تفسير سورة الليل

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة الليل من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

سورة الليل
قوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (٢) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) قال: آيتان عظيمتان يكورهما الله على الخلائق.
قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا إسرائيل، عن المغيرة عن إبراهيم، عن علقمة قال: قدمت الشام فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسّر في جليسا صالحا فأتيت قوماً فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلتُ من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء فقلتُ: إني دعوت الله أن ييسّر لي جليسا صالحا، فيَسّرك لي قال: مِمّن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة قال: أوَليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة؟ أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان، يعني على لسان نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أوليس فيكم صاحب سرّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي لا يعلم أحدٌ غيره؟ ثم قال: كيف يَقرأ عبد الله (والليل إذا يغشى) فقرأت عليه (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى والذكر والأنثى) قال: والله لقد أقرأنيها رسول الله من فيِهِ إلى فيَّ.
(الصحيح ٧/١١٣-١١٤ - ك فضائل الصحابة، ب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما ح٣٧٤٢)، وأخرجه مسلم (الصحيح ١/٥٦٦ ح٨٢٤ - ك صلاة المسافرين وقصرها، ب ما يتعلق بالقراءات).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن سعيكم لشتّى) يقول: لمختلف.
قوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)
قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن علي - رضي الله عنه - قال: كنا لما جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقعد وقعدنا حوله، ومعه مِخصرة، فنكس فجعل
ينكث بمخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد، وما من نفس منفوسة، إلا كُتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقيةٍ أو سعيدة. قال رجلٌ: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: أما أهل السعادة فيُيسّرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُيسّرون لعمل أهل الشقاء، ثم قرأ (فأما من أعطى واتقى وصدّق بالحسنى) الآية.
(الصحيح ٨/٥٧٩ - ك التفسير - سورة اليل، ب (وكذب بالحسنى) ح٤٩٤٨ و١٣/٥٣١ -ك التوحيد، ب قول الله تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر))، وأخرجه مسلم (الصحيح ٤/٢٠٣٩ ح٢٦٤٧ - ك القدر، ب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأما من أعطى) حقّ الله (واتقى) محارم الله التي نهى عنها.
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن ابن عباس (وصدق بالحسنى) قال: وصدق بالخلف من الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما من بخل واستغنى) وأما من بخل بحق الله عليه، واستغنى في نفسه عن ربه.
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن ابن عباس (وكذب بالحسنى) بالخلف من الله.
ونسبه الحافظ ابن حجر إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس بسند صحيح (فتح الباري ٨/٧٠٦).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكذب بالحسنى) وكذب بموعود الله الذي وعد، قال الله (فسنيسره لليسرى).
قوله تعالى (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إذا تردى) قال: إذا تردّى في النار.
قوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) يقول: على الله البيان، بيان حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته.
قوله تعالى (فَاَندَرْتكمْ ناراً تَلَظَّى)
قال البخاري: حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق قال: سمعت النعمان: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه".
(الصحيح ١١/٤٢٤ ح٦٥٦١ - ك الرقاق، ب صفة الجنة والنار)، وأخرجه مسلم (الصحيح ١/١٩٦ ح٢١٣- ك الإيمان، ب أهون أهل النار عذابًا).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ناراً تلظى) قال: توهّج.
وانظر سورة البقرة آية (٢٤) لبيان وقود النار.
قوله تعالى (لاَ يَصْلاَهَا إِلاّ الأشْقَى)
بيّن الله تعالى صفة (الأشقى) في الآية التالية (الذي كذب وتولى).
قوله تعالى (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى)
قال ابن كثير: وقوله تعالى (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) أي: وسيزَحزح عن النار التقي النقي الأتقى، ثم فسره بقوله: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) أي: يصرف ماله في طاعة ربه، ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا.
قال البخاري: حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثنا هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى". قالوا: يا رسول الله من يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".
(الصحيح ٣/٣٦٣ ح٧٢٨٠ - ك الاعتصام بالكتاب والسنة، ب الاقتداء بسنن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -).
قوله تعالى (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضَى) يقول: ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم إنما عطيته لله.
Icon