تفسير سورة العلق

التفسير الشامل
تفسير سورة سورة العلق من كتاب التفسير الشامل .
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
هذه السورة مكية وآياتها تسع عشرة.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ١ خلق الإنسان من علق ٢ اقرأ وربك الأكرم ٣ الذي علم بالقلم ٤ علم الإنسان ما لم يعلم ﴾.
هذه السورة أول ما نزل من القرآن. وهذا قول ابن عباس وآخرين. والجمهور على أن فاتحة الكتاب أول ما نزل ثم سورة القلم.
وقد روى الإمام أحمد عن عائشة قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم. فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء. فكان يأتي حراء فيتحنث ( يتعبد ) فيه الليالي ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها، حتى فاجأه الوحي وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه فقال : اقرأ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فقلت : ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني. فقال : اقرأ. فقلت : ما أنا بقارئ. فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني. فقال : اقرأ. فقلت : ما أنا بقارئ. فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال :﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ﴾ حتى بلغ ﴿ ما لم يعلم ﴾ فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال : " زملوني زملوني " فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال : " يا خديجة : ما لي ؟ " وأخبرها الخبر. وقال : " قد خشيت على نفسي " فقالت له : كلاّ أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان قد تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، وكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة : أي ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال ورقة : ابن أخي ما ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ليتني فيها جذعا١ ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أو مخرجيّ هم ؟ " فقال ورقة : نعم. لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن أدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي٢.
قوله :﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ﴾ يعني اقرأ القرآن مفتتحا باسم الله ومستعينا به ﴿ الذي خلق ﴾ الله الذي له الخلق وهو خالق كل شيء.
١ جدعا: الجذع، بالتحريك، معناه الشاب الحدث. انظر القاموس المحيط ص ٩١٥..
٢ تفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٥٣٠..
قوله :﴿ خلق الإنسان من علق ﴾ خص الإنسان بالذكر، لشرفه ولما يتجلى فيه من عظيم الخصائص كالعقل والروح والضمير. وهي خصائص كبريات، من أجلها يناط بالإنسان أعظم الوجائب في هذه الحياة. وهي عبادة الله وحده وإفراده بالإلهية والربوبية والوحدانية. وقد خلق الله هذا الإنسان العجيب المميز من علق، وهي القطعة المستقذرة من الدم بعد أن كانت نطفة مهينة مستهجنة. وفي ذلك دلالة على قدرة الصانع الحكيم. وأنه الإله الأجل الأكرم الذي لا يعز عليه أن يفعل ما يشاء، ولا يعز عليه أن يبعث الإنسان ليوم الحساب.
قوله :﴿ اقرأ وربك الأكرم ﴾ تكرير للمبالغة، والله سبحانه هو الأكرم الذي لا يضاهيه في الكرم أحد.
قوله :﴿ الذي علّم بالقلم ﴾ وذلك دليل على كمال كرمه سبحانه، إذ علّم الإنسان الكتابة بالقلم، وعلمه ما لم يكن يعلم. وفي ذلك ما يشير إلى أهمية الكتابة وفضلها العظيم لما في ذلك من عظيم المنافع الدنيوية والأخروية. فإنه ما دوّنت العلوم، ولا سطّرت الحكم، ولا حفظت أخبار الأولين ولا ضبطت كتب الله المنزلة إلا بالكتابة. وهي لولاها لما استقامت أمور الدين والدنيا. وذلكم دليل ظاهر على بالغ حكمة الله سبحانه، إذ علم الإنسان الكتابة بالقلم.
والكتابة في كيفية تحققها وضبطها بالقلم تتضافر جملة من مركبات الذهن والأعصاب والإرادة والبصر لتأتي الأفكار والأخبار والعلوم والمقاصد مدونة ومضبوطة ومتسقة. وهذه القدرة لا تتسنى لغير الإنسان الذي علمه الله الكتابة بالقلم وعلمه ما لم يكن يعلم١.
١ التفسر النسفي جـ ٤ ص ٣٦٨ وتفسير البيضاوي ص ٨٠٤..
قوله :﴿ علم الإنسان ما لم يعلم ﴾ } وذلك دليل على كمال كرمه سبحانه، إذ علّم الإنسان الكتابة بالقلم وعلمه ما لم يكن يعلم. وفي ذلك ما يشير إلى أهمية الكتابة وفضلها العظيم لما في ذلك من عظيم المنافع الدنيوية والأخروية. فإن ما دوّنت العلوم ولا سطّرت الحكم، ولا حفظت أخبار الأولين، ولا ضبطت كتب الله المنزلة إلا بالكتابة. وهي لولاها لما استقامت أمور الدين والدنيا. وذلكم دليل ظاهر على بالغ حكمة الله سبحانه، إذ علم الإنسان الكتابة بالقلم.
والكتابة في كيفية تحققها وضبطها بالقلم تتضافر جملة من مركبات الذهن والأعصاب والإرادة والبصر لتأتي الأفكار والأخبار والعلوم والمقاصد مدونة ومضبوطة ومتسقة. وهذه القدرة لا تتسنى لغير الإنسان الذي علمه الله الكتابة بالقلم وعلمه ما لم يكن يعلم١.
١ التفسر النسفي جـ ٤ ص ٣٦٨ وتفسير البيضاوي ص ٨٠٤..
قوله تعالى :﴿ كلا إن الإنسان ليطغى ٦ أن رآه استغنى ٧ إن إلى ربك الرجعى ٨ أرأيت الذي ينهى ٩ عبدا إذا صلّى ١٠ أرأيت إن كان على الهدى ١١ أو أمر بالتقوى ١٢ أرأيت إن كذب وتولى ١٣ ألم يعلم بأن الله يرى ١٤ كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ١٥ ناصية كاذبة خاطئة ١٦ فليدع ناديه ١٧ سندع الزبانية ١٨ كلا لا تطعه واسجد واقترب ﴾.
كلا، ردع لمن كفر بنعمة الله عليه فطغى وجحد. ويطغى، من الطغيان وهو مجاوزة الحد في العصيان.
قوله :﴿ أن رآه استغنى ﴾ أي يتجاوز الإنسان الشقي الحد في الطغيان، ويغلو في الكفر والجحود ؛ لأنه رأى نفسه استغنى، أي : صار ذا مال وثراء.
قوله :﴿ إن إلى ربك الرجعى ﴾ الرجعى أي المرجع أو الرجوع. يعني إن إلى ربك يا محمد مرجع هذا المكذب الطاغي ليبوء بسوء العذاب جزاء جحده وتكذيبه. وفي ذلك من الوعيد ما لا يخفى.
قوله :﴿ أرأيت الذي ينهى ﴾ المراد بالناهي أبو جهل. فهذا الشقي الخاسر كان قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، وقد قال قولته المقبوحة : لئن رأيت محمدا يصلي لأطأنّ عنقه. والاستفهام للتعجيب من فعل هذا الشقي الأثيم أبي جهل.
قوله :﴿ عبدا إذا صلّى ﴾ المراد بالناهي أبو جهل. فهذا الشقي الخاسر كان قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، وقد قال قولته المقبوحة : لئن رأيت محمدا يصلي لأطأنّ عنقه. والاستفهام للتعجيب من فعل هذا الشقي الأثيم أبي جهل.
قوله :﴿ أرأيت إن كان على الهدى ﴾ يعني أرأيت يا أيها الشقي الخاسر إن كان هذا الذي تنهاه عن الصلاة، على طريق الله المستقيم.
قوله :﴿ أو أمر بالتقوى ﴾ أي أمرك بالخوف من الله لتجتنب عصيانه وتحذر عقابه وانتقامه.
قوله :﴿ أرأيت إن كذب وتولى ﴾ أرأيت إن كذب أبو جهل بدين الحق الذي بعث به رسول الله ﴿ وتولى ﴾ أي أدبر عن دين الله، وفسق عن أمر ربه.
قوله :﴿ ألم يعلم بأن الله يرى ﴾ الاستفهام للتوبيخ. يعني ألم يعلم هذا الشقي الخاسر وهو ينهى نبي الله عن الصلاة ويتولى معرضا مستكبرا، بأن الله يرى فعله وإجرامه فيخشى بطشه وشديد عقابه.
قوله :﴿ كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ﴾ كلا، ردع لأبي جهل عن طغيانه وظلمه وإيغاله في الإجرام والجحود ﴿ لئن لم ينته ﴾ هذا الخاسر الكنود عما هو فيه من الإيذاء لرسول الله والاعتداء عليه ﴿ لنسفعا بالناصية ﴾ النون، في قوله :﴿ لنسفعا ﴾ نون التوكيد الخفيفة، وتكتب بالألف والتنوين، عند البصريين، وبالنون عند الكوفيين. وهي مكتوبة في المصحف بالألف١ والمعنى : لنأخذن بناصية هذا الشقي فلنذلنّه. سفع بناصيته، أي أخذ بها٢ والناصية، قصاص الشعر٣ والمراد بالناصية شعر مقدمة الرأس. وقد خصّ الناصية بالذكر على عادة العرب فيمن أرادوا إذلاله وإهانته أخذوا بناصيته، مبالغة في إهانته والتنكيل به. وقيل : السفع معناه الجذب بشدة. أي لنجرّنّ بناصيته إلى النار. وقيل : السفع، الضرب واللطم. أي لنلطمن وجهه. وكل هذه المعاني نازلة بكل شقي هالك ينهى الناس عن دين الله.
ويحول بينهم وبين الأخذ بشريعة الله، وذلك بمختلف الأساليب من التحذير والتخويف والتشكيك والصد والقهر والتعذيب. أولئك جزاؤهم يوم القيامة أن يؤخذ بنواصيهم مضمومة إلى أقدامهم ثم يقذفون في جهنم قذفا.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٥٢٣..
٢ مختار الصحاح ص ٣٠١..
٣ القاموس المحيط جـ ٤ ص ٣٩٨ والمصباح المنير جـ ٢ ص ٢٧٨..
قوله :﴿ ناصية كاذبة خاطئة ﴾ ناصية، بدل من الناصية، فقد وصفها بالكذب والخطيئة. والمراد صاحب الناصية وهو أبو جهل فهو الموغل في الكذب والخطيئة والطغيان.
قوله :﴿ فليدع ناديه ﴾ المراد بناديه أهل مجلسه. يعني فليدع أبو جهل أهل مجلسه وعشيرته فيستنصر بهم. وذكر ذلك على سبيل التهكم. أي اجمع أهل الكرم والدفاع في زعمك لينصروك.
قوله :﴿ سندع الزبانية ﴾ أي زبانية النار وهم الملائكة الغلاظ الشداد الذين لا تأخذ قلوبهم في المجرمين رأفة.
قوله :﴿ كلا لا تطعه واسجد واقترب ﴾ كلا، ردع لأبي جهل. أي ليس الأمر كما يظن، فلا تطعه يا محمد فيما دعاك إليه من ترك الصلاة ؛ بل صلّ لله ﴿ واقترب ﴾ أي تقرّب إلى الله بالطاعة والعبادة، وتذلل له بالدعاء في الصلاة، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد١.
١ تفسير القرطبي جـ ٣٠ ص ١٢٣- ١٢٩ وتفسير الرازي جـ ٣٢ ص ٢٥ والكشاف جـ ٤ ص ٢٧٢..
Icon