تفسير سورة الليل

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة الليل من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة الليل (١)

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ قال ابن عباس (٢)، ومقاتل (٣): أقسم الله بالليل إذا يغشى بظلمته (٤) والنهار، ولم يذكر مفعول يغشى للعلم به.
وقال أبو إسحاق: "يغشى الليل" الأفق، وجميع ما بين السماء والأرض، فيذهب ضوء النهار (٥).
٢ - قوله تعالى (٦): ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ (أي بَان وظهر) (٧) من بين الظلمة.
(١) مكية بقول جمهور المفسرين، قال بذلك ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٥/ ٢٩٠، وحكى الإجماع ابن الجوزي في: "زاد المسير" ٨/ ٢٦١، وقال السيوطي: الأشهر أنها مكية "الإتقان" ١/ ٣٥، وقيل: إنها مدنية. انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٧ و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٠.
(٢) ورد معنى قوله في: "زاد المسير" ٨/ ٢٦١.
(٣) "الوسيط" ٤/ ١٠٥.
(٤) في (أ): (والنهار).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٥ بتصرف.
(٦) (قوله تعالى) ساقط من (أ).
(٧) ما بين القوسين ناقلاً عن "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٥.
قال قتادة: هما آيتان عظيمتان يكررهما الله على الخلائق (١).
٣ - (قوله) (٢): ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ قال الكلبي: والذي خلق (٣)، وهو قول الحسن (٤). و"ما" على هذا بمعنى "مَنْ".
وقال مقاتل: يعني: وخلْق الذكر والأنثى (٥).
وعلى هذا "مَا" للمصدر، -وقد فسرنا هذا في مواضع (٦) - والذكر والأنثى يجوز أن يعني بهما الجنس من الذكر والأنثى (٧)، وهو الظاهر (٨).
وقال مقاتل (٩)، (والكلبي (١٠)) (١١): يعني آدم وحواء.
(١) ورد بنحوه في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢١٧.
(٢) ساقط من: (ع).
(٣) "فتح القدير" ٥/ ٤٥٢.
(٤) المرجع السابق، وانظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٢١٨، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٢ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٨٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٠ - ٨١، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٣٤ وعزاه إلى ابن أبي حاتم، و"تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤٢٥.
(٥) "فتح القدير" ٥/ ٤٥٢.
(٦) يراجع في ذلك سورة الشمس: ٥، ٧، قوله: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (٥) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (٦) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ وهو مذهب الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٢. وانظر: كتاب "معاني الحروف" للزجاجي ص ٥٥.
(٧) في (ع): (الذكور والإناث).
(٨) والقول بالعموم من كل ذكر وأنثى قال به الماوردي في "النكت والعيون" ٦/ ٢٨٧، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٨/ ٤٨٣، والشوكاني في "فتح القدير" ٥/ ٤٥٢.
(٩) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٤، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٢، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٢.
(١٠) المراجع السابقة، وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٨٣، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٢، وبه قال الحسن، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٠، وابن عباس في: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٢.
(١١) ساقط من (أ).
وجواب القسم قوله تعالى:
٤ - ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾.
قال ابن عباس: إن أعمالكم لمختلفة، عمل للجنة، وعمل للنار (١).
وقال مقاتل: يعني أن أهل مكة تقول إن أعمالكم لمختلفة في الخير والشر (٢).
وتفسير "شتى" قد سبق في قوله: ﴿مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ (٣).
قال المفسرون: نزلت في أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وفي أبي سفيان (٤). ثم فصل عملهما فبين (٥) فقال:
٥ - (قوله) (٦): ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾.
(١) "زاد المسير" ٨/ ٢٦٢، وإلى هذا ذهب قتادة في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢١٩.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) سورة طه: ٥٣ ومما جاء في تفسير قوله: "شتى" معناه مختلف متفرف، ولا واحد له من لفظه مثل فوض.
(٤) قال بذلك ابن عباس كما في: "الدر المنثور" ٨/ ٥٣٦، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن مردويه، وابن عساكر، وقاله ابن مسعود كما في: "بحر العلوم" ٣/ ٤٨٤، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٣٤ - ٥٣٥، وعبد الله بن أبي أوفى، وساقه ابن عطية عنه في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩١ كما عزاه القرطبي والشوكاني إلى المفسرين. "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٢، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٢.
كما وردت الرواية في "أسباب النزول" للواحدي ص ٣٨٥، وقال بها أيضًا في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٣ أ، والماوردي في: "النكت والعيون" ٦/ ٢٨٧، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٥.
وقول آخر إنها نزلت في أبي بكر وأمية بن خلف. انظر: "معاني القرآن" للفراء: ٣/ ٢٧٠، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨٤.
(٥) في (ع): (وبين).
(٦) ساقط من (ع).
قال الكلبي: تصدق من ماله، واتقى معصية ربه (١).
وقال مقاتل: أعطى المال في حق الله، واتقى الله (ومعصيته (٢)) (٣)، يعني الصديق -رضي الله عنه-.
٦ - ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾.
قال عكرمة عن ابن عباس: بالخَلَف (٤)، وهو قول الكلبي (٥)، ومقاتل (٦)، وقتادة (٧)، (قالوا: يعيده) (٨) الله، وهو أن يخلفه في الآخرة الجنة.
فـ"الحسنى" على هذا القول: الجنة، يجعلها الله خلفًا لأبي بكر مما أعطى.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) ساقط من: (ع).
(٤) "تفسير الإمام مجاهد" ص ٧٣٤، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢١٩، ورجحه الطبري في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٥، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩١، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٣، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨٣، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٨٣ من غير ذكر طريق عكرمة، وكذا في: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٥٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٣٥، وعزاه إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٧/ ٤٢٢ ح ١٠٨٢٥.
(٥) ورد معنى قوله في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٢ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٥.
(٦) ورد معنى قوله في المرجعين السابقين، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٣.
(٧) ورد معنى قوله في المراجع السابقة، وانظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٣، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٢.
(٨) ما بين القوسين ساقط من (أ).
وقال مجاهد (١)، وأبو عبد الرحمن (السلمي (٢)) (٣)، والضحاك (٤)، قال: لا إله إلا الله.
وقال عطاء عن ابن عباس: يريد الخلف من الله والثواب والجنة، وصدق بأن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله (٥).
٧ - (قوله تعالى) (٦): ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ فسنهيئه لعمل الخير، وهو معنى قول ابن عباس: نيسر له أعمال الخير (٧).
وقال الكلبي، و (مقاتل (٨)) (٩)، والفراء (١٠): نيسره للعودة للعمل الصالح.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) "جامع البيان" ٣٠/ ٢١٠، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٢ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٥، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩١، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٣، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٨٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٥٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٣٥، وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٢.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) "جامع البيان" ٣٠/ ٢١٠، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٢ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٨٧، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٥٣، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٢.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) ساقط من (أ).
(٧) ورد معنى قوله في: "النكت والعيون" ٦/ ٢٨٨، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٥٤، و"شعب الإيمان" ٧/ ٤٢٢ ح: ١٠٨٢٥.
(٨) لم أعثر على مصدر لقولهما.
(٩) ساقط من (أ).
(١٠) "معاني القرآن" ٣١/ ٢٧٠ بنصه.
ومعنى اليسرى: الخلة اليسرى (١)، (وهي الأمر السهل الذي لا يقدر عليه أحد إلا المؤمنون) (٢)، يسر الله لهم العمل بمرضاته، فتيسر عليه الإنفاق في سبيل الخير، والعمل بالطاعة بتيسير الله ذلك لهم (٣).
قال المفسرون: نزلت هذه الآيات في أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (٤)، اشترى منه ستة نفر من المؤمنين كانوا في أيدي أهل مكة يعذبونهم في الله (٥).
٨ - ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ﴾ أي بالنفقة في الخير والصدقة (٦)
﴿وَاسْتَغْنَى﴾ عن ثواب الله فلم يرغب فيه (٧).
(١) في (أ): (الخل اليسرا).
(٢) ما بين القوسين من قول الزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٥.
(٣) بمعنى هذا القول: ذهب الطبري في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢١١، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٣ أ، والماوردي في:"النكت والعيون" ٦/ ٢٨٨.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) ورد معنى هذه الآية من طريق عامر بن عبد الله بن الزبير، عن بعض أهله عند الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٢١١، وكذلك "الدر المنثور" ٨/ ٥٣٥ - ٥٣٦، وعزاه إلى ابن عساكر، وانظر أيضًا: "أسباب النزول" تح. أيمن صالح ص ٣٩١، وقال عنه: صحيح صححه الحاكم، وقال عصام الحميدان: وإسناده حسن بشواهده، أسباب النزول: ٤٥٦، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند الحاكم. وانظر شواهده في: "لباب النقول" ٢٣٠، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٤، كما خرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٢٥ - ٥٢٦، كتاب التفسير: تفسير سورة الليل: وقال صحيح، وسكت عنه الذهبي.
(٦) بمعناه قال ابن عباس، وقتادة انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٢١ - ٢٢٢، وبه قال السمرقندي في: "بحر العلوم" ٣/ ٤٨٥، والثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٣ أ، وعزاه ابن الجوزي إلى المفسرين في "زاد المسير" ٨/ ٢٦٤.
(٧) قال بنحوه الثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٣ أ.
قال مقاتل (١)، والكلبي (٢): يعني أبا سفيان، ثم عمت الكفار بعده.
وقال عطاء: يريد أمية بن خلف (٣).
٩ - ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ يعني بما صدق (به) (٤) أبو بكر وقد فسرنا (٥).
١٠ - ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ قال عطاء: يريد سوف أحول بينه وبين أن يؤمن بالله ويصدقق رسوله (٦). وهذا على (قول) (٧) من يقول: إنه أمية بن خلف.
وقال مقاتل: يعسر عليه أن يعطي خيرًا (٨).
وقال عكرمة عن ابن عباس: للعسرى (٩): للشر (١٠)، وهذا (١١) هو القول، وذلك أن الشر يؤدي إلى العذاب، فهو الخلة العسرى، والخير يؤدي إلى اليسرى والراحة في الجنة، فهو الخلة اليسرى، يقول: سنهيئه للشر بأن يجريه على يديه.
(١) "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩١ بمعناه.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله. والذي وجدته بمثله من طريق الضحاك عن ابن عباس "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٤.
(٤) ساقط من (أ).
(٥) راجع تفسير قوله تعالى: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ من هذه السورة.
(٦) لم أعئر على مصدر لقوله. وقد ورد بمعنى قوله من طريق الضحاك عن ابن عباس. "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٤.
(٧) ساقط من (أ).
(٨) ورد بنحو من قوله في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٥، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٤، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٢.
(٩) في (أ): (للعسرا).
(١٠) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٢٤.
(١١) في (أ): (هذا بغير واو).
قال الفراء: والعرب تقول: قد يسرت غنم فلان؛ إذا تهيأت للولادة (١).
وكذلك إذا ولدت وكثر ألبانها، كأنها يسرت الأمر على أصحابها.
ثم ذكر أن ما أمسك من (٢) ماله عن الإنفاق لا ينفعه فقال:
١١ - (قوله): ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ (٣) أي الذي بخل به عن الخير. ﴿إِذَا تَرَدَّى﴾ إذا مات.
قال مجاهد (٤)، ومقاتل، (وأبو صالح (٥)) (٦): قال أبو عبيدة (٧): "تردى" وردى إذا مات. قال المبرد: هو تَفَعَّل من الرَّدى، وهو الهلاك (٨).
وقال ابن عباس (٩)، وقتادة (١٠): إذا تردى في جهنم، أي سقط
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧١.
(٢) في (أ): (عن).
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) "تفسير الإمام مجاهد" ص ٧٣٤، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٢٥، و"الكشف والبيان " ١٣/ ١٠٣ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٨٩، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٦، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩١ بمعناه، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٤، و"ابن كثير" ٤/ ٥٥٦، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٣٦ - ٥٣٧ وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٥) لم أعثر على مصدر لقولهما.
(٦) ساقط من (أ).
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) "الكامل" ١/ ١٢٠، ٤٠٣ - ٤٠٤ مختصرًا.
(٩) "الوسيط" ٤/ ٥٠٤.
(١٠) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٣ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٦، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩١، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٤، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٨٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٣٦ وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٢ - ٤٥٣، و"روح المعاني" ٣٠/ ١٥٠.
وهوى، وذكرنا هذا الحرف عند قوله: ﴿وَالْمُتَرَدِّيَةُ﴾ (١).
١٢ - قال الله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾.
وفي تفسيره ثلاثة أقوال (٢):
قال مقاتل: يعني البيان (٣).
قال أبو إسحاق: أي إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال (٤).
وهو قول قتادة: أي على الله البيان: بيان حلاله، وحرامه، وطاعته، ومعصيته (٥).
(١) سورة المائدة: ٣، ومما جاء في تفسيرها: "المتردية من التردي في اللغة، التهور في مهواة، وقيل في قوله: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ أي سقط في النار، وقال أبو زيد: ردى فلان في القليب تردى، وتردّى من الجبل تَردّيًا، فالترديهَ هي التي يقع من جبل، أو يطيح في بئر، أو يسقط من مكان مشرف، فيموت".
"البسيط" نسخة تشستربتي ٢/ ٤١ أ.
(٢) وهذه الأقوال لا تخرج عن مراتب الهدى الأربعة، وهي: الهدى العام، وهو هداية كل نفس إلى مصالح معاشها، وما يقيها، وهذا أعم مراتبه.
المرتبة الثانية: الهدى بمعنى البيان والدلالة والتعليم.. إلى آخره، وقد سبق بيانها راجع سورة الإنسان ٣.
وعليه فالمرتبة الثانية: هي التي قال بها قتادة، والرابعة: تضمنت قول أبي إسحاق.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله من غير عزو في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٦، و"الوسيط" ٤/ ٥٠٥.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٦ بنصه.
(٥) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٢٦، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٨٩، مختصرًا، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٦، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٥٦ مختصرًا، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٣٧، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن =
83
القول الثاني: إن المعنى يقول: من سلك الهدى فعلى الله سبيله، كقوله عز وجل: ﴿وَعَلَى (١) اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٥]، يقول علينا (٢) الهدى: أي أن الهدى يوصل صاحبه إلى الله، وإلى ثواب الله وجنته.
ذكر (٣) ذلك الفراء (٤)، وذكر قولًا آخر، فقال: ويقال: إن علينا للهدى والإضلال. فترك الإضلال كما قال: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١]، وهي تقي (٥) الحر والبرد (٦).
= المنذر، وابن أبي حاتم، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٣، ومعنى قوله إنه البيان الذي أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه، فتبين به حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته. قاله ابن تيمية في مجموعه: ١٥/ ٢١٠.
(١) في (أ): (فعلى).
(٢) علمنا.
(٣) في (أ): (وذكر).
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧١ بتصرف.
(٥) في (أ): (في).
(٦) وهذا القول من الأقوال المحدثة، والمخالفة التي لم يعرفه السلف، وهو القول معناه: بيدك الخير والشر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (والخير بيدك، والشر ليس إليك). والله تعالى خالق كل شيء، لا يكون في ملكه إلا ما يشاء، والقدر حق، لكن فَهْم القرآن، وَوَضْع كل شيء موضعه، وبيان حكمة الرب، وعدله مع الإيمان بالقدر، هو طريق الصحابة والتابعين لهم بإحسان. نقلاً عن "مجموع الفتاوى" ١٥/ ٢١١. فالله سبحانه إنما نسب إلى نفسه الخير دون الشر، فقال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: ٢٦].
وأخطأ من قال: المعنى: بيدك الخير والشر لثلاثة أوجه:
أحدها: أنه ليس في اللفظ ما يدل على إرادة هذا المحذوف، بل ترك ذكره قصدًا أو بيانًا أنه ليس بمراد. =
84
وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء، قال: يريد أرشد أوليائي إلى العمل بطاعتي، وأحول بين أعدائي أن يعملوا بطاعتي (١). فذكر معنى الإضلال (٢).
١٣ - قوله ﴿وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى﴾ يعني الدارين: الدنيا، والآخرة (٣).
قال الكلبي: أي ثواب الدنيا والآخرة (٤)، (كقوله: ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [النساء: ١٣٤]) (٥).
= الثاني: إن الذي بيد الله تعالى نوعان: فضل وعدل.
الثالث: إن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لبيك وسعديِك، والخير في يديك، والشر ليس إليك" كالتفسير للآية، ففرق بين الخير والشر، وجعل أحدهما في يدي الرب سبحانه، وقطع إضافة الآخر إليه مع إثبات عموم خلقه لكل شيء.
انظر: "شفاء العليل" ٤٤٧.
وهذا القول في الخير والشر ينطبق على ما جاء بالقول علينا الهدى والضلال، وذلك لأن الضلال من الشر.
فالشر لا يُضاف إلى الرب تعالى لا وصفًا ولا فعلًا ولا يتسمى باسمه بوجه من الوجه وإنما يدخل في مفعولاته بطريق العموم. "شفاء العليل" ص ٤٤٧.
(١) "التفسير الكبير" ٣١/ ٢٠٣.
(٢) قد اتفقت رسل الله من أولهم إلى آخرهم، وكتبه المنزلة عليهم على أنه سبحانه يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، وأنه من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأن الهدى والإضلال بيده لا بيد العبد، وأن العبد هو الضال أو المهتدي، فالهداية والإضلال فِعلُه سبحانه وقدره، والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه. "شفاء العليل" ص ١١٧.
(٣) بهذا قال الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٢٦، والسمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٨٥.
(٤) "النكت والعيون" ٦/ ٢٨٩.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ).
وهو قول الفراء (١).
والمعنى: لنا ملك الدارين، نعطي منهما من نشاء، فليطلبا منا.
ويجوز أن يكون معنى الإخبار عن كونهما إيجاب التسليم (٢) لأمره، فإنهما (٣) له، يفعل فيهما مَا يشاء، فمن شاء أعطى من الدنيا، ومن شاء (حرمه، ومن شاء) (٤) أُدخل الجنة، ومن شاء أُدخل النار، لا راد لمشيئته، ولا ناقض لحكمه.
ولما ذكر هذا أخبر عن إبانته طريق الهدى بالإنذار على الكفر بالنار، فقال:
١٤ - ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ﴾ قال مُقاتل: يريد أهل مكة (٥).
﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى﴾ تتوقد وتتوهج وتتلهب، يقال: تلظت النار تتلظى تلظيًا. ومنه سميت جهنم لظى (٦)، وقد مر (٧) ثم بين أنها لمن هي بقوله:
١٥ - ﴿لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى﴾ يعني إلا من كان شقيًا في علم الله. قاله الفراء (٨).
وقال ابن عباس: يريد أمية بن خلف، ونظراءه الذين كذبوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء قبله (٩).
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧١ قال: لثواب هذه، وثواب هذه.
(٢) في (أ): (السليم).
(٣) في (أ): (أنهما).
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله. وورد بمثله في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٦.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" ١٤/ ٣٩٥، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢٠٣. والقول: (تلظى) تتوقد، وتتوهج، قال به الزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٦.
(٧) في سورة المعارج: ١٥.
(٨) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٢ بنصه.
(٩) "التفسير الكبير" ٣١/ ٢٠٣.
وقال الحسن: يعني المشرك (١)، ويدل عليه قوله:
١٦ - ﴿الَّذِي كَذَّبَ﴾ أي كذب الرسول، والقرآن (٢). ﴿وَتَوَلَّى﴾ أعرض عن الإيمان (٣).
فإن قيل: أليس غير المشرك يدخل النار، وهذه الآية تدل على أنه لا يدخلها إلا (المكذب الكافر؟ والجواب عنه من وجوه:
أحدهما: أن هذا ورد في درك مخصوص من أدراك جهنم؛ لا يحله إلا) (٤) من كان بهذه الصفة، وهي: دركات، ولأهل النار منها منازل، (وهذا قول أبي إسحاق (٥)) (٦).
والثاني: أن هذا على الاختصار بحذف ذكر العصاة من غير المشركين، بدليل الآي الآخر، على أن معنى قوله: ﴿لَا يَصْلَاهَا﴾ لا يلزمها في حقيقة اللغة، يقال: صلى الكَافر النار إذا لزمها مقاسيًا شدتها وحرهَا (٧)، لعل هذا الأصل مما سبق بيانه (٨)، ولا يلزم النار خالدًا فيها إلا المشرك المكذب.
(١) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٢٦.
(٢) بمعناه قال قتادة: كذب بكتاب الله، وتولى عن طاعة الله. "النكت والعيون" ٦/ ٢٩٠.
(٣) وبه قال السمرقندي في: "بحر العلوم" ٣/ ٤٨٥، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٦.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) ورد معنى قوله في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٦.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" ١٢/ ٢٣٨ (صلى).
(٨) نحو ما جاء في سورة الانفطار: ١٥ ﴿يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ﴾.
١٧ - وقوله: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا﴾ أي سنبعدها، ويجعل منها على جانب، يقال: جنبته الشيء أي بعدته وتجنبه عنه (١).
﴿الْأَتْقَى﴾ يعني أبا بكر -رضي الله عنه- في قول الجميع (٢)، قالوا: يزحزح عن النار.
قال مقاتل: الأتقى المخلص بالتوحيد.
(١) انظر: "النهاية" لابن الأثير ١/ ٣٠٣، و"المفردات في غريب القرآن" ص ٩٩.
(٢) نقل الإجماع على ذلك: ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٢، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٨/ ٢٦٥، والفخر الرازي في "التفسير الكبير" ٣١/ ٢٠٥، والشوكاني في "فتح القدير" ٥/ ٤٥٥، نقل ذلك عن الواحدي، وابن عاشور في "التحرير والتنوير" ٣٠/ ٣٩١، وقال ابن كثير: وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وحتى إن بعضهم حكى الإجماع عن المفسرين على ذلك: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٥٦.
قال د. الخضيري: وجميع المفسرين على القول بهذا من غير خلاف بينهم. "الإجماع في التفسير" ٥٢٨، وانظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٢٦، و"معاني القرآن" للفراء ٣/ ٢٧٣، و"معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٥.
وقد ورد قول شاذ قالت به الرافضة، وهو أنها نزلت في علي بن أبي طالب، وقد ردّ قولهم بما هو شاف كاف. انظر: الرازي في "التفسير الكبير" ٣١/ ٢٠٥.
قال د. الخضيري: بعد أن ذكر قول الرافضة المخالف لإجماع المفسرين، ولم أنقل رأيهم ليعترض به على إجماع المفسرين؛ بل ليعرف ويطلع عليه "الإجماع في التفسير" ٥٢٨.
وعليه فما ذهب إليه الإمام الواحدي من قول بالإجماع صحيح، ويقرر منهجه في حكايته للإجماع، فالشاذ نحو هذا لا عبرة له عنده، والذي ينبغي التنبيه عليه هو أن الآية خاصة بنزولها، عامة بلفظها. قال ابن كثير: ولا شك أنه دخل فيها يعني أبا بكر- وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف، وسائر الأوصاف الحميدة.
"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٥٦.
ثم وصفه فقال:
١٨ - (قوله): ﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ قال أبو إسحاق: يطلب أن يكون عند الله زاكيًا لا يطلب بذلك رياء ولا سمعه (١) يدل عليه قوله:
١٩ - ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى﴾ قال المفسرون (٢): لما اشترى أبو بكر رضي الله عنه بلالًا من صاحبه عبد الله بن جدعَان، وكان قد سلح (٣) على الأصنام، فأسلمه مولاه إلى المشركين ليعذبوه بما فعل،
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٦ بنصه.
(٢) قال بذلك جمع من المفسرين، وعزاه القرطبي إلى الأكثرية من المفسرين: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٠، والروايات عنهم منها ما كان مطولاً، ومنها ما كان مختصرًا، ولكن جميعها تدور على معنى واحد: على قصة إعتاق أبي بكر لبلال، ومقولة المشركين فيه، ونزول الآية في شأنه. انظر ذلك عن:
ما جاء عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه مختصرًا "جامع البيان" ٣٠/ ٢٢٨، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٣٨، وعزاه إلى البزار، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، وابن عدي، وابن مردويه، وابن عساكر و"أسباب النزول" تح، أيمن صالح ص ٣٩٢، "لباب النقول" ص ٢٣٠، وقال الهيثمي: رواه البزار، وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وشيخ البزار لم يسمه. "مجمع الزوائد" ٧/ ١٣٨ سورة الليل. كما ورد عن قتادة بمعناها مختصرًا في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٢٨.
وعطاء عن ابن عباس مطولًا في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٤ أ، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٥، أسباب النزول، تح أيمن صالح ص ٣٩٢.
وعن مقاتل مختصرًا في: "بحر العلوم" ٣/ ٨٥.
وعن عروة بن الزبير في:"الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٤ أبمعناه، انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٦، "لباب النقول" ٢٣٠.
وعن سعيد بن المسيب، وابن مسعود بمعناه، انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٨٩، و"لباب التأويل" ٤/ ٢٨٥، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٣٨.
كما وردت الرواية في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٢، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢٠٦.
(٣) سلح: من السلاح -بالضم-: النجو، وقد سلح كمنع، وأسلحه، وناقة سالح: =
فكانوا يعذبونه في الرمضاء (١)، وقد وضعوا على صدره صخرة، فاشتراه أبو بكر وأعتقه، فقال المشركون: مَا فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت عند بلال، أراد أن يجزيه بها، فقال الله تعالى: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى﴾.
قال ابن عباس: يريد مَا لبلال عند أبي بكر نعمة يجزيه بها (٢).
والمعنى: (لم يفعل ذلك مجازاة ليد أسديت إليه) (٣)، ولكنه ابتغى بذلك وجه الله، وهو قوله:
٢٠ - ﴿إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾ (أي إلا طلب ثواب الله) (٤)
قال أبو عبيدة: "إلا ابتغاء" (٥) استثناء من النعمة، كما يُستثنى الشيء وليس منه (٦).
قال الفراء: وهذا على اختلاف ما قبل "إلا" ومَا بعدها، والعرب تقول: مَا في الدار أحد إلا أكلبًا وأحمرةً، وهذا كقوله: ﴿إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ [النساء: ١٥٧]
كقول (٧) النابغة:
.... وما بالرَّبعِ من أحدِ
= سلحت من البقل. انظر: "القاموس المحيط" ١/ ٢٢٩ (سلح). والنجو: ما يخرج من البطن. مختار "الصحاح" ٦٤٨ (نجو).
(١) الرمضاء: الأرض الشديدة الحرارة "القاموس المحيط" ٢/ ٣٣٢ (رمض).
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) ما بين القوسين من قول الزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٦.
(٤) ما بين القوسين من قول الزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٧.
(٥) في (أ): (ابتغاء)، وغير واضحة في (ع)، وأئبت ما غلب على ظني صحته. والله أعلم.
(٦) "مجاز القرآن" ٢/ ٣٠ بنحوه.
(٧) في (ع): (وكقول).
90
إلا الأواريَّ (١)
وهي لغة أهل الحجاز (٢).
وذكر الفراء وجهًا آخر، وهو: أن يضمر الإنفاق على تقدير: ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، وهذا كقوله: ﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٢] (٣). وقد مر.
ومعنى ﴿الْأَعْلَى﴾: الأجل بصفاته التي لا يوارى فيها، فهو الأقدر،
(١) لم يذكر الفراء قول النابعة بل استشهد بقول عامر بن ثابت جران العود:
وبلدة ليس بها أنيس... إلا اليعافير وإلا العيس
واستشهد ببيت النابغة عند تفسيره الآية ١٤ من سورة النساء، وآية ٩٨ من سورة يونس: "معاني القرآن" ١/ ٢٨٨، ٤٨٠ من مطلع قصيدة يقول فيها:
يا دارَ مَيَّةَ بالعلياءِ فالسَّنَدِ... أقوتْ وطالَ عليها سَالفُ الأبَدِ
ثم يقول:
وَقَفْتُ فيها أصَيْلانا أسائِلها... عَيَّتْ جوابًا وما بالرَّبْع من أحَدِ
إلا الأوَارِيّ لأيا ما أبينها... والنُؤىُ كالحْوضِ بالمظلُومَة الجَلدِ
"ديوانه" ص ٣٠، المؤسسة العربية. كما ورد في "الأصول في النحو" للسراج ١/ ٢٩٢.
موضع الشاهد "الأواري" استثناه من "الناس" على البدل، وأصله من الاستثناء المنقطع، فأوجب نصبه على لغة الحجاز، وقد جمع فيها ثلاثة أحرف للنفي: إن، ولا، وما، ومعنى البيت: وصف أنه مَرَّ بالدار عشيًا قصيرًا، فوقف فيها وسألها عن أهلها، وأصيلان: تصغير أصيل، وهو بالعشي، وعيت جوابًا: أعيت بالجواب، فلم تجبني، والربع: منزل القوم، والأواري: محابس الخيل، والنؤْيُ: حاجز من تراب يوضع فوق الخباء لئلا يدخل السيل، والمظلومة: الأرض التي لم تمطر فجاءها السيل فملأها، والجَلَدٌ: الأرض الصلبة، واللأى البطء. "شرح أبيات معاني القرآن" ص ١١٧ ش ٢٤٥ - ٢٤٦.
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٣ بتصرف.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٣ بتصرف.
91
الأغلب الأظهر بالحجة والقوة (١).
ثم وعد أبا بكر أن يرضيه في الآخرة بثوابه، فقال:
(١) هذا قصر من الواحدي للآية على بعض معانيها، وما ذكره حق، ولكنه أغفل بناء على مذهبه الأشعري ما دلت عليه الآية من إثبات العلو لله تعالى؛ أي علو الذات، كما دلت النصوص المتواترة على ذلك، فهو تعالى فوق خلقه على العرش استوى. والذي ينبغي عليه في الإيمان بأسماء الله وصفاته لتسلم عقيدته يلزمه أمران:
أحدهما: إثبات تلك الصفات؛ لأنها وردت في الكتاب والسنة، فقد صار مصدرهما الوحي، لأن هذا الإثبات لها هو لازم الإيمان.
والثاني: هو الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى ليس له شبيه ولا مثيل فيما يتصف به من تلك الصفات، وهذا أيضًا تحقيق لقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، وأن الانطلاق من هاتين القاعدتين في باب الأسماء والصفات، هو المسلك الصحيح، والمنهج السليم، وبه يتحقق الاتباع الكامل، والانقياد الحق، والاستجابة الواعية لما قاله الله تعالى، أو نطق به النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن أي مساس بهاتين القاعدين يوصل إلى انحراف خطير في فهم أخطر قضية من قضايا الاعتقاد في باب أسماء الله وصفاته. نقلًا عن: علاقة الإثبات والتفويض بصفات رب العالمين د. رضا نعسان ص ١١. وعليه فتفسير الأعلى من هذه السورة على ضوء الكتاب والسنة على هذا النحو الآتي: قال تعالى: ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: ٢٥٤]، وقوله: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى: ١]، وقوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد: ١٣]، وذلك دال على أن جميع معاني العلو ثابتة لله من كل وجه، فله علو الذات، فإنه فوق المخلوقات، وعلى العرش استوى، أي علا وارتفع، وله علو القدر، وهو علو صفاته وعظمتها، فلا يماثله صفة مخلوق؛ بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، قال تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾، وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته، وله علو القهر فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم، وذلك لكمال اقتداره ونفوذ مشيئه، وشدة افتقار المخلوقات كلها له من كل وجه. =
92
قوله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ قال ابن عباس: يعطيه الله في الجنة حتى يرضى (١). وقال مقاتل: يرضى بثواب الله في الآخرة (٢). وقال أبو إسحاق أي: سيدخل الجنة كما قال: ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ [الفجر: ٢٩ - ٣٠] (٣).
= "شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة" ص ٧٨ - ٨٠.
وانظر: "الحق الواضح" ص ٢٦، و"شرح القصيدة النونية" للهراس ٢/ ٦٨.
مما سبق شرحه، وبالمقابلة مع قول الإمام الواحدي يدل على أن الواحدي أثبت علو القدر فقط، والذي ينبغي عليه إثبات العلو بأنواعه الثلاثة. والله أعلم.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بمثله من غير عزو في: "معالم التنزيل " ٤/ ٤٩٧، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨٥.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٧.
93
سورة الضحى
95
Icon