تفسير سورة الكافرون

بيان المعاني
تفسير سورة سورة الكافرون من كتاب بيان المعاني المعروف بـبيان المعاني .
لمؤلفه ملا حويش . المتوفي سنة 1398 هـ

يا سائلي عن رسول الله كيف سها والسهو في كل قلب غافل لاهي
قد غاب عن كل شيء سوه فها عما سوى الله فالتعظيم لله
وليعلم أن الخشوع من واجبات الصلاة وعدمة يفضي الى التهاون بها فينبغي للمصلي أن يجتهد لاحضار قلبه فيها ويخطر فيه أنه واقف بين يدي الله عز وجل فجدير به أن يكون خاضعا خاشعا له حاصرا فكره فيما يقرأه فيها من كلام الله ليؤديها بوجه كامل ولئلا يدخل في قول القائل:
تصلي بلا قلب صلاة بمثلها يكون الفتى مستوجبا للعقوبة
أما تستحي من خالق الملك أن يرى صدودك عنه يا قليل المروءة
فعلى العاقل أن يعلم حين صلاته بين يدي من هو واقف، وليجتهد بإفراغ قلبه عما سوى الله، فيلازم الخشوع والخضوع والخوف ويتذكر وقوفه في موقف القيامة لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ولهذا البحث صلة في أول سورة المؤمنين في ج ٢، وليعلم أن الله لا يقبل عملا من قلب غافل لاه هذا، والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين.
تفسير سورة الكافرون عدد ١٨- ١٠٩
نزلت في مكة بعد الماعون وهي ست آيات، ومثلها سورة الناس فقط، وعشرون كلمة، وأربعة وتسعون حرفا، ويوجد في القرآن خمس سور مبدوءة بما بدأت به هذه والجن والإخلاص والفلق والناس ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ١» أمر الله رسوله أن يخاطب الرهط من قريش الذين قالوا له يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك بأن تعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة، وهم أناس مخصوصون، علم الله أنهم لا يؤمنون فأذن له أن يقول لهم «لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ٢» من الآلهة لأنها أوثان لا تضر ولا تنفع وهي من عمل البشر الذي هو من عمل الله ربي فمعاذ الله
174
أن أشرك به غيره. قالوا فاستلم لبعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك (الاستلام يكون باليد على طريق التبرك كاستلام الحجر الأسود» فلم يفعل وأنزل الله هذه السورة قال تعالى «وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ٣» لأنكم تعبدون الأوثان وأنا أعبد الرحيم الرحمن الواحد الذي لا شريك له ولا رب غيره «وَلا أَنا عابِدٌ» الآن ولا في المستقبل «ما عَبَدْتُّمْ ٤» من الأصنام وغيرها «وَلا أَنْتُمْ» الآن «عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ٥» ولعل الله أن يهديكم فيما بعد إذا أراد بكم خيرا، أما إذا بقيتم مصرين على ما أنتم عليه ولم تتابعوني إلى ما أرشدكم إليه في الدين القويم فأقول «لَكُمْ دِينُكُمْ» الذي تدينون به هو الإشراك بالله وعليكم وزره «وَلِيَ دِينِ ٦» الذي أدين به وهو الإخلاص لله وحده ولي أجره، ولم يقل ديني لأن الآيات قبلها مختومة بالنون، ويجوز حذف الياء بلا حاذف مثل قوله تعالى يهدين ويحيين ويسقين ويشفين من سورة الشعراء، وقوله (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) من سورة الفجر وما أشبه ذلك، فلما قرأها عليهم ايسوا منه وبادروا بأذاه، وقد سمى كفرهم دينا على حسب اعتقادهم، ولمشاكلة اللفظة وفي معنى الآية الأخيرة تهديد على حد قوله تعالى (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) الآية ٢٠ من سورة فصلت في ج ٢ والتكرار في الجملة الاولى يفيد التأكيد وكلما كانت الحاجة ماسة إلى التأكيد كان التكرار أحسن ولا موضع أحوج منه هنا، وذلك لأن القرآن نزل بلسان العرب وعلى مجاري خطابهم، وبما أنهم كانوا وثنيين ينكرون البعث والتوحيد والنبوة فلا جرم أن التكرار لازم لهم لأجل التقرير، وقد تقربى في علم الاجتماع أن الدعوة تستدعي التأكيد والتكرار، وإذا تأملت في نظم القرآن وجدت أن ما ذكر موضوع منه لنكتة، لا يذكر في اخرى إلا لنكتة أخرى وإذا أمعنت النظر في قصة بدء الخليقة المكررة في مواقع كثيرة من القرآن عملت أنها في كل موقع لنكتة لا تجدها في الموضع الآخر كما سيتضح لك من إنعامك النظر فيما سيأتي من هذا القبيل إذا تذكرت وأبقيت هذا في فكرك. وأن العرب من مذاهبهم التكرار ارادة التوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار وارادة التخفيف ولا يجاز. روي أن
175
ابن مسعود دخل المسجد والنبي صلّى الله عليه وسلم جالس فقال له نابذ يا ابن مسعود، فقرأ هذه السورة في الركعة الأولى، ثم قال له في الركعة الثانية أخلص، فقرأ سورة الإخلاص، فلما سلم قال يا ابن مسعود سل تجب. وهذه السورة محكمة غير منسوخة لأن القصر المستفاد من تقديم المستند قصر إفراد حتما، لأن المعنى فيه أن دينكم هو الإشراك مقصور على الحصول لكم لا يتجاوزه الى الحصول إليّ، فلا تعلقوا فيه أمانيكم الفارغة فإن ذلك محال وان ديني الذي هو التوحيد مقصور على الحصول لما لا يتجاوزه الى الحصول لكم، لأن الله تعالى ختم على قلوبكم فلا تنالونه، وقد مر أنهم كفار مخصوصون سبق في علم الله عدم إيمانهم وهم على ما قيل قيس السهمي والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة والأسود بن عيد يغوث والأسود بن عبد المطلب بن أسد وأمية بن خلف وأضرابهم كأبي جهل وأبي لهب الذين ماتوا وقتلوا على كفرهم. واعلم أن من الناس من يتمثل بالآية الأخيرة على معنى المتاركة وهو غير جائز لأن القرآن نزل ليتدبر ويعمل فيه لا ليتمثل به، راجع سورة الكوثر المارة وسورة الطارق الآتية لنقف على مثل هذا، وأعلم أن هذه السورة المبدوءة بلفظ قل يجوز قراءتها بغير قصد القرآن بلا لفظ قل، كأن يقول عند الخطاب يا أيها الكافرون، هو الله أحد، أعوذ برب الفلق، أعوذ برب الناس، لأن الخطاب فيها وإن كان لسيد المخاطبين صلّى الله عليه وسلم فهي عامة لجميع المؤمنين، أما قل أوحي فلا، لأنها خاصة بحضرة الرسول فقط لأن الله خاطبه بها ليقصها على الجن والإنس
وإذا سأله قومه عما ذكر فيها يقول لهم إن الله تعالى أوحى إليّ بها، تأمل هذا، والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تفسير سورة الفيل عدد ١٩- ١٠٥
نزلت بعد (الكافرون) بمكة وهي خمس آيات، وثلاث وعشرون كلمة، وستة وتسعون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها، لأنها من الاخبار ولا يدخلها النسخ.
176
Icon