ﰡ
اتق الله: أي دم على تقواه بامتثالك أوامره واجتنابك نواهيه.
ولا تطع الكافرين: أي المشركين فيما يقترحون عليك.
والمنافقين: أي الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر بما يخوفونك به.
إن الله كان عليما حكيما: أي عليما بخلقه ظاهراً وباطناً حكيما في تدبيره وصنعه.
واتبع ما يوحى إليك من ربك: أي تقيد بما يشرع لك من ربك ولا تلتفت إلى ما يقوله خصومك لك من اقتراحات أو تهديدات.
وتوكل على الله: أي فوض أمرك إليه وامض في ما أمرك به غير مبال بشيء.
معنى الآيات:
لقد واصل المشركون اقتراحاتهم التي بدأوها بمكة حتى المدينة وهي عروض المصالحة بينه وبينهم بالتخلي عن بعض (١) دينه أو بطرد بعض أصحابه، والمنافقون قاموا بدورهم في المدينة بتهديده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقتل غيلة إن لم يكف عن ذكر آلهة المشركين في هذا الظرف بالذات نزل قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ (٢) ﴾ ناداه ربه تعالى بعنوان النبوة تقريراً لها وتشريفاً له ولم يناده باسمه العلم كما نادى موسى وعيسى وغيرهما بأسمائهم فقال ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ (٣) الْكَافِرِينَ (٤) وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾ أي اتق الله فخفه فلا تقبل اقتراح المشركين، ولا ترهب تهديد المنافقين بقتلك إن الله كان وما يزال عليماً بكل خلقه وما يحدثون من تصرفات ظاهرة أو باطنة حكيما في تدبيره وتصريفه أمور
٢ - نداؤه تعالى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعنوان النبوة تشريف له وتقرير لنبوته وناداه بعنوان الرسالة في موضعين من كتابه وذلك في سورة المائدة. وأمره أن يخبر البشرية كلها بأنه رسول الله إليهم وحدث عنه فوصفه بالرسالة "محمد رسول الله" ولم يناده باسمه العلم لشهرته وعدم الحاجة إليه وحتى لا يدعي أحد أنه هو المعني بهذا الاسم وله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة أسماء كما جاء ذلك في حديث الموطأ: لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب.
٣ - الطاعة: العمل بما يأمر به الغير أو يشير به لأجل تحقيق غرض له صالحاً كان أو فاسداً.
٤ - سبب نزول هذه الآية أن وفداً جاء من مكة بعد غزوة أحد برئاسة أبي سفيان واجتمعوا بعد أن أمّن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخولهم المدينة بعدد من المنافقين على رأسهم ابن أبي ومعتب بن قشير وطعمة بن أبيرق فسألوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يترك ذكر آلهة قريش كخطوة في المصالحة فغضب المسلمون وهمّ عمر بقتلهم فنزلت هذه الآية: ﴿ولا تطع الكافرين والمنافقين﴾.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب تقوى الله بفعل المأمور به وترك المنهي عنه.
٢- حرمة طاعة الكافرين والمنافقين فيما تقترحون أو يهددون من أجله.
٣- وجوب اتباع الكتاب والسنة والتوكل على الله والمضي في ذلك بلا خوف ولا وجل.
مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥)
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه: أي لم يخلق الله رجلا بقلبين كما ادعى بعض المشركين.
تظاهرون منهن أمهاتكم: يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي.
وما جعل أدعياءكم أبناءكم: أي ولم يجعل الدعيَّ ابناً لمن ادعاه.
ذلكم قولكم بأفواهكم: أي مجرد قول باللسان لاحقيقة له فى الخارج فلم تكن المرأة أماً ولا الدعي ابنا.
هو أقسط عند الله: أي أعدل.
فإخوانكم في الدين ومواليكم: أي أخوة الإسلام وبنو عمكم فمن لم يعرف أبوه فقولوا له: يا أخي أو ابن عمي.
ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به: أي لا حرج ولا إثم في الخطأ، فمن قال للدعي خطأ يا ابن فلان فلا إثم عليه.
ولكن ما تعمدت قلوبكم: أي الإثم والحرج في التعمد بأن ينسب الدعي لمن ادعاه.
وكان الله غفوراً رحيماً: ولذا لم يؤاخذكم بالخطأ ولكن بالتعمد.
معنى الآيات:
لما كان القلب محط العقل والإدراك كان وجود قلبين في جوف رجل واحد يحدث تعارضاً يؤدي إلى الفساد في حياة الإنسان ذي القلبين لم يجعل الله تعالى لرجل قلبين في جوفه كما ادعى بعض أهل مكة أن أبا معمر جميل بن معمر الفهري كان له قلبان لما شاهدوا من ذكائة ولباقته وحذقه وغره ذلك فقال إن لي قلبين أعقل بهما أفضل من عقل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانت الآية رداً عليه قال تعالى ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ (١) مِنْ قَلْبَيْنِ (٢) فِي جَوْفِهِ﴾ وفيه إشارة إلى أنه لا يجمع بين حب الله تعالى وحب أعدائه وطاعة الله وطاعة
٢ - القلب بضعة لحم صغيرة على هيئة (صنوبرة) خلقها الله تعالى في الآدمي وجعلها محلا للعلم، وهو بين لمتين لمة من الملك ولمة من الشيطان، وهو محل العلم ومحل الخطرات والوساوس ومحل الصدق واليقين ومحل الشك والكذب، ومحل الانزعاج والطمأنينة فسبحان الله الخلاق العليم.
وقوله تعالى ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ (١) أَبْنَاءَكُمْ﴾ أي لم يجعل الله الدعيّ ابنا إذ كانوا في الجاهلية وفي صدر الإسلام يطلقون على المتبنى ابناً فيترتب على ذلك كامل حقوق البنوة من حرمة التزوج بامرأته إن طلقها أو مات عنها، وقوله ﴿ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ أي ما هو إلا نطق بالفم ولا حقيقة في الخارج له إذ قول الرجل للدعيّ أنت ولدي لم يصيّره ولده وقول الزوج لزوجته أنت كأمي لم تكن أما له. قوله تعالى ﴿وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ﴾ فلا يطلق على المظاهر منها لفظ أم، ولا على الدعيّ لفظ ابن، ﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ أي الأقوم والأرشد سبحانه لا إله إلا هو.
وقوله تعالى في الآية (٥) من هذا السياق ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ أي ادعوا الأدعياء لآبائهم أي انسبوهم لهم يا فلان بن فلان. فإن دعوتهم إلى آبائهم أقسط وأعدل في حكم الله وشرعه. ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ فادعوهم باسم الأخوة الإسلامية فقولوا هذا أخي في الإسلام ﴿وَمَوَالِيكُمْ﴾ أي بنو عمكم فادعوهم بذلك فقولوا يا ابن عمي وإن كان الدعي ممن حررتموه فقولوا له مولاي ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ أي إثم أو حرج ﴿فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ (٢) من قول أحدكم للدعي يا ابن فلان لمن ادعاه خطأ لسان بدون قصد، أو ظنا منكم أنه ابنه وهو في الواقع ليس ابنه ولكن الإثم في التعمد والقصد المعتمد، وقوله ﴿وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ أي غفورا لمن تاب رحيما لم يعاجل بالعقوبة من عصى لعله يتوب ويرجع.
٢ - أخذ عطاء وكثير من العلماء من السلف أخذوا من هذه الآية أنه لا مؤاخذة مع الخطأ من ذلك إذا حلف المرء ألا يسلم على فلان فسلم عليه وهو لا يظن أنه هو فإنه لا يحنث، أو حلف أن لا يفارق غريمه حتى يقضيه دينه فأعطاه دراهم فوجدها زيوفاً لا يحنث، وروى البخاري من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام، كما روي "ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلم إلا كفر".
من هداية الآيات:
١- إبطال التحريم بالظهار الذي كان في الجاهلية.
٢- إبطال عادة التبني، وما يترتب عليها من حرمة نكاح امرأة المتبنىّ.
٣- وجوب دعاء الدعي المتبنّى بأبيه إن عرف ولو كان حماراً.
٤- إن لم يعرف للمدعى أب دعي بعنوان الأخوة الإسلامية، أو العمومة أو المولوية.
٥- رفع الحرج والإثم في الخطأ عموما وفيما نزلت فيه الآية الكريمة خصوصاً وهو دعاء الدعي باسم مدعيه سبق لسان بدون قصد، أو بقصد لأنه يرى أنه ابنه وهو ليس ابنه.
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (٦) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (٧) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً (٨)
شرح الكلمات:
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم: أي فيما يأمرهم به وينهاهم عنه ويطلب منهم هو أحق به من أنفسهم.
وأزواجه أمهاتهم: في الحرمة وسواء من طلقت أو مات عنها منهن رضي الله عنهن.
إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا: بأن توصوا لهم وصيّة جائزة وهي الثلث فأقل.
كان ذلك في الكتاب مسطورا: أي عدم التوارث بالإيمان والهجرة والحلف مكتوب في اللوح المحفوظ.
وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم: أي اذكر لقومك أخذنا من النبيين ميثاقهم على أن يعبدوا الله وحده ويدعوا إلى عبادته.
ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم: أي وأخذنا بخاصة منك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم، وقدم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الذكر تشريفاً وتعظيماً له.
وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً: أي شديداً والميثاق: العهد المؤكد باليمين.
ليسأل الصادقين عن صدقهم: أي أخذ الميثاق من أجل أن يسأل الصادقين وهم الأنبياء عن صدقهم في تبليغ الرسالة تبكيتاً للكافرين بهم.
وأعدّ للكافرين عذاباً أليماً: أي فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين عذاباً أليما أي موجعا.
معنى الآيات:
لما أبطل الله تعالى عادة التبني وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تبنى زيد بن حارثة الكلبي فكان يعرف بزيد بن محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصبح بذلك يدعى زيد بن حارثة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلم تعالى كافة المؤمنين أن نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم (١) في الحرمة فلا تحل امرأة النبي لأحد بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعنى أن ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ (٢) مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾
٢ - صح أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصلي على ميت ترك ديناً ولم يترك سداداً فلما فتح الله عليه، قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلي ورثته وقال أيكم ترك ديناً أو ضياعاً فأنا مولاه، فأكد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفعل والقول هذه الحقيقة.
وقوله تعالى ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ (١) ﴾ يريد في الإرث فأبطل تعالى بهذه الآية التوارث بالإيمان والهجرة والحلف الذي كان في صدر الإسلام وأصبح التوارث بالنسب والمصاهرة والولاء لا غير. وقوله ﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراًً﴾ التوارث بالأرحام أي بالقرابات مكتوب في اللوح المحفوظ وقوله ﴿إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً﴾ أي إلا أن توصوا بوصيّة جائزة وهي الثلث لأحد من المؤمنين والمهاجرين ومن حالفتم فلا بأس فهي جائزة ولا حرمة (٢) فيها، وقوله ﴿كَانَ ذَلِكَ﴾ أي المذكور من التوارث بالقرابات لا غير وجواز الوصية بالثلث لمن أبطل إرثهم بالإيمان والهجرة والمؤاخاة، في اللوح المحفوظ وهو كتاب المقادير مسطوراً أي مكتوباً مسطراً فلا يحل تبديله ولا تغييره. وقوله تعالى ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ (٣) مِيثَاقَهُمْ﴾ أي اذكر يا رسولنا لقومك أخذنا الميثاق وهو العهد المؤكد باليمين من النبيين عامة بأن يعبدوا الله وحده ويدعوا أممهم إلى ذلك، ومن أولي العزم من الرسل خاصة وهم أنت يا محمد، ونوح (٤) وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وقوله ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾ أعيد اللفظ تكراراً لتقريره، وليرتب عليه قوله ﴿لِيَسْأَلَ﴾ تعالى يوم القيامة ﴿الصَّادِقِينَ﴾ (٥) وهم الأنبياء ﴿عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ في تبليغ رسالتهم تقريعاً لأممهم الذين كفروا وكذبوا. فأثاب المؤمنين ﴿وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً﴾ أي موجعاً وهو عذاب النار.
٢ - اختلف في الوصية للكافر من يهودي أو نصراني والراجح أنها إن كانت مودة له ومحبة فإنها لا تجوز إذ مودتهم محرمة وإن كانت لمعنى آخر كإحسان قدمه الكتابي لمسلم فرأى أن يكافئه عليه فأوصى له بشيء إذا مات فلا حرج.
٣ - قال القرطبي: أي عهدهم على الوفاء بما حملوا وأن يبشروا بعضهم ببعض ويصدق بعضهم بعضاً وما في التفسير شامل لهذا ولغيره مما ذكر فيه.
٤ - خص هؤلاء بالذكر تعظيما لهم وتشريفاً ولأنهم أصحاب شرائع وكتب وأولوا العزم من الرسل.
٥ - جائز أن يراد بالصادقين الأنبياء عن تبلغيهم ووفائهم بما عهد إليهم وهذا هو الأرجح وجائز أن يسأل الأنبياء عما أجابهم به أقوامهم من طاعة وإيمان أو كفر وعصيان، والحقيقة أن كلا من الرسل والمرسل إليهم يسألهم تعالى، فقد جاء في الأعراف قوله تعالى (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين).
من هداية الآيات:
١- وجوب تقديم ما يريده الرسول من المؤمن على ما يريده المؤمن لنفسه.
٢- حرمة نكاح أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنهن أمهات المؤمنين وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالأب لهم.
٣- بطلان التوارث بالمؤاخاة والهجرة والتحالف الذي كان في صدر الإسلام.
٤- جواز الوصية لغير الوارث بالثلث فأقل.
٥- وجوب توحيد الله تعالى في عبادته ودعوة الناس إلى ذلك.
٦- تقرير التوحيد بأخذ الميثاق به على كافة الأنبياء والمرسلين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً (١٤)
اذكروا نعمة الله عليكم: أي اذكروا نعمة الله أي دفاعنا عنكم لتشكروا ذلك.
جنود: أي جنود المشركين المتحزبين.
ريحا وجنوداً لم تروها: هي جنود الملائكة والريح ريح الصبا وهي التي تهب من شرق.
بما تعملون بصيراً: أي بصيراً بأعمالكم من حفر الخندق والاستعدادات للمعركة.
إذ جاءوكم من فوقكم: أي بنو أسد وغطفان أتوا من قبل نجد من شرق المدينة.
ومن أسفل منكم: أي من غرب وهم قريش وكنانة.
وإذ زاغت الأبصار: أي مالت عن كل شيء إلا عن العدو تنظر إليه من شدة الفزع.
وبلغت القلوب الحناجر: أي منتهى الحلقوم من شدة الخوف.
وتظنون بالله الظنون (١) : أي المختلفة من نصر وهزيمة، ونجاة وهلاك.
هنالك ابتلي المؤمنون: أي ثم في الخندق وساحة المعركة أختبر المؤمنون.
وزلزلوا زلزالاً شديداً: أي حركوا حراكاً قويا من شدة الفزع.
والذين في قلوبهم مرض: أي شيء من النفاق لضعف عقيدتهم.
ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا: أي ما وعدنا من النصر ما هو إلا غروراً وباطلا.
يا أهل يثرب لا مقام لكم: أي يا أهل المدينة لا مقام لكم حول الخندق فارجعوا إلى دياركم.
إن بيوتنا عورة: أي غير حصينة.
إن يريدون إلا فرارا: أي من القتال إذ بيوتهم حصينة.
ولو دخلت عليهم: أي المدينة أي دخلها العدو الغازي.
ثم سئلوا الفتنة: أي ثم طلب إليهم الردة إلى الشرك لآتوها أي أعطوها وفعلوها.
وما تلبثوا بها إلا يسيرا: أي ما تريثوا ولا تمهلوا بل أسرعوا الإجابة وارتدوا.
قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ (١) جُنُودٌ﴾ الآيات هذه قصة غزوة (٢) الخندق أو الأحزاب قصها تبارك وتعالى على المؤمنين في معرض التذكير بنعمه تعالى عليهم ليشكروا بالانقياد والطاعة لله ورسوله وقبول كل ما يشرع لهم لإكمالهم وإسعادهم في الحياتين فقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي يا من آمنتم بالله ربا وإلهاً وبمحمد نبياً ورسولاً وبالإسلام دينياً وشرعاً ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ﴾ المتمثلة في دفع أكبر خطر قد حاق بكم وهو اجتماع جيوش عدة على غزوكم في عقر داركم وهم جيوش قريش وأسد وغطفان وبنو قريظة من اليهود ألبهم عليهم وحزّب أحزابهم حيي بن أخطب النضري يريد الانتقام من الرسول والمؤمنين إذ أجلوهم عن المدينة وأخرجوهم منها فالتحقوا بيهود خيبر وتيما، ولما بلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبرهم أمر (٣) بحفر الخندق تحت سفح جبل سلع غربي المدينة، وذلك بإشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه إذ كانت له خبرة حربية علمها من ديار قومه فارس.
وتم حفر الخندق في خلال شهر من الزمن وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطي لكل عشرة أنفار أربعين ذراعاً أي عشرين متراً، وما إن فرغوا من حفره حتى نزلت جيوش المشركين وكانوا قرابة اثني عشر ألفاً ولما رأوا الرسول والمسلمين وراء الخندق تحت جبل سلع قالوا هذه مكيدة لم تكن العرب تعرفها فتناوشوا بالنبال ورمى عمرو عبد ود القرشي بفرسه في الخندق فقتله علي رضي الله عنه ودام الحصار والمناوشة وكانت الأيام والليالي باردة والمجاعة ضاربة أطنابها قرابة الشهر. وتفصيل الأحداث للقصة فيما ذكره تعالى فيما يلي:
فقوله تعالى ﴿إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ﴾ هي جنود المشركين من قريش ومن بني أسد وغطفان ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا﴾ لما (٤) جاءتكم جنود المشركين وحاصروكم في
٢ - اختلف في السنة التي كان فيها غزوة الأحزاب فقال قوم كانت سنة خمس وقال آخرون كانت سنة أربع وكانت في شوال، وسميت بغزوة الأحزاب لتحزب المشركين على قتال الرسول والمؤمنين فصاروا حزباً واحداً.
٣ - روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير الشعر فرأيته يرتجز بكلمات ابن رواحة يقول:
اللهم لولا أنت ما هدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
٤ - هي جنود الملائكة الذين كانوا يلقون الرعب في قلوب المشركين حتى تخاذلوا وقرروا العودة إلى بلادهم.
وقوله تعالى: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ﴾ أي المشركون ﴿مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ أي من الشرق وهم غطفان بقيادة عيينة بن حصن وأسد ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ﴾ وهم قريش وكنانة أي من الجنوب الغربي وهذا تحديد لساحة المعركة، وقوله ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ﴾ أي مالت عن كل شيء فلم تبق تنظر إلا إلى القوات الغازية من شدة الخوف، ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ أي ارتفعت بارتفاع الرئتين فبلغت منتهى الحلقوم (٢). وقوله ﴿وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَ﴾ المختلفة من نصر وهزيمة وسلامة وعطب، وهذا تصوير للحال أبدع تصوير وهو كما ذكر تعالى حرفيّا.
وقوله تعالى ﴿هُنَالِكَ﴾ أي في ذلك المكان والزمان الذي حدق العدو بكم ﴿ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي اختبرهم ربهم ليرى الثابت على إيمانه الذي لا تزعزعه الشدائد والفتن من السريع الانهزام والتحول لضعف عقيدته وقلة عزمه وصبره. وقوله تعالى ﴿وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً﴾ أي أُزعجوا وحرّكوا حراكا شديداً لعوامل قوة العدو وكثرة جنوده، وضعف المؤمنين وقلة عددهم، وعامل المجاعة والحصار، والبرد الشديد وما أظهره المنافقون من تخاذل وما كشفت عنه الحال من نقض بني قريظة عهدهم وانضمامهم إلى الأحزاب وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُون (٣) َ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ أي النفاق لضعف إيمانهم
٢ - وقيل هذا من باب المبالغة على إضمار كادت أي ارتفعت من أماكنها لشدة الخوف حتى كادت تبلغ الحناجر جمع حنجرة، قال الشاعر:
إذا ما غضبنا غضبة مضرية
هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
أي كادت تقطر، والحنجرة والحنجور حرف الحلق أي طرفه.
٣ - من بين القائلين طعمة بن أبيرق ومعتب بن قشير وجماعة قالوا يوم الخندق كيف يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا يستطيع أحد منا أن يتبرز.
وقوله ﴿وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ (٣) ﴾ أي من المنافقين؛ وهو أُويس بن قيظي أحد رؤساء المنافقين ﴿يَا أَهْلَ يَثْرِبَ (٤) ﴾ أي المدينة قبل أن يبطل الرسول هذا الاسم لها ويسميها بالمدينة ﴿لا مُقَامَ لَكُمْ﴾ أي في سفح سلع عند الخندق ﴿فَارْجِعُوا﴾ إلى منازلكم داخل المدينة بحجة أنه لا فائدة في البقاء هنا دون قتال، وما قال ذلك إلا فراراً من القتال وهروباً من المواجهة، وقوله تعالى ﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ﴾ أي يطلبون الإذن بالعودة إلى منازلهم بالمدينة بدعوى أن بيوتهم عورة أي مكشوفة أمام العدو وهم لا يأمنون عليها
٢ - لفظ الطائفة يطلق على الواحد فأكثر والمعنى أوس بن قيظي والد عرابة بن أوس الذي يقول فيه لشماخ:
إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
٣ - يثرب هي المدينة وسماها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طيبة وطابة قال السهيلي سمى العرب في الجاهلية المدينة يثرب، لأن الذي نزلها من العماليق اسمه يثرب بن عميل بن قهلائيل بن عوض بن عملاق بن لاوذ بن آم.
٤ - قرأ نافع والجمهور لا مقام بفتح الميم وهو اسم لمكان القيام، وقرأ حفص بضم الميم المقام وهو اسم لمحل الإقامة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مشروعية التذكير بالنعم ليشكرها المذكَّرون بها فتزداد طاعتهم لله ورسوله.
٢- عرض غزوة الأحزاب أو الخندق عرضاً صادقاً لا أمثل منه في عرض الأحداث للعبرة.
٣- بيان أن غزوة الخندق كانت من أشد الغزوات وأكثرها ألماً وتعباً على المسلمين.
٤- بيان أن حسن الظن بالله ممدوح، وأن سوء الظن به تعالى كفر ونفاق.
٥- بيان مواقف المنافقين الداعية إلى الهزيمة ليكون ذلك درساً للمؤمنين.
٦- تقرير النبوة المحمدية بإخبار الغيب التي أخبر بها رسول الله فكانت كما أخبر من فتح فارس والروم واليمن.
وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولاً (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً (١٦)
قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ
شرح الكلمات:
ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل: أي من قبل غزوة الخندق وذلك يوم أحد قالوا: والله لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن ولا نولي الأدبار.
وكان عهد الله مسئولا: أي صاحب العهد عن الوفاء به.
وإذاً لا تمتعون إلا قليلاً: أي وإذا فررتم من القتال فإنكم لا تمتعون بالحياة إلا قليلاً وتموتون.
من ذا الذي يعصمكم من الله: أي من يجيركم ويحفظكم من الله.
إن أراد بكم سوءاًً: أي عذاباً تستاءون له وتكربون.
قد يعلم الله المعوقين منكم: أي المثبطين عن القتال المفشلين إخوانهم عنه حتى لا يقاتلوا مع رسول الله والمؤمنين.
هلم إلينا: أي تعالوا إلينا ولا تخرجوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولا يأتون البأس إلا قليلاً: أي ولا يشهدون القتال إلا قليلاً دفعاً عن أنفسهم تهمة النفاق.
أشحة عليكم: أي بخلاء لا ينفقون على مشاريعكم الخيرية كنفقة الجهاد وعلى الفقراء.
تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت: أي تدور أعينهم من شدة الخوف لجبنهم كالمحتضر الذي يغشى عليه أي يغمى عليه من آلام سكرات الموت.
سلقوكم بألسنة حداد: أي آذوكم بألسنة ذربة حادة كأنها الحديد وذلك بكثرة
أشحة على الخير: أي بخلاء بالخير لا يعطونه ولا يفعلونه بل ولا يقولونه حتى القول.
أولئك لم يؤمنوا: أي إنهم لم يؤمنوا الإيمان الصحيح فلذا هم جبناء عند اللقاء بخلاء عند العطاء.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في عرض أحداث غزوة الأحزاب فقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا (١) اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ﴾ أي لقد عاهد أولئك المنافقون الله من قبل غزوة الأحزاب وذلك يوم فروا من غزوة أحد إذ كانت قبل غزوة الأحزاب بقرابة السنتين فقالوا والله لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن ولا نوليّ (٢) الأدبار، فذكرهم الله بعهدهم الذي قطعوه على أنفسهم ثم نكثوه، ﴿وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولاً (٣) ﴾ أي يسأل عنه صاحبه ويؤاخذ به. وقوله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ﴾ أي قل لهم يا رسولنا إنه لن ينفعكم الفرار أي الهروب من الموت أو القتل لأن الآجال محددة ومن لم يمت بالسيف مات بغيره فلا معنى للفرار من القتال إذا وجب وقوله ﴿وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً﴾ أي وإذا فررتم من القتال فإنكم لا تمتعون بالحياة إلا قليلا من الزمن ثم تموتون عند نهاية أعماركم وهي فترة قليلة، فالفرار لا يطيل أعماركم والقتال لا ينقصها، وقوله تعالى ﴿قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ (٤) رَحْمَةً﴾ أي قل لهم يا رسولنا تبكيتاً لهم وتأنيباً وتعليما أيضا: من (٥) ذا الذي يعصمكم أي يجيركم ويحفظكم من الله ﴿إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً﴾ أي ما يسوءكم من بلاء وقتل ونحوه ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ أي سلامة وخيراً فليس هناك من يحول دون وصول ذلك إليكم لأن الله تعالى يجير ولا يجار عليه وقوله تعالى {وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ
٢ - المراد بعهد الله كل عه يعاهد عليه العبد ربه فإنه يجب عليه الوفاء به وإن تركه سئل عنه وحوسب به يوم القيامة.
٣ - الأدبار جمع دبر والمراد به الظهر فالأدبار الظهور وتولية الأدبار كناية عن الفرار.
٤ - في الكلام محذوف تقديره أو يجرمكم إن أراد بكم رحمة وهذا يعرف بدلالة الاقتضاء إيجازاً للكلام كقول الراعي:
إذا ما الغانيات برزن يوماً
وزججن الحواجب والعيونا
أي وكحلن العيون.
٥ - الاستفهام للنفي أي لا أحد يعصمهم مما أراد الله تعالى بهم.
وقوله تعالى ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾ (٣) وصفهم بالبخل بعد وصفهم بالجبن وهما شر صفات المرء أي الجبن والبخل أشحة عليكم أي بخلاء لا ينفقون معكم ولا على الجهاد ولا على الفقراء والمحتاجين وقوله تعالى ﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ (٤) ﴾ أي بسبب هجوم العدو ﴿رَأَيْتَهُمْ﴾ أيها الرسول ﴿يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ لائذين بك ﴿تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ﴾ من الخوف ﴿كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ وهو المحتضر يغمى عليه لما يعاني من سكرات الموت وهذا تصوير هائل لمدى ما عليه المنافقون من الجبن والخوف وعلة هذا هو الكفر وعدم الإيمان بالقدر والبعث والجزاء.
وقوله ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ﴾ أي راحت أسبابه بانتهاء الحرب ﴿سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ﴾ أي سلقكم أولئك الجبناء عند اللقاء أي ضربوكم بألسنة ذربة حادة كالحديد بالمطالبة بالغنيمة أو بالتبجح الكاذب بأنهم فعلوا وفعلوا. وهذا حالهم إلى اليوم
٢ - قد تفيد التحقيق فهي مؤكدة لمضمون الجملة لتطلب المقام ذلك لوجود شك لدى المخاطبين، والمعوقين جمع معوق وهو من يكثر منه العوق وهو المنع من العمل والحيلولة دونه والصيغة صيغة مبالغة نحو طوّف وغلّف وسمّع.
٣ - أشحة جمع شحيح والقياس أشحاء لكنهم عدلوا عنه فقالوا أشحة والضمير في عليكم يعود على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين، والشح البخل بما في الوسع اعطاؤه.
٤ - الخوف هنا توقع القتال من الجيشين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- وجوب الوفاء بالعهد إذ نقض العهد من علامات النفاق.
٢- ترك الجهاد خوفاً من القتل عمل غير صالح إذ القتال لا ينقص العمر وتركه لا يزيد فيه.
٣- الشح والجبن من صفات المنافقين وهما شر الصفات في الإنسان.
٤- الثرثرة وكثرة الكلام والتبجح بالأقوال من صفات أهل الجبن والنفاق.
٥- الكفر محبط للأعمال.
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً (٢٠) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ
شرح الكلمات:
يحسبون الأحزاب لم يذهبوا: أي يحسب أولئك المنافقون الجبناء الأحزاب وهم قريش وغطفان.
لم يذهبوا: أي لم يعودوا إلى بلادهم خائبين.
وإن يأت الأحزاب: أي مرة أخرى فرضاً.
يودوا لو أنهم بادون في الأعراب: أي من جبنهم وخوفهم يتمنون أن لو كانوا في البادية مع سكانها.
يسالون عن أبنائكم: أي إذا كانوا في البادية لو عاد الأحزاب يسألون عن أنبائكم أي أخباركم هل أنهزمتم أو انتصرتم.
ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلاً: أي ولو كانوا بينكم في الحاضرة ما قاتلوا معكم إلا قليلاً.
أسوة حسنة: أي قدوة صالحة تقتدون به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القتال والثبات في مواطنه.
هذا ما وعدنا الله ورسوله: من الابتلاء والنصر.
وصدق الله ورسوله: في الوعد الذي وعد به.
وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً: أي تصديقاً بوعد الله وتسليماً لأمر الله.
صدقوا ما عاهدوا الله عليه: أي وفوا بوعدهم.
فمنهم من قضى نحبه: أي وفى بنذره فقاتل حتى استشهد.
ومنهم من ينتظر: أي ما زال يخوض المعارك مع رسول الله وهو ينتظر
وما بدلوا تبديلاً: أي في عهدهم بخلاف المنافقين فقد نكثوا عهدهم.
ورد الله الذين كفروا بغيظهم: أي ورد الله الأحزاب خائبين لم يظفروا بالمؤمنين.
وكفى الله المؤمنين القتال: أي بالريح والملائكة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في سرد أحداث غزوة الأحزاب فقوله تعالى ﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا﴾ أي يحسب أولئك المنافقون الجبناء الذين قالوا إن بيوتنا عورة وقالوا لإخوانهم هلم إلينا أي اتركوا محمداً في الواجهة وحده إنهم لجبنهم ظنوا أن الأحزاب لم يعودوا إلى بلادهم مع أنهم قد رحلوا وهذا منتهى الجبن والخوف وقوله تعالى ﴿وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ﴾ أي مرة أخرى على فرض وتقدير ﴿يَوَدُّوا﴾ يومئذ ﴿لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ (١) فِي الْأَعْرَابِ﴾ أي خارج المدينة لشدة خوفهم من الأحزاب الغزاة، وقوله تعالى ﴿يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ (٢) ﴾ أي أخباركم هل ظفر بكم الأحزاب أو لا، ﴿وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ﴾ أي بينكم ولم يكونوا في البادية ﴿مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً﴾ وذلك لجبنهم وعدم إيمانهم بفائدة القتال لكفرهم بلقاء الله تعالى وما عنده من ثواب وعقاب هذا ما تضمنته الآية الأولى (٢٠)
وقوله تعالى في الآية الثانية (٢١) ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي (٣) رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو (٤) اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾ أي: لقد كان لكم أيها المسلمون أي: من مؤمنين صادقين ومنافقين كاذبين في رسول الله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة حسنة أي قدوة صالحة فاقتدوا به في جهاده وصبره وثباته، فقد جاع حتى شد بطنه بعصابة وقاتل حتى شج وجهه وكسرت رباعيته ومات عمه وحفر الخندق بيديه وثبت في سفح سلع أمام العدو قرابة شهر فأتسوا به في الصبر والجهاد والثبات إن كنتم ترجون الله أي تنظرون ما عنده من خير في مستقبل أيامكم في الدنيا والآخرة وترجون اليوم الآخر أي ترتقبونه وما فيه من سعادة
٢ - أي هل هلك محمد وأصحابه، أم غلب أبو سفيان وأحزابه؟ أي يودون لو أنهم بادون سائلون عن أنبائكم من غير مشاهدة قتال لفرط جبنهم.
٣ - هذه الآية تحمل عتاباً شديدا للمتخلفين عن القتال والأسوة بضم الهمزة قراءة عاصم وبالكسر قراءة الجمهور وهي اسم لما يؤتسى به أي يقتدى: ويعمل مثل عمله وجمع الأسوة أُسى وإسى.
٤ - اختلف في الاتساء برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل هو على الإيجاب أو الندب أو هو على الإيجاب. حتى يقوم الدليل على الاستحباب أو هو على العكس، والصواب أنه فيما هو واجب واجب وفيما هو مستحب مستحب.
وقوله تعالى في الآية الثالثة في هذا السياق (٢٢) ﴿وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ﴾ أي لما رأى المؤمنون الصادقون جيوش الأحزاب وقد أحاطب بهم ﴿قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ (١) وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ﴾ بخلاف ما قاله المنافقون حيث قالوا ﴿مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً﴾ وقوله ﴿وَمَا زَادَهُمْ﴾ أي رؤيتهم للأحزاب على كثرتهم ﴿إِلَّا إِيمَاناً﴾ بصادق وعد الله ﴿وَتَسْلِيماً﴾ لقضائه وحكمه، وهذا ثناء عطر على المؤمنين الصادقين من ربهم عز وجل. وقوله تعالى ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ﴾ هذا ثناء آخر على بعض المؤمنين الذين لما تخلفوا عن بدر فتأسفوا ولما حصل انهزام لهم في أحد عاهدوا الله لئن أشهدهم الله قتالا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقاتلن حتى الاستشهاد فأخبر تعالى عنهم بقوله فمنهم من قضى نحبه أي وفى بنذره فقاتل حتى استشهد ومنهم من ينتظر القتل في سبيل الله، وقوله تعالى ﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢) ﴾ أدنى تبديل في موقفهم فثبتوا على عهدهم بخلاف المعوقين من المنافقين فإنهم بدلوا وغيروا ما عاهدوا الله عليه وقوله تعالى ﴿لِيَجْزِيَ (٣) اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ أي أجرى تعالى تلك الأحداث فكانت كما قدرها في كتاب المقادير، ليجزي الصادقين بصدقهم فيكرمهم وينعمهم في جواره ويعذب المنافقين بناره إن شاء ذلك فيميتهم قبل توبتهم، أو يتوب عليهم فيؤمنوا ويوحدوا ويدخلوا الجنة مع المؤمنين الصادقين وهو معنى قوله ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ﴾ ذلك لهم قضاء وقدراً أو يتوب عليهم فيتوبوا فلا يعذبوا، وقوله ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً﴾ إخبار منه تعالى عن نفسه بأنه كان ذا ستر على ذنوب التائبين من عباده رحيما بهم فلا يعاقبهم بعد توبتهم.
٢ - في هذه الجملة تعريض بالمنافقين الذين عاهدوا الله لا يولون الأدبار ثم ولوا راجعين وعادوا إلى بيوتهم تاركين الرسول والمؤمنين في المواجهة.
٣ - الجملة تعليلية أي ثم الذي تم من الوفاء والغدر والصبر والجزع والهزيمة والنصر لعلة أن يجزي الله الصادقين بما يناسب صدقهم وهو المغفرة ويجزي المنافقين بما يناسب نفاقهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير أن الكفر والنفاق صاحبهما لا يفارقه الجبن والخور والشح والبخل.
٢- وجوب الائتساء برسول الله في كل ما يطيقه العبد المسلم ويقدر عليه.
٣- ثناء الله تعالى على المؤمنين الصادقين لمواقفهم المشرفة ووفائهم بعهودهم.
٤- ذم الانهزاميين الناكثين لعهودهم الجبناء من المنافقين وضعاف الإيمان.
٥- بيان الحكمة في غزوة الأحزاب، ليجزي الله الصادقين..... الخ.
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢٧)
شرح الكلمات:
ظاهروهم: أي ناصروهم ووقفوا وراءهم يشدون أزرهم.
من صياصيهم: أي من حصونهم والصياصي جمع صيصيّة وهي كل ما يمتنع به.
وقذف في قلوبهم الرعب: أي ألقى الخوف في نفوسهم فخافوا.
وأرضاً لم تطأوها: أي لم تطأوها بعد وهي خيبر إذ فتحت بعد غزوة الخندق.
قوله تعالى ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ (١) مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ هذا شروع في ذكر غزوة بني قريظة إذ كانت بعيد غزوة الخندق في السنة الخامسة من الهجرة في آخر شهر ذي القعدة وخلاصة الحديث عن هذه الغزوة أنه لما ذهب الأحزاب وعاد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنون إلى المدينة وكان بنو قريظة قد نقضوا عهدهم وانضموا إلى الأحزاب من المشركين عونا لهم على رسول الله والمؤمنين فلما ذهب الأحزاب وانصرف الرسول والمؤمنون من الخندق إلى المدينة فما راع الناس إلا ومنادي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينادي إلى بني قريظة فلا يصلين أحدكم العصر إلا ببني قريظة وهي على أميال من المدينة وذلك أن جبريل أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظهر ذلك اليوم فقال يا رسول الله وضعت السلاح إن يأمرك بالسير إلى بني قريظة فقام رسول الله وأمر مناديا أن ينادي بالذهاب إلى بني قريظة وذهب رسول الله والمسلمون فحاصروهم قرابة خمس وعشرين ليلة وجهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب فقال لهم رسول الله أتنزلون على حكمي فأبوا فقال أتنزلون على حكم سعد بن معاذ (٢) ؟ فقالوا نعم فحكمه فيهم فحكم بأن يقتل الرجال وتسبى الذراري والنساء وتقسم الأموال، فقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقرراً للحكم لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع السموات. فحبسهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دار بنت الحارث من نساء بني النجار وخرج إلى سوق المدينة فحفر فيها خندقاً ثم جيء بهم وفيهم حيي بن أخطب الذي حزبّ الأحزاب وكعب بن أسيد رئيس بني قريظة، وأمر علياً والزبير بضرب أعناقهم وطرحهم في ذلك الخندق.
وبذلك انتهى الوجود اليهودي المعادي بالمدينة النبوية. والحمد لله.
فقوله تعالى ﴿وَأَنْزَلَ﴾ أي الله تعالى بقدرته ﴿الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ أي ظاهروا الأحزاب وكانوا عونا لهم على الرسول والمؤمنين وهم يهود بني قريظة ﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ (٣) ﴾ أي أنزلهم من حصونهم الممتنعين بها، ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ ولذا
٢ - كان سعد رضي الله عنه قد أصابه سهم في غزوة الخندق فوضعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خيمة بالمسجد ليتمكن من زيارته وكان رضي الله عنه لما أصابه السهم دعا الله تعالى: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها وإن كنت أنهيت الحرب بيننا وبينهم فافجرها، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة فاستجاب الله تعالى له وحكمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم فحكم عليهم بأن يقتل مقاتليهم وتسبى نساؤهم وذراريهم.
٣ - الصياصي واحدها صيصة، والمراد حصونهم التي يتمنعون بها. قال الشاعر:
فجئت إليه والرماح تنوشه
كوقع الصياصي في النسيج الممدد
والصيصة: شوكة الحائك وصياصي البقر قرونها لأنها تتمنع بها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان عاقبة الغدر فإن بني قريظة لما غدرت برسول الله انتقم منها فسلط عليها رسوله والمؤمنين فأبادوهم عن
آخرهم ولم يبق إلا الذين لا ذنب لهم وهم النساء والأطفال.
٢- بيان صادق وعد الله إذ أورث المسلمين أرضاً لم يكونوا قد وطئوها وهي خيبر والشام والعراق وفارس
وبلاد أخرى كبيرة وكثيرة.
٣- تقرير أن قدرة الله لا تحد أبداً فهو تعالى على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩)
٢ - وفيه الإيحاء ببشرى فتوحات تعقب هذا الفتح.
شرح الكلمات:
قل لأزوجك: أي اللائي هن تحته يومئذ وهن تسع طلبن منه التوسعة في النفقة عليهن ولم يكن عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يوسع به عليهن.
فتعالين: أي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان يومئذ قد اعتزلهن شهرا.
أمتعكن: أي متعة الطلاق المشروعة على قدر حال المطلق سعة وضيقا.
أسرحكن سراحا جميلا: أي أطلقكن طلاقاً من غير إضرار بكن.
تردن الله ورسوله والدار الآخرة: أي تردن رضا الله ورسوله والجنة.
فإن الله أعد للمحسنات: أي عشرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيادة على الإحسان العام.
بفاحشة مبينة: أي بنشوز وسوء خلق يتأذى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يضاعف لها العذاب ضعفين: أي مرتين على عذاب غيرهن ممن آذين أزواجهن.
وكان ذلك على الله يسيراً: أي مضاعفة العذاب يسيرة هينة على الله تعالى.
معنى الآيات:
شاء الله تعالى أن يجتمع نساء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأين نساء الأنصار والمهاجرين قد وُسّع عليهن في النفقة لوجود يسر وسعة رزق بين أهل المدينة، أن يطالبن بالتوسعة في النفقة عليهن أسوة بغيرهن وكن يومئذ تسعا وهن عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أمية، وزينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجورية بنت الحارث المصطلقية، وصفيّة بنت حيي بن أخطب النضريّة فأبلغت عائشة ذلك رسول الله صلى
وخيرهن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امتثالا لأمر الله في قوله ﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾ وبدأ بعائشة (٣) فقال لها: إني أريد أن أذكر لك أمراً فلا تقضي فيه شيئاً حتى تستأمري أبويك أي تطلبين أمرهما في ذلك وقرأ عليها الآية فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، وتتابعن على ذلك فما اختارت منهنّ امرأة غير الله ورسوله والدار الآخرة فأكرمهن الله لذلك وأنزل على رسوله: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً﴾
وقوله تعالى ﴿يَا نِسَاءَ (٤) النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ أي بخصلة قبيحة ظاهرة كسوء عشرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن الله تعالى ﴿يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ يوم القيامة لأن أذيّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبواب الكفر والعياذ بالله تعالى ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً﴾ أي وكان تضعيف العذاب على من أتت بفاحشة (٥) مبينة شيئا يسيراً على الله لا يعجزه حتى لا يفعله وهذا لأمرين الأول لأن أذيّة الرسول من أبواب الكفر والثاني لعلو مقامهن وشرفهن فإن ذا الشرف والمنزلة العالية يستقبح منه القبيح أكثر مما يستقبح من غيره.
٢ - معنى إرادة الحياة الدنيا إيثارك ما في الحياة الدنيا من متع وترف على الاشتغال بالطاعات والزهد في زينة الحياة الدنيا ومظاهرها الساحرة الخلابة.
٣ - نص الحديث: "يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب ألا تتعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلى عليها الآية. قالت أفيك يا رسول الله أستشيري أبوي؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة".
٤ - ناداهن الله تعالى بعنوان نساء النبي إعلان عن شرفهن وكمالهن بعد أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
٥ - إذا أطلق لفظ الفاحشة معرفاً بأل فهو الزنى، وإذا ورد نكرة فهو المعصية كما في هذه الآية.
من هداية الآيات:
١- مشروعية تخيير الزوجات فإن اخترن الطلاق تطلّقن وإن لم تخترنه فلا يقع الطلاق.
٢- كمال أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث اخترن الله ورسوله والدار الآخرة عن الدنيا وزينتها.
٣- مشروعية المتعة بعد الطلاق وهي أن تعطى المرأة شيئا من المال بحسب غنى المطلق وفقره لقوله تعالى ﴿عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُْقْتِرِ قَدَرُهُ﴾
٤- وجوب الإحسان العام والخاص، الخاص بالزوج والزوجة والعام في طاعة الله ورسوله.
٥- بيان أن سيئة العالم الشريف أسوأ من سيئة الجاهل الوضيع. ولذا قالوا سيئات الأبرار حسنات المقربين كمثل من الأمثال السائرة للعظة والاعتبار.
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً (٣١) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٣٢) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (ا٣٤)
شرح الكلمات:
ومن يقنت منكن لله ورسوله: أي ومن يطع منكن الله ورسوله.
نؤتها أجرها مرتين: أي نضاعف لها أجر عملها الصالح حتى يكون ضعف عمل امرأة أخرى من غير نساء النبي.
وأعتدنا لها رزقاً كريما: أي في الجنة.
يا نساء النبي لستن كأحد من النساء: أي لستن في الفضل كجماعات النساء.
إن اتقيتن: بل أنتن أشرف وأفضل بشرط تقواكن لله.
فلا تخضعن بالقول: أي نظراً لشرفكن فلا ترققن العبارة.
فيطمع الذي في قلبه مرض: أي مرض النفاق أو مرض الشهوة.
وقلن قولا معروفاً: أي جرت العادة أن يقال بصوت خشن لا رقة فيه.
وقرن في بيوتكن: أي أقررن في بيوتكن ولا تخرجن منها إلا لحاجة.
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس: أي إنما أمركّن بما أمركن به من العفة والحجاب ولزوم البيوت ليطهركن من الأدناس والرذائل.
واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله الحكمة: أي الكتاب والسنة لتشكرن الله على ذلك بطاعته وطاعة رسوله.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم مع أزواج النبي أمهات المؤمنين فبعد أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة عن الحياة الدنيا وزينتها أصبحن ذوات رفعة وشأن عند الله تعالى، وعند رسوله والمؤمنين. فأخبرهن الرب تبارك وتعالى بقوله: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي تطع الله بفعل الأوامر وترك النواهي وتطع رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا تعص له أمراً ولا تسيء إليه في عشرة، وتعمل صالحاً من النوافل والخيرات نؤتها أجرها مرتين أي نضاعف لها أجر عملها فيكون ضعف أجر عاملة أخرى من النساء غير أزواج الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: ﴿وَأَعْتَدْنَا (١) لَهَا رِزْقاً كَرِيماً﴾ أي في الجنة فهذه بشارة بالحنة لنساء النبي أمهات المؤمنين التسع اللائي نزلت هذه الآيات في شانهن.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٣١) وقوله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ (٢) لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ (٣) ﴾ أي يا زوجات النبي أمهات المؤمنين إنّكن لستن كجماعات النساء إن شرفكن أعظم ومقامكم أسمى وكيف وأنتن أمهات المؤمنين وزوجات خاتم النبيين فاعرفن قدركن بزيادة الطاعة لله ولرسوله، وقوله إن اتقيتن أي إن هذا الشرف حصل لكن بتقواكن لله فلازمن التقوى إنكن بدون تقوى لا شيء يذكر شأنكن شأن سائر النساء. وبناء عليه ﴿فَلا تَخْضَعْنَ (٤) بِالْقَوْلِ﴾ أي لا تليّن الكلمات وترققن الصوت إذا تكلمتن مع الأجانب من الرجال. وقوله تعالى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي
٢ - أعيد خطابهن من قبل الله تعالى كما أعيد نداؤهن تشريفاً لهن وإظهاراً للاهتمام بالخبر. وأحد بمعنى واحد قلبت همزته واوا.
٣ - هذا الشرط معتبر في التقوى، إذ بين لهن أن هذا الشرف وهذه البشرى بالجنة إنما كانت بشرط التقوى والتقوى اجتناب وامتثال.
٤ - قال ابن عباس: المرأة تندب إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في القول من غير رفع صوت فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام.
وقوله تعالى: ﴿وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ﴾ بأدائها مستوفاة الشروط والأركان والواجبات في أوقاتها مع الخشوع فيها ﴿وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ بفعل الأمر واجتناب النهي. أمرهن بقواعد الإسلام وأهم دعائمه. وقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ أي إنما أمرناكن (٢) ونهيناكن إرادة إذهاب الدنس والإثم إبقاءً على طهركن يا أهل البيت النبوي.
وقوله تعالى: ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ أي كاملا تاماً من كل ما يؤثم ويدسى النفس ويدنسها. وقوله تعالى ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ من الكتاب والسنة وهذا أمر لهن على جهة والموعظة وتعدد النعمة.
وقوله ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً﴾ أي بكم يا أهل البيت خبيراً بأحوالكم فثقوا به وفوضوا الأمر إليه. والمراد من أهل البيت هنا أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٣) وفاطمة وابناها الحسن والحسين وعليّ الصهر الكريم رضي الله عن آل بيت رسول الله أجمعين وعن صحابته أكتعين (٤) أتبعين أيصعين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- لا شرف إلا بالتقوى. إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
٢- بيان فضل نساء النبي وشرفهن.
٢ - المعنى العام للآية: ما يريد الله لكُن مما أمركن به ونهاكن عنه إلا عصمتكن من النقائص وتحليتكن بالكمالات ودوام ذلك لكن فلم يرد بكن مقتاً ولا نكاية.
٣ - من جهل الرافضة وما وضع لهم من قواعد في دينهم لإخراجهم من الإسلام وإبعادهم عن جماعة المسلمين قصرهم هذه الآية على علي وفاطمة والحسين دون أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أن الخطاب في الآية لأزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحديث الكساء لا ينافي إدخال سائر نساء النبي في أهل بيته إذ ليس فيه صيغة من صيغ القصر المعروفة في لغة القرآن ونصه في صحيح مسلم عن عائشة قالت "خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غداة وعليه مرط مرحل فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: "إ ﴿نما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ ".
٢- وجوب بقاء النساء في منازلهن ولا يخرجن إلا من حاجة لا بد منها.
٣- حرمة التبرج وهي أن تتزين المرأة وتخرج بادية المحاسن متبخترة في مشيتها.
٤- على المسلم أن يذكر ما شرفه الله به من الإيمان والإسلام ليترفع عن الدنايا والرذائل.
٥- بيان أن الحكمة هي السنة النبوية الصحيحة.
٦- الإشارة إلى وجود جاهلية ثانية وقد ظهرت منذ نصف قرن وهي تبرج النساء بالكشف عن الرأس والصدور
والسيقان وحتى الأفخاذ.
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥) شرح الكلمات:
إن المسلمين والمسلمات: إن الذين أسلموا لله وجوههم فانقادوا لله ظاهراً وباطناً والمسلمات أيضا.
والمؤمنين والمؤمنات: أي المصدقين بالله رباً وإلهاً والنبي محمد نبياً ورسولا والإسلام ديناً وشرعاً والمصدقات.
والقانتين والقانتات: أي المطيعين لله ورسوله من الرجال والمطيعات من النساء.
والصادقين والصادقات: أي الصادقين في أقوالهم وأفعالهم والصادقات.
والصابرين والصابرات: أي الحابسين نفوسهم على الطاعات فلا يتركوها وعن المعاصي فلا يقربوها وعلى البلاء فلا يسخطوه ولا يشتكوا الله إلى عباده والحابسات.
والمتصدقين والمتصدقات: أي المؤدين الزكاة والفضل من أموالهم عند الحاجة إليه والمؤديات كذلك.
والحافظين فروجهم: أي عن الحرام والحافظات كذلك إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم بالنسبة للرجال أما النساء فالحافظات فروجهن إلا على أزواجهن فقط.
والذاكرين الله كثيراً والذاكرات: أي بالألسن والقلوب فعلى أقل التقدير يذكرون الله ثلثمائة مرة في اليوم والليلة زيادة على ذكر الله في الصلوات الخمس.
أعد الله لهم مغفرة: أي لذنوبهم وذنوبهن.
وأجراً عظيما: أي الجنة دار الأبرار.
معنى الآيات:
هذه الآية وإن نزلت جواباً عن تساءل بعض أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ قلن للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال فأنزل (١) الله تعالى هذه الآية المباركة إن المسلمين والمسلمات، فإن مناسبتها لما قبلها ظاهرة وهي أنه لما أثنى على آل البيت بخير فإن نفوس المسلمين والمسلمات تتشوق لخير لهم كالذي حصل لآل البيت الطاهرين فذكر تعالى أن المسلمين (٢) والمسلمات الذين انقادوا لأوامر الله ورسوله وأسلموا وجوههم لله فلا يلتفتون إلى غيره، كالمؤمنين والمؤمنات بالله رباً وإلهاً ومحمد نبياً ورسولاً والإسلام ديناً وشرعاً، كالقانتين أي المطيعين لله رسوله والمطيعات في السراء والضراء والمنشط والمكره في حدود الطاقة البشرية، كالصادقين في أقوالهم وأفعالهم والصادقات كالصابرين أي الحابسين نفوسهم على الطاعات فعلاً، وعن المحرمات تركاً، وعلى البلاء رضاً وتسليماً والصابرات كالخاشعين في صلاتهم وسائر طاعاتهم والخاشعات لله تعالى كالمتصدقين بأداء زكاة أموالهم وبفضولها عند الحاجة إليها والمتصدقات كالصائمين رمضان والنوافل كعاشوراء والصائمات، كالحافظين فروجهم عما حرم الله تعالى عليهم من المناكح وعن
٢ - بدئ بذكر الإسلام لأنه علم على الملة المحمدية وهو يعم الإيمان وعمل الجوارح ثم ذكر الإيمان لأنه كالطاقة المحركة والدافعة إلى القول الحق والطاعة لله ورسوله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بشرى المسلمين والمسلمات بمغفرة ذنوبهم ودخول الجنة إن اتصفوا بتلك الصفات المذكورة في هذه الآية وهي عشر صفات أولها الإسلام وآخرها ذكر الله تعالى.
٢- فضل الصفات المذكورة إذ كانت سبباً في دخول الجنة بعد مغفرة الذنوب.
٣- تقرير مبدأ التساوي بين الرجال والنساء في العمل والجزاء في العمل الذي كلف الله تعالى به النساء والرجال معاً وأما ما خص به الرجال أو النساء فهو على خصوصيته للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن والله يقول الحق ويهدي السبيل.
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي
٢ - وحذف المقابل في الذاكرات طلباً للإيجاز غير المخل لأن الذكر الآخر مع ذكر الأول مع العلم به إطناب لا داعي له قال الشاعر:
وكَمْتاً مدمّاة كأن متونها
جرى فوقها واستشعرت لون مذْهب
٣ - قال مجاهد: لا يكون العبد ذاكرا لله تعالى كثيراً حتى يذكره قائما وجالساً ومضطجعاً، وقال أبو سعيد الخدري "من أيقظ أهله بالليل وصليا أربع ركعات كانا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.
شرح الكلمات:
ما كان لمؤمن ولا مؤمنة: أي لا ينبغي ولا يصلح لمؤمن ولا مؤمنة.
أن يكون لهم الخيرة من أمرهم: أي حق الاختيار فيما حكم الله ورسوله فيه بالجواز أو المنع.
فقد ضل ضلالا مبيناً: أي أخطأ طريق النجاة والفلاح خطأً واضحاً.
أنعم الله عليه وأنعمت عليه: أي أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعمت عليه بالعتق وهو زيد بن حارثة.
واتق الله: أي في أمر زوجتك فلا تحاول طلاقها.
وتخفي في نفسك ما الله مبديه: أي وتخفي في نفسك وهو علمك بأنك إذا طلق زيد زينب زوجكها الله إبطالاً لما عليه الناس من حرمة الزواج من امرأة المتبنّى.
ما الله مبديه: أي مظهره حتماً وهو زواج الرسول من زينب بعد طلاقها.
وتخشى الناس: أي يقولون تزوج محمد مطلقة مولاه زيد.
والله أحق أن تخشاه: وهو الذي أراد لك ذلك الزواج.
فلما قضى زيد منها وطراً: أي حاجته منها ولم يبق له رغبة فيها لتعاليها عليه بشرف نسبها ومحتد آبائها.
كيلا لا يكون على المؤمنين حرج: أي إثم في تزوجهم من مطلقات أدعيائهم.
وكان أمر الله مفعولا: أي وما قدره الله في اللوح المحفوظ لا بد كائن.
ولا يخشون أحداً إلا الله: أي يفعلون ما أذن لهم فيه ربهم ولا يبالون بقول الناس.
وكفى بالله حسيباً: أي حافظاً لأعمال عباده ومحاسباً لهم عليها يوم الحساب.
ما كان محمد أبا أحد من رجالكم: أي لم يكن أباً لزيد ولا لغيره من الرجال إذ مات أطفاله الذكور وهم صغار.
وخاتم النبيين: أي لم يجيء نبي بعده إذ لو جاء نبي بعده لكان ولده أهلا للنبوة كما كان أولاد إبراهيم ويعقوب، وداود مثلا.
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ (١) ﴾ الآيات هذا شروع في قصة زواج زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزينب بنت جحش بنت عمة النبي أميمة بنت عبد المطلب إنه لما أبطل الله التبني وحرمه بقوله ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ وقوله ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ تبع ذلك أن لا يرث الدعي ممن ادعاه، وأن لا تحرم مطلقته على من تبنّاه وادعاه وهكذا بطلت الأحكام التي كانت لازمة للتبني، وكون هذا نزل به القرآن ليس من السهل على النفوس التي اعتادت هذه الأحكام في الجاهلية وصدر الإسلام أن تتقبلها وتذعن لها بعد ليال بسهولة فأراد الله تعالى أن يخرج ذلك لحيز الوجود فألهم رسوله أن يخطب زينب لمولاه زيد، واستجابت زينت للخطبة فهماً منها أنها مخطوبة لرسول الله لتكون أماً للمؤمنين ولكن تبين لها بعد ليال أنها مخطوبة لزيد بن حارثة مولى رسول الله وليست كما فهمت وهنا أخذتها الحمية وقالت لن يكون هذا لن تتزوج شريفة مولى من موالي الناس ونصرها أخوها على ذلك وهو عبد الله بن جحش. فنزلت هذه الآية {وَمَا
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً﴾ أي حاجته منها بالزواج بها وطلقها ﴿زَوَّجْنَاكَهَا (٧) ﴾ إذ تولينا عقد نكاحها منك دون حاجة إلى ولي ولا إلى شهود ولا إلى مهر أو صداق وذلك من أجل أن لا يكون على المؤمنين حرج أي إثم في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً، وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً﴾ أي وما قضى به الله واقع لا محالة وقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ﴾ أي من إثم أو تضييق في قول أو فعل شيء افترضه الله تعالى عليه وألزمه به سنة الله في الذين خلوا من قبل من الأنبياء، وكان أمر الله أي مقضيه قدرا مقدوراً أي واقعاً نافذاً لا محالة. وقوله: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ﴾ أي
٢ - الخيرة اسم مصدر من تخيّر ومثلها الطيرة من تطير ولم يسمع على هذا الوزن غيرهما، ووقع لفظ مؤمن ومؤمنة نكرة في سياق النفي فأفادتا العموم.
٣ - روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لو كان رسول الله كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) الآية وكذا قالت في آية عبس وتولى وهو كما قالت رضي الله عنها وأرضاها.
٤ - جاء زيد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن زينب تؤذيني بلسانها وتفعل وتفعل! وإني أريد أن أطلقها فقال له: ﴿أمسك عليك زوجك واتق الله﴾ الآية.
٥ - إن قيل كيف يأمر زيداً بعدم طلاق زينب وهو يعلم أنه سيطلقها ويزوجه الله تعالى بها؟ الجواب لا حرج في هذا ألا ترى أن الله يأمر العبد بالإيمان والإسلام وهو يعلم أنه لا يؤمن، لأن الأمر لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة.
٦ - ما كان يخشاه هو إرجاف المنافقين واليهود قولهم: أينهى عن نكاح زوجة الابن ويتزوج زوجة ابنه زيد.
٧ - وري أن زينب كانت تقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني لأدل عليك بثلاث! ما من نسائك امرأة تدل بهن: أن جدي وجدك واحد، وأن الله أنكحك إياي من السماء، وأن السفير في ذلك جبريل.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أن المؤمن الحق لا خيرة عنده في أمر يقضي فيه الله ورسوله بالجواز أو المنع.
٢- بيان أن من يعص الله ورسوله يخرج عن طريق الهداية إلى طريق الضلالة.
٣- جواز عتاب الله تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤- بيان شدة حياء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٥- بيان إكرام الله لزيد بأن جعل اسمه يقرأ على ألسنة المؤمنين إلى يوم الدين.
٦- بيان إفضال الله على زينب لما سلمت أمرها لله وتركت ما اختارته لما اختاره الله ورسوله فجعلها زوجة لرسول الله وتولى عقد نكاحها في السماء فكانت تفاخر نساءها بذلك.
٧- تقرير حديث ما ترك عبد شيئا لله إلا عوضه الله خيرا منه.
٨- إبطال أحكام التبني التي كانت في الجاهلية.
٩- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكونه خاتم الأنبياء فلا نبي بعده.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ
شرح الكلمات:
يا أيها الذين آمنوا: أي يا من آمنتم بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً.
اذكروا الله ذكراً كثيرا ً: أي بقلوبكم وألسنتكم.
وسبحوه بكرة وأصيلاً: أي نزهوه بقول سبحان الله وبحمده صباحاً ومساء.
هو الذي يصلي عليكم: أي يرحمكم.
وملائكته: أي يستغفرون لكم.
ليخرجكم من الظلمات: أي يرحمكم ليديم إخراجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
تحيتهم يوم يلقونه سلام: أي سلام فالملائكة تسلم عليهم.
وأعد لهم أجراً كريما: أي وهيأ لهم أجراً كريماً وهو الجنة.
معنى الآيات:
هذا النداء الكريم من رب رحيم يوجه إلى المؤمنين الصادقين ليعلمهم ما يزيد به إيمانهم ونورهم، ويحفظون به من عدوهم وهو ذكر الله فقال تعالى لهم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ (١) آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراًً﴾ لا أحد له ولا حصر إذ هو الطاقة التي تساعد على الحياة الروحية، وسبحوه (٢) بكرة وأصيلاً بصلاة الصبح صلاة العصر. وبقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر دبر كل صلاة من الصلوات الخمس. وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي (٣) عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ﴾ وصلاته تعالى عليهم
٢ - يجوز أن يراد بالتسبيح صلوات النوافل، وجائز أن يكون التسبيح نحو سبحان الله وبحمده إذ ورد عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصح من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر له ما تقدم من ذنبه.
٣ - الصلاة الدعاء والذكر بخير وهي من الله تعالى ثناؤه على العبد بين الملائكة قاله البخاري وقيل صلاة الله تعالى على العبد الرحمة ويكون على النبي الثناء عليه وعلى غير النبي الرحمة وهذا أولى، ولا منافاة بين القولين لقوله تعالى: (فاذكروني أذكركم). وهي من الملائكة دعاء واستغفار لقوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا الآية من سورة المؤمن.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب ذكر الله تعالى كثيراً ليل نهار ووجوب تسبيحه صباح مساء.
٢- بيان فضل الله على المؤمنين بصلاته عليهم وصلاة ملائكته ورحمته لهم.
٣- تقرير عقيدة البعث بذكر بعض ما يتم فيها من سلام الملائكة على أهل الجنة.
٤- بشرى المؤمنين الصادقين بالجنة.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧) وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً (٤٨)
شاهداً: أي على من أرسلناك إليهم.
ومبشراً: أي من آمن وعمل صالحاً بالجنة.
ونذيراً: أي لمن كفر وأشرك بالنار.
وداعيا إلى الله بإذنه: أي وداعياً إلى الإيمان بالله وتوحيده وطاعته بأمره تعالى.
وسراجاً منيراً: أي جعلك كالسراج المنير يهتدي به من أراد الهداية إلى سبيل الفلاح.
ولا تطع الكافرين والمنافقين: أي فيما يخالف أمر ربك وما شرعه لك ولأمتك.
ودع أذاهم: أي اترك أذاهم فلا تقابله بأذى آخر حتى تُأمر فيهم بأمر.
وتوكل على الله: أي فوض أمرك إليه فإنه يكفيك.
معنى الآيات:
هذا نداء خاص بعد ذلك النداء العام فالأول كان للمؤمنين والرسول إمامهم على رأسهم. وهذا نداء خاص لمزيد تكريم الرسول وتشريفه وتكليفه أيضاً فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ (١) ﴾ حال كونك شاهداً على (٢) من أرسلناك إليهم يوم القيامة تشهد على من أجاب دعوتك ومن لم يجبها، ومبشراً لمن استجاب لك فآمن وعمل صالحاً بالجنة، ونذيراً لمن أعرض فلم يؤمن ولم يعمل خيراً بعذاب النار، وداعياً إلى الله تعالى عباده إليه ليؤمنوا به ويوحدوه ويطيعوه بأمره تعالى لك بذلك، وسراجا (٣) منيراً يهتدي بك من أراد الهداية إلى سبيل السعادة والكمال.
وقوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٤) ﴾ أي أنظر بعد دعوتك إياهم، وبشر المؤمنين منهم أي الذين استجابوا لك وآمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم من الله فضلا كبيراً ألا وهو مغفرة ذنوبهم وإدخالهم الجنة دار النعيم المقيم والسلام والتام. وقوله تعالى: ﴿وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ فيما
٢ - قال قتادة شاهداً على أمته بالتبليغ إليهم وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم.
٣ - ورد في الصحيح والموطأ ومسلم أن للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة أسماء وهي محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب وهل شاهد ومبشر ونذير ورؤوف ورحيم أسماء؟ الظاهر أنها صفات ومن عدها أسماء فقد ذكر ابن العربي في أحكامه أن له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعة وستين اسماً.
٤ - عن عكرمة وابن عباس رضي الله عنهما لما نزلت ﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً﴾ وقد كان أمر علياً ومعاذاً رضي الله عنهما أن يسيراً إلى اليمين فقال انطلقا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا إنه قد أنزل إنه قد أنزل عليّ (يا أيها النبي) الآية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان الكمال المحمدي الذي وهبه إياه ربه تبارك وتعالى.
٢- مشروعية الدعوة إلى الله إذا كان الداعي متأهلا بالعلم والحلم وهما الإذن.
٣- حرمة طاعة الكافرين والمنافقين والفجرة والظالمين فيما يتنافى مع مرضاة الله تعالى.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (٤٩)
شرح الكلمات:
يا أيها الذين آمنوا: أي من صدقوا بالله ورسوله وكتابه وشرعه.
إذا نكحتم المؤمنات (١) : أي إذا عقدتم عليهن ولم تبنوا بهن.
من قبل أن تمسوهن: أي من قبل الخلوة بهن ووطئهن.
فما لكم عليهن من عدة: أي ليس لكم مطالبتهن بالعدة إذ العدة على المدخول بها.
فمتعوهن: أي أعطوهن شيئا من المال يتمتعن به جبْرا لخاطرهن.
وسرّحوهن سراحاً جميلا: أي اتركوهن يذهبن إلى أهليهن من غير إضرار بهن.
معنى الآيات:
ينادي الله تعالى عباده المؤمنين المسلمين فيقول لهم معلماً مشرعاً لهم: {إِذَا نَكَحْتُمُ (٢)
٢ - النكاح حقيقة في الوطء ويطلق ويراد به العقد كما في هذه الآية الكريمة ولم يرد في القرآن الكريم النكاح إلا والمراد منه العقد، لأنه في معنى الوطء، وهذا من أدب القرآن حيث يكنى عن الوطء بمثل المباشرة والملامسة والقربان والتغشي والإتيان.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- جواز الطلاق قبل البناء.
٢- ليس على المطلقة قبل الدخول بها عدة بل لها أن تتزوج ساعة ما تطلق.
٣- المطلقة قبل البناء إن سمى (٢) لها صداق فلها نصفه، وإن لم يسم لها صداق فلها المتعة واجبة يقدرها القاضي بحسب سعة المطلق وضيقه.
٤- حرمة أذية المطلقة بأي أذى، ووجوب تخلية سبيلها تذهب حيث شاءت.
٥- مشروعية المتعة لكل مطلقة.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ
٢ - استدل الظاهرية بهذه الآية على أن من طلق طلاقاً رجعياً ثم راجع قبل أن تنقضي العدة ثم طلقها قبل أن يمسها أنه ليس عليها أن تتم عدتها وليس عليها عدة أخرى قياسا على المطلقة قبل البناء والجمهور على أنها تستقبل عدة أخرى وعليه مالك وجمهور فقهاء مكة والكوفة الكوفة والمدينة.
شرح الكلمات:
آتيت أجورهن: أي أعطيت مهورهن.
مما أفاء الله عليك: أي مما يسبى كصفية وجويرية.
اللاتي هاجرن معك: أي بخلاف من لم تهاجر وبقيت في دار الكفر.
وهبت نفسها للنبي: أي وأراد النبي أن يتزوجها بغير صداق.
خالصة لك من دون المؤمنين: أي بدون صداق.
قد علمنا ما فرضنا عليهم: أي على المؤمنين
في أزواجهم: أي من الأحكام كأن لا يزيدوا على الأربع، وأن لا يتزوجوا إلا بولي ومهر وشهود.
وما ملكت أيمانهم: أي بشراء ونحوه وأن تكون المملوكة كتابية، وأن تستبرأ قبل الوطء.
لكيلا يكون عليك حرج: أي ضيق في النكاح.
معنى الآيات:
هذا النداء الكريم لرسول رب العالمين يحمل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إجازة ربانية تخفف عنه أتعابه التي يعانيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد علم الله ما يعاني رسوله وما يعالج من أمور الدين والدنيا فمنّ عليه بالتخفيف
أما اللاتي لم تهاجرن فلا تحلّ لك، وامرأة مؤمنة لا كافرة إن وهبت نفسها للنبي بدون مهر وأراد النبي أن يستنكحها حال كون هذه الواهبة خالصة لك دون المؤمنين فالمؤمن لو وهبت له امرأة نفسها بدون مهر لم تحل له بل لا بد من المهر والولي والشهود.
وقوله تعالى ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أي على المؤمنين في أزواجهم من أحكام كأن لا يزيد الرجل على الأربع، وأن لا يتزوج إلا بولي ومهر وشهود، والمملوكة لا بد أن تكون كتابية أو مسلمة، وأن لا يطأها قبل الاستبراء بحيضة قد علمنا كل هذا وأحللنا لك ما أحللنا خصوصية لك دون المؤمنين وذلك تخفيفاً عليك لكيلا يكون عليك حرج أي ضيق ومشقة وكان الله غفوراً لك ولمن تاب من المؤمنين رحيماً بك وبالمؤمنين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان إكرام الله تعالى لنبيه (٤) في التخفيف عليه رحمة به فأباح له أكثر من أربع، وقصر المؤمنين على أربع أباح له الواهبة نفسها أن يتزوجها بغير مهر ولا ولي ولم يبح ذلك للمؤمنين فلا بد من مهر وولي وشهود.
٢- تقرير أحكام النكاح للمؤمنين وأنه لم يطرأ عليها نسخ بتخفيف ولا بتشديد.
٣- بيان سعة رحمة الله ومغفرته لعباده المؤمنين.
٢ - واحد العم والخال وجمع العمات والخالات لأن العم والخال استعمل استعمال أسماء الأجناس الدالة على متعدد واللفظ موحد كالإنسان واللفظ واحد وهو دال على كل إنسان من بني آدم.
٣ - المعية هنا "معك" هي الاشتراك في الهجرة لا في الصحبة إذ أحل له من هاجرت سواء كانت في رفقته أو في رفقة أخرى. ولم يهاجر في رفقته امرأة قط.
٤ - من جملة خصائصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن فرض عليه أموراً لم تفرض على الأمة كقيام الليل مثلاً وأباح له أموراً لم تبح للأمة كنكاح الواهبة بدون مهر، وحرم عليه أموراً لم تحرم على الأمة كحرمة الصدقة ذكر هذه الخصائص القرطبي في تفسيره عند تفسير هذه الآية.
شرح الكلمات:
ترجي من تشاء منهن: أي تؤخر من نسائك.
وتؤوي إليك من تشاء: أي وتضم إليك من نسائك من تشاء فتأتيها.
ومن ابتغيت: أي طلبت.
ممن عزلت: أي من القسمة.
فلا جناح عليك: أي لا حرج عليك في طلبها وضمها إليك خيّره ربه في ذلك بعد أن كان القسم واجباً عليه.
ذلك أدنى أن تقر أعينهن: أي ذلك التخيير لك في إيواء من تشاء وترك من تشاء أقرب إلى أن تقر أعينهن ولا يحزن.
ويرضين بما آتيتهن: أي مما أنت مخير فيه من القسم وتركه، والعزل والإيواء.
والله يعلم ما في قلوبكم: أي من حب النساء – أيها الفحول – والميل إلى بعض دون بعض وإنما خير الله تعالى رسوله تيسيراً عليه لعظم مهامه.
وكان الله عليماً حليماً: أي عليماً بضعف خلقه حليماًً عليهم لا يعاجل بالعقوبة ويقبل التوبة.
لا يحل لك النساء من بعد: أي لا يجوز لك أن تتزوج بعد هؤلاء التسعة اللاتي اخترنك إكراماً لهن وتخفيفاً عنك.
ولو أعجبك حسنهن: ما ينبغي أن تطلق من هؤلاء التسع وتتزوج من أعجبك حسنها.
إلا ما ملكت يمينك: أي فالأمر في ذلك واسع فلا حرج عليك في التسري بالمملوكة، وقد تسرى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمارية المهداة إليه من قبل ملك مصر وولدت له إبراهيم ومات في سن الرضاعة عليه السلام.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في شأن التيسير على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتخفيف فقد تقدم أنه أحل له النساء يتزوج من شاء مما ذكر له وخصه بالواهبة نفسها يتزوجها بدون مهر ولا ولي وفي هذه الآية الكريمة (٥١) ﴿تُرْجِي (١) مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ﴾ الآية وسع الله تعالى عليه بأن أذن له في أن يعتزل وطء من يشاء، وأن يرجئ من يشاء، وأن يؤوي إليه ويضم من يشاء وأن يطلب من اعتزلها إن شاء فلا حرج عليه في كل ذلك، ومع هذا فكان يقسم بين نسائه، ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك اللهم إلا ما كان من سودة رضي الله عنها فإنها وهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنها. هذا ما دلت عليه قوله تعالى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ (٢) ﴾ وقوله ذلك أدنى أي ذلك التخيير لك في شأن نسائك أقرب أن تقر أعينهن أي يفرحن بك، ولا يحزن عليك، ويرضين بما تتفضل به عليهن من إيواء ومباشرة.
وقوله تعالى ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي أيها الناس من الرغبة في المخالطة، وميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، وإنما خير الله رسوله هذا التخيير تيسيراً عليه وتخفيفاً لما له من مهام لا يطمع فيها عظماء الرجال ولو كان في القوة والتحمل كالجبال أو الجمال.
وقوله تعالى ﴿وَكَانَ اللهُ عَلِيماً﴾ أي بخلقه وحاجاتهم. حليماً عليهم لا يعاجل العقوبة ويقبل ممن تاب التوبة.
٢ - الجناح الميل يقال جنحت السفينة إذا مالت إلى الأرض أي لا ميل عليك بلوم أو توبيخ أو عتاب. في الآية وجوب القسمة بين الزوجات والعدل بينهن فيعطي لكل زوجة يوماً وليلة فيقيم عندها في يومها ولو كانت مريضة أو نفساء أو حائضا وإن مرض هو فكذلك إلا أن يأذن له بالتمريض عند إحداهن كما استأذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فأذن له في ذلك.
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً﴾ أي حفيظاً عليماً فخافوه وراقبوه ولا تطلبوا رضا غيره برضاه فإنه إلهكم الذي لا إله لكم سواه به حياتكم وإليه مرجعكم بعد مماتكم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان إكرام الله تعالى لرسوله بالتيسير والتسهيل عليه لكثرة مهامه.
٢- ما خير الله فيه رسوله لا يصح لأحد من المسلمين اللهم إلا أن يقول الرجل للمرأة كبيرة السن أو المريضة أي فلانة إني أريد أن أتزوج أحصّن نفسي وأنت كما تعلمين عاجزة فإن شئت طلقتك، وإن شئت تنازلت عن ليلتك فإن اختارت البقاء مع التنازل عن حقها في الفراش فلا بأس بذلك.
٣- في تدبير الله لرسوله وزوجاته من الفوائد والمصالح ما لا يقادر قدره.
٤- تقرير مبدأ (ما ترك أحد شيئا لله إلا عوضه الله خيراً منه) تجلّى هذا في اختيار نساء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لله ورسوله والدار الآخرة.
٥- وجوب مراقبة الله تعالى وعدم التفكير في الخروج عن طاعته بحال من الأحوال.
[تنبيه هام]
إذْنُ الله تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالزواج بأكثر من أربع كان لحكم عالية، وكيف والمشرع هو الله العليم الحكيم من تلك الحكم العالية ما يلي:
بالنساء، ولصحة الرواية وقبولها في الأمة تعدد الطرق وكثرة الروايات.
(٢) تطلُّب الدعوة الإسلامية في أيامها الأولى مناصرين لها أقوياء ولا أفضل من أصهار الرجل الداعي فإنهم بحكم
العرف يقفون إلى جنب صهرهم محقاً أو مبطلاً كان.
(٣) أن المؤمنين لا أحب إليهم من مصاهرة نبي الله ليظفروا بالدخول عليه في بيته والخلوة به وما أعزها. فأي
المؤمنين من لا يرغب أن تكون أمه أو أخته أو بنته أماً لكل المؤمنين إني والله لا أحب إليّ من أن أكون أنا وزوجتي وسائر أولادي خدماً في بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلذا وسع الله على رسوله ليتسع على الأقل للأرامل وربات الشرف حتى لا يدنس شرفهن.
(٤) قد يحتاج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكافأة بعض من أحسن إليه ولم يجد ما يكافئه به ويراه راغباً في مصاهرته فيجيبه لذلك ومن هذا زواجه بكل من عائشة بنت الصديق وحفصة بنت الفاروق رضي الله عنهم أجمعين.
(٥) قد زوجه ربه بزينب وهو كاره لذلك يتهرب منه خشية قالة الناس وما كانوا يعدونه منكراً وهو التزوج
بامرأة الدعي المتبنى بعد طلاقها أو موت زوجها هذه بعض الحكم التي اقتضت الإذن لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التزوج أكثر من أربع مع عامل آخر مهم وهو قدرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على العدل والكفاية الأمر الذي لن يكون لغيره أبدا.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً (٥٣) إِنْ
لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥)
شرح الكلمات:
يا أيها الذين آمنوا: أي من صدقوا بالله ووعده ووعيده وبالرسول وما جاء به.
إلا أن يؤذن لكم: أي في الدخول بأن يدعوكم إلى طعام.
غير ناظرين إناه: أي غير منتظرين وقت نضجه أي فلا تدخلوا قبل وقت إحضار الطعام وتقدم المدعوين إليه بأن يستغل أحدكم الإذن بالدعوة إلى الطعام فيأتي قبل الوقت ويجلس في البيت فيضايق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهله.
فإذا طعمتم فانتشروا: أي إذا أكلتم الطعام وفرغتم فانتشروا عائدين إلى بيوتكم أو أعمالكم ولا يبق منكم أحد.
ولا مستأنسين لحديث: أي ولا تمكثوا مستأنسين لحديث بعضكم بعضاً.
إن ذلكم كان يؤذي النبي: أي ذلكم المكث في بيوت النبي كان يؤذي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فيستحيي منكم: أي أن يخرجكم.
والله لا يستحيي من الحق: أن يقوله ويأمر به ولذا أمركم أن تخرجوا.
من وراء حجاب: أي ستر كباب ورداء ونحوه.
أطهر لقلوبكم وقلوبهن: أي من الخواطر الفاسدة.
إن ذلك كان عند الله عظيماً: أي إن أذاكم لرسول الله كان عند الله ذنباً عظيماً.
إن تبدوا شيئا أو تخفوه: أي إن تظهروا رغبة في نكاح أزواج الرسول بعد وفاته أو تخفوه في نفوسكم فسيجزيكم الله به شر الجزاء.
لا جناح عليهن في آبائهن الخ: أي لا حرج على نساء الرسول في أن يظهرن لمحارمهن المذكورين في الآية.
ولا ما ملكت أيمانهن: أي من الإماء والعبيد في أن يرونهن ويكلمونهن من دون حجاب.
واتقين الله: أي يا نساء النبي فيما أمرتن به من الحجاب وغيره.
معنى الآيات:
لما بين تعالى لرسوله ما ينبغي له مراعاته من شأن أزواجه أمهات المؤمنين بين تعالى بهذه الآية (٥٤) ما يجب على المؤمنين مراعاته أيضاً نحو أزواج النبي أمهاتهم فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ حقاً وصدقاً ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ بالدخول إلى طعام تطعمونه غير (١) ناظرين إناه أي وقته، وذلك أن هذه الآية والمعروفة بآية الحجاب نزلت في شأن نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أكلوا طعام الوليمة التي أقامها رسول الله لما زوجه الله بزينب بنت جحش رضي الله عنها، وكان الحجاب ما فرض بعد على النساء مكثوا بعد انصراف الناس يتحدثون فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخرج أمامهم لعلهم يخرجون فما خرجوا وتردد رسول الله على البيت فيدخل ويخرج رجاء أن يخرجوا معه فلم يخرجوا واستحى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول لهم هيا فاخرجوا. فانزل الله تعالى هذه الآية فقوله تعالى غير ناظرين إناه (٢) يعني ذلك النفر ومن يريد أن يفعل فعلهم فإذا وجه إليه أخوه استدعاء لحضور وليمة بعد الظهر مثلا أتى المنزل من قبل الظهر يضايق أهل المنزل فهذا معنى غير ناظرين إناه أي وقته لأن الإنى هو الوقت.
وقوله ولكن إذا دعيتم فادخلوا أي فلا تدخلوا بدون دعوة أو إذن فإذا طعمتم أي فرغتم من الأكل فانصرفوا منتشرين في الأرض فهذا إلى بيته وهذا إلى بيت ربه وهذا إلى عمله. وقوله: ﴿وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ أي لا تمكثوا بعد الطعام يحدث بعضكم بعضاً مستأنسين بالحديث. حرم تعالى هذا عليكم أيها المؤمنون لأنه يؤذي رسوله. وإن كان الرسول لكمال أخلاقه لا يأمركم بالخروج حياءً منكم فالله لا يستحي من الحق فلذا أمركم بالخروج بعد الطعام
٢ - أي غير منتظرين وقت نضجه، وإناه مقصور، وفيه لغات إني بكسر الهمزة وأني بفتح الهمزة والنون وأنا بفتح الهمزة والمد قال الحطيئة:
وأخرت العشاء إلى سهيل
أو الشعرى فطال بي الإناء
والفعل أنى يأنى أنى إذ حان وأدرك وفرغ.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ﴾ أي ما ينبغي ولا يصح أن تؤذوا رسول الله أي أذى ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أي ولا أن تتزوجوا بعد وفاته نساءه فإنهن محرمات على الرجال تحريم الأمهات تحريماً مؤبداً لا يحل بحال، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ (٢) ذَلِكُمْ﴾ أي المذكور من المن أذى رسول الله والزواج من بعده بنسائه كان عند الله أي في حكمه وقضائه وشرعه ذنباً عظيماً لا يقادر قدره ولا يعرف مدى جزائه وعقوبته إلا الله.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥٣) وقوله تعالى ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً﴾ أي تظهروه ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ أي تستروه يريد من الرغبة في الزواج من نساء الرسول بعد موته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن الله كان بكل شيء عليماً وسيجزيكم بتلك الرغبة التي أظهرتموها أو أخفيتموها في نفوسكم شرّ الجزاء وأسوه. فاتقوا الله وعظموا ما عظم من حرمات رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هذا ما دلت عليه الآية (٥٤).
وقوله تعالى في الآية (٥٥) لا جناح عليهن (٣) أي لا تضييق ولا حرج ولا إثم على نساء المؤمنات من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهن من نساء المؤمنين في أن يظهرن وجوههن ويكلمن بدون حجاب أي وجها لوجه آباءهن الأب والجد وإن علا، وأبناءهن الابن وابن الابن وإن نزل وابن البنت كذلك وإن نزل. وإخوانهن وأبناء إخوانهن وإن نزلوا وأبناء أخواتهن وإن نزلوا، ومماليكهن من إماء وعبيد.
وقوله تعالى ﴿وَاتَّقِينَ (٤) اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً﴾ أمر من الله لنساء النبي ونساء المؤمنين بتقوى الله فيما نهاهن عنه وحرمه عليهن من إبداء الوجه للأجانب غير المحارم المذكورين في
٢ - روي أن رجلا من المنافقين لما تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سلمة وحفصة بعد خنيس بن حذافة قال: فما بال محمد يتزوج نساءنا والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه فأنزل الله تعالى هذه الآية، فحرم الله نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم الأمهات وقال صلى الله عليه زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الآخرة وهذه علة من علل التحريم أيضاً.
٣ - روي أنه لما نزلت آية الحجاب تساءل الآباء والأقارب: هل نحن أيضاً لا نكلمهن إلا من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية لا جناح عليهن في آبائهن الخ.
٤ - لما ذكر تعالى الرخصة للمحارم أمر النساء بتقواه تعالى فأمرهن بذلك حتى لا يتجاوزن من أذن لهن بالنظر إليهم في المحارم إلى غيرهم وذلك لقلة تحفظ النساء وكثرة استرسالهن.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان ما ينبغي للمؤمنين أن يلتزموه من الآداب في الاستئذان والدخول على البيوت لحاجة الطعام ونحوه.
٢- بيان كمال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خلقه في أنه ليستحي أن يقول لضيفه أخرج من البيت فقد انتهى الطعام.
٣- وصف الله تعالى نفسه بأنه لا يستحي من الحق أن يقوله ويأمره به عباده.
٤- مشروعية مخاطبة الأجنبية من وراء حجاب ستر ونحوه.
٥- حرمة أذية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنها جريمة كبرى لا تعادل بأخرى.
٦- بيان أن الإنسان لا يخلو من خواطر السوء إذا كلم المرأة ونظر إليها.
٧- حرمة نكاح أزواج الرسول بعد موته وحرمة الخاطر يخطر بذلك.
٨- بيان المحارم الذين للمسلمة أن تكشف وجهها أمامهم وتخاطبهم بدون حجاب.
٩- الأمر بالتقوى ووعيد الله لمن لا يتقيه في محارمه.
إِِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩)
يصلون على النبي: صلاة الله على النبي هي ثناؤه ورضوانه عليه، وصلاة الملائكة دعاء واستغفار له، وصلاة العباد عليه تشريف وتعظيم لشأنه.
صلوا عليه وسلموا تسليماً: أي قولوا: اللهم صل محمد وسلم تسليماً.
يؤذون الله ورسوله: أي بسب أو شتم أو طعن أو نقد.
يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا: أي يرمونهم بأمور يوجهونها تهماً باطلة لم يكتسبوا منها شيئا.
فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً: أي تحملوا كذباً وذنباً بيناً ظاهراً.
يدنين عليهن من جلابيبهن: أي يرخين على وجوههن الجلباب حتى لا يبدو من المرأة إلا عين واحدة تنظر بها الطريق إذا خرجت لحاجة.
ذلك أدنى أن يعرفن: أي ذلك الإدناء من طرف الجلباب على الوجه أقرب.
فلا يؤذين: أي يعرفن أنهن حرائر فلا يتعرض لهن المنافقون بالأذى.
وكان الله غفوراً رحيما: أي غفورا لمن تاب من ذنبه رحيماً به بقبول توبته وعدم تعذيبه بذنب تاب منه.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى في الآيات السابقة ما يجب على المؤمنين من تعظيم نبيّهم واحترامه حياً وميتاً أعلن في هذه الآية (٥٦) عن شرف نبيّه الذي لا يدانيه شرف وعن رفعته التي لا تدانيها رفعة فأخبر أنه هو سبحانه وتعالى يصلي عليه وأن ملائكته كذلك يصلون (١) عليه وأمر المؤمنين كافة أن يصلوا عليه فقال: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ فكان واجباً على كل مؤمن ومؤمنة أن يصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو مرة في العمر يقول:
٢ - غير ضار أن يقول المالكية الصلاة سنة مؤكدة في التشهد الأخير إذ السنة المؤكدة عند المالكية هي الواجب عند الشافعي وأحمد وإذاً فلا فرق.
٣ - من هذه المواطن بدء الدعاء وختمه وافتتاح الخطبة بعد حمد الله والثناء عليه ويوم الجمعة وليلتها ورد في فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث منها، حديث مسلم: "من صلى عليّ مرة صلى الله بها عشراً" وروى النسائي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج عليهم يوماً والبشر يرى في وجهه فقالوا إنا لنرى البشر في وجهك فقال: أتاني الملك فقال: "يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشراً".
٤ - روى البخاري في صحيحه قال قال الله تعالى: "كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك". وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة "يقول الله تبارك وتعالى يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإن شئت قبضتهما".
٥ - من أفظع أنواع الأذى الذي تعرض له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يوماً يصلى حول الكعبة فجاء عقبة بن أبي معيط بسلي جزور ووضعه على ظهره بين كتفيه الشريفتين فجاءت فاطمة وهي جويرية صغيرة فألقته بعيداً عن ظهر أبيها ونالت من المشركين وانصرفت فرضي الله عنها وأرضاها.
٦ - تقدم ذكر أزواجه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأما بناته ففاطمة الزهراء وزينب ورقية وأم كلثوم.
من هداية الآيات:
١- بيان شرف الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووجوب الصلاة والسلام عليه في التشهد الأخير في الصلاة.
٢- بيان ما يتعرض له من يؤذي الله ورسوله من غضب وعذاب.
٣- بيان مقدار ما يتحمله من يؤذي المؤمنين والمؤمنات بالقول فينسب إليهم ما لم يقولوا أو لم يفعلوا ويؤذيهم بالفعل بضرب جسم أو أخذ مال أو انتهاك عرض.
٤- وجوب تغطية المؤمنة وجهها إذا خرجت لحاجتها إلا ما كان من عين ترى بها الطريق، واليوم بوجود الأقمشة الرقيقة لا حاجة إلى إبداء العين إذ تسبل قماشاً على وجهها فيستر وجهها وترى معه الطريق واضحاً والحمد لله.
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢)
شرح الكلمات:
لئن لم ينته المنافقون: أي عن نفاقهم وهو إظهار الإيمان وإخفاء الكفر.
والذين في قلوبهم مرض: أي مرض حب الفجور وشهوة الزنا.
والمرجفون في المدينة: أي الذين يأتون بالأخبار الكاذبة لتحريك النفوس وزعزعتها كقولهم العدو على مقربة من المدينة أو السرية الفلانية قتل أفرادها وما إلى ذلك.
لنغرينك بهم: أي لنسلطنك عليهم ولنحرشنك بهم.
ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا: أي في المدينة إلا قليلاً من الأيام ثم يخرجوا منها أو يهلكوا.
أينما ثقفوا أخذوا: أينما أخذوا أسروا وقتلوا تقتيلاً.
سنة الله في الذين خلوا من قبل: أي سن الله هذه السنة في الأمم الماضية أينما ثقف المنافقون والمرجفون أخذوا وقتلوا تقتيلاً.
ولن تجد لسنة الله تبديلاً: أي منه تعالى إذ هي ليست أحكاماً يطرأ عليها التبديل والتغيير بل هي سر التشريع وحكمته.
معنى الآيات:
لقد تقدم أن بعض النسوة اشتكين ما يلقينه من تعرض المنافقين لهن عند خروجهن ليلاً لقضاء الحاجة، وأن الله تعالى أمر نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن وعلة ذلك أن يعرفن أنهن حرائر فلا يتعرض لهن المنافقون وكان ذلك إجراءً وقائياً لا بد منه، ثم أقسم الجبار بقوله ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ (١) ﴾ أي وعزتي وجلالي لئن لم ينته هؤلاء المنافقون من نفاقهم وأعمالهم الاستفزازية والذين في قلوبهم مرض الشهوة وحب الفجور والمرجفون الذين يكذبون الأكاذيب المرجفة أي المحركة للنفوس كقولهم: العدو زاحف على المدينة والسرية الفلانية انهزمت أو قتل أكثر أفرادها لئن لم ينته هؤلاء لنغرينك (٢) بهم أي لنحرشنّك بهم ثم لنسلطنَّك عليهم. ثم لا يجاورونك فيها أي في المدينة إلا قليلاً، ثم يخرجوا منها أو يهلكوا ملعونين أي يخرجون ملعونين أي مطرودين من الرحمة الإلهية التي تصيب سكان المدينة النبوية، وحينئذ أينما ثقفوا أي وجدوا وتمكن منهم أخذوا أي أسرى وقتلوا تقتيلاً حتى لا يبقى منهم أحد.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٦٠) ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ..﴾ والثانية (٦١) ﴿مَلْعُونِينَ... ﴾ الخ. أما الآية الثالثة (٦٢) ﴿سُنَّةَ اللهِ (٣) فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ أي لقد سن الله تعالى هذا سنةً في المنافقين من أنهم إذا لم ينتهوا يلعنون ثم يسلط عليهم من يأخذهم ويقتلهم تقتيلاً، وقوله: ﴿وَلَنْ (٤) تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً﴾ يخبر تعالى أن ما كان من قبل السنن كالطعام
إلى الملك القرم وابن الهمام
وليث الكتيبة في المزدحم
فهو رجل واحد بثلاث صفات.
٢ - لنغرينك اللام للقسم أي وعزتنا وجلالنا لنغرينك.
٣ - سنة منصوب على المصدر أي سن الله تعالى ذلك سنة ثم أضيف المصدر إلى فاعله.
٤ - الجملة تذييلية المراد بها تأكيد العذاب الحائق بالمنافقين وأتباعهم إن لم ينتهوا أو لم يتوبوا والمعنى لن تجد لسنن الله مع الذين خلوا من قبل ولا مع الحاضرين ولا مع الآتين تبديلاً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- التنديد بالمنافقين وتهديدهم بإمضاء سنة الله تعالى فيهم إذا لم يتوبوا.
٢- مشروعية إبعاد أهل الفساد من المدن الإسلامية أو يتوبوا بترك الفساد والإفساد، وخاصة المدينة النبوية الشريفة.
٣- بيان ما كان من الأشياء من قبل السنن لا يتبدل بتبدل الأحوال والظروف بل يبقى كما هو لا يبدله الله تعالى ولا يغيره.
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣) إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (٦٥) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨)
شرح الكلمات:
يسألك الناس عن الساعة: أي يهود المدينة كما سأله أهل مكة فاليهود سألوه امتحاناً والمشركون سألوه تكذيباً بها واستعجالاً لها.
قل إنما علمها عند الله: أي أجب السائلين قائلا إنما علمها عند ربي خاصة فلم يعلمها غيره.
وما يدريك: أي لا أحد يدريك أيها الرسول أي يخبرك بها إذ علمها لله وحده.
وأعد لهم سعيرا: أي ناراً متسعرة.
خالدين فيها: أي مقدراً خلودهم فيها إذ الخلود يكون بعد دخولهم فيها.
تقلب وجوههم في النار: أي تصرف من جهة إلى جهة كاللحم عند شيّه يقلب في النار.
يا ليتنا أطعنا الله: أي يتمنون بأقوالهم لو أنهم أطاعوا الله وأطاعوا الرسول.
وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا: هذا قول الأتباع يشكون إلى الله سادتهم ورؤساءهم.
فأضلونا السبيلا: أي طريق الهدى الموصل إلى رضا الله عز وجل بطاعته.
آتهم ضعفين من العذاب: أي اجعل عذابهم ضعفي عذابنا لأنهم أضلونا.
والعنهم لعنا كبيراً: أي أخزهم خزياً متعدد المرات في عذاب جهنم.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ (١) ﴾ أي ميقات مجيئها السائلون مشركون وأهل الكتاب فالمشركون يسألون عنها استبعاداً لها فسؤالهم سؤال استهزاء واليهود يسألون امتحانا للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره تعالى أن يجيب السائلين بجواب واحد ألا وهو إنما علمها عند الله، أي انحصر علمها في الله تعالى إذ أخفى الله تعالى أمرها عن الملائكة والمقربين منهم والأنبياء والمرسلين منهم كذلك فضلا عن غيرهم فلا يعلم وقت مجيئها إلا هو سبحان وتعالى. وقوله تعالى: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ﴾ أي لا أحد يعلمك بها أيها الرسول، وقوله ﴿لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً﴾ أي وما يشعرك يا رسولنا لعل الساعة تكون قريبة القيام وهي كذلك قال تعالى ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ وقال ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ فأعلم بالقرب ولم يعلم بالوقت لحكم عالية منها استمرار الحياة كما (٢) هي حتى آخر ساعة.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً﴾ المكذبين بالساعة المنكرين لرسالتك الجاحدين بنبوتك لعنهم فطردهم من رحمته وأعد لهم ناراً مستعرة في جهنم خالدين فيها إذا دخلوها لم
٢ - من الحكم العالية لإخفاء الساعة أن يكون العبد مستعدا لها بالإيمان وصالح الأعمال في كل وقت وكذلك ساعة الفرد وهي الموت.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أن علم الساعة استأثر الله به فلا يعلم وقت مجيئها غيره.
٢- بيان أن الساعة قريبة القيام، ولا منافاة بين قربها وعدم علم قيامها.
٣- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوال الكافرين فيها.
٤- بيان أن طاعة السادة والكبراء في معاصي الله ورسوله يعود بالوبال على فاعليه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ
٢ - قرئ ساداتنا بكسر التاء جمع سيد.
٣ - الضعف بكسر الضاد العدد المماثل للمعدود فالأربعة ضعف الاثنين وقرئ كثيراً وكبيراً وكثيراً يناسب قولهم ضعفين.
لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣)
شرح الكلمات:
يا أيها الذين آمنوا: أي يا من صدقوا بالله ورسوله ولقاء الله وما جاء به رسول الله.
لا تكونوا كالذين آذوا موسى: أي لا تكونوا مع نبيكم كما كان بنو إسرائيل مع موسى إذ آذوه بقولهم إنه ما يمنعه من الاغتسال معنا إلا أنه آدر.
فبرأه الله مما قالوا: أي أراهم أنه لم يكن به أدرة وهي انتفاخ إحدى الخصيتين.
وكان عند الله وجيها: أي ذا جاهٍ عظيم عند الله فلا يخيّب له مسعى ولا يرد له مطلباً.
وقولوا قولا سديداً: أي صدقاً صائباً.
يصلح لكم أعمالكم: أي الدينية والدنيوية إذ على الصدق والموافقة للشرع نجاح الأعمال والفوز بثمارها.
فقد فاز فوزاً عظيماً: أي نال غاية مطلوبه وهو النجاة من النار ودخول الجنة.
إنا عرضنا الأمانة: أي ما ائتمن عليه الإنسان من سائر التكاليف الشرعية وما ائتمنه عليه أخوه من حفظ مال أو قول أو عرض أو عمل.
فأبين أن يحملنها وأشفقن منها: أي رفضن الالتزام بها وخفن عاقبة تضييعها.
وحملها الإنسان: أي آدم وذريته.
إنه كان ظلوماً جهولاً: أي لأنه كان ظلوماً أي كثير الظلم لنفسه جهولاً بالعواقب.
معنى الآيات:
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ينادي الله تعالى مؤمني هذه الأمة ناهياً لهم عن أذى نبيهم بأدنى أذى، وأن لا يكونوا كبني إسرائيل الذين آذوا موسى في غير موطن ومن ذلك ما ذكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه في قوله من رواية مسلم (١) "أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده فقالوا: ما منعه أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب يوماً يغتسل فوضع ثوبه (٢) على حجر وأخذ يغتسل وإذا بالحجر يهرب بالثوب فيجري موسى وراءه حتى وقف به على جمع من بني إسرائيل فرأوا أنه ليس به أدرة ولا برص كما قالوا فهذا معنى فبرأه الله مما قالوا، وكان عند الله وجيها أي ذا جاه عظيم.
ومما حصل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذى أذاه في اتهام زوجه بالفاحشة من قبل أصحاب الإفك وقول بعضهم له وقد قسم مالا هذه قسمة ما أريد به وجه الله.
وقول بعضهم أعدل فينا يا رسول الله فقال له ويحك إذا لم أعدل أنا فمن يعدل؟
وكان يقول يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر!! هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٦٩) أما الآية الثانية (٧٠) فقد نادى تعالى عباده المؤمنين الذين نهاهم عن أذية نبيهم وأن لا يكونوا في ذلك كقوم موسى بن عمران ناداهم ليأمرهم بأمرين الأول بتقواه عز وجل إذ قال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي صدقوا الله ورسوله. ﴿اتَّقُوا اللهَ﴾ أي خافوا عقابه. فأدوا فرائضه واجتنبوا محارمه. والثاني بالتزام القول الحق الصائب (٣) السديد، ورتب على الأمرين صلاح أعمالهم ومغفرة ذنوبهم إذ قول الحق والتزام الصدق مما يجعل الأقوال والأعمال مثمرة نافعة، فتثمر زكاة النفس وطهارة الروح. ثم أخبرهم مبشراً إياهم بقوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ في الأمر والنهي فقد فاز فوزاً عظيماً وهي سعادة الدارين: النجاة من كل مخوف والظفر بكل محبوب مرغوب ومن
٢ - قال أهل العلم في وضع موسى ثوبه على الحجر ودخوله الماء عرياناً دليل على جواز مثل هذا الصنيع وهو كذلك، وهذا الجواز لا يتنافى الاستحباب إذ التستر مستحب بلا خلاف.
٣ - القول السديد هو لا إله إلا الله وهو القصد الحق وهو الذي يوافق ظاهره باطنه، وهو ما أريد به وجه الله دون سواه فالقول السديد الصائب يشمل كل هذا الذي ذكر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب تقوى الله عز وجل بفعل الأوامر واجتناب المناهي.
٢- صلاح الأعمال لتثمر للعاملين الزكاة للنفس، وطيب الحياة متوقف على التزام الصدق في
٢ - فكان الإنسان فريقين فريق ظلوم وفريق راشد عالم.
٣ - ليعذب اللام متعلقة بحمل أي حملها ليعذب العاصي ويثاب المطيع فهي لام التعليل وتعذيبهم نتيجة إضاعتهم الأمانة، ورحمة المؤمنين والمؤمنات نتيجة محافظتهم على الأمانة برعايتهم لها وسر ذلك أن التكاليف عملها يزكي النفس ويطهرها فتتأهل للجنة، وعدم عملها بتركها يسبب خبث النفس وهو يؤهل للنار وعذابها.
٤ - ذكر المنافقات والمشركات لأن المقام كمقام الإشهاد يتطلب ذكر الشاهد إقامة للحجة وإظهاراً للعدالة ولأن الجزاء العادل يتطلب التنصيص على من يقضى له أو عليه.
٣- طاعة الله ورسوله سبيل الفوز والفلاح في الدين
٤- وجوب رعاية الأمانة وأدائها، ولم يخل احد من أمانة
٥- وصف الإنسان بالظلم والجهل وبالكفر والمهانة والضعف ف آيات أخرى يستلزم طلب علاج لهذه الصفات وعلاجها جاء مبيناً في سورة المعارج في قوله ﴿إِلا الْمُصَلِّينَ﴾ إلي قوله ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾