تفسير سورة سورة الليل من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
.
لمؤلفه
الإيجي محيي الدين
.
المتوفي سنة 905 هـ
سورة الليل مكية
وهي إحدى وعشرون آية
وهي إحدى وعشرون آية
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ والليل إذا يغشى ﴾ : الخليقة بظلامه﴿ والنهار إذا تجلى ﴾ : بان وظهر
﴿ وما خلق ﴾ أي : ومن خلق، وقيل : مصدرية ﴿ الذكر والأنثى ﴾ أي : صنفيهما، أو آدم وحواء
﴿ إن سعيكم ﴾ مساعيكم ﴿ لشتى١ ﴾ أي : أشتات مختلفة وأعمالكم متضادة،
١ هذا هو المقسم عليه، ثم فصل السعي بقوله:﴿فأما من أعطى﴾الآية/١٢ وجيز..
ﯘﯙ
ﰅ
﴿ وصدق بالحسنى ﴾ : بالمجازاة وأيقن أن الله سيخلفه، أو بالكلمة الحسنى، وهي كلمة التوحيد، أو بالجنة
ﯛﯜ
ﰆ
﴿ فسنيسره ﴾ في الدنيا ﴿ لليسرى ﴾ : للخلة التي توصله إلى اليسر، والراحة في الآخرة، يعني للأعمال الصالحة١،
١ والعقيدة الصحيحة/١٢..
﴿ وأما من بخل ﴾ : بالإنفاق في الخيرات، ﴿ واستغنى ﴾ : بالدنيا عن العقبى،
ﭑﭒ
ﰉ
﴿ وكذب بالحسنى فسنيسره ﴾، في الدنيا، ﴿ للعسرى ﴾ : للخلة المؤدية إلى الشدة في الآخرة، وهي : الأعمال السيئة، ولهذا قالوا : من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن جزاء السيئة السيئة بعدها،
﴿ وما يغني عنه ماله إذا تردى ﴾ : هلك، أو سقط وتردى في جهنم،
﴿ إن علينا ﴾، أي : واجب علينا بمقتضى حكمتنا، ﴿ للهدى ﴾ : للإرشاد إلى الحق، أو طريقة الهدى علينا فمن سلكها وصل إلينا،
﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾، فنعطي ما نشاء لمن نشاء، ومن طلب عن غيرنا فقد أخطأ،
﴿ فأنذرتكم نارا تلظى ﴾ : تتلهب، وفي الصحيح " إن أهون أهل النار عذابا رجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه "
﴿ لا يصلاها١ ﴾ : لا يلزمها مقاسيا شدتها، ﴿ إلا الأشقى ﴾ : الكافر،
١ الصلى في اللغة أن يحفر حفير، ويجمع فيه جمر كثير ثم يدس الشاة بين أطباقه، فأما ما يشوى على الجمر أو في التنور، فلا يقال: إنه فيه مصلى، وقد ذكر ذلك الزمخشري أيضا في سورة الغاشية، فلهذا قيل: الصلى أشد العذاب، فعلى هذا قول:"لا يصلاها إلا الأشقى" معناه ظاهر/١٢ وجيز..
﴿ الذي كذب ﴾ : بالحق، ﴿ وتولى ﴾ : عن الطاعة، وفي الحديث " لا يدخل النار إلا شقي، قيل : ومن هو ؟ قال : الذي لا يعمل بطاعة، ولا يترك لله معصية١ ".
١ ضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف الجامع" (٦٣٥٧)..
ﭱﭲ
ﰐ
﴿ وسيجنبها الأتقى١ ﴾ : الذي اتقى عن الشرك والمعصية فلا يدخلها٢ أصلا، وأما من اتقى الشرك، وحده فيمكن أن يدخلها، لكن لا يصلاها ولا يلزمها،
١ لكن من لم يتق إلا عن الشرك، ويرتكب المعاصي، فيمكن أن يدخلها من غير أن يصلاها فإن تطهير المؤمنين بنار جهنم لا يكون إلا في الطبقة الأولى/١٢ وجيز..
٢ والأولى حمل الأشقى والأتقى على كل متصف بالصفتين المذكورتين، ويكون المعنى إنه لا يصلى صليا تاما لازما إلا الكامل في الشقاء، وهو الكافر، ولا يجنبها ويبعد عنها تبعيدا كاملا، بحيث لا يحوم حولها فضلا عن أن يدخلها إلا الكامل في التقوى، فلا ينافي هذا دخول بعض العصاة من المسلمين النار دخولا غير لازم، ولا تبعيد بعض من لم يكن كامل التقوى عن النار تبعيدا غير بالغ مبلغ تبعيد الكامل في التقوى عنها، والحاصل أن من تمسك من المرجئة بقوله:"لا يصلاها إلا الأشقى" زاعما أن الأشقى الكافر لأنه الذي كذب وتولى، ولم يقع التكذيب من عصاة المسلمين، فيقال ل فماذا تقوله: في قوله:" وسيجنبها الأتقى"؟ فإنه يدل على أنه لا يجنب النار إلا الكامل في التقوى، فمن لم يكن كاملا فيها كعصاة المسلمين لم يكن ممن يجنب النار، فإن أولت الأتقى بوجه من وجوه التأويل لزمك مثله في الأشقى، فخذ إليك هذه مع تلك، وكن كما قال الشاعر:
١٢ فتح..
٢ والأولى حمل الأشقى والأتقى على كل متصف بالصفتين المذكورتين، ويكون المعنى إنه لا يصلى صليا تاما لازما إلا الكامل في الشقاء، وهو الكافر، ولا يجنبها ويبعد عنها تبعيدا كاملا، بحيث لا يحوم حولها فضلا عن أن يدخلها إلا الكامل في التقوى، فلا ينافي هذا دخول بعض العصاة من المسلمين النار دخولا غير لازم، ولا تبعيد بعض من لم يكن كامل التقوى عن النار تبعيدا غير بالغ مبلغ تبعيد الكامل في التقوى عنها، والحاصل أن من تمسك من المرجئة بقوله:"لا يصلاها إلا الأشقى" زاعما أن الأشقى الكافر لأنه الذي كذب وتولى، ولم يقع التكذيب من عصاة المسلمين، فيقال ل فماذا تقوله: في قوله:" وسيجنبها الأتقى"؟ فإنه يدل على أنه لا يجنب النار إلا الكامل في التقوى، فمن لم يكن كاملا فيها كعصاة المسلمين لم يكن ممن يجنب النار، فإن أولت الأتقى بوجه من وجوه التأويل لزمك مثله في الأشقى، فخذ إليك هذه مع تلك، وكن كما قال الشاعر:
على أنني راض بأن أحمل الهوى | وأخرج منه لا علي ولا ليا |
﴿ الذي يؤتي ماله ﴾ : يعطي ماله ويصرفه في طاعة الله، ﴿ يتزكى ﴾ : يطلب تزكية نفسه وماله، بدل، أو حال،
﴿ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ : فيقصد بإيتائه مجازاتها،
﴿ إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ﴾، أي : لكن يؤتي لطلب مرضاة الله،
ﮆﮇ
ﰔ
﴿ ولسوف يرضى ﴾ : من ربه حين يدخله في رحمته، وعن كثير من المفسرين : إن هذه السورة في الصديق رضي الله عنه وهو الأتقى، وأمية بن خلف هو الأشقى، فيكون الحصر١ ادعائيا لا حقيقيا، لأن غير هذا الأشقى غير ضال وغير هذا الأتقى غير مجنب بالكلية.
والحمد لله على كل حال.
والحمد لله على كل حال.
١ كأن الجنة خلقت لهذا، أو النار خلقت لهذا/١٢..