ﰡ
وهي مكّيّة بلا خلاف
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤)أقسم اللَّهُ تعالى بالسماءِ المعروفةِ في قول الجمهور، وقِيل: السماءُ هنا هو المطرُ، وَالطَّارِقِ: الذي يأتي ليلاً، ثم فسَّر تعالى هذا الطارقَ بأنَّه: النَّجْمُ الثَّاقِبُ واخْتُلِفَ في النَّجْمُ الثَّاقِبُ فقال الحسنُ/ بن أبي الحسن ما معناه أنه اسمُ جنسٍ لأنها كلَّها ثاقِبة، أي: ظاهرة الضوء، يقال: ثَقُبَ النجمُ إذا أضاء «١»، وقال ابن زيد: أرادَ نَجماً مخصوصاً وهو زُحَلُ «٢»، وقال ابن عباس: أراد الجَدْيَ «٣»، وقال ابن زيد أيضاً: هو الثُّرَيّا «٤»، وجَوابُ القسم في قوله: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ... الآية، و «إنْ» هي المخففةُ من الثقيلةِ، واللامُ في «لَمَّا» لامُ التأكيدِ الداخلةِ على الخبرِ هذا مذهبُ حُذَّاقِ البصريين، وقال الكوفيون «إنْ» بمعنى «ما» النافيةِ، واللامُ بمعنى «إلا» فالتقديرُ: ما كلُّ نفسٍ إلا عليها حافظٌ، ومعنى الآيةِ فيما قال قتادة وغيره: إنَّ على كل نفسٍ مكلَّفَةٍ حافظاً يُحْصِي أعمالَها ويُعِدُّهَا للجزاءِ عليها «٥»، وقال أبو أمامة قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في تفسير هذه الآية: «إنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ حَفَظَةً مِنَ اللَّهِ يَذُبُّونَ عَنْهَا كَمَا يُذَبُّ عَنْ قَصْعَةِ العَسَلِ الذُّبَابُ، وَلَوْ وُكِلَ المَرْءُ إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين».
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ٥ الى ٧]
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧)
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٥٣٣)، (٣٦٩٠٦)، وذكره ابن عطية (٥/ ٤٦٤).
(٣) ذكره ابن عطية (٥/ ٤٦٤).
(٤) أخرجه الطبري (١٢/ ٥٣٣)، (٣٦٩٠٦)، وذكره البغوي (٤/ ٤٧٣)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٥٦٠)، وعزاه لابن جرير.
(٥) أخرجه الطبري (١٢/ ٥٣٤)، (٣٦٩١٠)، وذكره ابن عطية (٥/ ٤٦٥)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٥٦٠)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة بنحوه.
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ٨ الى ١٧]
إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢)
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)
وقوله تعالى: إِنَّهُ] «٣» عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال ابن عباس وقتادة: المعنى أن اللَّهَ عَلى ردِّ الإنسانِ حيًّا بعد موتهِ لقادرٌ «٤»، وهذا أظهر الأقوال هنا وأبينها، ودافِقٍ قال كثير من المفسرين: هو بمعنى مَدْفُوقٍ، والعاملُ في يَوْمَ الرَّجْع من قولهِ: عَلى رَجْعِهِ.
وتُبْلَى السَّرائِرُ معناه تُخْتَبَرُ وتكشَفُ بواطنُها، ورَوَى أبو الدرداء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أن/ السرائرَ التي يَبْتَلِيهَا اللَّه من العباد: التوحيدُ، والصلاةُ، والزكاةُ، والغُسْلُ من الجنَابةِ، قال ع «٥» : وهذهِ معظَمُ الأمرِ، وقال قتادة: الوجهُ في الآيةِ العمومُ في جميعِ السرائرِ»
، ونَقَلَ ابنُ العربي في «أحكامِه» عن ابن مسعود: أنَّ هذه المذكوراتِ [مِنَ] الصلاةِ والزكاةِ والوضوءِ والوديعةِ كلَّها أمَانَةٌ، قال: وأَشَدُّ ذلكَ الوديعةُ تَمْثُلُ له، أي: لمن خَانَها على هيئَتِها يوم أخَذَها فَتُرْمَى في قَعْر جهنمَ، فيقالُ له: أخْرِجْها، فيتبعُها فيجعلُها في عنقهِ فإذا أراد أن يخرجَ بهَا زَلَّتْ منه فيتبعُها فهو كذلكَ دَهْرَ الداهرينَ، انتهى، ت: قال أبو عبيد الهروي: قوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الواحدةُ سَرِيرَةٌ وهي الأعمالُ التي أسرَّهَا
(٢) ذكره ابن عطية (٥/ ٤٦٥).
(٣) سقط في: د.
(٤) أخرجه الطبري (١٢/ ٥٣٧)، (٣٦٩٣٧) عن قتادة، وذكره البغوي (٤/ ٤٧٣)، وابن عطية (٥/ ٤٦٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٥٦١)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة بنحوه. [.....]
(٥) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٤٦٦).
(٦) ذكره ابن عطية (٥/ ٤٦٦).
رُوَيْداً قال أبو البقاء: نَعْتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: إمْهَالاً رُوَيْداً، و «رويداً» تَصْغِيرُ «رَوْدٍ» وأنشَد أبو عُبَيْدَةَ: [البسيط]
يَمْشِي ولاَ تَكْلِمُ البَطْحَاءَ مِشْيَتُهُ | كَأَنَّهُ ثَمِلٌ يَمْشِي على رَوْدِ |
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٥٣٨)، (٣٦٩٤٧)، وذكره ابن عطية (٥/ ٤٦٦).
(٣) أخرجه الطبري (١٢/ ٥٤١)، (٣٦٩٦٧)، وذكره ابن عطية (٥/ ٤٦٧).