تفسير سورة الأحقاف

الماوردي
تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى :﴿ حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معناه قُضِي نزول الكتاب من الله العزيز الحكيم، قاله النقاش.
الثاني : هذا الكتاب يعني القرآن تنزيل من الله العزيز الحكيم، قاله الحسن.
قوله تعالى :﴿ مَا خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَينَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : إلا بالصدق، قاله ابن إسحاق.
الثاني : إلا بالعدل، وهو مأثور.
الثالث : إلا للحق، قاله الكلبي.
الرابع : إلا للبعث، قاله يحيى.
﴿ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه أجل القيامة، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه الأجل المقدور لكل مخلوق، وهو محتمل.
قوله تعالى :﴿ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ ﴾ قرأ الحسن وطائفة معه ﴿ أَوْ أَثَرَةٍ ﴾ وفي تأويل ﴿ أَوْ أَثَارَةٍ ﴾ وهي قراءة الجمهور ثلاثة أوجه :
أحدها : رواية من علم، قاله يحيى.
الثاني : بقية، قاله أبو بكر بن عياش، ومنه قول الشاعر :
وذات أثارة أكلت عليها نباتاً في أكمته قفارا
أي بقية من شحم.
الثالث : أو علم تأثرونه عن غيركم، قاله مجاهد.
ويحتمل رابعاً : أو اجتهاد بعلم، لأن أثارة العلم الاجتهاد.
ويحتمل خامساً : أو مناظرة بعلم لأن المناظر في العلم مثير لمعانيه.
ومن قرأ ﴿ أَوْ أَثَرَةٍ مِّنْ عِلْمٍ ﴾ ففي تأويله خمسة أوجه :
أحدها : أنه الخط، وقد رواه ابن عباس عن النبي ﷺ.
الثاني : ميراث من علم، قاله عكرمة.
الثالث : خاصة من علم، قاله قتادة.
الرابع : أو بقية من علم، قاله عطية.
الخامس : أثرة يستخرجه فيثيره، قاله الحسن.
قوله تعالى :﴿ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ ﴾ قال ابن عباس : معناه لست بأول الرسل. والبدع الأول. والبديع من كل شيء المبتدع، وأنشد قطرب لعدي بن زيد :
فلا أنا بدع من حوادث تعتري رجالاً غدت من بعد بؤسي بأسعد
﴿ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يعني لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا لا في الآخرة، فلا أدري ما يفعل بي أخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي، أو أُقتل كما قتل الأنبياء من قبلي ولا أدري ما يفعل بكم، إنكم مصدقون أو مكذبون، أو معذبون أو مؤخرون، قاله الحسن :
الثاني : لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة. وهذا قبل نزول ﴿ لِيَغْفِر لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ الآية. فلما نزل عليه ذلك عام الحديبية علم ما يفعل به في الآخرة وقال لأصحابه :« لَقَدْ أَنْزَلَ عَلَيَّ آيَةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعِهَا » فلما تلاها قال رجل من القوم : هنيئاً يا رسول الله، قد بين الله ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى :﴿ لِيُدْخِلَ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ الآية. قاله قتادة.
الثالث : أن النبي ﷺ قال قبل الهجرة « لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَنَامِي أَرْضاً أَخْرُجُ إِلَيْهَا مِن مَكَّةَ » فلما اشتد البلاء على أصحابه بمكة قالوا : يا رسول الله حتى متى نلقى هذا البلاء؟ ومتى تخرج إلى الأرض التي رأيت؟ فقال ﷺ :« مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُم، أَنَمُوتُ بِمَكَّةَ أَمْ نَخْرُجُ مِنهَا » قال الكلبي.
الرابع : معناه قل لا أدري ما أؤمر به ولا ما تؤمرون به، قاله الضحاك.
قوله تعالى :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به، قاله يحيى.
الثاني : إن كان محمد ﷺ نبياً من عند الله وكفرتم به، قاله الشعبي.
﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ بَني إِسْرَآئِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنه عبد الله بن سلام شهد على اليهود أن رسول الله ﷺ مذكور في التوراة، قاله ابن عباس، وعكرمة، وقتادة، ومجاهد.
الثاني : أنه آمين بن يامين، قال لما أسلم عبد الله بن سلام : أنا شاهد مثل شهادته ومؤمن كإيمانه، قاله السدي.
الثالث : أن موسى مثل محمد ﷺ يشهد بنبوته، والتوراة مثل القرآن يشهد بصحته، قاله مسروق. ولم يكن في عبد الله بن سلام لأنه أسلم بالمدينة والآية مكية.
الرابع : هو من آمن من بني إسرائيل بموسى والتوراة، قاله الشعبي.
الخامس : أنه موسى الذي هو مثل محمد صلى الله عليهما شهد على التوراة. التي هي مثل القرآن، حكاه ابن عيسى.
﴿ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ﴾ أنتم عن الإيمان بمحمد ﷺ، قاله مسروق.
وفي قولان :
أحدهما : فآمن عبد الله بن سلام برسول الله ﷺ وبالقرآن واستكبر الباقون عن الإيمان، قاله ابن عباس.
الثاني : فآمَن مَن آمن بموسى وبالتوراة واستكبرتم أنتم عن الإيمان بمحمد ﷺ والقرآن، قاله مسروق. وحكى النقاش أن في الآية تقديماً وتأخيراً تقديره : قل أرأيتم إن كان من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن هو وكفرتم.
وقال ابن عيسى : الكلام على سياقه ولكن حذف منه جواب إن كان من عند الله وفي المحذوف ثلاثة أوجه :
أحدها : تقديره : وشهد شاهد من بني إسرائيل فآمن، أتؤمنون؟ قاله الزجاج.
الثاني : تقدير المحذوف : فآمن واستكبرتم أفما تهلكون، قاله مذكور.
الثالث : تقدير المحذوف من جوابه : فمن أضل منكم إن الله لا يهدي القوم الظالمين.
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الِّذِينَ كَفَرُواْ لِلِّذِينَ ءَامَنُواْ لَوْ كَانَ خَيراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ﴾ وفي سبب نزول هذه الآية أربعة أقاويل :
أحدها : أن أبا ذر الغفاري دعاه النبي ﷺ إلى الإسلام بمكة فأجاب واستجاب به قومه فأتاه زعيمهم فأسلم، ثم دعاهم الزعيم فأسلموا فبلغ ذلك قريشاً فقالوا : غفار الخلفاء لو كان خيراً ما سبقونا إليه. فنزلت، قاله أبو المتوكل.
الثاني : أن زنيرة أسلمت فأصيب بصرها، فقالوا لها : أصابك اللات والعزى، فرد الله عليها بصرها، فقال عظماء قريش : لو كان ما جاء به محمد خير ما سبقتنا إليه زنيرة فنزلت، قاله عروة بن الزبير.
115
الثالث : أن الذين كفروا هم عامر وغطفان وأسد وحنظلة قالوا لمن أسلم من غفار وأسلم وغطفان وجهينة ومزينة وأشجع : لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقتنا إليه رعاة البهم. فنزلت، قاله الكلبي.
الرابع : أن الكفار قالوا : لو كان خيراً ما سبقتنا إليه اليهود فنزلت هذه الآية، قاله مسروق.
وهذه المعارضة من الكفار في قولهم لو كان خيراً ما سبقونا إليه من أقبح المعارضات لانقلابها عليهم لكل من من خالفهم حتى يقال لهم : لو كان ما أنتم عليه خيراً ما عدنا عنه، ولو كان تكذيبكم للرسول خيراً ما سبقتمونا إليه.
﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ ﴾ يعني إلى الإيمان. وفيه وجهان :
أحدهما : وإذا لم يهتدوا بمحمد ﷺ، قاله مقاتل.
الثاني : بالقرآن.
﴿ فَسَيَقُولُونَ هَذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : فسيقولون هذا القرآن كذب قديم، تشبيهاً بدين موسى القديم، تكذيباً بهما جيمعاً.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : ثم استقاموا على أن الله ربهم، قاله أَبو بكر الصديق رضي الله عنه.
الثاني : ثم استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله، قاله ابن عباس.
الثالث : على أداء فرائض الله، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
الرابع : على أن أخلصوا له الدين والعمل، قاله أبو العالية.
الخامس : ثم استقاموا عليه فلم يرجعوا عنه إلى موتهم، رواه أنس مرفوعاً.
﴿ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيهِم ﴾ يعني في الآخرة.
﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ يعني عند الموت، قاله سعيد بن جبير.
116
قوله تعالى :﴿ وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْه إحْسَاناً ﴾ في قراءة أهل الكوفة وقرأ الباقون حسناً. قال السدي : يعني براً.
﴿ حَمَلْتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ﴾ أي حملته بمشقة ووضعته بمشقة. وقرىء كرهاً بالضم والفتح. قال الكسائي والفراء في الفرق بينهما أن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه، وبالفتح ما حمل على غيره.
﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَ ثُونُ شَهْراً ﴾ الفصال مدة الرضاع، فقدر مدة الحمل والرضاع ثلاثون شهراً، وكان في هذا التقدير قولان :
أحدهما : أنها مدة قدرت لأقل الحمل وأكثر الرضاع، فلما كان أكثر الرضاع أربعة وعشرين شهراً لقوله تعالى :﴿ حَولَينِ كَامِلَينِ لِمَنْ أَرادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [ البقرة : ٢٣٣ ] دل ذلك على أن مدة أقل الحمل ما بقي وهو ستة أشهر، فإن ولدته لتسعة أشهر لم يوجب ذلك نقصان الحولين في الرضاع، قاله الشافعي وجمهور الفقهاء.
الثاني : أنها مدة جمعت زمان الحمل ومدة الرضاع، فإن كانت حملته تسعة أشهر؛ أرضعته أحداً وعشرين شهراً، وإن كانت حملته عشرة أشهر أرضعته شهراً لئلا تزيد المدة فيهما عن ثلاثين شهراً، قاله ابن عباس.
﴿ حَتَّى إذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ وفي الأشد تسعة أقاويل :
أحدها : أنه البلوغ، قاله ابن مالك والشعبي وزيد بن أسلم.
الثاني : خمسة عشر سنة، قاله محمد بن أويس.
الثالث : ثماني عشرة سنة، قاله ابن جبير.
الرابع : عشرون سنة، قاله سنان.
الخامس : خمسة وعشرون سنة، قاله عكرمة.
السادس : ثلاثون سنة، قاله السدي.
السابع : ثلاثة وثلاثون سنة، قاله ابن عباس.
الثامن : أربعة وثلاثون سنة، قاله سفيان الثوري.
التاسع : أربعون سنة، وهو قول عائشة، والحسن.
﴿ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : لأنها زمان الأشد، وهو قول من ذكرنا.
الثاني : لأنها زمان الاستواء، قال زيد بن أسلم : لم يبعث الله نبياً حتى يبلغ الأربعين.
وقال ابن زيد : وقوله تعالى لموسى ﴿ وَاسْتَوَى ﴾ قال بلغ أربعين سنة. وقال الشعبي : يثغر الغلام لسبع ويحتلم لأربع عشرة، وينتهي طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين، فما زاد بعد ذلك فهو تجربة ويبلغ أشده لثلاث وثلاثين.
الثالث : لأنها أول عمر بعد تمام عمر، قال ابن قيس.
﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي ﴾ قال سفيان معناه ألهمني.
قال ابن قتيبة : والأصل في الإيزاع هو الإغراء بالشيء، ويقال فلان موزع بكذا أي مولع به.
﴿ أَن أَشْكُر نِعْمَتَكَ الَّتي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنعمت علي بالبر والطاعة، وأنعمت على والدي بالتحنن والشفقة.
الثاني : أنعمت عليَّ بالعافية والصحة، وعلى والديَّ بالغنى والثروة، وفي النعمة على كل واحد منهما نعمة على الآخر لما بينهما من الممازجة والحقوق الملتزمة.
وحكى أبو زهير عن الأعمش قال : سمعتهم يقولون إن الولد يأتيه رزقه من أربع خلال : يأتيه رزقه وهو في بطن أمه، ثم يولد فيكون رزقه في ثدي أمه، فإذا تحرك كان رزقه على أبويه، فإذا اجتمع وبلغ أشده جلس يهتم للرزق ويقول من أين يأتيني رزقي، فاختصت الأم بخلتين من خلال رزقه، واشترك أبوه في الثالثة، وتفرد هو بالرابعة، فذهب عنه الهم لما كان موكلاً إلى غيره، واهتم لما صار موكلاً إلى نفسه ليتنبه بذلك على التوكل على خالقه ليكون نقى لهمته وأقل لحيرته وأدرّ لرزقه، وليعلم أن لأمه عليه حقاً يعجز عن أدائه لما عانت من موارد رزقه ما عجز الخلق عن معاناته.
117
﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : في بر الوالدين.
الثاني : في ديني.
﴿ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَتِي ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يدعو بإصلاحهم لبره وطاعته لإضافته ذلك إلى نفسه.
الثاني : أن يدعو بإصلاحهم لطاعة الله وعبادته وهو الأشبه، لأن طاعتهم لله من بره، ولأنه قد دعا بصلاح ذرية قد تكون من بعده.
وفيه لأصحاب الخواطر أربعة أوجه :
أحدها : قاله سهل : اجعلهم لي خلف صدق ولك عبيد حق.
الثاني : قاله أبو عثمان : اجعلهم أبراراً، أي مطيعين لك.
الثالث : قاله ابن عطاء وفقهم لصالح أعمال ترضى بها عنهم.
الرابع : قاله محمد الباقر رضي الله عنه : لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلاً.
﴿ إنِّي تُبْتُ إِِلَيكَ ﴾ قال ابن عباس : رجعت عن الأمر الذي كنت عليه.
وفي هذه الآية قولان :
أحدهما : أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قاله مقاتل والكلبي.
الثاني : مرسلة نزلت على العموم، قاله الحسن.
قوله تعالى :﴿ أُوْلَئكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم إذا أسلموا قبلت حسناتهم وغفرت سيئاتهم، قاله زيد بن أسلم يحكيه مرفوعاً.
الثاني : هو إعطاؤهم بالحسنة عشراً رواه أبو هلال.
الثالث : هي الطاعات لأنها الأحسن من أعماله التي يثاب عليها وليس في المباح ثواب ولا عقاب، حكاه ابن عيسى.
﴿ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِم فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : نتجاوز عن سيئاتهم بالرحمة.
الثاني : نتجاوز عن صغائرهم بالمغفرة.
الثالث : نتجاوز عن كبائرهم بالتوبة.
﴿ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ ﴾ وعد الصدق الجنة، الذي كانوا يوعدون في الدنيا على ألسنة الرسل.
118
قوله تعالى :﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لكُمَا أَتَعِدَانَنِي أَنْ أُخْرَجَ ﴾ : أي أبعث.
﴿ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي ﴾ فلم يبعثوا. وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وأمه أم رومان. يدعوانه إلى الإسلام ويعدانه بالبعث فيرد عليهما بما حكاه الله عنه، وكان هذا منه قبل إسلامه، قاله السدي.
قال السدي : فلقد رأيت عبد الرحمن بن أبي بكر بالمدينة، وما بالمدينة أَعْبَدُ منه، ولقد استجاب الله فيه دعوة أبي بكر رضي الله عنه، ولما أسلم وحسن إسلامه، نزلت توبته في هذه الآية ﴿ وَلِكُلِّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُواْ ﴾.
الثاني : أنها نزلت في عبد الله بن أبي بكر، وكان يدعوه أبواه إلى الإسلام فيجيبهما بما أخبر الله تعالى، قاله مجاهد.
الثالث : أنها نزلت في جماعة من الكفار قالوا ذلك لآبائهم ولذلك قال :﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيهِم الْقَوْلُ ﴾ والعرب قد تذكر الواحد وتريد به الجمع وهذا معنى قول الحسن. فأما ال ﴿ أُفٍّ ﴾ فهي كلمة تبرم يقصد بها إظهار السخط وقبح الرد. قال الشاعر :
ما يذكر الدهر إلا قلت أف له إذا لقيتك لولا قال لي لاقي
وفي أصل الأف والتف ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الأف وسخ الأذن، والتف وسخ الأنف.
الثاني : الأف وسخ الأظفار، والتف الذي يكون في أصول الأظافر.
الثالث : أن الأف العليل الأنف، والتف الإبعاد.
﴿ وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّه ﴾ أي يدعوان الله : اللهم اهده، اللهم اقبل بقلبه، اللهم اغفر له.
﴿ وَيْلَكَ ءَامِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ في الثواب على الإيمان، والعقاب على الكفر.
قوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ﴾ يحتمل أربعة أوجه :
أحدها : معناه أذهبتم طيباتكم في الآخرة بمعاصيكم في الدنيا.
الثاني : ألهتكم الشهوات عن الأعمال الصالحة.
الثالث : أذهبتم لذة طيباتكم في الدنيا بما استوجبتموه من عقاب معاصيكم في الآخرة.
الرابع : معناه اقتنعتم بعاجل الطيبات في الدنيا بدلاً من آجل الطيبات في الآخرة.
وروى الحسن عن الأحنف بن قيس أنه سمع عمر بن الخطاب يقول : لأنا أعلم بخفض العيش، ولو شئت لجعلت أكباداً وأسنمة وصلاء وصناباً وسلائق، ولكن أستبقي حسناتي، فإن الله تعالى وصف قوماً فقال :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ﴾ والصلاء، والشواء، والصناب الأصبغة والسلائق الرقاق العريض.
وقال ابن بحر فيه تأويل خامس : أن الطيبات : الشباب والقوة، مأخوذ من قولهم : ذهب أطيباه أي شبابه وقوته. ووجدت الضحاك قاله أيضاً.
﴿ وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : بالدنيا.
الثاني : بالطيبات.
﴿ فَالْيَوْمَ تُجْزَونَ عَذَابَ الْهُونِ ﴾ قال مجاهد : الهون الهوان. قال قتادة بلغة قريش.
﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : تستعلون على أهلها بغير استحقاق.
الثاني : تتغلبون على أهلها بغير دين.
الثالث : تعصون الله فيها بغير طاعة.
﴿ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : تفسقون في أعمالكم بغياً وظلماً.
الثاني : في اعتقادكم كفراً وشركاً.
قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ ﴾ وهو هود بعث إلى عاد، وكان أخاهم في النسب لا في الدين لأنه مناسب وإن لم يكن أخا أحد منهم.
﴿ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ ﴾ وهي جمع حقف، وهو ما استطال واعوج من الرمل العظيم، ولا يبلغ أن يكون جبلاً. ومنه قول العجاج :
بات إلى أرطاة حقف أحقفا ....................
أي رمل مستطيل مشرق.
وفيما أريد بالأحقاف هنا خمسة أقاويل :
أحدها : أن الأحقاف رمال مشرقة كالجبال، قاله ابن زيد، وشاهده ما تقدم، وقال هي رمال مشرقة على البحر بالسحر في اليمن.
الثاني : أن الأحقاف أرض من حسمي تسمى الأحقاف، قاله مجاهد.
الثالث : أنه جبل بالشام يسمى الأحقاف، قاله الضحاك.
الرابع : هو ما بين عمان وحضرموت، قاله ابن إسحاق.
الخامس : هو واد بين عُمان ومهرة، قاله ابن عباس.
وروى أبو الطفيل عن علي كرم الله وجهه أنه قال : خير واد بين في الناس واد بمكة، وواد نزل به آدم بأرض الهند، وشر واديين في الناس وادي الأحقاف، ووادٍ بحضرموت يدعى برهوت تلقى فيه أرواح الكفار، وخير بئر في الناس بئر زمزم، وشر بئر في الناس بئر برهوت وهي ذلك الوادي حضرموت.
﴿ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ﴾ أي قد بعث الرسل من قبل هود ومن بعده، قال الفراء، من بين يديه من قبله، ومن خلفه من بعده وهي في قراءة ابن مسعود :﴿ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ بَعدِهِ ﴾.
قوله تعالى :﴿ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأفِكَنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لتزيلنا عن عبادتها بالإفك.
الثاني : لتصدنا عن آلهتنا بالمنع، قاله الضحاك.
قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتهِمْ ﴾ يعني السحاب. وأنشد الأخفش لأبي كبير الهذلي :
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المنهال
وفي تسميته عارضاً ثلاثة أقاويل :
أحدها : لأنه أخذ في عرض السماء، قال ابن عيسى.
الثاني : لأنه يملأ آفاق السماء، قال النقاش.
الثالث : لأنه مار من السماء. والعارض هو المار الذي لا يلبث وهذا أشبه.
﴿ قَاُلواْ هَذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ﴾ حسبوه سحاباً يمطرهم، وكان المطر قد أبطأ عليهم.
﴿ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذابٌ أَلِيمٌ ﴾ كانوا حين أوعدهم هود استعجلوه استهزاء منهم بوعيده، فلما رأوا السحاب بعد طول الجدب أكذبوا هوداً وقالوا : هذا عارض ممطرنا.
ذكر أن القائل ذلك من قوم عاد، بكر بن معاوية. فلما نظر هود إلى السحاب قال : بل هو ما استعجلتم به، أي الذي طلبتم تعجيله ريح فيها عذاب أليم وهي الدبور.
وروي عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال :« نُصِرْتُ بِالصبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ »
120
فنظر بكر بن معاوية إلى السحاب فقال : إني لأرى سحاباً مُرْمِداً، لا يدع من عَادٍ أحداً. فذكر عمرو بن ميمون أنها كانت تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم.
قال ابن اسحاق : واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه هو ومن معه فيها إلا ما يلين على الجلود وتلتذ الأنفس به، وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض.
وحكى الكلبي أن شاعرهم قال في ذلك :
فدعا هود عليهم... دعوة أضحوا همودا
عصفت ريح عليهم... تركت عاداً خمودا
سخرت سبع ليال... لم تدع في الأرض عودا
وعمَّر هود في قومه بعدهم مائة وخمسين سنة
121
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ مََّكنَّاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكنَّاكُمْ فِيهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فيما لم نمكنكم فيه، قاله ابن عباس.
الثاني : فيما مكناكم فيه وإن هنا صلة زائدة.
ويحتمل ثالثاً : وهو أن تكون ثابتة غير زائدة ويكون جوابها مضمراً محذوفاً ويكون تقديره : ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر وعنادكم أشد.
ثم ابتدأ فقال :﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأبْصَاراً وَأَفْئِدَةً ﴾ الآية. يحتمل وجهين :
أحدهما : أننا جعلنا لهم من حواس الهداية ما لم يهتدوا به.
الثاني : معناه جعلنا لهم أسباب الدفع ما لم يدفعوا به عن أنفسهم.
قوله تعالى :﴿ وَإذ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القُرْءَانَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنهم صرفوا عن استراق سمع السماء برجوم الشهب ولم يكونوا بعد عيسى صرفوا عنه إلا عند مبعث النبي ﷺ، فقالوا : ما هذا الذي حدث في الأرض؟ فضربوا في الأَرض حتى وقفوا على النبي ﷺ ببطن نخلة عائداً إلى عكاظ وهو يصلي الفجر، فاستمعوا القرآن ونظروا كيف يصلي ويقتدي به أصحابه، فرجعوا إلى قومهم فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجباً، قاله ابن عباس.
وحكى عكرم أن السورة التي كان يقرأها ببطن نخلة ﴿ اقرأْ بِاسِمِ رَبِّكَ ﴾ [ العلق : ١ ] وحكى ابن عباس كان يقرأ في العشاء ﴿ كَادوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾.
الثاني : أنهم صرفوا عن بلادهم بالتوفيق هداية من الله لهم حتى أتوا نبي الله ببطن نخلة.
وفيهم أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم جن من أهل نصيبين، قاله ابن عباس.
الثاني : أنهم من أهل نينوى، قاله قتادة.
الثالث : أنهم من جزيرة الموصل، قاله عكرمة.
الرابع : من أهل نجران، قاله مجاهد.
واختلف في عددهم على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم كانوا اثني عشر ألفاً من جزيرة الموصل، قاله عكرمة.
الثاني : أنهم كانوا تسعة أحدهم زوبعة، قاله زر بن حبيش.
الثالث : أنهم كانوا سبعة : ثلاثة من أهل نجران وأربعة من أهل نصيبين، وكانت أسماؤهم حسى ومسى وشاصر وناصر والأردن وأنيان الأحقم، قاله مجاهد.
واختلف في علم النبي ﷺ على قولين :
أحدهما : أنه ما شعر بهم رسول الله ﷺ حتى أوحى الله إليه فيهم وأخبره عنهم، قاله ابن عباس، والحسن.
الثاني : أن الله قد كان أعلمه بهم قبل مجيئهم. روى شعبة عن قتادة أن نبي الله ﷺ قال :« إِنِّي أمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَى الْجِنِّ فَأَيُّكُمْ يَتْبَعُنِي » ؟فأطرقوا فاتبعه ابن مسعود فدخل نبي الله ﷺ شعباً يقال له شعب الحجون وخط عليه وخط على ابن مسعود ليثبته بذلك، قال عكرمة : وقال لابن مسعود :« لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيكَ » فلما خشيهم ابن مسعود كاد أن يذهب فذكر قول النبي ﷺ فلم يبرح، فقال له النبي ﷺ :« لَوْ ذَهَبْتَ مَا التَقَيْنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ »
ولما توجه رسول الله ﷺ إليهم تلا عليهم القرآن وقضى بينهم في قتيل منهم. وروى قتادة عن ابن مسعود أنهم سألوه الزاد فقال :« كُلُّ عَظْمٍ لَكُم عِرْقٌ، وَكُلٌّ رَوَثَةٍ لَكُم خَضِرَةٌ » فقالوا يا رسول الله يقذرها الناس علينا، فنهى سول الله ﷺ أن يستنجى بأحدهما.
روى عبد الله بن عمرو بن غيلان عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ :
123
« إِنَّ وَفْدَ الجِنَّ سَأَلُونِي المَتَاع، - وَالمَتَاعُ : الزَّادُ - فَمَتَّعْتُهُم بِكُلِّ عَظْمٍ حَائِلٍ وَبَعْرَةٍ أَوْ رَوَثَةٍ » فقلت : يا رسول الله وما يغني عن ذلك عنهم؟ فقال :« إنهم لا يجدون عظماً إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل، ولا روثة ولا بعرة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت، فلا يستنجين أحدكم إذا خرج من الخلاء بعظم ولا بعرة ولا روثة ».
﴿ فَلَمَّا حَضَرُوه قَالُواْ أنصِتُواْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : فلما حضروا قراءة القرآن قال بعضهم لبعض أنصتوا لسماع القرآن.
الثاني : لما حضروا رسول الله ﷺ قالوا أنصتوا لسماع قوله.
﴿ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فلما فرغ من الصلاة ولوا إلى قومهم منذرين برسول الله ﷺ، قال الكلبي : مخوفين : قاله الضحاك.
الثاني : فلما فرغ من قرءاة القرآن ولوا إلى قومهم منذرين، حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم.
قوله تعالى :﴿ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُواْ دَاعِيَ اللَّهِ ﴾ أي نبي الله يعني محمداً ﷺ.
﴿ وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ ﴾ أي نبي الله يعني محمداً ﷺ. ﴿ فَليسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ ﴾ أي سابق لله فيفوته هرباً.
124
قوله تعالى :﴿ فَاصْبِر كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِن الرُّسُلِ ﴾ فيهم ستة أوجه :
أحدها : أن أولي العزم من الرسل الذين أمروا بالقتال من الأنبياء، قاله السدي والكلبي.
الثاني : أنهم العرب من الأنبياء، قاله مجاهد والشعبي.
الثالث : من لم تصبه فتنة من الأنبياء، قاله الحسن.
الرابع : من أصابه منهم بلاء بغير ذنب، قاله ابن جريج.
الخامس : أنهم أولوا العزم، حكاه يحيى.
السادس : أنهم أولوا الصبر الذين صبروا على أذى قومهم فلم يجزعوا.
وروت عائشة عن النبي ﷺ قال :« إن الله تعالى لم يرض عن أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر على مخبوئها ».
وفي أولي العزم منهم ستة أقاويل :
أحدها : أن جميع الأنبياء أولوا العزم، ولم يبعث الله رسولاً إلا كان من أولي العزم. فأمر رسول الله ﷺ أن يصبر كما صبروا، قاله ابن زيد.
الثاني : أن أولي العزم منهم نوح وهود وإبراهيم، فأمر الله رسوله أن يكون رابعهم، قاله أبو العالية.
الثالث : أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، قاله ابن عباس.
الرابع : أنهم نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى، قاله عبد العزيز.
الخامس : أنهم إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم، قاله السدي.
السادس : أن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب، وليس منهم يونس ولا سليمان ولا آدم، قاله ابن جريج.
﴿ وَلاَ تَسْتَعْجِلَ لَّهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بالدعاء عليهم، قاله مقاتل.
الثاني : بالعذاب وهذا وعيد.
﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من العذاب، قاله يحيى.
الثاني : من الآخرة، قاله النقاش.
﴿ لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِن نَّهَارٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في الدنيا حتى جاءهم العذاب، وهو مقتضى قول يحيى.
الثاني : في قبورهم حتى بعثوا للحساب، وهو مقتضى قول النقاش.
﴿ بَلاَغٌ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن ذلك اللبث بلاغ، قاله ابن عيسى.
الثاني : أن هذا القرآن بلاغ، قاله الحسن.
الثالث : أن هذا الذي وصفه الله بلاغ، وهو حلول ما وعده إما من الهلاك في الدنيا أو العذاب في الآخرة على ما تقدم من الوجهين :
﴿ فَهَلْ يُهْلَكُ ﴾ يعني بعد هذا البلاغ.
﴿ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ قال يحيى : المشركون.
وذكر مقاتل أن هذه الآية نزلت على رسول الله ﷺ يوم أحد، فأمره الله أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولوا العزم من الرسل تسهيلاً عليه وتثبيتاً له، والله أعلم.
Icon