ﰡ
مدنيّة وهى ثلاث وسبعون اية قال أبيّ بن كعب لذرّكم تعدون سورة الأحزاب قال ثلاثا وسبعين اية قال فو الذي يحلف به أبيّ ان كانت لتعدل سورة البقرة او أطول ولقد قرأنا منها اية الرجم الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله والله عزيز حكيم- ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال ان اهل مكة منهم الوليد بن المغيرة وشيبة ابن ربيعة دعووا النبي ﷺ الى ان يرجع عن قوله على ان يعطوه شطرا من أموالهم وخوّفه المنافقون واليهود بالمدينة ان لم يرجع قتلوه فانزل الله تعالى.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ الاية ناداه بالنبي ولم يقل يا محمد وامره بالتقوى تعظيما وتفخيما لشأن التقوى- وقال البغوي نزلت الاية فى ابى سفيان بن الحرب وعكرمة ابن ابى جهل وابى الأعور عمرو بن سفيان السلمى وذلك انهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين بعد قتال أحد وقد أعطاهم النبي ﷺ الامان على ان يكلموه- فقام معهم عبد الله بن ابى سعد وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبى ﷺ (وعنده عمر بن الخطاب) ارفض ذكر الهتنا اللات والعزى ومناة وقل ان لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربك فشق على النبي ﷺ قولهم فقال عمر يا رسول الله ايذن لى فى قتلهم فقال انى قد اعطيتهم الامان فقال اخرجوا فى لعنة الله وغضبه فامر النبي ﷺ ان يخرجوهم من المدينة فانزل الله تعالى هذه الاية- قيل الخطاب مع رسول الله ﷺ والمراد به الامة وقال الضحاك معناه اتق ولا تنقض العهد الذي بينك وبينهم وقيل الخطاب للنبى صلى
وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ من التوحيد والإخلاص لله هذه الجملة بمنزلة التأكيد للتقوى وعدم إطاعة الكفار إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢) قرأ ابو عمرو بالياء فى يعملون خبيرا... يعملون بصيرا للغيبة والضمير عائد للكافرين والمنافقين يعنى ان الله خبير بمكائدهم يجازيهم عليها وقرأ الباقون بالتاء خطابا للنبى ﷺ وأصحابه فان الأمر بالتقوى وان كان بصيغة الواحد لكن المراد هو وأمته وعلى هذا الجملة تأكيد لامتثال الأمر طمعا فى حسن الجزاء وخوفا عن قبحه.
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ اى ثق به وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (٣) موكولا اليه الأمور كلها تذييل وقال الزجاج عطف على توكل لفظه خبر ومعناه امر اى اكتف بالله وكيلا تميز من النسبة اى اكتف بالله وكيلا يعنى اكتف بوكالته وفى صيغة الأمر اشعار على التعليل للامر بالتوكل والاكتفاء يعنى من كان الله مع كمال علمه وقدرته ورحمته موكولا اليه أموره لا يحتاج الى توكيل غيره فتوكيل أموره الى غيره سفه والله اعلم.
ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ من زائدة وهو فى محل النصب على انه مفعول أول لجعل ولرجل مفعوله الثاني فِي جَوْفِهِ ظرف لغو او صفة لقلبين اعلم ان القلب معدن للروح الحيواني ومنبع للقوى بأسرها وذلك يمنع التعدد إذ لو كان لرجل قلبان فاما ان يفعل بكل واحد منهما شيئا واحدا من افعال القلوب فالثانى فضلة لا حاجة اليه واما ان يفعل بكل واحد غير ما يفعل به الاخر وحينئذ يفضى الى التناقض ذكر البغوي وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن السدىّ وابن نجيح عن مجاهد انها نزلت فى ابى معمر جميل بن معمر الفهري كان رجلا لبيبا حافظا لما يسمع فقالت قريش ما حفظ ابو معمر هذه الا وله قلبان وكان يقول ان لى قلبين اعقل بكل واحد منهما أفضل مما عقل محمد- فلما انهزم قريش يوم بدر وانهزم فيهم ابو معمر لقيه ابو سفيان واحدي نعليه فى يده والاخرى برجله فقال له يا أبا معمر ما حال الناس قال انهزموا قال مالك احدى نعليك بيدك والاخرى
الله عليه وسلم أعتق زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي وتبنّاه قبل الوحى وأخا بينه وبين حمزة بن عبد المطلب- فلما تزوّج رسول الله ﷺ زينب بنت جحش بعد ما طلقه زيد وكانت امرأته وقال المنافقون تزوج محمد امراة ابنه وهو ينهى عن ذلك انزل الله تعالى هذه الاية ذلِكُمْ اشارة الى كل ما ذكر قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ يعنى لا حقيقة لها فى الأعيان كقول الهاذىّ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ يعنى ماله حقيقة فى الأعيان تطابق قوله وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) اى يرشد الى سبيل الحق- روى الدارمي عن عائشة قالت جاءت سهلة بنت سهل بن عمرو (وكانت تحت ابى حذيفة بن عتبة ابن ربيعة) عند رسول الله ﷺ فقالت ان سالما مولى ابى حذيفة يدخل علينا وانا فضل «١» وانما نراه ولدا وكان ابو حذيفة تبنّاه كما تبنى النبي ﷺ زيدا فانزل الله تعالى.
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ يعنى انسبوهم الى ابائهم الذين خلقوا من نطفهم افراد للمقصود من أقواله الحقة هُوَ الدعاء لابائهم أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ تعليل لقوله ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ واقسط اسم تفضيل أريد به الزيادة مطلقا من القسط بمعنى العدل ومعناه البالغ فى الصدق واخرج البخاري عن ابن عمر قال ما كنا نقول زيد بن الحارثة الا زيد بن محمد ﷺ حتى نزل القران ادعوهم لابائهم هو اقسط عند الله فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ حتى تنسبوا اليه فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ اى فهم إخوانكم فى الدين وأولياءكم فقولوا هذا أخي فى الدين ومولائى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ اى اثم فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ اى فيما نسبتم المتبنّى الى المتبنّى مخطئين قبل النهى او بعده على النسيان او سبق اللسان وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ
قال البغوي قيل كان رسول الله ﷺ يدعو الناس الى الجهاد فيقول قوم نذهب فنستأذن من ابائنا وأمهاتنا فنزلت.
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعنى من بعضهم لبعض فى نفوذ الحكم عليهم ووجوب طاعته عليهم فلا يجوز
عدم وارث مؤمن والله اعلم كانَ ذلِكَ اى ما ذكر فِي الْكِتابِ اى فى اللوح المحفوظ او القران وقيل فى التورية مَسْطُوراً (٦) ثابتا مرقوما.
وَاذكر إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ أجمعين مِيثاقَهُمْ عهودهم حين اخرجوا من صلب آدم قال أخذ الله ميثاقهم على ان يعبدوا الله ويدعوا الناس الى عبادته وينصر بعضهم بعضا وينصحوا لقومهم وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ خصهم بالذكر بعد التعميم لفضلهم لكونهم اصحاب الشرائع والكتب واولى العزم من الرسل وقدم النبي ﷺ عليهم فى الذكر تعظيما له واشعارا بما اخبر عنه صلى الله
لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ اى فعلنا ذلك ليسئل الله يوم القيامة الأنبياء الذين صدقوا عهودهم عمّا قالوه لقومهم او عن تصديقهم إياهم تبكيتا لهم او المصدقين لهم عن تصديقهم فان مصدق الصادق صادق او المؤمنين الذين صدقوا عهودهم حتى اشهدهم على أنفسهم عن صدقهم عهدهم وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨) عطف على أخذنا من جهة ان بعثة الرسل وأخذ الميثاق منهم لاثابة المؤمنين او على ما دل عليه قوله لِيَسْئَلَ كانّه قال فاثاب للمؤمنين وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً....
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ ظرف لنعمة جُنُودٌ اى كفار قريش وغطفان ويهود قريظة كانوا زهاء اثنى عشر الف حتى حاصروا المسلمين مع رسول الله ﷺ وحفر رسول الله ﷺ خندقا حولهم فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً يعنى الصبا روى البخاري عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور أرسل الله عليهم ريحا باردة فى ليلة شاتية فقطعت الأوتاد واطناب الفساطيط واطفأت النيران واكفأت القدور وجالت الخيل بعضها فى بعض وَجُنُوداً من الملائكة لَمْ تَرَوْها حتى كثر تكبير الملائكة فى جوانب عسكرهم والقى الرعب فى قلوبهم حتى كان سيد كل قوم يقول يا بنى فلان هلموا الىّ فاذا اجتمعوا عنده قال النجا النجا أبيتم فانهزموا من غير قتال ولم تقاتل الملائكة يومئذ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ ايها المؤمنون من حفر الخندق والتهيؤ للقتال هذا على قراءة الجمهور واما على قراءة البصريين فالمعنى وكان الله بما يعمل المشركون من التحزب
قال البغوي قال محمد بن إسحاق حدثنى يزيد بن رومان مولى ال الزبير عن عروة بن الزبير وعن عبد الله بن كعب بن مالك وعن الزهري وعاصم بن عمرو بن قتادة وعن عبد الله بن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعن محمد بن كعب القرظي وغيرهم من علمائنا دخل حديث بعضهم بعضا ان نفرا من اليهود منهم سلام بن ابى الحقيق وحيى بن اخطب وكنانة بن الربيع بن ابى الحقيق وهودة بن قيس وابو عامر الوائىّ فى نفر من النضير ونفر من بنى وائل (وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم الى حرب رسول الله ﷺ وقالوا انا سنكون معكم عليه حتى نستأصله فقال لهم قريش يا معشر اليهود انكم اهل الكتاب الاول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد فديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم اولى بالحق منه (قال فهم الذين انزل الله فيهم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الى قوله وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) فلمّا قالوا ذلك لقريش سرهم ما قالوا ونشطو الى ما دعوهم اليه من حرب رسول الله ﷺ فاجمعوا لذلك- ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان من قيس بن غيلان فدعوهم الى ذلك واخبروهم انهم سيكونون معهم عليه وان قريشا قد بايعوهم فاجابوهم.
قلت روى انه كان رجال بنى نضير وبنى وائل نحوا من عشرين رجلا فقال لهم ابو سفيان بن حرب مرحبا بكم أحب الرجال عندنا من عاهدنا على عداوة محمد فقالوا لابى سفيان اختر لنا خمسين رجلا من بطون قريش وتكون منهم حتى ندخل نحن وأنتم فى أستار الكعبة ونلزق صدورنا بجدران الكعبة ثم نحلف على ان نتفق على عداوة محمد وتكون كلمتنا واحدة ونتعاهد على ان نحارب محمدا ما بقي منا رجل
قلت روى ان أبا سفيان جمع العسكر اربعة آلاف رجل واعطى رأيته عثمان بن ابى طلحة وكان فى عسكرهم ثلاث مائة فرس والف بعير حين خرجوا من مكة ونزلوا مر الظهران واجتمع هناك اسلم وأشجع وبنو مرّة وبنو كنانة وفزارة وغطفان حتى صاروا عشرة آلاف وساروا بأجمعهم الى المدينة ولذلك سمى غزوة الأحزاب.
قال البغوي فلمّا سمع رسول الله ﷺ وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة وكان الذي أشار على رسول الله ﷺ سلمان الفارسي وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله ﷺ وهو يومئذ حر فقال يا رسول الله انا كنا بفارس إذا حصرنا خندقنا علينا فعمل فيه رسول الله ﷺ حتى أحكموه قلت روى انه ﷺ لما سمع الخبر قال حسبنا الله ونعم الوكيل وجمع أسراء المهاجرين والأنصار واستشارهم فى ذلك وأشار سلمان بضرب الخندق فاستحسنه رسول الله ﷺ واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وخرج غازيا واعطى لواء المهاجرين زيد بن حارثة ولواء الأنصار سعد بن عبادة وخرج معه ثلاثة آلاف من المهاجرين والأنصار- قلت روى ان معهم ستة وثلاثون فرسا وخرج معه صبيان لم يبلغوا الحلم فردهم الى المدينة من كان منهم لم يبلغ خمسة عشر سنة وأجاز منهم للقتال من كان منهم ابن خمسة عشر سنة منهم عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وابو سعيد الخدري وبراء بن عازب فطلب رسول الله ﷺ موضعا لاجل الخندق فى بعض أطراف المدينة فاختار موضعا بقرب جبل
قال عمر بن عوف كنت انا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار فى أربعين ذراعا فحفرنا حتى إذا كنا بجنب ذى باب اخرج الله من بطن الخندق صخرة مردة كسرت حديدنا وشقت علينا فقلت يا سلمان ارق الى رسول الله ﷺ وأخبره خبر هذه الصخرة فان راى ان نعدل عنها فان المعدل قريب واما ان يأمرنا بامره فانا لا نحب ان نجاوز خطه فرقى سلمان الى رسول الله ﷺ وهو ضارب عليه قبة تركية- قال فخرجت صخرة بيضاء من مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيبك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها بامرك فانا لا نحب ان نجاوز خطك فهبط رسول الله ﷺ مع سلمان الخندق والتسعة التي فى الخندق فاخذ رسول الله ﷺ المعول من سلمان فضربها به ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكانّ مصباحا فى بيت جوف مظلم فكبّر رسول الله ﷺ تكبير فتح وكبّر المسلمون ثم ضربها رسول الله ﷺ الثانية فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكانّ مصباحا فى جوف بيت مظلم فكبّر رسول الله ﷺ تكبير فتح وكبر المسلمون ثم ضربها- فاخذ بيد سلمان ورقي فقال سلمان بابى أنت يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط فالتفت رسول الله ﷺ الى القوم فقال رأيتم ما يقول سلمان قالوا نعم قال ضربت ضربتى الاولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لى قصور الحيرة ومدائن كسرى كانها أنياب الكلاب وأخبرني جبرئيل عليه السّلام ان أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربة الثانية فبرق الذي رايتم أضاءت لى منها قصور الحمرة من الروم كانها أنياب الكلاب فاخبرنى جبرئيل ان أمتي
روى البخاري فى الصحيح عن انس قال خرج رسول الله ﷺ الى الخندق فاذا المهاجرون والأنصار يحفرون فى غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك فلمّا راى ما بهم من النصب والجوع قال
ان العيش عيش الاخرة... فاغفر الأنصار والمهاجرة
فقالوا مجيبين له
نحن الذين بايعوا محمّدا... هلى الجهاد ما بقينا ابدا
وروى ايضا فى الصحيح عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله ﷺ رايته ينقل تراب الخندق حتى وارى على الغبار جلد بطنه وكان كثير الشعر فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل من التراب يقول
اللهم لولا أنت ما اهتدينا... ولا تصدقنا ولا صلينا
فانزل سكينة علينا... وثبت الاقدام ان لاقينا
ان الاولى قد بغوا علينا... إذا أرادوا فتنة أبينا
ثم يمدّ صوته بآخرها وفى رواية والله لولا الله ما اهتدينا الى آخره قلت وروى ان سلمان كان رجلا قويا يعمل فى الخندق عمل عشرة من الرجال ويروى انه كان يحفر الخندق كل يوم خمسة اذرع فى عمق خمسة اذرع فاصابه عين من قيس بن ابى صعصعة فصرع فامر رسول الله ﷺ قيسا ان يتوضأ لسلمان ويجعل وضوءه فى اناء ويضل به سلمان ويلقى الإناء خلفه منكوسا ففعلوا ذلك فبرئ سلمان.
(٢) اى لان ورطب وتمكن من الخبز- منه رح
(٣) اى طعاما يدعو اليه الناس واللفظ فارسية- نهاية جزرى منه رح [.....]
(٤) حى هلا كلمة استدعاء فيها حث اى هلموا مسرعين- نهاية منه رح
(٥) ويح كلمة ترحم- منه رح
(٦) اى جعل الله بك كذا وكذا او فعل بك كذا وكذا والموحدة متعلق بمحذوف ١٢ نهاية منه رح
(٧) اى تفلى وتفور- منه رح-
قال البغوي رجعنا الى حديث ابن إسحاق فلما فرغ رسول الله ﷺ من الخندق أقبلت قريش بمجتمع الاخبال من دومة الجرف والغابة فى عشر آلاف من أحابيشهم «١» ومن تابعهم من اهل التهامة وأقبلت غطفان ومن تابعهم من اهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمى الى جانب أحد- وخرج رسول الله ﷺ والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم الى سلع فى ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هنا لك عسكره والخندق بينه وبين القوم وامر بالذراري والنساء فرفعوا الى الآطام. «الاجنبية المرتفعة كالحصون- نهادينه رح» وخرج عدو الله حيى ابن اخطب من بنى النضير حتى اتى كعب بن اسد القرظي صاحب عقد بنى قريظة وعهدهم وكان قد وادع رسول الله ﷺ على قومه وعاهده ذلك فلما سمع كعب بحيي بن اخطب غلق دونه حصنه فاستأذن عليه فابى ان يفتح له فناداه حيى يا كعب افتح لى فقال ويحك يا حيى امر اشوم انى قد عهدتّ محمدا فلست بناقض ما بينى وبينه ولم أر منه الا الوفاء والصدق قال ويحك افتح أكلمك قال ما انا بفاعل قال والله ان غلقت دونى الا لخشيتك ان أكل معك منها فاحفظ الرجل ففتح له الباب فقال يا كعب جئتك بعز الدهر ببحر «اى مرتفع منه رح» طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى انزلتهم بمجتمع الاسبال من دومة وغطفان على قادتها وسادتها حتى امسى بذنب نقمى الى جانب أحد فتعاهدونى وتعاقدونى ان لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه فقال كعب بن اسد جئتنى والله بذل الدهر وبجهام قد أهرق «اى صب ١٢ منه رح» ماؤه برعد وبرق ليس فيه شىء فدعنى ومحمدا وما انا عليه فانى لم ار من محمّد الا صدقا ووفاء فلم يزل حيى بن اخطب بكعب يقتله «٢» فى الذروة والغارب حتى سمح له على ان أعطاه من الله عهدا وميثاقا لان رجعت قريش ولم يصيبوا محمدا ان ادخل معك فى حصنك حتى يصيبنى ما أصابك- فنقض كعب بن اسد عهده وبرئ ممّا كان
(٢) يفتله فى الذروة والغارب هذا مثل وأصله فى البعير يستصعب عليك فتأخذ القراد من ذروته وغاب سنامه وتفتل هناكه فيجد البعير مهرة فيستأنس عند ذلك فضرب هذا الكلام مثلا فى المراوضة والمخاتلة والذروة والغارب أعلى ظهر البعير يعنى لم يخل يخدعه ١٢ منه رحمه الله-
(٢) العضل المنع والشدة- منه رح
(٣) اى ظهر النفاق- منه رح.
قال البغوي فاقام رسول الله ﷺ واقام المشركون عليه بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر ولم يكن بين القوم حرب الا الرمي بالنبل والحصى- فلمّا اشتد البلاء على رسول الله ﷺ أرسل الى عيينة بن حصين وابى الحارث ابن عمرو وهما قائدا غطفان فاعطاهما ثلث ثمار المدينة على ان يرجعا بمن معهما عن رسول الله ﷺ بأصحابه فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم يصنع الشهادة وذكر رسول الله ﷺ لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة واستشارهما فيه فقالا يا رسول الله أشيء أمرك الله به لا بد لنا من عمل به أم امر تحبه فتصنعه أم شىء تصنعه لنا قال بل لكم والله ما اصنع ذلك الا انى رايت العرب قدر منكم عن قوس واحدة وكالبوكم «١» من كل جانب فاردتّ ان اكسر عنكم شوكتهم فقال لهم سعد بن معاذ قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون ان يأكلوا تمرة الا قرى او بيعا فحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ومالنا بهذا حاجة والله لا تعطهم الا السيف حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وبينهم فقال رسول الله ﷺ فانت وذلك فتناول سعد الصحيفة فمحى ما فى الكتاب ثم قال ليجتهدوا علينا قلت وروى ان أسيد ابن حضير قال ذلك لرسول الله ﷺ اولا ثم قال مثله سعد وسعد وكان عيينة بن حصين أطال رجله فى ذلك المجلس فقال له أسيد يا عين الهجرس اطو رجلك ولولا مهابة مجلس رسول الله ﷺ لوضعت رمحى فى خاسرتك فانقلب عيينة والحارث خائبين وعلموا ان لا يكون لهم سلطان على المدينة وحيث راوا قوة الأنصار وشدتهم تزلزلوا- قال البغوي فاقام رسول الله ﷺ وعدوهم فحاصروهم ولم يكن
قالت عائشة أم المؤمنين كنا يوم الخندق فى حصن بنى حارثة وكان احرز حصون المدينة وكان سعد بن معاذ معنا فى الحصن وذلك قبل ان يضرب علينا الحجاب فخرج سعد ابن معاذ وعليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها وبيده حربقة «١» وهو يقول
يا ليت قلاملا يدرك الهيجاء جمل | لا بأس بالموت إذا حان الاجل |
وروى عن أم سلمة ان رسول الله ﷺ كان يحرس بنفسه الكريمة وكان البرد شديدا فكان رسول الله ﷺ فى ليلة من الليالى صلى فى خيمته ثم ذهب يحرس فقال هؤلاء فرسان المشركين حول الخندق فنادى عباد بن بشير فقال لبيك يا رسول الله فقال هل معك أحد فقال نعم رجال من قومى يحرسونك فقال اذهب برجال قومك فان رجالا من المشركين حول الخندق يريدون ان يبيتوا وقال رسول الله ﷺ اللهم ادفع عنا شرهم وانصرنا عليهم فذهب عباد بن بشير بأصحابه الى الخندق فاذا ابو سفيان ورجال من المشركين دخلوا فى مضيق الخندق والمسلمون يرمونهم بالسهام والحجارة فلحقهم عباد بن بشير قال عباد فرميتهم مع المؤمنين حتى انهزم المشركون فرجعت الى رسول الله ﷺ وهو يصلى فلمّا فرغ من الصلاة أخبرته الخبر فقالت أم سلمة فنام رسول الله ﷺ حتى سمعت صوته ولم ينتبه حتى اذن بلال للصبح فخرج فصلى بالناس وكانت أم سلمة تقول اللهم ارحم عباد بن بشير وعن أم سلمة
وروى ان يوما من الأيام اجتمعت الكفار وأخذوا حوالى الخندق وحاربوا حربا شديدا حتى غابت الشمس ولم يجد النبي ﷺ فرصة للصلوة حتى فات عنه صلوة الظهر والعصر والمغرب فصلاها فى وقت العشاء- روى الترمذي والنسائي عن ابى عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود انه قال ان المشركين شغلوا رسول الله ﷺ عن اربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فامر بلالا فاذّن ثم اقام فصلى الظهر ثم اقام فصلى العصر ثم اقام فصلى المغرب ثم اقام
(مسئلة) إذا فاتت صلوات يوذّن للاولى ثم يقيم لكل صلوة والاولى ان يؤذّن ويقيم لكل صلوة كما يدل عليه حديث البزار والله اعلم.
ولمّا اشتد البلاء على المؤمنين دعا رسول الله ﷺ على الكفار فاستجاب الله دعاءه روى البخاري فى الصحيح عن عبد الله بن ابى اوفى قال
قال البغوي ثم نعيم بن مسعود بن عامر بن غطفان اتى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله انى قد أسلمت وان قومى لم يعلموا بإسلامي فمرنا بما شئت فقال له رسول الله ﷺ انما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ان استطعت فان الحرب خدعة- قلت وفى رواية قال نعيم يا رسول الله ايذن لى ان أقول ما شئت فاذن له- فخرج نعيم بن مسعود حتى اتى بنى قريظة وكان لهم نديم فى الجاهلية فقال لهم يا بنى قريظة قد عرفتم ودى إياكم خاصة قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم ان قريشا وغطفان جاءوا للحرب قد ظاهرتموهم عليه وان قريشا وغطفان ليسوا كهيئتكم البلد بكدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم ولا تقدرون ان تتحولوا منه الى غيره وان قريشا وغطفان أموالهم وأولادهم ونساؤهم بعيدة ان راوا نهزة وغنيمة أصابوها وان راوا غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به ان خلا بكم فلا تقاتلوا القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من اشرافهم يكون بايديكم ثقة على ان تقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه «١» فقالوا لقد أشرت بنصح ثم خرج حتى اتى قريشا فقال لابى سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش قد عرفتم ودى إياكم وبرائى من محمد وقد بلغني امر رايت حقّا ان أبلغكم نصحا لكم فاكتموا علىّ قالوا نفعل قال لتعلمن ان معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا اليه انا ندمنا على ما صنعنا فهل يرضيكم عنا من القبيلتين قريش وغطفان رجالا من اشرافهم فنعطيكم فيضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم فارسل إليهم ان نعم فاذا بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا من رجالكم فلا تدفعوا
فلمّا كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان ممّا صنع الله لرسوله ان أرسل ابو سفيان ورقة بن غطفان وعكرمة بن ابى جهل فى نفر من قريش وغطفان الى بنى قريظة وقالوا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاعدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ ممّا بيننا وبينه- فارسلوا إليهم اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فاصابهم ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكون بايدينا ثقة لنا حتى تناجز محمدا فانا نخشى ان ضرتكم الحرب واشتد عليكم القتال ترجعون الى بلادكم وتتركونا والرجال فى بلدنا ولا طاقة لنا بذلك من محمد- فلمّا رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان لتعلمن والله ان الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحق فارسلوا الى بنى قريظة والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا فان كنتم تريدون فاخرجوا فقاتلوا- فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا ان الذي ذكر نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم الا ان يقاتلوا فان وجدوا فرصة انتهزوها «اغتنموا ها منه رح» وان كان غير ذلك اشمأزوا «اجتمعوا- منه رح» الى بلادهم دخلوا بينكم وبين الرجل فى بلادكم فارسلوا الى قريش وغطفان اما والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فابوا عليهم فخذل الله بينهم وبعث عليهم الريح فى ليلة شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم.
فلمّا بلغ الى رسول الله ﷺ ما اختلف من أمرهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا روى محمد بن إسحاق عن زيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي وروى غيره عن ابراهيم التيمي عن أبيه قالا قال فتحا من اهل الكوفة لحذيفة بن اليمان يا أبا عبد الله رايتم رسول الله صلى الله عليه وصحبتموه قال نعم يا ابن أخي قال كيف تضعون قال والله لقد كنا نجهر قال الفتى والله لو أدركناه ما تركناه يمشى على الأرض ولحملناه على أعناقنا ولخدمناه وفعلنا فقال حذيفة يا ابن أخي والله لقد رايتنى ليلة الأحزاب مع رسول الله ﷺ فقال من يقوم فيذهب الى هؤلاء
(٢) الاصطلاء الاستدفاء بالنار- منه رح
قلت وعند ابن جرير وابن ابى حاتم عن قتادة لما بعث الله على عسكر المشركين ريحا وكبّرت الملائكة فى جوانب العسكر قال طليحة بن خويلد الأسدي امّا محمد فقد بدأكم بالسحر فالنجا «١» النجا فانهزموا من غير قتال- قلت قال الشيخ عماد الدين بن كثير فى تفسيره انه لولا كان رسول الله ﷺ رحمة للعالمين ما تركت الريح أحدا من الكفار الا جعلته كالرميم كما جعلت عادا الريح العقيم وفى رواية فى حديث حذيفة انه قال لما رجعت من عسكر الكفار الى رسول الله ﷺ رايت فى أثناء الطريق عشرين فارسا بيضاء عمائمهم قالوا لى قل لصاحبك ان الله سبحانه كفاك ودفع عنك شر أعدائك. وروى الشيخان فى الصحيحين عن جابر يقول قال رسول الله ﷺ يوم الأحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير انا ثم قال من يأتينا بخبر القوم قال الزبير انا ثم قال من يأتينا بخبر القوم قال الزبير انا فقال النبي ﷺ ان لكل نبى حوارى وحوارى الزبير وروى البخاري فى الصحيح عن سليمان بن صرد يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول حين اجلى الأحزاب عنه الان نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم- وروى ايضا فى الصحيح عن ابن عمر ان رسول الله ﷺ كان إذا «رجع- منه رح» قفل من الغزو او الحج او العمرة ببلدة يكبر ثلاث مرات ثم يقول لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير آئبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده- قال محمد بن عمر استشهد فى غزوة الخندق ستة رجال من المسلمين وقتل من المشركين ايضا ستة..
إِذْ جاؤُكُمْ بدل من إذ جاءتكم مِنْ فَوْقِكُمْ اى من أعلى الوادي من قبل المشرق وهم اسد وغطفان عليهم مالك بن عوف النظري وعيينة بن حصين الفزاري فى الف من غطفان ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي فى بنى اسد وحيى بن اخطب فى يهود بنى قريظة وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعنى من بطن الوادي من قبل المغرب وهم كنانة
هُنالِكَ اى فى ذلك الوقت ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ اى امتحنوا ليمتاز المخلص من المنافق والثابت من المتزلزل وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وهم معقب بن قشير وعبد الله بن أبيّ وأصحابه وإذ بدل من هنالك.
وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ضعف اعتقاد وجبن ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (١٢) قال البغوي هذا قول اهل النفاق يعدنا محمد فتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع ان يجاوز رحله هذا والله الغرور وأخرجه ابن ابى حاتم عن السدىّ قال فقال رجل يعنى منافق من الأنصار يدعى بشير بن معتب فذكر نحوه.
وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ اى من المنافقين وهو أوس بن قبطى وأصحابه يا أَهْلَ يَثْرِبَ يعنى المدينة وقال ابو عبيدة اسم ارض مدينة رسول الله ﷺ فى ناحية منها قال البغوي ورد فى بعض الاخبار ان النبي ﷺ نهى ان تسمى المدينة يثرب وقال هى طابة كانّه كره هذا اللفظ لانه مشتق من ثربه يثربه وثرّبه وعليه واثربه لامه وعيّره بذنبه والمثرب القليل العطاء كذا فى القاموس لا مُقامَ لَكُمْ قرأ الجمهور بفتح الميم اى لا موضع قيام لكم هاهنا وقرأ حفص بالضم على انه مكان او مصدر من اقام فَارْجِعُوا الى منازلكم عن القتال ورفاقة محمد ﷺ او لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا
وَلَوْ دُخِلَتْ المدينة اى دخل هؤلاء الأحزاب عَلَيْهِمْ فى المدينة او فى بيوتهم وحذف الفاعل ايماء بان دخول هؤلاء الأحزاب وغيرهم فى اقتضاء الحكم المترتب عليه سواء مِنْ أَقْطارِها اى جوانبها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ اى الشرك او مقاتلة المسلمين لَآتَوْها قرأ اهل الحجاز بالقصر اى لجاءوها وفعلوها والباقون بالمد اى لاعطوا ما سئلوا من الفتنة وَما تَلَبَّثُوا بِها اى بالفتنة يعنى بإتيانها واعطائها إِلَّا يَسِيراً (١٤) اى زمانا يسيرا يعنى زمان السؤال والجواب كذا قال اكثر المفسّرين وقيل معناه ما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر الا زمانا قليلا ثم يهلكون او يجلون.
وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ غزوة الخندق لا يُوَلُّونَ عدوهم الْأَدْبارَ اى لا ينهزمون قال يزيد بن رومان وهم بنو حارثة هموا يوم أحد ان يقتلوا بنى سلمة فلمّا نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله ان لا يعودوا لمثلها وقال قتادة هم أناس قد غابوا عن وقعة بدر ولمّا راوا ما أعطاه الله اهل بدر من الكرامة والفضيلة قالوا لئن أشهدنا الله قتالا فلنقاتلنّ فسلق الله إليهم ذلك وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا (١٥) عن الوفاء به يجازى عليه.
قُلْ لهم يا محمّد لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ لانه من حضر اجله لا بد له من ان يموت سواء بالقتل او حتف انفه ومتى لا يحضر اجله لا يموت قطعا وَإِذاً اى إذا فررتم لا تُمَتَّعُونَ فى الدنيا حيّا إِلَّا قَلِيلًا (١٦) اى تمتيعا قليلا او زمانا قليلا وقيل معناه ان نفعكم الفرار فرضا فمتعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتيع الا قليلا لكون الدنيا فانية لا محالة.
قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ اى من عذابه إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً اى عذابا أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً يعنى ومن ذا الذي يصيبكم بسوء ان أراد بكم رحمة فاختصر الكلام كما فى قوله متقلدا سيفا ورمحا وجاز ان يكون حمل الثاني على الاول لما فى العصمة من معنى المنع وَلا يَجِدُونَ
قريبا ينفعهم وَلا نَصِيراً (١٧) يدفع عنهم الضر.
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ من التعويق بمعنى التصريف والعوق الصرف والعائق الصارف عن الخير والمراد الذين يصرفون الناس عن ملازمة النبي ﷺ وهم المنافقون وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ من ساكنى المدينة هَلُمَّ اى قربوا أنفسكم إِلَيْنا ودعوا محمدا فلا تشهدوا معه الحرب فانا نخاف عليكم الهلاك قال قتادة هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يثبّطون أنصار النبي ﷺ ويقولون لاخوانهم ما محمد وأصحابه الا أكلة رأس وكانوا لحما لالتقمه ابو سفيان وابو سفيان وأصحابه دعوا الرجل فانه هالك- وقال مقاتل ان اليهود أرسلت الى المنافقين وقالوا ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد ابى سفيان ومن معه فانهم ان قدروا فى هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا وانا مشفق عليكم أنتم إخواننا وجيراننا هلم إلينا فاقبل عبد الله بن أبيّ وأصحابه على المؤمنين يعوّقونهم ويخوّفونهم بابى سفيان ومن معه وقالوا لان قدروا عليكم لم يستبقوا منكم أحدا ما ترجون من محمد ما عنده خير ما هو الا ان يقتلنا هاهنا انطلقوا بنا الى إخواننا يعنون اليهود فلم يزدادوا المؤمنون بقول المنافقين الا ايمانا واحتسابا فنزلت تلك الاية قوله تعالى وَلا يَأْتُونَ اى المنافقون الْبَأْسَ اى الحرب إِلَّا قَلِيلًا (١٨) اى اتيانا قليلا او زمانا او بأسا قليلا فانهم كانوا يعتذرون ويثبّطون المؤمنين ما أمكن لهم او يخرجون مع المؤمنين ولكن لا يقاتلون الا قليلا رياء وسمعة من غير احتساب ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرا وقيل انه تتمة كلامهم ومعناه ولا يأتى محمد وأصحابه حرب الأحزاب ولا يقادمونهم الا قليلا.
أَشِحَّةً جمع شحيح ونصبها على الحال من فاعل يأتون او المعوّقين او على الذم يعنى بخلا عَلَيْكُمْ بالمعاونة او النفقة فى سبيل الله او الظفر والغنيمة فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ فى احداقهم من الخوف كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ اى كنظر المغشى عليه او كدوران عينيه او مشبهين وشبهة بعينيه وذلك ان من قرب موته وغشيه أسبابه يذهب عقله ويشخص أبصارهم لشدة الخوف فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ قال ابن عباس يعنى نقصوكم وتناولوكم بالنقص و
يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا اى هؤلاء لجبنهم يظنون ان الأحزاب لم يذهبوا ففروا الى داخل المدينة وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ كررة ثانية يَوَدُّوا تمنوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ يعنى لو ثبت انهم خارجون الى البد ويقال بدا يبدا بدوا وبداوة إذا خرج الى البادية فِي الْأَعْرابِ حال من الضمير فى بادون او خبر بعد خبر لان اى كائنون فى الاعراب يَسْئَلُونَ كل قادم من المدينة عَنْ أَنْبائِكُمْ اى عما جرى عليكم جملة يسئلون خبر بعد خبر او حال مترادف او متداخل وجواب لو محذوف يعنى لكان خيرا وَلَوْ كانُوا يعنى هؤلاء المنافقين فِيكُمْ ولم يفروا من عندكم فى هذه الكرة وكان قتال ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (٢٠) رياء وخوفا من التعيير كذا قال مقاتل.
لَقَدْ كانَ لَكُمْ ايها المؤمنون فِي رَسُولِ «١» اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الاسوة معناه القدوة وهو ما يقتدى به والمراد هاهنا ان لكم فى شان رسول الله خصلة حسنة من حقها ان يؤسى بها كالثبات فى الحرب ومقاساة الشدائد- او هو يعنى رسول الله ﷺ لكم قدوة يحسن التأسي به كقولك فى البيضة عشرون منّا حديد اى فى البيضة هذا القدر من الحديد وقيل هو فعلة من الايتساء كالقدوة من الاقتداء اسم وضع موضع المصدر
وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ بقوله تعالى فى سورة البقرة أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ الى قوله أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ فان الاية يتضمن ان المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء ولعل رسول الله ﷺ أخبرهم بوقعة الأحزاب قبل وقوعه وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فيما اخبر به وَما زادَهُمْ تحزب الأحزاب إِلَّا إِيماناً اى تصديقا بما جاء به الرسول عليه السّلام وَتَسْلِيماً (٢٢) لامره وقدره.
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ اى قاموا بما عاهدوا رسول الله من الثبات معه فى القتال مع اعداء الدين من صدقنى إذا قال لك الصدق فان العاهد إذا وفى بعهده فقد صدق فيه فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ اى فرغ من نذره ووفى بعهده فلم يبق فى ذمته شىء ما عاهده يعنى صبر على الجهاد والطاعة حتى استشهد او مات والنحب النذر والنحب ايضا الموت يقال قضى نحبه اى اجله فقتل على الوفاء يعنى حمزة وأشباهه وقيل قضى نحبه اى بذل جهده فى الوفاء بالعهد من قول العرب نحب فلان فى مسيرة يومه وليلته اجمع وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الفراغ من نذره يرجو ان يموت على الوفاء وَما بَدَّلُوا العهد ولا غيروه تَبْدِيلًا (٢٣) شيئا من التبديل روى الشيخان والترمذي وابن ابى شيبة والطيالسي وابن سعد والبغوي عن انس بن مالك ان انس بن النضر عم انس بن مالك غاب عن بدر فشق عليه
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ فى العهود بِصِدْقِهِمْ اى جزاء صدقهم او بسبب صدقهم وهو الوفاء بالعهد وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ ان يموتوا على الكفر والنفاق فيعذبهم أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ان تابوا وأخلصوا دينهم لله قوله لِيَجْزِيَ متعلق بقوله صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ تعليل للمنطوق والمعرض به كانّ المنافقين قصدوا بالتبديل التعذيب كما قصد المخلصون بالوفاء الثواب إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) لمن تاب.
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا اى الأحزاب من قريش وغطفان بِغَيْظِهِمْ اى كائنين بغيظهم متغيظين لعدم نيلهم بما أرادوا لَمْ يَنالُوا خَيْراً اى ظفرا ولا مالا حال بعد حال يتداخل او يعاقب وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بالريح والملئكة وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا فى ملكه على احداث ما يريده عَزِيزاً (٢٥) فى انتقامه.
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ اى عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله ﷺ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وهم بنوا قريظة مِنْ صَياصِيهِمْ اى من حصونهم جمع صيصة وهى ما يحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبى وشوكة الديك والحائك صئصة وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ اى الخوف فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وهم الرجال فعند ابن إسحاق انهم كانوا ست مائة وبه جزم ابو عمرو فى ترجمة سعد بن معاذ وعند ابن عائذ من مرسل قتادة كانوا سبع مائة وقال السهيلي المكثر يقول انهم ما بين ثمان مائة الى تسع مائة وفى حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح انهم كانوا اربع مائة مقاتل فيحتمل فى طريق الجمع ان يقال ان الباقين كانوا اتباعا وقد حكى ابن إسحاق انه قيل انهم كانوا تسع مائة وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦) وهم النساء والذراري وكانوا سبع مائة وخمسين وقيل تسع مائة وذكر فى سبيل الرشاد ان السبي كان الفا من النساء والصبيان.
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ مزارعهم وَدِيارَهُمْ حصونهم وَأَمْوالَهُمْ من النقود والأجناس والمواشي وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها بعد قال مقاتل وابن زيد يعنى خيبر وقال قتادة كنا نحدث انها مكة وقال الحسن فارس والروم وقال عكرمة
(فائدة) وجه الجمع بين حديث صلوة الظهر وصلوة العصر ان طائفة منهم راحت بعد طائفة قيل للطائفة الاولى لا يصلين الظهر الا ببني قريظة وقيل للطائفة الاخرى لا يصلين العصر- وقيل فى وجه الجمع انه ﷺ قال لاهل القوة او لمن كان منزله قريبا لا يصلين أحد الظهر وقال لغيرهم أحد العصر.
(مسئلة) هذا الحديث يدل على ان المجتهد لا اثم عليه ان اخطأ حيث لم يعنف رسول الله ﷺ على أحد من الفريقين من صلّى فى الطريق ومن لم يصل- قال فى زاد المعاد ما حاصله ان كلّا من الفريقين مأجور بقصده الا ان من صلّى فى الطريق جاز الفضيلتين فضيلة امتثال الأمر فى الاسراع فى المشي الى بنى قريظة لان المراد بامره صلى الله عليه وسلم- ان لا يصلوا الا فى بنى قريظة المبالغة فى الاسراع مجازا وفضيلة امتثال الأمر فى المحافظة على الوقت والله اعلم.
ودعا رسول الله ﷺ علىّ بن ابى طالب فدفع اليه لواءه وكان اللواء على حاله لم يحل عن مرجعه من الخندق فابتدره الناس- «اى سارعوا اليه- منه رح» قال محمد بن عمرو بن سعد وابن هشام والبلاذري استعمل رسول الله ﷺ على المدينة ابن أم مكتوم قال محمد بن عمرو خرج رسول الله ﷺ لسبع يقين من ذى القعدة قال البغوي سنة خمس من الهجرة ولبس السلاح والدرع والمغفر والبيضة وأخذ قناه «الرمح- منه رح» بيده وتقلد الترس وركب فرسه اللحيف وحف به أصحابه قد لبسوا السلاح وركبوا الخيل وكانت ستة وثلاثين فرسا فسار فى أصحابه
(مسئلة) هذه القصة تدل على جواز البداية بالقتال فى الشهر الحرام لكن خطبته ﷺ فى حجة الوداع وفيها المنع من القتال فى الأشهر الحرم متاخر عنه ولعل الله سبحانه أحل لرسوله ذلك القتال فى أشهر الحرم كما أباح له القتال فى حرم مكة ساعة من النهار عام الفتح- ويمكن ان يقال ان هذا ليس بداية بالقتال بل كانت البداية من بنى قريظة حيث ظاهروا قريشا ومن معهم والله اعلم روى الطبراني عن ابى رافع وابن عباس ان رسول الله ﷺ لما اتى بنى قريظة ركب على حمار عرى يقال له يعفور والناس حوله- وروى الحاكم والبيهقي وابو نعيم عن عائشة ومحمد بن عمرو عن شيوخه وابن إسحاق ان رسول الله ﷺ مرّ بنفر من بنى النجار بالصّورين «١» فيهم حارثة بن النعمان قد صفوا عليهم السلاح فقال هل مرّ بكم أحد قالوا نعم دحية الكلبي مرّ على بغلة عليها رحاله عليها من إستبرق وأمرنا بحمل السلاح فاخذنا سلاحنا فصففنا وقال هذا رسول الله ﷺ يطلع عليكم الان قال حارثة بن النعمان وكنا صفين فقال رسول الله ﷺ ذاك جبرئيل بعث الى بنى قريظة لتزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب فى قلوبهم وسبق على بن ابى طالب فى نفر من المهاجرين والأنصار وفيهم ابو قتادة روى محمد بن عمر عن ابى قتادة قال انتهينا الى بنى قريظة فلمّا راينا أيقنوا بالشر وغرز علىّ الراية عند اصل الحصن فاستقبلونا فى صياصيهم يشتمون رسول الله ﷺ وأزواجه قال ابو قتادة وسكتنا وقلنا السيف بيننا وبينكم وانتهى رسول الله ﷺ ونزل قريبا من حصنهم على بئرانا «٢» بأسفل حرّة «ارض ذات حجارة- منه رح» بنى قريظة فلمّا راه على رضى الله عنه رجع اليه وأمرني ان الزم اللواء فلزمته وكره ان يسمع رسول الله ﷺ اذاهم وشتمهم فقال يا رسول الله لا عليك ان لا تدنوا من هؤلاء الاخابيث فقال أتأمرني بالرجوع فقال أظنك سمعت منهم أذى قال نعم فقال لوراونى لم يقولوا من ذلك شيئا- فسار
(٢) بالضم وتخفيف النون وقيل بالفتح والتشديد كحتى- منه رح
هو اخبر بصفته عند موته قالوا لا نفارق التورية فلما راى هؤلاء النفر آباءهم نزلوا تلك الليلة فى صبحها فاسلموا وأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم- وقال عمرو بن سعد يا معشر يهود انكم خالفتم محمدا على ما خالفتموه عليه فنقضتم عهده الذي كان بينكم وبينه ولم ادخل فيه ولم اشرككم فى غدركم فان أبيتم فاثبتوا على اليهودية واعطوا الجزية فو الله ما أدرى يقبلها أم لا قالوا فنحن لا نقر للعرب «خرج وخراج ما يؤذى كلّ سنة- منه رح» بخرج فى رقابنا يأخذونه القتل خير من ذلك قال فانى برئ منكم وخرج تلك الليلة مع ابني سعية فمرّ بحرس رسول الله ﷺ وعليهم محمد بن سمة فقال محمد من هذا قال عمرو بن سعد قال محمد اللهم لا تحرمنى
قال اهل المغازي ثم انهم بعثوا الى رسول الله ﷺ ان ابعث إلينا أبا لبابة (أحد بنى عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس) نستشير فى أمورنا فارسله رسول الله ﷺ إليهم فلما راوا قام اليه الرجال وجهش «اى اسرع متباليا ١٦ منه رح» اليه النساء والصبيان يبكون فى وجهه فرقّ لهم فقالوا يا أبا لبابة أترى ان ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده الى حلقه انه الذبح- قال ابو لبابة فو الله ما زالت قدماى حتى عرفت انى خنت الله ورسوله ثم انطلق ابو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله ﷺ حتى ارتبط فى المسجد على عمود من عمده وقال لا أبرح من مكانى حتى أموت او يتوب الله على ما صنعت وعاهدتّ الله ان لا أطأ ارض بنى قريظة ابدا ولا ارى فى بلد خنت الله ورسوله فيه ابدا وبلغ رسول الله ﷺ ذهابى وما صنعت فقال دعوه حتى يحدث الله فيه ما شاء لو كان جاءنى استغفرت فاذا لم يأتنى وذهب فدعوه وانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال ابو لبابة ثم ان الله انزل توبة ابى لبابة على رسول الله ﷺ وهو فى بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول الله ﷺ يضحك فقلت بم تضحك يا رسول الله اضحك الله سنك قال تيب على ابى لبابة فقلت الا أبشره بذلك قال بلى ان شئت قالت فقمت الى باب حجرتى (وذلك قبل ان يضرب عليهن الحجاب) فقلت يا أبا لبابة ابشر فقد تاب الله عليك فثار «اى قاموا- منه رح» الناس ليطلقوه قال لا والله حتى يكون رسول الله ﷺ هو الذي يطلقنى بيده فلمّا مرّ عليه رسول الله ﷺ خارجا الى الصبح أطلقه- روى حماد بن سلمة عن علىّ بن زيد بن جدعان عن على بن الحسين عليهما السلام ان فاطمة عليها السلام جاءت تحله فقال انى حلفت ان لا تحلني الا رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ ان فاطمة بضعة منى- على بن جدعان ضعيف ورواية على بن الحسين مرسلة قال ابو لبابة واذكر رؤيا رايتها فى النوم ونحن محاصرون بنى قريظة كانى فى حماة «طين اسود متغيرة- منه رح» أسنة فلم اخرج منها
رسول الله ﷺ فقالوا يا رسول الله حلفاؤنا دون الخزرج وقد رأيت ما صنعت ببني قينقاع بالأمس حلفاء ابن أبيّ وهبت لهم ثلاث مائة حاسر «من لا وزع له منه رح» واربع مائة دارع «صاحب درع- منه رح» وقد ندم حلفاءنا على ما كان من نقضهم العهد فهبهم لنا ورسول الله ﷺ ساكت لم يكلم حتى أكثروا عليه وألحّوا فقال رسول الله ﷺ اما ترضون ان يكون الحكم فيهم الى رجل منكم قالوا بلى قال فذلك الى سعد بن معاذ وقال ابن عقبة قال رسول الله ﷺ اختاروا من شئتم من أصحابي فاختاروا سعد بن معاذ- وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
(٢) بشين معجمة فنون فذال مفتوحات شبه الا كاف يجعل لمقدمته اعوجاج ١٢ منه رحمه الله
فانصرف رسول الله ﷺ يوم الخميس لتسع ليال وقيل لخمس خلون من ذى الحجة وامر بهم رسول الله ﷺ فحبسوا فى دار رملة بنت الحارث من بنى النجار- فلمّا أصبح رسول الله ﷺ غدا الى سوق المدينة التي هى سوقها اليوم فامر بأخدود فخذت فى السوق ما بين موضع دار ابى الجهم العدوى الى أحجار الزيت بالسوق فكان أصحابه يحضرون وجلس رسول الله ﷺ ومعه أصحابه ودعا برجال بنى قريظة فكانوا يخرجون يضرب أعناقهم فى تلك الخنادق فقالوا لكعب بن اسد وهم يذهب بهم الى رسول الله ﷺ إرسالا يا كعب ما ترى محمدا يصنع بنا قال ما يسوءكم ويلكم على كل حال لا تعقلون الا ترون الداعي لا ينزع وانه من ذهب منكم لا يرجع هو والله السيف قد دعوتكم الى غير هذا فابيتم قالوا ليس هذا بحين عتاب لولا انا كرهنا ان نرمى برأيك ما دخلنا فى نقض العهد الذي كان بيننا وبين محمد قال حيى بن اخطب اتركوا التلاوم فانه لا يرد عنكم شيئا واصبروا للسيف وكان الذي قتلهم على بن ابى طالب والزبير بن العوام رضى الله عنهما ثم اتى حيى بن اخطب مجموعة يداه الى عنقه عليه حلة فقاحية قد لبسها للقتل ثم عمد إليها فشقها انملة انملة
وتدرك خلاد بن سويد فتشدخ رأسه ومات- روى عروة عن عائشة انها قالت والله انها لعندى تحدث وتضحك ظهرا لبطن ورسول الله ﷺ يقتل رجالهم بالسيوف وفى رواية وهى تقول سراة بنى قريظة يقتلون إذ هتف هاتف باسمها اين فلانة قالت انا والله قلت ويلك مالك قالت اقتل قلت لم قالت حدث أحدثته قالت فانطلقت فضرب عنقها بخلاد بن سويد وكانت عائشة تقول لا انسى طيب نفس بنانة كثرة ضحكها وقد عرفت انها تقتل.
(مسئلة) هذا الحديث حجة لمن حكم بالقصاص على القتل بالمثقل وعليه الجمهور وقال ابو حنيفة لا قصاص بالمثقل ولو رماه بابا قبيس لقوله ﷺ لا تود فى النفس وغيره الا بحديدة وقد مرّ الخلاف فى هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ- وروى محمد بن إسحاق عن الزهري ان الزبير بن باطا القرظي وكان يكنى أبا عبد الرحمن قدم على ثابت بن قيس بن شماس فى الجاهلية يوم بعاث لاخذه فجر ناصية ثم خلّى سبيله فجاءه يوم قريظة وهو شيخ كبير فقال ثابت يا أبا عبد الرحمان هل تعرفنى قال وهل يجهل مثلى لمثلك قال انى أريد ان أجزيك بيدك عندى قال ان الكريم يجزى قال ثم اتى ثابت رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله قد كان للزبير عندى يد وله على منة فاحببت ان أجزيه بها فهب لى دمه فقال رسول الله ﷺ هو لك فاتاه فقال له ان رسول الله ﷺ قد وهب لى دمك قال شيخ كبير لا اهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة فاتى ثابت رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله اهله وولده قال فهم لك فاتاه فقال له ان رسول الله ﷺ أعطاني امرأتك وولدك فهم لك قال اهل بيت فى الحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فاتى ثابت رسول الله صلى
ثم قسم اموال بنى قريظة ونساءهم وأموالهم على المسلمين وكان أول فئى وقع فيه السهمان وكان المسلمون ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثين وكان سهمان الخيل والرجال على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما للفرس سهمان ولصاحبه سهم وقاد رسول الله ﷺ ثلاثة افرس فلم يضرب السهم الا لفرس واحد- وهذا حجة لابى حنيفة ومالك والشافعي حيث قالوا لا سهم الا لفرس واحد وقال ابو يوسف ومحمد واحمد يسهم لفرسين ولا يسهم لاكثر من ذلك اجماعا وقد مرّ
(مسئلة) وفى هذه القصة حجة للجمهور على ابى حنيفة حيث قالوا للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وقال ابو حنيفة سهم له وسهم لفرسه وقد مرّ المسألة فى سورة الأنفال والله اعلم.
(فائدة) أخذ رسول الله ﷺ من السبي خمسا فكان يعتق ويهب منه من أراد وكذلك النخل عزل خمسه وكل ذلك يسهم عليه خمسة اجزاء وصار الخمس الى محمية بن جز الزبيدي ثم قسم اربعة أخماس على الناس واعطى رسول الله ﷺ النساء اللاتي حضرن القتال ولم يسهم لهن وهن صفية بنت عبد المطلب وأم عمارة نسية وأم سليط وأم العلاء الانصارية والسميرى بنت قيس وأم سعد بن معاذ وكبشة بنت رافع- وبعث رسول الله ﷺ طائفة مع السبايا مع سعد بن عبادة يشترى بهم سلاحا وخيلا كذا قال محمد بن عمر وقال ابن إسحاق بعث سعد بن زيد الأنصاري الأشهلي بسبايا من بنى قريظة فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا- واشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمان بن عوف طائفة فاقتسما يقال لما قسم جعل الشوابّ على حدة والعجائز على حدة ثم خير عبد الرحمان عثمان فاخذ العجائز فربح عثمان مالا كثيرا وذلك لانه كان يوجد عند العجائز من المال ولم يوجد عند الشواب- قال ابن سيرة وانما لم يؤخذ ما جاءت به العجائز فيكون فى الغنيمة لانه لم يوجد معهن الا بعد شهر او شهرين- وجعل عثمان على كل من اشتراه من سبيهم شيئا
(مسئلة) ومن هاهنا قال ابو حنيفة لا يجوز ان يفرق بالبيع او الهبة او نحوهما بين مملوكين صغيرين وكذا بين صغير وكبير يكون بينهما رحم ومحرمية وكذا بين كبيرين كذلك عند احمد وقال مالك لا يفرق بين الام وولدها خاصة وقال الشافعي لا يفرق بين صغير وبين أبويه وان عليا- وجه قول مالك ان الحديث المذكور ورد
(مسئلة) من فرق بين والدة وولدها يأثم لكن ينعقد البيع وينفذ عند ابى حنيفة ومحمد وعند مالك والشافعي واحمد لا ينعقد بل هو باطل وكذا لا ينعقد البيع فى غير قرابة الولاد ايضا عند احمد وقال ابو يوسف يفسد البيع فى قرابة الولاد خاصة وعنه انه يفسد مطلقا سواء كان قرابة ولاد او غيرها ومبنى الخلاف على خلافية اصولية فان النهى عن الشرعيات بلا قرينة يوجب البطلان عندهم ويوجب الفساد عند ابى حنيفة وصاحبيه لكن أبا حنيفة ومحمدا قالا ان النهى فى هذا البيع انما هو لمعنى مجاور كالبيع وقت أذان الجمعة فلا يوجب الفساد بخلاف ما كان لوصف لازم- وجه قول ابى يوسف انه ﷺ امر عليّا برد البيع والارتجاع وذا لا يمكن
(مسئلة) يجوز التفريق ان كانا بالغين كما يدل عليه حديث عبادة بن الصامت وقال احمد لا يجوز عملا بإطلاق الاخبار المذكورة وردّ ابن الجوزي حديث عبادة كما ذكرنا ولنا ايضا حديث سلمة بن الأكوع قال خرجنا مع ابى بكر فغزونا فزارة الى ان قال فجئت بهم الى ابى بكر وفيهم امرأة معها ابنة لها من احسن العرب فنفلنى ابو بكر ابنتها فقدمت المدينة فقال النبي ﷺ يا سلمة هب لى المرأة قلت هى لك فقدى بها أسارى ثلاثة- وما روى انه ﷺ فرق بين مارية القبطية أم ابراهيم بن رسول الله ﷺ وسيرين أختها أهداهما المقوقس ملك الاسكندرية الى رسول الله ﷺ فوهب رسول الله ﷺ سيرين لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمان بن حسان- ذكر الحديث ابن عبد البر فى الاستيعاب وذكر البزار ان هذا الحديث فى صحيح ابن خزيمة والله اعلم.
(مسئلة) إذا كان مع الصغير أبواه لا يبيع واحدا منهم ولو كان أم وأخ او أم وعمة او خالة او أخ جاز البيع سوى الام فى ظاهر الرواية لان شفقة الام تغنى عمن سواه ولو كان له ستة اخوة ثلاثة كبار وثلاثة صغار فباع مع كل صغير كبيرا جاز ولو كان مع الصغير جدة وعمة وخالة جاز بيع العمة والخالة ولو كان معه عمة وخالة بدون جدة لا يباع الا معا- والأصل انه إذا كان معه عدد بعضهم ابعد من بعض جاز البيع سوى الأقرب وان كانوا فى درجة واحدة فان كانوا من جنسين مختلفين كالاب والام والخالة والعمة لا يفرق بل يباع الكل او يمسك الكل وان كانوا من جنس واحد كالاخوين والعمين جاز ان يمسك مع الصغير واحدا منهم ويبيع ما سواه والله اعلم.
(مسئلة) ذكر فى سبيل الرشاد انه كان يباع الام وولدها الصغار من سبى بنى قريظة من اليهود ومن المشركين من العرب وإذا كان الولد صغيرا ليس معه أم لم يبع من المشركين ولا من اليهود الا من المسلمين وذا لان الصغير إذا سبى مع أحد أبويه يعتبر كافرا فيجوز بيعه من الكافر مشركا كان او يهوديا فان الكفر ملة واحدة-
(فائدة) اصطفى رسول الله ﷺ لنفسه ريحانة بنت زيد بن عمرو بن حذافة من بنى النضير المتزوجة فى بنى عمرو بن قريظة وكانت جميلة فعرض عليها الإسلام فابت فعزلها ووجد فى نفسه فارسل الى ابن سعية فذكر له ذلك فقال ابن سعية فداك ابى وأمي هى تسلم فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها لا تبتغى قومك فقد رايت ما ادخل عليهم حيى بن اخطب فاسلمى يصطفيك رسول الله ﷺ فاجابت الى ذلك فبينا رسول الله ﷺ فى أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال ان هاتين لنعلا ابن سعية يبشرنى بإسلام ريحانة فجاءه فقال يا رسول الله لقد أسلمت ريحانة فسرّ رسول الله ﷺ بذلك وكانت عند رسول الله ﷺ حتى توفى عنها وهى فى ملكه وقد كان رسول الله ﷺ يحرص عليها ان يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله بل تتركنى فى ملكك فهو أخف علىّ وعليك فتركها والله اعلم.
(فائدة) ولمّا انقضى شأن بنى قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ قالت عائشة فحضره رسول الله ﷺ وابو بكر وعمر فو الذي نفس محمد بيده انى لا عرف بكاء ابى بكر من بكاء عمرو انى لفى حجرتى وكانوا كما قال الله تعالى رحماء بينهم.
(مناقب سعد بن معاذ) عن انس قال لمّا حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون ما أخف جنازته وذلك لحكمه فى بنى قريظة فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال ان الملائكة كانت تحمله- رواه الترمذي وعن جابر قال سمعت النبي ﷺ يقول اهتز عرش الرحمان لموت سعد بن معاذ- متفق عليه وعن البراء ابن عازب قال أهديت لرسول الله ﷺ حلة حرير فجعل أصحابه يمسونها ويتعجبون من لينها فقال أتعجبون من لين هذا لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة خير منها وألين- متفق عليه- ذكر البغوي وغيره ان ازواج النبي ﷺ سالنه من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة فى النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض فهجرهن رسول الله
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها اى السعة والتنعم فيها وزخارفها فَتَعالَيْنَ اصل تعال ان يقوله من كان فى مكان مرتفع لمن كان فى مكان دونه ثم كثر حتى استوت فى استعماله الامكنة كلها بمعنى اقبل الىّ والمعنى هاهنا اقبلن بارادتكن واختياركن لطلب الطلاق أُمَتِّعْكُنَّ اى اعطكن المتعة وَأُسَرِّحْكُنَّ اى أطلقكن سَراحاً طلاقا جَمِيلًا (٢٨) من غير ضرار.
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ اى مراتب القرب الى الله ومرضاته وَقرب رَسُولَهُ وَنعماء الدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ يعنى لمن أرادت رضوان الله ورسوله والدار الاخرة فانها هى المحسنة إذ الإحسان ان تعبد ربك بالحضور كانك تراه أَجْراً عَظِيماً (٢٩) قال البغوي وكانت تحت رسول الله ﷺ يومئذ تسع نسوة خمس من قريش عائشة بنت ابى بكر وحفصة بنت عمرو أم حبيبة بنت ابى سفيان وأم سلمة بنت امية وسودة بنت زمعة واربع من غير قريش زينب بنت جحش الاسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيى بن اخطب الخيبرية وجويرية بنت الحارث المصطلقية- ولمّا نزلت اية التخيير بدأ رسول الله ﷺ بعائشة وكانت أحبهن اليه فخيرها وقرأ عليها القران فاختارت الله ورسوله والدار الاخرة ورات الفرح فى وجه رسول الله ﷺ وتابعنها على ذلك- قال قتادة فلمّا اخترن الله ورسوله شكرهن على ذلك وقصره عليهن فقال لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ.
(فائدة) قال البغوي اختلف العلماء فى هذا الخيار هل كان ذلك تفويض الطلاق حتى يقع الطلاق بنفس اختيارها نفسها أم لا فذهب الحسن وقتادة واكثر اهل العلم انه لم يكن تفويض الطلاق بل خيرهن فى طلب الطلاق فان اخترن الدنيا فارقهن بدليل قوله تعالى فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ- وذهب قوم الى انه كان تفويض الطلاق لو اخترن انفسهن كان طلاقا.
(مسئلة) إذا قال الزوج لامراته اختاري ونوى بذلك ان تطلق نفسها ان شاءت فلها ان تطلق نفسها مادامت فى المجلس فان قامت منه او أخذت فى عمل
(مسئلة) لا بد من النية فى قوله اختاري لانه يحتمل تخيرها فى نفسها ويحتمل تخيرها فى تصرف اخر غيره.
(مسئلة) إذا قال الزوج اختاري فقالت اخترت نفسى فالمروى عن عمرو ابن مسعود وابن عباس انها تقع واحدة رجعية وبه أخذ الشافعي واحمد لان قوله اختاري بمنزلة قوله طلقى نفسك وقولها اخترت نفسى بمنزلة قوله طلقت نفسى والواقع بها رجعى اجماعا وبان الكتاب دل على ان الطلاق يعقب الرجعة الا الثالث- وروى عن زيد بن ثابت انه يقع الطلقات الثلاث وبه أخذ مالك فى المدخول بها وفى غيرها
(مسئلة) لو قالت اخترت زوجى بعد ما قال لها اختاري لا يقع شىء عند الجمهور لان الزوج لم يطلقها بل جعل أمرها باختيارها وهى لم تختر الطلاق بل اختارت ابقاء النكاح- وعن على رضى الله عنه انه يقع رجعية كانه جعل نفس اللفظ ايقاعا قال ابن همام لكن قول عائشة خيّرنا رسول الله ﷺ فاخترناه ولم يعدّه علينا شيئا- رواه الستة وفى لفظ الصحيحين فلم يعدد يفيد عدم وقوع شىء كما قاله الجمهور- قلت لما ذكرنا فيما سبق ان تخيير ازواج النبي ﷺ لم يكن تخييرا للطلاق بل كان تخييرا فى طلب انطلاق فلا يكون قول عائشة حجة على ما قاله الجمهور والله اعلم.
(مسئلة) ولا بد من ذكر النفس فى كلامه او كلامها حتى لو قال اختاري فقالت اخترت لا يقع الطلاق لان هذا اللفظ ليس لفظا للطلاق فكان القياس
(مسئلة) ولو قال الزوج اختاري فقالت انا اختار نفسى فهى طالق والقياس ان لا يطلق لان هذا مجرد وعد او يحتمله فصار كما إذا قال طلقى نفسك فقالت انا اطلق نفسى قال صاحب الهداية وجه الاستحسان قول عائشة لابل اختار الله ورسوله واعتباره ﷺ جوابا منها- لا يقال ذكر فيما سبق ان قصة عائشة لم يكن تخييرا فى التطليق بل فى طلب الطلاق لانا نقول مقصودنا يحصل باعتباره ﷺ جوابا للاختيار سواء كان الاختيار متعلقا بالتطليق او طلب التطليق- ولان قولها انا اختار نفسى حكاية عن حالة قائمة وهو اختيار نفسها بخلاف قولها- طلق نفسى لان جمله على الحال متعذر لانه ليس حكاية عن حالة قائمة والله اعلم.
يا نِساءَ النَّبِيِّ التفات من الغيبة الى الخطاب مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ قال ابن عباس أراد بالفاحشة النشوز وسوء الخلق يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ
وَمَنْ يَقْنُتْ القنوت الطاعة قرأ يعقوب من تأت وتقنت بالتاء «١» الفوقانية فيهما نظرا الى المعنى والباقون بالياء التحتانية نظرا الى كلمة من يعنى من يدم على الطاعة مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ قرأ حمزة «وخلف- ابو محمد» والكسائي بالياء التحتانية حملا على لفظة من والباقون بالتاء الفوقانية نظرا الى المعنى صالِحاً منصوب على المصدرية او المفعولية نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ اى مثلى اجر غيرها مرة على الطاعة ومرة على طلبهن رضاء النبي ﷺ بالقناعة وحسن المعاشرة قال مقاتل مكان كل حسنة عشر حسنات- قرأ حمزة «وخلف- ابو محمد» والكسائي يؤتها بالياء التحتانية على ان فيه ضمير اسم الله تعالى والباقون بالنون على التكلم وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (٣١) اى جليل القدر وهو الجنة زيادة على أجرها قلت وذلك لانهن يرزقن بمتابعة النبي ﷺ ما يرزق النبي صلى الله عليه وسلم..
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ اى ليست كل واحدة منكن او المعنى لم توجد جماعة واحدة من جماعات النساء مثلكن فى الفضل كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ وجملة لستن تعليل لمضمون ما ذكر واصل أحد وحد بمعنى الواحد ثم وضع فى النفي العام مستويا فيه المذكر والمؤنث والواحد والكثير قال ابن عباس اى ليس قدر كن عندى مثل قدر غير كن من النساء الصالحات أنتن أكرم علىّ وثوابكن أعظم لدىّ- هذه الاية تدل على فضلهن على سائر النساء ويعارضها قوله تعالى فى حق مريم ابنة عمران انّ الله اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ والقول بان المراد من نساء العالمين نساء زمانه يأباه ما رواه الترمذي عن انس ان النبي ﷺ قال حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ﷺ وآسية امراة فرعون فالواجب ان يقال ان النساء فى قوله تعالى لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ من حيث انكن ازواج سيد البشر ﷺ يعنى ليست أحد من النساء شريكة لكنّ فى هذا الفضل والجمهور على ان أفضل نساء
(مسئلة) المرأة مندوبة الى الغلظة فى المقال إذا خاطبت الا جانب لقطع الاطماع وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (٣٢) يعنى ما يعرفه حسنا بعيدا من الريبة.
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» وعاصم بفتح القاف من قرّ يقرّ بكسر العين فى الماضي وفتحها فى الغابر أصله اقررن حذفت الراء الاولى ونقلت حركتها الى القاف واستغنى عن همزة الوصل والباقون بكسر القاف من قرّ يقرّ قرارا بفتح العين فى الماضي وكسرها فى الغابر وهما لغتان فيه ومعناهما واحد وكذا تعليلهما واحدة- امر بالقرار فى البيوت وعدم الخروج بقصد المعصية كما يدل عليه قوله تعالى وَلا تَبَرَّجْنَ فانه عطف تفسيرى وتأكيد معنى وليس فى الاية نهى عن الخروج من البيت مطلقا وان كان للصلوة او الحج او لحاجة الإنسان كما زعمه الذين فى قلوبهم مرض من الروافض حتى طعنوا فى الصديقة الكبرى بنت الصديق الأكبر حبيبة رسول الله ﷺ انها خرجت من بيتها الى مكة وذهبت منها الى البصرة فى وقعة الجمل وكان خروجها الى مكة للحج وبعد خروجها استشهد عثمان رضى الله عنه واظهر اهل المصر فتنة فى المدينة حتى هرب منها طلحة وزبير رضى الله عنهما ولحقا بعائشة وأشارا بالخروج للاصلاح ذات البين ولمّا أبت احتجا بقوله تعالى لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ فخرجت الى البصرة ووقع الصلح بين من كان معها ومن كان مع على رضى الله عنهما ثم اثار نار الفتنة عبد الله بن سبأ اليهودي المنافق الذي تزىّ بزى شيعة علىّ رضى الله عنه حتى وقع القتال بين المسلمين فى وقعة الجمل وقد ذكرنا القصة فى كتابنا السيف المسلول- والتبرج من البروج بمعنى الظهور والمراد بها اظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال وقال ابن نجيح التبرج «اى التكبر والاعجاب بنفسه- منه رح» التبختر قال البيضاوي فى تفسيره لا تبخترن فى مشيتكن تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى منصوب على المصدرية اى تبرجا مثل تبرج الجاهلية
رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس وتلا قوله تعالى
أمهات المؤمنين لكن هؤلاء الكرام داخلون فى حكمهن والثاني ان الاية لا تدل على العصمة وقد ورد مثل ذلك فى اية الوضوء لجميع الامة حيث قال ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لا يقال مقتضى اية الوضوء ان الله يريد ان يطهر أبدانكم من الأنجاس والأحداث ان توضأتو ومقتضى هذه الاية يريد الله ان يطهركم من الآثام فاين هذا من ذلك لانا نقول انها من واد واحد فان الله كما يريد ان يطهر أبدان المؤمنين إذا توضؤا واستعملوا الماء فى مواضعه كذلك يريد ان يطهر اهل بيت النبي ﷺ من الآثام ان اتقوا ولذلك بين لهم طريقة استعمال الماء لطهارة
وَاذْكُرْنَ عطف على اطعن الله ورسوله وما بينهما اعتراض للتعليل ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ يعنى القران وَالْحِكْمَةِ يعنى الوحى الغير المتلو وهو السنة وقال مقاتل يعنى احكام القران ومواعظه وقال البيضاوي يعنى اذكرن الكتاب الجامع بين الامرين وهو تذكير لما أنعم الله عليهن حيث جعلهن اهل بيت النبوة ومهبط الوحى وما شاهدن من برحاء الوحى مما يوجب قوة الايمان والحرص على الطاعة حثا على الايتمار والانتهاء فيما كلفن به إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً بكم يعظكم ويعلمكم ما يصلح فى الدين خَبِيراً (٣٤) بكل شىء يعلم من يصلح لنبوته ومن يصلح ان يكون اهل بيته وفى صحبته قال الله تعالى الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ والله اعلم ذكر البغوي ان ازواج النبي ﷺ قلن يا رسول الله ذكر الله الرجال فى القران ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر به انا نخاف ان لا يقبل منا طاعة الله فانزل الله تعالى.
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ الاية وروى الطبراني وابن مردوية عن ابن عباس نحوه واخرج ابن سعد عن قتادة نحوه واخرج الطبراني بسند لا بأس به عن ابن عباس قال قال النساء يا رسول الله ما باله يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات فنزلت ورواه ابن جرير من حديث قتادة مرسلا واخرج الترمذي وحسنه عن أم عمارة الانصارية انها أتت النبي ﷺ فقالت ما ارى كل شىء الا للرجال وما نرى النساء يذكرن بشئ فنزلت وذكر البغوي انه قال مقاتل قالت أم سلمة بنت ابى امية وأنيسة بنت الكعب الانصارية للنبى ﷺ ما بال ربنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء فى شىء من كتابه نخشى ان لا يكون فيهن خيرا فنزلت هذه الاية وروى ان اسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها
قال البغوي قال مجاهد لا يكون العبد من الذّاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا يعنى لا يفتر ذكرهم فى حين من الأحيان- قلت وذلك لا يتصور الا بعد فناء القلب واستغراق القلب فى الذكر وحصول الحضور الدائم قال رسول الله ﷺ سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات- رواه مسلم من حديث ابى هريرة وقال رسول الله ﷺ ما من شىء أنجى من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد فى
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ الاية فرضيت وسلمت قال البغوي كان رسول الله ﷺ اشترى زيدا فى الجاهلية بعكاظ فاعتقه وتبناه فلمّا خطب رسول الله ﷺ رضيت وظنت انه يخطبها لنفسه فلما علمت انه يخطبها لزيد أبت وكرهت وكذلك أخوها عبد الله بن جحش كره ذلك (وكانت أم زينب وأخيها اميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم) واخرج ابن جرير من طريق عكرمة ومثله من طريق العوفى عن ابن عباس قال خطب رسول الله ﷺ زينب بنت جحش لزيد بن حارثة فاستنكفت منه وقالت انا خير منه حسبا فانزل الله تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ يعنى عبد الله بن جحش وَلا مُؤْمِنَةٍ يعنى زينب بنت جحش يعنى لا يجوز لاحد إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً يعنى امر امرا على وجه التختم أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ يعنى ان يختاروا من أمرهم ما شاء وابل يجب عليهم ما أمرهم الله به وان يجعلوا اختيارهم تبعا لاختيار الله ورسوله- وجمع الضمير الاول لعموم مؤمن ومؤمنة لوقوعهما نكرتين فى حيز النفي وجمع الثاني للتعظيم قرأ الكوفيون وهشام يكون بالياء التحتانية لاجل الفصل بين الفعل وفاعله والباقون بالتاء الفوقانية لاجل التأنيث والخيرة والخيار بمعنى واحد وهذه الاية دليل على ان مطلق الأمر للوجوب ويستفاد من هاهنا ان العالم ومن له فضل من حيث الدين كفؤ للعلوى وغيره من الشرفاء- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن زيد قال نزلت الاية فى أم كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط وكانت أول من هاجرت من النساء فوهبت نفسها للنبى ﷺ فزوّجها زيد بن حارثة فسخطت هى وأخوها وقالا انما أردنا رسول الله ﷺ فزوّجنا غيره فنزلت وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (٣٦)
قال البغوي فلما نزلت هذه الاية وسمعت زينب بنت جحش وأخوها رضيا بذلك وسلما وجعلت أمرها بيد رسول الله ﷺ وكذلك أخوها فانكحها رسول الله ﷺ زيدا فدخل بها وساق رسول الله ﷺ عليها عشرة دنانير وستين درهما وخمارا ودرعا وإزارا وملحفة وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر ومكثت عنده حينا ثم ان رسول الله ﷺ اتى ذات يوم لحاجة فابصر زينب قائمة فى درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش فوقعت فى نفسه وأعجبه حسنها فقال سبحان الله مقلب القلوب فانصرف فلمّا جاء زيد ذكرت له ذلك ففطن زيد فالقى فى نفسه كراهتها فى الوقت واتى رسول الله ﷺ فقال انى أريد ان أفارق صاحبتى فقال مالك ارايت منها شيئا قال لا والله يا رسول الله ما رايت منها إلا خيرا ولكنّها تتعظّم علىّ لشرفها وتؤذيني بلسانها فقال النبي ﷺ امسك عليك زوجك واتّق الله فى أمرها كذلك روى ابن جرير عن ابى زيد فانزل الله تعالى.
وَاذكر إِذْ تَقُولُ يا محمد الاية واخرج الحاكم عن انس قال جاء زيد بن حارثة يشكو الى رسول الله ﷺ من زينب بنت جحش فقال النبي ﷺ امسك عليك أهلك فنزلت وإذ تقول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ اى هداه للاسلام ورزقه مصاحبتك والقى فى قلبك محبته والرحمة عليه وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بالإنفاق والاعتاق وهو زيد بن حارثة رضى الله عنه أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ يعنى زينب بنت جحش وَاتَّقِ اللَّهَ فى أمرها فلا تطلقها فان الطلاق من ابغض المباحات وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ قوله أَمْسِكْ مقولة تقول وجملة تخفى معطوف على قوله تَقُولُ يعنى وكنت تسرّ فى نفسك ما الله مظهره اخرج البخاري عن انس ان هذه الاية نزلت فى شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة قال الحسن أعجبه قول زيد وأخفى رسول الله ﷺ ذلك فى نفسه حياء وكرما
وقال البغوي روى سفيان بن عيينة عن على بن زيد بن جدعان قال سالنى على ابن الحسين زين العابدين عليهما السلام ما يقول الحسن فى قوله عزّ وجلّ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ قلت يقول لما جاء زيد الى النبي ﷺ فقال يا نبى الله انى أريد ان أفارق زينب أعجبه ذلك فقال أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ قال على بن الحسين ليس كذلك كان الله تعالى قد اعلمه انها ستكون من أزواجه وان زيدا سيطلقها فلما جاء زيد وقال انى أريد ان أطلقها قال أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ فعاتبه الله وقال لم قلت امسك عليك زوجك وقد أعلمناك انها ستكون من أزواجك- وهذا هو الاولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لان الله تعالى اعلم ان يبدئ ويظهر ما أخفاه ولم يظهر الله غير تزويجها منه فقال زَوَّجْناكَها فلو كان الذي أضمره رسول الله ﷺ محبتها او ارادة طلاقها لكان يظهر ذلك وانما أخفى رسول الله ﷺ استحياء ان يقول لزيد التي تحتك وفى نكاحك ستكون امراتى- قال البغوي وهذا قول مرضى حسن وان كان القول الاخر وهو انه أخفى محبتها او نكاحها لو طلقها زيد لا يقدح فى حال الأنبياء لان العبد غير ملوم على ما يقع فى قلبه فان مثل هذه الأشياء ما لم يقصد لا اثم فيه لان الود وميل النفس من طبع البشر- وقوله أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ امر بالمعروف وهو حسنة لا اثم فيه- قلت بل هو أعظم اجرا فانه امر بالمعروف على خلاف طبعه قال الله تعالى وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- وما قال الحسن يؤيده قوله ﷺ حين راى زينب سبحان الله مقلب القلوب فانها تدل على انه تعالى قلّب قلب النبي ﷺ الى ان يتزوجها بعد ما كان فى قلبه ان يزوجها زيدا وَتَخْشَى النَّاسَ عطف على تخفى يعنى تخاف لائمة الناس ان يقولوا امر رجلا ان يطلق امرأته وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ الجملة حال من فاعل تخشى قال عمرو ابن مسعود وعائشة رضى
قال لمّا انقضت عدة زينب قال رسول الله ﷺ لزيد اذهب فاذكرها علىّ فانطلق زيد حتى أتاها وهى تخمّر عجينها قال زيد فلمّا رايتها عظمت فى صدرى حتى ما أستطيع ان انظر إليها حين علمت ان رسول الله ﷺ ذكرها فوليتها ظهرى ونكصت على عقبى فقلت يا زينب أرسلني رسول الله ﷺ بذكرك قالت ما انا بصانعة حتى او امر ربى فقامت الى مسجدها ونزل القران فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً
ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ متعلق بمضمون من حرج لا من لفظه لان معمول المجرور لا يتقدم على الجار
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ صفة للذين خلوا من قبل او مدح لهم منصوب او مرفوع وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ كما أنت تخشى الله ولا تخشى غيره فيما أمرك الله به ونهاك عنه وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٣٩) كافيا للمخاوف او محاسبا فينبغى ان لا يخشى الا منه.
اخرج الترمذي عن عائشة انها قالت لما تزوج النبي ﷺ زينب قال الناس تزوج حليلة ابنه فانزل الله تعالى.
ما كانَ مُحَمَّدٌ ﷺ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ يعنى ليس محمد ﷺ أبا لزيد ابن حارثة فيحرم عليه نكاح زوجته- فان قيل كان له أبناء القاسم والطيب والطاهر وابراهيم وكذلك الحسن والحسين فان رسول الله ﷺ قال للحسن ان ابني هذا سيد قلنا ان أبناء الرسول ﷺ ماتوا صغارا لم يبلغوا مبلغ الرجال واطلاق الابن على الحسنين عليهما السلام على التجوز وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وكل رسول اب لامته لكن لا من حيث النسب حتى يحرم عليه ما يحرم بالنسب بل من حيث الشفقة والنصيحة وَخاتَمَ قرأ عاصم بفتح التاء على الاسم بمعنى الاخر والباقون بكسر التاء على وزن فاعل يعنى الذي ختم النَّبِيِّينَ حتى لا يكون بعده نبى قال ابن عباس يريد الله سبحانه انه لو لم يكن اختم به النبيين لجعلت ابنه بعده نبيّا وروى عطاء عن ابن عباس ان الله تعالى
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) قال ابن عباس لم يفرض الله على عباده فريضة الا جعل لها حدّا معلوما ثم عذّر أهلها فى حال العذر غير الذكر فانه لم يجعل له حدّا ينتهى اليه ولم يعذر أحدا فى تركه الا مغلوبا على عقله فامر به فى الأحوال كلها فقال فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ وقال اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً بالليل والنهار فى البر والبحر والصحة والسقم فى السر والعلانية- وقال مجاهد الذكر الكثير ان لا ينساه ابدا قلت وهذا لا يتصور الا بعد فناء القاب ودوام الحضور.
وَسَبِّحُوهُ اى صلوا له بُكْرَةً يعنى صلوة الصبح وَأَصِيلًا (٤٢) قال الكلبي يعنى صلوة الظهر والعصر والعشاءين وقال مجاهد يعنى قولوا سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله العلىّ العظيم فعبر بالتسبيح عن أخواته وقيل المراد بالذكر الكثير هذه
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ واخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه قال البغوي الصلاة من الله رحمة ومن الملئكة استغفار وقيل الصلاة من الله على العبد اشاعة الذكر الجميل له فى العباد وقيل الثناء عليه- وفى القاموس الصلاة الدّعاء والرحمة والاستغفار وحسن الثناء من الله تعالى على رسوله وعبادة فيها ركوع وسجود- وهذه العبارة تقتضى كونها لفظا مشتركا فمن أجاز استعمال اللفظ المشترك فى الأكثر من معنى واحد أجاز ان يكون معناه ان الله يرحم عليكم وملائكته يستغفرونه لكم- واما عند الجمهور فلا يجوز عموم المشترك فيقال المراد بالصلوة هاهنا المعنى المجازى المشترك بين المعنيين الحقيقيين وهو العناية لصلاح أمركم وظهور شرفكم ويسمى عموم المجاز- وقال كثير من اهل اللغة الصلاة هو الدعاء يقال صليت عليه اى دعوت له قال عليه السّلام إذا دعى أحدكم الى طعام فليجب وان كان صائما فليصل اى ليدع لاهله وقال الله تعالى صَلِّ
وانما سميت الأركان المخصوصة صلوة لاشتمالها على الدعاء وهو قوله اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ تسمية الكل باسم الجزء والصلاة من الله تعالى على عباده ان يطلب من نفسه لاجل عباده الرحمة والمغفرة ويناسب الطلب من نفسه الإيجاب من نفسه على نفسه المستفاد من قوله تعالى كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فان الإيجاب والطلب بمعنى واحد فان الطلب حتما هو الإيجاب والمراد بالإيجاب الالتزام تفضلا وإذا أريد بالصلوة هاهنا الدعاء لا يلزم عموم المشترك- قال البغوي قال النبي ﷺ قالت بنوا إسرائيل لموسى أيصلي ربنا فكبر هذا الكلام على موسى فاوحى الله اليه ان قل لهم انى أصلي وان صلاتى رحمتى وسعت كل شىء لِيُخْرِجَكُمْ يعنى انه برحمته ودعاء الملائكة يديم إخراجكم مِنَ الظُّلُماتِ اى ظلمات الكفر والمعاصي إِلَى النُّورِ اى نور الايمان والطاعة ويمكن ان يقال ليخرجكم ساعة بعد ساعة ابدا من ظلمات البعد الى نور القرب ومن استوى يوماه فهو مغبون وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) حيث اعتنى بصلاح أمرهم وإعلاء قدرهم واستعمل فى دعائهم الملائكة المقربين الجملة معطوفة على الصلة اى الّذى يصلّى عليكم والذي كان بالمؤمنين رحيما.
تَحِيَّتُهُمْ اى تحية المؤمنين منه تعالى أضيف الصدر الى المفعول اى يجبون منه تعالى يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ يعنى يوم لقائهم إياه سبحانه يعنى عند الموت او الخروج من القنبر او دخول الجنة او عند رؤية الله سبحانه سَلامٌ اى يسلم الله عليهم تحية ويسلمهم الله من جميع المكاره قال البغوي روى عن البراء بن عازب قال تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ يعنى يوم يلقون ملك الموت سلام اى لا يقبض روح مسلم الأسلم عليه- وعن ابن مسعود قال إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال ربك يقرأك السلام وقيل يسلم عليهم الملائكة ويبشرهم حين اخرجوا من قبورهم وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤) يعنى الجنة ورؤية الله ورضوانه.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً على أمتك اخرج ابن المبارك عن سعيد ابن المسيب قال ليس من يوم الا ويعرض على النبي ﷺ أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم ولذلك يشهد عليهم او شاهدا لامتك مصدقا لهم حين يشهدون للرسل على الأمم
وَداعِياً إِلَى اللَّهِ اى الى توحيده وطاعته او الى جنته او لقائه الغير المتكيفة بِإِذْنِهِ اى بامره وتيسيره قيد به الدعوة إيذانا بانه امر صعب لا يتاتى الا بمعونة من جناب قدسه خصوصا الدعوة الى لقائه فان إيصال العبد اليه تعالى امر لا يمكن الا بفضله قال الله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ... إِلى «١» صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- عن ربيعة الجرشى قال اتى النبي ﷺ فقيل له لتنم عيناك ولتسمع اذنك ولتعقل قلبك قال فنامت عينى وسمعت إذ ناى وعقل قلبى قال فقيل لى سيد بنى دارا وصنع مأدبة وأرسل داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضى عنه السيد ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد قال فالله السيد ومحمد الداعي والدار الإسلام والمأدبة الجنة- رواه الدارمي وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦) سماه سراجا لانه يستضاء به ويهتدى به كالسراج يستضاء به ويهتدى به فى ظلمة الليل يعنى انه ﷺ كان بلسانه داعيا الى الله وبقلبه وقالبه كان مثل السراج يتلون المؤمنون بألوانه ويتنورون بانواره كالعالم يتنور بنور الشمس والبيت بالسراج- ولاجل ذلك اختصت الصحابة رضى الله عنهم بمزيد الفضل على الناس فان علومه التي تلقتها الامة من لسانه لم يتفاوت فيه الناس من الصحابة وغيرهم بل رب مبلغ اوعى من سامع- واما التنوّر بانواره فانه وان كان حاصلا للناس بتوسط أصحابه واصحاب أصحابه الى يوم القيامة لكن ليس النائب فيه كالشاهد بل مثله كمثل بيت تنوّر بنور الساحة
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (٤٧) وكذا اخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن وقال انس الفضل الكبير الجنة والجملة معطوفة على انّا أرسلناك.
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ فيما يخالف شريعتك تحريض له على ما هو عليه من مخالفتهم وَدَعْ أَذاهُمْ قال ابن عباس وقتادة يعنى اصبر على إيذائهم إياك فالمصدر مضاف الى الفاعل والمعنى اجعل إيذاءهم إياك فى جانب ولا تبال به ولا تخف منه وقال الزجاج يعنى لا تجادلهم ولا تتصد على اذاهم يعنى لا تؤذهم فالمصدر مضاف الى المفعول وعلى هذا قيل انه منسوخ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فانه يكفيك وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (٤٨) يعنى إذا جعلت الله موكولا اليه أمورك فهو يكفيك لا يدع حاجة لك الى غيره قال البيضاوي وصف الله نبيه ﷺ بخمس صفات وقابل كلّا منها بخطاب يناسبه فحذف مقابل الشاهد وهو الأمر بالمراقبة لان ما بعده كالتفصيل له وقابل المبشر بالأمر ببشارة المؤمنين والنذير بالنهى عن مراقبة الكفار والمبالاة بأذاهم والداعي الى الله بتيسيره بالأمر بالتوكل عليه والسراج المنير بالاكتفاء به فانه من إنارة برهانا على جميع خلقه كان حقيقا ان يكتفى به عن غيره.
رابعها حديث ابن عمر عن رسول الله ﷺ انه سئل عن رجل انه قال يوم أتزوج فلانة فهى طالق قال طلق ما لا يملك- رواه الدار قطنى وفيه ابو خالد الواسطي وهو عمرو بن خالد قال الذهبي ضعفه ابو حاتم وقال ابن همام قال احمد وابن معين كذاب ورواه ابن عدى عن نافع عنه بلفظ لا طلاق الا بعد نكاح قال ابن حجر اسناده ثقات.
خامسها حديث طاؤس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
سادسها حديث عائشة قالت بعث رسول الله ﷺ أبا سفيان ابن حرب على نجران اليمن فكان فيما عهد اليه ان لا يطلق الرجل ما لا يتزوج ولا يعتق ما لا يملك- قال ابن حجر قال ابن ابى حاتم فى العلل حديث منكر ورواه الحاكم من طريق الحجاج ابن منهال عن هشام الدستوائى عن عروة عن عائشة مرفوعا قال ابن الجوزي وقد روى نحو هذا من حديث على وجابر ولكنها طرق مجتنبة بمرة- قلت اما حديث على فرواه ابن ماجة عنه يرفعه لا طلاق قبل النكاح وفيه جويبر وهو ضعيف واما حديث جابر فقد ذكرنا من قبل وفى الباب حديث المسور بن مخرمة انه قال قال رسول الله ﷺ لا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل الملك- وجه قول ابى حنيفة ان المعلق بالشرط ليس بطلاق فان التعليق بالشرط مانع من ان يكون السبب سببا دون الحكم فقوله ان دخلت الدار فانت طالق وكذا قوله ان نكحتك فانت طالق يمين مانع من دخول الدار ومن النكاح الذين هما شرطان لوجود الطلاق فهو مانع من الطلاق فلا يصلح ان يكون سببا موجبا للطلاق لتمانع الوصفين اعنى كونه مانعا وكونه سببا لكن له عرضة ان يصير طلاقا عند الحنث وهو وجود الشرط وإذا لم يكن طلاقا فلا يجوز الاحتجاج بالآية والأحاديث الناطقة بنفي الطلاق قبل النكاح واما حديث ابن عمر وحديث ابى ثعلبة الخشني فلا يصح شىء منهما وقد ذكرنا وجه القدح فيهما فان قيل إذا لم يكن المعلق بالشرط طلاقا فما وجه الفرق بين قوله للاجنبية ان دخلت الدار فانت طالق وان نكحتك فانت طالق حيث ينعقد الثاني دون الاول قلنا وجه الفرق ان اليمين ما يكون مانعا من الفعل اما بخوف الإثم كما فى اليمين بالله تعالى
لها صداقا فلها المتعة فان كان قد فرض لها صداق فلها نصف الصداق ولا متعة لها فالاية على قول ابن عباس مخصوصة وقال قتادة هذه الاية منسوخة بقوله تعالى فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ومرجع القولين واحد يعنى لا متعة وجوبا ولا استحبابا لمن طلّقت قبل المسيس وقد سمى لها مهرا- وقيل هذا امر ندب فالمتعة لها مستحب مع نصف المهر وروى عن الحسن وسعيد بن جبير ان المتعة لها واجب بهذه الاية ونصف المسمّى بما فى البقرة وقد ذكرنا الخلاف فى وجوب المتعة واستحبابها ومقدارها فى سورة البقرة فلا نعيده وَسَرِّحُوهُنَّ اى اخرجوهن من بيوتكم وخلوا سبيلهن إذ ليس لكم عليهن من عدة سَراحاً جَمِيلًا (٤٩) من غير ضرار..
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ يعنى مهورهن لان المهر اجر على البضع وتقييد الاحلال له بإعطائها انما هو خرج على حسب الواقع ومخرج عادة النبي ﷺ فانه كان يعطهن مهورهن معجلة او لايثار الأفضل ولا مفهوم له اجماعا وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ يعنى رد الله عليك من الكفار بان تسبى فتملك مثل صفية وجويرية وهذا القيد ليس للاحتراز ايضا ولا مفهوم لها عند القائلين بالمفهوم لان مارية أم ابراهيم لم تكن مسبية بل كانت مما اهدى اليه مقوقس وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ يعنى نساء قريش وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ يعنى نساء بنى زهرة اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وكلمة مع للموافقة فى نفس الفعل لا بحسب الزمان كما فى قوله تعالى سْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ
والمراد المهاجرات مطلقا قال البغوي فمن لم يهاجر منهن لم يجز نكاحها اخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه من طريق السدى عن ابى صالح عن ابن عباس عن أم هانى بنت ابى طالب ان رسول الله ﷺ لما فتح مكة خطبنى فاعتذرت اليه فعذرنى فانزل الله هذه الاية فلم أحل له لانى لم أكن من المهاجرات وكنت من الطلقا «١»
اخرج ابن سعد عن ابى رزين قال همّ رسول الله ﷺ ان يطلق من نسائه فلمّا راين ذلك جعلنه فى حل من انفسهن يؤثر من يشاء على من يشاء منهن فانزل الله تعالى إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ الى قوله تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ الاية وقوله تعالى خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ يدل على انه كان من خصائص النبي ﷺ ان ينعقد النكاح فى حقه بغير مهر وذلك هو المراد بقوله تعالى إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ يعنى ان زوجت نفسها بغير مهر كما ان الزيادة على اربع من النساء كان من خصائصه ﷺ وقيل هذه الاية تدل على ان انعقاد النكاح بلفظ الهبة كان من خصائص النبي ﷺ ولا يجوز ذلك لغيره قال البغوي وهو قول سعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء وبه قال ربيعة ومالك والشافعي قالوا لا ينعقد النكاح لغير النبي ﷺ الا بلفظ النكاح والتزويج- قلت وبه قال احمد وذكر فى ترجمة الاية فى اختلاف الائمة قول احمد انه ينعقد النكاح بلفظ الهبة مع ذكر المهر- وقال ابو حنيفة رح انعقاد النكاح بلفظ الهبة ليس من خصائص النبي ﷺ بل يجوز نكاح كل أحد بلفظ الهبة والبيع والصدقة والتمليك وكل لفظ وضع لتمليك العين مؤبدا ولا يجوز بلفظ الاجارة والاعارة وقال الكرخي يجوز بلفظ الاجارة والاعارة ايضا لان الثابت بهما تمليك المنفعة وذلك فى النكاح ايضا وقد اطلق الله سبحانه لفظ الاجرة على المهر حيث قال أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ قلنا الاجارة والاعارة ليسا سببين لملك المتعة فلا طريق للاستعارة هناك ولا بلفظ الوصية لانها توجب الملك مضافا الى ما بعد الموت وعن الطحاوي انه ينعقد به النكاح لانه يثبت به ملك الرقبة فى الجملة
قال البيضاوي محتجا بهذه الاية على مذهب الشافعي ان اللفظ تابع للمعنى وقد خص النبي ﷺ بالمعنى اجماعا وهذا القول غير سديد فان جواز اطلاق لفظ الهبة فى النكاح انما هو بطريق المجاز ولا وجه لتخصيص التكلم بالمجاز بحضرة الرسالة ﷺ والنكاح يصلح ان يكون معنى مجازيا للفظ الهبة ولا اختصاص بالنبي ﷺ لمعناه المجازى- فان قيل معناه الحقيقي غير مراد فى الاية البتة لان المعنى الحقيقي للهبة تمليك العين وهو غير مراد بل المراد تمليك البضع بغير عوض فاذا اختص به معناه المجازى واللفظ تابع للمعنى فلا يجوز لغيره ﷺ النكاح بلفظ الهبة مجازا- قلنا المعنى المجازى للهبة غير منحصر فى تمليك البضع بغير عوض بل يجوز ان يطلق لفظ الهبة وأريد به تمليك البضع مطلقا سواء كان بعوض او بغير عوض وقال ابن همام انما الكلام فى تحقق طريق المجاز فنفاه الشافعي بناء على انتفاء ما يجوز به التجوز اما اجمالا فلانه لو وجد لصح ان يتجوز بلفظ كل منهما عن الاخر بان يقال نكحتك هذا الثوب مرادا به وهبتك او ملكتك وليس فليس واما تفصيلا فلان التزويج هو التلفيق وضعا والنكاح الضم ولا ضم ولا ازدواج فى المالك والمملوك ولذا يفسد النكاح عند ورود ملك أحد الزوجين على الاخر ولو كان لم ينافه تأكد به- ولنا على الشافعي اولا النقض الإجمالي وهو انه لولا العلاقة المصححة للمجاز بين الهبة والنكاح لما جاز نكاح النبي ﷺ بلفظ الهبة وذلك جائز ولمّا ثبت العلاقة المصححة للمجاز بينهما وبين النكاح بلا عوض ثبت بينها وبين مطلق النكاح ايضا لوجود الأعم فى ضمن الأخص وثانيا ان معنى الحقيقي للهبة تمليك العين وتمليك العين سبب لملك المتعة فى محلها بواسطة ملك الرقبة وملك المتعة
قال البغوي اختلفوا فى انه هل كانت عند النبي ﷺ امرأة وهبت نفسها له قال ابن عباس ومجاهد لم تكن عنده امراة الا بعقد نكاح او ملك يمين وقوله ان وهبت نفسها للنّبىّ على طريق الشرط والجزاء وقال آخرون كانت عنده منهن قال الشعبي هى زينب بنت خزيمة الانصارية يقال لها أم المساكين وقال قتادة ميمونة بنت الحارث وقال على بن الحسين عليهما السّلام والضحاك ومقاتل هى أم شريك بنت جابر من بنى اسد اخرج ابن سعد وابن ابى شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن على بن الحسين وابن سعد عن عكرمة انها أم شريك بنت جابر وقال عروة بن الزبير هى خولة بنت حكيم من بنى سليم.
قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا اى ما أوجبنا عَلَيْهِمْ اى على المؤمنين فِي أَزْواجِهِمْ من شرائط النكاح ووجوب القسم والمهر بالوطى حيث لم يسم وان لا يتزوجوا اكثر من اربع وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ بالشراء وغيره بان يكون الامة ممن تحل لمالكها كالكتابية بخلاف المجوسية والوثنية وان يستبرا قبل الوطي وما وسع الله الأمر فيهن فى العدد وعدم وجوب القسم والجملة معترضة لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ متعلقة بقوله خالصة وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لما يعسّر التحرز عنه رَحِيماً (٥٠) بالتوسعة فى مضانّ الحرج.
اخرج الشيخان فى الصحيحين عن عائشة انها كانت تقول اما تستحيى المرأة ان تهب نفسها فانزل الله.
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ الاية فقالت عائشة ارى ربك ليسارع لك فى هواك وفى لفظ قالت عائشة كنت أعار على اللاتي وهبن انفسهن لرسول الله ﷺ وأقول أتهب المرأة نفسها فلما انزل الله تعالى تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ الاية قلت ما ارى ربك الا يسارع فى هواك- قرأ نافع وحمزة
تؤوي إليك امراة ممن عزلتهن عن انفسهن فَلا جُناحَ اى لا اثم عَلَيْكَ فى شىء من ذلك ذلِكَ التفويض الى مشيتك أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ اى اقرب الى قرة أعينهن وعدم حزنهن ورضائهن جميعهن لان حكم كلهن فيه سواء ثم من أويت منهن إليك وجدت ذلك تفضلا ومن عزلت منهن علمت انه بحكم الله وعلمت منك تفضلا ايضا حيث أبقيت فى نكاحك من غير حاجة منك إليها وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ فاجتهدوا فى إحسانه وفيه وعيد لمن لم ترض منهن بمشية رسوله صلى الله عليه وسلم- وقيل معناه اللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ من امر النساء والميل الى بعضهن وانما خيرناك فيهن تيسيرا لك وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بذات الصدور حَلِيماً (٥١) لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق
لا يَحِلُّ قرأ ابو عمرو ويعقوب بالتاء الفوقانية والباقون بالياء التحتانية لان تأنيث الجمع غير حقيقى لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ اى بعد هذا اليوم حتى لو ماتت واحدة منهن لم يحل له نكاح اخرى وَلا أَنْ تَبَدَّلَ أصله تتبدل حذفت احدى التاءين من مضارع التفعل بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ من مزيدة لتأكيد النفي يعنى لا يجوز لك ان تطلق منهن واحدة وتنكح مكانها اخرى قال البغوي وذلك ان النبي ﷺ لما خيرهن واخترن الله ورسوله شكرهن الله وحرم على نبيه من النساء سواهن ونهاه عن تطليقهن والاستبدال بهن وهذا قول ابن عباس وقتادة- واختلفوا فى انه هل أبيح له من بعد اخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد واحمد وعبد بن حميد وابو داؤد فى ناسخه والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردوية والبيهقي من طريق عطاء عن عائشة قالت لم يمت رسول الله ﷺ حتى أحل الله ان يتزوج من النساء ما شاء الا ذات محرم بقوله تعالى تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ فان تلك الاية وان تقدمها قراءة مسبوق بها نزولا- واخرج ابن ابى حاتم عن أم سلمة مثله واخرج ابن سعد عن ابن عباس مثله وذكر البغوي قول انس مات رسول الله على التحريم- وقال البغوي قال عكرمة والضحاك معنى الاية لا يحل لك النساء بعد اللاتي أحللنا لك بالصفة التي تقدم ذكرها وقيل لابى بن كعب لو مات نساء النبي ﷺ كان له ان يتزوج قال وما يمنعه من ذلك قيل قوله تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ قال انما أحل الله له ضربا من النساء فقال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ الاية ثم قال لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ- قال ابو صالح أمران لا يتزوج اعرابية ولا عربية ويتزوج من نساء قومه من بنات العمّ وبنات العمّة وبنات الخال وبنات الخالة ان شاء ثلاث مائة وقال مجاهد لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات ولا ان تبدل بالمسلمات غيرهن يقول لا يكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية الا ما ملكت يمينك أحل له
الاستثناء منقطع قال ابن عباس ملك رسول الله ﷺ بعد ذلك مارية يعنى أم ابراهيم وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢) فتحفظوا أمركم ولا تتجاوزوا عمّا حد لكم.
(مسئلة) قال البغوي فى الاية دليل على جواز النظر الى من يريد نكاحها
اخرج الشيخان فى الصحيحين عن انس قال لمّا تزوج النبي ﷺ زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فاذا كانه يتهيؤا للقيام فلم يقوموا فلمّا راى ذلك قام فلمّا قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبي ﷺ ليدخل فاذا القوم جلوس ثم انهم قاموا فانطلقت فجئت فاخبرت النبي ﷺ انهم انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت ادخل فالقى الحجاب بينى وبينه فانزل الله تعالى.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ الاية وذكر البغوي حديث ابن شهاب عن انس انه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله ﷺ المدينة قال أمهاتي يواطينى على خدمة النبي ﷺ فخدمته عشر سنين وتوفى النبي ﷺ وانا ابن عشرين سنة وكنت اعلم الناس بشأن الحجاب حين نزل كان أول ما نزل فى مبنى رسول الله ﷺ بزينب بنت جحش أصبح النبي ﷺ بها عروسا فدعى القوم فاصابوا من الطعام الحديث- فذكر مثل رواية البخاري وفى رواية للبخارى قال انس كنت اعلم الناس بهذه الاية اية الحجاب لما أهديت زينب الى النبي ﷺ كانت معه فى البيت صنع طعاما ودعا القوم فقعدوا يتحدثون فجعل النبي ﷺ يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون فانزل الله تعالى تلك الاية وضرب الحجاب وقام القوم- وفى رواية له قال انس او لم حين بنى النبي ﷺ بزينب بنت جحش بخبز ولحم فارسلت على الطعام داعيا فيجئ القوم فياكلون ويخرجون ثم يجئ قوم فيأكلون ويخرجون
واخرج الطبراني بسند صحيح عن عائشة قالت كنت أكل مع النبي ﷺ فى قعب فمرّ عمر فدعاه فاكل فاصابت إصبعه إصبعي فقال اوّه لو أطاع فيكن ما راتكن عين فنزلت اية الحجاب- وكذا اخرج البخاري فى الأدب المفرد والنسائي واخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال دخل رجل على النبي ﷺ فاطال الجلوس فخرج النبي ﷺ ثلاث مرات ليخرج فلم يفعل فدخل عمر فراى الكراهية فى وجهه فقال للرجل ولعلّك آذيت النبي ﷺ فقال النبي ﷺ لقد قمت ثلاثا لكى يتبعنى فلم يفعل فقال له عمر يا رسول الله لو اتخذت حجابا فان نساءك لسن كسائر
اخرج ابن ابى حاتم عن ابن زيد قال بلغ النبي ﷺ ان رجلا يقول لو توفى النبي ﷺ تزوجت فلانة من بعده فنزلت وَما كانَ اى ما صح لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ اى تفعلوا ما يكرهه وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد وفاته او فراقه أَبَداً واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس
إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً من أذى النبي ﷺ او من نكاحهن أَوْ تُخْفُوهُ فى أنفسكم قال البغوي نزلت فيمن أضمر نكاح عائشة رضى الله عنها بعد رسول الله ﷺ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤) تعليل لجزاء محذوف أقيم مقامه تقديره يعلمه الله فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً فيجازيكم عليه وفى هذا التعميم
لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ اى فى ترك الاحتجاب من ابائهن وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وانما لم يذكر العم والخال لانه لما ذكر أبناء اخوانهن وأبناء أخواتهن يظهر بدلالة النص حكم الأعمام والأخوال لانهن عمات بالنسبة الى أبناء الاخوة وخالات بالنسبة الى أبناء الأخوات والعم والعمة من جنس واحد كالخال والخالة روى البخاري عن عروة بن الزبير ان عائشة قالت استأذن أفلح أخ ابى القعيس بعد ما انزل الحجاب فقلت لا اذن حتى استأذن فيه رسول الله ﷺ فان أخاه أبا القعيس ليس هو ارضعنى ولكن أرضعتني امرأة ابى القعيس فدخل علىّ النبي ﷺ فقلت يا رسول الله ان أفلح أخا ابى القعيس استأذن فابيت ان اذن له حتى استأذنك فقال النبي ﷺ تأذنين عمك قلت يا رسول الله ان الرجل ليس هو ارضعنى ولكن أرضعتني امرأة ابى القعيس فقال ائذني له فانه عمك تربت يمينك- قال عروة فلذلك كانت عائشة تقول حرموا من الرضاع ما تحرموا من النسب وَلا نِسائِهِنَّ يعنى مؤمنات حرائر وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ من العبيد والإماء وقيل من الإماء خاصة كما ذكرنا فى سورة النور وَاتَّقِينَ اللَّهَ هذه الجملة معطوفة على مضمون لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ يعنى وَاتَّقِينَ اللَّهَ فى البروز للاجانب وفى كل ما امرتن به وفيه التفات من الغيبة الى الخطاب لمزيد التأكيد إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من افعال العباد شَهِيداً (٥٥) فيجازى عليه.
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قال ابن عباس ان الله يرحم النبي ﷺ والملائكة يدعون له- وعن ابن عباس ايضا يصلون اى يبركون وقيل الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار قال ابو العالية صلوة الله عليه ثناؤه عند الملائكة وصلوة الملائكة الدعاء وقد ذكرنا الكلام فى الصلاة
وقال الحافظ ابن حجر أقوى من هذا الحديث حديث فضالة بن عبيد انه سمع رسول الله ﷺ رجلا يدعو فى صلاته فلم يصل على النبي ﷺ فقال عجّل هذا ثم دعاه ثم قال له ولغيره إذا صلّى أحدكم فليبدا بحمد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي ﷺ ثم ليدع بما شاء رواه ابو داود والنسائي والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم قال ولفظ الترمذي بينما رسول الله ﷺ قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال اللهم اغفر لى وارحمني فقال رسول الله ﷺ عجّلت ايها المصلى إذا صليت فقعدتّ فاحمد الله بما هو اهله وصل علىّ ثم ادعه قال ثم صلّى رجل اخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي ﷺ فقال له النبي ﷺ ايها المصلى ادع تجب- رواه الترمذي وروى ابو داؤد والنسائي نحوه قلت ويمكن الاستدلال على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه فى الصلاة بعد التشهد بان المراد بالأمر فى هذه الاية ان يصلى عليه ﷺ فى الصلاة كما ان المراد بقوله تعالى وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ تكبير التحريمة وبقوله تعالى قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ وقوله تعالى واركعوا واسجدوا القيام والركوع والسجود فى الصلاة وبقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ القراءة فى الصلاة يدل على هذا ما رواه البخاري عن كعب بن عجرة وكذا فى حديث ابى سعيد الخدري قيل يا رسول الله اما السّلام عليك فقد عرفنا فكيف الصلاة قال قولوا اللهم صل على محمد الى آخره يعنى قد عرفنا السّلام فى التشهد وهو قوله السّلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته فكيف نصلى حينئذ فعلّم رسول الله ﷺ بقوله اللهم صل على محمد الى آخره وقد تلقته الامة بالقبول واجمعوا على جعلها بعد التشهد وان اختلفوا
واستدل من يقول بوجوب الصلاة كلّما جرى ذكره ﷺ بحديث ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علىّ ورغم انف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل ان يغفر له ورغم انف رجل أدرك عنده أبواه الكبر او أحدهما فلم يدخلاه الجنة- رواه الترمذي وابن حبان فى صحيحه وحديث جابر بن سمرة عنه ﷺ من ذكرت عنده فلم يصلّ علىّ فدخل النار فابعده الله عزّ وجلّ وحديث ابن عباس مرفوعا بلفظ أتاني جبرئيل من ذكرت عنده فلم يصل عليك فدخل النار فابعده الله عز وجل روى الحديثين الطبراني وروى ابن السنى عن جابر مرفوعا بلفظ من ذكرت عنده فلم يصل على فقد شقى- وعن علىّ قال قال رسول الله ﷺ البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علىّ- رواه الترمذي ورواه احمد عن الحسين ابن على رضى الله عنهما وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب وروى الطبراني بسند حسن عن الحسين بن على رضى الله عنهما مرفوعا من ذكرت عنده فخطى الصلاة علىّ خطى طريق الجنة- وروى النسائي بسند صحيح عن انس من ذكرت عنده فليصل علىّ فانه من صلى علىّ ﷺ عشرا.
(فصل) فى فضل الصلاة والسّلام على النبي ﷺ وكيفيتها عن عبد الرحمن بن ابى ليلى قال لقينى كعب بن عجرة فقال الا اهدى لك هدية سمعتها من النبي ﷺ فقلت بلى فاهدها لى فقال سالنا رسول الله ﷺ فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم اهل البيت فان الله قد علّمنا كيف نسلم عليك قال قولوا اللهم صلّ على محمّد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد- متفق عليه الا ان مسلما لم يذكر على ابراهيم فى الموضعين وعن ابى حميد الساعدي قال قالوا يا رسول الله كيف نصلى عليك فقال رسول الله ﷺ قولوا
وعن أبيّ بن كعب قال قلت يا رسول الله انى اكثر الصلاة عليك فكم اجعل لك من صلاتى قال ما شئت قال الربع قال ما شئت وان زدتّ فهو خير لك قلت النصف قال ما شئت وان زدتّ فهو خير لك قلت فالثلثين قال ما شئت فان زدتّ فهو خير لك قلت اجعل لك صلاتى كلها قال إذا تكفى همك ويكفر لك ذنبك- رواه الترمذي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ من سرّه ان يكتال بالمكيال الا وفى إذا صلّى علينا اهل البيت فليقل اللهم صل على محمد النبي الأمي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته واهل بيته كما صليت على ابراهيم انك حميد مجيد- رواه ابو داؤد عن عبد الله بن عمرو قال من صلّى على النبي صلى
(مسئلة) هل يجوز الصلاة والسّلام على غير الأنبياء والصحيح انه يجوز تبعا ويكره استقلالا كما يكره ان يقال محمد عزّ وجلّ مع كونه عزيزا جليلا لاختصاصه
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ قال البغوي قال ابن عباس هم اليهود والنصارى والمشركون فاما اليهود فقالوا عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ويَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ- وقالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ- واما النصارى فقالوا الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ- وثالِثُ ثَلاثَةٍ- واما المشركون فقالوا الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ قال الله تعالى كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمنى ولم يكن له اما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدنى كما بدانى وليس أول الخلق باهون علىّ من إعادته واما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الأحد الصمد الذي لم الد ولم اولد ولم يكن لى كفوا أحد- وفى رواية ابن عباس واما شتمه إياي فقوله لى ولد فسبحانى ان اتخذ صاحبة او ولدا- رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ قال الله تعالى يؤذينى ابن آدم يسب الدهر وانا الدهر بيدي الأمر اقلب الليل والنهار متفق عليه وقيل معنى يوذينى يلحدون فى أسمائه وصفاته وقال عكرمة هم اصحاب التصاوير عن ابى زرعة انه سمع أبا هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول قال الله تعالى ومن اظلم ممن ذهب يخلق كخلقى فليخلقوا ذرة وليخلقوا حبة او شعيرة- متفق عليه وروى البخاري عن ابن عباس من صور صورة فان الله معذبه حتى ينفخ فيه الروح فليس بنافخ فيها ابدا- وقيل معنى الأذى مخالفة امر الله وارتكاب معاصيه وانما ذكر على ما يتعارف الناس بينهم والله منزه من ان يلحقه أذى من أحد ويؤذون رَسُولَهُ قال ابن عباس هو انه شج وجهه وكسرت رباعيته وقيل ساحر شاعر معلم مجنون- وهذا الذي ذكرنا انما يستقيم على قول من جوز اطلاق اللفظ الواحد على معنيين وعند الجمهور معناه ان الذين يرتكبون ما يكرهه الله ورسوله وجاز ان يكون معنى الاية الذين يؤذون رسول الله وذكر الله لتعظيم الرسول كانّ من أذى الرسول فقد أذى الله اخرج ابن ابى حاتم من طريق العوفى عن ابن عباس ان الاية نزلت فى الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم
الله تعالى لَعَنَهُمُ اللَّهُ إلخ.
(مسئلة) من أذى رسول الله ﷺ بطعن فى شخصه او دينه او نسبه او صفة من صفاته او بوجه من وجوه الشين فيه صراحة او كناية او تعريضا او اشارة كفر ولعنه الله فى الدنيا والاخرة واعدّ له عذاب جهنم وهل يقبل توبته
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا اى من غير ان يعملوا ما يوجب إذا هم وقال يقعون فيهم ويرمون بغير جرم فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨) تنكير البهتان والإثم للتفخيم قال مقاتل نزلت فى على بن ابى طالب رضى الله عنه وقيل نزلت فى شأن عائشة رضى الله عنها قلت اللفظ عام فى كل من يؤذى «١» مؤمنا او مؤمنة باىّ وجه كان وان كان المورد خاصّا عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من امنه الناس على دمائهم وأموالهم- رواه الترمذي والنسائي وسب عائشة هو سب النبي ﷺ عرفا وعقلا ونقلا لما ذكرنا فى قول جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قوله ﷺ من يعذرنى من رجل يؤذينى ويجمع فى بيته من يؤذينى يعنى عبد الله ابن أبيّ حين قذف عائشة فقول من قال هاهنا انها نزلت فى شأن عائشة معناه ان قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الى قوله إِثْماً مُبِيناً نزلت فى شأن عائشة لا الجملة الاخيرة وحدها وكذا من سبّ عليّا فقد أذى رسول الله ﷺ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال الضحاك والكلبي نزلت الاية فى شأن الزناة الذين يمشون فى طرق المدينة وهم المنافقون يتبعون النساء إذا برزن فى الليل لقضاء حوائجهن فيغمزون المرأة فان سكتت اتبعوها وان زجرتهم انتهوا عنها- ولم يكونوا يطلبون الا الإماء ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الامة لان زى الكل كان واحدا يخرجن فى درع وخمار الحرة والامة فشكون ذلك الى أزواجهن فذكروها لرسول الله ﷺ فنزلت هذه الاية ثم نهين الحرائر ان يتشبهن بالإماء فى الاية اللاحقة والله اعلم اخرج ابن سعد فى الطبقات عن ابى مالك واخرج نحوه عن الحسن ومحمد بن كعب القرظي قال كان نساء النبي ﷺ يخرجن بالليل لحاجتهن وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين فشكون ذلك فقيل ذلك للمنافقين فقالوا انما نفعله بالإماء فنزلت.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ امر بتقدير اللام اى ليدنين عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ جمع جلباب وهى الملحفة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار روى البخاري عن عائشة قالت خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امراة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فراها عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال يا سودة اما والله ما تخفين علينا فانظرى كيف تخرجين قالت فانكفات «مالت ورجعت الى بيتها- منه رح» راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم- فى بيتي وانه ليتعشى وفى يده عرق فدخلت فقالت يا رسول الله انى خرجت لبعض حاجتى فقال عمر كذا وكذا قالت فاوحى الله تعالى اليه ثم رفع عنه وان العرق «١» فى يده ما وضعه فقال
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ عن نفاقهم وعما يتعرضون للنساء وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ اى ضعف ايمان وقلة ثبات عليه او فجور عن تزلزلهم فى الدين او فجورهم وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ الذين يوقعون فى المدينة الرجفة وهو الزلزلة والاضطراب الشديد وذلك ان أناسا من المنافقين كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله ﷺ يوقعون.
فى الناس الاخبار الكاذبة يقولون انهم قتلوا وانهزموا ويقولون قد أتاكم العدو ونحوها وقال الكلبي يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ويفشون الاخبار يعنى الكاذبة لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ جواب لقسم محذوف لفظا وللقسم والشرط معا معنى اى لنأمرنك بقتالهم واجلائهم او ما يضطرهم الى طلب الجلاء او لنسلطنك عليهم ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ عطف على لنغرينّك لانه يجوز ان يجاب به القسم لصحة قولك لان لم ينتهوا لا يجاورونك ولمّا كان الجلاء عن الوطن من أعظم المصائب عطف بثم لبعد حاله عن حال المعطوف عليه اى لا يساكنونك فِيها اى فى المدينة إِلَّا قَلِيلًا (٦٠) اى زمانا قليلا او جوارا قليلا حتى يخرجوا منها او يقتلوا.
مَلْعُونِينَ منصوب على الذم والشتم او الحال والاستثناء شامل له
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ مصدر مؤكد اى سنّ الله ذلك فى الأمم الماضية وهو ان يقتل الذين نافقوا بالأنبياء وسعوا فى وهنهم بالارجاف ونحوه اين ما ثقفوا او منصوب بنزع الخافض اى كسنة الله وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٦٢) لان الله تعالى لا يبدل سنته وغيره لا يقدر على ان يبدلها.
يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ اى عن وقت قيامها استهزاء او تعنتا او امتحانا فالمشركون كانوا يستهزءون ويسئلون عن الساعة إنكارا واستهزاء واليهود كانوا يسئلون اما تعنتا واما امتحانا لان الله عمى وقتها فى التورية وفى سائر الكتب قُلْ يا محمد إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ لم يطلع الله عليه أحدا من الأنبياء والملائكة وَما يُدْرِيكَ واى شىء يعلمك وقت قيامها إذا لم يطلع الله عليه أحدا من خلقه لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣) اى شيئا قريبا او يكون الساعة عن قريب او انتصابه على الظرف ويجوز ان يكون تذكير قريب لان الساعة فى معنى اليوم- وكونه قريبا مبنى على ان كل ما هو ات قريب ولعل لوجوب الوقوع وفيه تهديد للمستعجلين وإسكات للمتعنتين.
إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) نارا شديدا لا يقاد.
خالِدِينَ حال من الضمير فى لهم اى مقدرين خلودهم فِيها اى فى السعير أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يحفظهم وَلا نَصِيراً (٦٥) يدفع العذاب عنهم.
يَوْمَ تُقَلَّبُ ظرف لقوله لا يجدون او منصوب باذكر اى يوم تصرف وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ من جهة الى جهة كاللحم يشوى بالنار او من حال الى حال خصت الوجوه بالذكر لانها أكرم مواضع من الجسد او الوجه عبارة عن الجملة يَقُولُونَ حال من الضمير المجرور فى وجوههم والمضاف جزء من المضاف اليه وهو مسند اليه فيصح وقوع الحال عنه يا لَيْتَنا اى يا قومنا ليتنا وقيل يا للتنبيه أَطَعْنَا اللَّهَ فى الدنيا وَأَطَعْنَا فى الدنيا الرَّسُولَا (٦٦) فلم نبتل بهذا العذاب فى الاخرة زيدت الالف فى الرَّسُولَا والسَّبِيلَا لرعاية الفواصل والدلالة على انقطاع الكلام واستيناف ما بعده.
وَقالُوا رَبَّنا يا ربنا إِنَّا أَطَعْنا
يعنون قادتهم الذين سنوا لهم الكفر قرأ ابن عامر ويعقوب سادتنا بكسر التاء والف قبلها على جمع الجمع للدلالة على الكثرة والباقون بفتح التاء بلا الف قبلها فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧) بما زيّنوه لنا.
رَبَّنا اى يا ربنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ اى مثلى ما أتيتنا منه لانهم ضلوا وأضلونا وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨) قرأ عاصم بالباء الموحدة اى أشد اللعن وأعظمه والباقون بالثاء المثلثة اى كثير العدد-.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى يعنى قالوا فيه ما يشينه فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا فاظهر براءته قيل ذلك ما روى عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ان موسى كان رجلا حييا كريما ستيرا لا يرى من جلده شىء استحياء منه فاذاه من أذاه من بنى إسرائيل فقال ما يستر هذا الستر الا من عيب بجلده اما برص واما ادرة واما آفة فاراد الله ان يبرئه مما قالوا فخلا وحده وخلع ثيابه ووضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلمّا فرغ اقبل على ثيابه ليأخذها فاذا الحجر عدا بثوبه فاخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبى يا حجر ثوبى يا حجر حتى انتهى الى ملأ من بنى إسرائيل فرأوه عريانا احسن ما خلق الله فابراه مما يقولون وقام الحجر فاخذ موسى ثوبه ولبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فو الله ان بالحجر لبقيا من اثر ضربه ثلاثا او أربعا او خمسا فذلك قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا- رواه البخاري والترمذي واحمد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية وعبد الرزاق وعبد بن حميد وقال ابو العالية هو ان قارون استأجر امرأة لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ فعصمه الله فبرأ موسى من ذلك وأهلك قارون وقد مر القصة فى سورة القصص- وقال قوم إذا هم موسى انه لما مات هارون فى التيه ادّعوا على موسى انه قتله فامر الله الملائكة حتى مروا به على بنى إسرائيل فعرفوا انه لم يقتله فبراه الله مما قالوا- أخرجه ابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والحاكم وصححه وابن مردوية عن ابن عباس عن على بن ابى طالب رضى الله عنهم والله اعلم روى البخاري عن عبد الله رضى الله عنه قال قسّم النبي ﷺ قسما فقال رجل ان هذه القسمة ما أريد بها وجه الله فاتيت النبي ﷺ فاخبرته فغضب حتى رايت الغضب فى وجهه فقال يرحم الله موسى قد أوذي
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ فى ارتكاب ما يكرهه فضلا عما يؤذى رسوله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (٧٠) قال ابن عباس صوابا وقال قتادة عدلا وقال الحسن صدقا وقيل مستقيما وقيل قاصدا الى الحق والمال واحد يعنى صدقا غير كذب ولا مجازفة فان الكذب يمحق والصدق يبقى قيل المراد منه نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل وما خاضوا فيه من حديث افك عائشة قال عكرمة هو قول لا اله الا الله.
يُصْلِحْ مجزوم فى جواب الأمر وكذا ما عطف عليه لَكُمْ أَعْمالَكُمْ قال ابن عباس يقبل حسناتكم وقال مقاتل يزكى أعمالكم يعنى يصلحها للقبول والاثابة عليها وقيل معناه يوفقكم للاعمال الصالحة وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ اى يجعلها مكفرة باستقامتكم على القول والعمل وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١) اى ظفر بالخير كله يعيش فى الدنيا حميدا ويبعث فى الاخرة سعيدا.
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ وهاهنا ابحاث الاول فى ان الامانة ما هى الثاني فى ان المراد بالسماوات والأرض والجبال ما هى أعيانها او أهلها كما فى قوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ يعنى أهلها والثالث ان المراد بالعرض الخطاب اللفظي او الحالي والرابع فى معنى الحمل والإباء عنه- قال ابن عباس الامانة الطاعة والفرائض التي فرض الله تعالى على عباده عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال يعنى على أعيانها بالخطاب اللفظي على ان أدتها اثابهن وان ضيعتها عذبهن- وقال ابن مسعود الامانة أداء الصلاة وإيتاء الزكوة وصوم رمضان وحج البيت وصدق الحديث والعدل فى الكيل والوزن وأشد من هذا كله الودائع- وقال مجاهد الامانة أداء الفرائض وحفظ الدين وقال ابو العالية ما أمروا به ونهوا عنه وقال زيد بن اسلم هى الصوم والغسل من الجنابة وما يخفى من الشرائع يعنى ما لا مدخل للرياء فيه وقال عبد الله بن عمرو بن العاص أول ما خلق الله من الإنسان فرجه وقال هذه امانة استودعكها فالفرج امانة والاذن امانة والعين امانة والرجل امانة ولا ايمان
وقيل فى دفع الاستبعاد ان الجمادات كلها وان كانت غير عاقلة بالنسبة إلينا لكنها بالنسبة الى الله تعالى عاقلة خاضعة مطيعة ساجدة له قال الله تعالى للسماوات والأرض ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ وقال الله تعالى وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ... وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقال الله تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ قيل المراد بالإنسان فى قوله تعالى وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ آدم عليه السّلام قال الله تعالى لادم انى عرضت الامانة على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها قال وأنت أخذ بما فيها قال يا رب وما فيها قال ان أحسنت جوزيت وان اسأت عوقبت فحملها آدم فقال بين اذنى وعاتقى فقال الله تعالى إذا قبلت فساعينك واجعل لبصرك حجابا فاذا خشيت ان تنظر الى ما لا يحل فضع عليه حجابه واجعل للسانك لحيين وغالقا فاذا خشيت فاغلق واجعل لفرجك لباسا فلا تكشف على ما حرمت عليك- قال مجاهد فما كان بين ان حملها وبين ما خرج من الجنة الا مقدار ما بين الظهر والعصر قلت لعل الحكمة فى إخراجه من الجنة بعد حمل الامانة ان الجنة ليست محلا لاداء الامانة بل هى محل للثواب على أدائها فاخرج الى الدنيا التي هى مزرعة الاخرة لاداء الامانة- قال البغوي حكى النقاش بإسناده عن ابن مسعود انه مثّلت الامانة كصخرة ملقاة ودعيت السماوات والأرض والجبال إليها فلم يقربن منها وقلن لا نطيق حملها وجاء آدم من غير ان دعى وحرك الصخر وقال لو أمرت بحملها لحملتها فقال له احملها فحملها الى ركبتيه ثم وضعها وقال والله ان أردت ان ازداد لزدتّ فقلن له احمل فحملها حتى وضعها على عاتقه فاراد ان يضعها فقال الله تعالى مكانك فانما هى فى عنقك وعنق ذريتك الى يوم القيامة وذكر الزجاج وغيره من اهل المعاني المراد بالامانة الطاعة التي يعم الطبيعية والاختيارية وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من الاختيار وارادة صدوره من غيره وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها ومنه قولهم حامل لامانة ومحتملها لمن لا يؤديها فيبرأ ذمته فيكون الإباء عنه إتيانها بما يمكن ان يتأتى والظلم والجهالة للخيانة والتقصير قال الله تعالى لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وحكى عن الحسن على هذا التأويل انه قال وَحَمَلَهَا
يعنى الكافر والمنافق حملا الامانة اى خانا قال البغوي قول السلف هو الاول قلت ولمّا كان مقتضى سياق الاية اختصاص الإنسان بحمل الامانة دون غيره من المخلوقات فالقول بان الامانة هى التكليفات الشرعية غير مناسب لاشتراك الجن والملائكة فيها ويلزم منه فضل الملائكة على الإنسان لادائهم الامانة بكمالها لعصمتهم يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ بخلاف الإنسان لانّ منهم ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ- ومن ثم قالت الصوفية العلية المراد بالامانة نور العقل ونار العشق فنور العقل يحصل به معرفة الله سبحانه بالاستدلال ونار العشق يحصل بها معرفة الله سبحانه بحرق الحجب والملائكة وان كانوا عباد الله المقربين لكنهم مخلوقين فى مقام معلوم من القرب والعرفان قال الله تعالى حكاية عنهم وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ فالترقى الى المراتب الغير المتناهية بنار العشق انما هو من خصائص الإنسان- وعندى على ما استفدت من كلام المجدد للالف الثاني رضى الله عنه ان الامانة ما أودع الله سبحانه فى ماهية الإنسان من الاستعداد للتجليات الذاتية الدائمة فان الجن وان كان بعد الايمان والإتيان بالأعمال الصالحة يلحق بالملائكة وتستعد للتجليات الصفاتية لكن التجلي الذاتي لا يتحملها من لا مزاج له من الأرض وهذا الاستعداد هو المستوجب للخلافة وهذا العلم هو المعنى بقوله تعالى للملائكة فى حق آدم عليه السّلام إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ يعنى اعلموا ان التجلي الذاتي لا يتحملها من لا مزاج له من الأرض واليه الاشارة بقوله تعالى إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً يعنى مركبا للقوى السبعية الداعية الى التفوق والتعلى المقتضية للترقيات الى أعلى الشواهق جَهُولًا (٧٢) مركبا للقوى البهيمية التي يطيق بها صاحبها تحمل رياضات ومشاق لا بد منها للعاشق فى طلب وصل المحبوب فهو تعليل ومنقبة له- وتلك القوتين جميعا ناشيتان من الأرض فان مادة الأرض لكمال كثافته يتحمل
التجلي الذاتي كما ان الاجرام الارضية لكثافتها تتنور بنور الشمس دون الاجرام اللطيفة والملائكة المقربون منحصرون فى مقاماتهم وولاياتهم وان كانت ولايتهم فوق ولاية الأنبياء لكونها مستفادة من الصفات من حيث البطون اعنى من حيث قيامها بذات الله سبحانه وولاية الأنبياء من الصفات من حيث الظهور اعنى من حيث هى هى لا من حيث قيامها بالذات- ومن هذه الاعتبار
وعلى كلا التقديرين لمّا كانت الصفتان المذكورتان على تقدير عدم التزكية والخذلان من الله تعالى وكونهما مصروفتين فى الباطل موجبتين للعذاب وعلى تقدير التزكية والتأييد من الله وكونهما مصروفتين فى الحق موجبتين للرحمة والثواب حسن تعليل حمل الامانة وعرضها الذي هو مقتضى تلك الصفتين المركبتين فى الطبيعة الانسانية بقوله تعالى.
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ اللام للعاقبة كما فى قوله لدوا للموت وابنوا للخراب الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ المضيعين للامانة والمنهمكين فى الظلم واللذات وَيَتُوبَ اللَّهُ اى يرجع بالرحمة والمغفرة والجدب والاجتباء وإعطاء مراتب القرب عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ المؤدين للامانات المستغرقين فى التجليات- قال ابن قتيبة اى عرضنا الامانة يعنى التكليفات الشرعية او الاستعداد المودع ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهم الله ويظهر ايمان المؤمن (قلت وعرفان العارف) فيتوب عليه بالرحمة والمغفرة ان حصل منه تقصير فى بعض الطاعات قلت وبالتجليات الذاتية الدائمة والوصل بلا كيف من غير حجاب وذكر التوبة فى الوعد اشعار بان كونهم ظلوما جهولا فى جبلتهم فلا يخلوا عن فرطات وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً للمؤمنين حيث تاب على فرطا بقم رَحِيماً (٧٣) بهم حيث أثابهم على طاعاتهم تفضلا وأفاض عليهم تجلياته وبركاته.
تم تفسير سورة الأحزاب (ويتلوه سورة سبا ان شاء الله تعالى) غرة شهر المحرم من السنة السابعة بعد الف ومائتين سنة ١٢٠٧ هـ وصلى الله على محمّد واله وأصحابه.
فهرست السور القرآنية من التفسير المظهري
فهرست سوره سبا
مضمون/ صفحه/ ان الازمنة كلها وما فيها من الزمانيات الماضية والمستقبلة حاضرة عند الله سبحانه وهو خارج عن الزمان ٥ (فائدة) وقد يأتى على بعض الأكابر حالة يخرج فيه من حيز الزمان فيرى الماضي او المستقبل موجودا عنده ٥ كان الحديد فى يد داود كالشمع والعجين إلخ ١١ حديث ما أكل أحد طعاما قط خيرا من ان يأكل من عمل يديه وان داود نبى الله كان يأكل من عمل يديه ١١ كيفية بناء الجن البيت المقدس ١٣ حديث لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربه ثلثا ١٤ مسئله هل يجوز تزيين المساجد بالذهب والفضة ونحوهما ١٤ حديث كل مصور فى النار يجعل له بكل صورة صوّرها نفسا فيعذبه فى جهنم ١٥ حديث يخرج عنق من النار يوم القيامة إلخ حديث ومن اظلم ممن ذهب يغلق كخلقى ١٦ مضمون/ صفحه/ قال سليمان عليه السلام اللهم أعم موتى على الجن بعلم الانس ان الجن لا يعلمون الغيب ١٧ حديث فروة بن مسيك الغطفاني قدم على رسول الله ﷺ فقال يا نبى الله ان سبا قوم كان لهم فى الجاهلية عزوانى أخشى ان يرتدوا عن الإسلام أفأقاتلهم إلخ ١٨ قال رجل يا رسول الله أخبرني عن السبأ إلخ ١٩ تفصيل قصة سيل العرم ٢٠ علمه تعالى قديم أكن تعلق العلم بالمعلوم حادث ٢٤ ان نبى الله ﷺ قال إذا قضى الله الام فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها إلخ ٢٦ كانت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام خمسمائة وخمسين سنة وقيل ستمأئة ٢٧ حديث أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى إلخ ٣٠ حديث قال رسول الله ﷺ يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده إلخ ٣٧ حديث لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلخ ٣٨
فهرست سورة الملائكة
حديث ان رسول الله ﷺ كان يقول دبر كل صلوة لا اله الّا الله وحده لا شريك له ٤٢ حديث ما بين النفختين أربعون إلخ ٣٦ حديث ابن مسعود ما من عبد يقول خمس كلمات إلخ ٣٦ حديث لا يرد القضاء الّا الدعاء إلخ ٤٥ حديث يجيئ ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال إلخ ٥١ حديث إذا كان يوم القيامة رفع الى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين إلخ ٥١ قال الشيخ العارف الاجل شهاب الدين السهروردي فى هذه الاية تعريض الى انه من لا خشية له فهو ليس بعالم ٥٣ حديث ابى هريرة قال رسول الله ﷺ والذي نفسى بيده لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا- ٥٤ حديث ابن مسعود قال رسول الله ﷺ يوفيهم أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة إلخ ٥٥ حديث سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له ٥٦ حديث ابى ثابت ان رجلا دخل المسجد فقال اللهم ارحم غربتى إلخ ٥٧ حديث ابى موسى يبعث الله العباد يوم القيامة ثم يميز العلماء فيقول يا معشر العلماء إلخ ٥٧ حديث ابى هريرة يبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء إلخ ٥٩.