تفسير سورة الطارق

روح البيان
تفسير سورة سورة الطارق من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

ويذل ويفعل ما يشاء وفى صدر اللوح لا اله الا الله وحده ودينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن به وصدق وعده واتبع رسله أخله الجنة وفى التأويلات النجمية بل المتلو المقروء على الكفار والمنافقين قرآن عظيم مجيد شريف مثبوت فى لوح القلب المحمدي وفى الواح قلوب ورثته الأولياء العارفين المحبين العاشقين محفوظ من تحريف أيدي النفس الكافرة والهوى الماكر وسائر القوى البشرية السارية فى أقطار الوجود الإنساني وقد قال تعالى وانا له لحافظون اى فى صدور الحفاظ وقلوب المؤمنين تمت سورة البروج بعون الله الذي اليه الرجوع والعروج وقت عصر الأحد السادس من شهر مولد النبي عليه السلام من سنة سبع عشرة ومائة وألف
تفسير سورة الطارق
سبع عشرة اوست عشرة آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ الطارق فى الأصل اسم فاعل من طرق طرقا وطروقا إذا جاء ليلا قال الماوردي واصل الطرق الدق ومنه سميت المطرقة لانه يطرق بها الحديد وسمى الطريق طريقا لانه يضرب بالرجل وسمى قاصد الليل طارقا لاحتياجه الى طرق الباب غالبا حيث ان الأبواب مغلقة فى الليل ثم اتسع فى كل ما ظهر بالليل كائنا ما كان ثم اتسع فى التوسع حتى اطلق على الصور الخيالية البادية بالليل والمراد هنا الكوكب البادي بالليل قال الراغب عبر عن النجم بالطارق لاختصاص ظهوره بالليل قالت هند بنت عتبة يوم أحد نحن بنات طارق. نمشى على النمارق اى أبونا كالنجم شرفا وعلوا وقال الشاعر
يا راقد الليل مسرورا بأوله ان الحوادث قد يطرقن اسحارا
لا تفرحن بليل طاب اوله فرب آخر ليل أجج النار
قال سهل رحمه الله وما طرق على قلب محمد من زوآئد البيان والانعام وفى التأويلات النجمية يشير الى سماء القلب وطروق كواكب الواردات القلبية والإلهامات الغيبية العظيمة الشأن القوية البرهان ولفخامة امره وشهامة قدره عقبه بقوله وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ اى اى شىء أعلمك بالطارق فانه لا يناله ادراك الخلق الا بالتلقى من الخلاق العليم كأنه قبل ما هو فقيل هو النَّجْمُ الثَّاقِبُ النجم الكوكب الطالع والثقب بالفارسية سوراخ كردن والثقوب والثقابة افروخته شدن آتش. يقال ثقبه ثقبا جعل فيه منفذا ومسلكا ونفذ فيه وثقبت النار تثقب ثقويا اتقدت واشتعلت وثقب النجم أضاء وشهاب ثاقب اى مضيئ وعبر عن الطارق اولا بوصف عام ثم فسره بما يخصه تفخيما لشأنه والمعنى النجم المضيء فى الغاية يعنى ستاره رخشنده وفروزان چون شعله آتش. لانه يثقب بنوره واضاءته ما يقع عليه من الظلام او الافلاك وينفذ فيها والمراد الجنس وهو قول
الله عليه وما كان من سيئة استغفرت الله لكم (وروى) عن النبي عليه السلام وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب ولو وكل العبد الى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين وقرئ لما مخففة على أن ان مخففة وما مزيدة واللام فاصلة بين المخففة والنافية اى ان الشأن كل نفس لعليها حافظ رقيب وفى الآية تخويف للنفوس من الأمور الضارة وترغيب فى الشؤون النافعة وفى بعض التفاسير يحتمل ان يكون المراد من النفس أعم من نفس النفس المكلف من الإنسان والجن ومن نفس المكلف لعموم الحفظ من بعض الوجوه ومن الكل فيشمل النفوس الحيوانية مطلقا بل كل شىء سوى الله بناء على ان المراد من النفس الذات فان نفس كل شىء ذاته وذاته نفسه ومن الحافظ هو الله لان الحافظ لكل شىء عالم بأحواله موصل اليه منافعه ودافع عنه مضاره والحفيظ من العباد من يحفظ جوارحه وقلبه ويحفظ دينه عن سطوة الغضب وحلاوة لشهوة وخداع النفس وغرور الشيطان فانه على شفا جرف هار وقد اكتنفته هذه الملكات المفضية الى البوار ومن خواص الاسم الحفيظ ان من علقه عليه لو نام بين السباع ما ضرته قال القاشاني الحافظ هو الله ان أريد بالنفس الجملة وان أريد بها النفس المصطلح عليها من القوة الحيوانية فحافظها الروح الإنساني فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ ليتفكر الإنسان المركب من الجهل والنسيان المنكر للنشور والحشر والميزان مِمَّ اى من اى شىء فأصله مما حذفت الالف تخفيفا كما مر فى عم خُلِقَ حتى يتضح ان من قدر على إنشائه من مواد لم تشم رائحة الحياة قط فهو قادر على إعادته بل اقدر على قياس العقل فيعمل ليوم الاعادة والجزاء ما ينفعه يومئذ ويجديه ولا يملى حافظه ما يرديه خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ استئناف وقع جوابا عن استفهام مقدر كأنه قيل مم خلق فقيل خلق من ماء ذى دفق وهو صب فيه دفع وسيلان بسرعة وبالفارسية ريزانيدن آب. وبابه نصر وانما أول بالنسبة لان الصب لا يتصور من النطفة لظهور انها مصبوبة لاصابة فتوصيفه بانه دافق لمجرد نسبة مبدأ الاشتقاق الى ذات الموصوف به مع قطع النظر عن صدوره منه وقال بعضهم اى مدفوق ومصبوب فى الرحم نحو سر كاتم اى مكتوم وعيشة راضية اى مرضية فهو فاعل بمعنى المفعول والمراد به الممتزج من الماءين فى الرحم كما ينبئ عنه ما بعده فى الآية وللنظر الى امتزاجهما عبر عنهما بصيغة الافراد ووصف الماء الممتزج بالدافق من قبيل توصيف المجموع بوصف بعض اجزائه يَخْرُجُ ذلك الماء الدافق مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ الصلب الشديد وباعتباره سمى الظهر صلبا اى من بين ظهر الرجل وترائب المرأة وهى ضلوع صدرها وعظام نحرها حيث تكون القلادة وكل عظم من ذلك تربية وعن على وابن عباس رضى الله عنهما بين الثديين وفى القاموس الترائب عظام الصدر او ما ولى الترقوتين منه او ما بين الثديين والترقوتين او اربع أضلاع من يمنة الصدر واربع من يسرته او اليدان والرجلان والعينان او موضع القلادة انتهى ومن ذلك يتحمل الوالد مصالح معيشة الولد وتشتد رقة الوالدة ومحبتها للولد
فى نفسه يمتنع بها من العذاب الذي حل به وَلا ناصِرٍ من خارج ينتصر به إذ كل نفس يومئذ رهينة بما كسبت مشغولة بجزاء ما جرت عليه خيرا كان او شرا فالمراد بالقوة المنفية هى القوة الثابتة له فى نفسه لا القوة مطلقا والا لم يبق للعطف فائدة لان القوة المستفادة من الغير قوة ايضا وقد نفيت اولا والقوة عبارة عن شدة البنية وضلابتها المضادة للضعف وفى التعريفات هى تمكن الحيوان من الافعال الشاقة ونصر المظلوم أعانه ونصره منة نجاه وخلصه وفيه اشارة الى القوة بحسب نية الباطن وعمل الظاهر فالنية الخالصة المجردة عن العمل قد تنصر الناوى ايضا لكن إذا قارنت العمل كانت أقوى وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ ذات مؤنث ذو بمعنى الصاحب والرجع المطر سمى رجعا لما ان العرب كانوا يزعمون ان السحاب يحمل الماء من بحار الأرض ثم يرجعه الى الأرض او أرادوا بذلك التفاؤل ليرجع ولذلك سموه او باليؤوب فيكون الرجع مصدرا من اللازم بمعنى الرجوع لا من المتعدى قاله بعض العلماء او لان الله يرجعه وقتا فوقتا بعد إيجاده واحداثه وقال الراغب سمى المطر رجعا لرد الهولء ما تناوله من الماء وفى كشف الاسرار لانه يرجع كل عام ويتكرر وقال عبد القاهر الجرجاني فى كتاب اعجاز القرآن انما قال للسماء ذات الرجع لان شمسها وقمرها يغيب ويطلع وبعض نجومها يرجع وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات إذا المحاكى للنشور هو تشقق الأرض وظهور النبات منها لاظهار العيون فالمراد بالصدع نبات الأرض سمى به لانه صادع للارض والأرض تتصدع به والصدع فى اللغة الشق وفى المفردات شق فى الأجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما وفى الآية اشارة الى ان السماء ذات الرجع كالاب والأرض ذات الصدع كالام وما ينبت من الأرض كالولد اقسم الله بالسماء اولا مجردة عن التوصيف وثانيا مقيدة بكونها ذات الرجع وكذا بالأرض ذات الصدع ايماء الى المنة عليهم بكثرة المنافع ودلالة على العلم النام والقدرة الكاملة فيهما وفيه اشارة الى سماء الروح ذات الرجع فى النشأة الثانية وارض البدن ذات الصدع بالانشقاق عن الروح وقت زهوقه او الشق بعد اتصاله إِنَّهُ اى القرآن الذي من جملته ما تلى من الآيات الناطقة بمبدأ حال الإنسان ومعاده لَقَوْلٌ لكلام إذ القول كثيرا ما يكون بمعنى المقول فَصْلٌ اى فاصل بين الحق والباطل مبالغ فى ذلك كأنه نفس الفصل كما قيل له فرقان بمعنى الفارق وَما هُوَ بِالْهَزْلِ الهزل اللعب وفى فتح الرحمن ما استعمل فى غير ما وضع له من غير مناسبة والجد ضده وهو أن يقصد به المتكلم حقيقة كلامه اى ليس فى شىء من القرآن شائبة هزل بل كله جد محض لا هزل فيه فمن حقه ان يهتدى به الغواة وتخضع له رقاب العتاة وبالفارسية ونيست او بازي وباطل وفسوس وسخريه. ويظهر من الآية ان من يؤم القرآن بهزل او بتفكه بمزاح يكفر وفى هدية المهديين إذا أنكر رجل آية من القرآن او سخربها او عابها فقد كفر ومن قرأ القرآن على ضرب الدف او القصب فقد كفر ولو قال ألم نشرح لك را كريبان كرفته. او قال پوست از قل هو الله أحد بردى. او قال اين كوته
تراز انا أعطيناك. او قيل لم لم تقرأ القرآن فقال سير شدم از قرآن. فهذا كله وأمثاله كفر ينبغى للمؤمن ان يحترز منه ويجتنب عنه إِنَّهُمْ اى اهل مكة ومعاندى قريش يَكِيدُونَ
فى ابطال امره واطفاء نوره يعنى مكر ميكنند در شان رسول وحق قرآن كَيْداً حسبما فى قدرتهم وَأَكِيدُ كَيْداً اى أقابلهم بكيد متين لا يمكن رده حيث أستدرجهم من حيث لا يعلمون وكيد المحدث العاجز الضعيف لا يقاوم كيد القديم القادر القوى فتسمية الاستدراج والانتقام فى الدنيا بالسيف وفى الآخرة بالنار كيدا من باب المشاكلة لوقوعه فى مقابلة كسبهم جزاء له والا فالكيد وهو المكر والاحتيال لا يجوز اسناده اليه تعالى مرادا به معناه الحقيقي وتسمية جزاء الشيء باسم ذلك الشيء على سبيل المشاكلة شائع كثير فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ اى لا تشتغل بالانتقام منهم ولا تدع عليهم بالهلاك ولا تستعجل به يعنى مهلت ده كافرانرا وتعجيل مكن در طلب هلاك ايشان أَمْهِلْهُمْ بدل من مهل وهما اى التمهيل والامهال لغتان كما قال تعالى ومهلهم قليلا (روى) عن همام مولى عثمان رضى الله عنه انه قال لما كتبوا المصحف شكوا فى ثلاث آيات فكتبوا فى كتف شاة وأرسلوني الى أبى ابن كعب وزيد بن ثابت رضى الله عنهما فدخلت عليهما فناولتها أبيا فقرأها فاذا هى فيها لا تبديل للخلق فكتب لا تبديل لخلق الله وكان فيها لم يتسن فكتب لم يتسنه وكان فيها فأمهل الكافرين فمحا الالف وكتب فمهل الكافرين ونظر فيها زيد بن ثابت فانطلقت بها إليهم فاثبتوها فى المصحف وفيه اشارة الى ان الله تعالى حافظ للقرءآن من التحريف والتبديل لانه أثبته فى صدور الحفاظ والى ان المشكلات يرجع فيها الى اهل الحل رُوَيْداً يقال ارود يرود إذا رفق وتأنى ومنه بنى رويد كما فى المفردات وفى الإرشاد هو فى الأصل تصغير رود بالضم وهو المهل او ارواد مصدر أورد بالترخيم وهو اما مصدر مؤكد لمعنى العامل او نعت لمصدره المحذوف اى امهلهم امهالا رويدا اى قريبا او قليلا يسيرا فان كل آت قريب كما قالوا كر چهـ قيامت دير آيد ولى مى آيد.
وفيه تسلية لرسول الله ﷺ بما فيه من الرمز الى قرب وقت الانتقام من الأعداء وفى كشف الاسرار وما كان بين نزول هذه الآية وبين وقعة بدر الا زمان يسير (حكى) انه دخل ابن السماك على هرون الرشيد فطلب هرون منه العظة وقد جلس فى حصير فقال يا أمير المؤمنين لتواضعك فى شرفك أفضل من شرفك قال الرشيد ما سمعت شيأ احسن من هذا فقال بلى يا أمير المؤمنين من اعطى مالا وجمالا وسلطانا وشرفا فتواضع فى شرفه وعف فى جماله وواسى من فضل ماله وعدل فى سلطانه كتب فى ديوان المخلصين فدعا الرشيد بالقرطاس فكتبها ثم قال زدنى فقال يا أمير المؤمنين لقد أمهل حتى كأنه أهمل ولقد ستر حتى كأنه غفر ثم قال يا أمير المؤمنين هب كأن الدنيا كلها فى يديك والاخرى مثلها ضمت إليك هب كان الشرق والغرب يجبى إليك فاذا جاء ملك الموت فماذا فى يديك قال زدنى فقال لم يبق من لدن آدم الى يومنا هذا أحد الا وقد ذاق الموت قال زدنى فقال انهما موضعان اما جنة واما نار قال حسبى ثم غشى عليه قال ابن السماك
Icon