تفسير سورة الليل

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة الليل من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿وَالْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ إذا غطى النهار بظلمته
﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ إذا ظهر بزوال ظلمة الليل
﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى﴾ أي والقادر العظيم الذي خلق الذكر والأنثى.
أقسم تعالى بذاته - على هذه الصفة - إشعاراً بأنه جل شأنه الخالق المصور المبدع؛ لأنه لا يعقل أن هذا التخالف بين الذكر والأنثى؛ يحصل بالاتفاق من طبيعة لا شعور لها بما تفعل، ولا علم عندها بما يلزم؛ إذ أن الأجزاء الأصلية في المني متساوية التكوين: فالولد ينتج من عناصر واحدة؛ لكنه يخرج تارة ذكراً، وتارة أنثى؛ بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر. ومن أعجب العجب أن تكثر ولادة الذكران عقيب الحروب والطواعين، واجتياح الرجال وجميع ذلك يدل دلالة قاطعة على أن واضع هذا النظام: عالم بما يفعل، محكم لما يصنع ولا عبرة بما يقوله الآن بعض المشتغلين بالطب: من أنهم سيستطيعون قريباً التحكم في الجنين، وجعله كما يريدون؛ فإن هذا من صنع مدبر الكون؛ الذي ﴿يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ﴾
﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ أي إن عملكم لمختلف: فمنه النافع، ومنه الضار، ومنه المنجي، ومنه المردي؛ ويفسره ما بعده
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى﴾ الفقراء مما وهبه الله ﴿وَاتَّقَى﴾ ربه، وخاف سوء الحساب
﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ آمن بالمثوبة الحسنى؛ وهي الجنة. أو صدق بالكلمة الحسنى؛ وهي لا إله إلا الله
﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ نهيئه للخصلة المؤدية لليسر؛ وهي الأعمال الصالحة؛ المؤدية للجنة؛ فتكون الطاعة أيسر شيء لديه
﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ﴾ على عباد الله، ولم يؤتهم ما أمر به الله ﴿وَاسْتَغْنَى﴾ عن ثوابه
﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ أي كذب بالجزاء الحسن، مقابل الإحسان، أو كذب بكلمة التوحيد
﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ نهيئه للخصلة المؤدية للعسر والشدة؛ وهي الأعمال السيئة؛ المفضية إلى النار؛ فتكون الطاعة أعسر شيء عليه. وسمى تعالى طريقة الخير يسرى: لأن عاقبتها اليسر. وطريقة الشر عسرى: لأن عاقبتها العسر
﴿وَمَا يُغْنِي﴾ ما يدفع ﴿عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ أي إذا هلك، وتردى في القبر، أو إذا تردى
-[٧٥٣]- في جهنم. و «تردى» سقط
﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ أي علينا أن نوضح طريق الهدى، ونحث عليه؛ ونبين طريق الضلال، وننفر منه
﴿وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى﴾ نوفق في الأولى، ونجزي في الآخرة؛ ومن أراد الدنيا أو الآخرة من غيرنا؛ فقد أخطأ الطريق
﴿فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى﴾ تتلهب. أي لرحمتنا بكم، وعلمنا بمصالحكم: أسدينا لكم النصح؛ فأوضحنا لكم الهدى وما يؤدي إليه، والضلال وما يؤدي إليه؛ فأنذرناكم ناراً تتلظى
﴿لاَ يَصْلاَهَآ﴾ لا يدخلها للخلود فيها ﴿إِلاَّ الأَشْقَى﴾ الكافر؛ الذي هو أشقى العصاة
﴿الَّذِي كَذَّبَ﴾ النبي والقرآن أعرض عن الإيمان
﴿وَسَيُجَنَّبُهَا﴾ لا يدخلها، ولا يقربها ﴿الأَتْقَى﴾ المؤمن الصالح، التقي النقي
﴿الَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ﴾ الفقراء ﴿يَتَزَكَّى﴾ يتطهر بذلك من دنس البخل، أو متزكياً به عن الرياء والسمعة؛ بل يبذله بأمر الله في سبيل مرضاته
﴿وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى﴾ أي يجزيه عليها بإعطاء المال، أو لا ينتظر جزاء من أحد
﴿إِلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى﴾ المعنى: أنه لا يعطي ما يعطي جزاء نعمة سابقة أسبغها عليه المعطى له، أو منتظراً جزاءاً لما يعطيه: كعوض، أو ثناء؛ بل يفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى فحسب
﴿وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ هو وعد من الله تعالى بإرضاء من أرضى عبيده فمن أراد رضا الله تعالى؛ فليرض مخلوقاته
753
سورة الضحى

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

753
Icon