ﰡ
قوله عزَّ وجلَّ: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١).
يَقُولُ القائل: قَدْ شهدوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عليه، فقالوا: «وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ» فكيف كذَّبهم اللَّه؟.
يُقال: إنَّما أكذبَ «١» ضميرهم لأنهم أضمروا النفاق، فكما لم يَقبل إيمانهم وَقَدْ أظهروه، فكذلك جعلهم كاذبين لأنهم أضمروا غير ما أظهروا.
وقوله: وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ (٤).
من العرب من يجزم بإذا، فيقول: إِذَا تقم أقمْ، أنشدني بعضهم:
وإذا نطاوِعْ أمرَ سادتِنا | لا يَثْنِنا جُبن ولا بُخْلُ |
واستغْنِ ما أغناك ربُّك بالغِنى | وإذا تُصبْك خصاصةٌ فتجمَّل «٣» |
الرُّطب [إِذَا اشتد الحر، تريد فِي ذَلِكَ الوقت. فلما كانت فِي موضع صفة كانت صلة للفعل] «٤» الَّذِي يكون قبلها، أَوْ بعد الَّذِي يليها، كذلك قَالَ الشَّاعِر:
وإذا تكون شديدةٌ أُدْعَى لها | وإذا يحاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُندُبُ «٥» |
خفف الْأَعْمَش «٦»، وثقل إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر الْمَدَنِيّ عنْ أصحابه وعاصم، فمن ثقل فكأنه جمع
(٢) فى ش الآخر.
(٣) هو العبد قيس بن خفاف (انظر المفضليات ٢/ ١٨٥) والأصمعيات ٢٦٩. وفى (ح) «فتحمل» مكان «فتجمل»
(٤) سقط فى ح، ش.
(٥) الخزانة ١/ ٢٤٣.
(٦) وهى قراءة قنبل وأبى عمرو والكسائي والبراء بن عازب، واختيار أبى عبيد (تفسير القرطبي ١٨/ ١٢٥).
والعرب تجمع بعض ما هُوَ عَلَى صورة خشبة أرى عَلَى فُعْل من ذَلِكَ: أجمة وأُجْم، وبَدَنة وبُدْن، وأكَمة وأُكْم.
ومن ذَلِكَ [من] «٣» المعتل: ساحة وسُوح، وساق وسُوق، وعائة وعُون، ولابة «٤» ولُوب، وقارة «٥» وقور، وحياة وحي، قال العجاج:
ولو ترى إذا الحياة حِيّ «٦» وكان ينبغي أن يكون: حُوَى، فكسر أولها لئلا تتبدل الياء واوا، كما قَالُوا: بيض وعِين.
وقوله: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ (٤).
جبنا وخوفا، ثم قال: «هُمُ الْعَدُوُّ»، ولم يقل: هُمُ الأعداء، وكل ذَلِكَ صواب.
وقوله: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ (٥).
حركوها استهزاء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه. وقرأ بعض أهل المدينة: «لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ» بالتخفيف «٧».
وقوله: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (٧).
كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة من غزواته، فالتقى رَجُل من المسلمين يُقال لَهُ: جِعال «٨» وآخر [من المنافقين عَلَى الماء فازدحما عَلَيْهِ، فلطمه جعال] «٩»، فأبصره عَبْد اللَّه بْن أَبِي، فغضب، وقَالَ «١٠» : ما أدخلنا هَؤُلَاءِ القوم دارنا إلّا لنُلطمَ ما لهم؟ وكلهم الله إلى جعال، وذوى جعال «١١» !،
(٢) سقط فى ح، ش.
(٣) زيادة من ش تقيم العبارة.
(٤) اللابة: الحرة.
(٥) القارة: الجبيل، أو الصخرة العظيمة.
(٦) يروى وقد مكان ولو. انظر أراجيز العرب: ١٧٥. واللسان (حى)، والحي: الحياة.
(٧) التخفيف قراءة نافع. تفسير القرطبي ١٨/ ١٢٧ وروح؟ (الاتحاف ٤١٦)
(٨) فى تفسير القرطبي اسمه جهجاه (القرطبي ١٨/ ١٢٧). [.....]
(٩) سقط فى ح، ش.
(١٠) فى ب: فقال.
(١١) كان جعال من فقراء المهاجرين، فهذا قوله: وكلهم الله...
وقوله: فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠).
يُقال: كيف جزم (وأكن)، وهي مردودة عَلَى فعل منصوب؟
فالجواب فِي ذَلِكَ أن- الفاء- لو لم تكن فِي فأصدق كانت مجزومة، فلما رددت (وأكن)، - ردّت عَلَى تأويل الفعل لو لم تكن فِيهِ الفاء، ومَن أثبت الواو ردَّه عَلَى الفعل الظاهر فنصبه، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه، «وأكونَ من الصالحين» «٥».
وَقد يجوز «٦» نصبها فِي قراءتنا، وإن لم تكن فيها الواو لأن العربَ قَدْ تسقط الواو فِي بعض الهجاء، كما أسقطوا الألف من سليمن وأشباهه، ورأيت فى بعض مصاحف عبد الله: فقولا:
فقلا بغير واو.
(٢) فى البحر المحيط: قرىء مبنيا للمفعول، وبالياء. الأعز مرفوع به. الأذل نصبا على الحال. (البحر المحيط ٨/ ٢٧٤).
(٣) هى قراءة الحسن وابن أبى عبلة، بنصب الأعز والأذل.
(٤) فالأعز مفعول والأذل حال. (البحر المحيط ٨/ ٢٧٤).
(٥) وهى قراءة أبى عمرو وابن محيصن ومجاهد (تفسير القرطبي ١٨/ ١٣١) والحسن وابن جبير وأبى رجاء وابن أبى اسحق ومالك بن دينار والأعمش (البحر المحيط ٨/ ٢٧٥).
(٦) سقط فى ح، ش.