ﰡ
مكية وهي إحدى وعشرون آية وإحدى وسبعون كلمة وثلاثمائة وعشرة أحرف.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة الليل (٩٢): الآيات ١ الى ٥]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥)
قوله عز وجل: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى أي يغشى النّهار بظلمته فيذهب الله بضوئه. أقسم الله تعالى بالليل لأنه سكن لكافة الخلق يأوى فيه كل حيوان إلى مأواه، ويسكن عن الاضطراب، والحركة، ثم أقسم بالنهار بقوله وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى أي بان وظهر بعد الظلمة لأن فيه حركة الخلق في طلب الرزق وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أي ومن خلق فعلى هذا يكون أقسم بنفسه تعالى، والمعنى والقادر العظيم الذي قدر على خلق الذكر، والأنثى من ماء واحد إن أريد به جنس الذكر والأنثى، وقيل هما آدم وحواء، وإنما أقسم بهما لأنه تعالى ابتدأ خلق آدم من طين وخلق منه حواء من غير أم وجواب القسم قوله تعالى: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى أي إن أعمالكم لمختلفة فساع في فكاك نفسه، وساع في عطبها روى أبو مالك الأشعري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» قوله موبقها أي مهلكها.
قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى أي أنفق ماله في سبيل الله عز وجل: وَاتَّقى أي ربه، وفيه إشارة إلى الاحتراز عن كل ما لا ينبغي.
[سورة الليل (٩٢): الآيات ٦ الى ١٠]
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠)
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى قال ابن عباس صدق بقول لا إله إلا الله وعنه صدق بالخلف به، أي أيقن أن الله سيخلف عليه ما أنفقه في طاعته، وقيل صدق بالجنة، وقيل صدق بموعد الله عز وجل الذي وعده أنه يثيبه فَسَنُيَسِّرُهُ فسنهيئه في الدنيا لِلْيُسْرى أي للخلة والفعلة اليسرى، وهو العمل بما يرضاه الله.
قوله عز وجل: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ أي بالنّفقة في الخير والطاعة وَاسْتَغْنى أي عن ثواب الله تعالى فلم يرغب فيه وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى أي بلا إله إلا الله أو كذب بما وعده الله عز وجل من الجنة والثواب فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى أي فسنهيئه للشّر بأن نجريه على يديه حتى يعمل بما لا يرضى الله تعالى فيستوجب بذلك النار، وقيل نعسر عليه أن يأتي خيرا وفي الآية دليل لأهل السّنة وصحة قولهم في القدر وأن التّوفيق والخذلان والسّعادة والشّقاوة بيد الله تعالى، ووجوب العمل بما سبق له في الأزل (ق) عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: «كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس، وجعل ينكت
[سورة الليل (٩٢): الآيات ١١ الى ١٨]
وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥)
الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨)
قوله عز وجل: وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ أي الذي بخل به إِذا تَرَدَّى أي إذا مات، وقيل هوى في جهنم إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى أي إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضّلالة وذلك أنه لما عرفهم ما للمحسن من اليسرى، وما للمسيء من العسرى أخبرهم أن بيده الإرشاد والهداية وعليه تبيين طريقها، وقيل معناه إن علينا للهدى والإضلال فاكتفى بذكر أحدهما، والمعنى أرشد أوليائي إلى العمل بطاعتي وأصرف أعدائي عن العمل بطاعتي، وقيل معناه من سلك سبيل الهدى فعلى الله سبيله. وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى أي لنا ما في الدّنيا والآخرة فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق فَأَنْذَرْتُكُمْ أي يا أهل مكة ناراً تَلَظَّى أي تتوقد وتتوهج لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى يعني الشّقي الَّذِي كَذَّبَ يعني الرّسل وَتَوَلَّى أي عن الإيمان وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى يعني التّقي الَّذِي يُؤْتِي أي يعطي مالَهُ يَتَزَكَّى أي يطلب عند الله أن يكون زاكيا لا يطلب بما ينفقه رياء ولا سمعة وهو أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين قال ابن الزبير: كان يبتاع الضعفاء فيعتقهم، فقال له أبوه أي بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك، قال منع ظهري أريد فأنزل الله وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى إلى آخر السّورة، وذكر محمد ابن إسحاق قال: كان بلال لبعض بني جمح وهو بلال بن رباح، واسم أمه حمامة، وكان صادق
جزى الله خيراً عن بلال وصحبه | عتيقاً وأخزى فاكهاً وأبا جهل |
عشية همّا في بلال بسوءة | ولم يحذرا ما يحذر المرء ذو العقل |
بتوحيد رب الأنام وقوله | شهدت بأن الله ربي على مهل |
فإن تقتلوني فاقتلوني فلم أكن | لأشرك بالرحمن من خيفة القتل |
فيا رب إبراهيم والعبد يونس | وموسى وعيسى نجني ثم لا تملي |
لمن ظل يهوى الغي من آل غالب | على غير حق كان منه ولا عدل |
جزى الله خيرا عن بلال وصحبه | عتيقا وأخزى فاكها وأبا جهل |
عشية همّا في بلال بسوءة | ولم يحذرا ما يحذر المرء ذو العقل |
بتوحيد رب الأنام وقوله | شهدت بأن الله ربي على مهل |
فإن تقتلوني فاقتلوني فلم أكن | لأشرك بالرحمن من خيفة القتل |
فيا رب إبراهيم والعبد يونس | وموسى وعيسى نجني ثم لا تملي |
لمن ظل يهوى الغي من آل غالب | على غير حق كان منه ولا عدل |
[سورة الليل (٩٢): الآيات ١٩ الى ٢١]
وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١)
وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ أي عند أبي بكر مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى أي من يد يكافئه عليها إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى أي لم يفعل ذلك مجازاة لأحد ولا ليد كانت له عنده لكن فعله ابتغاء وجه ربه الأعلى وطلب مرضاته وَلَسَوْفَ يَرْضى أي بما يعطيه الله عز وجل في الآخرة من الجنة والخير والكرامة جزاء على ما فعل، والله أعلم.