تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب أنوار التنزيل وأسرار التأويل
المعروف بـتفسير البيضاوي
.
لمؤلفه
البيضاوي
.
المتوفي سنة 685 هـ
سورة الإسراء، وقيل : إلا قوله تعالى :﴿ وإن كادوا ليفتنونك ﴾ إلى آخر ثمان آيات. وهي مائة وإحدى عشرة آية.
ﰡ
(١٧) سورة بني إسرائيل
مكية وقيل إلا قوله تعالى: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ إلى آخر ثمان آيات وهي مائة وإحدى عشرة آية.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١]
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا سبحان اسم بمعنى التسبيح الذى هو التنزيه وقد يستعمل علماً له فيقطع عن الإِضافة ويمنع عن الصرف قال:
وانتصابه بفعل متروك إظهاره، وتصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكر بعد. وأَسْرى وسرى بمعنى، ولَيْلًا نصب على الظرف. وفائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الإسراء، ولذلك قرئ: «من الليل» أي بعضه كقوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ. مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ بعينه لما
روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذا أتاني جبريل بالبراق».
أو من الحرم وسماه المسجد الحرام لأنه كله مسجد أو لأنه محيط به، أو ليطابق المبدأ المنتهى. لما
روي أنه صلى الله عليه وسلّم كان نائماً في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به ورجع من ليلته، وقص القصة عليها وقال: «مثل لي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فصليت بهم»، ثم خرج إلى المسجد الحرام وأخبر به قريشاً فتعجبوا منه استحالة، وارتد ناس ممن آمن به، وسعى رجال إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال: إن كان قال لقد صدق، فقالوا: أتصدقه على ذلك، قال: إني لأصدقه على أبعد من ذلك فسمي الصديق، واستنعته طائفة سافروا إلى بيت المقدس فجلى له فطفق ينظر إليه وينعته لهم، فقالوا: أما النعت فقد أصاب فقالوا أخبرنا عن عيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها وقال تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق، فخرجوا يشتدون إلى الثنية فصادفوا العير كما أخبر، ثم لم يؤمنوا وقالوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ وكان ذلك قبل الهجرة بسنة
. واختلف في أنه كان في المنام أو في اليقظة بروحه أو بجسده، والأكثر على أنه أسرى بجسده إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السموات حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، ولذلك تعجب قريش واستحالوه، والاستحالة مدفوعة بما ثبت في الهندسة أن ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين طرفي كرة الأرض مائة ونيفاً وستين مرة، ثم إن طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الأعلى في أقل من ثانية، وقد برهن في الكلام أن الأجسام متساوية في قبول الأعراض وأن الله قادر على كل الممكنات فيقدر أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة في بدن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو فيما يحمله، والتعجب من لوازم المعجزات. إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد. الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ ببركات الدين والدنيا لأنه مهبط الوحي ومتعبد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن موسى عليه الصلاة والسلام، ومحفوف بالأنهار والأشجار. لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا
مكية وقيل إلا قوله تعالى: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ إلى آخر ثمان آيات وهي مائة وإحدى عشرة آية.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا سبحان اسم بمعنى التسبيح الذى هو التنزيه وقد يستعمل علماً له فيقطع عن الإِضافة ويمنع عن الصرف قال:
قَدْ قُلْتُ لَمَّا جَاءَني فَخْرُهُ | سبحان من علقمة الفاخر |
روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذا أتاني جبريل بالبراق».
أو من الحرم وسماه المسجد الحرام لأنه كله مسجد أو لأنه محيط به، أو ليطابق المبدأ المنتهى. لما
روي أنه صلى الله عليه وسلّم كان نائماً في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به ورجع من ليلته، وقص القصة عليها وقال: «مثل لي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فصليت بهم»، ثم خرج إلى المسجد الحرام وأخبر به قريشاً فتعجبوا منه استحالة، وارتد ناس ممن آمن به، وسعى رجال إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال: إن كان قال لقد صدق، فقالوا: أتصدقه على ذلك، قال: إني لأصدقه على أبعد من ذلك فسمي الصديق، واستنعته طائفة سافروا إلى بيت المقدس فجلى له فطفق ينظر إليه وينعته لهم، فقالوا: أما النعت فقد أصاب فقالوا أخبرنا عن عيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها وقال تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق، فخرجوا يشتدون إلى الثنية فصادفوا العير كما أخبر، ثم لم يؤمنوا وقالوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ وكان ذلك قبل الهجرة بسنة
. واختلف في أنه كان في المنام أو في اليقظة بروحه أو بجسده، والأكثر على أنه أسرى بجسده إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السموات حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، ولذلك تعجب قريش واستحالوه، والاستحالة مدفوعة بما ثبت في الهندسة أن ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين طرفي كرة الأرض مائة ونيفاً وستين مرة، ثم إن طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الأعلى في أقل من ثانية، وقد برهن في الكلام أن الأجسام متساوية في قبول الأعراض وأن الله قادر على كل الممكنات فيقدر أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة في بدن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو فيما يحمله، والتعجب من لوازم المعجزات. إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد. الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ ببركات الدين والدنيا لأنه مهبط الوحي ومتعبد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن موسى عليه الصلاة والسلام، ومحفوف بالأنهار والأشجار. لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا
ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ
ﰁ
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﰂ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﰃ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ
ﰄ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﰅ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﰆ
كذهابه في برهة من الليل مسيرة شهر ومشاهدته بيت المقدس وتمثل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام له، ووقوفه على مقاماتهم، وصرف الكلام من الغيبة إلى التكلم لتعظيم تلك البركات والآيات. وقرئ «ليريه» بالياء. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوال محمد صلّى الله عليه وسلّم. الْبَصِيرُ بأفعاله فيكرمه ويقربه على حسب ذلك.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢ الى ٣]
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣)
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا على أن لا تتخذوا كقولك: كتبت إليك أن أفعل كذا. وقرأ أبو عمرو بالياء على «أن لا يتخذوا». مِنْ دُونِي وَكِيلًا رباً تكلون إليه أموركم غيري.
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ نصب على الاختصاص أو النداء إن قرئ «أن لا تتخذوا» بالتاء على النهي يعني: قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلاً، أو على أنه أحد مفعولي أَلَّا تَتَّخِذُوا ومِنْ دُونِي حال من وَكِيلًا فيكون كقوله: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من واو تَتَّخِذُوا، و «ذُرّيَّةِ» بكسر الذال. وفيه تذكير بأنعام الله تعالى عليهم في إنجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح عليه السلام في السفينة. إِنَّهُ إن نوحاً عليه السلام. كانَ عَبْداً شَكُوراً يحمد الله تعالى على مجامع حالاته، وفيه إيماء بأن إنجاءه ومن معه كان ببركة شكره، وحث للذرية على الاقتداء به. وقيل الضمير لموسى عليه الصلاة والسلام.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤ الى ٥]
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥)
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ وأوحينا إليهم وحيا مقتضيا مبتوتاً. فِي الْكِتابِ في التوراة. لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ جواب قسم محذوف، أو قضينا على إجراء القضاء المبتوت مجرى القسم. مَرَّتَيْنِ إفسادتين أولادهما مخالفة أحكام التوراة وقتل شعياء وقيل أرمياء. وثانيهما قتل زكريا ويحيى وقَصْدُ قتل عيسى عليهم السلام. وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ولتستكبرن عن طاعة الله تعالى أو لتظلمن الناس.
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما وعد عقاب أولاهما. بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا بختنصر عامل لهراسف على بابل وجنوده. وقيل جالوت الجزري. وقيل سنحاريب من أهل نينوى. أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ذوي قوة وبطش في الحرب شديد. فَجاسُوا فترددوا لطلبكم. وقرئ بالحاء المهملة وهما أخوان. خِلالَ الدِّيارِ وسطها للقتل والغارة فقتلوا كبارهم وسبوا صغارهم وحرقوا التوراة وخربوا المسجد. والمعتزلة لما منعوا تسليط الله الكافر على ذلك أولوا البعث بالتخلية وعدم المنع. وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا وكان وعد عقابهم لا بد أن يفعل.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦]
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦)
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ أي الدولة والغلبة. عَلَيْهِمْ على الذين بعثوا عليكم، وذلك بأن ألقى الله في قلب بهمن بن اسفنديار لما ورث الملك من جده كشتاسف بن لهراسف شفقة عليهم، فرد أسراهم إلى الشام وملك دانيال عليهم فاستولوا على من كان فيها من أتباع بختنصر، أو بأن سلط الله داود عليه الصلاة والسلام على جالوت فقتله وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً مما كنتم، والنفير من ينفر مع الرجل من قومه وقيل جمع نفر وهم المجتمعون للذهاب إلى العدو.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧]
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧)
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢ الى ٣]
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣)
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا على أن لا تتخذوا كقولك: كتبت إليك أن أفعل كذا. وقرأ أبو عمرو بالياء على «أن لا يتخذوا». مِنْ دُونِي وَكِيلًا رباً تكلون إليه أموركم غيري.
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ نصب على الاختصاص أو النداء إن قرئ «أن لا تتخذوا» بالتاء على النهي يعني: قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلاً، أو على أنه أحد مفعولي أَلَّا تَتَّخِذُوا ومِنْ دُونِي حال من وَكِيلًا فيكون كقوله: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من واو تَتَّخِذُوا، و «ذُرّيَّةِ» بكسر الذال. وفيه تذكير بأنعام الله تعالى عليهم في إنجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح عليه السلام في السفينة. إِنَّهُ إن نوحاً عليه السلام. كانَ عَبْداً شَكُوراً يحمد الله تعالى على مجامع حالاته، وفيه إيماء بأن إنجاءه ومن معه كان ببركة شكره، وحث للذرية على الاقتداء به. وقيل الضمير لموسى عليه الصلاة والسلام.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤ الى ٥]
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥)
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ وأوحينا إليهم وحيا مقتضيا مبتوتاً. فِي الْكِتابِ في التوراة. لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ جواب قسم محذوف، أو قضينا على إجراء القضاء المبتوت مجرى القسم. مَرَّتَيْنِ إفسادتين أولادهما مخالفة أحكام التوراة وقتل شعياء وقيل أرمياء. وثانيهما قتل زكريا ويحيى وقَصْدُ قتل عيسى عليهم السلام. وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ولتستكبرن عن طاعة الله تعالى أو لتظلمن الناس.
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما وعد عقاب أولاهما. بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا بختنصر عامل لهراسف على بابل وجنوده. وقيل جالوت الجزري. وقيل سنحاريب من أهل نينوى. أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ذوي قوة وبطش في الحرب شديد. فَجاسُوا فترددوا لطلبكم. وقرئ بالحاء المهملة وهما أخوان. خِلالَ الدِّيارِ وسطها للقتل والغارة فقتلوا كبارهم وسبوا صغارهم وحرقوا التوراة وخربوا المسجد. والمعتزلة لما منعوا تسليط الله الكافر على ذلك أولوا البعث بالتخلية وعدم المنع. وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا وكان وعد عقابهم لا بد أن يفعل.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦]
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦)
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ أي الدولة والغلبة. عَلَيْهِمْ على الذين بعثوا عليكم، وذلك بأن ألقى الله في قلب بهمن بن اسفنديار لما ورث الملك من جده كشتاسف بن لهراسف شفقة عليهم، فرد أسراهم إلى الشام وملك دانيال عليهم فاستولوا على من كان فيها من أتباع بختنصر، أو بأن سلط الله داود عليه الصلاة والسلام على جالوت فقتله وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً مما كنتم، والنفير من ينفر مع الرجل من قومه وقيل جمع نفر وهم المجتمعون للذهاب إلى العدو.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧]
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧)
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لأن ثوابه لها. وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فإن وباله عليها، وإنما ذكرها باللام ازدواجاً. فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ وعد عقوبة المرة الآخرة. لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ أي بعثناهم لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ أي يجعلوها بادية آثار المساءة فيها، فحذف لدلالة ذكره أولاً عليه. وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر «ليسوء» على التوحيد، والضمير فيه للوعد أو للبعث أو لله، ويعضده قراءة الكسائي بالنون. وقرئ «لنسوأن» بالنون والياء والنون المخففة والمثقلة، و «لنسوأن» بفتح اللام على الأوجه الأربعة على أنه جواب إذا واللام في قوله: وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ متعلق بمحذوف هو بعثناهم. كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ليهلكوا. مَا عَلَوْا ما غلبوه واستولوا عليه أو مدة علوهم. تَتْبِيراً ذلك بأن سلط الله عليهم الفرس مرة أخرى فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه جودرز، وقيل حردوس قيل دخل صاحب الجيش مذبح قرا بينهم فوجد فيه دماً يغلي فسألهم عنه فقالوا: دم قربان لم يقبل منا فقال: ما صدقوني فقتل عليه ألوفاً منهم فلم يهدأ الدم، ثم قال إن لم تصدقوني ما تركت منكم أحداً، فقالوا: إنه دم يحيى فقال لمثل هذا ينتقم ربكم منكم، ثم قال يا يحيى قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك، فاهدأ بإذن الله تعالى قبل أن لا أبقي أحداً منهم فهدأ.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٨]
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨)
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد المرة الآخرة. وَإِنْ عُدْتُمْ نوبة أخرى. عُدْنا مرة ثالثة إلى عقوبتكم وقد عادوا بتكذيب محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقصد قتله فعاد الله تعلى بتسليطه عليهم فقتل قريظة وأجلى بني النضير، وضرب الجزية على الباقين هذا لهم في الدنيا. وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً محبساً لا يقدرون على الخروج منها أبدا الآباد. وقيل بساطاً كما يبسط الحصير.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩ الى ١٠]
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠)
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ للحالة أو الطريقة التي هي أقوم الحالات أو الطرق. وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً وقرأ حمزة والكسائي وَيُبَشِّرُ بالتخفيف.
وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً عطف على أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً، والمعنى أنه يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعقاب أعدائهم، أو على يُبَشِّرُ بإضمار يخبر.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١١]
وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١)
وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ ويدعو الله تعالى عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله، أو يدعوه بما يحسبه خيراً وهو شر. دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ مثل دعائه بالخير. وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا يسارع إلى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته. وقيل المراد آدم عليه الصلاة والسلام فإنه لما انتهى الروح إلى سرته ذهب لينهض فسقط.
روي: أنه عليه السلام دفع أسيراً إلى سودة بنت زمعة فرحمته لأنينه فأرخت كتافه، فهرب فدعا عليها بقطع اليد ثم ندم فقال عليه السلام: اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة له فنزلت.
ويجوز أن يريد بالإِنسان الكافر وبالدعاء استعجاله بالعذاب استهزاء كقول النضر بن الحرث: اللهم انصر خير الحزبين، اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الآية. فأجيب له فضرب عنقه صبراً يوم بدر.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٨]
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨)
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد المرة الآخرة. وَإِنْ عُدْتُمْ نوبة أخرى. عُدْنا مرة ثالثة إلى عقوبتكم وقد عادوا بتكذيب محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقصد قتله فعاد الله تعلى بتسليطه عليهم فقتل قريظة وأجلى بني النضير، وضرب الجزية على الباقين هذا لهم في الدنيا. وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً محبساً لا يقدرون على الخروج منها أبدا الآباد. وقيل بساطاً كما يبسط الحصير.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩ الى ١٠]
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠)
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ للحالة أو الطريقة التي هي أقوم الحالات أو الطرق. وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً وقرأ حمزة والكسائي وَيُبَشِّرُ بالتخفيف.
وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً عطف على أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً، والمعنى أنه يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعقاب أعدائهم، أو على يُبَشِّرُ بإضمار يخبر.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١١]
وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١)
وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ ويدعو الله تعالى عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله، أو يدعوه بما يحسبه خيراً وهو شر. دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ مثل دعائه بالخير. وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا يسارع إلى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته. وقيل المراد آدم عليه الصلاة والسلام فإنه لما انتهى الروح إلى سرته ذهب لينهض فسقط.
روي: أنه عليه السلام دفع أسيراً إلى سودة بنت زمعة فرحمته لأنينه فأرخت كتافه، فهرب فدعا عليها بقطع اليد ثم ندم فقال عليه السلام: اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة له فنزلت.
ويجوز أن يريد بالإِنسان الكافر وبالدعاء استعجاله بالعذاب استهزاء كقول النضر بن الحرث: اللهم انصر خير الحزبين، اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الآية. فأجيب له فضرب عنقه صبراً يوم بدر.
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ
ﰋ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﰌ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﰍ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ
ﰎ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ﰏ
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٢]
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢)وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ تدلان على القادر الحكيم بتعاقبهما على نسق واحد بإمكان غيره.
فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ أي الآية التي هي الليل، بالإِشراق والإِضافة فيهما للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود.
وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً مضيئة أو مبصرة للناس من أبصره فبصر، أو مبصراً أهله كقولهم: أجبن الرجل إذا كان أهله جبناء. وقيل الآيتان القمر والشمس، وتقدير الكلام وجعلنا نيري الليل والنهار آيتين، أو جعلنا الليل والنهار ذوي آيتين ومحو آية الليل التي هي القمر جعلها مظلمة في نفسها مطموسة النور، أو نقص نورها شيئاً فشيئاً إلى المحاق، وجعل آية النهار التي هي الشمس مبصرة جعلها ذات شعاع تبصر الأشياء بضوئها.
لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ لتطلبوا في بياض النهار أسباب معاشكم وتتوصلوا به إلى استبانة أعمالكم.
وَلِتَعْلَمُوا باختلافهما أو بحركاتهما. عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وجنس الحساب. وَكُلَّ شَيْءٍ تفتقرون إليه في أمر الدين والدنيا. فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا بيناه بياناً غير ملتبس.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٣]
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣)
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ عمله وما قدر له كأنه طير إليه من عش الغيب ووكر القدر، لما كانوا يتيمنون ويتشاءمون بسنوح الطائر وبروحه، استعير لما هو سبب الخير والشر من قدر الله تعالى وعمل العبد.
فِي عُنُقِهِ لزوم الطوق في عنقه. وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً هي صحيفة عمله أو نفسه المنتقشة بآثار أعماله، فإن الأعمال الاختيارية تحدث في النفس أحوالاً ولذلك يفيد تكريرها لها ملكات، ونصبه بأنه مفعول أو حال من مفعول محذوف، وهو ضمير الطائر ويعضده قراءة يعقوب ويخرج من خرج و «يخرج» وقرئ «ويخرج» أي الله عز وجل يَلْقاهُ مَنْشُوراً لكشف الغطاء، وهما صفتان للكتاب، أو يَلْقاهُ صفة ومَنْشُوراً حال من مفعوله. وقرأ ابن عامر يَلْقاهُ على البناء للمفعول من لقيته كذا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٤ الى ١٥]
اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥)
اقْرَأْ كِتابَكَ على إرادة القول. كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً أي كفى نفسك، والباء مزيدة وحَسِيباً تمييز وعلى صلته لأنه إما بمعنى الحاسب كالصريم بمعنى الصارم وضريب القداح بمعنى ضاربها من حسب عليه كذا أو بمعنى الكافي فوضع موضع الشهيد، لأنه يكفي المدعي ما أهمه، وتذكيره على أن الحساب والشهادة مما يتولاه الرجال أو على تأويل النفس بالشخص.
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها لا ينجي اهتداؤه غيره ولا يردي ضلاله سواه. وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ولا تحمل نفس حاملة وزراً وزر نفس أخرى، بل إنما تحمل وزرها.
وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا يبين الحجج ويمهد الشرائع فيلزمهم الحجة، وفيه دليل على أن لا وجوب قبل الشرع.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٦]
وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦)
وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً
وإذا تعلقت إرادتنا بإهلاك قوم لإنفاذ قضائنا السابق، أو دنا وقته المقدر كقولهم: إذا أراد المريض أن يموت ازداد مرضه شدة. أَمَرْنا مُتْرَفِيها
متنعميها بالطاعة على لسان رسول
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ
ﰐ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﰑ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﰒ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﰓ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﰔ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﰕ
بعثناه إليهم، ويدل على ذلك ما قبله وما بعده، فإن الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرد في العصيان، فيدل على الطاعة من طريق المقابلة، وقيل أمرناهم بالفسق لقوله: فَفَسَقُوا فِيها
كقولك أمرته فقرأ، فإنه لا يفهم منه إلا الأمر بالقراءة على أن الأمر مجاز من الحمل عليه، أو التسبب له بأن صب عليهم من النعم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق، ويحتمل أن لا يكون له مفعول منوي كقولهم: أمرته فعصاني. وقيل معناه كثرنا يقال: أمرت الشيء وآمرته فأمر إذا كثرته،
وفي الحديث «خير المال سكة مأبورة، ومهرة مأمورة»
، أي كثيرة النتاج. وهو أيضاً مجاز من معنى الطلب، ويؤيده قراءة يعقوب «آمرنا» ورواية أَمَرْنا
عن أبي عمرو، ويحتمل أن يكون منقولاً من أمر بالضم أمارة أي جعلناهم أمراء، وتخصيص المترفين لأن غيرهم يتبعهم ولأنهم أسرع إلى الحماقة وأقدر على الفجور. فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
يعني كلمة العذاب السابقة بحلوله، أو بظهور معاصيهم أو بانهماكهم في المعاصي. فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريب ديارهم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٧ الى ١٨]
وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨)
وَكَمْ أَهْلَكْنا وكثيراً أهلكنا. مِنَ الْقُرُونِ بيان لكم وتمييز له. مِنْ بَعْدِ نُوحٍ كعاد وثمود.
وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يدرك بواطنها وظواهرها فيعاقب عليها، وتقديم الخبير لتقدم متعلقه.
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ مقصوراً عليها همه. عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ قيد المعجل والمعجل له بالمشيئة والإِرادة لأنه لا يجد كل متمن ما يتمناه، ولا كل واجد جميع ما يهواه وليعلم أن الأمر بالمشيئة والهم فضل. ولِمَنْ نُرِيدُ بدل من له بدل البعض. وقرئ «ما يشاء» والضمير فيه لله تعالى حتى يطابق المشهورة. وقيل لِمَنْ فيكون مخصوصاً بمن أراد الله تعالى به ذلك. وقيل الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين ويغزون معهم ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها. ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً مطروداً من رحمة الله تعالى.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠)
وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها حقها من السعي وهو الإِتيان بما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه لا التقرب بما يخترعون بآرائهم. وفائدة اللام اعتبار النية والإِخلاص. وَهُوَ مُؤْمِنٌ إيماناً صحيحاً لا شرك معه ولا تكذيب فإنه العمدة. فَأُولئِكَ الجامعون للشروط الثلاثة. كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً من الله تعالى أي مقبولاً عنده مثابا عليه، فطن شكر الله الثواب على الطاعة.
كُلًّا كل واحد من الفريقين، والتنوين بدل من المضاف إليه. نُمِدُّ بالعطاء مرة بعد أخرى ونجعل آنفه مدداً لسالفه. هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ بدل من كُلًّا. مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ من معطاه متعلق ب نُمِدُّ. وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ممنوعاً لا يمنعه في الدنيا من مؤمن ولا كافر تفضلاً.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١) لاَّ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (٢٢)
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ في الرزق، وانتصاب كَيْفَ ب فَضَّلْنا على الحال.
كقولك أمرته فقرأ، فإنه لا يفهم منه إلا الأمر بالقراءة على أن الأمر مجاز من الحمل عليه، أو التسبب له بأن صب عليهم من النعم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق، ويحتمل أن لا يكون له مفعول منوي كقولهم: أمرته فعصاني. وقيل معناه كثرنا يقال: أمرت الشيء وآمرته فأمر إذا كثرته،
وفي الحديث «خير المال سكة مأبورة، ومهرة مأمورة»
، أي كثيرة النتاج. وهو أيضاً مجاز من معنى الطلب، ويؤيده قراءة يعقوب «آمرنا» ورواية أَمَرْنا
عن أبي عمرو، ويحتمل أن يكون منقولاً من أمر بالضم أمارة أي جعلناهم أمراء، وتخصيص المترفين لأن غيرهم يتبعهم ولأنهم أسرع إلى الحماقة وأقدر على الفجور. فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
يعني كلمة العذاب السابقة بحلوله، أو بظهور معاصيهم أو بانهماكهم في المعاصي. فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريب ديارهم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٧ الى ١٨]
وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨)
وَكَمْ أَهْلَكْنا وكثيراً أهلكنا. مِنَ الْقُرُونِ بيان لكم وتمييز له. مِنْ بَعْدِ نُوحٍ كعاد وثمود.
وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يدرك بواطنها وظواهرها فيعاقب عليها، وتقديم الخبير لتقدم متعلقه.
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ مقصوراً عليها همه. عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ قيد المعجل والمعجل له بالمشيئة والإِرادة لأنه لا يجد كل متمن ما يتمناه، ولا كل واجد جميع ما يهواه وليعلم أن الأمر بالمشيئة والهم فضل. ولِمَنْ نُرِيدُ بدل من له بدل البعض. وقرئ «ما يشاء» والضمير فيه لله تعالى حتى يطابق المشهورة. وقيل لِمَنْ فيكون مخصوصاً بمن أراد الله تعالى به ذلك. وقيل الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين ويغزون معهم ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها. ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً مطروداً من رحمة الله تعالى.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠)
وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها حقها من السعي وهو الإِتيان بما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه لا التقرب بما يخترعون بآرائهم. وفائدة اللام اعتبار النية والإِخلاص. وَهُوَ مُؤْمِنٌ إيماناً صحيحاً لا شرك معه ولا تكذيب فإنه العمدة. فَأُولئِكَ الجامعون للشروط الثلاثة. كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً من الله تعالى أي مقبولاً عنده مثابا عليه، فطن شكر الله الثواب على الطاعة.
كُلًّا كل واحد من الفريقين، والتنوين بدل من المضاف إليه. نُمِدُّ بالعطاء مرة بعد أخرى ونجعل آنفه مدداً لسالفه. هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ بدل من كُلًّا. مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ من معطاه متعلق ب نُمِدُّ. وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ممنوعاً لا يمنعه في الدنيا من مؤمن ولا كافر تفضلاً.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١) لاَّ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (٢٢)
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ في الرزق، وانتصاب كَيْفَ ب فَضَّلْنا على الحال.
وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا أي التفاوت في الآخرة أكبر، لأن التفاوت فيها بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها.
لاَّ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم والمراد به أمته أو لكل أحد. فَتَقْعُدَ فتصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة، أو فتعجز من قولهم قعد عن الشيء إذا عجز عنه. مَذْمُوماً مَخْذُولًا جامعاً على نفسك الذم من الملائكة والمؤمنين والخذلان من الله تعالى، ومفهومه أن الموحد يكون ممدوحاً منصورا.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٣]
وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣)
وَقَضى رَبُّكَ وأمر أمراً مقطوعا به. أَلَّا تَعْبُدُوا بأن لا تعبدوا. إِلَّا إِيَّاهُ لأن غاية التعظيم لا تحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الإِنعام، وهو كالتفصيل لسعي الآخرة. ويجوز أن تكون أن مفسرة ولا ناهية. وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وبأن تحسنوا، أو وأحسنوا بالوالدين إحساناً لأنهما السبب الظاهر للوجود والتعيش، ولا يجوز أن تتعلق الباء بالإِحسان لأن صلته لا تتقدم عليه. إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما إِمَّا هي إن الشرطية زيدت عليها ما تأكيداً ولذلك صح لحوق النون المؤكدة للفعل، وأحدهما فاعل يَبْلُغَنَّ وبدل على قراءة حمزة والكسائي من ألف «يبلغان» الراجع إلى «الوالدين»، وكلاهما عطف على أحدهما فاعلاً أو بدلاً ولذلك لم يجز أن يكون تأكيداً للألف، ومعنى عِنْدَكَ أن يكونا في كنفك وكفالتك. فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ فلا تتضجر مما يستقذر منهما وتستثقل من مؤنتهما، وهو صوت يدل على تضجر. وقيل هو اسم الفعل الذي هو أتضجر، وهو مبني على الكسر لالتقاء الساكنين وتنوينه في قراءة نافعٍ وحفص للتنكير. وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالفتح على التخفيف. وقرئ به منوناً وبالضم للاتباع كمنذ منوناً وغير منون، والنهي عن ذلك يدل على المنع من سائر أنواع الايذاء قياساً بطريق الأولى. وقيل عرفاً كقولك: فلان لا يملك النقير والقطمير، ولذلك منع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حذيفة من قتل أبيه وهو في صف المشركين، نهى عما يؤذيهما بعد الأمر بالإِحسان بهما. وَلا تَنْهَرْهُما ولا تزجرهما عما لا يعجبك بإغلاظ.
وقيل النهي والنهر والنهم أخوات. وَقُلْ لَهُما بدل التأفيف والنهر. قَوْلًا كَرِيماً جميلاً لا شراسة فيه.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٤]
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤)
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ تذلل لهما وتواضع فيهما، وجعل للذل جناحاً كما جعل لبيد في قوله:
للشمال يداً أو للقرة زماماً، وأمره بخفضه مبالغة أو أراد جناحه كقوله تعالى: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ. وإضافته إلى الذل للبيان والمبالغة كما أضيف حاتم إلى الجود، والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل. وقرئ «الذل» بالكسر وهو الانقياد والنعت منه ذلول. مِنَ الرَّحْمَةِ من فرط رحمتك عليهما لافتقارهما إلى من كان أفقر خلق الله تعالى إليهما بالأمس. وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما وادع الله تعالى أن يرحمهما برحمته الباقية، ولا تكتف برحمتك الفانية وإن كانا كافرين لأن من الرحمة أن يهديهما. كَما رَبَّيانِي صَغِيراً رحمة مثل رحمتهما علي وتربيتهما وإرشادهما لي في صغري وفاء بوعدك للراحمين.
روي: أن رجلاً قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أبوي بلغا من الكبر أني أَلي منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما حقهما. قال: لا فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما).
لاَّ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم والمراد به أمته أو لكل أحد. فَتَقْعُدَ فتصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة، أو فتعجز من قولهم قعد عن الشيء إذا عجز عنه. مَذْمُوماً مَخْذُولًا جامعاً على نفسك الذم من الملائكة والمؤمنين والخذلان من الله تعالى، ومفهومه أن الموحد يكون ممدوحاً منصورا.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٣]
وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣)
وَقَضى رَبُّكَ وأمر أمراً مقطوعا به. أَلَّا تَعْبُدُوا بأن لا تعبدوا. إِلَّا إِيَّاهُ لأن غاية التعظيم لا تحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الإِنعام، وهو كالتفصيل لسعي الآخرة. ويجوز أن تكون أن مفسرة ولا ناهية. وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وبأن تحسنوا، أو وأحسنوا بالوالدين إحساناً لأنهما السبب الظاهر للوجود والتعيش، ولا يجوز أن تتعلق الباء بالإِحسان لأن صلته لا تتقدم عليه. إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما إِمَّا هي إن الشرطية زيدت عليها ما تأكيداً ولذلك صح لحوق النون المؤكدة للفعل، وأحدهما فاعل يَبْلُغَنَّ وبدل على قراءة حمزة والكسائي من ألف «يبلغان» الراجع إلى «الوالدين»، وكلاهما عطف على أحدهما فاعلاً أو بدلاً ولذلك لم يجز أن يكون تأكيداً للألف، ومعنى عِنْدَكَ أن يكونا في كنفك وكفالتك. فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ فلا تتضجر مما يستقذر منهما وتستثقل من مؤنتهما، وهو صوت يدل على تضجر. وقيل هو اسم الفعل الذي هو أتضجر، وهو مبني على الكسر لالتقاء الساكنين وتنوينه في قراءة نافعٍ وحفص للتنكير. وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالفتح على التخفيف. وقرئ به منوناً وبالضم للاتباع كمنذ منوناً وغير منون، والنهي عن ذلك يدل على المنع من سائر أنواع الايذاء قياساً بطريق الأولى. وقيل عرفاً كقولك: فلان لا يملك النقير والقطمير، ولذلك منع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حذيفة من قتل أبيه وهو في صف المشركين، نهى عما يؤذيهما بعد الأمر بالإِحسان بهما. وَلا تَنْهَرْهُما ولا تزجرهما عما لا يعجبك بإغلاظ.
وقيل النهي والنهر والنهم أخوات. وَقُلْ لَهُما بدل التأفيف والنهر. قَوْلًا كَرِيماً جميلاً لا شراسة فيه.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٤]
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤)
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ تذلل لهما وتواضع فيهما، وجعل للذل جناحاً كما جعل لبيد في قوله:
وَغَدَاةَ رِيحٍ قَدْ كشفت وَقرة | إِذْ أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا |
روي: أن رجلاً قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أبوي بلغا من الكبر أني أَلي منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما حقهما. قال: لا فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما).
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٥]
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥)رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ من قصد البر إليهما واعتقاد ما يجب لهما من التوقير، وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالاً. إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ قاصدين للصلاح. فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ للتوابين.
غَفُوراً ما فرط منهم عند حرج الصدر من أذية أو تقصير، وفيه تشديد عظيم، ويجوز أن يكون عاماً لكل تائب، ويندرج فيه الجاني على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧)
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبر عليهم. وقال أبو حنيفة: حقهم إذا كانوا محارم فقراء أن ينفق عليهم. وقيل المراد بذي القربى أقارب الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً بصرف المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الإِسراف، وأصل التبذير التفريق. «و
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لسعد وهو يتوضأ: ما هذا السرف قال: أو في الوضوء سرف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار».
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ أمثالهم في الشرارة فإن التضييع والاتلاف شر، أو أصدقاءهم وأتباعهم لأنهم يطيعونهم في الإِسراف والصرف في المعاصي.
روي: أنهم كانوا ينحرون الإِبل ويتياسرون عليها ويبذرون أموالهم في السمعة، فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالإِنفاق في القربات.
وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً مبالغاً في الكفر به فينبغي أن لا يطاع.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٨]
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨)
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد، ويجوز أن يراد بالإِعراض عنهم أن لا ينفعهم على سبيل الكناية. ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها لانتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك فتعطيه، أو منتظرين له وقيل معناه لفقد رزق من ربك ترجوه أن يفتح لك فوضع الابتغاء موضعه لأنه مسبب عنه، ويجوز أن يتعلق بالجواب الذي هو قوله تعالى: فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً أي فقل لهم قولاً ليناً ابتغاء رحمة الله برحمتك عليهم بإجمال القول لهم، والميسور من يسر الأمر مثل سَعُدَ الرَّجل ونحس، وقيل القول الميسور الدعاء لهم بالميسور وهو اليسر مثل أغناكم الله تعالى ورزقنا الله وإياكم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠)
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذر، نهى عنهما آمراً بالاقتصاد بينهما الذي هو الكرم. فَتَقْعُدَ مَلُوماً فتصير ملوماً عند الله وعند الناس بالإِسراف وسوء التدبير. مَحْسُوراً نادماً أو منقطعاً بك لا شيء عندك من حسرة السفر إذا بلغ منه.
وعن جابر (بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس أتاه صبي فقال: إن أمي تستكسيك درعاً، فقال صلّى الله عليه وسلّم من ساعة إلى ساعة فعد إلينا، فذهب إلى أمه فقالت: قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك، فدخل صلّى الله عليه وسلّم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً وأذن بلال وانتظروه للصلاة فلم يخرج فأنزل الله ذلك) ثم سلاه بقوله: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ
يوسعه ويضيقه بمشيئته التابعة للحكمة البالغة فليس ما يرهقك من الإِضافة إلا لمصلحتك. إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يعلم سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم، ويجوز أن يراد أن البسط
والقبض من أمر الله تعالى العالم بالسرائر والظواهر، فأما العباد فعليهم أن يقتصدوا، أو أنه تعالى يبسط تارة ويقبض أخرى فاستنوا بسنته ولا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط، وأن يكون تمهيدا لقوله تعالى:
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣١]
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١)
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ مخافة الفاقة، وقتلهم أولادهم هو وأدهم بناتهم مخافة الفقر فنهاهم عنه وضمن لهم أرزاقهم فقال: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً ذنباً كبيراً لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع، وال خِطْأً الإثم يقال خطئ خطأ كأثم إثماً، وقرأ ابن عامر خِطْأً وهو اسم من اخطأ يضاد الصواب، وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر. وقرأ ابن كثير «خطاء» بالمد والكسر وهو إما لغة فيه أو مصدر خاطأ وهو وإن لم يسمع لكنه جاء تخاطأ في قوله:
وهو مبني عليه وقرئ «خطاء» بالفتح والمد وخطا بحذف الهمزة مفتوحاً ومكسوراً.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٢]
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢)
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى بالعزم والإِتيان بالمقدمات فضلاً عن أن تباشروه. إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً فعلة ظاهرة القبح زائدته. وَساءَ سَبِيلًا وبئس طريقاً طريقه، وهو الغصب على الابضاع المؤدي إلى قطع الأنساب وهيج الفتن.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٣]
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣)
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان: وزنا بعد إحصان، وقتل مؤمن معصوم عمداً. وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً غير مستوجب للقتل. فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ للذي يلي أمره بعد وفاته وهو الوارث. سُلْطاناً تسلطاً بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه، أو بالقصاص على القاتل فإن قوله تعالى مَظْلُوماً بدل على أن القتل عمد عدوان فإن الخطأ لا يسمى ظلماً. فَلا يُسْرِفْ أي القاتل. فِي الْقَتْلِ بأن يقتل من لا يستحق قتله، فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة، أو قتل غير القاتل ويؤيد الأول قراءة أبي «فلا تسرفوا». وقرأ حمزة والكسائي «فلا تسرف» على خطاب أحدهما. إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً علة النهي على الاستئناف والضمير إما للمقتول فإنه منصور في الدنيا بثبوت القصاص بقتله وفي الآخرة بالثواب، وإما لوليه فإن الله تعالى نصره حيث أوجب القصاص له وأمر الولاة بمعونته، وإما للذي يقتله الولي إسرافاً بإيجاب القصاص أو التعزير والوزر على المسرف.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٤]
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤)
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ فضلاً أن تتصرفوا فيه. إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلا بالطريقة التي هي أحسن.
حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ غاية لجواز التصرف الذي دل عليه الاستثناء. وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ بما عاهدكم الله من تكاليفه، أو ما عاهدتموه وغيره. إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا مطلوباً يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به، أو مسؤولاً عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه لم نكثت، أو يسأل العهد تبكيتاً للناكث كما يقال للموءودة بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ، فيكون تخييلاً ويجوز أن يراد أن صاحب العهد كان مسؤولا.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣١]
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١)
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ مخافة الفاقة، وقتلهم أولادهم هو وأدهم بناتهم مخافة الفقر فنهاهم عنه وضمن لهم أرزاقهم فقال: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً ذنباً كبيراً لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع، وال خِطْأً الإثم يقال خطئ خطأ كأثم إثماً، وقرأ ابن عامر خِطْأً وهو اسم من اخطأ يضاد الصواب، وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر. وقرأ ابن كثير «خطاء» بالمد والكسر وهو إما لغة فيه أو مصدر خاطأ وهو وإن لم يسمع لكنه جاء تخاطأ في قوله:
تَخَاطَأَهُ القَناصُ حَتَّى وَجَدْتُه | وَخَرْطُومُهُ فِي مَنْقعِ المَاءِ رَاسِب |
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٢]
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢)
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى بالعزم والإِتيان بالمقدمات فضلاً عن أن تباشروه. إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً فعلة ظاهرة القبح زائدته. وَساءَ سَبِيلًا وبئس طريقاً طريقه، وهو الغصب على الابضاع المؤدي إلى قطع الأنساب وهيج الفتن.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٣]
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣)
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان: وزنا بعد إحصان، وقتل مؤمن معصوم عمداً. وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً غير مستوجب للقتل. فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ للذي يلي أمره بعد وفاته وهو الوارث. سُلْطاناً تسلطاً بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه، أو بالقصاص على القاتل فإن قوله تعالى مَظْلُوماً بدل على أن القتل عمد عدوان فإن الخطأ لا يسمى ظلماً. فَلا يُسْرِفْ أي القاتل. فِي الْقَتْلِ بأن يقتل من لا يستحق قتله، فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة، أو قتل غير القاتل ويؤيد الأول قراءة أبي «فلا تسرفوا». وقرأ حمزة والكسائي «فلا تسرف» على خطاب أحدهما. إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً علة النهي على الاستئناف والضمير إما للمقتول فإنه منصور في الدنيا بثبوت القصاص بقتله وفي الآخرة بالثواب، وإما لوليه فإن الله تعالى نصره حيث أوجب القصاص له وأمر الولاة بمعونته، وإما للذي يقتله الولي إسرافاً بإيجاب القصاص أو التعزير والوزر على المسرف.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٤]
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤)
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ فضلاً أن تتصرفوا فيه. إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلا بالطريقة التي هي أحسن.
حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ غاية لجواز التصرف الذي دل عليه الاستثناء. وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ بما عاهدكم الله من تكاليفه، أو ما عاهدتموه وغيره. إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا مطلوباً يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به، أو مسؤولاً عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه لم نكثت، أو يسأل العهد تبكيتاً للناكث كما يقال للموءودة بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ، فيكون تخييلاً ويجوز أن يراد أن صاحب العهد كان مسؤولا.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٥]
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥)وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ ولا تبخسوا فيه وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ بالميزان السوي، وهو رومي عرب ولا يقدح ذلك في عربية القرآن، لأن العجمي إذا استعملته العرب وأجرته مجرى كلامهم في الإِعراب والتعريف والتنكير ونحوها صار عربياً. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف هنا وفي «الشعراء». ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وأحسن عاقبة تفعيل من آل إذا رجع.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٦]
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦)
وَلا تَقْفُ ولا تتبع وقرئ «وَلاَ تَقْفُ» من قاف أثره إذا قفاه ومنه القافة. مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ما لم يتعلق به علمك تقليداً أو رجماً بالغيب، واحتج به من منع اتباع الظن وجوابه أن المراد بالعلم هو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند، سواء كان قطعاً أو ظناً واستعماله بهذا المعنى سائغ شائع. وقيل إنه مخصوص بالعقائد. وقيل بالرمي وشهادة الزور ويؤيده
قوله عليه الصلاة والسلام «من قفا مؤمناً بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج».
وقول الكميت:
وَلاَ أَرْمِي البَرِيء بِغَيْرِ ذَنْب | وَلاَ أَقْفُو الحَواصِنَ إِنْ قفينا |
وَالعَيْشُ بَعْدَ أُولَئِكَ الأَيَامِ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا في ثلاثتها ضمير كل أي كان كل واحد منها مسؤولاً عن نفسه، يعني عما فعل به صاحبه، ويجوز أن يكون الضمير في عنه لمصدر لا تَقْفُ أو لصاحب السمع والبصر. وقيل مَسْؤُلًا مسند إلى عَنْهُ كقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ والمعنى يسأل صاحبه عنه، وهو خطأ لأن الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدم، وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية. وقرئ وَالْفُؤادَ بقلب الهمزة واواً بعد الضمة ثم إبدالها بالفتح.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨)
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي ذا مرح وهو الاختيال. وقرئ مَرَحاً وهو باعتبار الحكم أبلغ وإن كان المصدر آكد من صريح النعت. إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ لن تجعل فيها خرقاً بشدة وطأتك. وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا بتطاولك وهو تهكم بالمختال، وتعليل للنهي بأن الاختيال حماقة مجردة لا تعود بجدوى ليس في التذلل.
كُلُّ ذلِكَ إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين المذكورة. من قوله تعالى: لاَّ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنها المكتوبة في ألواح موسى عليه السلام. كانَ سَيِّئُهُ يعني المنهي عنه فإن المذكورات مأمورات ومناه. وقرأ الحجازيان والبصريان سَيِّئُهُ على أنها خبر كانَ والاسم ضمير كُلُّ، وذلِكَ إشارة إلى ما نهى عنه خاصة وعلى هذا قوله: عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً بدل من سَيِّئُهُ أو صفة لها محمولة على المعنى، فإنه بمعنى سيئا وقد قرئ به، ويجوز أن ينتصب مكروهاً على الحال من المستكن في كانَ أو في الظرف على أنه صفة سَيِّئُهُ، والمراد به المبغوض المقابل
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ
ﰦ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ
ﰧ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﰨ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
ﰩ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐ
ﰪ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ
ﰫ
للمرضى لا ما يقابل المراد لقيام القاطع على أن الحوادث كلها واقعة بإرادته تعالى.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٩]
ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩)
ذلِكَ إشارة إلى الأحكام المتقدمة. مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به. وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه، فإن من لا قصد له بطل عمله ومن قصد بفعله أو تركه غيره ضاع سعيه، وأنه رأس الحكمة وملاكها، ورتب عليه أولاً ما هو عائده الشرك في الدنيا وثانياً ما هو نتيجته في العقبى فقال تعالى: فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً تلوم نفسك.
مَدْحُوراً مبعدًا من رحمة الله تعالى.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤٠]
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠)
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ خطاب لمن قالوا الملائكة بنات الله، والهمزة للإنكار والمعنى: أفخصكم ربكم بأفضل الأولاد وهم البنون. وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً بنات لنفسه وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم. إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً بإضافة الأولاد إليه، وهي خاصة بعض الأجسام لسرعة زوالها، ثم بتفضيل أنفسكم عليه حيث تجعلون له ما تكرهون ثم بجعل الملائكة الذين هم من أشرف خلق الله أدونهم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢)
وَلَقَدْ صَرَّفْنا كررنا هذا المعنى بوجوه من التقرير. فِي هذَا الْقُرْآنِ في مواضع منه، ويجوز أن يراد بهذا القرآن إبطال إضافة البنات إليه على تقدير: ولقد صرفنا هذا القول في هذا المعنى أو أوقعنا التصريف فيه، وقرئ «صَرَفْنَا» بالتخفيف. لِيَذَّكَّرُوا ليتذكروا وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي الفرقان لِيَذَّكَّرُوا من الذكر الذي هو بمعنى التذكر. وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً عن الحق وقلة طمأنينة إليه. قُلْ لَّوْ كان معه آلهة كما تَقُولُونَ أيها المشركون، وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم بالياء فيه وفيما بعده على أن الكلام مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ووافقهما نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب في الثانية على أن الأولى مما أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أن يخاطب به المشركين، والثانية مما نزه به نفسه عن مقالتهم. إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا جواب عن قولهم وجزاء ل لَوْ والمعنى: لطلبوا إلى من هو مالك الملك سبيلاً بالمعازة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض، أو بالتقرب إليه والطاعة لعلمهم بقدرته وعجزهم كقولهم تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤)
سُبْحانَهُ ينزه تنزيهاً. وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا تعالياً. كَبِيراً متباعداً غاية البعد عما يقولون، فإنه في أعلى مراتب الوجود وهو كونه واجب الوجود والبقاء لذاته، واتخاذ الولد من أدنى مراتبه فإنه من خواص ما يمتنع بقاؤه.
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ينزهه عما هو من لوازم الإِمكان وتوابع الحدوث بلسان الحال حيث تدل بإمكانها وحدوثها على الصانع القديم الواجب لذاته. وَلكِنْ
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٩]
ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩)
ذلِكَ إشارة إلى الأحكام المتقدمة. مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به. وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه، فإن من لا قصد له بطل عمله ومن قصد بفعله أو تركه غيره ضاع سعيه، وأنه رأس الحكمة وملاكها، ورتب عليه أولاً ما هو عائده الشرك في الدنيا وثانياً ما هو نتيجته في العقبى فقال تعالى: فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً تلوم نفسك.
مَدْحُوراً مبعدًا من رحمة الله تعالى.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤٠]
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠)
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ خطاب لمن قالوا الملائكة بنات الله، والهمزة للإنكار والمعنى: أفخصكم ربكم بأفضل الأولاد وهم البنون. وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً بنات لنفسه وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم. إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً بإضافة الأولاد إليه، وهي خاصة بعض الأجسام لسرعة زوالها، ثم بتفضيل أنفسكم عليه حيث تجعلون له ما تكرهون ثم بجعل الملائكة الذين هم من أشرف خلق الله أدونهم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢)
وَلَقَدْ صَرَّفْنا كررنا هذا المعنى بوجوه من التقرير. فِي هذَا الْقُرْآنِ في مواضع منه، ويجوز أن يراد بهذا القرآن إبطال إضافة البنات إليه على تقدير: ولقد صرفنا هذا القول في هذا المعنى أو أوقعنا التصريف فيه، وقرئ «صَرَفْنَا» بالتخفيف. لِيَذَّكَّرُوا ليتذكروا وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي الفرقان لِيَذَّكَّرُوا من الذكر الذي هو بمعنى التذكر. وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً عن الحق وقلة طمأنينة إليه. قُلْ لَّوْ كان معه آلهة كما تَقُولُونَ أيها المشركون، وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم بالياء فيه وفيما بعده على أن الكلام مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ووافقهما نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب في الثانية على أن الأولى مما أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أن يخاطب به المشركين، والثانية مما نزه به نفسه عن مقالتهم. إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا جواب عن قولهم وجزاء ل لَوْ والمعنى: لطلبوا إلى من هو مالك الملك سبيلاً بالمعازة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض، أو بالتقرب إليه والطاعة لعلمهم بقدرته وعجزهم كقولهم تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤)
سُبْحانَهُ ينزه تنزيهاً. وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا تعالياً. كَبِيراً متباعداً غاية البعد عما يقولون، فإنه في أعلى مراتب الوجود وهو كونه واجب الوجود والبقاء لذاته، واتخاذ الولد من أدنى مراتبه فإنه من خواص ما يمتنع بقاؤه.
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ينزهه عما هو من لوازم الإِمكان وتوابع الحدوث بلسان الحال حيث تدل بإمكانها وحدوثها على الصانع القديم الواجب لذاته. وَلكِنْ
ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﰬ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ
ﰭ
ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ
ﰮ
ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ
ﰯ
ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ
ﰰ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ
ﰱ
ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﰲ
لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
أيها المشركون لإِخلالكم بالنظر الصحيح الذي به يفهم تسبيحهم، ويجوز أن يحمل التسبيح على المشترك بين اللفظ والدلالة لإسناده إلى ما يتصور منه اللفظ وإلى ما لا يتصور منه وعليهما عند من جوز إطلاق اللفظ على معنييه. وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وأبو بكر «يسبح» بالياء. إِنَّهُ كانَ حَلِيماً حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم. غَفُوراً لمن تاب منكم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦)
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً يحجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم.
مَسْتُوراً ذا ستر كقوله تعالى: وَعْدُهُ مَأْتِيًّا وقولهم سيل مفعم، أو مستوراً عن الحس، أو بحجاب آخر لا يفهمون ولا يفهمون أنهم لا يفهمون نفى عنهم أن يفهموا ما أنزل عليهم من الآيات بعد ما نفي عنهم التفقه للدلالات المنصوبة في الأنفس والآفاق تقريراً له وبياناً لكونهم مطبوعين على الضلالة كما صرح به بقوله:
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً تكنها وتحول دونها عن إدراك الحق وقبوله. أَنْ يَفْقَهُوهُ كراهة أن يفقهوه، ويجوز أن يكون مفعولاً لما دل عليه قوله: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي منعناهم أن يفقهوه.
وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً يمنعهم عن استماعه. ولما كان القرآن معجزاً من حيث اللفظ والمعنى أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى وإدراك اللفظ. وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ واحداً غير مشفوع به آلهتهم، مصدر وقع موقع الحال وأصله يحد وحده بمعنى واحداً وحده. وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً هرباً من استماع التوحيد ونفرة أو تولية، ويجوز أن يكون جمع نافر كقاعد وقعود.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤٧]
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ بسببه ولأجله من الهزء بك وبالقرآن. إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ظرف ل أَعْلَمُ وكذا. وَإِذْ هُمْ نَجْوى أي نحن أعلم بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك مضمرون له وحين هم ذوو نجوى يتناجون به، ونَجْوى مصدر ويحتمل أن يكون جمع نجى. إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً مقدر باذكر، أو بدل من إِذْ هُمْ نَجْوى على وضع الظَّالِمُونَ موضع الضمير للدلالة على أن تناجيهم بقولهم هذا من باب الظلم، والمسحور هو الذي سُحِرَ فزال عقله. وقيل الذي له سحر وهو الرئة أي إلا رجلاً يتنفس ويأكل ويشرب مثلكم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٨ الى ٤٩]
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩)
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ مثلوك بالشاعر والساحر والكاهن والمجنون. فَضَلُّوا عن الحق في جميع ذلك. فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا إلى طعن موجه فيتهافتون ويخبطون كالمتحير في أمره لا يدري ما يصنع أو إلى الرشاد. وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً حطاماً. أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً على الإِنكار والاستبعاد لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم، من المباعدة والمنافاة، والعامل في إذا ما دل عليه مبعوثون لا نفسه لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها وخَلْقاً مصدر أو حال.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٠ الى ٥١]
قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١)
أيها المشركون لإِخلالكم بالنظر الصحيح الذي به يفهم تسبيحهم، ويجوز أن يحمل التسبيح على المشترك بين اللفظ والدلالة لإسناده إلى ما يتصور منه اللفظ وإلى ما لا يتصور منه وعليهما عند من جوز إطلاق اللفظ على معنييه. وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وأبو بكر «يسبح» بالياء. إِنَّهُ كانَ حَلِيماً حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم. غَفُوراً لمن تاب منكم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦)
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً يحجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم.
مَسْتُوراً ذا ستر كقوله تعالى: وَعْدُهُ مَأْتِيًّا وقولهم سيل مفعم، أو مستوراً عن الحس، أو بحجاب آخر لا يفهمون ولا يفهمون أنهم لا يفهمون نفى عنهم أن يفهموا ما أنزل عليهم من الآيات بعد ما نفي عنهم التفقه للدلالات المنصوبة في الأنفس والآفاق تقريراً له وبياناً لكونهم مطبوعين على الضلالة كما صرح به بقوله:
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً تكنها وتحول دونها عن إدراك الحق وقبوله. أَنْ يَفْقَهُوهُ كراهة أن يفقهوه، ويجوز أن يكون مفعولاً لما دل عليه قوله: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي منعناهم أن يفقهوه.
وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً يمنعهم عن استماعه. ولما كان القرآن معجزاً من حيث اللفظ والمعنى أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى وإدراك اللفظ. وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ واحداً غير مشفوع به آلهتهم، مصدر وقع موقع الحال وأصله يحد وحده بمعنى واحداً وحده. وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً هرباً من استماع التوحيد ونفرة أو تولية، ويجوز أن يكون جمع نافر كقاعد وقعود.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤٧]
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ بسببه ولأجله من الهزء بك وبالقرآن. إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ظرف ل أَعْلَمُ وكذا. وَإِذْ هُمْ نَجْوى أي نحن أعلم بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك مضمرون له وحين هم ذوو نجوى يتناجون به، ونَجْوى مصدر ويحتمل أن يكون جمع نجى. إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً مقدر باذكر، أو بدل من إِذْ هُمْ نَجْوى على وضع الظَّالِمُونَ موضع الضمير للدلالة على أن تناجيهم بقولهم هذا من باب الظلم، والمسحور هو الذي سُحِرَ فزال عقله. وقيل الذي له سحر وهو الرئة أي إلا رجلاً يتنفس ويأكل ويشرب مثلكم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٨ الى ٤٩]
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩)
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ مثلوك بالشاعر والساحر والكاهن والمجنون. فَضَلُّوا عن الحق في جميع ذلك. فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا إلى طعن موجه فيتهافتون ويخبطون كالمتحير في أمره لا يدري ما يصنع أو إلى الرشاد. وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً حطاماً. أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً على الإِنكار والاستبعاد لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم، من المباعدة والمنافاة، والعامل في إذا ما دل عليه مبعوثون لا نفسه لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها وخَلْقاً مصدر أو حال.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٠ الى ٥١]
قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١)
قُلِ جواباً لهم. كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً.
أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ أي مما يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها، فإن قدرته تعالى لا تقصر عن إحيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض، فكيف إذا كنتم عظاماً مرفوتة وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل والشيء أقبل لما عهد فيه مما لم يعهد. فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَكُنتم تراباً وما هو أبعد منه من الحياة. فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ فسيحركونها نحوك تعجباً واستهزاء. وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً فإن كل ما هو آت قريب، وانتصابه على الخبر أو الظرف أي يكون في زمان قريب، وأَنْ يَكُونَ اسم عَسى أو خبره والاسم مضمر.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٢]
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ أي يوم يبعثكم فتنبعثون، استعار لهما الدعاء والاستجابة للتنبيه على سرعتهما وتيسر أمرهما، وأن المقصود منهما الإحضار للمحاسبة والجزاء. بِحَمْدِهِ حال منهم أي حامدين الله تعالى على كمال قدرته كما قيل إنهم ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، أو منقادين لبعثه انقياد الحامدين عليه. وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا وتستقصرون مدة لبثكم في القبور كالذي مَرَّ على قَرْيَةٍ، أو مدة حياتكم لما ترون من الهول.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤)
وَقُلْ لِعِبادِي يعني المؤمنين. يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الكلمة التي هي أحسن ولا يخاشنوا المشركين. إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ يهيج بينهم المراء والشر فلعل المخاشنة بهم تفضي إلى العناد وازدياد الفساد. إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً ظاهر العداوة.
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ تفسير ل الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وما بينهما اعتراض أي قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تصرحوا بأنهم من أهل النار، فإنه يهيجهم على الشر مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا الله. وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا موكولاً إليك أمرهم تقسرهم على الإِيمان وإنما أرسلناك مبشراً ونذيراً فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم.
وروي أن المشركين أفرطوا في إيذائهم فشكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت.
وقيل شتم عمر رضي الله تعالى عنه رجل منهم فهم به فأمره الله بالعفو.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٥]
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وبأحوالهم فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء، وهو رد لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبياً، وأن يكون العراة الجوع أصحابه. وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ بالفضائل النفسانية والتبري عن العلائق الجسمانية، لا بكثرة الأموال والأتباع حتى داود عليه السلام فإن شرفه بما أوحى إليه من الكتاب لا بما أوتيه من الملك. قيل هو إشارة إلى تفضيل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقوله: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً تنبيه على وجه تفضيله وهو أنه خاتم الأنبياء وأمته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزبور من أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، وتنكيره ها هنا وتعريفه في قوله: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ لأنه في الأصل فعول للمفعول كالحلوب، أو المصدر كالقبول ويؤيده قراءة حمزة بالضم وهو
أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ أي مما يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها، فإن قدرته تعالى لا تقصر عن إحيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض، فكيف إذا كنتم عظاماً مرفوتة وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل والشيء أقبل لما عهد فيه مما لم يعهد. فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَكُنتم تراباً وما هو أبعد منه من الحياة. فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ فسيحركونها نحوك تعجباً واستهزاء. وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً فإن كل ما هو آت قريب، وانتصابه على الخبر أو الظرف أي يكون في زمان قريب، وأَنْ يَكُونَ اسم عَسى أو خبره والاسم مضمر.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٢]
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ أي يوم يبعثكم فتنبعثون، استعار لهما الدعاء والاستجابة للتنبيه على سرعتهما وتيسر أمرهما، وأن المقصود منهما الإحضار للمحاسبة والجزاء. بِحَمْدِهِ حال منهم أي حامدين الله تعالى على كمال قدرته كما قيل إنهم ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، أو منقادين لبعثه انقياد الحامدين عليه. وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا وتستقصرون مدة لبثكم في القبور كالذي مَرَّ على قَرْيَةٍ، أو مدة حياتكم لما ترون من الهول.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤)
وَقُلْ لِعِبادِي يعني المؤمنين. يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الكلمة التي هي أحسن ولا يخاشنوا المشركين. إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ يهيج بينهم المراء والشر فلعل المخاشنة بهم تفضي إلى العناد وازدياد الفساد. إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً ظاهر العداوة.
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ تفسير ل الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وما بينهما اعتراض أي قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تصرحوا بأنهم من أهل النار، فإنه يهيجهم على الشر مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا الله. وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا موكولاً إليك أمرهم تقسرهم على الإِيمان وإنما أرسلناك مبشراً ونذيراً فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم.
وروي أن المشركين أفرطوا في إيذائهم فشكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت.
وقيل شتم عمر رضي الله تعالى عنه رجل منهم فهم به فأمره الله بالعفو.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٥]
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وبأحوالهم فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء، وهو رد لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبياً، وأن يكون العراة الجوع أصحابه. وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ بالفضائل النفسانية والتبري عن العلائق الجسمانية، لا بكثرة الأموال والأتباع حتى داود عليه السلام فإن شرفه بما أوحى إليه من الكتاب لا بما أوتيه من الملك. قيل هو إشارة إلى تفضيل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقوله: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً تنبيه على وجه تفضيله وهو أنه خاتم الأنبياء وأمته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزبور من أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، وتنكيره ها هنا وتعريفه في قوله: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ لأنه في الأصل فعول للمفعول كالحلوب، أو المصدر كالقبول ويؤيده قراءة حمزة بالضم وهو
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ
ﰷ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ
ﰸ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ
ﰹ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﰺ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ
ﰻ
كالعباس أو الفضل، أو لأن المراد وآتينا داود بعض الزبر، أو بعضاً من الزبور فيه ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنها آلهة. مِنْ دُونِهِ كالملائكة والمسيح وعزير. فَلا يَمْلِكُونَ فلا يستطيعون. كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ كالمرض والفقر والقحط. وَلا تَحْوِيلًا ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم.
أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ هؤلاء الآلهة يبتغون إلى الله القرابة بالطاعة. أَيُّهُمْ أَقْرَبُ بدل من واو يَبْتَغُونَ أي يبتغي من هو أقرب منهم إلى الله الوسيلة فكيف بغير الأقرب. وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ كسائر العباد فكيف تزعمون أنهم آلهة. إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً حقيقاً بأن يحذره كل أحد حتى الرسل والملائكة.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩)
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ بالموت والاستئصال. أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً بالقتل وأنواع البلية. كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ في اللوح المحفوظ. مَسْطُوراً مكتوباً.
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ وما صرفنا عن إرسال الآيات التي اقترحها قريش. إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ إلا تكذيب الأولين الذين هم أمثالهم في الطبع كعاد وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك، واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنتنا وقد قضينا أن لا نستأصلهم، لأن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن. ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة فقال:
وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ بسؤالهم. مُبْصِرَةً بينة ذات أبصار أو بصائر، أو جاعلتهم ذوي بصائر وقرئ بالفتح. فَظَلَمُوا بِها فكفروا بها، أو فظلموا أنفسهم بسبب عقرها. وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ أي بالآيات المقترحة. إِلَّا تَخْوِيفاً من نزول العذاب المستأصل، فإن لم يخافوا نزل أو بغير المقترحة كالمعجزات وآيات القرآن إلا تخويفاً بعذاب الآخرة، فإن أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة، والباء مزيدة أو في موقع الحال والمفعول محذوف.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٠]
وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠)
وَإِذْ قُلْنا لَكَ واذكر إذ أوحينا إليك. إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ فهم في قبضة قدرته، أو أحاط بقريش بمعنى أهلكهم من أحاط بهم العدو، فهي بشارة بوقعة بدر والتعبير بلفظ الماضي لتحقق وقوعه، وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ليلة المعراج وتعلق به من قال أنه كان في المنام، ومن قال إنه كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية. أو عام الحديبية حين رأى أنه دخل مكة. وفيه أن الآية مكية إلا أن يقال رآها بمكة وحكاها حينئذ،
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنها آلهة. مِنْ دُونِهِ كالملائكة والمسيح وعزير. فَلا يَمْلِكُونَ فلا يستطيعون. كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ كالمرض والفقر والقحط. وَلا تَحْوِيلًا ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم.
أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ هؤلاء الآلهة يبتغون إلى الله القرابة بالطاعة. أَيُّهُمْ أَقْرَبُ بدل من واو يَبْتَغُونَ أي يبتغي من هو أقرب منهم إلى الله الوسيلة فكيف بغير الأقرب. وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ كسائر العباد فكيف تزعمون أنهم آلهة. إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً حقيقاً بأن يحذره كل أحد حتى الرسل والملائكة.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩)
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ بالموت والاستئصال. أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً بالقتل وأنواع البلية. كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ في اللوح المحفوظ. مَسْطُوراً مكتوباً.
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ وما صرفنا عن إرسال الآيات التي اقترحها قريش. إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ إلا تكذيب الأولين الذين هم أمثالهم في الطبع كعاد وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك، واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنتنا وقد قضينا أن لا نستأصلهم، لأن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن. ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة فقال:
وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ بسؤالهم. مُبْصِرَةً بينة ذات أبصار أو بصائر، أو جاعلتهم ذوي بصائر وقرئ بالفتح. فَظَلَمُوا بِها فكفروا بها، أو فظلموا أنفسهم بسبب عقرها. وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ أي بالآيات المقترحة. إِلَّا تَخْوِيفاً من نزول العذاب المستأصل، فإن لم يخافوا نزل أو بغير المقترحة كالمعجزات وآيات القرآن إلا تخويفاً بعذاب الآخرة، فإن أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة، والباء مزيدة أو في موقع الحال والمفعول محذوف.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٠]
وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠)
وَإِذْ قُلْنا لَكَ واذكر إذ أوحينا إليك. إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ فهم في قبضة قدرته، أو أحاط بقريش بمعنى أهلكهم من أحاط بهم العدو، فهي بشارة بوقعة بدر والتعبير بلفظ الماضي لتحقق وقوعه، وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ليلة المعراج وتعلق به من قال أنه كان في المنام، ومن قال إنه كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية. أو عام الحديبية حين رأى أنه دخل مكة. وفيه أن الآية مكية إلا أن يقال رآها بمكة وحكاها حينئذ،
ولعله رؤيا رآها في وقعة بدر لقوله تعالى: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا ولما
روي (أنه لما ورد ماءه قال لكأني أنظر إلى مصارع القوم هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان، فتسامعت به قريش واستسخروا منه).
وقيل رأى قوماً من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال: «هذا حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم»، وعلى هذا كان المراد بقوله: إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ما حدث في أيامهم. وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ عطف على الرُّؤْيَا وهي شجرة الزقوم، لما سمع المشركون ذكرها قالوا إن محمداً يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر، ولم يعلموا أن من قدر أن يحمي وبر السَمَنْدَل من أن تأكله النار، وأحشاء النعامة من أذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر التي تبتلعها، قدر أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها. ولعنها في القرآن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة، أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه أبعد مكان من الرحمة، أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضاراً، وقد أولت بالشيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاصي، وقرأت بالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي والشجرة الملعونة في القرآن كذلك. وَنُخَوِّفُهُمْ بأنواع التخويف. فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً إلا عتواً متجاوز الحد.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦١ الى ٦٢]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢)
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً لمن خلقته من طين، فنصب بنزع الخافض، ويجوز أن يكون حالاً من الراجع إلى الموصول أي خلقته وهو طين، أو منه أي أأسجد له وأصله طين. وفيه على الوجوه الثلاثة إيماء بعلة الإنكار.
قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الإِعراب، وهذا مفعول أول والذي صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه، والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي بأمري بالسجود له لم كرمته علي. لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا أي لأستأصلنهم بالاغواء إلا قليلاً لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم، من أحتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلاً، مأخوذ من الحنك وإنما علم أن ذلك يتسهل له إما استنباطاً من قول الملائكة أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها مع التقرير، أو تفرساً من خلقه ذا وهم وشهوة وغضب.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤)
قالَ اذْهَبْ امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه. فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب، ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات. جَزاءً مَوْفُوراً مكملاً من قولهم فر لصاحبك عرضه، وانتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله أو بما في جَزاؤُكُمْ من معنى تجازون، أو حال موطئة لقوله مَوْفُوراً.
وَاسْتَفْزِزْ واستخفف. مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ أن تستفزه والفز الخفيف. بِصَوْتِكَ بدعائك إلى الفساد. وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ وصح عليهم من الجلبة وهي الصياح. بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ بأعوانك من راكب وراجل، والخيل الخيالة ومنه
قوله عليه الصلاة والسلام «يا خيل الله اركبي»
والرجل اسم جمع للراجل
روي (أنه لما ورد ماءه قال لكأني أنظر إلى مصارع القوم هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان، فتسامعت به قريش واستسخروا منه).
وقيل رأى قوماً من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال: «هذا حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم»، وعلى هذا كان المراد بقوله: إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ما حدث في أيامهم. وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ عطف على الرُّؤْيَا وهي شجرة الزقوم، لما سمع المشركون ذكرها قالوا إن محمداً يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر، ولم يعلموا أن من قدر أن يحمي وبر السَمَنْدَل من أن تأكله النار، وأحشاء النعامة من أذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر التي تبتلعها، قدر أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها. ولعنها في القرآن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة، أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه أبعد مكان من الرحمة، أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضاراً، وقد أولت بالشيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاصي، وقرأت بالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي والشجرة الملعونة في القرآن كذلك. وَنُخَوِّفُهُمْ بأنواع التخويف. فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً إلا عتواً متجاوز الحد.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦١ الى ٦٢]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢)
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً لمن خلقته من طين، فنصب بنزع الخافض، ويجوز أن يكون حالاً من الراجع إلى الموصول أي خلقته وهو طين، أو منه أي أأسجد له وأصله طين. وفيه على الوجوه الثلاثة إيماء بعلة الإنكار.
قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الإِعراب، وهذا مفعول أول والذي صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه، والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي بأمري بالسجود له لم كرمته علي. لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا أي لأستأصلنهم بالاغواء إلا قليلاً لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم، من أحتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلاً، مأخوذ من الحنك وإنما علم أن ذلك يتسهل له إما استنباطاً من قول الملائكة أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها مع التقرير، أو تفرساً من خلقه ذا وهم وشهوة وغضب.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤)
قالَ اذْهَبْ امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه. فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب، ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات. جَزاءً مَوْفُوراً مكملاً من قولهم فر لصاحبك عرضه، وانتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله أو بما في جَزاؤُكُمْ من معنى تجازون، أو حال موطئة لقوله مَوْفُوراً.
وَاسْتَفْزِزْ واستخفف. مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ أن تستفزه والفز الخفيف. بِصَوْتِكَ بدعائك إلى الفساد. وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ وصح عليهم من الجلبة وهي الصياح. بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ بأعوانك من راكب وراجل، والخيل الخيالة ومنه
قوله عليه الصلاة والسلام «يا خيل الله اركبي»
والرجل اسم جمع للراجل
ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ
ﱀ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﱁ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ
ﱂ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﱃ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ
ﱄ
كالصحب والركب، ويجوز أن يكون تمثيلاً لتسلطه على من يغويه بمغوار صوت على قوم فاستفزهم من أماكنهم وأجلب عليهم بجنده حتى استأصلهم. وقرأ حفص وَرَجِلِكَ بالكسر وغيره بالضم وهما لغتان كندس وندس ومعناه: وجمعك الرجل. وقرئ «ورجالك» «ورجالك». وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام والتصرف فيها على ما لا ينبغي. وَالْأَوْلادِ بالحث على التوصل إلى الولد بالسبب المحرم، والإِشراك فيه بتسميته عبد العزيز، والتضليل بالحمل على الأديان الزائغة والحرف الذميمة والأفعال القبيحة. وَعِدْهُمْ المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة والاتكال على كرامة الآباء وتأخير التوبة لطول الأمل. وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً اعتراض لبيان مواعيده الباطلة، والغرور تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٥]
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥)
إِنَّ عِبادِي يعني المخلصين، وتعظيم الإِضافة والتقييد في قوله: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ يخصصهم لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أي على إغوائهم قدرة. وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا يتوكلون عليه في الاستعاذة منك على الحقيقة.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦٦ الى ٦٧]
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧)
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي هو الذي يجري. لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ الريح وأنواع الأمتعة التي لا تكون عندكم. إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه وسهل عليكم ما تعسر من أسبابه.
وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ خوف الغرق. ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ ذهب عن خواطركم كل من تدعونه في حوادثكم. إِلَّا إِيَّاهُ وحده فإنكم حينئذ لا يخطر ببالكم سواه فلا تدعون لكشفه إلا إياه، أو ضل كل من تعبدونه عن إغاثتكم إلا الله. فَلَمَّا نَجَّاكُمْ من الغرق. إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عن التوحيد. وقيل اتسعتم في كفران النعمة كقول ذي الرمة:
وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً كالتعليل للإعراض.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٨]
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨)
أَفَأَمِنْتُمْ الهمزة فيه للإِنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره: أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإِعراض، فإن من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق قادر أن يهلككم في البر بالخسف وغيره. أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أن يقلبه الله وأنتم عليه، أو يقلبه بسببكم فبكم حال أو صلة ليخسف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون فيه وفي الأربعة التي بعده، وفي ذكر الجانب تنبيه على أنهم لما وصلوا الساحل كفروا وأعرضوا وأن الجوانب والجهات في قدرته سواء لا معقل يؤمن فيه من أسباب الهلاك. أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ريحاً تحصب أي ترمي بالحصباء ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا يحفظكم من ذلك فإنه لا راد لفعله.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٩]
أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩)
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٥]
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥)
إِنَّ عِبادِي يعني المخلصين، وتعظيم الإِضافة والتقييد في قوله: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ يخصصهم لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أي على إغوائهم قدرة. وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا يتوكلون عليه في الاستعاذة منك على الحقيقة.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦٦ الى ٦٧]
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧)
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي هو الذي يجري. لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ الريح وأنواع الأمتعة التي لا تكون عندكم. إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه وسهل عليكم ما تعسر من أسبابه.
وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ خوف الغرق. ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ ذهب عن خواطركم كل من تدعونه في حوادثكم. إِلَّا إِيَّاهُ وحده فإنكم حينئذ لا يخطر ببالكم سواه فلا تدعون لكشفه إلا إياه، أو ضل كل من تعبدونه عن إغاثتكم إلا الله. فَلَمَّا نَجَّاكُمْ من الغرق. إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عن التوحيد. وقيل اتسعتم في كفران النعمة كقول ذي الرمة:
عَطَاء فَتَى تَمَكَّنَ فِي المَعَالي | فَأَعْرَضَ فِي المَكَارِمِ وَاسْتَطَالاَ |
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٨]
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨)
أَفَأَمِنْتُمْ الهمزة فيه للإِنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره: أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإِعراض، فإن من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق قادر أن يهلككم في البر بالخسف وغيره. أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أن يقلبه الله وأنتم عليه، أو يقلبه بسببكم فبكم حال أو صلة ليخسف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون فيه وفي الأربعة التي بعده، وفي ذكر الجانب تنبيه على أنهم لما وصلوا الساحل كفروا وأعرضوا وأن الجوانب والجهات في قدرته سواء لا معقل يؤمن فيه من أسباب الهلاك. أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ريحاً تحصب أي ترمي بالحصباء ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا يحفظكم من ذلك فإنه لا راد لفعله.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٩]
أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩)
أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ في البحر. تارَةً أُخْرى بخلق دواع تلجئكم إلى أن ترجعوا فتركبوه.
فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ لا تمر بشيء إلا قصفته أي كسرته. فَيُغْرِقَكُمْ وعن يعقوب بالتاء على إسناده إلى ضمير الرِّيحِ. بِما كَفَرْتُمْ بسبب إشراككم أو كفرانكم نعمة الإِنجاء. ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً مطالباً يتبعنا بانتصار أو صرف.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧٠]
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠)
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ بحسن الصورة والمزاج الأعدل واعتدال القامة والتمييز بالعقل والإِفهام بالنطق والإِشارة والخط والتهدي، أو أسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض والتمكن من الصناعات وانسياق الأسباب والمسببات العلوية والسفلية إلى ما يعود عليهم بالمنافع إلى غير ذلك مما يقف الحصر دون إحصائه ومن ذلك ما ذكره ابن عباس وهو أن كل حيوان يتناول طعامه بفيه إلا الإنسان فإنه يرفعه إليه بيده وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ على الدواب والسفن من حملته حملا إذا جعلت له ما يركبه أو حملناهم فيهما حتى لم تخسف بهم الأرض ولم يغرقهم الماء وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ المستلذات مما يحصل بفعلهم وبغير فعلهم. وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا بالغلبة والاستيلاء أو بالشرف والكرامة، والمستثنى جنس الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو الخواص منهم، ولا يلزم من عدم تفضيل الجنس عدم تفضيل بعض أفراده والمسألة موضع نظر، وقد أول الكثير بالكل وفيه تعسف.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧١]
يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١)
يَوْمَ نَدْعُوا نصب بإضمار اذكر أو ظرف لما دل عليه وَلا يُظْلَمُونَ، وقرئ «يدعو» و «يدعي» و «يدعو» على قلب الألف واواً في لغة من يقول أفعو في أفعى، أو على أن الواو علامة الجمع كما في قوله:
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أو ضميره وكل بدل منه والنون محذوفة لقلة المبالاة بها فإنها ليست إلا علامة الرفع، وهو قد يقدر كما في «يدعي». كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين. وقيل بكتاب أعمالهم التي قدموها فيقال يا صاحب كتاب كذا، أي تنقطع علقة الأنساب وتبقى نسبة الأعمال. وقيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وأفعالهم. وقيل بأمهاتهم جمع أم كخف وخفاف، والحكمة في ذلك، إجلال عيسى عليه السلام وإظهار شرف الحسن والحسين رضي الله عنهما، وأن لا يفتضح أولاد الزنا. فَمَنْ أُوتِيَ من المدعوين. كِتابَهُ بِيَمِينِهِ أي كتاب عمله. فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ ابتهاجاً وتبجحاً بما يرون فيه. وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ولا ينقصون من أجورهم أدنى شيء، وجمع اسم الإشارة والضمير لأن من أوتي في معنى الجمع، وتعليق القراءة بإيتاء الكتاب باليمين يدل على أن مَنْ أُوتِىَ كتابه بِشِمَالِهِ إذا اطلع على ما فيه غشيهم من الخجل والحيرة ما يحبس ألسنتهم عن القراءة، ولذلك لم يذكرهم مع أن قوله:
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧٢]
وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢)
وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى أيضاً مشعر بذلك فإن الأعمى لا يقرأ الكتاب، والمعنى ومن كان في هذه الدنيا أعمى القلب لا يبصر رشده كان في الآخرة أعمى لا يرى طريق النجاة. وَأَضَلُّ سَبِيلًا منه في الدنيا لزوال الاستعداد وفقدان الآلة والمهلة. وقيل لأن الاهتداء بعد لا ينفعه والأعمى مستعار
فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ لا تمر بشيء إلا قصفته أي كسرته. فَيُغْرِقَكُمْ وعن يعقوب بالتاء على إسناده إلى ضمير الرِّيحِ. بِما كَفَرْتُمْ بسبب إشراككم أو كفرانكم نعمة الإِنجاء. ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً مطالباً يتبعنا بانتصار أو صرف.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧٠]
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠)
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ بحسن الصورة والمزاج الأعدل واعتدال القامة والتمييز بالعقل والإِفهام بالنطق والإِشارة والخط والتهدي، أو أسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض والتمكن من الصناعات وانسياق الأسباب والمسببات العلوية والسفلية إلى ما يعود عليهم بالمنافع إلى غير ذلك مما يقف الحصر دون إحصائه ومن ذلك ما ذكره ابن عباس وهو أن كل حيوان يتناول طعامه بفيه إلا الإنسان فإنه يرفعه إليه بيده وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ على الدواب والسفن من حملته حملا إذا جعلت له ما يركبه أو حملناهم فيهما حتى لم تخسف بهم الأرض ولم يغرقهم الماء وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ المستلذات مما يحصل بفعلهم وبغير فعلهم. وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا بالغلبة والاستيلاء أو بالشرف والكرامة، والمستثنى جنس الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو الخواص منهم، ولا يلزم من عدم تفضيل الجنس عدم تفضيل بعض أفراده والمسألة موضع نظر، وقد أول الكثير بالكل وفيه تعسف.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧١]
يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١)
يَوْمَ نَدْعُوا نصب بإضمار اذكر أو ظرف لما دل عليه وَلا يُظْلَمُونَ، وقرئ «يدعو» و «يدعي» و «يدعو» على قلب الألف واواً في لغة من يقول أفعو في أفعى، أو على أن الواو علامة الجمع كما في قوله:
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أو ضميره وكل بدل منه والنون محذوفة لقلة المبالاة بها فإنها ليست إلا علامة الرفع، وهو قد يقدر كما في «يدعي». كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين. وقيل بكتاب أعمالهم التي قدموها فيقال يا صاحب كتاب كذا، أي تنقطع علقة الأنساب وتبقى نسبة الأعمال. وقيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وأفعالهم. وقيل بأمهاتهم جمع أم كخف وخفاف، والحكمة في ذلك، إجلال عيسى عليه السلام وإظهار شرف الحسن والحسين رضي الله عنهما، وأن لا يفتضح أولاد الزنا. فَمَنْ أُوتِيَ من المدعوين. كِتابَهُ بِيَمِينِهِ أي كتاب عمله. فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ ابتهاجاً وتبجحاً بما يرون فيه. وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ولا ينقصون من أجورهم أدنى شيء، وجمع اسم الإشارة والضمير لأن من أوتي في معنى الجمع، وتعليق القراءة بإيتاء الكتاب باليمين يدل على أن مَنْ أُوتِىَ كتابه بِشِمَالِهِ إذا اطلع على ما فيه غشيهم من الخجل والحيرة ما يحبس ألسنتهم عن القراءة، ولذلك لم يذكرهم مع أن قوله:
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧٢]
وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢)
وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى أيضاً مشعر بذلك فإن الأعمى لا يقرأ الكتاب، والمعنى ومن كان في هذه الدنيا أعمى القلب لا يبصر رشده كان في الآخرة أعمى لا يرى طريق النجاة. وَأَضَلُّ سَبِيلًا منه في الدنيا لزوال الاستعداد وفقدان الآلة والمهلة. وقيل لأن الاهتداء بعد لا ينفعه والأعمى مستعار
من فاقد الحاسة. وقيل الثاني للتفضيل من عمي بقلبه كالأجهل والأبله ولذلك لم يمله أبو عمرو ويعقوب، فإن أفعل التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم المتوسطة كما في أعمالكم بخلاف النعت، فإن ألفه واقعة في الطرف لفظاً وحكماً فكانت معرضة للامالة من حيث إنها تصير ياء في التثنية، وقد أمالهما حمزة والكسائي وأبو بكر، وقرأ ورش بين بين فيهما.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧٣]
وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣)
وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ نزلت في ثقيف قالوا لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالاً نفتخر بها على العرب لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى في صلاتنا، وكل رباً لنا فهو لنا وكل رباً علينا فهو موضوع عنا، وأن تمتعنا باللات سنة وأن تحرم وادينا كما حرمت مكة، فإن قالت العرب لم فعلت ذلك فقل إن الله أمرني.
وقيل في قريش قالوا لا نمكنك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا وتمسها بيدك. وإن هي المخففة واللام هي الفارقة والمعنى: أن الشأن قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالاستنزال. عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ من الأحكام لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ غير ما أوحينا إليك. وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك بافتتانك ولياً لهم بريئاً من ولايتي.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥)
وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ ولولا تثبيتنا إياك. لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم، والمعنى أنك كنت على صدد الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون فضلاً أن تركن إليهم، وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ما هَمَّ بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها، ودليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه.
إِذاً لَأَذَقْناكَ أي لو قاربت لأذقناك. ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ضعف ما نعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك لأن خطأ الخطير أخطر، وكان أصل الكلام عذاباً ضعفاً في الحياة وعذاباً ضعفاً في الممات بمعنى مضاعفاً، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، ثم أضيفت كما يضاف موصوفها. وقيل الضعف من أسماء العذاب. وقيل المراد ب ضِعْفَ الْحَياةِ عذاب الآخرة وَضِعْفَ الْمَماتِ عذاب القبر. ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً يدفع العذاب عنك.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]
وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧)
وَإِنْ كادُوا وإن كاد أهل مكة. لَيَسْتَفِزُّونَكَ ليزعجوك بمعاداتهم. مِنَ الْأَرْضِ أرض مكة.
لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ ولو خرجت لا يبقون بعد خروجك. إِلَّا قَلِيلًا إلا زماناً قليلاً، وقد كان كذلك فإنهم أهلكوا ببدر بعد هجرته بسنة. وقيل الآية: نزلت في اليهود حسدوا مقام النبي بالمدينة فقالوا: الشام مقام الأنبياء فإن كنت نبياً فالحق بها حتى نؤمن بك، فوقع ذلك في قلبه فخرج مرحلة فنزلت، فرجع ثم قتل منهم بنو قريظة وأجلي بنو النضير بقليل. وقرئ «لا يلبثوا» منصوباً ب إِذاً على أنه معطوف على جملة قوله: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ لا على خبر كاد فإن إذا لا تعمل إذا كان معتمد ما بعدها على ما قبلها وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وحفص خِلافَكَ وهو لغة فيه قَالَ الشاعر:
قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ يا فرعون وقرأ الكسائي بالضم على إخباره عن نفسه. مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ يعني الآيات. إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ بينات تبصرك صدقي ولكنك تعاند وانتصابه على الحال. وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً مصروفاً عن الخير مطبوعاً على الشر من قولهم: ما ثبرك عن هذا، أي ما صرفك أو هالكاً قارع ظنه بظنه وشتان ما بين الظنين فإن ظن فرعون كذب بحت وظن موسى يحوم حول اليقين من تظاهر أماراته. وقرئ «وإن أخالك يا فرعون لمثبوراً» على إن المخففة واللام هي الفارقة.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٤]
فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤)
فَأَرادَ فرعون. أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ أن يستخف موسى وقومه وينفيهم. مِنَ الْأَرْضِ أرض مصر أو الأرض مطلقاً بالقتل والاستئصال. فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً فعكسنا عليه مكره فاستفززناه وقومه بالإِغراق.
وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ من بعد فرعون أو إغراقه. لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ التي أراد أن يستفزكم منها. فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ الكرة أو الحياة أو الساعة أو الدار الآخرة يعني قيام القيامة. جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً مختلطين إياكم وإياهم ثم نحكم بينكم ونميز سعداءكم من أشقيائكم، واللفيف الجماعات من قبائل شتى.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦)
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ أي وما أنزلنا القرآن إلا ملتبساً بالحق المقتضي لإنزاله، وما نزل على الرسول إلا ملتبساً بالحق الذي اشتمل عليه. وقيل وما أنزلناه من السماء إلا محفوظاً بالرصد من الملائكة، وما نزل على الرسول إلا محفوظاً بهم من تخليط الشياطين. ولعله أراد به نفي اعتراء البطلان له أول الأمر وآخره وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً للمطيع بالثواب. وَنَذِيراً للعاصي بالعقاب فلا عليك إلا التبشير والإنذار.
وَقُرْآناً فَرَقْناهُ نزلناه مفرقاً منجماً. وقيل فرقنا فيه الحق من الباطل فحذف الجار كما في قوله: ويوماً شهدناه، وقرئ بالتشديد لكثرة نجومه فإنه نزل في تضاعيف عشرين سنة. لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ على مهل وتؤدة فإنه أيسر للحفظ وأعون في الفهم وقرئ بالفتح وهو لغة فيه. وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا على حسب الحوادث.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٠٧]
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧)
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا فإن إيمانكم بالقرآن لا يزيده كمالاً وامتناعكم عنه لا يورثه نقصاً وقوله:
إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ تعليل له أي إن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم وهم العلماء الذين قرءوا الكتب السابقة وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوة، وتمكنوا من الميز بين المحق والمبطل، أو رأوا نعتك وصفة ما أنزل إليك في تلك الكتب، ويجوز أن يكون تعليلاً ل قُلْ على سبيل التسلية كأنه قيل.
تسل بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة ولا تكترث بإيمانهم وإعراضهم. إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ القرآن. يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً يسقطون على وجوههم تعظيماً لأمر الله أو شكراً لإِنجاز وعده في تلك الكتب ببعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل وإنزال القرآن عليه.
وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا عن خلف الموعد. إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا إنه كان وعده كائناً لا محالة.
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ كرره لاختلاف الحال والسبب فإن الأول للشكر عند إنجاز الوعد والثاني لما أثر فيهم من مواعظ القرآن حال كونهم باكين من خشية الله، وذكر الذقن لأنه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد، واللام فيه لاختصاص الخرور به. وَيَزِيدُهُمْ سماع القرآن خُشُوعاً كما يزيدهم علما ويقينا بالله.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١١٠]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ
نزلت حين سمع المشركون رسول الله يقول: يا الله يا رحمن فقالوا إنه ينهانا أن نعبد إليهن وهو يدعو إلهاً آخر.
أو قالت اليهود: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة، والمراد على الأول هو التسوية بين اللفظين بأنهما يطلقان على ذات واحدة وإن اختلف اعتبار إطلاقهما، والتوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود المطلق وعلى الثاني أنهما سيان في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود وهو أجود لقوله: أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى والدعاء في الآية بمعنى التسمية وهو يتعدى إلى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه وأو للتخيير والتنوين في أَيًّا عوض عن المضاف إليه، وما صلة لتأكيد ما في أَيًّا من الإِبهام، والضمير في فَلَهُ للمسمى لأن التسمية له لا للاسم، وكان أصل الكلام أَيًّا مَّا تَدْعُوا فهو حسن، فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والإكرام. وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ بقراءة صلاتك حتى تسمع المشركين، فإن ذلك يحملهم على السب واللغو فيها. وَلا تُخافِتْ بِها حتى لا تسمع من خلفك من المؤمنين. وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ بين الجهر والمخافتة. سَبِيلًا وسطاً فإن الاقتصاد في جميع الأمور محبوب.
روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت ويقول: أناجي ربي وقد علم حاجتي، وعمر رضي الله عنه كان يجهر ويقول أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، فلما نزلت أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر أن يرفع قليلاً وعمر أن يخفض قليلاً.
وقيل معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها بأسرها وابتغ بين ذلك سبيلاً بالإِخفات نهارا والجهر ليلا.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١١١]
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ في الألوهية. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ولي يواليه من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته نفي عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختياراً واضطراراً، وما يعاونه ويقويه، ورتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالإِيجاد، المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك نعمة، أو منعم عليه ولذلك عطف عليه قوله: وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً وفيه تنبيه على أن العبد وإن بالغ في التنزيه والتمجيد واجتهد في العبادة والتحميد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه في ذلك.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧٣]
وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣)
وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ نزلت في ثقيف قالوا لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالاً نفتخر بها على العرب لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى في صلاتنا، وكل رباً لنا فهو لنا وكل رباً علينا فهو موضوع عنا، وأن تمتعنا باللات سنة وأن تحرم وادينا كما حرمت مكة، فإن قالت العرب لم فعلت ذلك فقل إن الله أمرني.
وقيل في قريش قالوا لا نمكنك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا وتمسها بيدك. وإن هي المخففة واللام هي الفارقة والمعنى: أن الشأن قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالاستنزال. عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ من الأحكام لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ غير ما أوحينا إليك. وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك بافتتانك ولياً لهم بريئاً من ولايتي.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥)
وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ ولولا تثبيتنا إياك. لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم، والمعنى أنك كنت على صدد الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون فضلاً أن تركن إليهم، وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ما هَمَّ بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها، ودليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه.
إِذاً لَأَذَقْناكَ أي لو قاربت لأذقناك. ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ضعف ما نعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك لأن خطأ الخطير أخطر، وكان أصل الكلام عذاباً ضعفاً في الحياة وعذاباً ضعفاً في الممات بمعنى مضاعفاً، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، ثم أضيفت كما يضاف موصوفها. وقيل الضعف من أسماء العذاب. وقيل المراد ب ضِعْفَ الْحَياةِ عذاب الآخرة وَضِعْفَ الْمَماتِ عذاب القبر. ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً يدفع العذاب عنك.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]
وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧)
وَإِنْ كادُوا وإن كاد أهل مكة. لَيَسْتَفِزُّونَكَ ليزعجوك بمعاداتهم. مِنَ الْأَرْضِ أرض مكة.
لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ ولو خرجت لا يبقون بعد خروجك. إِلَّا قَلِيلًا إلا زماناً قليلاً، وقد كان كذلك فإنهم أهلكوا ببدر بعد هجرته بسنة. وقيل الآية: نزلت في اليهود حسدوا مقام النبي بالمدينة فقالوا: الشام مقام الأنبياء فإن كنت نبياً فالحق بها حتى نؤمن بك، فوقع ذلك في قلبه فخرج مرحلة فنزلت، فرجع ثم قتل منهم بنو قريظة وأجلي بنو النضير بقليل. وقرئ «لا يلبثوا» منصوباً ب إِذاً على أنه معطوف على جملة قوله: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ لا على خبر كاد فإن إذا لا تعمل إذا كان معتمد ما بعدها على ما قبلها وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وحفص خِلافَكَ وهو لغة فيه قَالَ الشاعر:
عفت الدَّيَار خِلافَهُمْ فَكَأَنَّمَا | بسط الشَّوَاطِبَ بَيْنَهُنَّ حَصِيراً |
وإن أتاه خليل يوم مَسْأَلَة | يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالي وَلاَ حَرَمُ |
وَلَقَدْ صَرَّفْنا كررنا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير والبيان. لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ من كل معنى هو كالمثل في غرابته ووقوعه موقعها في الأنفس. فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً إلا جحوداً، وإنما جاز ذلك ولم يجز: ضربت إلا زيداً لأنه متأول بالنفي.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٠ الى ٩١]
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١)
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً تعنتاً واقتراحاً بعد ما لزمتهم الحجة ببيان إعجاز القرآن وانضمام غيره من المعجزات إليه. وقرأ الكوفيون ويعقوب تَفْجُرَ بالتخفيف والأرض أرض مكة والينبوع عين لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر.
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أو يكون لك بستان يشتمل على ذلك.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٢ الى ٩٣]
أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣)
أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً يعنون قوله تعالى: أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ وهو كقطع لفظاً ومعنى، وقد سكنه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب في جميع القرآن إلا في «الروم»
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ
ﱝ
ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﱞ
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ
ﱟ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﱠ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﱡ
وابن عامر إلا في هذه السورة، وأبو بكر ونافع في غيرهما وحفص فيما عدا «الطور»، وهو إما مخفف من المفتوح كسدرة وسدر أو فعل بمعنى مفعول كالطحن. أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا كفيلاً بما تدعيه أي شاهداً على صحته ضامناً لدركه، أو مقابلاً كالعشير بمعنى المعاشر وهو حال من الله وحال الملائكة محذوفة لدلالتها عليها كما حذف الخبر في قوله: فإنِّي وَقَيَّارٌ بها لَغَرِيبُ. أو جماعة فيكون حالا من الْمَلائِكَةِ.
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ من ذهب وقد قرئ به وأصله الزينة. أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ في معارجها. وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ وحده. حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ وكان فيه تصديقك. قُلْ سُبْحانَ رَبِّي تعجبا من اقتراحاتهم أو تنزيها لله من أن يأتي أو يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة، وقرأ ابن كثير وابن عامر: «قال سبحان ربي» أي قال الرسول: هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً كسائر الناس. رَسُولًا كسائر الرسل وكانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم على ما يلائم حال قومهم، ولم يكن أمر الآيات إليهم ولا لهم أن يتحكموا على الله حتى تتخيروها علي هذا هو الجواب المجمل وأما التفصيل فقد ذكر في آيات أخر كقوله: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ، وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٤ الى ٩٥]
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥)
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى أي وما منعهم الإيمان بعد نزول الوحي وظهور الحق.
إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا إلا قولهم هذا، والمعنى أنه لم يبق لهم شبهة تمنعهم عن الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن إلا أنكارهم أن يرسل الله بشراً.
قُلْ جواباً لشبهتهم. لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ كما يمشي بنو آدم. مُطْمَئِنِّينَ ساكنين فيها. لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا لتمكنهم من الاجتماع به والتلقي منه، وأما الإِنس فعامتهم عماة عن إدراك الملك والتلقف منه، فإن ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس، وملكاً يحتمل أن يكون حالاً من رسولاً وأن يكون موصوفاً به وكذلك بشراً والأول أوفق.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٩٦]
قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦)
قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على أنى رسول الله إليكم بإظهاره المعجزة على وفق دعواي، أو على أني بلغت مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إليكم وأنكم عاندتم وشهيداً نصب على الحال أو التمييز. إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يعلم أحوالهم الباطنة منها والظاهرة فيجازيهم عليها، وفيه تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم وتهديد للكفار.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٧ الى ٩٨]
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ يهدونه. وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ يسحبون عليها أو يمشون بها.
روي (أنه قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كيف يمشون على وجوههم قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وُجُوهِهِمْ)
عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا لا يبصرون ما يقر أعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم، لأنهم في دنياهم لم يستبصروا بالآيات والعبر وتصاموا عن استماع الحق وأبوا أن ينطقوا بالصدق، ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ من ذهب وقد قرئ به وأصله الزينة. أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ في معارجها. وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ وحده. حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ وكان فيه تصديقك. قُلْ سُبْحانَ رَبِّي تعجبا من اقتراحاتهم أو تنزيها لله من أن يأتي أو يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة، وقرأ ابن كثير وابن عامر: «قال سبحان ربي» أي قال الرسول: هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً كسائر الناس. رَسُولًا كسائر الرسل وكانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم على ما يلائم حال قومهم، ولم يكن أمر الآيات إليهم ولا لهم أن يتحكموا على الله حتى تتخيروها علي هذا هو الجواب المجمل وأما التفصيل فقد ذكر في آيات أخر كقوله: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ، وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٤ الى ٩٥]
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥)
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى أي وما منعهم الإيمان بعد نزول الوحي وظهور الحق.
إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا إلا قولهم هذا، والمعنى أنه لم يبق لهم شبهة تمنعهم عن الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن إلا أنكارهم أن يرسل الله بشراً.
قُلْ جواباً لشبهتهم. لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ كما يمشي بنو آدم. مُطْمَئِنِّينَ ساكنين فيها. لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا لتمكنهم من الاجتماع به والتلقي منه، وأما الإِنس فعامتهم عماة عن إدراك الملك والتلقف منه، فإن ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس، وملكاً يحتمل أن يكون حالاً من رسولاً وأن يكون موصوفاً به وكذلك بشراً والأول أوفق.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٩٦]
قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦)
قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على أنى رسول الله إليكم بإظهاره المعجزة على وفق دعواي، أو على أني بلغت مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إليكم وأنكم عاندتم وشهيداً نصب على الحال أو التمييز. إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يعلم أحوالهم الباطنة منها والظاهرة فيجازيهم عليها، وفيه تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم وتهديد للكفار.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٧ الى ٩٨]
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ يهدونه. وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ يسحبون عليها أو يمشون بها.
روي (أنه قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كيف يمشون على وجوههم قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وُجُوهِهِمْ)
عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا لا يبصرون ما يقر أعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم، لأنهم في دنياهم لم يستبصروا بالآيات والعبر وتصاموا عن استماع الحق وأبوا أن ينطقوا بالصدق، ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى
النار مؤفي القوى والحواس. مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ سكن لهبها بأن أكلت جلودهم ولحومهم. زِدْناهُمْ سَعِيراً توقداً بأن نبدل جلودهم ولحومهم فتعود ملتهبة مستعرة، كأنهم لما كذبوا بالإِعادة بعد الإِفناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الإِعادة والإِفناء وإليه أشار بقوله:
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً لأن الإِشارة إلى ما تقدم من عذابهم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٩ الى ١٠٠]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠)
أَوَلَمْ يَرَوْا أو لم يعلموا. أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ فإنهم ليسوا أشد خلقاً منهن ولا الإعادة أصعب عليه من الإبداء. وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لاَّ رَيْبَ فِيهِ هو الموت أو القيامة. فَأَبَى الظَّالِمُونَ مع وضوح الحق. إِلَّا كُفُوراً إلا جحوداً.
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي خزائن رزقه وسائر نعمه، وأنتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده كقول حاتم: لو ذات سوار لطمتني. وفائدة هذا الحذف والتفسير المبالغة مع الإِيجاز والدلالة على الاختصاص. إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ لبخلتم مخافة النفاد بالإنفاق إذ لا أحد إلا ويختار النفع لنفسه ولو آثر غيره بشيء فإنما يؤثره لعوض يفوقه فهو إذن بخيل بالإضافة إلى جود الله تعالى وكرمه هذا وإن البخلاء أغلب فيهم. وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً بخيلاً لأن بناء أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذله.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٠١]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الطور على بني إسرائيل. وقيل الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الثلاثة الأخيرة.
وعن صفوان أن يهودياً سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عنها فقال: أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التى حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لاَ تَعْدُواْ فِي السبت، فقبل اليهودي يده ورجله.
فعلى هذا المراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في كل الشرائع، سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من السعادة أو الشقاوة.
وقوله وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا
، حكم مستأنف زائد على الجواب ولذلك غير فيه سياق الكلام. فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فقلنا له سلهم من فرعون ليرسلهم معك، أو سلهم عن حال دينهم ويؤيده قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «فسأَل» على لفظ المضي بغير همز وهو لغة قريش وإِذْ متعلق بقلنا أو سأل على هذه القراءة أو فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم، أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك أو لتتسلى نفسك، أو لتعلم أنه تعالى لو أتى بما اقترحوا لأصروا على العناد والمكابرة كمن قبلهم، أو ليزداد يقينك لأن تظاهر الأدلة يوجب قوة اليقين وطمأنينة القلب وعلى هذا كان إِذْ نصبا ب آتَيْنا أو بإضمار يخبروك على أنه جواب الأمر، أو بإضمار اذكر على الاستئناف. فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً سحرت فتخبط عقلك.
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً لأن الإِشارة إلى ما تقدم من عذابهم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٩ الى ١٠٠]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠)
أَوَلَمْ يَرَوْا أو لم يعلموا. أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ فإنهم ليسوا أشد خلقاً منهن ولا الإعادة أصعب عليه من الإبداء. وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لاَّ رَيْبَ فِيهِ هو الموت أو القيامة. فَأَبَى الظَّالِمُونَ مع وضوح الحق. إِلَّا كُفُوراً إلا جحوداً.
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي خزائن رزقه وسائر نعمه، وأنتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده كقول حاتم: لو ذات سوار لطمتني. وفائدة هذا الحذف والتفسير المبالغة مع الإِيجاز والدلالة على الاختصاص. إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ لبخلتم مخافة النفاد بالإنفاق إذ لا أحد إلا ويختار النفع لنفسه ولو آثر غيره بشيء فإنما يؤثره لعوض يفوقه فهو إذن بخيل بالإضافة إلى جود الله تعالى وكرمه هذا وإن البخلاء أغلب فيهم. وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً بخيلاً لأن بناء أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذله.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٠١]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الطور على بني إسرائيل. وقيل الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الثلاثة الأخيرة.
وعن صفوان أن يهودياً سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عنها فقال: أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التى حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لاَ تَعْدُواْ فِي السبت، فقبل اليهودي يده ورجله.
فعلى هذا المراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في كل الشرائع، سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من السعادة أو الشقاوة.
وقوله وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا
، حكم مستأنف زائد على الجواب ولذلك غير فيه سياق الكلام. فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فقلنا له سلهم من فرعون ليرسلهم معك، أو سلهم عن حال دينهم ويؤيده قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «فسأَل» على لفظ المضي بغير همز وهو لغة قريش وإِذْ متعلق بقلنا أو سأل على هذه القراءة أو فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم، أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك أو لتتسلى نفسك، أو لتعلم أنه تعالى لو أتى بما اقترحوا لأصروا على العناد والمكابرة كمن قبلهم، أو ليزداد يقينك لأن تظاهر الأدلة يوجب قوة اليقين وطمأنينة القلب وعلى هذا كان إِذْ نصبا ب آتَيْنا أو بإضمار يخبروك على أنه جواب الأمر، أو بإضمار اذكر على الاستئناف. فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً سحرت فتخبط عقلك.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٠٢]
قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢)قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ يا فرعون وقرأ الكسائي بالضم على إخباره عن نفسه. مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ يعني الآيات. إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ بينات تبصرك صدقي ولكنك تعاند وانتصابه على الحال. وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً مصروفاً عن الخير مطبوعاً على الشر من قولهم: ما ثبرك عن هذا، أي ما صرفك أو هالكاً قارع ظنه بظنه وشتان ما بين الظنين فإن ظن فرعون كذب بحت وظن موسى يحوم حول اليقين من تظاهر أماراته. وقرئ «وإن أخالك يا فرعون لمثبوراً» على إن المخففة واللام هي الفارقة.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٤]
فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤)
فَأَرادَ فرعون. أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ أن يستخف موسى وقومه وينفيهم. مِنَ الْأَرْضِ أرض مصر أو الأرض مطلقاً بالقتل والاستئصال. فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً فعكسنا عليه مكره فاستفززناه وقومه بالإِغراق.
وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ من بعد فرعون أو إغراقه. لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ التي أراد أن يستفزكم منها. فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ الكرة أو الحياة أو الساعة أو الدار الآخرة يعني قيام القيامة. جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً مختلطين إياكم وإياهم ثم نحكم بينكم ونميز سعداءكم من أشقيائكم، واللفيف الجماعات من قبائل شتى.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦)
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ أي وما أنزلنا القرآن إلا ملتبساً بالحق المقتضي لإنزاله، وما نزل على الرسول إلا ملتبساً بالحق الذي اشتمل عليه. وقيل وما أنزلناه من السماء إلا محفوظاً بالرصد من الملائكة، وما نزل على الرسول إلا محفوظاً بهم من تخليط الشياطين. ولعله أراد به نفي اعتراء البطلان له أول الأمر وآخره وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً للمطيع بالثواب. وَنَذِيراً للعاصي بالعقاب فلا عليك إلا التبشير والإنذار.
وَقُرْآناً فَرَقْناهُ نزلناه مفرقاً منجماً. وقيل فرقنا فيه الحق من الباطل فحذف الجار كما في قوله: ويوماً شهدناه، وقرئ بالتشديد لكثرة نجومه فإنه نزل في تضاعيف عشرين سنة. لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ على مهل وتؤدة فإنه أيسر للحفظ وأعون في الفهم وقرئ بالفتح وهو لغة فيه. وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا على حسب الحوادث.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٠٧]
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧)
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا فإن إيمانكم بالقرآن لا يزيده كمالاً وامتناعكم عنه لا يورثه نقصاً وقوله:
إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ تعليل له أي إن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم وهم العلماء الذين قرءوا الكتب السابقة وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوة، وتمكنوا من الميز بين المحق والمبطل، أو رأوا نعتك وصفة ما أنزل إليك في تلك الكتب، ويجوز أن يكون تعليلاً ل قُلْ على سبيل التسلية كأنه قيل.
تسل بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة ولا تكترث بإيمانهم وإعراضهم. إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ القرآن. يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً يسقطون على وجوههم تعظيماً لأمر الله أو شكراً لإِنجاز وعده في تلك الكتب ببعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل وإنزال القرآن عليه.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠٨ الى ١٠٩]
وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩)وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا عن خلف الموعد. إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا إنه كان وعده كائناً لا محالة.
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ كرره لاختلاف الحال والسبب فإن الأول للشكر عند إنجاز الوعد والثاني لما أثر فيهم من مواعظ القرآن حال كونهم باكين من خشية الله، وذكر الذقن لأنه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد، واللام فيه لاختصاص الخرور به. وَيَزِيدُهُمْ سماع القرآن خُشُوعاً كما يزيدهم علما ويقينا بالله.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١١٠]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ
نزلت حين سمع المشركون رسول الله يقول: يا الله يا رحمن فقالوا إنه ينهانا أن نعبد إليهن وهو يدعو إلهاً آخر.
أو قالت اليهود: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة، والمراد على الأول هو التسوية بين اللفظين بأنهما يطلقان على ذات واحدة وإن اختلف اعتبار إطلاقهما، والتوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود المطلق وعلى الثاني أنهما سيان في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود وهو أجود لقوله: أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى والدعاء في الآية بمعنى التسمية وهو يتعدى إلى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه وأو للتخيير والتنوين في أَيًّا عوض عن المضاف إليه، وما صلة لتأكيد ما في أَيًّا من الإِبهام، والضمير في فَلَهُ للمسمى لأن التسمية له لا للاسم، وكان أصل الكلام أَيًّا مَّا تَدْعُوا فهو حسن، فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والإكرام. وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ بقراءة صلاتك حتى تسمع المشركين، فإن ذلك يحملهم على السب واللغو فيها. وَلا تُخافِتْ بِها حتى لا تسمع من خلفك من المؤمنين. وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ بين الجهر والمخافتة. سَبِيلًا وسطاً فإن الاقتصاد في جميع الأمور محبوب.
روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت ويقول: أناجي ربي وقد علم حاجتي، وعمر رضي الله عنه كان يجهر ويقول أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، فلما نزلت أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر أن يرفع قليلاً وعمر أن يخفض قليلاً.
وقيل معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها بأسرها وابتغ بين ذلك سبيلاً بالإِخفات نهارا والجهر ليلا.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١١١]
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ في الألوهية. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ولي يواليه من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته نفي عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختياراً واضطراراً، وما يعاونه ويقويه، ورتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالإِيجاد، المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك نعمة، أو منعم عليه ولذلك عطف عليه قوله: وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً وفيه تنبيه على أن العبد وإن بالغ في التنزيه والتمجيد واجتهد في العبادة والتحميد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه في ذلك.
270
روي أنه صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية، وعنه عليه السلام «من قرأ سورة بني إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين، كان له قنطار في الجنة»
والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية. والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية. والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
271