ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» (٣) خرج تقدير فعل الجميع هاهنا على غير المستعمل فى المنطق لأنهم يقولون فى الكلام وأسروا النّجوى الذين ظلموا مجازه مجاز إضمار القوم فيه وإظهار كفايتهم فيه التي ظهرت فى آخر الفعل ثم جعلوا «الَّذِينَ» صفة الكناية المظهرة، فكان مجازه «وأسرّ القوم الذين ظلموا النجوى» فجاءت «الَّذِينَ» صفة لهؤلاء المضمرين، لأن فعلوا ذلك فى موضع فعل القوم ذلك وقال آخرون: بل قد تفعل العرب هذا فيظهرون عدد القوم فى فعلهم إذا بدءوا بالفعل قال أبو عمرو الهذلي: «أكلونى البراغيث» بلفظ الجميع فى الفعل وقد أظهر الفاعلين بعد الفعل ومجازه مجاز ما يبدأ بالمفعول قبل الفاعل لأن النجوى المفعولة جاءت قبل الذين أسروها والعرب قد تفعل ذلك وقال:فجذّ حبل الوصل منها الواشي
[٥٧٣] و «أَسَرُّوا» من حروف الأضداد، أي أظهروا.
كضغث حلم غرّ منه حاله
«١» [٥٧٤].
«قَصَمْنا» (١١) أهلكنا..
«فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا» (١٢) أي لقوه ورأوه، يقال: هل أحسست فلانا، أي هل وجدته ورأيته ولقيته «٢» ويقال: هل أحسست منى ضعفا، وهل أحسست من نفسك برءا قال الشاعر «٣» :
أحسن به فهن إليه شوس
(٦٥٠).
«إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ» (١٢) أي يهربون ويسرعون ويعدون ويعجلون، والمرأة تركض ذيلها برجليها إذا مشت، أي تحرّكه قال الأعشى:
والراكضات ذيول الخزّ آونة | والرافلات على أعجازها العجل |
(٢). - ٥- ٦ «يقال- لقيته» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة (فتح الباري ٧/ ٣٣١).
(٣). - ٧ «الشاعر» : هو أبو زبيد الطائي.
(٤). - ٥٧٥: ديوانه ص ٤٦ والجمهرة ٢/ ١٠٢ واللسان والتاج (عجل).
والحصيد: مجازه مجاز المستأصل وهو يوصف بلفظ الواحد والاثنين والجميع من الذكر والأنثى سواء كأنه أجرى مجرى المصدر الذي يوصف به الذكر والأنثى والاثنان والجميع منه على لفظه، وفى آية أخرى: «كانَتا رَتْقاً» (٢١/ ٣٠) مثله..
«لا يَسْتَحْسِرُونَ» (١٩) أي لا يفترون ولا يعيون ولا يملّون، ويقال:
حسرت البعير..
«أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما» (٣٠) فالسموات جميع والأرض واحدة فخرج لفظ صفة الجميع على تقدير لفظ صفة الواحد كما ترى ولم يجىء «أنّ السماوات والأرض كنّ رتقا» ولا «ففتقناهن»، والعرب قد تفعل هذا إذا كان جميع موات أو جميع حيوان ثم أشركوا بينه وبين واحد من الموات أو من الحيوان جعلوا لفظ صفتهما أو لفظ خبرهما على لفظ الاثنين وقال الأسود بن يعفر:
أن المنيّة والحتوف كلاهما | يوفى المخارم يرقبان سوادى |
أخليد إنّ أباك ضاف وساده | همّان باتا جنبة ودخيلا |
طرقا فتلك هماهمى أفريهما... قلصا لواقح كالقسىّ وحولا
(١٤٢) فجعل الهماهم وهى جميع واحدا وجعل الهميّن جميعا وهما اثنان وأنشدنى «١» غالب أبو على النّفيلى للقطامى.
ألم يحزنك أن حبال قيس... وتغلب قد تباينتا انقطاعا
«٢» [٥٧٧] فجعل «حبال قيس» وهى جميع وحبال تغلب وهى جميع اثنين..
«كانَتا رَتْقاً» مجازه مجاز المصدر الذي يوصف بلفظه الواحد والاثنان والجميع من المذكر والمؤنث سواء ومعنى الرّتق الذي ليس فيه ثقب ثم فتق الله السماء بالمطر وفتق الأرض بالشجر «٣».
[ «فِجاجاً» ] (٣١) الفجاج المسالك واحدها فجّ، وقال العجّاج لحميد الأرقط: «الفجاج»، وتنازعا أرجوزتين على الطاء فقال له الحميد:
الخلاط يا أبا الشّعثاء، فقال له العجاج. الفجاج أوسع من ذلك يا ابن أخى، أي لا تخلط أرجوزتى بأرجوزتك «٤».
(٢). - ٥٧٧: ديوانه ص ٣٧ والطبري ١٧/ ١٤، ١٩/ ١٧ والقرطبي ١٣/ ٦٣.
(٣). - ٨- ٩ «فتق.. بالشجر» : وانظر أصحاب هذا التأويل فى الطبري ١٧/ ١٣.
(٤). - ١٠- ١٣ «الفجاج... بأرجوزتك» : روى هذا الكلام عن أبى عبيدة فى اللسان (خلط).
باتت تناصى الفلك الدوارا... حتى الصباح تعمل الاقتارا
«٢» [٥٧٨].
«يَسْبَحُونَ» أي يجرون، و «كُلٌّ» تقع صفته وخبره وفعله على لفظ الواحد لأن لفظه لفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع لأن معناه معنى الجميع وكذلك «كلاهما» قال الشاعر «٣» :
أن المنيّة والحتوف كلاهما... يوفى المخارم يرقبان سوادى
(٥٧٦) قال «يوفى» على لفظ الواحد ثم عاد إلى المعنى فجعله اثنين فقال: يرقبان سوادى، ومعنى كل المستعمل يقع أيضا على الآدميين فجاء هنا فى غير جنس الآدميين والعرب قد تفعل ذلك قال النّابغة الجعدىّ:
تمزّزتها والدّيك يدعو صباحه... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا
(٣١٠) وفى رواية أخرى «لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ» (٢١/ ٦٥) وفى آية أخرى «وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» (١٢/ ٤) وفى آية أخرى.
«يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ» (٢٧/ ١٨)..
«خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» (٣٧) مجازه مجاز خلق العجل من الإنسان
واستشهد قائل هذا القول لقوله هذا بقول الراجز.
(٢). - ٥٧٨: فى الطبري ١٧/ ١٦.
(٣). - ٥ «الشاعر» هو الأسود بن يعفر.
والعصبة هى التي تنوء «١» بالمفاتيح، ويقال: إنها لتنؤ عجيزتها، والمعنى أنها هى التي تنوء بعجيزتها، قال الأعشى:
لمحقوقة أن تستجيبى لصوته | وأن تعلمى أن المعان موفّق |
مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت | نجران أو بلغت سوآتهم هجر |
«قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ» (٤٢) مجازه: يحفظكم ويمنعكم، قال ابن هرمة:
إنّ سليمى والله يكلؤها | ضنّت بشىء ما كان يرزؤها |
(٢). - ٥٧٩: ديوانه ص ١١٠ والكامل للمبرد ص ٢٠٩ وشواهد المغني ص ٣٢٨.
(٣). - ٥٨٠: البيت مطلع قصيدة وقد قيل له إن قريشا لا تهمز فقال لأقولن قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش، بعضها فى شواهد المغني ص ٢٧٩ وهو فى الطبري ١٧/ ٢٠ والقرطبي ١١/ ٢٩١ واللسان والتاج (كلأ).
(٤). - ٥٨١: ديوانه ص ٢١٧ والكامل للمبرد ص ٢٠٩ والعيني ٢/ ٤٥٦.
«فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً» (٥٨) أي مستأصلين قال جرير:
بنى المهلّب جذّ الله دابرهم | أمسوا رمادا فلا أصل ولا طرف |
«فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ» (٦١) أي أظهروه تقول العرب، إذا أظهر الأمر وشهر، كان ذلك على أعين النّاس. أي بأعين الناس، ويقول بعضهم جاؤوا به على رؤوس الخلق..
«فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ» (٦٣) فهذا من الموات وخرج مخرج الآدميين بمنزلة قوله «رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» (١٢/ ٤) ويقال: سألت وسلت تسال لا يهمز فهو بلغة من قال سلته.
«ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ» (٦٥) مجازه: قلبوا، ويقال: نكست فلانا على رأسه، إذا قهره وعلاه ونحو ذلك..
«إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً» (٧١) أي غنيمة، قال لبيد بن ربيعة:
لله نافلة الأعزّ الأفضل
«٢» [٥٨٣].
«وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ» (٧٢) «وكل» يقع خبره على الواحد لأن لفظه لفظ الواحد ويقع خبره على خبر الجميع.
(٢). - ٥٨٣: ديوانه ٢/ ٣٣ واللسان (أثل، نفل)
«وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ» (٨٠) واللبوس: السلاح كلها من درع إلى رمح «٢» وقال الهذلي:
ومعى لبوس للبئيس كأنه... روق بجبهة ذى نعاج مجفل
«٣» [٥٨٤].
«وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ» (٨٢) «ومن» يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث قال الفرزدق:
تعال فإن عاهدتنى لا تخوننى... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
«٤» [٥٨٥] وكذلك يقع على المؤنث كقوله «وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً» (٣٣/ ٣١)، وقد يجوز أن يخرج لفظ فعل «من» على لفظ الواحد والمعنى على الجميع كقولك: من يفعل ذلك، وأنت تسأل عن الجميع.
(٢). - ٣- ٤ «واللبوس... رمح» : روى ابن حجر هذا الكلام عن عبيدة فى فتح الباري ٨/ ٣٣١. [.....]
(٣). - ٥٨٤: البيت لأبى كبير الهذلي فى ديوان الهذليين ٢/ ٩٨.
(٤). - ٥٨٥: ديوانه ص ٨٧٢ والكتاب ١/ ٣٥٨ والشنتمرى ١/ ٤٠٤ واللسان والتاج (منن) وشواهد المغني ص ٢٨١.
«فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ» (٩٤) أي فلا كفر لعمله، وقال:
من الناس ناس لا تنام جدودهم... وجدّى ولا كفران لله نائم
«١» [٥٨٦].
«يَنْسِلُونَ» (٩٦) يعجلون فى مشيهم كما ينسل الذئب ويعسل قال الجعدىّ:
عسلان الذئب أمسى قاربا... برد الليل عليه فنسل
«٢» [٥٨٧].
«حَصَبُ جَهَنَّمَ» (٩٨) كل شىء ألقيته فى نار فقد حصبتها، ويقال: حصب فى الأرض أي ذهب فيها..
«لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها» (٩٩) فهو من الموات الذي خرج مخرج الآدميين..
«لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها» أي صوتها والحسيس والحسّ واحد «٣» قال عبيد بن الأبرص:
فاشتال وارتاع من حسيسها... وفعله يفعل المذءوب
«٤» [٥٨٨] فاشتال يعنى الثعلب رفع ذتبه.
(٢). - ٥٨٧: البيت منسوب فى الجمهرة (٣/ ٣٢) واللسان (عسل) للبيد ولم أجد فى ديوانه وقال فى اللسان: وقيل هو للنابغة الجعدي كما هو منسوب للجعدى فى القرطبي ١١/ ٣٤١ وغير معز وفى الطبري ١٧/ ٦٦، «كل... حصبتها» : نقل ابن دريد هذا الكلام عنه فى الجمهرة ١/ ٢٢٣.
(٣). - ١٢ «حسيسها... واحد» نقل ابن حجر هذا الكلام عنه (فتح الباري ٨/ ٣٣١).
(٤). - ٥٨٨: ديوانه ص ١١ وشعراء النصرانية ١/ ٦١٠.
و «آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ «١» » (١٠٩) إذا أنذرت عدوّك وأعلمته ذلك ونبذت إليه الحرب حتى تكون أنت وهو على سواء وحذر فقد آذنته على سواء.