تفسير سورة الليل

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الليل من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

الكوفة «١» والبصرة: «وَلا يَخافُ عُقْباها» بالواو «٢» والواو فى التفسير أجود [١٤٠/ ب] لأنَّه جاء:
عقرها ولم يخف عاقبة عقرها، فالواو هاهنا أجود، وَيُقَال: لا يخاف عقباها. لا يخاف اللَّه أن ترجع وتعقب بعد إهلاكه، فالفاء بهذا المعنى أجود من الواو وكل صواب.
ومن سورة الليل
قوله عز وجل: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣).
هِيَ فِي قراءة عَبْد اللَّه «والذكرِ والأنثى» فلو خفض خافض فِي قراءتنا «الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «٣» » يجعل «وَما خَلَقَ» كأنه قَالَ: والذي «٤» خَلَقَ من الذكر والأنثى، وقرأه العوام عَلَى نصبها، يريدون:
وخلقه الذكر والأنثى.
وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤).
هَذَا جواب القسم، وقوله: «لَشَتَّى» يَقُولُ: لمختلف، نزلت فِي أَبِي بَكْر بْن أَبِي قحافة رحمه اللَّه، وفي أَبِي سُفْيَان، وذلك أن أبابكر الصديق رَضِي اللَّه عَنْهُ اشترى تسعة رجال كانوا فِي أيدي المشركين من ماله يريد بِهِ اللَّه تبارك وتعالى فانزل اللَّه جل وعز فِيهِ ذَلِكَ: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى» (٥) «وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى» (٦) أبو بكر «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى» (٧) للعود إلى العمل الصالح.
وقوله عز وجل: وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) :
بثواب الجنة: أَنَّهُ لا ثواب.
وقوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠).
يَقُولُ: قَدْ خَلَقَ عَلَى أَنَّهُ شقي ممنوع من الخير، ويقول القائل: فكيف قَالَ: «فَسَنُيَسِّرُهُ
(١) فى ش: وأهل البصرة.
(٢) قرأ نافع وابن عامر: فلا بالفاء. والباقون بالواو.
روى ابن وهب، وابن القاسم عن مالك قالا: أخرج إلينا مالك مصحفا لجده، وزعم: أنه كتبه فى أيام عثمان ابن عفان حين كتب المصاحف، وفيه: «وَلا يَخافُ»
بالواو، وكذا هى فى مصاحف أهل مكة والعراقيين بالواو، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اتباعا لمصاحفهم (القرطبي: ٢٠/ ٨٠).
(٣) قرأ الكسائي: بخفضهما على أنه بدل من محل ما خلق بمعنى: وما خلقه الله، أي: ومخلوق الله الذكر والأنثى (تفسير الزمخشري: ٤/ ٢١٧).
(٤) كذا فى ش، وفى ب، ح: اللذين.
للعسرى» فهل فِي العسرى تيسير؟ فيقال فِي هَذَا فى إجازته بمنزلة قول الله تبارك الله وتعالى:
«وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «١» ». والبشارة فِي الأصل عَلَى المفرح والسار فإذا جمعت «٢» فِي كلامين: هَذَا خير، وهذا شر جاز التيسير فيهما جميعًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَسَنُيَسِّرُهُ سنهيئه. والعرب تَقُولُ: قَدْ يسّرَت الغنم إِذَا ولدت وتهيأت للولادة: وقَالَ الشَّاعِر «٣» :
هما سيدانا يزعمان وإنما يسوداننا أن يسَّرت غنماهما
وقوله [١٤١/ ا] عز وجل: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢).
يَقُولُ: من سلك الهدى فعلى اللَّه سبيله، ومثله قوله: «وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ «٤» » يَقُولُ: من أراد اللَّهَ فهو عَلَى السبيل القاصد، وَيُقَال: إن علينا للهدى والِإضلال، فترك الإضلال كما قال:
«سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ «٥» »، وهي تقي الحرّ والبرد.
وقوله جل وعز: وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣).
لثواب هَذِهِ، وثواب هَذِهِ.
وقوله تبارك وتعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤).
معناه: تتلظى فهي فِي موضع رفع، ولو كانت عَلَى معنى فعل ماض لكانت: فأنذرتكم نارا تلظّت.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «٦» ] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سفيان بن عيينة «٧»
(١) سورة التوبة الآية ٣. [.....]
(٢) فى ش: اجتمع.
(٣) هو أبو أسيّدة الدّبيرىّ، وقبل هذا البيت:
إنّ لنا شيخين لا ينفعاننا غنيّين، لا يجدى علينا غناهما
ومعنى البيت كما فى اللسان: «ليس فيهما من السيادة إلا كونهما قد يسرت غنماهما» والعرب: تَقُولُ: قَدْ يسّرَت الغنم إِذَا ولدت وتهيأت للولادة. ويسرت الغنم: كثرت وكثر لبنها ونسلها، - (اللسان مادة يسر) وانظر (تهذيب الألفاظ: ١٣٥، والحيوان: ٦/ ٦٥، ٦٦).
(٤) سورة النحل الآية: ٩.
(٥) سورة النحل الآية: ٨١.
(٦) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(٧) هو سفيان بن عيينة بن أبى عمران ميمون أبو محمد الهلالي الكوفي ثم المكي الأعور الإمام المشهور، ولد سنة سبع ومائة، وعرض القرآن على حميد بن قيس الأعرج، وعبد الله بن كثير، وثقه الكسائي، توفى سنة ١٩٨، ويقال: إنه حج ثمانين حجة. (طبقات القراء ١/ ٣٠٨).
عنْ عَمْرو بْن دينار قَالَ، «فاتت عبيدَ بْن عمير ركعةٌ من المغرب، فقام يقضيها فسمعته يقرأ:
«فَأَنْذَرْتُكُمْ نارًا تَتَلَظّى «١»
» : قَالَ الفراء ورأيتُها فِي مصحف عَبْد اللَّه: «تتلظّى» بتاءين.
وقوله عزَّ وجلَّ: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (١٥).
إلا من كَانَ شقيًا فِي علم اللَّه.
وقوله عز وجل: الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦).
لم يكن كذّب بردٍّ ظاهر، ولكنه قصّر عما أمِر بِهِ من الطاعة، فجُعل تكذيبًا، كما تَقُولُ:
لقي فلان العدو فكذب إِذَا نكَل ورجع. قَالَ الفراء: وسمعت أبا ثَرْوان يَقُولُ: إنّ بني نمير ليس لجدهم «٢» مكذوبة. يَقُولُ: إِذَا لَقُوا صدقوا القتال ولم يرجعوا، وكذلك قول اللَّه تبارك وتعالى: «لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ «٣» » يَقُولُ: هِيَ حق.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) أَبُو بَكْر.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩).
يَقُولُ: لم ينفق «٤» نفقته مكافأة ليد أحد عنده، ولكن أنفقها ابتغاء وجه ربه، فإلّا فِي هَذَا الموضع بمعنى (لكن) وقد يجوز أن تجعل الفعل فِي المكافأة «٥» مستقبلًا، فتقول: ولم يُرد مما «٦» أنفق مكافأةً من أحد. ويكون موقع اللام التي فِي أحدٍ- فِي الهاء التي [١٤١/ ب] خفضتها عنده، فكأنك قلت: وماله عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها، وكلا الوجهين حسن، قَالَ الفراء:
ما أدري أي الوجهين أحسن، وَقَدْ تضع العرب الحرف فِي غير موضعه إِذَا كَانَ المعنى معروفًا وَقَدْ قَالَ الشَّاعِر «٧».
لقد خفت حَتَّى ما تزيدُ مخافتي عَلَى وعلٍ فِي ذي المكاره عاقل
(١) وكذلك قرأ ابن الزبير، وزيد بن على، وطلحة، وسفيان بن عيينة. (البحر المحيط ٨/ ٤٨٤).
(٢) وفى الأصول: «لحرهم» والتصويب من «القرطبى: جامع البيان ٢٠: ٨٧».
(٣) سورة الواقعة الآية: ٢.
(٤) فى ش: لم يكن ينفق.
(٥) فى ش: المكافآت.
(٦) فى ش: بما.
(٧) البيت للنابغة الذبياني، وقد استشهد به القرطبي فى الجزء (٢: ٨١) والجزء (٢٠: ٢٢٧) فليرجع إليه هناك.
Icon