تفسير سورة الأعلى

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة الأعلى
مكية وهي تسع عشرة آية

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ سبح اسم ربك الأعلى ١ ﴾ أي نزه اسم ربك عن إلحاد فيه وإطلاقه على غيره أو المعنى نزه تسمية ربك بأن تذكره وأنت له معظم ولذكره محترم وأن لا تسميه باسم من قبل نفسك بل سمي به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه، وقيل : أريد بالاسم الذات المسماة كما في قوله تعالى :﴿ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ﴾١ أي مسميات وقيل : لفظ الاسم مقحم والمعنى سبح ربك الأعلى ونزهه عما يصفه الملحدون وهذا أمر بالتسبيح قولا قال البغوي يعني قل سبحان ربي الأعلى وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين واحتج عليه البغوي بما رواه بسند عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سبح اسم ربك الأعلى فقال : سبحان ربي الأعلى وقال قوم أمر بالتنزيه مطلقا قولا واعتقادا وعملا ولا وجه للتخصيص بالقول والحديث المذكور لا يصلح حجة للتخصيص بالقول بل التسبيح باللسان بمواطأة القلب أحد محتملاته وقول من غير مواطأة القلب لا يعتاد به، قال البغوي قال ابن عباس سبح أي صل بأمر ربك الأعلى فهو أمر بالصلاة ويحتمل أن يكون أمرا بالتسبيح باللسان في الصلاة يدل عليه ما ذكرنا في سورة الحاقة من حديث عقبة بن عامر ( اجعلوها في سجودكم )٢ وحديث حذيفة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى وحديث ابن مسعود وقد ذكرنا.
مسألة :
تسبيحات الركوع والسجود هناك فلا نعيدها وتوصيفه بالأعلى إشارة إلى موجب التسبيح فإن علو شأنه عن إدراك العقول وكما قال قهرمانه واقتداره بمنع عن تسميته بشيء إلا بما وصف به نفسه ويوجب تنزيهه عما وصف به الملحدون سبحانه ما أعظم شأنه.
١ سورة يوسف، الآية: ٤٠..
٢ أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده (٨٦٧)..
﴿ الذي خلق ﴾ حذف المفعول للدلالة على العموم أي خلق كل شيء من الجواهر والأعراض وأفعال العباد ﴿ فسوى ﴾ أي جعل كل شيء متناسب الأجزاء غير متفاوت أو المعنى سوى ما شاء تسويه بحيث لا يتطرق إليه تصور مما خلق لأجله من منفعة ومصلحة أو المعنى سوى مجموع الخلق على ما يقتضيه النظام الجملي ومن ثم قالوا ليس في الإمكان أبدع مما قد كان يعني بحسب النظام.
﴿ والذي قدر ﴾ قرأ الكسائي بتجفيف الدال يعني هو قادر على كل ممكن والباقون بالتشديد وقال البغوي هما بمعنى واحد أي قل أجناس الأشياء وأتراعها وأشخاصها ومقاديرها صفاتها وأفعالها وأرزاقها وآجالها على ما يشاء عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال وكان عرشه على الماء )١ رواه مسلم وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل شيء بقدر حتى العجز والكيس )٢ رواه مسلم ﴿ فهدى ﴾ إلى ما خلق لأجله من خير أو شر، قال مجاهد هدى الإنسان سبيل الخير والشر والسعادة وهدى الحيوان لمراتعها وقال مقاتل والكلبي عرف الذكر كيف يأتي ذكر الأنثى، وقيل : خلق المنافع في الأشياء وهدى الإنسان بوجه استخراجها منها، وقال السدي قدر مدة الجنين في الرحم ثم هدى للخروج من الرحم أو المعنى فهدى من شاء هدايته وأضل من شاء ضلالته والتقدير فهدى وأضل لكن حذف وأضل اكتفاء لقوله ﴿ يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴾٣.
١ أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب، باب: حجاج آدم وموسى عليهما السلام (٢٦٥٣)..
٢ أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب، باب: كل شيء بقدر (٢٦٥٥)..
٣ سورة النحل، الآية: ٩٣..
﴿ والذي أخرج المرعى ٤ ﴾ أي أنبت ما ترعاه الدواب.
﴿ فجعله ﴾ بعد خضرته ﴿ غثاء ﴾ يابسا متفتتا ﴿ أحوى ﴾ أسود صفة لغثاء، وقيل : حال من مرعى أي أخرجه أحوى من شدة حضرته.
كان النبي إذا نزل عليه جبرائيل يفرغ من آخر الآية حتى يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأولها مخافة أن ينساها فأنزل الله ﴿ سنقرئك فلا تنسى ٦ ﴾ وفي إسناده جويبر ضعيف جدا وكذا قال مجاهد والكلبي وقال : فلم ينس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شيئا يعني سنجعلك قاريا بإلهام القراءة كما أنزلنا عليك بلسان جبرائيل، وقيل : لا تنس والألف مزيد الفاصلة عن أبي موسى الأشعر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تعاهدوا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها )١ متفق عليه، وفي الصحيحين عن ابن مسعود نحوه وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعلقة إن عاهدها أمسكها وإن أطلقها ذهبت ) متفق عليه وعن سعد بن مسعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم )٢ رواه أبو داود والدارمي.
١ أخرجه البخاري في كتاب: فضائل القرآن، باب: استذكار القرآن وتعاهده (٥٠٣٣)، وأخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضائل القرآن وما يتعلق به (٧٩١)..
٢ أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه (١٤٧٣)..
﴿ إلا ما شاء الله ﴾ أن ينساه والاستثناء مفرغ في محل النصب والمراد على تأويل الجمهور كما هو الظاهر ما نسخ الله تلاوته وحكمه معا كما قال :﴿ ما ننسخ من آية أو ننسها ﴾١ والإنساء نوع من النسخ وعلى هذا التأويل في الآية المعجزة بوجهين فإن عدم النسيان مطلقا مع أن النسيان مجبول في الإنسان معجزة وفي الأخبار فيما يستقبل ووقعه كذلك معجزة أخرى وأما على ما قيل أن لا ينسى نهي فمعنى الاستثناء أن معاهدة القرآن بقدر الطاقة البشرية واجب فإن شاء الله نسيانه مع معاهدته فهو معذور له ﴿ إنه ﴾ أي الله ﴿ يعلم الجهر ﴾ من القول والفعل ﴿ وما يخفى ﴾ منهما أي يعلم السر والعلانية ويعلم جهرك بالقراءة مع جبرائيل وما دعاك إليه من مخافة النسيان.
١ سورة البقرة، الآية: ١٠٦..
﴿ ونيسرك لليسرى ٨ ﴾ أي نوفقك ونهون عليك عمل الجنة ومنه القراءة على حسب ما أنزل عليك وحفظه والعمل بمضمونه، وفي الكلام قلب تقديره نيسر اليسرى لك وفيه مبالغة فإن اليسرى كان مطلوبا للنبي صلى الله عليه وسلم فجعل طالبا له صلى الله عليه وسلم، قلت : وهذا هو شأن المحبوبية الصرفة قال ابن عباس اليسرى عمل الخير وقيل : معناه نوفقك للشريعة السمحة الحنيفية والجملة معطوفة على سنقرئك وجملة أن يعلم الجهر وما يخفى معترضة مادحة فذكر الفاء للسببية يعني لما يسرنا لك القرآن والشريعة السمحة.
﴿ فذكر إن نفعت الذكرى ٩ ﴾ شرط مستغن عن الجزاء بما سبق قيل : إنما جاءت الشرطية بعد تكرير التذكير وحصول اليأس عن البعض لئلا يتعب نفسه ويتلهف عليهم كقوله :﴿ وما أنت عليهم بجبار ﴾١ وقيل : ظاهره شرط ومعناه استبعاد لتأثير الذكرى فيهم وذم لهم وقيل : بالتذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما يجب إذا ظن نفعه ولذلك أمر بالإعراض عمن تولى وقيل : شرط الجملة محذوف والمراد أنه ذكر أن نفعت الذكرى أو لم ينفع كما في قوله :﴿ سرابيل تقيكم الحر ﴾٢ وأراد الحر والبرد جميعا
١ سورة ق، الآية: ٤٥..
٢ سورة النحل، الآية، ٨١..
ثم بعد ذلك من ينفعه فقال :﴿ سيذكر ﴾ يتعظ وينفع بها ﴿ من يخشى ﴾ الله تعالى فإنه يتأمل فيها ويعمل بمضمونها مخافة عذاب الله تعالى.
﴿ ويتجنبها ﴾ أي الذكر ﴿ الأشقى ﴾ أي الكافر فإنه أشقى من الفاسق أو الأشقى من الكفرة لتوغله في الكفر واللام حينئذ للعهد قيل هو الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة.
﴿ الذي يصلى ﴾ أي يدخل ﴿ النار الكبرى ﴾ أي نار جهنم أو ما في الدرك الأسفل منها أنه ﴿ ثم لا يموت فيها ﴾ فتستريح من العذاب ﴿ ولا يحيى ﴾.
﴿ ثم لا يموت فيها ﴾ فتستريح من العذاب ﴿ ولا يحيى ﴾ حياة طيبة عطف على يصلي بثم لأن التأبيد في العذاب أفزع من التصلي فهو متراخ عنه في مراتب الشدة وفي الوجود أيضا.
﴿ قد أفلح ﴾ أي فاز ﴿ من تزكى ﴾ أي تطهر باطنه عن الشرك وظاهره عن النجاسة للصلاة وماله عن الخبث بالزكاة وقلبه من الاشتغال بذكر الله سبحانه ونفسه عن الرزائل وجوارحه عن خبث المعاصي من الزكاة كتصدق من الصدقة وجملة قد أفلح مستأنفة كأنه في جواب من نجا منها.
﴿ وذكر اسم ربه فصلى ١٥ ﴾ أخرج البزار عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( قد أفلح من تزكى قال : من شهد أن لا إله إلا الله وخلع الأنداد وشهد أني رسول الله وذكر اسم ربه فصلى قال : هي الصلاة الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها ) قالت الحنفية كبر لافتتاح الصلاة فصلى ومن ثم قالوا إن تكبيرة الافتتاح ليست ركنا من الصلاة بل هو شرط عملا بمقتضى الفاء العاطفة الدالة على المغايرة والتعقيب لا يقال عطف العام على الخاص جائز إجماعا مع كون العام مشتملا على الخاص فكذا عطف الكل على الجزء لأنا نقول جواز عطف العام على الخاص لنكتة بلاغية وهي منعدمة في عطف الكل على الجزء ولا نظير له في الاستعمال فعلى هذا جوزوا وبناء النافلة على الفريضة وعلى النافلة وروي عن أبي اليسير جواز بناء الفريضة على النافلة أيضا وجمهور الحنفية على منعه وكذا على منع بناء الفرض على الفرض، قلت : وكونه شرطا لا يقتضي البناء ألا ترى أن النية شرط ولا يجوز الصلاتان بنية واحدة والوضوء شرط وكان في صدر الإسلام واجبا لكل صلاة غير أن بناء النفل على الفرض يجوز تبعا كمن صلى الظهر خمسا ناسيا وقعد للأخيرة ضم إليها السادسة وسجد للسهو والركعتان نافلة، وقال الشافعي وغيره تكبيرة الإحرام ركن لأنه يشترك له كسائر الأركان وهذا آية الركنية قال الحنفية مراعاة الشرائط لما يتصل بها من القيام لا لنفسه ولذا قالوا : لو تحرم حامل النجاسة أو مكشوف العورة أو قبل ظهور الزوال أو متحرفا عن القبلة وألقاها واستتر لعمل يسير وظهر الزوال واستقبل مع آخر الجزء من التحريمة جاز وذكر في الكافي أنها عند بعض أصحابنا ركن انتهى وهو ظاهر كلام الطحاوي فيجب على قول هؤلاء أن لا يصح هذا الفروع والله تعالى أعلم، قلت : ويحتمل أن يكون المراد بذكر اسم ربه الأذان والإقامة يعني أذن وأقام فصلى وحينئذ لا دليل على نفي ركنية تكبيرة الافتتاح وقيل : تزكى أي تصدق للفطر وذكر اسم أي كبر يوم العيد فصلى صلاته كذا قال عطاء، وقال ابن مسعود رضي الله عنه إمرأ تصدق ثم صلى ثم قرأ هذه الآية وقال نافع كان ابن عمر إذا صلى الغداة يعني يوم العيد قال : يا نافع أخرجت الصدقة فإن قلت نعم مضى إلى المصلى وإن قلت لا قال فالآن نخرج فإنما نزلت هذه الآية وفي هذا قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وهو قول أبو العالية وابن سيرين وقال بعضهم لا أدري ما وجه هذا التأويل فإن هذه السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة ولا فطر، قال البغوي يجوز أن يكون النزول سابقا عن الحكم قال الله تعالى :﴿ وأنت حل بهذا البلد ٢ ﴾١ فإن السورة مكية وظهر أثر الحل يوم الفتح وكذا نزل بمكة ﴿ سيهزم الجمع ويولون الدبر ٤٥ ﴾٢ قال عمر بن الخطاب لا أدري أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثت في الدرع ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر قلت سيهزم الجمع صيغة الاستقبال فلا محذور في نزوله سابقا وأما هنا فقوله تعالى :﴿ وذكر اسم ربه فصلى ١٥ ﴾ صيغة لا يتصور الحكاية عن شيء من قبل وجوده، وقيل المراد بالصلاة ها هنا الدعاء فإن من سنة الدعاء الثناء على الله أولا وآخرا عن فضالة قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل وصلى فقال : اللهم اغفر لي وارحمني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( عجلت أيها المصلي إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصل علي ثم ادعه قال : ثم صلى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أيها المصلي ادع تجب )٣ رواه الترمذي وروى أبو داود والنسائي نحوه، عن عبد الله بن مسعود قال : كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على الله ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعوت لنفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( سل تعط ) رواه الترمذي، قال الشيخ الأجل يعقوب الكرخي رضي الله عنه إن في الآية إشارة إلى منازل السلوك الأول التوبة والتزكية بقوله قد أفلح من تزكى والثاني المداومة بالذكر اللساني والقلبي والروحي والسري بقوله وذكر اسم ربه والثالث بالمشاهدات بقوله فصلى فإن الصلاة معراج المؤمنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( جعلت قرة عيني في الصلاة )٤ رواه أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي، قلت : وأيضا في عطف الذكر على التزكي بالواو وعطف الصلاة عليه بالفاء إشارة إلى ما ذكر المجدد من الترتيب في أذكار الطريقة حيث عين للمبتدي الذكر باسم الذات أو النفي والإثبات في أثناء تزكية النفس وقال : إن الصلاة لا تقيد فائدة تامة إلا بعد تزكية النفس وفي التجليات الذاتية والترقي هناك بالصلاة والله تعالى أعلم.
١ سورة البلد، الآية: ٢..
٢ سورة القمر، الآية: ٤٥..
٣ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات..
٤ أخرجه النسائي في كتاب: عشرة النساء، باب: حب النساء (٣٩٣٩)..
﴿ بل تؤثرون ﴾ قرأ أبو عمرو بالياء على الغيبة والضمير عائد إلى الأشقياء والباقون بالتاء على الخطاب لهم على سبيل الالتفات أو على إضمار قل جملة بل تؤثرون على محذوف أي وهم يعني الأشقياء لا يزكون وأنتم أيها الأشقياء لا تزكون ولا تذكرون اسم ربكم ولا يصلون بل توترون ﴿ الحياة الدنيا ﴾ على الحياة الأخرى.
﴿ والآخرة خير ﴾ فإن نعمها ذات بالذات خال عن الغوائل وأجل نعمها الروية والوصال ورضوان الله ذي الجلال ﴿ وأبقى ﴾ أي الانقطاع لها بخلاف الدنيا، وهذه الجملة حال من فاعل تؤثرون.
﴿ إن هذا ﴾ يعني ما ذكر من قوله تعالى :﴿ قد أفلح من تزكى ١٤ ﴾ إلى آخر أربع آيات ﴿ لفي الصحف الأولى ﴾ أي الكتب السماوية على الأنبياء والماضيين فإنه جامع أمور الديانة وخلاصة الكتب كلها.
﴿ صحف إبراهيم وموسى ١٩ ﴾ بدل بعض تخصيص بعد التعميم أمال حمزة والكسائي أواخر السورة وورش وأمال أبو عمرو الذكرى واليسرى وما عداها بين بين والباقون بالفتح، أخرج البزار عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ إن هذا لفي الصحف الأولى ١٨ ﴾ قال النبي صلى الله عليه وسلم كان هذا وكل هذا في صحف إبراهيم وموسى وقيل : هذا في إن هذا إشارة إلى ما في السورة كلها واستدل بعض الحنفية بهذه الآية على جواز قراءة القرآن في الصلاة بالفارسية لأن الله سبحانه أمر بقراءة ما تيسر من القرآن ثم قال : إن هذا لفي الصحف الأولى وقال :﴿ وإنه لفي زبر الأولين ﴾١ ولم يكن في الصحف الأولى بهذا النظم بل المعنى، قلت : هذا ليس بشيء فإن القرآن اسم للنظم والمعنى جميعا لقوله تعالى :﴿ قرآنا عربيا غير ذي عوج ﴾٢ وقوله تعالى :﴿ فأتوا بسورة من مثله ﴾٣ يعني في النظم فإنه هو المعجز في كل سورة غالبا ولذا جاز مس المحدث والجنب وقراءة الجنب والحائض ترجمة القرآن بالفارسية والإشارة إلى المعنى في هذه الآية وكذا إرجاع الضمير إلى القرآن من حيث المعنى مجازا لا يستلزم كون القرآن اسما للمعنى فقط والله تعالى أعلم.
١ سورة الشعراء، الآية: ١٩٦..
٢ سورة الزمر، الآية: ٢٨..
٣ سورة البقرة، الآية: ٢٣..
Icon