أهداف سورة النصر
( سورة النصر مدنية، وآياتها ٣ آيات، نزلت بعد سورة التوبة )
ومع قصرها فإنها حملت البشرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر الله والفتح، ودخول الناس في دين الله أفواجا، ثم طلبت منه التسبيح والحمد والاستغفار.
إذا جاء نصر الله والفتح. وأظهرك على أعدائه، وفتح لك مكة. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا. فوجا بعد فوج. فنزه ربك حامدا إياه على ما أولاك من النعم والمنن، واستغفر الله لحظة الانتصار من الزهو والغرور والتقصير، إنه كان ولم يزل توابا كثير القبول للتوبة، يحب التوابين ويحب المتطهرين.
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا منتصرا، انحنى على راحلته حتى أوشك أن يسجد عليها، وهو يقول :( تائبون آيبون حامدون لربنا شاكرون ).
سورة التوديع
ويورة النصر تحمل بين طياتها إتمام الرسالة، وأداء الأمانة، والاستعداد للحاق بالرفيق الأعلى.
قال البيضاوي : تسمى سورة التوديع.
ويقال : إن عمر لما سمعها بكى، وقال : الكمال دليل الزوال.
وروي أن العباس بكى لما قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم :( ما يبكيك ) ؟ قال : نعيت إليه نفسك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( إنها لكما تقول، وإنما ذلك لأن فيها تمام الأمر ).
كما في قوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم... ( المائدة : ٣ ).
وجاء في رواية للبخاري أن عمر رضي الله عنه سأل أشياخ بدر، فقال : ما تقولون في قول الله تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح. حتى ختم السورة، فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال : أكذلك تقول يا بن عباس ؟ قلت : لا، فقال : ما تقول ؟ فقلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمه له. قال : إذا جاء نصر الله والفتح. فذلك علامة أجلك. فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّابا. فقال عمر بن الخطاب : لا أعلم منها إلا ما تقول. i.
وفي رواية الإمام أحمد، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى اله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قوله :( سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه ). ii.
مقاصد السورة
١- عند الفتح الأكبر ودخول الناس في دين الإسلام، ينبغي شكر الله والاستغفار من كل تقصير، فإن باب الله مفتوح، وهو صاحب الطول، ويقبل التوبة من جميع التائبين.
٢- وفي السورة إيذان بأداء النبي صلى الله عليه وسلم للرسالة العظمى، وانتهاء المهمة الكبرى، وتوجيه له بأن يستعد للموت بالاستغفار والتوبة وشكر الله والتسبيح بحمده.
ﰡ
﴿ إذا جاء نصر الله والفتح ١ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ٢ فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّابا ٣ ﴾
المفردات :
الفتح : المراد به : فتح مكة.
تمهيد :
جاء في كتب التفسير والحديث أن أحياء العرب كانت تتلوم ( تنتظر ) بإسلامها فتح مكة، فلما فتحت مكة قالت العرب : إن الله منع أصحاب الفيل من دخول مكة، ولم يفتحها لمحمد إلا لأنه رسول الله، فأقبل الناس على الدخول في الإسلام، جماعات جماعات.
وهناك عدة روايات في كتب السنة تفيد أن هذه السورة القصيرة قد نعت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حياته، فإنه إذا نجح في أداء الرسالة، وفتحت مكة، وعمّ الإسلام بلاد العرب، يكون قد أدى مهمته في الدنيا، وحان الوقت أن يلحق بالرفيق الأعلى.
التفسير :
١- إذا جاء نصر الله والفتح.
إذا كثر نصرك على العباد، وفتح الله لك البلاد، وفتحت مكة أم القرى.
ونلحظ أن الله أضاف النصر إليه، فهو نصر الله، لقد مكث المؤمنون في مكة ثلاثة عشر عاما، يتعرضون لأقسى ألوان الاضطهاد، ثم هاجروا إلى المدينة، وخاضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوات وسرايا، بلغ عددها اثنتين وخمسين غزوة وسرية خلال عشر سنوات، كلها كفاح وجهاد، يمسون ويصبحون في الحديد، أي في الدروع والسيوف وآلات الحرب، وكانت النفوس تتشوف إلى نصر حاسم، وكان الله تعالى يدّخر ذلك لحكمة يعلمها، وهو العليم الحكيم.
قال تعالى : حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين. ( يوسف : ١١٠ ).
جاء في كتب التفسير والحديث أن أحياء العرب كانت تتلوم ( تنتظر ) بإسلامها فتح مكة، فلما فتحت مكة قالت العرب : إن الله منع أصحاب الفيل من دخول مكة، ولم يفتحها لمحمد إلا لأنه رسول الله، فأقبل الناس على الدخول في الإسلام، جماعات جماعات.
وهناك عدة روايات في كتب السنة تفيد أن هذه السورة القصيرة قد نعت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حياته، فإنه إذا نجح في أداء الرسالة، وفتحت مكة، وعمّ الإسلام بلاد العرب، يكون قد أدى مهمته في الدنيا، وحان الوقت أن يلحق بالرفيق الأعلى.
المفردات :
أفواجا : زمرا وجماعات.
التفسير :
٢- ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا.
كان الناس يدخلون في الإسلام أفرادا، فلما فتحت مكة ودخل أهلها في الإسلام، وخضعت أم القرى، جاء الناس أفواجا وجماعات للدخول في دين الله تعالى، وهو الإسلام.
سبح : نزهه وقدسه.
واستغفره : مما قد يكون منه، وهو لتعليمنا.
توابا : كثير المتاب والغفران لمن تاب.
التفسير :
٣- فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا.
عند مجيء النصر والفتح والغلبة، ينبغي أن تشكر الله تعالى وتلجأ إليه ذاكرا شاكرا، مستغفرا تائبا، متجردا من الغرور أو الإعجاب بالنصر.
فالنصر نصر الله، والدين دين الله، وأنت عبد الله ورسوله، فعليك بذكره وتسبيحه واستغفاره، ولما نزلت هذه السورة كان صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده :( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ). يتأوّل القرآنiii.
والمعنى :
إنه كان يجمع هذه الأوامر في صيغة تجمع معانيها، فيقول :( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي )، فهي ذكر وشكر، واعتراف لله بالفضل، ورغبة في التوبة والمغفرة.
روى مسلم، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول :( سبحان الله وبحمده، أستغفر الله أتوب إليه )iv.
سيد الاستغفار
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
تمّ بحمد الله تعالى وتوفيقه تفسير سورة ( النصر ) ظهر يوم الأربعاء ٢١ من ربيع الأول ١٤٢٢ ه، الموافق ١٣/٦/٢٠٠١ م.
i هو أجل رسول الله :
رواه البخاري في المغازي ( ٤٢٩٤ ) وأحمد في مسنده ( ٣١١٧ ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم : لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال : إنه ممن قد علمتم قال : فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال : وما رئيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني فقال : ما تقولون في ﴿ إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ﴾ حتى ختم السورة فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم : لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئا فقال لي : يا ابن عباس، أكذلك تقول ؟ قلت : لا، قال : فما تقول : قلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له ﴿ إذا جاء نصر الله والفتح ﴾ فتح مكة فذاك علامة أجلك ﴿ فسبح ربك واستغفره إنه كان توابا ﴾ قال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم.
ii يكثر في آخر أمره من قول سبحان الله وبحمده :
رواه أحمد في مسنده ( ٢٣٥٤٥ ) ومسلم في الصلاة ( ٤٨٤ ) من حديث عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، قالت : فقلت : يا رسول الله، ما لي أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، قال :( إن ربي عز وجل كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان توابا فقد رأيتها ﴿ إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ﴾.
iii يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده :
رواه البخاري في الأذان ( ٨١٧ ) وفي التفسير ( ٤٩٦٨ ) ومسلم في الصلاة ( ٤٨٤ ) من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده :( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ) يتأول القرآن.
iv يكثر من قول سبحان الله وبحمده :
تقدم تخريجه، انظر هامش ( ٢٠٥ ).