تفسير سورة الطارق

الدر المنثور
تفسير سورة سورة الطارق من كتاب الدر المنثور في التأويل بالمأثور المعروف بـالدر المنثور .
لمؤلفه السُّيوطي . المتوفي سنة 911 هـ

أخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت ﴿ والسماء والطارق ﴾ بمكة.
وأخرج أحمد والبخاري في التاريخ وابن مردويه والطبراني عن خالد العدواني أنه أبصر رسول الله ﷺ بسوق ثقيف، وهو قائم على قوس أو عصا حين أتاهم يبتغي النصر عندهم، فسمعه يقرأ ﴿ والسماء والطارق ﴾ حتى ختمها. قال : فوعيتها في الجاهلية ثم قرأتها في الإِسلام.
وأخرج النسائي عن جابر قال : صلى معاذ المغرب فقرأ البقرة والنساء فقال النبي ﷺ :« أفتان أنت يا معاذ، أما يكفيك أن تقرأ ﴿ والسماء والطارق ﴾ ﴿ والشمس وضحاها ﴾ [ الشمس : ١ ] ونحو هذا؟ ».
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ والسماء والطارق ﴾ قال : أقسم ربك بالطارق وكل شيء طرقك بالليل فهو طارق.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس ﴿ والسماء والطارق ﴾ فقال :﴿ وما أدراك ما الطارق ﴾ فقلت :﴿ فلا أقسم بالخنس ﴾ [ التكوير : ١٥ ] فقال :﴿ الجواري الكنس ﴾ [ التكوير : ١٥ ] فقلت :﴿ والمحصنات من النساء ﴾ [ النساء : ٢٤ ] فقال :﴿ إلا ما ملكت أيمانكم ﴾ [ النساء : ٢٤ ] فقلت : ما هذا؟ فقال : ما أعلم منها إلا ما تسمع.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :﴿ والسماء والطارق ﴾ قال : وما يطرق فيها ﴿ إن كل نفس لما عليها حافظ ﴾ قال : كل نفس عليها حفظة من الملائكة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله :﴿ النجم الثاقب ﴾ قال : النجم المضيء ﴿ إن كل نفس لما عليها حافظ ﴾ قال : إلا عليها حافظ.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج ﴿ والسماء والطارق ﴾ قال : النجم يخفى بالنهار ويبدو بالليل ﴿ إن كل نفس لما عليها حافظ ﴾ قال : حفظ كل نفس عمله وأجله ورزقه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة ﴿ والسماء والطارق ﴾ قال : هو ظهور النجم بالليل، يقول : يطرقك بالليل ﴿ النجم الثاقب ﴾ قال : المضيء ﴿ إن كل نفس لما عليها حافظ ﴾ قال : ما كل نفس إلا عليها حافظ. قال : وهم حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك، فإذا توفيته يا ابن آدم قبضت إلى ربك.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ﴿ النجم الثاقب ﴾ قال : الذي يتوهج.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال :﴿ النجم الثاقب ﴾ الثريا.
وأخرج ابن المنذر عن خصيف ﴿ النجم الثاقب ﴾ قال : مم يثقب من يسترق السمع.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ﴿ إن كل نفس لما عليها حافظ ﴾ مثقلة منصوبه اللام.
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله :﴿ فلينظر الإِنسان مم خلق ﴾ قال : هو أبو الأشدين كان يقوم على الأديم فيقول : يا معشر قريش من أزالني عنه فله كذا وكذا، ويقول : إن محمداً يزعم أن خزنة جهنم تسعة عشر، فأنا أكفيكم وحدي عشرة واكفوني أنتم تسعة.
235
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يخرج من بين الصلب والترائب ﴾ قال : صلب الرجل، وترائب المرأة لا يكون الولد إلا منهما.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبزى قال : الصلب من الرجل والترائب من المرأة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ يخرج من بين الصلب والترائب ﴾ قال : ما بين الجيد والنحر.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : الترائب أسفل من التراقي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ والترائب ﴾ قال : تريبة المرأة، وهو موضع القلادة.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى ﴿ يخرج من بين الصلب والترائب ﴾ قال : الترائب موضع القلادة من المرأة قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم، أما سمعت قول الشاعر :
والزعفران على ترائبها شرفا به اللبات والنحر
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه سئل عن قوله :﴿ يخرج من بين الصلب والترائب ﴾ قال : صلب الرجل وترائب المرأة أما سمعت قول الشاعر :
نظام اللؤلؤ على ترائبها شرفاً به اللبات والنحر
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : الترائب الصدر.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وعطية وأبي عياض مثله.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : الترائب أربعة أضلاع من كل جانب من أسفل الأضلاع.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الأعمش قال : يخلق العظام والعصب من ماء الرجل، ويخلق اللحم والدم من ماء المرأة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ يخرج من بين الصلب والترائب ﴾ قال : يخرج من بين صلبه ونحره ﴿ إنه على رجعه لقادر ﴾ قال : إن الله على بعثه وإعادته لقادر ﴿ يوم تبلى السرائر ﴾ قال : إن هذه السرائر مختبرة فأسروا خيراً وأعلنوه ﴿ فما له من قوة ﴾ يمتنع بها ﴿ ولا ناصر ﴾ ينصره من الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ إنه على رجعه لقادر ﴾ قال : على أن يجعل الشيخ شاباً والشاب شيخاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ﴿ إنه على رجعه لقادر ﴾ قال : على رجع النطفة في الإِحليل.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة ﴿ إنه على رجعه لقادر ﴾ قال : على أن يرجعه في صلبه.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبزى قال : على أن يرده نطفة في صلب أبيه.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن ﴿ إنه على رجعه لقادر ﴾ قال : على إحيائه.
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن خيثم ﴿ يوم تبلى السرائر ﴾ قال : السرائر التي تخفين من الناس، وهن لله بواد داووهن بدوائهن، قيل : وما بدوائهن؟ قال : أن تتوب ثم لا تعود.
وأخرج ابن المنذر عن عطاء في قوله :﴿ تبلى السرائر ﴾ قال : الصوم والصلاة وغسل الجنابة.
وأخرج ابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير مثله.
وأخرج ابن البيهقي في شعب الإِيمان عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله ﷺ :« ضمن الله خلقه أربعة : الصلاة والزكاة وصوم رمضان والغسل من الجنابة، وهن السرائر التي قال الله ﴿ يوم تبلى السرائر ﴾ ».
236
أخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ والسماء ذات الرجع ﴾ قال : المطر بعد المطر ﴿ والأرض ذات الصدع ﴾ قال : صدعها عن النبات.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير وعكرمة وأبي مالك وابن أبزى والربيع بن أنس مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ﴿ والسماء ذات الرجع ﴾ قال : السحاب تمطر ثم ترجع بالمطر ﴿ والأرض ذات الصدع ﴾ قال : المازم غير الأودية والجروف.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء ﴿ والسماء ذات الرجع ﴾ قال : ترجع بالمطر كل عام ﴿ والأرض ذات الصدع ﴾ قال : تصدع بالنبات كل عام.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ﴿ والأرض ذات الصدع ﴾ قال : صدع الأودية.
وأخرج ابن مندة والديلمي عن معاذ بن أنس مرفوعاً ﴿ والأرض ذات الصدع ﴾ قال : تصدع بإذن الله عن الأموال والنبات.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ﴿ والسماء ذات الرجع ﴾ قال : ترجع إلى العباد برزقهم كل عام لولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم ﴿ والأرض ذات الصدع ﴾ قال : تصدع عن النبات والثمار كما رأيتم ﴿ إنه لقول فصل ﴾ قال : قول حكم ﴿ وما هو بالهزل ﴾ قال : ما هو باللعب ﴿ فمهل الكافرين أمهلهم رويداً ﴾ قال : الرويد القليل.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : تعالى ﴿ وما هو بالهزل ﴾ قال : القرآن ليس بالباطل واللعب. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم، أما سمعت قيس بن رفاعة وهو يقول :
وما أدري وسوف أخال أدري أهزل ذا كم أم قول جد
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعد بن جبير ﴿ وما هو بالهزل ﴾ قال : وما هو باللعب.
وأخرج ابن مردويه عن عليّ قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« أتاني جبريل فقال يا محمد : إن أمتك مختلفة بعدك. قلت فأين المخرج يا جبريل؟ فقال : كتاب الله به يقصم كل جبار، من اعتصم به نجا، ومن تركه هلك، قول فصل ليس بالهزل ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ أنه لقول فصل ﴾ قال : حق ﴿ وما هو بالهزل ﴾ قال : بالباطل، وفي قوله :﴿ أمهلهم رويداً ﴾ قال : قريباً.
وأخرج ابن المنذر عن السدي في قوله :﴿ فمهل الكافرين أمهلهم رويداً ﴾ قال : أمهلهم حتى آمر بالقتال.
وأخرج ابن أبي شيبة والدارمي والترمذي ومحمد بن نصر وابن الأنباري في المصاحف عن الحارث الأعور قال :« دخلت المسجد فإذا الناس قد وقعوا في الأحاديث، فأتيت عليّاً فأخبرته، فقال : أوقد فعلوها؟ سمعت رسول الله ﷺ يقول :» إنها ستكون فتنة، قلت : فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال : كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تشبع منه العلماء، ولا تلتبس منه الألسن، ولا يخلق من الرد، ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا :﴿ إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد ﴾ [ الجن : ١ ]، من قال به صدق، ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم « ».
237
وأخرج محمد بن نصر والطبراني عن معاذ بن جبل قال : ذكر رسول الله ﷺ يوماً الفتن فعظمها وشددها فقال علي بن أبي طالب : يا رسول الله فما المخرج منها؟ قال :« كتاب الله فيه المخرج، فيه حديث ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم، من تركه من جبار يقصمه الله، ومن يبتغي الهدى في غيره يضله الله، وهو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم. هو الذي لما سمعته الجن لم تتناه أن قالوا :﴿ إنا سمعنا قرآنا عجباً يهدي إلى الرشد ﴾ [ الجن : ١ ] هو الذي لا تختلف به الألسن ولا تخلقه كثرة الرد ».
238
Icon