تفسير سورة الأحزاب

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مدنية وهي ثلاث وسبعون آية وألف ومائتان وثمانون كلمة وخمسون آلاف وسبعمائة وتسعون حرفا.

سورة الأحزاب
مدنية وهي ثلاث وسبعون آية وألف ومائتان وثمانون كلمة وخمسون آلاف وسبعمائة وتسعون حرفا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٣) ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤)
قوله عز وجل يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ نزلت في أبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور عمرو بن سفيان السلمي، وذلك أنهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين بعد قتال أحد، وقد أعطاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم الأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده عمر بن الخطاب ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة، وقل إن لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربك، فشق ذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال عمر يا رسول الله ائذن لي في قتلهم. فقال إني أعطيتهم الأمان. فقال عمر اخرجوا في لعنة الله وغضبه فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم عمر أن يخرجهم من المدينة. فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ أي دم على التقوى وقيل معناه اتق الله ولا تنقض العهد بينك وبينهم وقيل الخطاب مع النبي صلّى الله عليه وسلّم والمراد به أمته ولا تُطِعِ الْكافِرِينَ يعني من أهل مكة يعني أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور والمنافقين يعني من أهل المدينة عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد وطعمة إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً أي بخلقه قبل أن يخلقهم حَكِيماً أي فيما دبره لهم وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني من وفاء العهد وترك طاعة الكافرين والمنافقين إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي ثق بالله وكل أمرك إليه وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا يعني حافظا لك وقيل كفيلا برزقك. قوله تعالى ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ نزلت في أبي معمر جميل بن معمر الفهري، وكان رجلا لبيبا حافظا لما يسمع فقالت قريش ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلا وله قلبان، وكان يقول إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فلما هزم الله المشركين يوم بدر انهزم أبو معمر فيهم فلقيه أبو سفيان وإحدى نعليه في يده والأخرى في رجله، فقال له يا أبا معمر ما حال الناس. فقال انهزموا فقال له فما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك. فقال أبو معمر ما شعرت إلا أنهما في رجلي. فعلموا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده. وعن أبي ظبيان قال: قلنا لابن عباس أرأيت قول الله ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ما عنى بذلك؟ قال «قام نبي الله صلّى الله عليه وسلّم يوما يصلي
﴿ واتبع ما يوحى إليك من ربك ﴾ يعني من وفاء العهد وترك طاعة الكافرين والمنافقين ﴿ إن الله كان بما يعملون خبيراً ﴾.
﴿ وتوكل على الله ﴾ أي ثق بالله وكل أمرك إليه ﴿ وكفى بالله وكيلاً ﴾ يعني حافظاً لك وقيل كفيلاً برزقك.
قوله تعالى ﴿ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ﴾ نزلت في أبي معمر جميل بن معمر الفهري، وكان رجلاً لبيباً حافظاً لما يسمع فقالت قريش ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلا وله قلبان، وكان يقول إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فلما هزم الله المشركين يوم بدر انهزم أبو معمر فيهم فلقيه أبو سفيان وإحدى نعليه في يده والأخرى في رجله، فقال له يا أبا معمر ما حال الناس. فقال انهزموا فقال له فما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك. فقال أبو معمر ما شعرت إلا أنهما في رجلي. فعلموا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده. وعن أبي ظبيان قال : قلنا لابن عباس أرأيت قول الله ﴿ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ﴾ ما عنى بذلك ؟ قال « قام نبي الله صلى الله عليه وسلم يوماً يصلي فخطر خطرة. فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترون أن له قلبين قلباً معكم وقلباً معهم فأنزل الله ﴿ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ﴾ « أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن قوله خطر خطرة يريد الوسوسة التي تحصل للإنسان في صلاة. قيل في معنى الآية أنه لما قال الله تعالى ﴿ يا أيها النبي اتق الله ﴾ فكان ذلك أمراً بالتقوى. فكأنه قال ومن حقها أن لا يكون في قلبك تقوى غير الله، فإن المرء ليس له قلبان حتى يتقي الله بأحدهما وبالآخر غيره، وقيل إن هذا مثل ضربه الله تعالى للمظاهر من امرأته وللمتبني ولد غيره، فكما لا يكون لرجل قلبان لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب، فالآخر فضله عليه محتاج إليه، وإما أن يفعل بهذا ما لا يفعل بذاك، فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريداً كارهاً عالماً جاهلاً موقناً شاكاً في حالة واحدة، وهما حالتان متنافيتان فكذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى يكون له أمان ولا يكون ولد واحد ابن رجلين. قوله تعالى ﴿ وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ﴾ وصورة الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، يقول الله وما جعل نساءكم التي تقولون لهن هذا في التحريم كأمهاتكم، ولكنه منكم منكر وزور وفيه كفارة، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في سورة المجادلة. قوله تعالى ﴿ وما جعل أدعياءكم ﴾ يعني الذين تتبنونهم ﴿ أبناءكم ﴾ وفيه نسخ التبني، وذلك أن الرجل كان في الجاهلية يتبنى الرجل فيجعله كالابن المولود يدعوه إليه الناس ويرث ميراثه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وتبناه قبل الوحي، وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب، فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة، قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك فأنزل الله هذه الآية ونسخ بها التبني ﴿ ذلكم قولكم بأفواهكم ﴾ أي لا حقيقة له يعني قولهم زيد بن محمد وادعاء النسب لا حقيقة له ﴿ والله يقول الحق ﴾ يعني قوله الحق ﴿ وهو يهدي السبيل ﴾ يعني يرشد إلى سبيل الحق.
فخطر خطرة. فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترون أن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فأنزل الله ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ «أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن قوله خطر خطرة يريد الوسوسة التي تحصل للإنسان في صلاة. قيل في معنى الآية أنه لما قال الله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ فكان ذلك أمرا بالتقوى. فكأنه قال ومن حقها أن لا يكون في قلبك تقوى غير الله، فإن المرء ليس له قلبان حتى يتقي الله بأحدهما وبالآخر غيره، وقيل إن هذا مثل ضربه الله تعالى للمظاهر من امرأته وللمتبني ولد غيره، فكما لا يكون لرجل قلبان لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب، فالآخر فضله عليه محتاج إليه، وإما أن يفعل بهذا ما لا يفعل بذاك، فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريدا كارها عالما جاهلا موقنا شاكا في حالة واحدة، وهما حالتان متنافيتان فكذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى يكون له أمان ولا يكون ولد واحد ابن رجلين.
قوله تعالى وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وصورة الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، يقول الله وما جعل نساءكم التي تقولون لهن هذا في التحريم كأمهاتكم، ولكنه منكم منكر وزور وفيه كفارة، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في سورة المجادلة. قوله تعالى وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ يعني الذين تتبنونهم أَبْناءَكُمْ وفيه نسخ التبني، وذلك أن الرجل كان في الجاهلية يتبنى الرجل فيجعله كالابن المولود يدعوه إليه الناس ويرث ميراثه، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وتبناه قبل الوحي، وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب، فلما تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة، قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك فأنزل الله هذه الآية ونسخ بها التبني ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ أي لا حقيقة له يعني قولهم زيد بن محمد وادعاء النسب لا حقيقة له وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ يعني قوله الحق وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ يعني يرشد إلى سبيل الحق.
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٥ الى ٦]
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥) النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦)
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ يعني الذين ولدوهم فقولوا زيد بن حارثة هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ يعني أعدل عند الله (ق) عن ابن عمر قال: إن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ الآية فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ يعني فهم إخوانكم وَمَوالِيكُمْ أي كانوا محررين وليسوا ببنيكم أي فسموهم بأسماء إخوانكم في الدين، وقيل معنى مواليكم أولياؤكم في الدين وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ أي قبل النهي فنسبتموه إلى غير أبيه وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ أي من دعائهم إلى غير آبائهم بعد النهي وقيل فيما أخطأتم به أن تدعوه إلى غير أبيه وهو يظن أنه كذلك وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. (ق) عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام»
قوله عز وجل النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعني من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه، عليهم ووجوب طاعته وقال ابن عباس إذا دعاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلّى الله عليه وسلّم أولى بهم من طاعة أنفسهم، وهذا صحيح لأن أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم، وقيل هو أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه، وقيل كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يخرج إلى الجهاد فيقول قوم نذهب فنستأذن من آبائنا وأمهاتنا، فنزلت الآية. (ق) عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «ما من
قوله عز وجل ﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ يعني من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه، عليهم ووجوب طاعته وقال ابن عباس إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهم من طاعة أنفسهم، وهذا صحيح لأن أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم، وقيل هو أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه، وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الجهاد فيقول قوم نذهب فنستأذن من آبائنا وأمهاتنا، فنزل الآية. ( ق ) عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، واقرؤوا إن شئتم ﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ فأيما مؤمن ترك مالاً فلترثه عصبته من كانوا ومن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه ». عصبة الميت من يرثه سوى من له فرض مقدر وقوله أو ضياعاً أي عيالاً وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعاً، وإن كسرت الضاد كان جمع ضائع.
قوله تعالى ﴿ وأزواجه أمهاتهم ﴾ يعني أمهات المؤمنين في تعظيم الحرمة وتحريم نكاحهن على التأبيد لا في النظر إليهن والخلوة بهن، فإنه حرام في حقهن كما في حق الأجانب ولا يقال لبناتهن هن أخوات المؤمنين ولا لإخوانهن وأخواتهن هن أخوال المؤمنين وخالاتهم. قال الشافعي تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر وهي أخت عائشة أم المؤمنين ولم يقل هي خالة المؤمنين، وقيل إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن أمهات المؤمنين والمؤمنات الرجال والنساء وقيل كن أمهات الرجال دون النساء، بدليل ما روي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة يا أمه. فقالت لست لك بأم أنا أم رجالكم. فبان بذلك أن معنى الأمومة إنما هو تحريم نكاحهن ﴿ وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ﴾ يعني في الميراث قيل كان المسلمون يتوارثون بالهجرة، وقيل آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس فكان يواخي بين الرجلين فإذا مات أحدهما ورثه الآخر دون عصبته، حتى نزلت ﴿ وأولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ﴾ وقيل في معنى الآية لا توارث بين المسلم والكافر ولا بين المهاجر وغير المهاجر ﴿ في كتاب الله ﴾ أي في حكم الله ﴿ من المؤمنين ﴾ الذين آخى رسول الله صلى الله عليه سلم بينهم ﴿ والمهاجرين ﴾ يعني أن ذوي القرابات أولى بعضهم ببعض فنسخت هذه الآية الموارثة بالمؤاخاة والهجرة وصارت الموارثة بينهم بالقرابة ﴿ إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً ﴾ يعني الوصية للذين يتولونه من المعاقدين، وذلك أن الله تعالى لما نسخ التوارث بالخلف والإخاء والهجرة، أباح أن يوصي لمن يتولاه بما أحب من ثلث ماله، وقيل أراد بالمعروف النصر وحفظ الحرمة بحق الإيمان والهجرة، وقيل معناه إلا أن توصوا إلى قرابتكم بشيء وإن كانوا من غير أهل الإيمان والهجرة ﴿ كان ذلك ﴾ أي الذي ذكر من أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ﴿ في الكتاب ﴾ أي في اللوح المحفوظ وقيل في التوراة ﴿ مسطوراً ﴾ أي مكتوباً مثبتاً.
مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، واقرءوا إن شئتم النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فأيما مؤمن ترك مالا فلترثه عصبته من كانوا ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه». عصبة الميت من يرثه سوى من له فرض مقدر وقوله أو ضياعا أي عيالا وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعا، وإن كسرت الضاد كان جمع ضائع.
قوله تعالى وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ يعني أمهات المؤمنين في تعظيم الحرمة وتحريم نكاحهن على التأبيد لا في النظر إليهن والخلوة بهن، فإنه حرام في حقهن كما في حق الأجانب ولا يقال لبناتهن هن أخوات المؤمنين ولا لإخوانهن وأخواتهن هن أخوال المؤمنين وخالاتهم. قال الشافعي تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر وهي أخت عائشة أم المؤمنين ولم يقل هي خالة المؤمنين، وقيل إن أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم كن أمهات المؤمنين والمؤمنات الرجال والنساء وقيل كن أمهات الرجال دون النساء، بدليل ما روي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة يا أمه. فقالت لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم. فبان بذلك أن معنى الأمومة إنما هو تحريم نكاحهن وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ يعني في الميراث قيل كان المسلمون يتوارثون بالهجرة، وقيل آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الناس فكان يؤاخي بين الرجلين فإذا مات أحدهما ورثه الآخر دون عصبته، حتى نزلت وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ وقيل في معنى الآية لا توارث بين المسلم والكافر ولا بين المهاجر وغير المهاجر فِي كِتابِ اللَّهِ أي في حكم الله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الذين آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهم وَالْمُهاجِرِينَ يعني أن ذوي القرابات أولى بعضهم ببعض فنسخت هذه الآية الموارثة بالمؤاخاة والهجرة وصارت الموارثة بينهم بالقرابة إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً يعني الوصية للذين يتولونه من المعاقدين، وذلك أن الله تعالى لما نسخ التوارث بالخلف والإخاء والهجرة، أباح أن يوصي لمن يتولاه بما أحب من ثلث ماله، وقيل أراد بالمعروف النصر وحفظ الحرمة بحق الإيمان والهجرة، وقيل معناه إلا أن توصوا إلى قرابتكم بشيء وإن كانوا من غير أهل الإيمان والهجرة كانَ ذلِكَ أي الذي ذكر من أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض فِي الْكِتابِ أي في اللوح المحفوظ وقيل في التوراة مَسْطُوراً أي مكتوبا مثبتا. قوله تعالى:
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٧ الى ٩]
وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩)
وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ أي على الوفاء بما حملوا وأن يصدق بعضهم بعضا ويبشر بعضهم ببعض، وقيل على أن يعبدوا الله ويدعوا الناس إلى عبادته وينصحوا لقومهم وَمِنْكَ يعني يا محمد وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ خص هؤلاء الخمسة بالذكر من بين النبيين لأنهم أصحاب الكتب والشرائع وأولو العزم من الرسل، وقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم في الذكر تشريفا له وتفضيلا. ولما روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث». قال قتادة وذلك قول الله وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ فبدأ به صلّى الله عليه وسلّم وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً أي عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا من تبليغ الرسالة لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ يعني أخذ ميثاقهم لكي يسأل الصادقين يعني النبيين عن تبليغهم الرسالة والحكمة في سؤالهم مع علمه سبحانه وتعالى صادقون تبكيت من أرسلوا إليهم وقيل ليسأل الصادقين عن صدقهم عن عملهم لله عز وجل وقيل ليسأل الصادقين بأفواههم عن صدقهم في قلوبهم وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وذلك حين حوصر المسلمون مع النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة أيام الخندق إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ يعني الأحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير فَأَرْسَلْنا
410
عَلَيْهِمْ رِيحاً
يعني الصبا قال عكرمة قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي ننصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت الشمال إن الحرة لا تسري بالليل. فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا (ق) عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور». وقيل الصبا ريح فيها روح ما هبت على محزون إلا ذهب حزنه. قوله تعالى وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها يعني الملائكة، ولم تقاتل ملائكة يومئذ فبعث الله عز وجل تلك الليلة ريحا باردة فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب الفساطيط وأطفأت النيران وأكفأت القدور وماجت الخيل بعضها في بعض وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم، حتى كان سيد كل حي يقول يا بني فلان النجاء النجاء هلموا إلي فإذا اجتمعوا عنده قال النجاء النجاء فانهزموا من غير قتال لما بعث الله عليهم من الرعب وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً.
ذكر غزوة الخندق وهي الأحزاب
قال: البخاري قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع من الهجرة. وروى محمد بن إسحاق عن مشايخه قال: دخل حديث بعضهم في بعض أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وهو ابن قيس وأبو عمار الوائلي في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، فديننا خير أم دينه؟ قالوا دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فهم الذين قال الله تعالى فيهم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ إلى قوله وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً. قال فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فاجتمعوا على ذلك ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان وقيسا وغيلان فاجتمعوا على ذلك وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وإن قريشا قد بايعوهم على ذلك فأجابوهم وخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة، ومسعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من أشجع. فلما سمع بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة، وكان الذي أشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالخندق سلمان الفارسي وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يومئذ حر. فقال يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا ضربنا خندقا علينا، فعمل فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون حتى أحكموه. وروي «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خط الخندق عام الأحزاب ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعا فاختلف المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي، وكان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا وقال الأنصار سلمان منا فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم سلمان منا أهل البيت».
قال عمرو بن عوف كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا فحفرنا، حتى إذا كنا تحت أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة حتى كسرت حديدنا وشقت علينا، فقلنا يا سلمان ارق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبره بخبر هذه الصخرة، فإما أن يعدل عنها فإن المعدل قريب وإما أن يأمرنا فيها أمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه، قال فرقي سلمان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال يا رسول الله خرجت لنا صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيبنا منها شيء قليل ولا كثير فمرنا فيها بأمرك فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، فهبط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع سلمان إلى الخندق واستند على شق الخندق وأخذ عليه الصلاة والسلام المعول من سلمان وضربها به ضربة صدعها وبرق منها برق
411
أضاء ما بين لابتيها يعني المدينة، حتى كأنه مصباح في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكبير فتح وكبر المسلمون معه، ثم ضربها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الثانية فبرق منها برق حتى أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكبير فتح وكبر المسلمون معه ثم ضربها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكبير فتح وكبر المسلمون معه وأخذ بيد سلمان ورقي فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط فالتفت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى القوم وقال: أرأيتم ما يقول سلمان قالوا نعم يا رسول الله قال: ضربت ضربتي الأولى فبرق البرق الذي رأيتم فأضاء لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاء لي منها قصور قيصر من أرض الروم، كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاء لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه ينظر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا قال: فنزل القرآن:
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً. وأنزل الله: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ الآية (ق) عن أنس قال «خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال «اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة» فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدا... على الجهاد ما حيينا أبدا
عن البراء بن عازب قال «رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم ينقل معنا التراب وهو يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا... وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا... إذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع بها صوته. «وفي رواية قد وارى التراب بياض إبطيه»
رجعنا إلى حديث ابن إسحاق قال «فلما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من دومة من الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نعمى إلى جانب أحد، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم وأمر بالذراري والنساء فرفعوا إلى الآطام، وخرج عدو الله حييّ بن أخطب من بني النضير حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وكان قد واعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قومه وعاهده على ذلك، فلما سمع صوت ابن أخطب أغلق دونه حصته فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له، فناداه حييّ يا كعب افتح لنا فقال: ويحك يا حييّ إنك امرؤ مشؤوم إني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا فقال: ويحك افتح أكلمك قال: ما أنا بفاعل. قال: والله إن أغلقت دوني إلا خوفا أن آكل معك فأحفظ الرجل ففتح له فقال ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وبحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من دومة وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نعمى إلى جانب أحد قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه. فقال: له كعب جئتني والله بذلّ الدهر وبجام قد يهرق ماؤه ويرعد ويبرق ليس فيه شيء دعني ومحمدا وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء. فلم يزل حييّ بن أخطب بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه
412
من الله عهدا وميثاقا لئن رجعت قريش ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك.
فنقض كعب بن أسد العهد وبرىء مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلما انتهى الخبر إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإلى المسلمين بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سعد بن معاذ أحد بني عبد الأشهل، وهو يومئذ سيد الأوس وسعد بن عبادة أحد بني ساعدة وهو يومئذ سيد بني الخزرج، ومعهما عبد الله بن رواحة أخو الحارث بن الخزرج وخوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف. فقال: انطلقوا حتى تنظروا ما بلغنا عن هؤلاء القوم أحق أم لا فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه، ولا تفتوا أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا للناس، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم ونالوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: لا عقد بيننا وبينه ولا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه وكان رجلا عنده حدة، فقال له سعد بن معاذ: دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلموا وقالوا: عضل والقارة لغدر، عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه. فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين، وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا.
وقال: أوس بن قيظي أحد بني حارثة يا رسول الله إن بيوتنا لعورة من العدو، وذلك على ملأ من رجال قومه، فأذن لنا فلنرجع إلى ديارنا فإنها خارجة من المدينة، فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأقام المشركون عليها بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى، فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، فجرى بينهما الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة فذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما فيه. فقالا: يا رسول الله أشيء أمرك الله به لا بدلنا من العمل به أم أمر تحبه فتصنعه أم شيء تصنعه لنا. قال بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا أني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم. فقال: له سعد بن معاذ يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الأصنام لا نعبد الله ولا نعرفه ولا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة واحدة إلا قرى أو بيعا فحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ما لنا بهذا من حاجة والله ما نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنت وذاك فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتابة ثم قال ليجهدوا علينا فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون وعدوهم محاصروهم ولم يكن بينهم قتال، إلا أن فوارس من قريش عمرو بن عبد ود أخو بني عامر بن لؤي وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان ونوفل بن عبد الله بن ضرار بن الخطاب ومرداس أخو بني محارب بن فهر قد تلبسوا للقتال وخرجوا على خيلهم، فمروا على بني كنانة فقالوا تهيؤوا للحرب يا بني كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان، ثم أقبلوا نحو الخندق حتى وقفوا عليه فلما رأوه قالوا والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا وضربوا خيولهم فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليه الثغرة التي اقتحموا منها وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله، قال علي يا عمرو إنك كنت تعاهد الله لا يدعوك رجل من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه إحداهما. قال: أجل قال له علي: فإني أدعوك إلى الله ورسوله وإلى الإسلام قال لا حاجة لي بذلك. قال:
إني أدعوك إلى النزال قال: ولم يا ابن أخي فو الله ما أحب أن أقتلك. فقال علي: لكني والله أحب أن أقتلك
413
فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ثم أقبل علي علي فتناولا وتجاولا فقتله علي وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة، وقتل مع عمرو رجلان منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم فمات بمكة ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وكان اقتحم الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة. فقال: يا معشر العرب قتلة أحسن من هذه فنزل إليه علي فقتله فغلب المسلمون على جسده فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يبيعهم جسده فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا حاجة لنا في جسدهم وثمنه فشأنكم به فخلى بينهم وبينه قالت عائشة أم المؤمنين: كنا يوم الخندق في حصن بني حارثة وكان من أحرز حصون المدينة وكانت أم سعد بن معاذ معنا في الحصن، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فمر سعد بن معاذ وعليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها وفي يده حربة وهو يقول:
لا بأس بالموت إذا حان الأجل
فقالت: له أمه الحق يا بني فقد والله أجزت. قالت عائشة: يا أم سعد والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي وخفت عليه حيث أصاب السهم منه. قالت: فرمي سعد يومئذ بسهم فقطع منه الأكحل رماه خباب بن قيس بن العرقة أحد بني عامر بن لؤي فلما أصابه قال خذها وأنا ابن العرقة. قال سعد: عرق الله وجهك في النار، ثم قال سعد: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فابقني لها فإنه لا قوم أحب لي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية. قال محمد بن إسحاق: فيما بلغه أن صفية بنت عبد المطلب كانت في فارع حصن حسان بن ثابت قالت وكان حسان معنا مع النساء والصبيان، قالت صفية: فمر بنا رجل من اليهود فجعل يطوف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والمسلمون في نحر عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم إذا أتانا آت، قالت: فقلت يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من اليهود وقد شغل عنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه فانزل إليه فاقتله. فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. قالت فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئا اعتجرت ثم أخذت عمودا ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن. فقلت يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل، قال: ما لي بسلبه حاجة يا بنت عبد المطلب قالوا: وأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم، ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن غطفان أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فأمرني بما شئت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة. فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان نديما لهم في الجاهلية. فقال لهم: يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم إن قريشا وغطفان جاءوا لحرب محمد وقد ظاهرتموهم عليه وإن قريشا وغطفان ليسوا كهيئتكم البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم بغيره إن رأوا نهزة وغنيمة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين هذا الرجل والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به، إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه، قالوا لقد أشرت برأي ونصح ثم خرج حتّى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودي إياكم وفراقي محمدا فقد بلغني أمر رأيت حقا على أن أبلغكم نصحا لكم فاكتموا علي.
قالوا نفعل. قال: تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه أن قد
414
ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك عنا أن نأخذ من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فنضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم. فأرسل إليهم أن نعم. فإن بعث إليكم يهود يلتمسون رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا. ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان أنتم أهلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهمونني. قالوا: صدقت قال فاكتموا علي. قالوا نفعل فقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم مثلما حذرهم. فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان مما صنع الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان. فقالوا لهم إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم أن اليوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا. وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابهم ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإننا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تسيروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا بذلك من محمد، فلما رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان تعلمن والله إن الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحقّ فأرسلوا إلى بني قريظة إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا. فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن وجدوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك شمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم، فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فأبوا عليهم. وخذل الله عز وجل بينهم وبعث عليهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم فلما انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما اختلف من أمرهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا. وروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي وروى غيره عن إبراهيم التيمي عن أبيه قالا قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصحبتموه قال نعم يا ابن أخي. قال: كيف كنتم تصنعون قال والله لقد كنا نجهد. قال الفتى والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا ولخدمناه وفعلنا معه وفعلنا فقال حذيفة: يا ابن أخي لقد رأيتني ليلة الأحزاب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال من يذهب إلى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم أدخله الله الجنة فما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هونا من الليل ثم التفت إلينا فقال مثله فسكت القوم وما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هونا من الليل ثم التفت إلينا فقال: هل من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم على أن يكون رفيقي في الجنة؟ فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا حذيفة ولم يكن لي بد من القيام حين دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: لبيك يا رسول الله، وقمت حتى أتيته فأخذني بيدي ومسح رأسي ووجهي ثم قال ائت هؤلاء القوم حتى تأتيني بخبرهم ولا تحدثن شيئا حتى ترجع إلي. ثم قال: اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته. فأخذت سهمي وشددت على أسلابي انطلقت أمشي نحوهم كأنما أمشي في حمام فذهبت فدخلت في القوم وقد أرسل الله عليهم ريحا وجنودا وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء قال وأبو سفيان قاعد يصطلي فأخذت سهما فوضعته في كبد قوسي
فأردت أن أرميه ولو رميته لأصبته فذكرت قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تحدثن حدثا حتى ترجع، فرددت سهمي في كنانتي، فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء قام فقال يا معشر قريش ليأخذ كل منكم بيد جليسه فلينظر من هو؟
فأخذت بيد جليسي فقلت: من أنت؟؟ فقال سبحان الله أما تعرفني أنا فلان بن فلان رجل من هوازن فقال أبو سفيان يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل. ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم
415
﴿ ليسأل الصادقين عن صدقهم ﴾ يعني أخذ ميثاقهم لكي يسأل الصادقين يعني النبيين عن تبليغهم الرسالة والحكمة في سؤالهم مع علمه سبحانه وتعالى صادقون تبكيت من أرسلوا إليهم وقيل ليسأل الصادقين عن صدقهم عن عملهم لله عز وجل وقيل ليسأل الصادقين بأفواههم عن صدقهم في قلوبهم ﴿ وأعد للكافرين عذاباً أليماً ﴾.
قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ﴾ وذلك حين حوصر المسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أيام الخندق ﴿ إذ جاءتكم جنود ﴾ يعني الأحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير ﴿ فأرسلنا عليهم ريحاً ﴾ يعني الصبا قال عكرمة قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت الشمال إن الحرة لا تسري بالليل. فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا ( ق ) عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ». وقيل الصبا ريح فيها روح ما هبت على محزون إلا ذهب حزنه. قوله تعالى ﴿ وجنوداً لم تروها ﴾ يعني الملائكة، ولم تقاتل ملائكة يومئذ فبعث الله عز وجل تلك الليلة ريحاً باردة فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب الفساطيط وأطفأت النيران وأكفأت القدور وما جاءت الخيل بعضها في بعض وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم، حتى كان سيد كل حي يقول يا بني فلان النجاء النجاء هلموا إلي فإذا اجتمعوا عنده قال النجاء النجاء فانهزموا من غير قتال لما بعث الله عليهم من الرعب ﴿ وكان الله بما تعملون بصيراً ﴾.
ذكر غزوة الخندق وهي الأحزاب :
قال : البخاري قال موسى بن عقبة : كانت في شوال سنة أربع من الهجرة. وروي محمد بن إسحاق عن مشايخه قال : دخل حديث بعضهم في بعض أن نفراً من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وهو ابن قيس وأبو عمار الوائلي في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، فديننا خير أم دينه ؟ قالوا دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فهم الذين قال الله تعالى فيهم ﴿ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ﴾ إلى قوله ﴿ وكفى بجهنم سعيراً ﴾. قال فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه سلم. فاجتمعوا على ذلك ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان وقيساً وغيلان فاجتمعوا على ذلك وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وإن قريشاً قد بايعوهم على ذلك فأجابوهم وخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة، ومسعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من أشجع. فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة، وكان الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق سلمان الفارسي وكان أو مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ حر. فقال يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا ضربنا خندقاً علينا، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى أحكموه. وروي « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق عام الأحزاب ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعاً فاختلف المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي، وكان رجلاً قوياً فقال المهاجرون سلمان منا وقال الأنصار سلمان منا فقال النبي صلى الله عليه وسلم سلمان من أهل البيت ».
قال عمرو بن عوف كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً فحفرنا، حتى إذا كنا تحت أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة حتى كسرت حديدنا وشقت علينا، فقلنا يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبر هذه الصخرة، فإما أن يعدل عنها فإن المعدل قريب وإما أن يأمرنا فيها أمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه، قال « فرقي سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال يا رسول الله خرجت لنا صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيبنا منها شيء قليل ولا كثير فمرنا فيها بأمرك فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان إلى الخندق واستند على شق الخندق وأخذ عليه الصلاة والسلام المعول من سلمان وضربها به ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها يعني المدينة، حتى كأنه مصباح في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون معه، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية فبرق منها برق حتى أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون معه ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون معه وأخذ بيد سلمان ورقي فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئاً ما رأيت مثله قط فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم وقال : أرأيتم ما يقول سلمان قالوا نعم يا رسول الله قال : ضربت ضربتي الأولى فبرق البرق الذي رأيتم فأضاء لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت الثانية فبرق الذي رأيتم أضاء لي منها قصور قيصر من أرض الروم، كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاء لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا » فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه ينظر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا قال : فنزل القرآن :﴿ وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً ﴾. وأنزل الله :﴿ قل اللهم مالك الملك ﴾ الآية ( ق ) عن أنس قال « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال " اللهم إن العيش عيش الآخرة ؛ فاغفر للأنصار والمهاجرة " فقالوا مجيبين له :
نحن الذين بايعوا محمدا *** على الجهاد ما حيينا أبدا
عن البراء بن عازب قال " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينقل معنا التراب وهو يقول :
والله لولا الله ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا *** وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا *** إذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع بها صوته. « وفي رواية قد وارى التراب بياض إبطيه » رجعنا إلى حديث ابن إسحاق قال « فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من دومة من الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نعمى إلى جانب أحد، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم وأمر بالذراري والنساء فرفعوا إلى الآطام، وخرج عدو الله حييّ بن أخطب من بني النضير حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وكان قد واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه وعاهده على ذلك، فلما سمع صوت ابن أخطب أغلق دونه حصته فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له، فناداه حييّ يا كعب افتح لنا فقال : ويحك يا حييّ إنك امرؤ مشؤوم إني قد عاهدت محمداً فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقاً فقال : ويحك افتح أكلمك قال : ما أنا بفاعل. قال : والله إن أغلقت دوني إلا خوفاً أن آكل معك فأحفظ الرجل ففتح له فقال ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وبحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من دومة وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نعمى إلى جانب أحد قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمداً ومن معه. فقال : له كعب جئتني والله بذلّ الدهر وبجام قد يهرق ماؤه ويرعد ويبرق ليس فيه شيء دعني ومحمداً وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاء. فلم يزل حييّ بن أخطب بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه من الله عهداً ميثاقاً لئن رجعت قريش ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك. فنقض كعب بن أسد العهد وبرئ مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أحد بني عبد الأشهل، وهو يومئذ سيد الأوس وسعد بن عبادة أحد بني ساعدة وهو يومئذ سيد بني الخزرج، ومعهما عبد الله بن رواحة أخو الحارث بن الخزرج وخوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف. فقال : انطلقوا حتى تنظروا ما بلغنا عن هؤلاء القوم أحق أم لا فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً أعرفه، ولا تفتوا أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا للناس، فخرجوا حتى أتوهم فوجدهم على أخبث ما بلغهم عنهم ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : لا عقد بيننا وبينه ولا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه وكان رجلاً عنده حدة، فقال له سعد بن معاذ : دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا وقالوا : عضل والقارة لغدر، عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه. فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم « الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين »، وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً. وقال : أوس بن قيظي أحد بني حارثة يا رسول الله إن بيوتنا لعورة من العدو، وذلك على ملأ من رجال قومه، فأذن لنا فلنرجع إلى ديارنا فإنها خارجة من المدينة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام المشركون عليها بعضاً وعشرين ليلة قريباً من شهر ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى، فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجرى بينهما الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما فيه. فقالا : يا رسول الله أشيء أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم أمر تحبه فتصنعه أم شيء تصنعه لنا. ق
ضربه فوثب على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم. وسمعت غطفان بما فعلت قريش فاستمروا راجعين إلى بلادهم. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأني أمشي في حمام فأتيته وهو قائم يصلي فلما سلم أخبرته فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل، فلما أخبرته وفرغت قررت وذهب عني الدفء فأدفأني النبي صلّى الله عليه وسلّم فأنا مني عند رجليه وألقى عليّ طرف ثوبه وألصق صدري ببطن قدميه، فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت، قال: قم يا نومان فذلك قوله عز وجل:
[سورة الأحزاب (٣٣): آية ١٠]
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠)
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ أي من فوق الوادي من قبل المشرق وهم أسد وغطفان وعليهم مالك بن عوف النصري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد وحيي بن أخطب في يهود قريظة وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعني من بطن الوادي من قبل المغرب وهم قريش وكنانة عليهم أبو سفيان بن حرب من قريش ومن تبعه، وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي من قبل الخندق وكان الذي جر غزوة الخندق فيما قيل إجلاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بني النضير من ديارهم وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ أي مالت وشخصت من الرعب وقيل مالت عن كل شيء فلم تنظر إلى عدوها وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ أي زالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع والحنجرة جوف الحلقوم، وهذا على التمثيل عبر به عن شدة الخوف، وقيل معناه أنهم جبنوا وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته وإذا انتفخت رئته رفعت القلب إلى الحنجرة فلهذا يقال:
للجبان انتفخ سحره وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا أي اختلفت الظنون بالله فظن المنافقون استئصال محمد وأصحابه وظن المؤمنون النصر والظفر لهم.
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ١١ الى ١٨]
هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (١٤) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلاً (١٥)
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٨)
هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ أي عند ذلك اختبر المؤمنون بالحصر والقتال ليتبين المخلصون من المنافقين وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً أي حركوا حركة شديدة وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ يعني معتب بن قشير وقيل عبد الله بن أبيّ وأصحابه وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك وضعف اعتقاد ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً هو قول أهل النفاق يعدنا محمد فتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله هذا هو الغرور. قوله تعالى وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أي من المنافقين وهم أوس بن قيظي وأصحابه يا أَهْلَ يَثْرِبَ يعني يا أهل المدينة وقيل يثرب اسم الأرض ومدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم في ناحية منها سميت يثرب باسم رجل من العماليق كان قد نزلها في قديم الزمان. وفي بعض الأخبار أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى أن تسمى المدينة يثرب وقال هي طيبة كأنه كره هذه اللفظة
﴿ هنالك ابتلي المؤمنون ﴾ أي عند ذلك اختبر المؤمنون بالحصر والقتال ليتبين المخلصون من المنافقين ﴿ وزلزلوا زلزالاً شديداً ﴾ أي حركوا حركة شديدة.
﴿ وإذ يقول المنافقون ﴾ يعني معتب بن قشير وقيل عبد الله بن أبيّ وأصحابه ﴿ والذين في قلوبهم مرض ﴾ أي شك وضعف اعتقاد ﴿ ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً ﴾ هو قول أهل النفاق يعدنا محمد فتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله هذا هو الغرور.
قوله تعالى ﴿ وإذ قالت طائفة منهم ﴾ أي من المنافقين وهم أوس بن قيظي وأصحابه ﴿ يا أهل يثرب ﴾ يعني يا أهل المدينة وقيل يثرب اسم الأرض ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحية منها سميت يثرب باسم رجل من العماليق كان قد نزلها في قديم الزمان. وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمى المدينة يثرب وقال هي طيبة كأنه كره هذه اللفظة لما فيها من التثريب وهو التقريع والتوبيخ ﴿ لا مقام لكم ﴾ أي لا مكان لكم تنزلون وتقيمون فيه ﴿ فارجعوا ﴾ أي إلى منازلكم وقيل عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقيل عن القتال ﴿ ويستأذن فريق منهم النبي ﴾ يعني بني حارثة وبني سلمة ﴿ يقولون إن بيوتنا عورة ﴾ أي خالية ضائعة وهي مما يلي العدو ونخشى عليها السراق فكذبهم الله تعالى بقوله ﴿ وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً ﴾ أي أنهم لا يخافون ذلك إنما يريدون الفرار من القتال.
﴿ ولو دخلت عليهم في أقطارها ﴾ يعني لو دخل هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم وهم الأحزاب من نواحي المدينة وجوانبها ﴿ ثم سئلوا الفتنة ﴾ أي الشرك ﴿ لأتوها ﴾ أي لجاؤوها وفعلوها ورجعوا عن الإسلام ﴿ وما تلبثوا بها ﴾ أي ما احتبسوا عن الفتنة ﴿ إلا يسيرا ﴾ أي لأسرعوا الإجابة إلى الشرك طيبة به نفوسهم، وقيل معناه وما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا.
قوله عز وجل ﴿ ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل ﴾ أي من قبل غزوة الخندق ﴿ لا يولون الأدبار ﴾ أي لا ينهزمون، قيل هم بنو حارثة هموا يوم أحد أن يفشلوا مع بني سلمة، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها، وقيل هم أناس غابوا عن وقعة بدر فلما رأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة قالوا لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن فساق الله إليهم ذلك ﴿ وكان عهد الله مسؤولاً ﴾ أي عنده في الآخرة.
﴿ قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ﴾ أي الذي كتب عليكم لأن من حضر أجله مات أو قتل لا بد من ذلك ﴿ وإذاً لا تمتعون ﴾ أي بعد الفرار ﴿ إلا قليلاً ﴾ أي مدة آجالكم وهي قليل.
﴿ قل من ذا الذي يعصمكم ﴾ أي يمنعكم ﴿ من الله إن أراد بكم سوءاً ﴾ أي هزيمة ﴿ أو أراد بكم رحمة ﴾ أي نصراً ﴿ ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً ﴾ أي ناصراً يمنعهم.
﴿ قد يعلم الله المعوقين منكم ﴾ أي المثبطين الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ﴾ أي ارجعوا إلينا ودعوا محمداً صلى الله عليه وسلم فلا تشهدوا معه الحرب فإنا نخاف عليكم الهلاك، قيل هم أناس من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون لهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحماً لالتهمهم أي ابتلعهم أبو سفيان وأصحابه دعوا الرجل فإنه هالك. وقيل نزلت في المنافقين وذلك أن اليهود أرسلت إليهم ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرة لم يستبقوا منكم أحداً وإنا نشفق عليكم فأنتم إخواننا وجيراننا هلموا إلينا فأقبل عبد الله بن أبيّ ابن سلول وأصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه، وقالوا لئن قدر اليوم عليكم لم يستبق منك أحداً أما ترجعون عن محمد ما عنده خير ما هو إلا أن يقتلنا ها هنا انطلقوا بنا إلى إخواننا يعني اليهود، فلم يزدد المؤمنين بقول المنافقين إلا إيماناً واحتساباً وقوله تعالى ﴿ ولا يأتون البأس ﴾ يعني الحرب ﴿ إلا قليلاً ﴾ أي رياء وسمعة من غير احتساب ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيراً.
لما فيها من التثريب وهو التقريع والتوبيخ لا مُقامَ لَكُمْ أي لا مكان لكم تنزلون وتقيمون فيه فَارْجِعُوا أي إلى منازلكم وقيل عن اتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم وقيل عن القتال وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يعني بني حارثة وبني سلمة يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ أي خالية ضائعة وهي مما يلي العدو ونخشى عليها السراق فكذبهم الله تعالى بقوله وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً أي أنهم لا يخافون ذلك إنما يريدون الفرار من القتال وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها يعني لو دخل هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم وهم الأحزاب من نواحي المدينة وجوانبها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ أي الشرك لَآتَوْها أي لجاءوها وفعلوها ورجعوا عن الإسلام وَما تَلَبَّثُوا بِها أي ما احتبسوا عن الفتنة إِلَّا يَسِيراً أي لأسرعوا الإجابة إلى الشرك طيبة به نفوسهم، وقيل معناه وما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا. قوله عز وجل وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ أي من قبل غزوة الخندق لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ أي لا ينهزمون، قيل هم بنو حارثة هموا يوم أحد أن يفشلوا مع بني سلمة، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها، وقيل هم أناس غابوا عن وقعة بدر فلما رأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة قالوا لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن فساق الله إليهم ذلك وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا أي عنده في الآخرة قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ أي الذي كتب عليكم لأن من حضر أجله مات أو قتل لا بد من ذلك وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ أي بعد الفرار إِلَّا قَلِيلًا أي مدة آجالكم وهي قليل قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ أي يمنعكم مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أي هزيمة أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً أي نصرا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً أي ناصرا يمنعهم قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ أي المثبطين الناس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا أي ارجعوا إلينا ودعوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم فلا تشهدوا معه الحرب فإنا نخاف عليكم الهلاك، قيل هم أناس من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صلّى الله عليه وسلّم ويقولون لهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحما لالتهمهم أي ابتلعهم أبو سفيان وأصحابه دعوا الرجل فإنه هالك. وقيل نزلت في المنافقين وذلك أن اليهود أرسلت إليهم ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا وإنا نشفق عليكم فأنتم إخواننا وجيراننا هلموا إلينا فأقبل عبد الله بن أبيّ ابن سلول وأصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه، وقالوا لئن قدر اليوم عليكم لم يستبق منك أحدا أما ترجعون عن محمد ما عنده خير ما هو إلا أن يقتلنا ها هنا انطلقوا بنا إلى إخواننا يعني اليهود، فلم يزدد المؤمنين بقول المنافقين إلا إيمانا واحتسابا وقوله تعالى وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ يعني الحرب إِلَّا قَلِيلًا أي رياء وسمعة من غير احتساب ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرا.
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ١٩ الى ٢٣]
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٩) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ أي بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة وصفهم الله بالبخل والجبن فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ
417
رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ أي في رؤوسهم من الخوف والجبن كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أي كدوران عين الذي قرب من الموت وغشيه أسبابه فإنه يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ أي زال سَلَقُوكُمْ أي آذوكم. ورموكم في حالة الأمن بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أي ذربة تفعل كفعل الحديد قال ابن عباس معناه عضوكم وتناولوكم بالنقص والغيبة، وقيل بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطونا فإنا شهدنا معكم القتال فلستم بأحق بالغنيمة منا فهم عند الغنيمة أشجع قوم وعند الحرب أجبن قوم أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أي يشاحون المؤمنين عند الغنيمة فعلى هذا المعنى يكون المراد بالخير المال أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا أي لم يؤمنوا حقيقة الإيمان وإن أظهروا الإيمان لفظا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ أي التي كانوا يأتون بها مع المسلمين قيل هي الجهاد وغيره وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أي إحباط أعمالهم مع أن كل شيء على الله يسير.
قوله تعالى يَحْسَبُونَ يعني هؤلاء المنافقين الْأَحْزابَ يعني قريشا وغطفان واليهود لَمْ يَذْهَبُوا أي لم ينصرفوا عن قتالهم جبنا وفرقا وقد انصرفوا عنهم وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ أي يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ أي يتمنون لو أنهم كانوا في بادية مع الأعراب من الجبن والخوف يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ أي عن أخباركم وما آل إليه أمركم وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ يعني هؤلاء المنافقين ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا يعني يقاتلون قليلا يقيمون به عذرهم فيقولون قد قاتلنا معكم وقيل هو الرمي بالحجارة وقيل رياء من غير احتساب.
قوله عز وجل لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أي قدوة صالحة أي اقتدوا به اقتداء حسنا وهو أن تنصروا دين الله وتؤازروا رسوله ولا تتخلفوا عنه وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذ قد كسرت رباعيته وجرح وجهه وقتل عمه وأوذي بضروب الأذى فصبر وواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك أيضا واستنوا بسنته لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ يعني أن الأسوة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن كان يرجو الله قال ابن عباس يرجو ثواب الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ يعني ويخشى يوم البعث الذي فيه الجزاء وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً أي في جميع المواطن على السراء والضراء ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال تعالى وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أي قالوا ذلك تسليما لأمر الله وتصديقا بوعده وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أي فيما وعدا وهو في مقابلة قول المنافقين «ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا» وقولهم «وصدق الله ورسوله» ليس إشارة إلى ما وقع فإنهم كانوا يعرفون صدق الله ورسوله قبل الوقوع، وإنما هو إشارة إلى البشارة في جميع ما وعد فيقع الكل مثل فتح مكة وفتح الروم وفارس، وقيل إنهم وعدوا أن تلحقهم شدة وبلاء فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً أي تصديقا لله وَتَسْلِيماً أي لأمره. قوله تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ أي قاموا بما جاهدوا الله عليه ووفوا به فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ أي فرغ من نذره ووفى بعهده وصبر على الجهاد حتّى استشهد، وقيل قضى نحبه يعني أجله فقتل على الوفاء يعني حمزة وأصحابه، وقيل قضى نحبه أي بذل جهده في الوفاء بالعهد وقيل قضى نحبه استشهد يوم بدر وأحد وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ يعني من بقي بعد هؤلاء من المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين إما الشهادة أو النصر على الأعداء وَما بَدَّلُوا يعني عهدهم تَبْدِيلًا (ق) عن أنس قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون قال اللهم إني اعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وابرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحا من دون أحد فقال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه
418
قوله تعالى ﴿ يحسبون ﴾ يعني هؤلاء المنافقين ﴿ الأحزاب ﴾ يعني قريشاً وغطفان واليهود ﴿ لم يذهبوا ﴾ أي لم ينصرفوا عن قتالهم جبناً وفرقاً وقد انصرفوا عنهم ﴿ وإن يأت الأحزاب ﴾ أي يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب ﴿ يودوا لو أنهم بادون في الأعراب ﴾ أي يتمنون لو أنهم كانوا في بادية مع الأعراب من الجبن والخوف ﴿ يسألون عن أنبائكم ﴾ أي عن أخباركم وما آل إليه أمركم ﴿ ولو كانوا فيكم ﴾ يعني هؤلاء المنافقين ﴿ ما قاتلوا إلا قليلاً ﴾ يعني يقاتلون قليلاً يقيمون به عذرهم فيقولون قد قاتلنا معكم وقيل هو الرمي بالحجارة وقيل رياء من غير احتساب.
قوله عز وجل ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ أي قدوة صالحة أي اقتدوا به اقتداء حسناً وهو أن تنصروا دين الله وتؤازروا رسوله ولا تتخلفوا عنه وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذ قد كسرت رباعيته وجرح وجهه وقتل عمه وأوذي بضروب الأذى فصبر وواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك أيضاً واستنوا بسنته ﴿ لمن كان يرجوا الله ﴾ يعني أن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان يرجو الله قال ابن عباس يرجو ثواب الله ﴿ واليوم الآخر ﴾ يعني ويخشى يوم البعث الذي فيه الجزاء ﴿ وذكر الله كثيراً ﴾ أي في المواطن على السراء والضراء.
وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال تعالى ﴿ ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله ﴾ أي قالوا ذلك تسليماً لأمر الله وتصديقاً بوعده ﴿ وصدق الله ورسوله ﴾ أي فيما وعدا وهو مقابلة قول المنافقين ﴿ ما وعدنا الله إلا غروراً ﴾ وقولهم ﴿ وصدق الله ورسوله ﴾ ليس إشارة إلى ما وقع فإنهم كانوا يعرفون صدق الله ورسوله قبل الوقوع، وإنما هو إشارة إلى البشارة في جميع ما وعد فيقع الكل مثل فتح مكة وفتح الروم وفارس، وقيل إنهم وعدوا أن تلحقهم شدة وبلاء فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ﴿ وما زادهم إلا إيماناً ﴾ أي تصديقاً لله ﴿ وتسليماً ﴾ أي لأمره.
قوله تعالى ﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾ أي قاموا بما جاهدوا الله عليه ووفوا به ﴿ فمنهم من قضى نحبه ﴾ أي فرغ من نذره ووفى بعهده وصبر على الجهاد حتّى استشهد، وقيل قضى نحبه يعني أجله فقتل على الوفاء يعني حمزة وأصحابه، وقيل قضى نحبه أي بذل جهده في الوفاء بالعهد وقيل قضى نحبه استشهد يوم بدر وأحد ﴿ ومنهم من ينتظر ﴾ يعني من بقي بعد هؤلاء من المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين إما الشهادة أو النصر على الأعداء ﴿ وما بدلوا ﴾ يعني عهدهم ﴿ تبديلاً ﴾ ( ق ) عن أنس قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون قال اللهم إني اعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحاً من دون أحد فقال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه إلى آخر الآية. ( ق ) عن خباب بن الأرت قال « هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله. فوقع أجرنا على الله فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئاً منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة وكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدت رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه من الأذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها » النمرة كساء ملون من صوف، وقوله ومنا من أينعت أي أدركت ونضجت له ثمرته، وهذه استعارة لما فتح الله لهم من الدنيا، وقوله يهدبها أي يجتنيها ويقطعها. عن أبي موسى بن طلحة قال « دخلت على معاوية فقال ألا أبشرك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : طلحة ممن قضى نحبه ». أخرجه الترمذي. وقال هذا حديث غريب ( خ ) عن قيس ابن أبي حازم قال « رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ».
الآية نزلت فيه وفي أشباهه: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه إلى آخر الآية. (ق) عن خباب بن الأرت قال «هاجرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نلتمس وجه الله. فوقع أجرنا على الله فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة وكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدت رأسه، فأمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه من الإذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها» النمرة كساء ملون من صوف، وقوله ومنا من أينعت أي أدركت ونضجت له ثمرته، وهذه استعارة لما فتح الله لهم من الدنيا، وقوله يهدبها أي يجتنيها ويقطعها. عن أبي موسى بن طلحة قال «دخلت على معاوية فقال ألا أبشرك سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: طلحة ممن قضى نحبه». أخرجه الترمذي. وقال هذا حديث غريب (خ) عن قيس بن أبي حازم قال «رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد». قوله عز وجل:
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٢٤ الى ٢٦]
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ أي جزاء صدقهم وصدقهم هو الوفاء بالعهد وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أي فيهديهم إلى الإيمان ويشرح له صدورهم إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني من قريش وغطفان بِغَيْظِهِمْ أي لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا لَمْ يَنالُوا خَيْراً أي ظفرا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ أي بالملائكة والريح وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا أي في ملكه عَزِيزاً أي في انتقامه. قوله تعالى وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أي عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى المسلمين وهم بنو قريظة مِنْ صَياصِيهِمْ أي من حصونهم ومعاقلهم واحدها صيصية وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ أي الخوف فَرِيقاً تَقْتُلُونَ يعني الرجال يقال كانوا ستمائة وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً يعني النساء والذراري يقال كانوا سبعمائة قيل وخمسين.
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٢٧ الى ٢٩]
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢٧) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩)
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها يعني بعد قيل هي خيبر ويقال إنها مكة وقيل فارس والروم وقيل هي كل أرض تفتح على المسلمين إلى يوم القيامة وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً.
قيل كانت في آخر ذي القعدة سنة خمس. وعلى قول البخاري المتقدم في غزوة الخندق عن موسى بن عقبة أنها كانت في سنة أربع. قال العلماء بالسير إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما أصبح من الليلة التي انصرف الأحزاب راجعين إلى بلادهم انصرف صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون عن الخندق إلى المدينة ووضعوا السلاح، فلما كان الظهر أتى جبريل عليه السلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متعمما بعمامة من إستبرق على بغلة بيضاء عليها رحالة وعليها من قطيفة من ديباج، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند زينب بنت جحش وهي تغسل رأسه وقد غسلت شقه فقال جبريل يا رسول الله قد وضعت السلاح؟ قال: نعم قال: جبريل عفا الله عنك ما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين ليلة وما رجعت الآن إلا من
419
طلب القوم. وروى أنه كان الغبار على وجه جبريل وفرسه فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم يمسح الغبار عن وجهه ووجه فرسه فقال إن الله تعالى يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وأنا عامد إلى بني قريظة فانهز إليهم فإني قد قطعت أوتارهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم مناديا فأذن أن من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة، وقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب برايته إليهم وابتدرها الناس، وسار علي حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجع حتى لقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطريق فقال: يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث. قال: أظنك سمعت لي منهم أذى قال: نعم يا رسول الله قال: لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا فلما دنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حصونهم قال «يا إخوان القردة قد أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته».
قالوا: يا أبا القاسم ما كنت جهولا ومر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال «هل مر بكم أحد؟» فقالوا: يا رسول الله مر بنا دحية بن خليفة على بغلة بيضاء عليها رحالة وعليها قطيفة ديباج.
فقال صلّى الله عليه وسلّم «ذاك جبريل عليه السلام بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم» فلما أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بني قريظة نزل على بئر من آبارها في ناحية أموالهم وتلاحق به الناس فأتاه رجال بعد صلاة العشاء الأخيرة ولم يصلوا العصر لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»، فصلوا العصر بها بعد العشاء الأخيرة فما عابهم الله بذلك ولا عنفهم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال العلماء: حاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب وكان حيي بن أخطب دخل على بني قريظة حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان ووفى لكعب بن أسد بما كان عاهده، فلما أيقنوا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد يا معشر يهود إنكم قد نزل من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم. قالوا: وما هن؟ قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فو الله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم فتؤمنون على دياركم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم. فقالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره. قال: فإذا أبيتم هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف ولا نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء. قالوا: نقتل هؤلاء المساكين فما في العيش بعدهم خير.
قال: فإن أبيتم هذه الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فانزلوا فلعلنا أن نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من قبلنا إلا ما قد علمت فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك. قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه حازما ليلة من الدهر ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ابعث لنا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا.
فأرسله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهم. فلما رأوه قام إليه الرجال والنساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم. فقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح، قال أبو لبابة فو الله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى ربط في المسجد إلى عمود من عمده وقال والله لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت وعاهد الله لا يطأ أرض بني قريظة أبدا ولا يراني الله في بلد قد خنت الله ورسوله فيه أبدا. فلما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبره وأبطأ عليه قال أما لو قد جاءني لاستغفرت له فأما إذ فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه، ثم إن الله أنزل توبة أبي لبابة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك فقلت: مم ضحكت يا رسول الله أضحك الله سنك؟ قال: تيب على أبي لبابة. فقلت: ألا أبشره بذلك يا رسول الله قال بلى إن شئت قال فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب. فقالت: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك. قال: فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده فلما مر عليه
420
خارجا إلى الصبح أطلقه. قال: ثم إن ثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد وأسيد بن عبيد وهم نفر من بني هذيل ليسوا من قريظة ولا النضير نسبهم من فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وخرج في تلك الليلة عمرو بن السعدي القرظي فمر بحرس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليهم محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة، فلما رآه قال: من هذا قال: عمرو بن السعدي وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال لا أغدر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم أبدا فقال محمد بن مسلمة اللهم لا تحرمني من عثرات الكرام، فخلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المدينة تلك الليلة ثم ذهب فلا يدري أين ذهب من أرض الله فذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شأنه فقال ذاك رجل نجاه الله بوفائه وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأصبحت برمته ملقاة ولا يدري أين ذهب. فقال: فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك المقالة فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتواثب الأوس وقالوا يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت.
وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه. فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول فوهبهم له. فلما كلمه الأوس قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى. قال: فذلك إلى سعد بن معاذ وكان سعد جعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسجده في خيمة امرأة من المسلمين يقال لها رفيدة وكانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب، فلما حكمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له وسادة من أدم وكان رجلا جسيما ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه. قال: قد آن لسعد أن تأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني الأشهل فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ عن كلمته التي سمع منه، فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال قوموا إلى سيدكم فأنزلوه فقاموا إليه وقالوا: يا أبا عمرو إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ولاك مواليك فتحكم فيهم. فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم ما حكمت. قالوا: نعم قال وعلى من ها هنا في الناحية التي فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو معرض عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إجلالا له فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعم. قال سعد: فاني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسعد «لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة» ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في دار بنت الحارث من نساء بني النجار ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضربت أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم أرسالا وفيهم عدو الله ورسوله حيي بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمانمائة إلى التسعمائة وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرسالا يا كعب ما ترى ما يصنع بنا قال أفي كل موطن لا تعقلون ألا ترون الداعي لا ينزع وأن من يذهب به منكم لا يرجع هو والله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وأتى بحيي بن أخطب عدو الله وعليه حلة تفاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة أنملة أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم جلس فضرب عنقه وروي عن عائشة قالت لم يقتل من نساء بني قريظة إلا امرأة واحدة قالت والله إنها لعندي تتحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقتل رجالهم
421
بالسيف إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا والله قلت ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم قالت حدثا أحدثته قالت فانطلق بها فضرب عنقها وكانت عائشة تقول ما أنسى عجبا منها طيب نفس وكثرة ضحك وقد عرفت أنها تقتل قال الواقدي وكان اسم المرأة بنانة امرأة الحكم القرظي وكانت قتلت خلاد بن سويد قال وكان علي والزبير يضربان أعناق بني قريظة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس هناك.
وروى محمد بن إسحاق عن الزهري أن الزبير بن باطا القرظي ويكنى أبا عبد الرحمن كان قد منّ على ثابت بن قيس بن شماس في الجلية يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه يوم قريظة وهو شيخ كبير فقال يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني قال وهل يجهل مثلي مثلك قال إني أريد أن أجزيك بيدك عندي قال إن الكريم يجزي الكريم قال ثم أتى ثابت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله قد كان للزبير عندي يد وله عليّ منة وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «هولك» فأتاه فقال له إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد وهب لي دمك قال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة فأتى ثابت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله أهله وأولاده فقال «هم لك» فأتاه فقال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطاني امرأتك وولدك فهم لك فقال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى ثابت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال ما له يا رسول الله قال هو لك فأتاه فقال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أعطاني مالك فهو لك فقال أي ثابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة صينية يتراءى فيه عذارى الحي كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا كررنا عزال بن شموال قال قتل قال فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قال قتلوا قال فإني أسألك بيدي عندك يا ثابت إلا ما ألحقتني بالقوم فو الله ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر حتى ألقى الأحبة فقدمه ثابت فضربت عنقه فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله حتى يلقى الأحبة قال يلقاهم والله في نار جهنّم خالدا مخلدا أبدا قال وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أمر بقتل من أنبت منهم ثم قسم أموال بني قريظة ونساءهم على المسلمين وأغنم في ذلك اليوم سهمين للخيل وسهما للرجال فكان للفارس ثلاثة أسهم سهمان للفرس ولفارسه سهم وللراجل ممن ليس له فرس سهم وكانت الخيل ستة وثلاثين فرسا وكان أول يوم وقع فيه السهمان ثم بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع له بهم خيلا وسلاحا وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنانة إحدى نساء بني عمرو بن قريظة فكانت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى توفي عنها وهي في ملكه وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحرص على أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب. فقالت: يا رسول الله بل تتركني في ملكك فهو أخف علي وعليك فتركها، وقد كانت حين سباها كرهت الإسلام وأبت إلا اليهودية فعزلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووجد في نفسه بذلك من أمرها. فبينما هو بين أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال إن هذا لثعلبة بن شعبة يبشرني بإسلام ريحانة، فجاءه فقال: يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فسره ذلك فلما قضي شأن بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ وذلك أنه دعا بعد أن حكم في بني قريظة ما حكم فقال اللهم إنك علمت أنه لم يكن قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئا فأبقني له وإن كنت قد قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك فانفجر كلمه فرجعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى خيمته التي ضربت عليه في المسجد. قالت: عائشة فحضره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر فو الذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وإني لفي حجرتي. قالت: وكانوا كما قال الله تعالى فيهم رُحَماءُ بَيْنَهُمْ.
(خ) عن سلمان بن صرد قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول حين أجلى الأحزاب «الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم». (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول «لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعز جنده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده فلا شيء بعده».
قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ أي متعة
422
الطلاق وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا أي من غير ضرر وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً سبب نزول هذه الآية أن نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم سألنه من عرض الدنيا شيئا وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض فهجرهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وآلى أن لا يقربهن شهرا، ولم يخرج إلى أصحابه فقالوا ما شأنه وكانوا يقولون طلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه. فقال عمر: لأعلمن لكم شأنه قال فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله أطلقتهن قال: «لا» قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون يقولون طلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن. قال: «نعم إن شئت» فقمت على باب المسجد وناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه ونزلت هذه الآية وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فكنت أنا استنبطت هذا الأمر. وأنزل الله آية التخيير وكان تحت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ تسع نسوة خمسة من قريش وهن: عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة بنت أبي أمية وسودة بنت زمعة، وأربع من غير قرشيات وهن زينب بنت جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية وجويرية بنت الحارث المصطلقية، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعائشة، وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتابعتها على ذلك فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك وقصره عليهن فقال تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ (م) عن جابر بن عبد الله قال «دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا وحوله نساؤه واجما ساكتا. فقال: لأقولن شيئا أضحك به النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله لقد رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال «هن حولي كما ترى يسألنني النفقة» فقام أبو بكر إلى عائشة فوجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة فوجأ عنقها كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما ليس عنده قلن والله لا نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا أبدا ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين حتى نزلت هذه الآية:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ حتى بلغ: لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت: وما هو يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلا عليها الآية قالت أفيك يا رسول الله أستشير أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت: قال: «لا تسألني امرأة منهن طلا أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما مبشرا» قوله واجما أي مهتما، والواجم الذي أسكته الهم وعلته الكآبة وقيل الوجوم الحزن. قولهم فوجأت عنقها أي دققته وقوله لم يبعثني معنتا العنت المشقة والصعوبة (م) عن الزهري أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت: لما مضت تسع وعشرون ليلة أعدهن دخل علي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدأ بي فقلت: يا رسول الله، أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدهن قال: إن الشهر تسع وعشرون.

فصل في حكم الآية


اختلف العلماء في هذا الخيار هل كان ذلك تفويض الطلاق إليهن، حتى يقع بنفس الاختيار أم لا فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم، إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق وإنما خيرهن على أنهن إذ اخترن الدنيا فارقهن لقوله تعالى فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ بدليل أنه لم يكن جوابهن على الفور، وأنه قال لعائشة: «لا تعجلي حتى تستشيري أبويك» وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور، وذهب قوم إلى أنه كان تفويض الطلاق ولو اخترن أنفسهن كان طلاقا. التفريع على حكم الآية اختلف أهل العلم في حكم التخيير، فقال عمر
423
﴿ ورد الله الذين كفروا ﴾ يعني قريش وغطفان ﴿ بغيظهم ﴾ أي لم يشف صدروهم بنيل ما أرادوا ﴿ لم ينالوا خيراً ﴾ أي ظفراً ﴿ وكفى الله المؤمنون القتال ﴾ أي الملائكة والريح ﴿ وكان الله قوياً ﴾ أي في ملكه ﴿ عزيزاً ﴾ أي في انتقامه.
قوله تعالى ﴿ وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب ﴾ أي عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين وهم بنو قريظة ﴿ من صياصيهم ﴾ أي من حصونهم ومعاقلهم واحدها صيصية ﴿ وقذف في قلوبهم الرعب ﴾ أي الخوف ﴿ فريقاً تقتلون ﴾ يعني الرجال يقال كانوا ستمائة ﴿ وتأسرون فريقاً ﴾ يعني النساء والذراري يقال كانوا سبعمائة قيل وخمسين.
﴿ وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطؤوها ﴾ يعني بعد قيل هي خيبر ويقال إنها مكة وقيل فارس والروم وقيل هي كل أرض تفتح على المسلمين إلى يوم القيامة ﴿ وكان الله على كل شيء قديراً ﴾.
قيل كانت في آخر ذي القعدة سنة خمس. وعلى قول البخاري المتقدم في غزوة الخندق عن موسى بن عقبة أنها كانت في سنة أربع. قال العلماء بالسير إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح في الليلة التي انصرف الأحزاب راجعين إلى بلادهم انصرف صلى الله عليه وسلم والمؤمنون عن الخندق إلى المدينة ووضعوا السلاح، فلما كان الظهر أتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمماً بعمامة من إستبرق على بغلة بيضاء عليها رحالة وعليها من قطيفة من ديباج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش وهي تغسل رأسه وقد غسلت شقه فقال جبريل يا رسول الله قد وضعت السلاح ؟ قال :« نعم قال : جبريل عفا الله عنك ما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين ليلة وما رجعت الآن إلا من طلب القوم » وروى أنه كان الغبار على وجه جبريل وفرسه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجهه ووجه فرسه فقال إن الله تعالى يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وأنا عامد إلى بني قريظة فانهز إليهم فإني قد قطعت أوتارهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم منادياً فأذن أن من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إليهم وابتدرها الناس، وسار علي حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق فقال : يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث. قال :« أظنك سمعت لي منهم أذى قال : نعم يا رسول الله قال : لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال » يا إخوان القردة قد أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ». قالوا : يا أبا القاسم ما كنت جهولاً ؛ ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال «هل مر بكم أحد ؟ » فقالوا : يا رسول الله مر بنا دحية بن خليفة على بغلة بيضاء عليها رحاله وعليها قطيفة ديباج. فقال صلى الله عليه وسلم «ذاك جبريل عليه السلام بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة نزل على بئر من آبارها في ناحية أموالهم وتلاحق به الناس فأتاه رجال بعد صلاة العشاء الأخيرة ولم يصلوا العصر لقول النبي صلى الله عليه وسلم « لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة » « فصلوا العصر بها بعد العشاء الأخيرة فما عابهم الله بذلك ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العلماء : حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب وكان حيي بن أخطب دخل على بني قريظة حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان ووفى لكعب بن أسد بما كان عاهده، فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد يا معشر يهود إنكم قد نزل من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالاً ثلاثاً فخذوا أيها شئتم. قالوا : وما هن ؟ قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم فتؤمنون على دياركم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم. فقالوا : لا نفارق حكم التوراة أبداً ولا نستبدل به غيره. قال : فإذا أبيتم هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالاً مصلتين بالسيوف ولا نترك وراءنا ثقلاً يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئاً نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء. قالوا : نقتل هؤلاء المساكين فما في العيش بعدهم خير. قال : فإن أبيتم هذه الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فانزلوا فلعلنا أن نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا : نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من قبلنا إلا ما قد علمت فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك. قال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه حازماً ليلة من الدهر ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث لنا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بن عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا. فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم. فلما رأوه قام إليه الرجال والنساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم. فقالوا : يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح، قال أبو لبابة فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ربط في المسجد إلى عمود من عمده وقال والله لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت وعاهد الله لا يطأ أرض بني قريظة أبداً ولا يراني الله في بلد قد خنت الله ورسوله فيه أبداً.
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وأبطأ عليه قال « أما لو قد جاءني لاستغفرت له فأما إذا فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه، ثم إن الله أنزل توبة أبي لبابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقلت : مم ضحكت يا رسول الله أضحك الله سنك ؟ قال : تيب على أبي لبابة. فقلت : ألا أبشره بذلك يا رسول الله قال بلى إن شئت » قال فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب. فقالت : يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك. قال : فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله هو الذين يطلقني بيده فلما مر عليه خارجاً إلى الصبح أطلقه. قال : ثم إن ثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد وأسيد بن عبيد وهم نفر من بني هذيل ليسوا من قريظة ولا النضير نسبهم من فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخرج في تلك الليلة عمرو بن السعدي القرظي فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة، فلما رآه قال : من هذا قال : عمرو بن السعدي وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا أغدر بمحمد صلى الله عليه وسلم أبداً فقال محمد بن مسلمة اللهم لا تحرمني من عثرات الكرام، فخلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة تلك الليلة ثم ذهب فلا يدري أين ذهب من أرض الله فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه فقال «ذاك رجل نجاه الله بوفائه » ؛ وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت برمته ملقاة ولا يدري أين ذهب. فقال : فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثب الأوس وقالوا يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه. فسأله إياهم عبد الله بن أبي سلول فوهبهم له. فلما كلمه الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى. قال : فذلك إلى سعد بن معاذ » وكان سعد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده في خيمة امرأة من المسلمين يقال لها رفيدة وكانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق « اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب »، فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه سلم في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له وسادة من أدم وكان رجلاً جسيماً ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه. قال :« قد آن لسعد أن تأخذه في الله لومة لائم » فرجع بعض من كان معه من قومه إلا دار بني الأشهل فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ عن كلمته التي سمع منه، فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قوموا إلى سيدكم فأنزلوه فقاموا إليه وقالوا : يا أبا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك مواليك فتحكم فيهم. فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم ما حكمت. قالوا : نعم قال وعلى من ها هنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « نعم. قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد «لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة » ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار بنت الحارث من نساء بني النجار ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضربت أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم أرسالاً وفيهم عدو الله ورسوله حيي بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول : كانوا بين الثمانمائة إلى التسعمائة وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالاً يا كعب ما ترى ما يصنع بنا قال أفي كل موطن لا تعقلون ألا ترون الداعي لا ينزع وأن من يذهب به منكم لا يرجع هو والله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم النبي صلى الله عليه وسلم وأتى بحيي بن أخطب عدو الله وعليه حلة تفاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة أنملة أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال يا أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم جلس فضرب عنقه وروي عن عائشة قالت لم يقتل من نساء بني قريظة إلا امرأة واحدة قالت والله إنها لعندي تتحدث معي وتضحك ظهراً وبطناً ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم بالسيف إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا والله قلت ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم قالت حدثا أحدثته قالت فانطلق بها فضرب عنقها وكانت عائشة تقول ما أنسى عجباً منها طيب نفس وكثرة ضحك وقد عرفت أنها تقتل قال الواقدي وكان اسم المرأة بنانة امرأة الحكم القرظي وكانت قتلت خلاد بن سويد قال وكان علي والزبير يضربان أعناق بني قريظة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس هناك.
وروى محمد بن إسحاق عن الزهري أن الزبير بن باطا القرظي ويكنى أبا عبد الرحمن كان مّنَّ على ثابت بن قيس بن شماس في الجلية يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه يوم قريظة وه
قوله تعالى ﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن ﴾ أي متعة الطلاق ﴿ وأسرحكن سراحاً جميلاً ﴾ أي من غير ضرر.
﴿ وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً ﴾ سبب نزول هذه الآية أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه من عرض الدنيا شيئاً وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض فهجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلى أن لا يقربهن شهراً، ولم يخرج إلى أصحابه فقالوا ما شأنه وكانوا يقولون طلق الله رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. فقال عمر : لأعلمن لكم شأنه قال فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت :« يا رسول الله أطلقتهن قال :«لا » قلت : يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن. قال :«نعم إن شئت » فقمت على باب المسجد وناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ونزلت هذه الآية ﴿ ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ﴾ فكنت أنا استنبطت هذا الأمر. وأنزل الله آية التخيير وكان تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع نسوة خمسة من قريش وهو : عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة بنت أبي أمية وسودة بنت زمعة، وأربع من غير قرشيات وهن زينب بن جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية وجويرية بنت الحارث المصطلقية، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة، وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتابعتها على ذلك فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك وقصره عليهن فقالت تعالى ﴿ لا يحل لك النساء من بعد ﴾ ( م ) عن جابر بن عبد الله قال :« دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً وحوله نساؤه واجماً ساكتاً. فقال : لأقولن شيئاً أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله لقد رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال «هن حولي كما ترى يسألنني النفقة » فقام أبو بكر إلى عائشة فوجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة فوجأ عنقها كلاهما يقول : تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده قلن والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ليس عنده ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين حتى نزلت هذه الآية :﴿ يا أيها النبي قلت لأزواجك إن كنتن ﴾ حتى بلغ :﴿ للمحسنات منكن أجراً عظيماً ﴾ قال : فبدأ بعائشة فقال : يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت : وما هو يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا عليها الآية قالت أفيك يا رسول الله أستشير أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت : قال :«لا تسألني امرأة منهن إلى أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً مبشراً » قوله واجماً أي مهتماً، والواجم الذي أسكته الهم وعلته الكآبة وقيل الوجوم الحزن. قولهم فوجأت عنقها أي دققته وقوله لم يبعثني معنتاً العنت المشقة والصعوبة ( م ) عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهراً قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت :« لما مضت تسع وعشرون ليلة أعدهن دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بي فقلت : يا رسول الله، أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً وإنك دخلت من تسع وعشرين ؛ أعدهن قال : إن الشهر تسع وعشرون ».

فصل في حكم الآية :


اختلف العلماء في هذا الخيار هل كان ذلك تفويض الطلاق إليهن، حتى يقع بنفس الاختيار أم لا فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم، إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق وإنما خيرهن على أنهن إذ اخترن الدنيا فارقهن لقوله تعالى ﴿ فتعالين أمتعكن وأسرحكن ﴾ بدليل أنه لم يكن جوابهن على الفور، وأنه قال لعائشة :« لا تعجلي حتى تستشيري أبويك » وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور، وذهب قوم إلى أنه كان تفويض الطلاق ولو اخترن أنفسهن كان طلاقاً. التفريع على حكم الآية اختلف أهل العلم في حكم التخيير، فقال عمر وابن مسعود، وابن عباس : إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء وإن اختارت نفسها يقع طلقة واحدة، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن عند أصحاب الرأي يقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها وعند الآخرين رجعية وقال زيد بن ثابت : إذا اختارت الزوج يقع طلقة واحدة وإذا اختارت نفسها فثلاث وهو قول الحسن وبه قال مالك. وروي عن علي أنها إذا اختارت زوجها يقع طلقة واحدة، وإذا اختارت نفسها فطلقة بائنة وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها لا يقع شيء ( ق ) عن مسروق قال : ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو ألفاً بعد أن تختارني، ولقد سألت عائشة رضي الله عنها، فقالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان طلاقاً وفي رواية فاخترناه فلم يعد ذلك شيئاً.
وابن مسعود، وابن عباس: إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء وإن اختارت نفسها يقع طلقة واحدة، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن عند أصحاب الرأي يقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها وعند الآخرين رجعية وقال زيد بن ثابت: إذا اختارت الزوج يقع طلقة واحدة وإذا اختارت نفسها فثلاث وهو قول الحسن وبه قال مالك. وروي عن علي أنها إذا اختارت زوجها يقع طلقة واحدة، وإذا اختارت نفسها فطلقة بائنة وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها لا يقع شيء (ق) عن مسروق قال: ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو ألفا بعد أن تختارني، ولقد سألت عائشة رضي الله عنها، فقالت خيرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما كان طلاقا وفي رواية فاخترناه فلم يعد ذلك شيئا. قوله تعالى:
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٣٠ الى ٣٢]
يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (٣٠) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (٣١) يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٣٢)
يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أي بمعصية ظاهرة قيل: هو كقوله لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ أي لأن منهن من أتت بفاحشة، فإن الله تعالى صان أزواج الأنبياء عن الفاحشة وقال ابن عباس المراد بالفاحشة النشوز وسوء الخلق يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ أي مثلين وسبب تضعيف العقوبة، لهن لشرفهن كتضعيف عقوبة الحرة على الأمة وذلك لأن نسبة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى غيره من الرجال كنسبة الحرة إلى الأمة وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أي عذابها وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ أي تطع الله ورسوله وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ أي مثلي أجر غيرها قيل: الحسنة بعشرين حسنة وتضعيف ثوابهن لرفع منزلتهن وفيه إشارة إلى أنهن أشرف نساء العالمين وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً أي الجنة. قوله تعالى يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ قال ابن عباس: يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم لدي إِنِ اتَّقَيْتُنَّ أي الله فأطعتنه فإن الأكرم عند الله هو الأتقى فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ أي لا تلن بالقول للرجال ولا ترققن الكلام فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أي فجور وشهوة وقيل نفاق والمعنى لا تقلن قولا يجد المنافق والفاجر به سبيلا إلى الطمع فيكن والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقال إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع فيهن وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً أي يوجبه الدين والإسلام عند الحاجة إليه، ببيان من غير خضوع وقيل القول المعروف ذكر الله تعالى. قوله عز وجل:
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٣٣ الى ٣٥]
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (٣٤) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ أي الزمن بيوتكن وقيل هو أمر من الوقار أي كن أهل وقار وسكون وَلا تَبَرَّجْنَ
424
تَبَرُّجَ
قيل: هو التكسر والتغنّج والتبختر وقيل: هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى قيل الجاهلية الأولى هو ما بين عيسى ومحمد صلّى الله عليه وسلّم وقيل: هو زمن داود وسليمان عليهما السلام كانت المرأة تلبس قميصا من الدر غير مخيط الجانبين، فيرى خلفها منه وقيل كان في زمن نمرود الجبار كانت المرأة، تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي به وسط الطريق ليس عليها شيء غيره وتعرض نفسها على الرجال وقال ابن عباس:
الجاهلية الأولى ما بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة وقيل: إن بطنين من ولد آدم عليه السلام كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل وكانت رجال الجبال صباحا وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال دمامة وإن إبليس أتى رجلا من أهل السهل وأجره نفسه وكان يخدمه واتخذ شيئا مثل الذي يزمر به الرعاة فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله فبلغ ذلك من حولهم فأتوهم يستمعون إليه، واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة فتتبرج النساء للرجال وتتزين الرجال لهن، وإن رجلا من أهل الجبل، هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهم فنزلوا معهم وظهرت الفاحشة فيهن فذلك قوله تعالى «ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى» وقيل الجاهلية الأولى ما قبل الإسلام والجاهلية الأخرى، قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان وقيل قد تذكر الأولى وإن لم تكن لها أخرى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ أي الواجبة وَآتِينَ الزَّكاةَ أي المفروضة وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي فيما أمر وفيما نهى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أي الإثم الذي نهى الله النساء عنه.
وقال ابن عباس: يعني عمل الشيطان وما ليس الله فيه رضا، وقيل: الرجس الشك وقيل السوء أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً هم نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنهن في بيته وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس وتلا قوله تعالى وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ وهو قول عكرمة ومقاتل وذهب أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة وغيرهم إلى أنهم علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، يدل عليه ما روي من عائشة أم المؤمنين قالت «خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء الحسن فأدخله فيه، ثم جاء الحسن فأدخله فيه ثم قال:
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً أخرجه مسلم. المرط الكساء والمرحل بالحاء المنقوش عليه صور الرجال، وبالجيم المنقوش عليه صور الرجال، عن أم سلمة قالت: إن هذه الآية نزلت في بيتها، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قالت وأنا جالسة عند الباب فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت فقال: إنك إلى خير أنت من أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: وفي البيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلي وفاطمة وحسن وحسين فجللهم بكساء وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنه الرجس وطهرهم تطهيرا»
أخرجه الترمذي. وقال حديث صحيح غريب عن أنس بن مالك «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر، إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم تطهيرا» أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن غريب وقال زيد بن أرقم أهل البيت من حرم الصدقة بعده آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
قوله تعالى وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ يعني القرآن وَالْحِكْمَةِ قيل هي السنة وقيل هي أحكام القرآن ومواعظه إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً يعني بأوليائه وأهل طاعته خَبِيراً أي بجميع خلقه. قوله عز وجل إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ الآية وذلك أن أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم قلن يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن، ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر به إنا نخاف أن لا تقبل منا طاعة فأنزل الله هذه الآية. عن أم عمارة الأنصارية قالت: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلت مالي أرى كل شيء إلى الرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب وقيل إن أم سلمة بنت أبي أمية وأنيسة بنت كعب الأنصارية
425
﴿ ومن يقنت منكن لله ورسوله ﴾ أي تطع الله ورسوله ﴿ وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين ﴾ أي مثلي أجر غيرها قيل : الحسنة بعشرين حسنة وتضعيف ثوابهن لرفع منزلتهن وفيه إشارة إلى أنهن أشرف نساء العالمين ﴿ وأعتدنا لها رزقاً كريماً ﴾ أي الجنة.
قوله تعالى ﴿ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ﴾ قال ابن عباس : يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم لدي ﴿ إن اتقيتن ﴾ أي الله فأطعتنه فإن الأكرم عند الله هو الأتقى ﴿ فلا تخضعن بالقول ﴾ أي لا تلن بالقول للرجال، ولا ترققن الكلام ﴿ فيطمع الذي في قلبه مرض ﴾ أي فجور وشهوة، وقيل نفاق. والمعنى لا تقلن قولاً يجد المنافق والفاجر به سبيلاً إلى الطمع فيكن. والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقال إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع فيهن ﴿ وقلن قولاً معروفاً ﴾ أي يوجبه الدين والإسلام عند الحاجة إليه، ببيان من غير خضوع وقيل القول المعروف ذكر الله تعالى.
قوله عز وجل :﴿ وقرن في بيوتكن ﴾ أي الزمن بيوتكن، وقيل هو أمر من الوقار أي كن أهل وقار وسكون ﴿ ولا تبرجن تبرج ﴾ قيل : هو التكسر والتغنّج والتبختر وقيل : هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال ﴿ الجاهلية الأولى ﴾ قيل الجاهلية الأولى هو ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وقيل : هو زمن داود وسليمان عليهما السلام كانت المرأة تلبس قميصاً من الدر غير مخيط الجانبين، فيرى خلفها منه، وقيل كان في زمن نمرود الجبار، كانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي به وسط الطريق ليس عليها شيء غيره، وتعرض نفسها على الرجال. وقال ابن عباس : الجاهلية الأولى ما بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة وقيل : إن بطنين من ولد آدم عليه السلام كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل، وكانت رجال الجبل صباحاً وفي النساء دمامة، ، وكان نساء السهل صباحاً وفي الرجال دمامة، وإن إبليس أتى رجلاً من أهل السهل وأجره نفسه وكان يخدمه واتخذ شيئاً مثل الذي يزمر به الرعاة فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله، فبلغ ذلك من حولهم فأتوهم يستمعون إليه، واتخذوا عيداً يجتمعون إليه في السنة فتتبرج النساء للرجال وتتزين الرجال لهن، وإن رجلاً من أهل الجبل، هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهم فنزلوا معهم وظهرت الفاحشة فيهن فذلك قوله تعالى ﴿ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ﴾ وقيل الجاهلية الأولى ما قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى قوم يفعلون مثل فعلهم آخر الزمان، وقيل قد تذكر الأولى وإن لم تكن لها أخرى ﴿ وأقمن الصلاة ﴾ أي الواجبة ﴿ وآتين الزكاة ﴾ أي المفروضة ﴿ وأطعن الله ورسوله ﴾ أي فيما أمر وفيما نهى ﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ﴾ أي الإثم الذي نهى الله النساء عنه.
وقال ابن عباس : يعني عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضا، وقيل : الرجس الشك، وقيل السوء ﴿ أهل البيت ويطهركم تطهيراً ﴾ هم نساء النبي صلى الله عليه وسلم ؛لأنهن في بيته وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس. وتلا قوله تعالى ﴿ واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ﴾ وهو قول عكرمة ومقاتل وذهب أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة وغيرهم إلى أنهم علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، يدل عليه ما روي من عائشة أم المؤمنين قالت « خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء الحسن فأدخله فيه، ثم جاء الحسين فأدخله فيه ثم قال :﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ﴾ أخرجه مسلم.
المرط الكساء والمرحل بالحاء المنقوش عليه صور الرحال، وبالجيم المنقوش عليه صور الرجال، عن أم سلمة قالت :« إن هذه الآية نزلت في بيتها، ﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ﴾ قالت وأنا جالسة عند الباب فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت فقال : إنك إلى خير أنت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين فجللهم بكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً » أخرجه الترمذي. وقال حديث صحيح غريب. عن أنس بن مالك « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر، إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم تطهيراً » أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن غريب. وقال زيد بن أرقم أهل البيت من حرم الصدقة بعده آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
قوله تعالى ﴿ واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله ﴾ يعني القرآن ﴿ والحكمة ﴾ قيل هي السنة وقيل هي أحكام القرآن ومواعظه ﴿ إن الله كان لطيفاً ﴾ يعني بأوليائه وأهل طاعته ﴿ خبيراً ﴾ أي بجميع خلقه. قوله عز وجل ﴿ إن المسلمين والمسلمات ﴾ الآية وذلك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن، ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر به إنا نخاف أن لا تقبل منا طاعة فأنزل الله هذه الآية. عن أم عمارة الأنصارية قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت مالي أرى كل شيء إلى الرجال وما أرى النساء يذكرن.
بشيء فنزلت ﴿ إن المسلمين والمسلمات ﴾ أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب وقيل إن أم سلمة بنت أبي أمية وأنيسة بنت كعب الأنصارية قالتا للنبي صلى الله عليه وسلم ما بال ربنا يذكر الرجال، ولا يذكر النساء في شيء في كتابه ونخشى أن لا يكون فيهن خير فنزلت هذه الآية وروي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، فدخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت هل نزل فينا شيء من القرآن قلن لا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله : إن النساء لفي خيبة وخسار قال « ومم ذلك » قالت : لأنهن لم يذكرن بخير كما ذكر الرجال فأنزل الله إن المسلمين والمسلمات، فذكر لهن عشر مراتب مع الرجال، فمدحهن بها معهم الأولى الإسلام وهو الانقياد لأمر الله تعالى وهو قوله : إن المسلمين والمسلمات، الثانية الإيمان بما يراد به أمر الله تعالى وهو تصحيح الاعتقاد وموافقة الظاهر للباطن، وهو قوله ﴿ والمؤمنين والمؤمنات ﴾ الثالثة الطاعة وهو قوله ﴿ والقانتين والقانتات ﴾ الرابعة الصدق في الأقوال والأفعال وهو قوله ﴿ والصادقين والصادقات ﴾ الخامسة الصبر على ما أمر الله وفيما ساء وسر وهو قوله ﴿ والصابرين والصابرات ﴾ السادسة الخشوع في الصلاة وهو أن لا يلتفت وقيل : هو التواضع وهو قوله ﴿ والخاشعين والخاشعات ﴾ السابعة الصدقة مما رزق الله وهو قوله ﴿ والمتصدقين والمتصدقات ﴾ الثامنة المحافظة على الصوم وهو قوله ﴿ والصائمين والصائمات ﴾ التاسعة العفة وهو قوله ﴿ والحافظين فروجهم ﴾ يعني عما لا يحل ﴿ والحافظات ﴾ العاشرة كثرة الذكر وهو قوله ﴿ والذاكرين الله كثيراً والذاكرات ﴾ وقيل لا يكون العبد منهم حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « سبق المفردون قالوا : يا رسول الله وما المفردون قال الذاكرون الله كثيراً والذاكرات » وقال عطاء بن أبي رباح من فوّض أمره إلى الله، فهو داخل في قوله إن المسلمين والمسلمات، ومن أقر بأن الله ربه ومحمداً رسوله، ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل في قوله والمؤمنين والمؤمنات ومن أطاع الله في الفرض والرسول في السنة، فهو داخل في قوله والقانتين والقانتات، ومن صان قوله عن الكذب، فهو داخل في قوله والصادقين والصادقات، ومن صبر على الطاعة وعن المعصية وعلى الرزية، فهو داخل في قوله الصابرين والصابرات، ومن صلى فلم يعرف من عن يمينه وعن شماله، فهو داخل في قوله والخاشعين والخاشعات، ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم، فهو داخل في قوله والمتصدقين والمتصدقات، ومن صام في كل شهر أيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو داخل في قوله والصائمين والصائمات، ومن حفظ فرجه عما لا يحل فهو داخل في قوله والحافظين فروجهم والحافظات، ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله والذاكرين الله كثيراً والذاكرات ﴿ أعد الله لهم مغفرة ﴾ أي بمحو ذنوبهم ﴿ وأجراً عظيماً ﴾ يعني الجنة.
قالتا للنبي صلّى الله عليه وسلّم ما بال ربنا يذكر الرجال، ولا يذكر النساء في شيء في كتابه ونخشى أن لا يكون فيهن خير فنزلت هذه الآية وروي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، فدخلت على نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت هل نزل فينا شيء من القرآن قلن لا فأتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت يا رسول الله: إن النساء لفي خيبة وخسار قال «ومم ذلك» قالت: لأنهن لم يذكرن بخير كما ذكر الرجال فأنزل الله إن المسلمين والمسلمات فذكر لهن عشر مراتب مع الرجال، فمدحهن بها معهم الأولى الإسلام وهو الانقياد لأمر الله تعالى وهو قوله: إن المسلمين والمسلمات، الثانية الإيمان بما يراد به أمر الله تعالى وهو تصحيح الاعتقاد وموافقة الظاهر للباطن، وهو قوله وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الثالثة الطاعة وهو قوله وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ الرابعة الصدق في الأقوال والأفعال وهو قوله وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ الخامسة الصبر على ما أمر الله وفيما ساء وسر وهو قوله وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ السادسة الخشوع في الصلاة وهو أن لا يلتفت وقيل: هو التواضع وهو قوله وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ السابعة الصدقة مما رزق الله وهو قوله وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ الثامنة المحافظة على الصوم وهو قوله وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ التاسعة العفة وهو قوله وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ يعني عما لا يحل وَالْحافِظاتِ العاشرة كثرة الذكر وهو قوله وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ وقيل لا يكون العبد منهم حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا، وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال «سبق المفردون قالوا: يا رسول الله وما المفردون قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات» وقال عطاء بن أبي رباح من فوّض أمره إلى الله، فهو داخل في قوله إن المسلمين والمسلمات ومن أقر بأن الله ربه ومحمدا رسوله، ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل في قوله والمؤمنين والمؤمنات ومن أطاع الله في الفرض والرسول في السنة، فهو داخل في قوله والقانتين والقانتات، ومن صان قوله عن الكذب، فهو داخل في قوله والصادقين والصادقات ومن صبر على الطاعة وعن المعصية وعلى الرزية، فهو داخل في قوله والصابرين والصابرات ومن صلى، فلم يعرف من عن يمينه وعن شماله، فهو داخل في قوله والخاشعين والخاشعات ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم، فهو داخل في قوله والمتصدقين والمتصدقات ومن صام في كل شهر أيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو داخل في قوله والصائمين والصائمات، ومن حفظ فرجه عما لا يحل فهو داخل في قوله والحافظين فروجهم والحافظات ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً أي بمحو ذنوبهم وَأَجْراً عَظِيماً يعني الجنة. قوله تعالى:
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٣٦ الى ٣٧]
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٣٧)
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ نزلت هذه الآية في زينب بنت جحش الأسدية وأخيها عبد الله بن جحش، وأمهما أمية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خطب زينب لمولاه زيد بن حارثة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اشترى زيدا في الجاهلية بعكاظ وأعتقه، وتبناه فلما خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب رضيت وظنت أنه يخطبها لنفسه فلما علمت أنه يخطبها لزيد بن حارثة أبت وقالت: أنا ابنة عمتك يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي، وكانت بيضاء جميلة وفيها حدة وكذلك كره أخوها ذلك فأنزل الله تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ يعني عبد الله بن جحش وَلا مُؤْمِنَةٍ يعني أخته زينب إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
426
أَمْراً
يعني نكاح زيد لزينب أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ أي الاختيار على ما قضى، والمعنى أن يريد غير ما أراد الله أو يمتنع مما أمر الله ورسوله به وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً أي أخطأ خطأ ظاهرا فلما سمعت بذلك زينب وأخوها رضيا وسلما وجعلت أمرها بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنكحها زيدا ودخل بها وساق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهما عشرة دنانير وستين درهما وخمارا، ودرعا وملحفة وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر. قوله عز وجل وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ الآية نزلت في زينب، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما زوجها من زيد مكثت عنده حينا، ثم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى زيدا ذات يوم لحاجة فأبصر زينب في درع وخمار وكانت بيضاء جميلة، ذات خلق من أتم نساء قريش وقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال «سبحان الله مقلب القلوب» وانصرف فلما جاء زيد ذكرت له ذلك ففطن زيد وألقى في نفسه كراهيتها في الوقت وأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي فقال له «ما لك أرابك منها شيء» قال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرا ولكنها تتعظم علي بشرفها وتؤذيني بلسانها فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك عليك زوجك واتق الله في أمرها» ثم إن زيدا طلقها فذلك قوله عز وجل وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أي بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أي بالإعتاق وهو زيد بن حارثة مولاه أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ يعني زينب بنت جحش وَاتَّقِ اللَّهَ أي فيها ولا تفارقها وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ أي تسر وتضمر في نفسك مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ أي مظهره قيل كان في قلبه لو فارقها تزوجها قال ابن عباس: حبها وقيل ود أنه طلقها وَتَخْشَى النَّاسَ قال ابن عباس تستحييهم وقيل تخاف لائمتهم أن يقولوا أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ قال عمر وابن مسعود وعائشة: ما نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آية هي أشد من هذه الآية، وعن عائشة قالت: لو كتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا من الوحي لكتم هذه الآية: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن غريب.

فصل


فإن قلت: ما ذكروه في تفسير هذه الآية، وسبب نزولها من وقوع محبتها في قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم عند ما رآها وإرادته طلاق زيد لها فيه أعظم الحرج، وما لا يليق بمنصبه صلّى الله عليه وسلّم من مد عينيه لما نهى عنه من زهرة الحياة الدنيا.
قلت: هذا إقدام عظيم من قائله وقلة معرفة بحق النبي صلّى الله عليه وسلّم وبفضله وكيف يقال رآها فأعجبته وهي بنت عمته ولم يزل يراها منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه صلّى الله عليه وسلّم وهو زوجها لزيد، فلا يشك في تنزيه النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أن يأمر زيدا بإمساكها، وهو يحب تطليقه إياها ذكر عن جماعة من المفسرين. وأصح ما في هذا الباب ما روي عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال: سألني زين العابدين بن علي بن الحسين قال ما يقول الحسن في قوله تعالى وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ قلت: يقول لما جاء زيد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله إني أريد أن أطلق زينب أعجبه ذلك، وقال أمسك عليك زوجك واتق الله فقال علي بن الحسين ليس كذلك فإن الله عز وجل، قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها فلما جاء زيد قال: إني أريد أن أطلقها قال له: أمسك عليك زوجك فعاتبه الله تعالى وقال لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لأن الله تعالى أعلم أنه يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال تعالى «زوجناكها» فلو كان الذي أضمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه، ولا يظهره فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله أنها ستكون زوجته وإنما أخفى ذلك استحياء أن يخبر زيدا أن التي تحتك وفي نكاحك ستكون زوجتي وهذا قول حسن مرضي، وكم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحي من اطلاع الناس
427
قوله عز وجل ﴿ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك ﴾ الآية نزلت في زينب، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجها من زيد مكثت عنده حيناً، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زيداً ذات يوم لحاجة فأبصر زينب في درع وخمار وكانت بيضاء جميلة، ذات خلق من أتم نساء قريش وقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال « سبحان الله مقلب القلوب » وانصرف فلما جاء زيد ذكرت له ذلك ففطن زيد وألقى في نفسه كراهيتها في الوقت وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أريد أن أفارق صاحبتي فقال له «مالك أرابك منها شيء » قال : لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيراً ولكنها تتعظم علي بشرفها وتؤذيني بلسانها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :«أمسك عليك زوجك واتق الله في أمرها » ثم إن زيداً طلقها فذلك قوله عز وجل ﴿ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ﴾ أي بالإسلام ﴿ وأنعمت عليه ﴾ أي بالإعتاق وهو زيد بن حارثة مولاه ﴿ أمسك عليك زوجك ﴾ يعني زينب بنت جحش ﴿ واتق الله ﴾ أي فيها ولا تفارقها ﴿ وتخفي في نفسك ﴾ أي تسر وتضمر في نفسك ﴿ ما الله مبديه ﴾ أي مظهره قيل كان في قلبه لو فارقها تزوجها قال ابن عباس : حبها وقيل ود أنه طلقها ﴿ وتخشى الناس ﴾ قال ابن عباس تستحييهم وقيل تخاف لائمتهم أن يقولوا أمر رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها ﴿ والله أحق أن تخشاه ﴾ قال عمر وابن مسعود وعائشة : ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد من هذه الآية، وعن عائشة قالت : لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية :﴿ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ﴾ أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن غريب.

فصل :


فإن قلت : ما ذكروه في تفسير هذه الآية، وسبب نزولها من وقوع محبتها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم عندما رآها وإرادته طلاق زيد لها فيه أعظم الحرج، وما لا يليق بمنصبه صلى الله عليه وسلم من مد عينيه لما نهى عنه من زهرة الحياة الدنيا. قلت : هذا إقدام عظيم من قائله وقلة معرفة بحق النبي صلى الله عليه وسلم وبفضله وكيف يقال رآها فأعجبته وهي بنت عمته ولم يزل يراها منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه وسلم وهو زوجها لزيد، فلا يشك في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يأمر زيداً بإمساكها، وهو يحب تطليقه إياها ذكر عن جماعة من المفسرين. وأصح ما في هذا الباب ما روي عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال : سألني زين العابدين بن علي بن الحسين قال ما يقول الحسن في قوله تعالى ﴿ وتخفي في نفسك ما لله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ﴾ قلت : يقول لما جاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أريد أن أطلق زينب أعجبه ذلك، وقال أمسك عليك زوجك واتق الله فقال علي بن الحسين ليس كذلك فإن الله عز وجل، قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيداً سيطلقها فلما جاء زيد قال : إني أريد أن أطلقها قال له : أمسك عليك زوجك فعاتبه الله تعالى وقال لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لأن الله تعالى أعلم أنه يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال تعالى ﴿ زوجناكها ﴾ فلو كان الذي أضمره رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه، ولا يظهره فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله أنها ستكون زوجته وإنما أخفى ذلك استحياء أن يخبر زيداً أن التي تحتك وفي نكاحك ستكون زوجتي وهذا قول حسن مرضي، وكم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحي من اطلاع الناس عليه وهو في نفسه مباح متسع، وحلال مطلق لا مقال فيه ولا عيب عند الله وربما كان الدخول في ذلك المباح سلماً إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين هو إنما جعل الله طلاق زيد لها، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها لإزالة حرمة التبني وإبطال سنته كما قال الله تعالى ﴿ وما كان محمد أبا أحد من رجالكم ﴾ وقال ﴿ لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم ﴾ فإن قلت فما الفائدة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيداً بإمساكها. قتل : هو أن الله تعالى أعلم نبيه أنها زوجته فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم، عن طلاقها وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به فلما طلقها زيد خشي قول الناس يتزوج امرأة ابنه فأمره الله تعالى بزواجها ليباح مثل ذلك لأمته، وقيل : كان في أمره بإمساكها قمعاً للشهوة ورداً للنفس عن هواها وهذا إذا جوزنا القول المتقدم الذي ذكره المفسرون وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها زيد، ومثل ذلك لا يقدح في حال الأنبياء، مع أن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الأشياء، وأنه رآها فجأة فاستحسنها ومثل هذه لا نكرة فيه لما طبع عليه البشر من استحسان الحسن، ونظرة الفجأة معفو عنها ما لم يقصد مأثماً لأن الود وميل النفس من طبع البشر والله أعلم.
وقوله ﴿ أمسك عليك زوجك واتق الله ﴾ أمر بالمعروف، وهو حسن لا إثم فيه وقوله ﴿ والله أحق أن تخشاه ﴾ لم يرد به أنه لم يكن يخشى الله فيما سبق فإنه عليه الصلاة والسلام، قد قال أنا أخشاكم لله وأتقاكم له ولكنه لما ذكر الخشية من الناس، ذكر أن الله أحق بالخشية في عموم الأحوال في جميع الأشياء. قوله عز وجل ﴿ فلما قضى زيد منها وطراً ﴾ أي حاجته منها، ولم يبق له فيها أرب وتقاصرت همته عنها وطابت عنها نفسه وطلقها، وانقضت عدتها وذكر قضاء الوطر ليعلم أن زوجته المتبني تحل بعد الدخول بها ﴿ زوجناكها ﴾ قال أنس : كانت زينب تفتخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سموات، وقال الشعبي :« كانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وسلم إني لأدل عليك بثلاث ما من امرأة من نسائك تدل بهن جدي وجدك واحد وإني أنكحنيك الله في السماء وإن السفير جبريل عليه السلام » ( م ) عن أنس قال لما انقضت عدة زينب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لزيد : اذهب فاذكرها على قال فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال : فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها لأن رسول الله ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت يا زينب أرسل رسول الله يذكرك قالت ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها بغير إذن قال : فلقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حتى امتد النهار فخرج الناس، وبقي أناس يتحدثون في البيت بعد الطعام فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعته فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك قال : فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أم غيري قال فانطلق حتى دخل البيت، وذهبت لأدخل معه فألقى الستر بيني وبينهم ونزل الحجاب ( ق ) عن أنس قال ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه، ما أولم على زينب أولم بشاة وفي رواية أكثر وأفضل، ما أولم على زينب قال ثابت : بم أولم قال أطعمهم خبزاً ولحماً حتى تركوه.
قوله عز وجل ﴿ لكيلا يكون على المؤمنين حرج ﴾ أي إثم ﴿ في أزواج أدعيائهم ﴾ جمع الدعي وهو المتبني ﴿ إذا قضوا منهن وطراً ﴾ يقول : يقول زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي كنت تبنيته، ليعلم أن زوجة المتبنى حلال للمتبني وإن كان قد دخل بها المتبني بخلاف امرأة ابن الصلب فإنها لا تحل للأب ﴿ وكان أمر الله مفعولاً ﴾ أي قضاء الله ماضياً وحكمه نافذاً وقد قضى في زينب أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عليه وهو في نفسه مباح متسع، وحلال مطلق لا مقال فيه ولا عيب عند الله وربما كان الدخول في ذلك المباح سلما إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين وهو إنما جعل الله طلاق زيد لها، وتزويج النبي صلّى الله عليه وسلّم إياها لإزالة حرمة التبني وإبطال سنته كما قال الله تعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وقال لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ فإن قلت فما الفائدة في أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم زيدا بإمساكها. قلت: هو أن الله تعالى أعلم نبيه أنها زوجته فنهاه النبي صلّى الله عليه وسلّم، عن طلاقها وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به فلما طلقها زيد خشي قول الناس يتزوج امرأة ابنه فأمره الله تعالى بزواجها ليباح مثل ذلك لأمته، وقيل: كان في أمره بإمساكها قمعا للشهوة وردا للنفس عن هواها وهذا إذا جوزنا القول المتقدم الذي ذكره المفسرون وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها زيد، ومثل ذلك لا يقدح في حال الأنبياء، مع أن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الأشياء، وأنه رآها فجأة فاستحسنها ومثل هذه لا نكرة فيه لما طبع عليه البشر من استحسان الحسن، ونظرة الفجأة معفو عنها ما لم يقصد مأثما لأن الود وميل النفس من طبع البشر والله أعلم.
وقوله أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ أمر بالمعروف، وهو حسن لا إثم فيه وقوله وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ لم يرد به أنه لم يكن يخشى الله فيما سبق فإنه عليه الصلاة والسلام، قد قال أنا أخشاكم لله وأتقاكم له ولكنه لما ذكر الخشية من الناس، ذكر أن الله أحق بالخشية في عموم الأحوال في جميع الأشياء. قوله عز وجل فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً أي حاجته منها، ولم يبق له فيها أرب وتقاصرت همته عنها وطابت عنها نفسه وطلقها، وانقضت عدتها وذكر قضاء الوطر ليعلم أن زوجة المتبني تحل بعد الدخول بها زَوَّجْناكَها قال أنس:
كانت زينب تفتخر على أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم تقول: زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سموات، وقال الشعبي: «كانت زينب تقول للنبي صلّى الله عليه وسلّم إني لأدل عليك بثلاث ما من امرأة من نسائك تدل بهن جدي وجدك واحد وإني أنكحنيك الله في السماء وإن السفير جبريل عليه السلام» (م) عن أنس قال لما انقضت عدة زينب، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لزيد: اذهب فاذكرها على قال فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها لأن رسول الله ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت يا زينب أرسل رسول الله يذكرك قالت ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عليها بغير إذن قال: فلقد رأيتنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أطعمنا الخبز واللحم حتى امتد النهار فخرج الناس، وبقي أناس يتحدثون في البيت بعد الطعام فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واتبعته فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك قال: فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أم غيري قال فانطلق حتى دخل البيت، وذهبت لأدخل معه فألقى الستر بيني وبينهم ونزل الحجاب (ق) عن أنس قال ما أولم النبي صلّى الله عليه وسلّم على شيء من نسائه، ما أولم على زينب أولم بشاة وفي رواية أكثر وأفضل، ما أولم على زينب قال ثابت: بم أولم قال أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه. قوله عز وجل لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ أي إثم فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ جمع الدعي وهو المتبني إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً يقول: يقول زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي كنت تبنيته، ليعلم أن زوجة المتبنى حلال للمتبني وإن كان قد دخل بها المتبني بخلاف امرأة ابن الصلب فإنها لا تحل للأب وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا أي قضاء الله ماضيا وحكمه نافذا وقد قضى في زينب أن يتزوجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قوله تعالى:
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٣٨ الى ٤٤]
ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٣٩) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢)
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤)
428
ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ أي فيما أحل الله له من النكاح، وغيره سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ معناه سن الله سنة في الأنبياء، وهو أن لا حرج عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح، وغيره فإنه كان لهم الحرائر والسراري فقد كان لداود عليه السلام مائة امرأة، ولسليمان ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية فكذلك سن لمحمد صلّى الله عليه وسلّم في التوسعة عليه كما سن لهم ووسع عليهم وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً يعني قضاء مقضيا أن لا حرج على أحد فيما أحل له ثم أثنى الله على الأنبياء بقوله الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ يعني فرائض الله وسننه وأوامره ونواهيه إلى من أرسلوا إليهم وَيَخْشَوْنَهُ يعني يخافونه وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ يعني لا يخافون قالت: الناس ولائمتهم فيما أحل لهم وفرض عليهم وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أي حافظا لأعمال خلقه ومحاسبهم. قوله عز وجل ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما تزوج زينب قال: الناس إن محمدا تزوج امرأة ابنه فأنزل الله ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ يعني زيد بن حارثة والمعنى أنه لم يكن أبا رجل منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح. فإن قلت: قد كان له أبناء القاسم والطيب والطاهر وإبراهيم وقال للحسن: إن ابني هذا سيد. قلت: قد أخرجوا من حكم النفي بقوله من رجالكم وهؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال وقيل: أراد بالرجال الذي لم يلدهم وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ أي إن كل رسول هو أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ختم الله به النبوة فلا نبوة بعده أي ولا معه قال ابن عباس:
يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابنا ويكون بعده نبيا وعنه قال: إن الله لما حكم أن لا نبي بعده، لم يعطه ولدا ذكرا يصير رجلا وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً أي دخل في علمه أنه لا نبي بعده. فإن قلت: قد صح أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان بعده وهو نبي قلت إن عيسى عليه السلام ممن نبيء قبله وحين ينزل في آخر الزمان ينزل عاملا بشريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم ومصليا إلى قبلته كأنه بعض أمته (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون ويتعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين» وعن جابر نحوه وفيه جئت فختمت الأنبياء (ق) عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله الكفر بي وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي» وقد سماه الله رؤوفا رحيما (م) عن أبي موسى قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يسمي، لنا نفسه أسماء فقال «أنا محمد وأنا أحمد وأنا المقفي وأنا الماحي ونبي التوبة ونبي الرحمة» المقفي هو المولى الذاهب، يعني آخر الأنبياء المتبع لهم فإذا قفي فلا نبي بعده.
قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً قال ابن عباس: لم يفرض الله عز وجل على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فإنه لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، وأمرهم به في الأحوال كلها فقال تعالى فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ وقال تعالى اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً يعني بالليل والنهار في البر والبحر وفي الصحة والسقم وفي السر والعلانية، وقيل الذكر الكثير أن لا ينساه أبدا وَسَبِّحُوهُ معناه إذا ذكرتموه ينبغي لكم أن يكون ذكركم إياه على وجه التعظيم والتنزيه عن كل سوء بُكْرَةً وَأَصِيلًا فيه إشارة إلى المداومة لأن ذكر الطرفين يفهم منه
429
أثنى الله على الأنبياء بقوله ﴿ الذين يبلغون رسالات الله ﴾ يعني فرائض الله وسننه وأوامره ونواهيه إلى من أرسلوا إليهم ﴿ ويخشونه ﴾ يعني يخافونه ﴿ ولا يخشون أحداً إلا الله ﴾ يعني لا يخافون قالت : الناس ولائمتهم فيما أحل لهم وفرض عليهم ﴿ وكفى بالله حسيباً ﴾ أي حافظاً لأعمال خلقه ومحاسبهم.
قوله عز وجل ﴿ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ﴾ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب قال : الناس إن محمداً تزوج امرأة ابنه فأنزل الله ﴿ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ﴾ يعني زيد بن حارثة والمعنى أنه لم يكن أبا رجل منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح. فإن قلت : قد كان له أبناء القاسم والطيب والطاهر وإبراهيم وقال الحسن : إن ابني هذا سيد. قلت : قد أخرجوا من حكم النفي بقوله من رجالكم وهؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال وقيل : أراد بالرجال الذي لم يلدهم ﴿ ولكن رسول الله ﴾ أي إن كل رسول هو أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه ﴿ وخاتم النبيين ﴾ ختم الله به النبوة فلا نبوة بعده أي ولا معه قال ابن عباس : يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابناً ويكون بعده نبياً وعنه قال : إن الله لما حكم أن لا نبي بعده، لم يعطه ولداً ذكراً يصير رجلاً ﴿ وكان الله بكل شيء عليماً ﴾ أي دخل في علمه أنه لا نبي بعده. فإن قلت : قد صح أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان بعده وهو نبي قلت إن عيسى عليه السلام ممن نبيء قبله وحين ينزل في آخر الزمان ينزل عاملاً بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ومصلياً إلى قبلته كأنه بعض أمته ( ق ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون ويتعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين » وعن جابر نحوه وفيه جئت فختمت الأنبياء ( ق ) عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله الكفر بي وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي » وقد سماه الله رؤوفاً رحيماً ( م ) عن أبي موسى قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمي، لنا نفسه أسماء فقال « أنا محمد وأنا أحمد وأنا المقفي وأنا الماحي ونبي التوبة ونبي الرحمة » المقفي هو المولى الذاهب، يعني آخر الأنبياء المتبع لهم فإذا قفي فلا نبي بعده.
قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً ﴾ قال ابن عباس : لم يفرض الله عز وجل على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فإنه لم يجعل له حداً ينتهي إليه ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله، وأمرهم به في الأحوال كلها فقال تعالى ﴿ فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم ﴾ وقال تعالى ﴿ اذكروا الله ذكراً كثيراً ﴾ يعني بالليل والنهار في البر والبحر وفي الصحة والسقم وفي السر والعلانية، وقيل الذكر الكثير أن لا ينساه أبداً.
﴿ وسبحوه ﴾ معناه إذا ذكرتموه ينبغي لكم أن يكون ذكركم إياه على وجه التعظيم والتنزيه عن كل سوء ﴿ بكرة وأصيلاً ﴾ فيه إشارة إلى المداومة لأن ذكر الطرفين يفهم منه الوسط أيضاً وقيل : معناه صلوا له بكرة صلاة الصبح وأصيلاً يعني صلاة العصر وقيل صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقيل : معنى سبحوه قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله زاد في نسخة العلي العظيم فعبر بالتسبيح عن أخواته والمراد بقوله : كثيراً هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب والحائض والمحدث.
﴿ هو الذي يصلي عليكم وملائكته ﴾ الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار للمؤمنين وقيل الصلاة من الله على العبد هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده والثناء عليه قال أنس : لما نزلت ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي ﴾ قال أبو بكر : ما خصك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه فأنزل الله هذه الآية ﴿ ليخرجكم من الظلمات إلى النور ﴾ يعني أنه برحمته وهدايته، ودعاء الملائكة لكم أخرجكم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ﴿ وكان بالمؤمنين رحيماً ﴾ فيه بشارة لجميع المؤمنين وإشارة إلى أن قوله يصلي عليكم غير مختص بالسامعين، وقت الوحي بل هو عام لجميع المسلمين.
﴿ تحيتهم ﴾ يعني تحية المؤمنين ﴿ يوم يلقونه ﴾ أي يرون الله يوم القيامة ﴿ سلام ﴾ أي يسلم الرب تعالى عليهم ويسلمهم من جميع الآفات وروي عن البراء بن عازب قال ﴿ تحيتهم يوم يلقونه سلام ﴾ يعني يلقون ملك الموت، لا يقبض روح مؤمن إلا يسلم عليه عن ابن مسعود قال إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال ربك يقرئك السلام وقيل : تسلم عليهم الملائكة حين يخرجون من قبورهم تبشرهم ﴿ وأعد لهم أجراً كريماً ﴾ يعني الجنة.
الوسط أيضا وقيل: معناه صلوا له بكرة صلاة الصبح وأصيلا يعني صلاة العصر وقيل صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقيل: معنى سبحوه قولوا سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله زاد في نسخة العلي العظيم فعبر بالتسبيح عن أخواته والمراد بقوله: كثيرا هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب والحائض والمحدث هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار للمؤمنين وقيل الصلاة من الله على العبد هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده والثناء عليه قال أنس: لما نزلت إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قال أبو بكر: ما خصك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه فأنزل الله هذه الآية لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني أنه برحمته وهدايته، ودعاء الملائكة لكم أخرجكم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً فيه بشارة لجميع المؤمنين وإشارة إلى أن قوله يصلي عليكم غير مختص بالسامعين، وقت الوحي بل هو عام لجميع المسلمين تَحِيَّتُهُمْ يعني تحية المؤمنين يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ أي يرون الله يوم القيامة سَلامٌ أي يسلم الرب تعالى عليهم ويسلمهم من جميع الآفات وروي عن البراء بن عازب قال تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ يعني يلقون ملك الموت، لا يقبض روح مؤمن إلا يسلم عليه عن ابن مسعود قال إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال ربك يقرئك السلام وقيل: تسلم عليهم الملائكة حين يخرجون من قبورهم تبشرهم وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً يعني الجنة. قوله عز وجل:
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٤٥ الى ٥٠]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٤٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٤٩)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٠)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً أي للرسل بالتبليغ وقيل شاهدا على الخلق كلهم يوم القيامة وَمُبَشِّراً أي لمن آمن بالجنة وَنَذِيراً أي لمن كذب بالنار وَداعِياً إِلَى اللَّهِ أي إلى توحيده وطاعته بِإِذْنِهِ أي بأمره وَسِراجاً مُنِيراً سماه سراجا منيرا لأنه جلا به ظلمات الشرك واهتدى به الضالون كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير، وقيل معناه أمد الله بنور نبوته نور البصائر كما يمد بنور السراج نور الأبصار ووصفه بالإنارة لأن من السراج ما لا يضيء. فإن قلت لم سماه سراجا، ولم يسمه شمسا والشمس أشد إضاءة من السرج وأنور.
قلت: نور الشمس لا يمكن أن يؤخذ منه شيء بخلاف نور السراج فإنه يؤخذ منه أنوار كثيرة وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً أي ما تفضل به عليهم زيادة على الثواب وقيل: الفضل هو الثواب وقيل هو تفضيل هذه الأمة على سائر الأمم وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ قال ابن عباس: اصبر على أذاهم لا تجازهم عليه وهذا منسوخ بآية القتال وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا أي حافظا. قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ أي تجامعوهن، ففي الآية دليل على أن الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح حتى لو قال لامرأة أجنبية إذا نكحتك فأنت طالق، أو قال:
430
كل امرأة أنكحها فهي طالق فنكح لا يقع الطلاق، وهذا قول علي وابن عباس وجابر ومعاذ وعائشة وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وشريح وسعيد بن جبير والقاسم وطاوس، الحسن وعكرمة وعطاء وسليمان بن يسار، ومجاهد والشعبي وقتادة وأكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي وروي عن ابن مسعود أنه يقع الطلاق، وهو قول إبراهيم النخعي وأصحاب الرأي وقال ربيعة ومالك والأوزاعي: إن عين امرأة وقع وإن عمم فلا يقع وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: كذبوا على ابن مسعود، وإن كان قالها فزلة من عالم الرجل يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق والله يقول إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن، روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «لا طلاق فيما لا تملك ولا عتق فيما لا تملك ولا بيع فيما لا تملك» أخرجه أبو داود والترمذي بمعناه (خ) عن ابن عباس قال: جعل الله الطلاق بعد النكاح أخرجه البخاري في ترجمة باب بغير إسناد عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا طلاق قبل النكاح» فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها أي تحصونها بالأقراء والأشهر، أجمع العلماء أنه إذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة، فلا عدة وذهب أحمد إلى أن الخلوة توجب العدة والصداق فَمَتِّعُوهُنَّ أي أعطوهن ما يستمتعن به قال ابن عباس: هذا إذا لم يكن سمى لها صداقا فلها المتعة وإن كان قد فرض لها صداقا فلها نصف الصداق، ولا متعة لها وقال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله «فنصف ما فرضتم» وقيل: هذا أمر ندب فالمتعة مستحبة لها مع نصف المهر وقيل: إنها تستحق المتعة بكل حال لظاهر الآية وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا أي خلوا سبيلهن بالمعروف من غير إضرار بهن.
قوله عز وجل يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ أي مهورهن وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ أي من السبي فتملكها مثل صفية وجويرية، وقد كانت مارية مما ملكت يمينه فولدت له إبراهيم وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ يعني نساء قريش وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ يعني نساء بني زهرة اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ إلى المدينة فمن لم تهاجر، منهن لم يجز له نكاحها عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت:
خطبني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاعتذرت إليه فعذرني ثم أنزل الله إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ الآية قالت: فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر كنت من الطلقاء أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أي أحللنا لك امرأة مؤمنة، وهبت نفسها لك بغير صداق فأما غير المؤمنة، فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه وهل تحل الكتابية بالمهر، فذهب جماعة إلى أنها لا تحل له لقوله وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً فدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة، وكان من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم أن النكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر لقوله خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ والزيادة على أربع ووجوب تخيير النساء واختلفوا في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج، وهو قول سعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء وبه قال ربيعة ومالك والشافعي: وقال إبراهيم النخعي وأهل الكوفة، ينعقد بلفظ التمليك والهبة، ومن قال بالقول الأول اختلفوا في نكاح النبي صلّى الله عليه وسلّم فذهب قوم إلى أنه كان ينعقد في حقه صلّى الله عليه وسلّم بلفظ الهبة، لقوله تعالى خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وذهب آخرون إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج، كما في حق سائر الأمة لقوله تعالى إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها وكان اختصاصه في ترك المهر لا في لفظ النكاح واختلفوا في التي وهبت نفسها للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وهل كانت عنده امرأة منهن فقال ابن عباس ومجاهد: لم يكن عند النبي صلّى الله عليه وسلّم امرأة وهبت نفسها منه ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد النكاح، أو بملك يمين وقوله إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها على سبيل الفرض والتقدير، وقال آخرون: بل كانت عنده موهوبة، واختلفوا فيها فقال الشعبي هي زينب بنت خزيمة الأنصارية الهلالية أم المساكين، وقال قتادة هي ميمونة بنت الحارث وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل هي
431
﴿ وداعياً إلى الله ﴾ أي إلى توحيده وطاعته ﴿ بإذنه ﴾ أي بأمره ﴿ وسراجاً منيراً ﴾ سماه سراجاً منيراً لأنه جلا منه ظلمات الشرك واهتدى به الضالون كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير، وقيل معناه أمد الله بنور نبوته نور البصائر كما يمد بنور السراج نور الأبصار ووصفه بالإنارة لأن من السراج ما لا يضيء. فإن قلت لم سماه سراجاً، ولم يسمه شمساً والشمس أشد إضاءة من السرج وأنور. قلت : نور الشمس لا يمكن أن يؤخذ منه شيء بخلاف نور السراج فإنه يؤخذ منه أنوار كثيرة.
﴿ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً ﴾ أي ما تفضل به عليهم زيادة على الثواب وقيل : الفضل هو الثواب وقيل هو تفضيل هذه الأمة على سائر الأمم.
﴿ ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم ﴾ قال ابن عباس : اصبر على أذاهم لا تجازهم عليه وهذا منسوخ بآية القتال ﴿ وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً ﴾ أي حافظاً.
قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ﴾ أي تجامعوهن، ففي الآية دليل على أن الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح حتى لو قال لامرأة أجنبية إذا نكحتك فأنت طالق، أو قال : كل امرأة أنكحها فهي طالق فنكح لا يقع الطلاق، وهذا قول علي وابن عباس وجابر ومعاذ وعائشة وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وشريح وسعيد بن جبير والقاسم وطاوس، الحسن وعكرمة وعطاء وسليمان بن يسار، ومجاهد والشعبي وقتادة وأكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي وروي عن ابن مسعود أنه يقع الطلاق، وهو قول إبراهيم النخعي وأصحاب الرأي وقال ربيعة ومالك والأوزاعي : إن عين امرأة وقع وإن عمم فلا يقع وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : كذبوا على ابن مسعود، وإن كان قالها فزلة من عالم الرجل يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق والله يقول ﴿ إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ﴾ ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن، روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لا طلاق فيما لا تملك ولا عتق فيما لا تملك ولا بيع فيما لا تملك » أخرجه أبو داود والترمذي بمعناه ( خ ) عن ابن عباس قال : جعل الله الطلاق بعد النكاح أخرجه الترمذي في ترجمة باب بغير إسناد عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا طلاق قبل النكاح » ﴿ فما لكم عليهم من عدة تعتدونها ﴾ أي تحصونها بالأقراء والأشهر، أجمع العلماء أنه إذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة، فلا عدة وذهب أحمد إلى أن الخلوة توجب العدة والصداق ﴿ فمتعوهن ﴾ أي أعطوهن ما يستمتعن به قال ابن عباس : هذا إذا لم يكن سمى لها صداقاً فلها المتعة وإن كان قد فرض لها صداقاً فلها نصف الصداق، ولا متعة لها وقال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله ﴿ فنصف ما فرضتم ﴾ وقيل : هذا أمر ندب فالمتعة مستحبة لها مع نصف المهر وقيل : إنها تستحق المتعة بكل حال لظاهر الآية ﴿ وسرحوهن سراحاً جميلاً ﴾ أي خلوا سبيلهن بالمعروف من غير إضرار بهن.
قوله عز وجل ﴿ يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزاوجك اللاتي آتيت أجورهن ﴾ أي مهورهن ﴿ وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ﴾ أي من السبي فتملكها مثل صفية وجويرية، وقد كانت مارية مما ملكت يمينه فولدت له إبراهيم ﴿ وبنات عمك وبنات عماتك ﴾ يعني نساء قريش ﴿ وبنات خالك وبنات خالاتك ﴾ يعني نساء بني زهرة ﴿ اللاتي هاجرن معك ﴾ إلى المدينة فمن لم تهاجر، منهن لم يجز له نكاحها عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ثم أنزل الله ﴿ إنا أحللنا لك أزواجك ﴾ الآية قالت : فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر كنت من الطلقاء أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل ﴿ وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ﴾ أي أحللنا لك امرأة مؤمنة، وهبت نفسها لك بغير صداق فأما غير المؤمنة، فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه وهل تحل الكتابية بالمهر، فذهب جماعة إلى أنها لا تحل له لقوله ﴿ وامرأة مؤمنة ﴾ فدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة، وكان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن النكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر لقوله ﴿ خالصة لك من دون المؤمنين ﴾ والزيادة على أربع ووجوب تخيير النساء واختلفوا في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج، وهو قول سعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء وبه قال ربيعة ومالك والشافعي : وقال إبراهيم النخعي وأهل الكوفة، ينعقد بلفظ التمليك والهبة، ومن قال بالقول الأول اختلفوا في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم فذهب قوم إلى أنه كان ينعقد في حقه صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة، لقوله تعالى ﴿ خالصة لك من دون المؤمنين ﴾ وذهب آخرون إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج، كما في حق سائر الأمة لقوله تعالى ﴿ إن أراد النبي أن يستنكحها ﴾ وكان اختصاصه في ترك المهر لا في لفظ النكاح واختلفوا في التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهل كانت عنده امرأة منهم فقال ابن عباس ومجاهد : لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد النكاح، أو بملك يمين وقوله ﴿ إن وهبت نفسها ﴾ على سبيل الفرض والتقدير، وقال آخرون : بل كانت عنده موهوبة، واختلفوا فيها فقال الشعبي هي زينب بنت خزيمة الأنصارية الهلالية أم المساكين، وقال قتادة هي ميمونة بنت الحارث وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل هي أم شريك بن جابر : من بني أسد وقال عروة بن الزبير : هي خولة بنت حكيم من بني سليم.
وقوله تعالى ﴿ قد علمنا ما فرضنا عليهم ﴾ أي أوجبنا على المؤمنين ﴿ في أزواجهم ﴾ أي من الأحكام وهو أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر ﴿ وما ملكت أيمانهم ﴾ أي ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين ﴿ لكيلا يكون عليك حرج ﴾ وهذا يرجع إلى أول الآية معناه أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لكي لا يكون عليك ضيق ﴿ وكان الله غفوراً ﴾ أي للواقع في الحرج ﴿ رحيماً ﴾ أي بالتوسعة على عباده.
أم شريك بنت جابر: من بني أسد وقال عروة بن الزبير: هي خولة بنت حكيم من بني سليم. وقوله تعالى قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ أي أوجبنا على المؤمنين فِي أَزْواجِهِمْ أي من الأحكام وهو أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ أي ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وهذا يرجع إلى أول الآية معناه أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لكي لا يكون عليك ضيق وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً أي للواقع في الحرج رَحِيماً أي بالتوسعة على عبادة.
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٥١ الى ٥٢]
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢)
قوله تعالى تُرْجِي يعني تؤخر مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ أي تضم إليك مَنْ تَشاءُ قيل هذا للقسم بينهن وذلك أن التسوية بينهن في القسم كانت واجبة عليه صلّى الله عليه وسلّم، فلما نزلت هذه الآية سقط عنه الوجوب وصار الاختيار إليه فيهن، وقيل نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي صلّى الله عليه وسلّم وطلب بعضهن زيادة النفقة فهجرهن شهرا حتى نزلت آية التخيير فأمره الله تعالى أن يخيرهن فمن اختارت الدنيا فارقها، ويمسك من اختارت الله ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين، لا ينكحن أبدا وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن ويرجي من يشاء فيرضين به قسم لهن أو لم يقسم أو قسم لبعضهن، دون بعض، أو فضل بعضهن في النفقة والكسوة فيكون الأمر في ذلك إليه يفعل كيف يشاء وكان ذلك من خصائصه فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط. واختلفوا في أنه هل أخرج أحدا منهن من القسم فقال بعضهم: لم يخرج أحدا بل كان صلّى الله عليه وسلّم مع ما جعل الله له من ذلك يسوي بينهن في القسم، إلا سودة فإنها رضيت بترك حقها من القسم، وجعلت يومها لعائشة وقيل: أخرج بعضهن. روي عن أبي رزين، قال: لما نزل التخيير أشفقن أن يطلقن فقلن يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، ودعنا على حالنا فأرجى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعضهن، وآوى إليه بعضهن فكان ممن آوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، وكان يقسم بينهن سواء وأرجى منهن خمسا أم حبيبة وميمونة وسودة وجويرة وصفية، فكان يقسم لهن ما يشاء وقال ابن عباس تطلق من تشاء منهن، وتمسك من تشاء وقال الحسن: تترك نكاح من شئت وتنكح من شئت من النساء قال وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب امرأة لم يكن لغيره خطبتها حتى يتركها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقيل تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن أنفسهن فتؤويها إليك وتترك من تشاء فلا تقبلها (ق) عن عروة قال: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي، وهبن أنفسهن للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت ترجي من تشاء منهن قلت يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ أي طلبت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتهن عن القسمة فَلا جُناحَ عَلَيْكَ أي لا إثم عليك فأباح الله له ترك القسم، لهن، حتى إنه ليؤخر من يشاء منهن في نوبتها ويطأ من يشاء منهن في غير نوبتها ويرد إلى فراشه من عزل منهن، تفضيلا له على سائر الرجال ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ أي ذلك التخيير الذي خيرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن وأطيب لأنفسهن، وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من الله تعالى وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ أي أعطيتهن كُلُّهُنَّ من تقريب وإرجاء وعزل وإيواء وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ أي من أمر النساء والميل إلى بعضهن وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً أي مما في ضمائركم حَلِيماً أي عنكم.
قوله تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ أي من بعد هؤلاء التسع اللاتي اخترنك وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما
قوله تعالى ﴿ لا يحل لك النساء من بعد ﴾ أي من بعد هؤلاء التسع اللاتي اخترنك وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خيرهن فاخترن الله ورسوله شكر الله لهن ذلك وحرم عليه النساء سواهن، ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن، قاله ابن عباس : واختلفوا هل أبيح له النساء بعد ذلك فروي عن عائشة أنها قالت « ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء » أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن صحيح، وللنسائي عنها « حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما يشاء » وقال أنس « مات رسول الله صلى الله عليه وسلم على التحريم » وقيل لأبي بن كعب لو مات نساء النبي صلى الله عليه وسلم أكان يحل له أن يتزوج قال : وما يمنعه من ذلك قيل له قوله تعالى ﴿ لا يحل لك النساء من بعد ﴾ قال : إنما أحل له ضرباً من النساء فقال تعالى ﴿ يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك ﴾ الآية ثم قال ﴿ لا تحل لك النساء من بعد ﴾ وقيل معنى الآية لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات ﴿ ولا أن تبدل بهن من أزواج ﴾ أي بالمسلمات غيرهن من الكتابيات، لأنه لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية إلا ما ملكت يمينك أي من الكتابيات فتسري بهن وقيل في قوله ﴿ ولا أن تبدل بهن من أزواج ﴾ كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم، يقول الرجل للرجل انزل لي عن امرأتك وأنزل عن امرأتي فأنزل الله تعالى ﴿ ولا أن تبدل بهن من أزواج ﴾ أي تبادل بهن من أزواج أي تبادل بأزواجك غيرك بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته فحرم ذلك ﴿ إلا ما ملكت يمينك ﴾ أي لا بأس أن تبادل بجاريتك ما شئت، فأما الحرائر فلا ﴿ ولو أعجبك حسنهن ﴾ يعني ليس لك أن تطلق أحد من نسائك، وتنكح بدلها أخرى، ولو أعجبك جمالها، قال ابن عباس : يعني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب لما استشهد جعفر أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطبها فنهي عن ذلك ﴿ إلا ما ملكت يمينك ﴾ قال ابن عباس : ملك بعد هؤلاء مارية ﴿ وكان الله على كل شيء رقيباً ﴾ أي حافظاً وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء، ويدل عليه ما روى عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل » أخرجه أبو داود. ( م ) عن أبي هريرة « أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم « انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً » قال الحميدي : يعني هو الصغر عن المغيرة بن شعبة قال :« خطبت امرأة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم هل نظرت إليها قلت : لا قال فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما » أخرجه الترمذي : وقال حديث حسن.
خيرهن فاخترن الله ورسوله شكر الله لهن ذلك وحرم عليه النساء سواهن، ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن، قاله ابن عباس: واختلفوا هل أبيح له النساء بعد ذلك فروي عن عائشة أنها قالت «ما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أحل له النساء» أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن صحيح، وللنسائي عنها «حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما يشاء» وقال أنس «مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على التحريم» وقيل لأبي بن كعب لو مات نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم أكان يحل له أن يتزوج قال: وما يمنعه من ذلك قيل له قوله تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ قال: إنما أحل له ضربا من النساء فقال تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ الآية ثم قال لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وقيل معنى الآية لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ أي بالمسلمات غيرهن من الكتابيات، لأنه لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية إلا ما ملكت يمينك أي من الكتابيات فتسري بهن وقيل في قوله وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم، يقول الرجل للرجل انزل لي عن امرأتك وأنزل عن امرأتي فأنزل الله تعالى وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ أي تبادل بهن من أزواج أي تبادل بأزواجك غيرك بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته فحرم ذلك إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ أي لا بأس أن تبادل بجاريتك ما شئت، فأما الحرائر فلا وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ يعني ليس لك أن تطلق أحد من نسائك، وتنكح بدلها أخرى، ولو أعجبك جمالها، قال ابن عباس: يعني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب لما استشهد جعفر أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يخطبها فنهي عن ذلك إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ قال ابن عباس:
ملك بعد هؤلاء مارية وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً أي حافظا وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء، ويدل عليه ما روى عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل» أخرجه أبو داود. (م) عن أبي هريرة «أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا» قال الحميدي: يعني هو الصغر عن المغيرة بن شعبة قال: «خطبت امرأة فقال لي النبي صلّى الله عليه وسلّم هل نظرت إليها قلت: لا قال فانظر إليها فانه أحرى أن يؤدم بينكما» أخرجه الترمذي: وقال حديث حسن. قوله عز وجل:
[سورة الأحزاب (٣٣): آية ٥٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (٥٣)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ الآية قال أكثر المفسرين نزلت هذه الآية في شأن وليمة زينب بنت جحش حين بنى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (ق) عن أنس بن مالك: أنه كان ابن عشر سنين مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة، قال فكانت أم هانئ تواظبني على خدمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخدمته عشر سنين وتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا ابن عشرين سنة، وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل، وكان أول ما نزل في مبتنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بزينب بنت جحش حين أصبح النبي صلّى الله عليه وسلّم بها عروسا فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا، وبقي رهط عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فأطالوا المكث فقام النبي صلّى الله عليه وسلّم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلّى الله عليه وسلّم ومشيت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يقوموا فرجع النبي صلّى الله عليه وسلّم ورجعت، حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة، وظن أنهم قد خرجوا فرجع
ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلّى الله عليه وسلّم بيني وبينه بالستر وأنزل الحجاب زاد في رواية قال دخل يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم البيت وأرخى الستر، وإني لفي الحجرة وهو يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى قوله وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ (ق) عن عائشة «أن أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم كن يخرجن بالليل، إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح، وكان عمر رضي الله عنه يقول للنبي صلّى الله عليه وسلّم، احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله الحجاب» المناصع المواضع الخالية، لقضاء الحاجة من البول أو الغائط والصعيد وجه الأرض والأفيح الواسع (ق)، عن أنس وابن عمر أن عمر قال «وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزل وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وقلت: يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت الآية الحجاب واجتمع نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم في الغيرة فقلت عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك. وقال ابن عباس: إنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيدخلون عليه قبل الطعام قبل أن يدرك ثم يأكلون، ولا يخرجون وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتأذى بهم، فنزلت الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ يعني إلا أن تدعوا إِلى طَعامٍ فيؤذن لكم فتأكلون غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ يعنى منتظرين نضجه ووقت إدراكه وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ أي أكلتم الطعام فَانْتَشِرُوا أي فاخرجوا من منزله وتفرقوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ أي لا تطيلوا الجلوس ليستأنس بعضكم بحديث بعض، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون فنهوا عن ذلك إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ أي فيستحيي من إخراجكم وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أي لا يترك تأديبكم وبيان الحق حياء ولما كان الحياء مما يمنع الحيي من بعض الأفعال، قال لا يستحيي من الحق بمعنى لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحيي منكم وهذا أدب أدب الله به الثقلاء، وقيل:
بحسبك من الثقلاء أن الله لم يحتملهم وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً أي وإذا سألتم نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم حاجة فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أي من وراء ستر فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متنقبة كانت أو غير متنقبة ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ أي من الريب وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ أي ليس لكم أذاه في شيء من الأشياء وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً نزلت في رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال إذا: قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلأنكحن عائشة. قيل هو طلحة بن عبيد الله فأخبر الله أن ذلك محرم، وقال إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً أي ذنبا عظيما وهذا من إعلام تعظيم الله لرسوله الله صلّى الله عليه وسلّم، وإيجاب حرمته حيا وميتا وإعلامه بذلك مما طيب نفسه وسر قلبه واستفرغ شكره فإن من الناس من تفرط غيرته على حرمه حتى يتمنى لها الموت قبله لئلا تنكح بعده.
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٥٤ الى ٥٦]
إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤) لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦)
إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أي من أمر نكاحهن على ألسنتكم أَوْ تُخْفُوهُ أي في صدوركم فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً أي يعلم سركم وعلانيتكم، نزلت فيمن أضمر نكاح عائشة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقيل: قال رجل من الصحابة ما بالنا نمنع من الدخول على بنات أعمامنا، فنزلت هذه الآية، ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء
434
والأبناء والأقارب لرسول الله، ونحن أيضا يا رسول الله نكلمهن من وراء حجاب فأنزل الله عز وجل لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ أي لا إثم عليهن في ترك الحجاب عن هؤلاء الأصناف من الأقارب وَلا نِسائِهِنَّ قيل أراد به النساء المسلمات، حتى لا يجوز للكتابيات الدخول على أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقيل هو عام في المسلمات والكتابيات وإنما قال ولا نسائهن لأنهن من أجناسهن وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ اختلفوا في أن عبد المرأة هل يكون محرما لها أم لا فقال قوم بل يكون محرما لقوله تعالى ولا ما ملكت أيمانهن، وقال قوم العبد كالأجانب والمراد من الآية الإماء دون العبيد وَاتَّقِينَ اللَّهَ أي أن يراكن أحد غير هؤلاء إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ أي من أعمال العباد شَهِيداً قوله عز وجل إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قال ابن عباس: أراد أن الله يرحم النبي، والملائكة يدعون له وعنه أيضا يصلون يتبركون وقيل الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار فصلاة الله ثناؤه عليه عند ملائكته وصلاة الملائكة الدعاء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ أي ادعوا له بالرحمة وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً أي حيوه بتحية الإسلام.

فصل في صفة الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم وفضلها


اتفق العلماء على وجوب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم اختلفوا فقيل تجب في العمر مرة وهو الأكثر، وقيل:
تجب في كل صلاة في التشهد الأخير وهو مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وقيل: تجب كلما ذكر واختاره الطحاوي من الحنفية والحليمي من الشافعية والواجب اللهم صل على محمد وما زاد سنة (ق) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية إن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» (ق) عن أبي حميد الساعدي قال: قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال «قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» (م) عن أبي مسعود البدري قال أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك، فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قولوا «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم» (م) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا» عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات» أخرجه الترمذي وله عن أبي طلحة «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاء ذات يوم والبشر في وجهه فقلت إنا لنرى البشر في وجهك قال: أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا» وله عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني عن أمتي السلام» عن ابن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب. وله عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصل علي» أخرجه الترمذي: وقال حديث حسن غريب صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صلي على محمد النبي الأمي، وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد» أخرجه أبو داود. قوله عز وجل:
435
فأنزل الله عز وجل ﴿ لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ﴾ أي لا إثم عليهن في ترك الحجاب عن هؤلاء الأصناف من الأقارب ﴿ ولا نسائهن ﴾ قيل أراد به النساء المسلمات، حتى لا يجوز للكتابيات الدخول على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل هو عام في المسلمات والكتابيات وإنما قال ولا نسائهن لأنهن من أجناسهن ﴿ ولا ما ملكت أيمانهن ﴾ اختلفوا في أن عبد المرأة هل يكون محرماً لها أم لا فقال قوم بل يكون محرماً لقوله تعالى ﴿ ولا ما ملكت أيمانهن ﴾، وقال قوم العبد كالأجانب والمراد من الآية الإماء دون العبيد ﴿ واتقين الله ﴾ أي أن يراكن أحد غير هؤلاء ﴿ إن الله كان على كل شيء ﴾ أي من أعمال العباد ﴿ شهيداً ﴾.
قوله عز وجل ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي ﴾ قال ابن عباس : أراد أن الله يرحم النبي، والملائكة يدعون له وعنه أيضاً يصلون يتبركون وقيل الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار فصلاة الله ثناؤه عليه عند ملائكته وصلاة الملائكة الدعاء ﴿ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه ﴾ أي ادعوا له بالرحمة ﴿ وسلموا تسليماً ﴾ أي حيوه بتحية الإسلام.

فصل في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها


اتفق العلماء على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم اختلفوا فقيل تجب في العمر مرة وهو الأكثر وقيل : تجب في كل صلاة في التشهد الأخير وهو مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وقيل : تجب كلما ذكر واختاره الطحاوي من الحنفية والحليمي من الشافعية والواجب اللهم صل على محمد وما زاد سنة ( ق ) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك ؟ قال :« قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد » ( ق ) عن أبي حميد الساعدي قال : قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال « قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد » ( م ) عن أبي مسعود البدري ؛ قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم » ( م ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً » عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات » أخرجه الترمذي وله عن أبي طلحة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر في وجهه فقلت إنا لنرى البشر في وجهك قال : أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشراً » وله عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن لله ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني عن أمتي السلام » عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم على صلاة » أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب. وله عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصل علي » أخرجه الترمذي : وقال حديث حسن غريب صحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صلي على محمد النبي الأمي، وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد » أخرجه أبو داود.

[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٥٧ الى ٦٧]

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١)
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (٦٢) يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦)
وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧)
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً قال ابن عباس هم اليهود والنصارى والمشركون فأما اليهود فقالوا: عزير ابن الله ويد الله مغلولة وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وأما النصارى فقالوا المسيح ابن الله وثالث ثلاثة وأما المشركون فقالوا: الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه (خ) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يقول الله عز وجل كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي، فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد، ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد» (ق) عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: قال الله عز وجل «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي أقلب الليل والنهار» معنى هذا الحديث: أنه كان من عادة العرب في الجاهلية أن يذموا الدهر ويسبوه عند النوازل، لاعتقادهم أن الذي يصيبهم من أفعال الدهر فقال الله تعالى أنا الدهر أي أنا الذي أحل بهم النوازل، وأنا فاعل لذلك الذي تنسبونه إلى الدهر في زعمكم، وقيل معنى يؤذون الله يلحدون في أسمائه وصفاته وقيل: هم أصحاب التصاوير (ق) عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم. يقول «قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة وليخلقوا حبة أو شعيرة» وقيل: يؤذون الله أي يؤذون أولياء الله، كما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «قال الله تعالى من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب» وقال تعالى: من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ومعنى الأذى هو مخالفة أمر الله تعالى وارتكاب معاصيه، ذكر ذلك على ما يتعارفه الناس بينهم لأن الله تعالى منزه عن أن يلحقه أذى من أحد، وأما إيذاء الرسول فقال ابن عباس هو أنه شج وجهه وكسرت رباعيته وقيل ساحر شاعر معلم مجنون وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا أي من غير أن عملوا ما أوجب أذاهم وقيل يقعون فيهم ويرمونهم بغير جرم فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً قيل إنها نزلت في علي بن أبي طالب كانوا يؤذونه، ويشتمونه وقيل نزلت في شأن عائشة وقيل نزلت في الزناة الذين يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء، إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن فيتبعون المرأة فإن سكتت تبعوها، وإن زجرتهم انتهوا عنها ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة لأن زي الكل كان واحدا تخرج الحرة والأمة في درع وخمار فشكوا ذلك إلى أزواجهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الآية، ثم نهى الحرائر أن يتشبهن بالإماء، فقال تعالى، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ أي يرخين ويغطين عَلَيْهِنَّ مِنْ
﴿ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ﴾ أي من غير أن عملوا ما أوجب أذاهم وقيل يقعون فيهم ويرمونهم بغير جرم ﴿ فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً ﴾ قيل إنها نزلت في علي بن أبي طالب كانوا يؤذونه، ويشتمونه وقيل نزلت في شأن عائشة وقيل نزلت في الزناة الذين يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء، إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن فيتبعون المرأة فإن سكتت تبعوها، وإن زجرتهم انتهوا عنها ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة لأن زي الكل كان واحداً تخرج الحرة والأمة في درع وخمار فشكوا ذلك إلى أزواجهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت ﴿ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات ﴾ الآية.
ثم نهى الحرائر أن يتشبهن بالإماء، فقال تعالى، ﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين ﴾. أي يرخين ويغطين ﴿ عليهن من جلابيبهن ﴾ جمع جلباب وهو الملاءة التي تشمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقيل الملحفة وكل ما يستتر به من كساء، وغيره.
قال ابن عباس : أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر وهو قوله تعالى ﴿ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ﴾ أي لا يتعرض لهن ﴿ وكان الله غفوراً رحيماً ﴾ أي لما سلف منهن قال أنس : مرت بعمر بن الخطاب جارية متنقبة فعلاها بالدرة، وقال يالكاع أتتشبهين بالحرائر ألق القناع. لكاع كلمة تقال لمن يستحقر به مثل العبد والأمة والخامل والقليل العقل مثل قولك يا خسيس.
قوله تعالى ﴿ لئن لم ينته المنافقون ﴾ أي عن نفاقهم ﴿ والذين في قلوبهم مرض ﴾ أي فجور وهم الزناة ﴿ والمرجفون في المدينة ﴾ أي بالكذب وذلك أن ناساً منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله صلى لله عليه وسلم يوقعون في الناس أنهم قد قتلوا وهزموا ويقولون : قد أتاكم العدو ونحو هذا من الأراجيف، وقيل : كانوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وتفشوا الأخبار ﴿ لنغرينك بهم ﴾ يعني لنحرشنك بهم ولنسلطنك عليهم ﴿ ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ﴾ أي لا يساكنونك في المدينة إلا قليلاً أي حتى يخرجوا منها وقيل لنسلطنك عليهم حتى تقتلهم وتخلي منهم المدينة.
﴿ ملعونين ﴾ أي مطرودين ﴿ أينما ثقفوا ﴾ أي وجدوا وأدركوا ﴿ أخذوا وقتلوا تقتيلاً ﴾ أي الحكم فيهم هذا على الأمر به.
﴿ سنة الله ﴾ أي كسنة الله ﴿ في الذين خلوا من قبل ﴾ أي في المنافقين والذين فعلوا مثل ما فعل هؤلاء أن يقتلوا حيثما ثقفوا ﴿ ولن تجد لسنة الله تبديلاً ﴾.
قوله عز وجل ﴿ يسألك الناس عن الساعة ﴾ قيل إن المشركين كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن وقت قيام الساعة استعجالاً على سبيل الهزء وكان اليهود يسألونه عن الساعة امتحاناً، لأن الله تعالى عمى عليهم علم وقتها في التوراة فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم بقوله ﴿ قل إنما علمها عند الله ﴾ يعني إن الله تعالى قد استأثر به ولم يطلع عليه نبياً ولا ملكاً ﴿ وما يدريك ﴾ أي أي شيء يعلمك أمر الساعة ومتى يكون قيامها ﴿ لعل الساعة تكون قريباً ﴾ أي إنها قريبة الوقوع وفيه تهديد للمستعجلين، وإسكات للممتحنين.
﴿ يوم تقلب وجوههم في النار ﴾ أي تتقلب ظهر البطن حين يسحبون عليها ﴿ يقولون يا ليتنا أطعنا الرسولا ﴾ أي في الدنيا.
﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ﴾ يعني رؤوس الكفر الذين لقنوهم الكفر، وزينوه لهم ﴿ فأضلونا السبيلا ﴾ يعني سبيل الهدى.
جَلَابِيبِهِنَ
جمع جلباب وهو الملاءة التي تشمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقيل هو الملحفة وكل ما يستتر به من كساء، وغيره.
قال ابن عباس: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر وهو قوله تعالى ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ أي لا يتعرض لهن وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً أي لما سلف منهن قال أنس: مرت بعمر بن الخطاب جارية متنقبة فعلاها بالدرة، وقال يا لكاع أتتشبهين بالحرائر ألق القناع. لكاع كلمة تقال لمن يستحقر به مثل العبد والأمة والخامل والقليل العقل مثل قولك يا خسيس. قوله تعالى لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ أي عن نفاقهم وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي فجور وهم الزناة وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ أي بالكذب وذلك أن ناسا منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوقعون في الناس أنهم قد قتلوا وهزموا ويقولون: قد أتاكم العدو ونحو هذا من الأراجيف، وقيل: كانوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وتفشوا الأخبار لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ يعني لنحرشنك بهم ولنسلطنك عليهم ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا أي لا يساكنونك في المدينة إلا قليلا أي حتى يخرجوا منها وقيل لنسلطنك عليهم حتى تقتلهم وتخلي منهم المدينة مَلْعُونِينَ أي مطرودين أَيْنَما ثُقِفُوا أي وجدوا وأدركوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا أي الحكم فيهم هذا على الأمر به سُنَّةَ اللَّهِ أي كسنة الله فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ أي في المنافقين والذين فعلوا مثل ما فعل هؤلاء أن يقتلوا حيثما ثقفوا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا قوله عز وجل يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قيل إن المشركين كانوا يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عن وقت قيام الساعة استعجالا على سبيل الهزء وكان اليهود يسألونه عن الساعة امتحانا، لأن الله تعالى عمى عليهم علم وقتها في التوراة فأمر الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يجيبهم بقوله قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ يعني إن الله تعالى قد استأثر به ولم يطلع عليه نبيا ولا ملكا وَما يُدْرِيكَ أي أي شيء يعلمك أمر الساعة ومتى يكون قيامها لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً أي إنها قريبة الوقوع وفيه تهديد للمستعجلين، وإسكات للممتحنين إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ أي تتقلب ظهر البطن حين يسحبون عليها يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا أي في الدنيا وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا يعني رؤوس الكفر الذين لقنوهم الكفر، وزينوه لهم فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا يعني عن سبيل الهدى.
[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٦٨ الى ٧٢]
رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (٦٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢)
رَبَّنا آتِهِمْ يعنون السادة والكبراء ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ يعني ضعفي عذاب غيرهم وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً يعني لعنا متتابعا.
قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا يعني فطهره الله مما قالوه فيه وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً يعني كريما ذا جاه وقد قال ابن عباس كان حظيا عند الله لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه، وقيل كان مستجاب الدعوة وقيل كان محببا مقبولا واختلفوا فيما أوذي به موسى، فروى أبو هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض وكان موسى عليه السلام يغتسل،
437
وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر قال فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال فجمع موسى، بأثره يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأس فقام الحجر حتى نظر إليه قال فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا» قال أبو هريرة والله إن بالحجر ندبا ستة أو سبعة من ضرب موسى الحجر أخرجه البخاري ومسلم وللبخاري، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى شيء من جسده استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده، إما برص وإما أدرة وإما آفة وأن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يوما وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وأن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى العصا وطلب الحجر وجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، ورأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه ولبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فو الله إن بالحجر لندبا من أثر الضرب ثلاثا أو أربعا أو خمسا» فذلك قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً الأدرة عظم الخصية لنفخة فيها، وقوله فجمح أي أسرع وقوله ثوبي حجر أي دع ثوبي يا حجر قوله وطفق أي جعل يضرب الحجر، وقوله ندبا هو بفتح النون والدال وهو الأصح وأصله أثر الجرح، إذا لم يرتفع عن الجلد فشبه به الضرب، بالحجر، والمحدثون يقولون ندبا بسكون الدال وقيل في معنى الآية أن أذاهم إياه، أنه لما مات هارون في التيه ادعوا على موسى أنه قتله فأمر الله تعالى الملائكة حتى مروا به على بني إسرائيل فعرفوا أنه لم يقتله فبرأه الله مما قالوا: وقيل إن قارون استأجر بغيا لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ فعصمها الله، وبرأ موسى من ذلك وأهلك قارون (ق) عن عبد الله بن مسعود قال «لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك وأعطى ناسا من أشراف العرب وآثرهم في القسمة فقال رجل والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فأتيته فأخبرته بما قال:
فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال: يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر»
الصرف بكسر الصاد صبغ أحمر يصبغ به الأديم. قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً.
قال ابن عباس صوابا وقيل: عدلا وقيل صدقا وقيل قول هو لا إله إلا الله يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ قال ابن عباس: يتقبل حسناتكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً أي ظفر بالخير العظيم.
قوله عز وجل إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ الآية قال ابن عباس: أراد بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده عرضها على السموات والأرض والجبال على أنهم إذا أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم وقال ابن مسعود: الأمانة أداء الصلوات وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وصدق الحديث، وقضاء الدين والعدل في المكيال والميزان وأشد من هذا كله الودائع وقيل: جميع ما أمروا به ونهوا عنه وقيل هي الصوم وغسل الجنابة وما يخفى من الشرائع، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص أول ما خلق الله من الإنسان الفرج وقال: هذه الأمانة استودعكها فالفرج أمانة والأذن أمانة والعين أمانة واليد أمانة والرجل أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له، وفي رواية عن ابن عباس هي أمانات الناس والوفاء بالعهود فحق على كل مؤمن أن لا يغش مؤمنا، ولا معاهدا في شيء لا في قليل ولا كثير فعرض الله تعالى هذه الأمانة على أعيان السموات والأرض والجبال وهذا قول جماعة من التابعين وأكثر السلف فقال لهن: أتحملن هذه الأمانة بما فيها قلن وما فيها قال:
إن أحسنتن جوزيتن وإن عصيتن عوقبتن قلن يا رب نحن مسخرات لأمرك لا نريد ثوابا ولا عقابا وقلن ذلك خوفا وخشية وتعظيما لدين الله تعالى: أن لا يقوموا بها لا معصية ولا مخالفة لأمره، وكان العرض عليهم تخييرا لا إلزاما، ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها والجمادات كلها خاضعة لله عز وجل، مطيعة لأمره ساجدة له قال
438
بعض أهل العلم ركب الله تعالى فيهن العقل والفهم حين عرض عليهن الأمانة، حتى عقلن الخطاب وأجبن بما أجبن وقيل المراد من العرض على السموات والأرض، هو العرض على أهلها من الملائكة دون أعيانها، والقول الأول أصح وهو قول العلماء فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها أي خفن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ يعني آدم قال الله عز وجل لآدم إني عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال فلم تطقها، فهل أنت آخذها بما فيها قال يا رب، وما فيها قال: إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت فتحملها آدم فقال: بين أذني وعاتقي قال الله أما إذا تحملت فسأعينك وأجعل لبصرك حجابا فإذا خشيت أن لا تنظر إلى ما لا يحل فارخ عليه حجابه واجعل للسانك لحيين وغلاقا فإذا خشيت فأغلقه، واجعل لفرجك لباسا فلا تكشفه على ما حرمت عليك قال مجاهد فما كان بين أن تحملها، وبين أن أخرج من الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصر وقيل إن ما كلف الإنسان حمله بلغ من عظمه، وثقل محمله أنه عرض على أعظم ما خلق الله تعالى من الإجرام، وأقواه وأشده أن يحتمله ويستقل به فأبى حمله وأشفق منه وحمله الإنسان على ضعفه وضعف قوته إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا.
قال ابن عباس: إنه كان ظلوما لنفسه جهولا بأمر ربه وما تحمل من الأمانة وقيل ظلوما حين عصى ربه جهولا أي لا يدري ما العقاب في ترك الأمانة وقيل ظلوما جهولا حيث حمل الأمانة، ثم لم يف بها وضمنها ولم يف بضمانها وقيل في تفسير الآية أقوال أخر، وهو أن الله تعالى ائتمن السموات والأرض والجبال على كل شيء، وائتمن آدم وأولاده على شيء فالأمانة في حق الأجرام العظام هي الخضوع والطاعة لما خلقهن له، وقوله فأبين أن يحملنها أي أدين الأمانة ولم يخن فيها وأما الأمانة في حق بني آدم، فهي ما ذكر من الطاعة والقيام بالفرائض وقوله وحملها الإنسان أي خان فيها، وعلى هذا القول حكي عن الحسن أنه قال الإنسان هو الكافر والمنافق حملا الأمانة وخانا فيها، والقول الأول هو قول السلف وهو الأولى.

فصل


في الأمانة (ق) عن حذيفة بن اليمان قال حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا انتظر الآخر حدثنا «إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة» ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا، وليس فيه شيء ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله، فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال: للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ولقد أتى على زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه على دينه، ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه على ساعيه وأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا» قوله: نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال جذر الشيء أصله والوكت الأثر اليسير، كالنقطة في الشيء من غير لونه، والمجل غلظ الجلد من أثر العمل وقيل إنما هو النفطات في الجلد، وقد فسره الحديث والمنتبر المنتفخ وليس فيه شيء (خ) عن أبي هريرة قال «بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مجلس يحدث القوم فجاء أعرابي فقال متى الساعة فمضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة قال: ها أنا يا رسول الله قال إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال: كيف إضاعتها يا رسول الله قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» وعنه قال قال النبي صلّى الله عليه وسلّم «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» أخرجه أبو داود والترمذي. وقال حديث حسن غريب. قوله تعالى:
439
قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين أذوا موسى فبرأه الله مما قالوا ﴾ يعني فطهره الله مما قالوا فيه ﴿ وكان عند الله وجيهاً ﴾ يعني كريماً ذا جاه وقد قال ابن عباس كان حظياً عند الله لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه، وقيل كان مستجاب الدعوة وقيل كان محببا مقبولاً واختلفوا فيما أوذي به موسى، فروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض وكان موسى عليه السلام يغتسل، وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر قال فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال فجمع موسى، بأثره يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى فقالوا : والله ما بموسى من بأس فقام الحجر حتى نظر إليه قال فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضرباً » قال أبو هريرة والله إن بالحجر ندباً ستة أو سبعة من ضرب موسى الحجر أخرجه البخاري ومسلم والبخاري، قال : قال رسول الله صلى الله عليه سلم « إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لا يرى شيء من جسده استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده، إما برص وإما أدرة وإما آفة وأن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يوماً وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وأن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى العصا وطلب الحجر وجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، ورأوه عرياناً أحسن ما خلق الله، وبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه ولبسه وطفق بالحجر ضرباً بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر الضرب ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً » قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً ﴾ الأدرة عظم الخصية لنفخة فيها، وقوله فجمع أي أسرع وقوله ثوبي حجر أي دع ثوبي يا حجر قوله وطفق أي جعل يضرب الحجر، وقوله ندباً هو بفتح النون والدال وهو الأصح وأصله أثر الجرح، إذا لم يرتفع عن الجلد فشبه به الضرب، بالحجر، المحدثون يقولون ندبا بسكون الدال وقيل في معنى الآية أن أذاهم إياه، أنه لما مات هارون في التيه ادعوا على موسى أنه قتله فأمر الله تعالى الملائكة حتى مروا به على بني إسرائيل فعرفوا أنه لم يقتله فبرأه الله مما قالوا : وقيل إن قارون استأجر بغياً لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ فعصمها الله، وبرأ موسى من ذلك وأهلك قارون ( ق ) عن عبد الله بن مسعود قال « لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك وأعطى ناساً من أشراف العرب وآثرهم في القسمة فقال رجل والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال فأتيته فأخبرته بما قال : فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال « فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال : يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر » الصرف بكسر الصاد صبغ أحمر يصبغ به الأديم.
قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ﴾. قال ابن عباس صواباً وقيل : عدلاً وقيل صدقاً وقيل قول هو لا إله إلا الله.
﴿ يصلح لكم أعمالكم ﴾ قال ابن عباس : يتقبل حسناتكم ﴿ ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ﴾ أي ظفر بالخير العظيم.
قوله عز وجل ﴿ إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال ﴾ الآية قال ابن عباس : أراد بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده عرضها على السموات والأرض والجبال على أنهم إذا أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم وقال ابن مسعود : الأمانة أداء الصلوات وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وصدق الحديث، وقضاء الدين والعدل في المكيال والميزان وأشد من هذا كله الودائع وقيل : جميع ما أمروا به ونهوا عنه وقيل هي الصوم وغسل الجنابة وما يخفى من الشرائع، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص أول ما خلق الله من الإنسان الفرج وقال : هذه الأمانة استودعكها فالفرج أمانة والأذن أمانة والعين أمانة واليد أمانة والرجل أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له، وفي رواية عن ابن عباس هي أمانات الناس والوفاء بالعهود فحق على كل مؤمن أن لا يغش مؤمناً، ولا معاداً في شيء لا في قليل ولا كثير فعرض الله تعالى هذه الأمانة على أعيان السموات والأرض والجبال وهذا قول جماعة من التابعين وأكثر السلف فقال لهن : أتحملن هذه الأمانة بما فيها قلن وما فيها قال : إن أحسنتن جوزيتن وإن عصيتن عوقبتن قلن يا رب نحن مسخرات لأمرك لا نريد ثواباً ولا عقاباً وقلن ذلك خوفاً وخشية وتعظيماً لدين الله تعالى : أن لا يقوموا بها لا معصية ولا مخالفة لأمره، وكان العرض عليهم تخييراً لا إلزاماً، ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها والجمادات كلها خاضعة لله عز وجل، مطيعة لأمره ساجدة له قال بعض أهل العلم ركب الله تعالى فيهن العقل والفهم حين عرض عليهم الأمانة، حتى عقلن الخطاب وأجبن بما أجبن وقيل المراد من العرض على السموات والأرض، هو العرض على أهلها من الملائكة دون أعيانها، والقول الأول أصح وهو قول العلماء ﴿ فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ﴾ أي خفن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب ﴿ وحملها الإنسان ﴾ يعني آدم قال الله عز وجل لآدم إني عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال فلم تطقها، فهل أنت آخذها بما فيها قال يا رب، وما فيها قال : إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت فتحملها آدم فقال : بين أذني وعاتقي قال الله أما إذا تحملت فسأعينك وأجعل لبصرك حجاباً فإذا خشيت أن لا تنظر إلى ما لا يحل فارخ عليه حجابه واجعل للسانك لحيين وغلاقاً فإذا خشيت فأغلقه، واجعل لفرجك لباساً فلا تكشفه على ما حرمت عليك قال مجاهد فما كان بين أن تحملها، وبين أن أخرج من الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصر وقيل إن ما كلف الإنسان حمله بلغ من عظمه، وثقل محمله أنه عرض على أعظم ما خلق الله تعالى من الإجرام، وأقواه وأشده أن يحتمله ويستقبل به فأبى حمله وأشفق منه وحمله الإنسان على ضعفه وضعف قوته ﴿ إنه كان ظلوماً جهولاً ﴾.
قال ابن عباس : إنه كان ظلوماً لنفسه جهولاً بأمر ربه وما تحمل من الأمانة وقيل ظلوماً حين عصى ربه جهولاً أي لا يدري ما العقاب في ترك الأمانة وقيل ظلوماً جهولاً حيث حمل الأمانة، ثم لم يف بها وضمنها ولم يف بضمانها وقيل في تفسير الآية أقوال أخر، وهو أن الله تعالى ائتمن السموات والأرض والجبال على كل شيء، وائتمن آدم وأولاده على شيء فالأمانة في حق الأجرام العظام هي الخضوع والطاعة لما خلقهن له، وقوله فأبين أن يحملنها أي أدين الأمانة ولم يخن فيها وأما الأمانة في حق بني آدم، فهي ما ذكر من الطاعة والقيام بالفرائض وقوله وحملها الإنسان أي خان فيها، وعلى هذا القول حكي عن الحسن أنه قال الإنسان هو الكافر والمنافق حملا الأمانة وخانا فيها، والقول الأول هو قول السلف وهو الأولى.

فصل :


في الأمانة ( ق ) عن حذيفة بن اليمان قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا « إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة » ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال :« ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً، وليس فيه شيء ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله، فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال : إن في بني فلان رجلاً أميناً حتى يقال : للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ولقد أتى على زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلماً ليردنه على دينه، ولئن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه على ساعيه وأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلاناً وفلاناً ».
قوله : نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال جذر الشيء أصله والوكت الأثر اليسير، كالنقطة في الشيء من غير لونه، والمجل غلظ الجلد من أثر العمل وقيل إنما هو النفطات في الجلد، وقد فسره الحديث والمنتبر المنتفخ وليس فيه شيء ( خ ) عن أبي هريرة قال « بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم فجاء أعرابي فقال متى الساعة فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال :« أين السائل عن الساعة قال : ها أنا يا رسول الله قال إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال : كيف إضاعتها يا رسول الله قال : إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة » وعنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك » أخرجه أبو داود والترمذي. وقال حديث حسن غريب.

[سورة الأحزاب (٣٣): آية ٧٣]

لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣)
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ أي بما خانوا الأمانة ونقضوا العهد وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ أي يهديهم ويرحمهم بما أدوا من الأمانة. وقيل: عرضنا الأمانة ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهما الله، ويظهر إيمان المؤمن فيتوب عليه أي يعود عليه بالرحمة والمغفرة إن حصل منه تقصير في بعض الطاعات وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
Icon