، ولا يخطر قبل نزوله على النبي في بال أحد، راجع الآية ٩٢ من الأنعام في ج ٢ واعقل ما ذكرناه فيها وتدبره.
قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» الصلاة من الله ثناء ورحمة، ومن الملائكة رجاء واستغفار، ومن الناس دعاء وتضرع «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (٥٦) حيوه بتحية الإسلام كلما ذكر، وهذا الأمر للوجوب، فيجب على كل مؤمن أن يصلي عليه ولو في العمر مرة.
والآية مطلقة فتشمل الإماء الكافرات وغيرهن، وإنما جاز ذلك لحاجة الخدمة، ومما يؤيده العطف على النساء، إذ يفهم منه أن العبد الذكر ليس له ذلك، ومما يوافق عموم الآية أن عبد عائشة كان يدخل عليها، وقد أوصت بأنه إذا ماتت ووضعها في قبرها فهو حرّ، ولكن أين نساؤنا من عائشة، وأين خدمنا من خادمها؟ ويوشك أن يكون خفيا، والآية يدخل فيها الخفيّ وغيره. ثم إن الله تعالى حذرهن في المحافظة على ما أنزله بحقهن فقال «وَاتَّقِينَ اللَّهَ» أيها النساء واحتطن بما أوصاكن الله من المحافظة على الحجاب وغيره، ويشعر الالتفات من الغيبة إلى الخطاب بالتشديد على الاستتار من الأجانب وعدم لين الكلام معهم مما يؤدي إلى الغنج، لا سيما وقد أعقبه بقوله «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً» (٥٥) يعلم خطرات القلوب ويرى ما في دخائلها كما يعلم حركات الجوارح، فالظاهر والخفي في علمه سواء. روى البخاري ومسلم عن أنس أن عمر قال:
وافقت ربي في ثلاث، قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزل (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) وقلت يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلّى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ) الآية، فنزلت. هذا من كمال إيمانه رضي الله عنه، ولا شك أن المؤمن ينظر بنور الله، فليحذر ذو القلب أن يخطر بباله غير ذلك أو يتخيل خلاف ما هنالك، فإن كلام الله أزلي والقرآن مدوّن في لوحه كما هو لا ينزل على غير النبي لأجل أحد، ولا يخطر قبل نزوله على النبي في بال أحد، راجع الآية ٩٢ من الأنعام في ج ٢ واعقل ما ذكرناه فيها وتدبره.
قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» الصلاة من الله ثناء ورحمة، ومن الملائكة رجاء واستغفار، ومن الناس دعاء وتضرع «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (٥٦) حيوه بتحية الإسلام كلما ذكر، وهذا الأمر للوجوب، فيجب على كل مؤمن أن يصلي عليه ولو في العمر مرة.
490
مطلب كيفية الصلاة على النبي، وهل يجوز إطلاقها على غيره، والذين لعنهم الله ومن يؤذي أولياءه:
روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية، إن النبي صلّى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ورويا عن أبي حميد الساعدي بزيادة وعلى أزواجه وذريته. وروى مسلم عن ابن مسعود البدري بزيادة في العالمين. وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من صلّى علي واحدة صلّى الله عليه بها عشرا. وأخرج الترمذي في رواية أنس زيادة وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات. وله عن أبي طلحة أن رسول الله قال: أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا.
وله عن ابن مسعود قال: إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام. وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من سره أن يكتال له بالمكيال الأوفى إذا صلّى علينا أهل البيت فليقل أللهم صل على محمد النبي الأمي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. فعلى من أراد هذا الأجر العظيم وأن يسلم عليه النبي الكريم، فليكثر من الصلاة والسلام على الرسول الحليم بإحدى هذه الصفات، لأن العمل بالوارد أفضل من غيره وأكثر ثوابا وأعظم أجرا. قال أهل العلم: إن الصلاة خاصة بالأنبياء، والترضي بالأصحاب، والترحم والسلام بسائر الأمة. وهناك آيات تدل على خلاف ذلك بجواز إطلاق لفظ الصلاة أو السلام على الانفراد على غير الأنبياء، أما جمعهما فلا يجوز أبدا. ومما يدل على إفراد الصلاة دون السلام على غير الأنبياء قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) المارة في الآية ٤٣، ومنها قوله تعالى (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) الآية ١٥٧ من البقرة المارة.
روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية، إن النبي صلّى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ورويا عن أبي حميد الساعدي بزيادة وعلى أزواجه وذريته. وروى مسلم عن ابن مسعود البدري بزيادة في العالمين. وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من صلّى علي واحدة صلّى الله عليه بها عشرا. وأخرج الترمذي في رواية أنس زيادة وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات. وله عن أبي طلحة أن رسول الله قال: أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا.
وله عن ابن مسعود قال: إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام. وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من سره أن يكتال له بالمكيال الأوفى إذا صلّى علينا أهل البيت فليقل أللهم صل على محمد النبي الأمي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. فعلى من أراد هذا الأجر العظيم وأن يسلم عليه النبي الكريم، فليكثر من الصلاة والسلام على الرسول الحليم بإحدى هذه الصفات، لأن العمل بالوارد أفضل من غيره وأكثر ثوابا وأعظم أجرا. قال أهل العلم: إن الصلاة خاصة بالأنبياء، والترضي بالأصحاب، والترحم والسلام بسائر الأمة. وهناك آيات تدل على خلاف ذلك بجواز إطلاق لفظ الصلاة أو السلام على الانفراد على غير الأنبياء، أما جمعهما فلا يجوز أبدا. ومما يدل على إفراد الصلاة دون السلام على غير الأنبياء قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) المارة في الآية ٤٣، ومنها قوله تعالى (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) الآية ١٥٧ من البقرة المارة.
491
وجاء عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: اللهم صل على آل أبي أوفى. وكان يصلي على من يأتيه بالصدقة امتثالا لقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) الآية ١٠٣ من سورة التوبة الآتية، تأمل وتيقظ تفز وتنجح. قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» بكل ما يسمى أذى قل او كثر قولا أو فعلا رمزا أو إشارة «لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً» (٥٧) لهم يلقونه على رءوس الأشهاد يوم القيامة، ووصفه بالإهانة يدل على شدة عقابه وكبير عذابه، ألا فليتق الله الذين يؤذون آل البيت لأنه يؤدي لإيذاء حضرة الرسول في قبره الشريف، كيف وقد قال حبهم إيمان وبغضهم كفر. وقال صلّى الله عليه وسلم: من أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم. هذا في العرب كافة فكيف بآله صلّى الله عليه وآله وسلم، فاتقوا الله أيها الناس فيهم واعلموا أن كل من يؤذي اولياء الله فكأنما آذى الرسول ومن آذى الرسول فكأنما آذى الله واستحق هذه اللعنة وهذا العذاب راجع الآية ٦١ من سورة يونس، واعلم أن الله تعالى منزه من أن يلحقه أذى ما من خلقه، ومعنى إيذائه مخالفة أوامره قولا أو فعلا أو إشارة، فكل من خالف أمر الله أو عمل ما نهى الله عنه فقد آذاه ومنه نسبة الولد والصاحبة والشريك إليه تعالى عن ذلك وإنكار البعث ونسبة ما يقع في ملكه للدهر أو للنجوم أو لأحد من خلقه ونسبة الكذب لرسوله أو السحر أو الكهانة أو الشعر، والسخرية والاستهزاء بأوليائه أو التعرض لهم والإنكار عليهم، كله مما يؤذي الله تعالى ورسوله. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال الله تعالى من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب، ومن أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فيقول لن يعيدني كما بدأني، وأما شتمه إياي لقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
روى البخاري ومسلم عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي أقلب الليل والنهار. راجع الآية ٢٤ من
روى البخاري ومسلم عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي أقلب الليل والنهار. راجع الآية ٢٤ من
492
سورة الدخان ج ٢ فيما يتعلق بهذا. ورويا عنه قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرّة وليخلقوا حبة أو شعرة. ولهذا عدوا تصوير ذي الروح وتجسيمه من المنهيات الكبائر. قال تعالى «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا» من الإثم وهذا مقيد ببراءة المؤذى، أما إذا كان يحق القصاص فهو واجب، وإن كان بغير حق فهو حرام مطلقا ممنوع فعله، وكذلك نسبة شيء لم يعمله قولا كان أو فعلا أو إشارة لغيره وهو فاعله ممنوع وحرام، راجع الآية ١١٢ من سورة النساء الآتية، أما إيذاء الله ورسوله فهو حرام مطلقا، لأنه بغير حق وهؤلاء المؤذون «فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً» افتراء محضا لأنهم نسبوا إليهم شيئا لم يفعلوه «وَإِثْماً مُبِيناً» (٥٨) فوق ذلك البهتان، ولذلك فإن الله سيجازيهم فوق جزائهم جزاء فعلهم، ومثله لبهتهم، راجع الآية ٨١ من سورة النحل في ج ٢. وهذه الآية عامة يدخل فيها كل مؤذ لغيره بغير حق. وما قيل إنها نزلت في أناس يؤذون عليا أو فيمن يتبعون النساء عند خروجهن إلى المبترز فإن سكتت لاحقوها وإن زجرتهم رجعوا، فعلى فرض صحته لا يقيدها فيهم، لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:
قالوا ولما كان لباس النساء الحرائر والإماء واحدا وكان من الواجب تمييزهن عنهن لشرفهن وامتهان الإماء إذ ذاك أنزل الله «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ» يضربن ويرخين «عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ» أي يغطين أنفسهن بملاءتهن لأن الجلباب هو الملاءة التي تشتمل فيها المرأة فوق ثيابها فتجعل بعضه على رأسها وبعضه على صدرها وظهرها وهو الملفع الكبير الذي يستعمله الآن النساء الدرزيات والبدويات من عترة وشمر وغيرهما وغالب أهل القرى والأرياف والأكراد والعراقيات غير المتمدنات على لغة العامة، ومن فوقه تكون الملحفة في البلاد السورية والعباءة في البلاد العراقية أي من دير الزور إلى البصرة،
مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:
قالوا ولما كان لباس النساء الحرائر والإماء واحدا وكان من الواجب تمييزهن عنهن لشرفهن وامتهان الإماء إذ ذاك أنزل الله «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ» يضربن ويرخين «عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ» أي يغطين أنفسهن بملاءتهن لأن الجلباب هو الملاءة التي تشتمل فيها المرأة فوق ثيابها فتجعل بعضه على رأسها وبعضه على صدرها وظهرها وهو الملفع الكبير الذي يستعمله الآن النساء الدرزيات والبدويات من عترة وشمر وغيرهما وغالب أهل القرى والأرياف والأكراد والعراقيات غير المتمدنات على لغة العامة، ومن فوقه تكون الملحفة في البلاد السورية والعباءة في البلاد العراقية أي من دير الزور إلى البصرة،
493
«ذلِكَ» تقريب الملفع لستر الوجه حتى لا يبقى منه إلا ما توجه به طريقها «أَدْنى» أقرب «أَنْ يُعْرَفْنَ» بأنهن حرائر مصونات يتباعد عنهن أهل الفساد ويهابهن كل أحد «فَلا يُؤْذَيْنَ» من قبل أولئك الخبثاء ويجتنبون متابعتهن ولا يظن بهن أنهن إماء مبذولات فلا يتعرض لهن أحد ولا يقذفن بما يقذفن به المشبوهات.
هذه غيرة الله عليكم أيها المؤمنون فغاروا على أنفسكم وحافظوا على مروءتكم وصونوا شهامتكم بحفظ نساءكم إن الله حي ستير يحب الحي والستر «وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً» (٥٩) يعفو عما سبق منكم إذا رجعتم إليه وامتثلتم أوامره في تحجب نسائكم وغيره. وفي هذه الآية دلالة صريحة على ستر الوجه خلافا لما يقوله بعضهم لأن المعرفة المنهي عنها لا تحقق إلا بالوجه، ولذلك أمر الله تعالى بتقريب الجلباب وإدنائه منه على المرأة لئلا تعرف ولو لم يكن المراد به تغطية الوجه لما بقي لهذا القيد من حاجة، ولا بأس بإبداء العين إذا كان الجلباب ثخينا لتتمكن من النظر إلى طريقها أما إذا كان الغطاء شفافا فلا. وقد نهى الله عن النظر إلى المحرمات كما سيأتي تفصيله في الآية ٣١ وما بعدها من سورة النور الآتية، قال إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان: يغطين وجوههن كلها. وقال غير واحد إلا عينا واحدة لتنظر بها طريقها، أي إذا لم يكن الغطاء شفافا. وفي قوله تعالى (ذلك أدنى) إلخ، دليل واضح على لزوم الستر للوجه، ولا يحول عن هذا القول إلا قليل المروءة والغيرة الذي يريد أن يسوي بين الحرة والجارية والطاهرة والمشبوهة والمسبلة، قال أنس مرت بعمر بن الخطاب جارية متنقبة فعلاها بالدرة وقال لها يا لكاع أتتشبهين بالحرائر، ألق القناع. قال هذا عمر لعلمه أنها ممتهنة خسيسة مملوكة، ومن كانت كذلك فإن وجهها وذراعيها ليس بعورة، وليظهر ميزة الحرائر اللائي نص الله عليهن في كتابه فلم يبق من حجة لمدعي السفور بعد أمر الله تعالى في هذه الآية العامة لنساء النبي وغيرهن، ألا فليتق الله الرجال لأنهم هم القوامون على النساء القادرون على منعهن من الخلاعة التي هي أكبر من السفور والوزر عليهم إن لم يفعلوا. قال تعالى «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ» عن قذفهم المؤمنين سرا كان أو جهرا «وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» فجور وهم الزناة لقوله تعالى
هذه غيرة الله عليكم أيها المؤمنون فغاروا على أنفسكم وحافظوا على مروءتكم وصونوا شهامتكم بحفظ نساءكم إن الله حي ستير يحب الحي والستر «وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً» (٥٩) يعفو عما سبق منكم إذا رجعتم إليه وامتثلتم أوامره في تحجب نسائكم وغيره. وفي هذه الآية دلالة صريحة على ستر الوجه خلافا لما يقوله بعضهم لأن المعرفة المنهي عنها لا تحقق إلا بالوجه، ولذلك أمر الله تعالى بتقريب الجلباب وإدنائه منه على المرأة لئلا تعرف ولو لم يكن المراد به تغطية الوجه لما بقي لهذا القيد من حاجة، ولا بأس بإبداء العين إذا كان الجلباب ثخينا لتتمكن من النظر إلى طريقها أما إذا كان الغطاء شفافا فلا. وقد نهى الله عن النظر إلى المحرمات كما سيأتي تفصيله في الآية ٣١ وما بعدها من سورة النور الآتية، قال إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان: يغطين وجوههن كلها. وقال غير واحد إلا عينا واحدة لتنظر بها طريقها، أي إذا لم يكن الغطاء شفافا. وفي قوله تعالى (ذلك أدنى) إلخ، دليل واضح على لزوم الستر للوجه، ولا يحول عن هذا القول إلا قليل المروءة والغيرة الذي يريد أن يسوي بين الحرة والجارية والطاهرة والمشبوهة والمسبلة، قال أنس مرت بعمر بن الخطاب جارية متنقبة فعلاها بالدرة وقال لها يا لكاع أتتشبهين بالحرائر، ألق القناع. قال هذا عمر لعلمه أنها ممتهنة خسيسة مملوكة، ومن كانت كذلك فإن وجهها وذراعيها ليس بعورة، وليظهر ميزة الحرائر اللائي نص الله عليهن في كتابه فلم يبق من حجة لمدعي السفور بعد أمر الله تعالى في هذه الآية العامة لنساء النبي وغيرهن، ألا فليتق الله الرجال لأنهم هم القوامون على النساء القادرون على منعهن من الخلاعة التي هي أكبر من السفور والوزر عليهم إن لم يفعلوا. قال تعالى «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ» عن قذفهم المؤمنين سرا كان أو جهرا «وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» فجور وهم الزناة لقوله تعالى
494
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ
ﰼ
ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ
ﰽ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﰾ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﰿ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ
ﱀ
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ
ﱁ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﱂ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ
ﱃ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﱄ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ
ﱅ
(فيطمع الذي في قلبه مرض) أي ريبة زنا من أن يتابعوا النساء ويطلعوا على عوراتهن حبا بإشاعة الفاحشة. وهذا بمناسبة المقام على الإطلاق فيكون المراد بهم الذين في قلوبهم شك وضعف يقين وشبهة اعتقاد في الإسلام «وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ» بنشر أخبار سوء كاذبة عن أحوال المؤمنين ليوقعوا الاضطراب في قلوبهم ويثبطوهم عن الخروج مع حضرة الرسول، ولذلك أقسم الله بقوله تعالى «لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ» أي والله لنسلطنك عليهم ونأمرنك بقتلهم والتحرش بهم، وهذا القسم الجليل في الأصناف الثلاثة على أنهم إذا لم يرجعوا عنها ويتركوها يهلكهم الله على يد رسوله، ثم عطف على جواب القسم قوله «ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها» أي المدينة «إِلَّا قَلِيلًا» (٦٠) بقدر مدة ارتحالهم عنها ولا شك أن الجلاء أمر عظيم ما فوقه إلا القتل، وكثيرا ما يفضل القتل عليه لما فيه من المذلة والاحتفار والهوان
«مَلْعُونِينَ» هؤلاء الأصناف الثلاثة مطرودين «أَيْنَما ثُقِفُوا» وجدوا وأدركوا فإن لم يتوبوا ويؤمنوا «أُخِذُوا» قبض عليهم وأسروا فإن أصروا عذبوا «وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا» (٦١) كثيرا بدلالة التشديد «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» أي أن أخذ أمثال هؤلاء وقتلهم وإجلاءهم إن يبقوا مصرين على حالهم هي عادة الله في خلقه السالفين «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا» (٦٢) أبدا بل تبقى مطردة جارية مجراها لا يحول دونها شيء. ولما كان المشركون حينما كان حضرة الرسول في مكة يديمون سؤالهم عن الساعة استهزاء لأنهم لا يعتقدون وجودها صار اليهود يسألونه عنها أيضا امتحانا لأنهم يعرفونها من المغيبات ويعتقدون بها، أنزل الله تعالى «يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ» متى تكون «قُلْ» يا سيد الرسل لهؤلاء «إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ» لا علم لي بها ولا لأحد غيري «وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً» (٦٣) وهذا تهديد وإسكات والإتيان يذكر بالظاهر بدل المضمر تعظيم لشأنها، راجع الآية ١٧٧ من سورة الأعراف في ج ١ وأول سورة النبأ في ج ٢ وما ترشدك إليه في بحث الساعة، «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ» بوجود الساعة الذين ينكرون اليوم الآخر والحياة الآخرة «وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً» (٦٤) تحرقهم وسيبقون «خالِدِينَ فِيها أَبَداً
«مَلْعُونِينَ» هؤلاء الأصناف الثلاثة مطرودين «أَيْنَما ثُقِفُوا» وجدوا وأدركوا فإن لم يتوبوا ويؤمنوا «أُخِذُوا» قبض عليهم وأسروا فإن أصروا عذبوا «وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا» (٦١) كثيرا بدلالة التشديد «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» أي أن أخذ أمثال هؤلاء وقتلهم وإجلاءهم إن يبقوا مصرين على حالهم هي عادة الله في خلقه السالفين «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا» (٦٢) أبدا بل تبقى مطردة جارية مجراها لا يحول دونها شيء. ولما كان المشركون حينما كان حضرة الرسول في مكة يديمون سؤالهم عن الساعة استهزاء لأنهم لا يعتقدون وجودها صار اليهود يسألونه عنها أيضا امتحانا لأنهم يعرفونها من المغيبات ويعتقدون بها، أنزل الله تعالى «يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ» متى تكون «قُلْ» يا سيد الرسل لهؤلاء «إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ» لا علم لي بها ولا لأحد غيري «وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً» (٦٣) وهذا تهديد وإسكات والإتيان يذكر بالظاهر بدل المضمر تعظيم لشأنها، راجع الآية ١٧٧ من سورة الأعراف في ج ١ وأول سورة النبأ في ج ٢ وما ترشدك إليه في بحث الساعة، «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ» بوجود الساعة الذين ينكرون اليوم الآخر والحياة الآخرة «وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً» (٦٤) تحرقهم وسيبقون «خالِدِينَ فِيها أَبَداً
495
لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً»
(٦٥) يمنعهم من عذابها ويخلصهم وينقذهم من بلائها، وإن هؤلاء الجاحدين سيصدقون فيها «يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ» وإذ ذاك «يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا» (٦٦) فصدقناه ولم نكفر بما جاءنا به ولم نجحد ما أخبرنا به «وَقالُوا» أتباع الكفرة «رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا» بإنكار هذا اليوم لأنهم موهوا علينا إنكاره وجحده «فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا» (٦٧) إذ يقولون لنا لا بعث ولا حساب ولا عقاب ولا ثواب، وكذلك لم نتبع الهدى الذي جاء به رسلك «رَبَّنا آتِهِمْ» الآن جزاء إضلالهم إيانا في الدين «ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ» لإضلالنا وإضلال أنفسهم وانتقم لنا منهم «وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً» (٦٨) كثيرا بأبلغ ألفاظه، وبعد أن أبدوا عذرهم ولم ينفعهم أظهروا أسفهم وندمهم ولات حين مندم فزجوا في النار وأطبقت عليهم أبوابها وتزايد عليهم عذابها. ثم إن الله تعالى لمح لعباده بعدم التصدي لأذية الرسول بذكر ما وقع من اليهود لسيدنا موسى عليه السلام، فقال عز قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى» فتؤذون رسولكم بما يصدر منكم من القول والفعل فإن الله تعالى يغضب لأذيته فتؤذون من أجله وذلك أن جماعة من بني إسرائيل رموه بأنه آدر لأنه كان حين يغتسل يغتسل بثوبه لشدة حيائه بحضور قومه، ثم إنه ذات يوم لم يكن عنده أحد فنزع ثوبه ووضعه على حجر ونزل ليغتسل، فلما عاد ليلبسه فر الحجر به فتبعه وكانوا يراقبونه فنظروا إليه فلم يجدوا فيه بأسا، فظهر كذبهم، ثم إنهم اتهموه بقتل هرون فأكذبهم الله إذ أراهم إياه جبريل عليه السلام كما سيأتي في الآية ٢٦ من سورة المائدة، ثم أغروا به المومسة بأن تعزو له مواقعتها كما سبقت القصة في الآية ٨٢ من سورة القصص في ج ١ فكذبتهم بما ألقى الله في قلبها «فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا» في حقه راجع الآية ٤٨ المارة، وفي هذه الآية تحذير للمؤمنين بأن لا يتجاسروا على ما فيه أذية رسولهم ولا يتهموه بشيء مخالف أو سيىء ولا يظنوا به حيفا لأحد فإن الله تعالى يبرؤه مما يجرءون أو يتفوهون عليه به لأنه كريم على ربه مثل موسى الذي يقول ربه في حقه «وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً» (٦٩) مقبولا موقرا
(٦٥) يمنعهم من عذابها ويخلصهم وينقذهم من بلائها، وإن هؤلاء الجاحدين سيصدقون فيها «يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ» وإذ ذاك «يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا» (٦٦) فصدقناه ولم نكفر بما جاءنا به ولم نجحد ما أخبرنا به «وَقالُوا» أتباع الكفرة «رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا» بإنكار هذا اليوم لأنهم موهوا علينا إنكاره وجحده «فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا» (٦٧) إذ يقولون لنا لا بعث ولا حساب ولا عقاب ولا ثواب، وكذلك لم نتبع الهدى الذي جاء به رسلك «رَبَّنا آتِهِمْ» الآن جزاء إضلالهم إيانا في الدين «ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ» لإضلالنا وإضلال أنفسهم وانتقم لنا منهم «وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً» (٦٨) كثيرا بأبلغ ألفاظه، وبعد أن أبدوا عذرهم ولم ينفعهم أظهروا أسفهم وندمهم ولات حين مندم فزجوا في النار وأطبقت عليهم أبوابها وتزايد عليهم عذابها. ثم إن الله تعالى لمح لعباده بعدم التصدي لأذية الرسول بذكر ما وقع من اليهود لسيدنا موسى عليه السلام، فقال عز قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى» فتؤذون رسولكم بما يصدر منكم من القول والفعل فإن الله تعالى يغضب لأذيته فتؤذون من أجله وذلك أن جماعة من بني إسرائيل رموه بأنه آدر لأنه كان حين يغتسل يغتسل بثوبه لشدة حيائه بحضور قومه، ثم إنه ذات يوم لم يكن عنده أحد فنزع ثوبه ووضعه على حجر ونزل ليغتسل، فلما عاد ليلبسه فر الحجر به فتبعه وكانوا يراقبونه فنظروا إليه فلم يجدوا فيه بأسا، فظهر كذبهم، ثم إنهم اتهموه بقتل هرون فأكذبهم الله إذ أراهم إياه جبريل عليه السلام كما سيأتي في الآية ٢٦ من سورة المائدة، ثم أغروا به المومسة بأن تعزو له مواقعتها كما سبقت القصة في الآية ٨٢ من سورة القصص في ج ١ فكذبتهم بما ألقى الله في قلبها «فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا» في حقه راجع الآية ٤٨ المارة، وفي هذه الآية تحذير للمؤمنين بأن لا يتجاسروا على ما فيه أذية رسولهم ولا يتهموه بشيء مخالف أو سيىء ولا يظنوا به حيفا لأحد فإن الله تعالى يبرؤه مما يجرءون أو يتفوهون عليه به لأنه كريم على ربه مثل موسى الذي يقول ربه في حقه «وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً» (٦٩) مقبولا موقرا
496
عظيما، وان محمدا أكبر وجاهة وأجل حرمة عند ربه وأعظم درجة وأقرب منزلة منه وأزيد فضلا من الرسل كافة، وما جاء عنه صلّى الله عليه وسلم من قوله لا تفضلوني على موسى، هو من قبيل هضم النفس والتحدث بالنعمة، وإلا فهو يعلم بإعلام الله إياه أنه أفضل وأكمل خلق الله الرسل فمن دونهم. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ»
من أن يقع منكم شيء يغضب الله ورسوله «وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً» (٧٠) صوابا عدلا وإياكم والخوض فيما لا يعنيكم وإنكم إذا امتثلتم وانقدتم إلى الله
«يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً» (٧١) في الآخرة لا يضاهيه فوز.
ولما أرشد الله كمل عباده إلى مكارم الأخلاق وبين عظيم شأن طاعته وطاعة رسوله أعقبه ببيان ما يوجب ذلك وصعوبة الوصول إليه بقوله عز قوله «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ» التي ملاكها طاعة الله ورسوله، وجماعها امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وقوامها مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، فيدخل فيها الامتثال لكل شيء حسن والاجتناب عن كل شيء، كالوفاء بالوعود والعهود وعدم نقضها والغدر فيها وأداء الودائع والأمانات والكف عن كتمها والمماطلة بأدائها ومنع الحواس عن غير ما خلقت لها وصرفها فيما أباحه الله تعالى ووضع الشهوات في محالها المباحة وكفها عما حرم الله وغير ذلك. وكان هذا العرض «عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ» ليحملنها وخص الله تعالى هذه الثلاثة دون غيرها لكمال شدتها وصلابتها فامتنعن لأنهن وإن كن في غاية القوة إلا أن أمانه الله فوق ذلك، ولهذا حكى حالهن بقوله «فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها» خوف الإضاعة فيكنّ قد خنّها لأن حملها عبارة عن خيانتها لتحقق عدم القيام بها كما يريده الله وأن عدم القيام بأوامره خيانة كالإقدام على نواهيه «وَأَشْفَقْنَ مِنْها» خفن من أن لا يقمن بها فلا يؤدينها كما أراده الله منهن فيلحقهن عذابه وينلهن عقابه «وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ» لفظ عام في آدم وغيره إلى قيام القيامة، فالإنسان المركب من اللحم والدم والعظم على ما هو عليه في غاية الضعف بالنسبة لتلك أقدم على حملها مع وهنه، وتلك الأجرام العظيمة أبت أن تقدم على حملها، وما ذلك إلا لأنه كما ذكر الله «إِنَّهُ كانَ» ت (٣٢)
من أن يقع منكم شيء يغضب الله ورسوله «وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً» (٧٠) صوابا عدلا وإياكم والخوض فيما لا يعنيكم وإنكم إذا امتثلتم وانقدتم إلى الله
«يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً» (٧١) في الآخرة لا يضاهيه فوز.
ولما أرشد الله كمل عباده إلى مكارم الأخلاق وبين عظيم شأن طاعته وطاعة رسوله أعقبه ببيان ما يوجب ذلك وصعوبة الوصول إليه بقوله عز قوله «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ» التي ملاكها طاعة الله ورسوله، وجماعها امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وقوامها مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، فيدخل فيها الامتثال لكل شيء حسن والاجتناب عن كل شيء، كالوفاء بالوعود والعهود وعدم نقضها والغدر فيها وأداء الودائع والأمانات والكف عن كتمها والمماطلة بأدائها ومنع الحواس عن غير ما خلقت لها وصرفها فيما أباحه الله تعالى ووضع الشهوات في محالها المباحة وكفها عما حرم الله وغير ذلك. وكان هذا العرض «عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ» ليحملنها وخص الله تعالى هذه الثلاثة دون غيرها لكمال شدتها وصلابتها فامتنعن لأنهن وإن كن في غاية القوة إلا أن أمانه الله فوق ذلك، ولهذا حكى حالهن بقوله «فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها» خوف الإضاعة فيكنّ قد خنّها لأن حملها عبارة عن خيانتها لتحقق عدم القيام بها كما يريده الله وأن عدم القيام بأوامره خيانة كالإقدام على نواهيه «وَأَشْفَقْنَ مِنْها» خفن من أن لا يقمن بها فلا يؤدينها كما أراده الله منهن فيلحقهن عذابه وينلهن عقابه «وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ» لفظ عام في آدم وغيره إلى قيام القيامة، فالإنسان المركب من اللحم والدم والعظم على ما هو عليه في غاية الضعف بالنسبة لتلك أقدم على حملها مع وهنه، وتلك الأجرام العظيمة أبت أن تقدم على حملها، وما ذلك إلا لأنه كما ذكر الله «إِنَّهُ كانَ» ت (٣٢)
497
ولم يزل «ظَلُوماً» لنفسه «جَهُولًا» (٧٢) لخطأه جهولا لما يراد منه جهولا بعاقبته إلا من وفقه الله لرشده. هذا ولما كان ما من عموم إلا وخص منه البعض فإن الأنبياء والكاملين من خلق الله مستثنون من ذلك، لأنهم هم الآمرون الناهون بلسان الله تعالى. روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان قال: حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا انتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر (أصل) قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال ينلم الرجل النومة فتقبض الأمانة من قبله فيظل أثرها مثل الوكت (أي الأثر اليسير) ثم ينام الرجل النومة فيقبض الأمانة من قبله فيظل أثرها مثل المجل (أي غلظ الجلد من أثر العمل) كجمر دحرجته على رجلك فتنقض فتراه منبترا (منتفخا) وليس فيه شيء، ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله (تمثيلا لهم) فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال من حبة من خردل من إيمان، ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه على دينه، ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه على ساعيه (أي رئيسه الذي يصدر عن رأيه ولا يمضي أمرا دونه والوالي الذي ينصف من التعدي ومن ولي أمر قوم فهو ساع عليهم) وأما اليوم فما كنت لأبايع فيكم إلا فلانا وفلانا. وروى البخاري عن أبي هريرة قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم فجاء اعرابي فقال متى الساعة؟ فمضى ﷺ يحدث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة؟ قال ها أنا يا رسول الله، قال إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة. قال تعالى «لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ» الذين ماتوا على ما هم عليه من نفاق وشرك، ولم يتوبوا ونقضوا عهد الله المأخوذ عليهم بطاعته وطاعة رسوله، وخانوا ما ائتمنوا عليه لله ولخلقه ولم يوفوا بما وعدوا «وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ»
498
فيرحمهم ويحسن إليهم ويتفضل عليهم لوفائهم بما عاهدوا الله عليه وآمنوا بما بلغهم عن رسوله وصدقوا بما جاءهم من عنده «وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً» (٧٣) لأمثالهم من عباده، ولا يزال كذلك. هذا آخر سورة الأحزاب وهي بحذافيرها كما أنزلها الله على رسوله بواسطة أمينه، فمن قال إن الأرضة أكلت قسما منها وهي في بيت
عائشة، وان الكتاب دونوا ما وجدوه منها فهو ملحد منافق قد افترى على الله ورسوله بما قال وكلامه مردود عليه من وجوه، أولا إذا كان طرأ على شيء منها في بيت عائشة فهل طرأ على ما كان عند الكتاب من النسخ، لأنهم كانوا يكتبون لرسول الله ويحتفظون بنسخ عندهم، ثانيا هل رفعت من قلوب الحفاظ الذين كانوا يحفظون القرآن كما تلقوه من حضرة الرسول ويتدارسونه بينهم صباح مساء، ثالثا هل يخفى ذلك على الخلفاء الراشدين الذين يقرأون القرآن آناء الليل وأطراف النهار وهلا اطلعوا عليه حينما نقلوا الصحف من بيت عائشة إلى بيت حفصة إلى أن أعطاها الخليفة عثمان إلى القراء الأمناء حين نسخوه على المصاحف والإسلام ناشر رواقه، رابعا أغفل هذا الخبيث عن قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) الآية ٩ من سورة الحجر ج ٢ ويتفوه بذلك مع تعهد الله بحفظه وهل يشك في هذا العهد إلا كافر مارق؟ ألا لا يلتفت إلى أقوال هؤلاء لأنهم لا أمانة لهم ولا صدق عندهم وهم أشبه باليهود الذين يحرفون كلام الله بعد ما عقلوه، قاتلهم الله وأضرابهم وجعل سجين مأواهم ومثواهم. هذا وقد أشرنا في المقدمة في بحث النزول وفي الآية المذكورة آنفا والآية ٤٢ من سورة حم السجدة في ج ٢ إلى ما يتعلق بهذا البحث فراجعه. ويوجد ثلاث سور محتومة بما ختمت به هذه السورة من اللفظ العظيم هذه والأنعام والمزمل. هذا والله أعلم، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تفسير سورة الممتحنة عدد ٥- ٩١ و ٦٠
نزلت بالمدينة بعد الأحزاب وهي ثلاث عشرة آية وثلاثمائة وأربعون كلمة، وألف وخمسمائة وعشرة أحرف، ويوجد في القرآن عشر سور مبدوءة بيا أيها: هذه والنساء
عائشة، وان الكتاب دونوا ما وجدوه منها فهو ملحد منافق قد افترى على الله ورسوله بما قال وكلامه مردود عليه من وجوه، أولا إذا كان طرأ على شيء منها في بيت عائشة فهل طرأ على ما كان عند الكتاب من النسخ، لأنهم كانوا يكتبون لرسول الله ويحتفظون بنسخ عندهم، ثانيا هل رفعت من قلوب الحفاظ الذين كانوا يحفظون القرآن كما تلقوه من حضرة الرسول ويتدارسونه بينهم صباح مساء، ثالثا هل يخفى ذلك على الخلفاء الراشدين الذين يقرأون القرآن آناء الليل وأطراف النهار وهلا اطلعوا عليه حينما نقلوا الصحف من بيت عائشة إلى بيت حفصة إلى أن أعطاها الخليفة عثمان إلى القراء الأمناء حين نسخوه على المصاحف والإسلام ناشر رواقه، رابعا أغفل هذا الخبيث عن قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) الآية ٩ من سورة الحجر ج ٢ ويتفوه بذلك مع تعهد الله بحفظه وهل يشك في هذا العهد إلا كافر مارق؟ ألا لا يلتفت إلى أقوال هؤلاء لأنهم لا أمانة لهم ولا صدق عندهم وهم أشبه باليهود الذين يحرفون كلام الله بعد ما عقلوه، قاتلهم الله وأضرابهم وجعل سجين مأواهم ومثواهم. هذا وقد أشرنا في المقدمة في بحث النزول وفي الآية المذكورة آنفا والآية ٤٢ من سورة حم السجدة في ج ٢ إلى ما يتعلق بهذا البحث فراجعه. ويوجد ثلاث سور محتومة بما ختمت به هذه السورة من اللفظ العظيم هذه والأنعام والمزمل. هذا والله أعلم، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تفسير سورة الممتحنة عدد ٥- ٩١ و ٦٠
نزلت بالمدينة بعد الأحزاب وهي ثلاث عشرة آية وثلاثمائة وأربعون كلمة، وألف وخمسمائة وعشرة أحرف، ويوجد في القرآن عشر سور مبدوءة بيا أيها: هذه والنساء
499